الـشـبـكـة الـدعـــويــة الـرائـــدة المتخصصة بالخطـب والمحاضرات 🌧 سـاهـم بالنشـر تؤجـر بـإذن اللـّـه •~•~•~•~•~•~•~•~•~•~•~•~• للتواصل مع إدارة القناة إضغط على الرابط التالي @majd321
🎤🎧
الرقية الشرعية
للشيخ/ سعود الفايز
⏰ مدة الرقية 33: 43 دقيقة
نشر العلم صدقة جارية فأعد نشرها
ولاتبخل على نفسك بهذا الأجر العظيم
========================
ــــــــ🕋 زاد.الـخـطــيــب.tt 🕋ـــــــــ
منــبرالحكـمــةوالمــوعـظــةالحســنـة.tt
رابط القناة تليجرام👈 t.me/ZADI2
للإشتراك بشبكة زاد الخطيب الدعوي
ارسل.اسمك.للرقم.730155153.tt
معاشر المؤمنين: وممن نالوا البشرى من الله تعالى الصابرون؛ قال الله تعالى في بشارتهم: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157].
قال سعيد بن جبير: "لم تُعْطَ أمة الاسترجاع إلا هذه الأمة؛ وهي قول: ﴿ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 156]، وبشر الصابرين بالخلف أو بالأجر أو بكليهما".
كما تنال البشارة بالمغفرة مَنِ التزم الشرع، وخشِيَ الرحمن بالغيب؛ قال جل وعلا: ﴿ إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ﴾ [يس: 11].
والبشارة تنال - عباد الله - من استقام على صراط الله المستقيم؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ﴾ [فصلت: 30، 31].
ومن اجتنب الشركَ والمعاصيَ، وأخلص العبادة لله تعالى، فله البشرى من الله جل وعلا؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 17، 18].
فهي بشرى في الحياة الدنيا؛ هدايةً ورضوانا وسعادةً، وعند الموت، وفي القبر، وفي القيامة؛ أمنًا وأمانًا، وعفوًا وغفرانًا، ثم خاتمة البشرى ما يبشرهم به الرب الكريم؛ من دوام رضوانه، ودخول جنانه.
ومن البشارات الجليلة للمؤمنين في الدنيا مودةُ الله لهم وتحبيبهم لعباده؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا * فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا ﴾ [مريم: 96، 97].
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله إذا أحب عبدًا، دعا جبريل فقال: يا جبريل، إني أحب فلانًا فأحبَّه، قال: فيحبه جبريل، قال: ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلانًا، قال: فيحبه أهل السماء، ثم يُوضَع له القبول في الأرض)).
جعلنا الله وإياكم من أهل بشاراته، وممن نال مغفرته ورضوانه
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
*الخطبة الثانية:*
الحمد لله على فضله،وإحسانه،وأشكره على توفيقه وامتنانه،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه،وسلَّم تسليماً كثيرًا، أما بعد:
معاشر المؤمنين: من أعظم البشارات التي ينالها المؤمن وهو يودِّع دنياه ويستقبل آخرته، في تلك اللحظات الرهيبة العصيبة، لا يملك أحباؤه من حوله له شيئًا؛ كما وصف ربنا جل وعلا وقال: ﴿ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الواقعة: 83 - 85].
عندها تأتي البشارة من ملائكة الرحمن، تبشر المؤمنين برضوان الله وكرامته؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كرِه لقاء الله كره الله لقاءه، قالت عائشة أو بعض أزواجه: إنا لنكره الموت، قال: ليس ذاك، ولكن المؤمن إذا حضره الموت، بُشِّر برضوان الله وكرامته، فليس شيء أحب إليه مما أمامه؛ فأحبَّ لقاء الله، وأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا حضر، بُشِّر بعذاب الله وعقوبته، فليس شيء أكره إليه مما أمامه؛ كرِه لقاء الله، وكره الله لقاءه))؛ [البخاري].
وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله؛ كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: 56].
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد.
وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
🔖من خطب الجمعة
٨ - جماد الأولى - ١٤٤٤ هـ
أكثروا الصلاة على النبيّ ﷺ
واغتنموا ساعة الإجابة
🕋
*خطبتي الجمعة من الحرم المكي*
🎙للشيخ/ فيصل غزاوي - حفظه الله.
__
🕌
*خطبتي الجمعة من الحرم المدني*
🎙 للشيخ / عبد الباري الثبيتي - حفظه الله.
أيها الناس ادخلوا في السلم كافة
للشيخ/ خالد الشايع
الخطبة الأولى:
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أيها الناس: لقد خلق الله الخليقة فأبدع خلقها، ورسم لها قدرا تسير عليه، وسن لها شرائع تعمل بها، وأمرهم جميعا بعبادته وحده لا شريك له، وأرسل لهم الرسل، وبين لهم السبل؛ فلا عذر لأحد في مخالفة أمره.
عباد الله: إن دين الله ليس بالتشهي ولا بالأماني، هو دستور رباني، يجب العمل به، وعدم تقديم العقول عليه؛ فلا اعتراض ولا نقد، لأنه من لدن عليم خبير، وكل ما خالف عقلك من شرع الله، فاعلم أن الخلل في عقلك وفهمك، والشرع منه بريء.
ولهذا يجب علينا جميعا الدخول في شرع الله كله، وأن لا نكون كأهل الكتاب الذين يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، بل نكون كما قال الله -سبحانه-: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدۡخُلُواْ فِي ٱلسِّلۡمِ كَآفَّة)؛ أي اعملوا بجميع الأعمال ووجوه البر.
قال ابن كثير: وزعم عكرمة أنها نزلت في نفر ممن أسلم من اليهود وغيرهم، استأذنوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أن يسبتوا، وأن يقوموا بالتوراة ليلا؛ فأمرهم الله بإقامة شعائر الإسلام والاشتغال بها عما عداها. أهـ
إن الإيمان ليس هو مجرد دعوى يقولها الإنسان بلسانه، دون أن يكون لها رصيد من الواقع، وحظ من العمل والتطبيق والامتثال؛ فهذا الوصف (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) يشعر بنوع علة أو تعليل، حيث يستدعي ذلك ما ذكر من الاستجابة؛ فأهل الإيمان هم الذين ينقادون في كل صغير وكبير، مما خاطبهم الشارع به، والإيمان بضع وسبعون -أو بضع وستون- شعبة؛ فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان؛ فذلك من إيمانهم الذي دخلوا فيه؛ فليس لهم أن يتخلوا عن شيء من ذلك.
(ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً)؛ فهذا يقتضي الاستسلام الكامل؛ (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا)[سورة النور:51]، (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)[سورة الأحزاب:36]؛ فلا يكون له اختيار، فكيف يعترض ويقول: أنا حر آخذ ما أريد، وأترك ما أشاء؟! فهذا لا يتفق مع الإيمان.
وقوله: (ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً)، ينتظم أعمال القلوب كلها، وأعمال الجوارح كلها، وما يتعلق باللسان؛ فتُسلم القلوب، والجوارح، واللسان؛ فيكون العبد مسلمًا حقًا، وهذه حقيقة دين الإسلام، وهو الاستسلام لله -تبارك وتعالى- بالطاعة، أن يستسلم لربه ومليكه ومولاه؛ فينأى عن الشرك، ويكون موحدًا مؤمنًا، ويكون عبدًا مطيعًا لربه ومولاه؛ فهذا هو الواجب على العباد؛ فيكون مطبقًا وممتثلاً ومستجيبًا ومؤتمرًا بأمر الله، أما الذي يتمرد على شرع الله فليس مستسلمًا، فحينما يُؤمر بتقوى الله تأخذه العزة بالإثم، كما في الآيات السابقة، فهذا لا يصح بحال من الأحوال.
فإذا تحقق (ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً)، تحققت حقيقة دين الإسلام، وانتفت الآفات والشرور عن النفس؛ فإن النفس تشقى حيث يُنتقص الإيمان وشرائعه؛ فهذه النفس لا يمكن لها أن تطمئن وتستقر، ويحصل لها الراحة إلا بأن تكون على وفق ما شرَّع الله، وأراده لها؛ فهذا الذي يحصل به نعيمها وصلاحها وفلاحها في الدنيا، وهو الذي يحصل به النعيم في الآخرة، وإلا فالنفس إذا ابتعدت عن هذا يحصل لها من اللأواء والشقاء والمعاناة بقدر هذا البعد.
ويقول حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه وأرضاه-: "يا معشر القراء استقيموا فقد سبقتم سبقنا بعيدا ولا تأخذوا يمينا وشمالا فقد ظللتم ضلالاً بعيدا "
إن المستقيم على شرع الله يطمئن، ويأمن ويسعدُ ويرتاح باله في الدنيا والأخرة .
كما قال الله -عزَّ وجلَّ- *﴿ إِنَّ الأَبرارَ لَفي نَعيمٍ ﴾* إِنَّ الأَبرارَ لَفي نَعيمٍ ذكر ابن القيم -رحمه الله تعالى- آن ذلك في الدور الثلاثة: في الدنيا ، وفي البرزح، ويوم لقاء الله ، يكون الأَبرارَ في نعيم ، في سعادة ، في آمن وأمان ، في خيرً واطمئنان ، *{ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (١٤) } ٨٣- الإنفطار ،* كذلك في الدور الثلاثة:
وهكذا يقولُ ربنا في كتابه الكريم: *{ مَن عَمِلَ صالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً .. } [١٦:٩٧] - النحل*
فَلَنُحيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وذكر الحياة لتعمُ الدور الثلاثة: فالذي يستقيمُ على شرع الله،
يكون بعيداً عن الشرك،
يكون محافظاً على الصلاة،
يكون محافظاً للواجبات،
مُبتعداً عن المحرمات ،
إن وقع في شيء سرعان ما يتوب إلى الله فإنه يعيش في آمن وأمان ، في خير واطمئنان ، في صلاح بال بإذن الله سبحانه وتعالى.
إن الإستقامة معاشر المسلمين: سببٌ للخيرات ، سببٌ للبركات سببٌ لنزول الأمطار ،
قال الله سبحانه : *﴿ وَأَن لَوِ استَقاموا عَلَى الطَّريقَةِ لَأَسقَيناهُم ماءً غَدَقًا ﴾ [٧٢:١٦] - الجن* أي: على طريقة الرسولُ عليه الصلاة والسلام، وَأَن لَوِ استَقاموا عَلَى الطَّريقَةِ لَأَسقَيناهُم ماءً غَدَقًا ،
*والاستقامة معاشر المسلمين:*
إذا طبقنا دين الله -سبحانه وتعالى- فإن المُجتمع سينعم بالخير، سينعم بالأمن والأمان، لو أن كلُ شرائح المجتمع أستقامت على طاعة الله ، أستقام الأبوين ، استقام المدرسون ، استقام الموظفون ، استقام القضاة ، استقام المدراء ، استقام كل شرائح المجتمع ، سينعم المجتمع بالخير والإطمئنان والرخاء والأمن والسعادة والراحة في الدنيا والأخرة.
*هكذا معاشر المسلمِين:*
إن المستقيم على شرع الله يبشر بالخير وهو على فراش موته، وهو على فراش الموت ، تأتيه البشارات ، وتأتيه الخيرات ، بما سيحصل عليها في الآخرة ، ولا يزال على سرير الموت ، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : *﴿ إِنَّ الَّذينَ قالوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ استَقاموا تَتَنَزَّلُ عَلَيهِمُ المَلائِكَةُ أَلّا تَخافوا وَلا تَحزَنوا وَأَبشِروا بِالجَنَّةِ الَّتي كُنتُم توعَدونَ ﴾ [٤١:٣٠] - فصلت*
أَلّا تَخافوا مما أنتم قادمون عليه، وَلا تَحزَنوا ما خلفتم وراءكم ،
فبصلاحكم واستقامتكم سيحفظ الله -عزَّ وجلَّ- لكم أولادكُمْ وأموالكُمْ وكل ما خلفتم ، *{ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٣٠) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (٣١) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (٣٢) }*
وقالَ الله سبحانه: *{ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٣) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٤) } ٤٦- الأحقاف*
فندعو أنفسنا جميعاً _معاشر المسلمين_: ندعو المجتمع كله، بكل طوائفه واشكاله واصنافه إلى الإستقامة على شرع الله ، إلى التمسك بدين الله فإن في ذلك الخير ، وفي ذلك الفلاح ، وفي ذلك السعادة في الدنيا والأخرة ،
والمطلوب آن نستقيم على شرع الله دائماً ، لا كما يفعل بعض الناس ، في بعض الأوقات يكون مُستقيمًا ، وفي بعض الأوقات تجده مُبتعداً معرضاً عن دين الله ، استقامتهُ استقامة موسمية ،
ليس كذلك يا عباد الله ! بل الإستقامة دائمة إلى آن يأتي هادم اللذات ، ومفرق الجماعات ، إلى أن تخرج الروح كما قال الله -عزَّ وجلَّ- *﴿ يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَموتُنَّ إِلّا وَأَنتُم مُسلِمونَ ﴾ [٣:١٠٢] - آل عمران* اتَّقُوا اللَّهَ وَلا تَموتُنَّ إِلّا وَأَنتُم مُسلِمونَ
وقالَ سبحانه : *﴿ وَاعبُد رَبَّكَ حَتّى يَأتِيَكَ اليَقينُ ﴾ [١٥:٩٩] - الحجر* أجمع العلماء على أن المُراد باليقين في هذه الآية ..هو الموت.. وَاعبُد رَبَّكَ حَتّى يَأتِيَكَ اليَقينُ ، آي: حتى يَأتِيَكَ الموت ، لا كما يفعلُ كما سمعتم ،
بعض الناس يعبد الله في رمضان ،أو يعبد الله في أوقاتٍ دون أخرى ،
فإن المسلم عبادته مُستمر إلى أن تخرج روحه إلى بارئها.
أسأل الله -عزَّ وجلَّ- أن يوفقنا وإياكم لكل خير وأن يجنبنا وإياكم كل سوء ومكروه.
كما نسأله سبحانه أن يثبتنا على الإسلام والسنة حتى نلقاه.
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ، ويا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك.
أنهم راقبوا الناس ، وتركوا رب الناس،
أنهم راقبوا الخلق ، وتركوا الخالق ، فاستقاموا في ظاهرهم ، وعملوا الرزايا والفواحش والمنكرات ، إذا غابوا عن أعين الناس ، وهذه من أبرز صفات المنافقين ، كما أخبر الله -عزَّ وجلَّ- بذلك عنهم.
وهكذا أخبرنا الرسول عليه الصلاةُ والسلام ، أن من يستقيم في ظاهره، وباطنهُ غير مستقيم، أخبرنا عن الثلاثة الذين أول من تسعر بهم النَّارَ ، الثلاثة أول من تسعر بهم النَّارَ، قارئ القرآن والمجاهد في سبيلِ اللهِ ، والمُنفق ، أعمالٌ عظيمة، أعمالٌ جليلة ، أعمالٌ كبيرة ، لكنهم أقاموا هذه الأعمال على غير ما يرضي الله -سبحانه وتعالى- ،
أما قارئ القرآن: فيَقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: له يوم القيامة، علمتك ما أنزلت على رسولي فماذا عملت فيه؟
فيقولُ: قمت به آناءَ اللَّيلِ وأطراف النَّهارِ ، فيقولُ: الله له كَذَبْتَ ، إنما قرأت ليقال قارئ ، وقد قيلَ ....،
وهكذا يقال للمنفق يقولُ: الله عزَّ وجلَّ له يوم القيامةِ ، أني أعطيتك حاجتك فلا تسأل الناس شيئا فماذا عَمِلتَ بالمال؟
فيقولُ: وَصَلتُ به الرَّحِمَ ، وانفقته فيك يا الله فيقولُ: كَذَبْتَ إنما أنفقت ليقال منفق ، وقد قيلَ ...،.
وهكذا يقالو للمجاهد، فيقولُ: جاهدت في سبيلك يا الله ، فيقولُ: الله له كذَبْتَ إنما جاهدت ليقال شجاع ، وقد قيلَ ...،
يا أبا هريرة : أولئك الثلاثة أول من تسعر بهم النار، أنهم أفسدوا بواطنهم بالرياء والسمعة، إنه أفسدوا بواطنهم بحب الظهور والثناء أمام الناس ، فاوصلهم ما سمعتم.
عندما قرأ هذا الحديث، على خال المؤمنين وكاتب الوحي لسيد الأولين والأخرين ، معاوية بن أبي سفيان -رضِيَ اللهُ عنه وأرضاه- خر مغشيا عليه وأغمي عليه ، فلما أفاق قال : صدق الله ورسوله ، صدق الله ورسوله ، ثم قرأ قول الله: ، *{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ}،*
الإستقامة معاشر المسلمين: لعلو مكانتها، وعظم منزلتها، أمرنا الله -عزَّ وجلَّ- أن نطلبها في كل ركعة.
أمرنا ديننا الحنيف، أن نسأل الله -عزَّ وجلَّ- ذلك في كل ركعة ، كما في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، « لَا صَلَاةَ لِمَن لَمْ يَقْرَأْ بفَاتِحَةِ الكِتَابِ.»
وفيها قوله سبحانه : *{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (٧).} [١] - الفاتحة*
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ: وهو صِّرَاطَ الله الذي لا اعوجاج فيه، وهو صِّرَاطَ واحد لا يتعدد، كما قال الله: *"{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُم وَصّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَتَّقونَ} [الأنعام: ١٥٣].*
وفي السنن، أن عبد الله بن عباس الله بن مسعود -رضِيَ اللهُ عنه وارضاه- قال: « خَطَّ لَنا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يومًا خطًّا مُستقيمًا ، وخط على جنبتيه خطوطا وقالَ: عن الخط المستقيم، هذا صِّرَاطَ الله ، وهذه الخطوط على كُلِّ خط شَيْطانٌ يَدْعو إليه. »
فطريق الله واضح، وطريقه واحد، وطريقه مستقيم ، يُستمد من كتاب الله، ومن سنة رسولِه ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ يقولُ الله -عزَّ وجلَّ- : أمراً عباده بهذا الأمر الجلل: (فَاستَقيموا إِلَيهِ وَاستَغفِروهُ) استقيموا إِلَيهِ، يأمرك الله -عزَّ وجلَّ- لا لأنه ينتفع بالإستقامة ولكن من أجلك أيها المسلم ، من أجلك أيها الإنسان ، أن تنتفع باستقامتك في دنياك وأخراك،
فَاستَقيموا إِلَيهِ وَاستَغفِروهُ: ولما كان التقصير حليف الإنسان، أرشد الله -عزَّ وجلَّ- أو أرشدنا الله -سبحانه وتعالى- إلى الإستغفار.
فالمسلم يقعُ في هفوة ، يقع في ذنب لا أحد يسلم من الخطأ ، لذلك أرشدنا الله إلى الإستغفار ، ليس من صفات المؤمن ، وليس من صفات المُستقيم أنه لا يذنب ، بل من صفات المستقيم ، أنه لا يصرُ على الذنوب ، كما قال الله -عزَّ وجلَّ-: في معرض صفات المؤمنين، *﴿وَلَم يُصِرّوا عَلى ما فَعَلوا وَهُم يَعلَمونَ ﴾ [٣:١٣٥] - آل عمران*
وقالَ الله سبحانه وتعالى: أمراً نبيه محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بهذا الأمر الجلل ، *{ فَاستَقِم كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١٢) وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ (١١٣) } [١١] - هود*
يقول بن عباس: -رضِيَ اللهُ عنه وارضاه- ما أنزل الله -عزَّ وجلَّ- على نبيه محمدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أشد ولا أشد من هذه الآية ،
وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله؛ كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: 56].
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد.
وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحمي حوزة الدين يا رب العالمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق ولي أمرنا وولي عهده لرضاك، وأعنهما على طاعتك يا ذا الجلال والإكرام.
اللّهم آت نفوسنا تقواها، زكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها.
اللّهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر.
اللّهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
ربنا إن ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
----------------------
الذين يبخلون ويأمرون الناس
( البخل ) - الشيخ عمر الدهيشي
الخطبة الأولى:
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
عباد الله: كتاب الله -تعالى- إن كان مصدراً للعقائد والشرائع، فهو مبعث للأخلاق السَّنية، ومنبع للآداب المرعية، لتتكامل الشخصية الإسلامية، وتستقيم الحياة الدينية والدنيوية، إذ الدين وكمال الحياة، محصور في الوفاء بحق الله -تعالى-، وأداء حقوق خلق الله، قال -تعالى-: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى)[الليل:5-10].
عباد الله: من الأخلاق المذمومة، والخصال المعيبة، التي تزري بالسمعة، وتؤثر على كل فضيلة، وتجلب كل رذيلة... خلق البخل، وحقيقته: منع ما لا ينفع منعه ولا يضر بذله، إذ هو بوابة المكروهات، ومبعث الشرور والسيئات، قال الإمام الماوردي: "قَدْ يَحْدُثُ عَن الْبُخْلِ مِنَ الأخْلاَقِ الْمَذْمُومَةِ، وَإِنْ كَانَ ذَرِيعَةً إلَى كُلِّ مَذَمَّةٍ، أَرْبَعَةُ أَخْلاَقٍ، نَاهِيكَ بِهَا ذَمًّا، وَهِيَ: الْحِرْصُ، وَالشَّرَهُ، وَسُوءُ الظَّنِّ، وَمَنْعُ الْحُقُوقِ،... وَإِذَا آلَ الْبَخِيلُ إلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ هَذِهِ الأخْلاَقِ الْمَذْمُومَةِ، وَالشِّيَمِ اللَّئِيمَةِ، لَمْ يَبْقَ مَعَهُ خَيْرٌ مَرْجُوٌّ، وَلاَ صَلاَحٌ مَأْمُولٌ"(أدب الدنيا والدين).
ولا غرو فقد جاء الآيات الكريمات متكاثرة في التحذير منه، والتشديد فيه، من بين سائر الأخلاق السيئة، وذلك في سبعة مواضع من كتاب الله -تعالى-، قال -سبحانه-: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا * الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ)[النساء:36-37]، وكان من دعائه -عليه الصلاة والسلام-: "اللهمّ إنّي أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أردّ إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدّنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر"(رواه البخاري).
عباد الله: إن ذم البخل والبخلاء، ومقت هذه الخلة؛ لأن المتصف بها يحرم نفسه فضلاً أسدي إليه، وخيراً أعطاه الله إياه، لم ينله بكده، أو يحققه بقوته، لولا توفيق الله -تعالى- له! فَلِمَ البخل والإمساك، مع وعد من الكريم المعطي -سبحانه- بالخلف والبركة؛ (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)[سبأ:39].
فمن يحرم نفسه فهو المحروم، ومن يبخل فهو لسوء طويته، وفساد سجيته، فهو داء يستوجب الدواء، وعلة تستحق التشخيص والعلاج، قَالَ -تعالى-: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)[آل عمران:180]، قال ابن سعدي -رحمه الله-: "أي: ولا يظن الذين يبخلون أي: يمنعون ما عندهم مما أتاهم الله من فضله من المال، والجاه، والعلم وغير ذلك، مما منحهم الله وأحسن إليهم به، وأمرهم ببذل ما لا يضرهم منه لعباده، فبخلوا بذلك وأمسكوه وضنوا به على عباد الله، وظنوا أنه خير لهم بل هو شر لهم في دينهم، ودنياهم، وعاجلهم، وآجلهم".
وَنُورَ بَصَرِي، وَجِلاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحًا” (أحمد، وصححه الألباني).
واعلموا -أيها الناس- أن الله -سبحانه- هو المتفرد بالنعم، وكشف النقم، وإعطاء الحسنات، ومغفرة السيئات، وكشف الكربات، وستر الزلات،
كما قال -سبحانه-: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [يونس: 107]؛
فهو الإله الحق الذي سكنت إليه العقول، واطمأنت بذكره القلوب، (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28]..
فيا سعادة من وصل إلى ساحل بحر معرفته، ورأى عظمة ذاته، وأسمائه وصفاته، وأبصر جماله وجلاله وكماله، وشاهد آلاءه وإحسانه وأفعاله، فمجَّده بلسانه، وعظَّمه في قلبه، وشكره بجوارحه، وتلذَّذ بعبادته وطاعته...
اللهم عرّفنا بك فلا ننساك، وارزقنا حبك، والشوق إلى لقاك...
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم...
-:(( الخطبة الثانية )):-
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسّلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
أمّا بعد:
فاتقوا الله -عباد الله- ولا تغفلوا عن سؤال ربكم ودعائه باسمه (الله)، فإنه أكثر ما يُدعى به، سواء بلفظ: يا الله، أو بلفظ: (اللَّهم)،
ومعنى: اللَّهم، يا الله، يا من لك كل كمال وكل جلال،
ولهذا لا تُستعمل إلا في الطلب،
فلا يقال: اللَّهم غفور رحيم،
بل يقال: اللَّهم اغفر لي وارحمني،
وقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يدعو ربه به كثيرًا بقوله: “اللَّهم”..
وعن رافع بن خديج -رضي الله عنه- أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: “اكْشِفِ البَاسْ رَبَّ النَّاسْ، إِلَهَ النَّاسْ“(ابن ماجه)..
وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: “اللهمَّ أَنْتَ المَلِكُ، لاَ إِلَهَ لِي إِلاَّ أَنْتَ” (مسلم)..
وقد ثبت دعاء الله باسميه الله والإله،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَة الأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيه قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلاً يَدْعُو وَهُوَ يَقُولُ: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى” (الترمذي)..
عباد الله :
إذا عرف المؤمن معنى هذا الاسم العظيم، فإنه يطبع في القلب معاني عظيمة وآثارًا جليلة ،
من أهمها:
محبة الله -عز وجل- محبة عظيمة تتقدم على محبة النفس، والأهل، والولد، والدنيا جميعًا؛ لأنه المألوه المعبود وحده..
ومنها : تعظيم الله وإجلاله، وإخلاص العبودية له وحده، والشعور بالاعتزاز به والتعلق به وحده، وسقوط الخوف والهيبة من الخلق والتعلق بهم..
ومن أعظم آثار الإيمان بالله رب العالمين : طمأنينة القلب وسعادته، وأنسه بالله -عز وجل-،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: “فإن اللذة والفرحة، وطيب الوقت، والنعيم الذي لا يمكن التعبير عنه إنما هو في معرفة الله -سبحانه وتعالى- وتوحيده والإيمان به، وانفتاح الحقائق الإيمانية والمعارف القرآنية..
وختامًا -أيها المسلمون- إن الله هو الإله الحق الذي تألهه القلوب: محبةً وإنابةً، وإجلالاً وإكرامًا وتعظيمًا، وذلاً وخضوعًا، وهو الذي يربّي عبده، فيعطيه خَلْقَه، ثم يهديه إلى مصالحه، فلا إله إلا هو، ولا رب غيره...
اللهم املأ قلوبنا ثقة بك، وطمأنينة بك، وتوكلاً عليك، وحبك لك...
هـــذا ﻭﺻﻠﻮﺍ ﻭﺳﻠﻤﻮﺍ ﺭﺣﻤﻜﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍﻟﻤﻬﺪﺍﺓ، ﻭﺍﻟﻨﻌﻤﺔ ﺍﻟﻤﺴﺪﺍﺓ ،
النبي المصطفى والرسول المجتبى ،
ﻧﺒﻴﻨﺎ ﻭﺇﻣﺎﻣﻨﺎ ﻭﻗﺪﻭﺗﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ بن عبد المطلب صاحب الحوض والشفاعة.
ﻓﻘﺪ ﺃﻣﺮﻛﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﺎﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻘﻮﻟﻪ: {ﺇِﻥَّ ﺍﻟﻠَّﻪَ ﻭَﻣَﻼﺋِﻜَﺘَﻪُ ﻳُﺼَﻠُّﻮﻥَ ﻋَﻠَﻰ ﺍﻟﻨَّﺒِﻲِّ ﻳَﺎ ﺃَﻳُّﻬَﺎ ﺍﻟَّﺬِﻳﻦَ ﺁﻣَﻨُﻮﺍ ﺻَﻠُّﻮﺍ ﻋَﻠَﻴْﻪِ ﻭَﺳَﻠِّﻤُﻮﺍ ﺗَﺴْﻠِﻴﻤًﺎ} [ﺍﻷﺣﺰﺍﺏ: 56].
ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺻﻞِّ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺑﺎﺭﻙ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﻴﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ، صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر،
ﻭﺍﺭﺽَ ﺍﻟﻠﻬﻢ ﻋﻦ ﺧﻠﻔﺎﺋﻪ ﺍﻟﺮﺍﺷﺪﻳﻦ،
أبي بكر و عمر و عثمان و علي ، ﻭﻋﻦ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺃﺟﻤﻌﻴﻦ، ﻭﻋﻦ ﺍﻟﺘﺎﺑﻌﻴﻦ، ﻭﻣﻦ ﺗﺒﻌﻬﻢ ﺑﺈﺣﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﺪﻳﻦ، ﻭﻋﻨﺎ ﻣﻌﻬﻢ ﺑﻤﻨﻚ ﻭﺭﺣﻤﺘﻚ ﻳﺎ ﺃﺭﺣﻢ الراحمين ..
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واحم حوزة الدين يا رب العالمين..
خطبة جمعة بعنوان:
" الـلـه جــل جـــلالـه "
🕌🕋🌴🕋🕌
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عناصر الخطبة
1/ من روائع لفظ الجلالة (الله) .
2/ معنى لفظ الجلالة واشتقاقه وشموليته لمعاني الألوهية وجميع الصفات .
3/ اتصاف الله بصفات الإلهية والكمال .
4/ ورود اسم الله في نصوص الكتاب والسنة .
5/ الدعاء بلفظ الجلالة .
6/ آثار الإيمان بلفظ الجلالة.
○○○□□□○○○
الحمدُ للهِ مدبِر الليالي والأيام،
ومصرف الشهور والأعوام،
الملكِ القدُّوس السلام،
المُتفرِّدِ بالعظمةِ والبقاءِ والدَّوام،
المُتَنزِّهِ عن النقائصِ ومشابهَةِ الأنام،
يَرَى ما في داخلِ العروقِ وبواطنِ العظام،
ويسمع خَفِيَّ الصوتِ ولطيفَ الكلام،
إِلهٌ رحيمٌ كثيرُ الإِنعَام،
ورَبٌ قديرٌ شديدُ الانتقام،
قدَّر الأمورَ فأجْراها على أحسنِ نظام،
وشَرَع الشرائعَ فأحْكمَها أيَّما إحْكام،
بقدرته تهبُّ الرياحُ ويسير الْغمام،
وبحكمته ورحمته تتعاقب الليالِي والأيَّام،
أحمدُهُ على جليلِ الصفاتِ وجميل الإِنعام، وأشكرُه شكرَ منْ طلب المزيدَ وَرَام،
وأشهد أن لا إله إلاَّ الله الَّذِي لا تحيطُ به العقولُ والأوهام،
وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه أفضَلُ الأنام، صلَّى الله عليه وعلى سائر آلِهِ وأصحابِه والتابعين لهم بإِحسانٍ على الدوام، وسلَّم تسليماً كثيراً ...
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تََسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1] ؛
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70-71]،..
أما بعد:
عباد الله :
ما أحوج الأمة في هذه الأزمان إلى معرفة الله الواحد الأحد، الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، وأخرج المرعى، باسط الرزق، ومغدق العطاء، ومسبل الغطاء، ومرسل النعم، ودافع النقم -سبحانه وتعالى-.
أيها المؤمنون :
إن من روائع ودقائق لفظ الجلالة -الله- أنه هو الذي لا يسكن العبد إلا إليه، فبه تسكن القلوب، وتفرح العقول؛ لأنه -سبحانه- الكامل على الإطلاق دون غيره،
وهو الذي لا يفزع العبد ولا يلجأ إلا إليه؛ لأنه لا مجير حقيقة إلا هو،
وهو الذي يلجأ إليه العبد بكل ذرة في كيانه، التجاء شوق ومحبة، فهو الكامل في ذاته وصفاته..
أيها المؤمنون :
لفظ الجلالة مأخوذ من الإله، وهو أعرف المعارف عَلَم على ذات الله، لم يُطلق على أحد غيره،
فلا يوجد أحد اسمه الله سواه،
قال -سبحانه-: (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) [طه: 65]،
وقال: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) [الإسراء 110]؛
فهو أعظم الأسماء؛ لأنه يدل على كمال الرحمة، وكمال القهر والغلبة، وكمال العظمة والعزة..
قال القرطبي -رحمه الله-: “وهذا الاسم هو أكبر أسمائه وأجمعها،
حتى قال بعض العلماء: إنه اسم الله الأعظم، ولم يتسمَّ به غيره،
ولذلك لم يُثنَّ، ولم يُجمع، وهو أحد تأويلي قوله -تعالى-: (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) [مريم: 65]،
أي: هل تعلم من تسمَّى باسمه الذي هو (الله)،
(فالله) اسم للموجود الحق الجامع لصفات الألوهية، المنعوت بنعوت الربوبية، المنفرد الحقيقي، لا إله إلا هو سبحانه“..
والإله هو المألوه وحده، المحبوب المطاع، المستحق أن يُفرد بالعبادة، وأن يُؤلهَ ويُعبد ويُحَبّ لأجلها؛ لأنَّ له أوصافَ العظمة والكبرياء،
والمتفرِّد بالقيُّومية، والربوبية، والمُلك والسلطان،
ويؤله لأنَّه المتفرد بالرحمة، وإيصال النِعم الظاهرة والباطنة إلى جميع خلقه،
ويؤله ويُحَبّ لأنَّه المحيط بكلِّ شيء علمًا وحُكْمًا، وحكمةً، وإحسانًا ورحمة،
ويؤله لأنَّه المتفرّد بالغنى المطلق التام من جميع الوجوه؛ فلا غنى لأحد عن كرمه طرفة عين، (وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [القصص: 70].
والله -سبحانه- هو النور، وحجابه النور، احتجب عن العقول بشدة ظهوره، واختفى عنها بكمال نوره.
عن أبي ذر قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هل رأيت ربك؟ قال: “نُورٌ أنَّى أرَاهُ” (مسلم).
الله عليه وسلم- بامرأة تبكي عند قبر، فقال: "اتقي الله واصبري"، فقالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي -ولم تعرفه- فقيل لها: إنه النبي -صلى الله عليه وسلم- فأتت باب النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، فقال: "إنما الصبر عند الصدمة الأولى"، وقال صلى الله عليه وسلم: "ما أُعطي أحدٌ عطاءً خيراً وأوسع من الصبر".
ومَن أصابته مصيبة أو فقد حبيباً فليتذكر مصيبته بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، قال صلى الله عليه وسلم: "من أصابته مصيبة فليتذكر مصيبته بي، فإنها من أعظم المصائب" فموته صلى الله عليه وسلم أعظم مصيبة وقعت على الأمة؛ لأن بموته انقطع الوحي، وظهر الشر، وانتشرت الفتن، وكان أول انقطاع الخير وأول نقصانه، ورُفعت الأمنة التي كانت بوجوده، ودبَّ التفرق والتشتت، وكثر التخبط، قال أنس -رضي الله عنه-: "لما دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينةَ أضاء منها كل شيء، ولما مات صلى الله عليه وسلم أظلم منها كل شيء، وما نفضنا أيدينا من قبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- (وإنّا لفي دفنه) حتى أنكرنا قلوبنا".
اصبر لكل مصيبة وتجلّـدِ *** واعلم بأن المرءَ غيرُ مخلّـدِ
وإذا ذكرت محمداً ومصابه *** فاجعل مصابك بالنبيِّ محمّدِ
وإذا احتسب العبد الأجر، ورزق الصبر، فقد هانت عليه مصيبته، وإذا تذكر معافاة الله له في جوانب كثيرة من حياته، حمد الله أن لم تكن بلواه أعظم، جاء عن عروة بن الزبيـر-وكان عابداً تقياً- أنه قد وقعت في رجله الآكلة- وهو في سفر، فدُعي له الطبيب فقطع رجله من نصف الساق، فما سُمع له حسٌّ من صبره، ثم جاءه الخبر بوفاة ابنه محمد، وطأته بغلة في إسطبل فلم يسمع منه في ذلك كلمة، فلما رجع قافلاً، قال: "لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا"، اللهم كان لي بنون سبعة فأخذت واحداً وأبقيت لي ستة، وكان لي أطراف أربعة، فأخذت واحداً وأبقيت لي ثلاثة، ولئن ابتليت لقد عافيت، ولئن أخذت لقد أبقيت.
ومن فقد حبيباً فليتذكر قوله صلى الله عليه وسلم: "قال الله -تعالى-: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه (حبيبه) من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة".
ومن علم أن الأرواح إنما هي أمانة في يد العبد، وأنها لا بد أن ترد إلى خالقها، وعلم أنه ليس بمخلَّد هانت عليه مصيبته: (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ) [آل عمران: 185].
وقد يبكي العبد من أجل فقد حبيب ارتحل عن هذه الدنيا، ولكن أما سأل نفسه كيف كان حاله معه في حياته؟
أكان يبرّ أمّاً وأباً، ويصل أختاً وأخاً، ويرحم زوجاً، ويشفق على ابن، ويود صديقاً، أم أن العبد لا يتذكر هذه الصلات إلا في حال الموت والمفارقة؟!
هل قمنا بواجب النصح لأحبتنا في حياتهم، حتى إذا ماتوا وبكيناهم نبكي على فراقهم، ولا نبكي لأننا لا ندري على أي حال سيكونون في قبورهم، وقد كانوا في هذه الدنيا مسرفين.
هذا واعلموا أن الأحبة أحوج ما يكونون في قبورهم إلى أعمال الخير التي تُرفع بها الدرجات، وتُمحى بها السيئات من صدقة ودعاء وإحسان، فلا تبخلوا بما تستطيعون.
ألا واعلموا أن من كان باكياً فليبكِ على نفسه، وما رحيل هؤلاء الأحبة إلا إنذار لنا بأننا قريب عن هذه الدنيا راحلون، ولها مفارقون، فهل أحسنا العمل؟ قال تعالى: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) [الزمر: 30 - 31]، وقال صلى الله عليه وسلم: "جاءني جبريل فقال: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزيٌّ به".
تبكي على الدنيا وما من معشر *** جمعـتهم الــدنيا فلـم يتفرقوا
فهل قدمنا بين أيدينا من الأعمال الصالحة ما يكون سبباً في نجاتنا؟ هل سينفعنا في قبورنا، دمعة تُذرف، أو قلب يئنّ وينـزف؟
لا -والله- كلُّ هذا يزول ويتلاشى ويُنسى، ولا يبقَ في القبور إلا العمل، فهل أخذنا معنا من الأعمال الصالحة ما تُنوَّر به القبور وتوسع، وتكون خير أنيس، أم إننا لا زلنا نخوض في الغفلة، رجاء أن يحسن لنا من بعدنا، وقد لا يحسن، وقد يحسن ولا يقبل.
ومن هانت عليه نفسه وضيعها، كانت على غيره أهون.
اللهم اغفر لنا وارحمنا، وعافنا واعف عنا، وتوفنا وأنت راضٍ عنا.
وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله؛ كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: 56].
اللهم وفِّق ولي أمرنا وولي عهده لرضاك، وأعنهما على طاعتك يا ذا الجلال والإكرام.
اللّهم آت نفوسنا تقواها، زكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها.
اللّهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر.
اللّهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
ربنا إن ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
------------------------فقد الأحبة - الشيخ سالم العجمي
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أنْ لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فإن من يعش في هذه الدنيا يرى من عجائب الزمان صوراً، ومن حوادث الأيام عبراً، وكلما طال به الأمد، فإذا به يطوي المرحلة تلو المرحلة، حتى يصل إلى الغاية التي عندها منتهى أجله، وانقطاع أمله.
وإنه بين ذلك ليمر بمحطات الاختبار والامتحان، فمرة ينجو ويسلّم، ومرة يصاب في مقتل، وكلما كان إيمان العبد بالله أقوى، كلما كان بلاؤه أشد، قال صلى الله عليه وسلم: "يبتلى المرء على حسب دينه، فإن وُجد في دينه رقّة خُفّف عنه، وإن وُجد في دينه صلابة زيد في بلائه".
وما هذا الابتلاء إلا من أجل تطهير العبد من الذنوب، ولا يزال الابتلاء به حتى يأتي يوم القيامة وقد كُفّرت سيئاته، قال صلى الله عليه وسلم: "ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة".
والفائز الحق عند هيجان عواصف الابتلاء من قوي بالله يقينه، واطمأن قلبه لأقدار الله، وعلم أن كل شيء بقدر: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [القصص: 68].
وعلى تنوع الابتلاءات التي تمر بالعبد، فإنه مأمور بالصبر على كل حال؛ لأن في الصبر تسلية للمصاب، وتهدئة للنفوس، وبعثاً للطمأنينة في قلب العبد.
وإن من أعظم ما يبتلى به المرء: فقد الأحبة من قريب أو صاحب.
وما الدهـرُ إلا هكذا فاصطبر لـه *** رزيـةُ مالٍ أو فراقُ حبــيبِ
فبينما يعيش المرء في كنف والده، يغذوه بالحنان، ويمده بالعطف، ويعلّمه كيف يعيش في هذه الدنيا على خير حال، فإذا بالموت يخطفه، وإذا به قد أقام تحت الجنادل وحيداً، قد خلّف كل شيء وراءه، ولم يأخذ معه إلا عمله، وإذ بذلك الابن الذي كان لا يعرف الهمّ حمل همّ أسرة فقدت عائلها، فراح يكابد عناء المعيشة، وإذا بفراغ يخيم على قلبه كلما علم أنه فقد باباً من أبواب البر وطريقاً إلى الأجر، قال صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأَضع ذلك الباب أو احفظه"، فقد كان يطمع أن يلج الجنة من خلال ذلك الباب بِراً وإحساناً، فإذا به يفقده، وكم هي حسرة إنْ لم يكن قد أحسن معاشرة أبيه في حياته؟!
وآخرون افتقدوا نبع الحنان الذي لا ينضب، من والدةٍ كانت ترعى الصغير حتى كبر، وتأمل أن يكون لها متكئاً عند النوائب، تعلمه الوصل بإخوانه، والرحمة بأخواته، تسهر لينام، وتتعب ليرتاح، لا تسأم ولا تمل.
وفجأة فإذا بها تودّع الدنيا، مخلّفة قلوباً منكسرة، وأكباداً متصدّعة، لا يُعلم على أي حال يكونون.
فإذا بالولد يحتاج إلى مستند، وإذا بالبنت يُخاف عليها الضيعة إن لم تجد أباً أو أخاً قوياً ناصحاً، وإذا بالأبناء قد افتقدوا سُلّماً إلى الجنة وجسراً موصلاً إليها، جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك؟ فقال: "هل لك من أم؟" قال: نعم، قال: "فالزمها فإن الجنة تحت رجليها".
وحقٌّ على من علم أن برّها كنـز موصل إلى الجنة: أن يحزن على خسران ما يرجوه من البر والخير والعمل الصالح، وأن يكون هذا دافعاً لحسن صحبتها في الدنيا.
وأمك كم بـاتت بثقلـك تشتكي *** تواصل ممـا شقها البؤس
وفي الوضع كم عانت وحيـن *** منيباً يشـق الجلد واللحم
وكـم سهـرت وجـداً عليك *** وأكبادها لهفاً بجمر الأسى
وكم غسـلت عنك الأذى *** حنوّاً وإشـفاقاً وأكثـرت الضمّـا
وآخر قد افتقد زوجةً كانت عنواناً في الأدب، ورأساً في العفة والسلوك الحسن، ومُقدَّمة في الصلاح، تحوطه بنصحها وخدمتها، ولا تقصّر في مطالبه، وتعينه على صلة رحمه، تتودد إليه طاعة لله، لا تفشي سرّه، ولا تظهر أمره.
فبينما هي كذلك إذ باغتها الأجل، فإذا به وحيداً من أنيس، وحوله أطفالٌ يُخشى عليهم الضياع بين يدي نساء لا يعرفن احتساب الأجر، ولا جرّبن حلاوة الصبر.
فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله -تعالى-: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد"، وكان رجل يأتي النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- ومعه ابن له، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أتحبه؟" فقال: يا رسول الله أحبك الله كما أحبُّه، ففقده النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: ما فعل ابن فلان؟ قالوا: يا رسول الله مات، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أما تحب ألا تأتي باباً من أبواب الجنة إلا وجدته ينتظرك؟" فقال رجل: يا رسول الله له خاصة أم لكلنا؟ قال: "بل لكلِّكم"، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من مسلم يموت له ثلاثة لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم".
ومن الناس من يفقد أخاً، كان عوناً له على ملمات الحوادث، وصولاً لرحمه، باذلاً نفسه في سبيل تحقيق راحته، قد رضعا من ثدي واحد، وعاشا إلفين متآلفين، كلٌ منهما يعد أخاه ليوم حاجته، يستأنس به في الوحشة، ويخلفه في الغربة، وإذ بالموت يخطفه، وإذ به خاوي اليدين منه، وقد صار وحيداً بعد اجتماع، ضعيفاً بعد قوة ومنعة، مستهدفاً بعد تخوف، وكم يزداد استيحاشه إذا كان ذا طاعة لربه، وسلوك حسن واستقامة على دين، لما استشهد زيد بن الخطاب -رضي الله عنه- شقيق عمر بن الخطاب الأكبر (وهو من عبّاد الصحابة الأتقياء البررة) لما استشهد يوم اليمامة حزن عليه عمر كثيراً، وكان كثيراً ما يتذكره ويقول: "ما هبت ريح الصبا إلا وأنا أجد ريح زيد".
ومن الناس من يفقد صديقاً، كان مؤنساً له في الوحشة، ومعيناً على الطاعة، يقوّيه إذا ضعف، ويرشده إلى سبل الخير، ويسهّل له طرقه، قد اجتمعا على الطاعة وحسن القصد.
وفجأة! إذ بالأجل يباغت صاحبه، في زمن قلّ فيه الأصدقاء الناصحون، والأحبةُ المخلصون المعينون على طاعة الله، وإذا به قد فقد مَن في فقده أبلغ التأثير.
فكم هو شديد على النفس أن تفقد ذا تقى، يهتدي به الضلال، ويستأنس به المستوحشون، ويسترشد به الحيارى.
إلى الله أشكو لا إلى النـاس *** أرى الأرض تُطوى والأخلاء
وهكذا تتنوع الابتلاءات في هذا الباب، وكلٌّ يفقد شخصاً يحبه ويودّه ويألفه، ولكن المصيبة العظمى! أن كثيراً منا مفرطٌ في حقوق أحبته في حياتهم، فإذا رحلوا عن الدنيا بكى وتألم، وتمنى أن لو كان كذا وكذا.
فما دمنا في زمن الإمهال فلماذا لا نحسن لأحبتنا ونعمل معهم في هذه الحياة، الذي طالما تمنينا فعله حين يُغَيَّبون عن أعيننا تحت الثرى؟!
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه ثم توبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
-------------------------------------------------
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فإن من نعم الله على المؤمن: أن يعلم أنه في دار اختبار، فيورثه ذلك يقيناً لا ينقطع، ومن ابتُلي بفقد الأحبة فليعلم أن أعظم ما يعالج الإنسان فيه نفسه ويسلي قلبه، اليقين بأن ما قدره الله كائن لا محالة، وأنه لا يردّ شيء من قضاء الله وقدره، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا) [الحديد: 22]، فإذا علم هذا الأصل العظيم أورثه ذلك الصبر على الأقدار المؤلمة، ووجد بالصبر علاجه وراحته، قال تعالى: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ) [البقرة: 155 - 156].
فلعظم منـزلة الصبر جعل الله -تعالى- لعبده هذا الأجر العظيم، من ثنائه عليه، ورحمته له، وجعْلِه مهتدياً، وقال تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر: 10]، وقد أرشدنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- لهذا الخلق الحسن الذي لا يأتي إلا بخير، وقد حث عليه بقوله وفعله وسيرته، مر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بامرأة تبكي عند قبر، فقال: "اتقي الله واصبري"، فقالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي -ولم تعرفه- فقيل لها: إنه النبي -صلى الله عليه وسلم- فأتت باب النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، فقال: "إنما الصبر عند الصدمة الأولى"، وقال صلى الله عليه وسلم: "ما أُعطي أحدٌ عطاءً خيراً وأوسع من الصبر".
ومَن أصابته مصيبة أو فقد حبيباً فليتذكر مصيبته بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، قال صلى الله عليه وسلم: "من أصابته مصيبة فليتذكر مصيبته بي، فإنها من أعظم المصائب" فموته صلى الله عليه وسلم أعظم مصيبة وقعت على الأمة؛ لأن بموته انقطع الوحي، وظهر الشر، وانتشرت الفتن، وكان أول انقطاع الخير وأول نقصانه، ورُفعت الأمنة التي كانت بوجوده، ودبَّ التفرق والتشتت، وكثر التخبط، قال
🔖من خطب الجمعة
١ - جماد الأولى - ١٤٤٤ هـ
أكثروا الصلاة على النبيّ ﷺ
واغتنموا ساعة الإجابة
🕋
*خطبتي الجمعة من الحرم المكي*
🎙للشيخ/ ماهر المعيقلي - حفظه الله.
__
🕌
*خطبتي الجمعة من الحرم المدني*
🎙 للشيخ / عبدالله البعيجان - حفظه الله.
اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين
Читать полностью…اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحمي حوزة الدين يا رب العالمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللّهم آت نفوسنا تقواها، زكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها.
اللّهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر.
اللّهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
ربنا إن ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
*نشر العلم صدقة جارية فأعد نشرها*
*ولاتبخل على نفسك بهذا الأجر العظيم*
========================
ــــــــ🕋 زاد.الـخـطــيــب.tt 🕋ـــــــــ
منــبرالحكـمــةوالمــوعـظــةالحســنـة.tt
رابط القناة تليجرام👈 t.me/ZADI2
للإشتراك بشبكة زاد الخطيب الدعوي
ارسل.اسمك.للرقم.730155153.tt
🎤
*خطبة جمعة بعنوان:*
*بـشـــارات قـــرآنـيـــة*
*للـشـيخ/ يحـيـى الـعقـيـلي*
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌
*الخطـبة الأولـى:*
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
((جاء رجل إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنك لأحب إليَّ من نفسي، وإنك لأحب إليَّ من أهلي، وأحب إليَّ من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيَك، فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رُفعت مع النبيين، وإني إذا دخلت الجنة خشيتُ ألَّا أراك، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا، حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69]))؛ [أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (1/ 29/ 1 – 2، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (6/ 1044)].
نعم عباد الله، تلك من بشارات القرآن لعباد الله المؤمنين، وقد تضمن القرآن بشاراتٍ عديدة لأصناف المؤمنين وصفاتهم؛ فالبشارة تنشط العاملين، وترفع هممهم، وتشد عزائمهم، وترسخ آمالهم؛ قال تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا ﴾ [الأحزاب: 47]
ذلك لِما يرجونه من فضل كبير؛ من هداية القلوب، وغفران الذنوب، وكشف الكروب، وكثرة الأرزاق الدارة، وحصول النعم السارة، والفوز برضا ربهم وثوابه، والنجاة من سخطه وعقابه، بما قدموه وأسلفوه من الإيمان والعمل الصالح: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ * ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ [الشورى: 22، 23].
ومن أعظم البشارات ما بشَّر الله تعالى به عباده المؤمنين بأعظم بشارة لهم؛ وهي أن لهم ثوابَ صدقٍ، وقبولًا عند الله تعالى يوم القيامة؛ قال جل وعلا: ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾ [يونس: 2].
وممن بشرهم الله تعالى أولياءه المتقين، بشَّرهم سبحانه وتعالى بالخير في الدنيا والأمن في الآخرة؛ فقال جل شأنه: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾ [يونس: 62 - 64].
وممن بشرهم الله تعالى المخبتين؛ وهم الخاشعون لله تعالى، المتواضعون لعباده؛ فقال سبحانه: ﴿ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [الحج: 34، 35].
قال السعدي رحمه الله في تفسيره: "﴿ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ﴾ [الحج: 34] بخير الدنيا والآخرة، والمخبِت: الخاضع لربه، المستسلم لأمره، المتواضع لعباده".
ثم ذكر الله تعالى آثار ذلك الإخبات ومعالمه؛ من وَجَلِ القلب عند ذكر الله، والصبر على المصاب، والمحافظة على الصلاة، والإنفاق في سبيل الله.
عباد الله: قد يسأل سائل فيقول: لماذا يجد الإنسان في قلبه وحشة؟ ولماذا يجد ألمًا؟ ولماذا يجد غمًا؟ ولماذا يشقى؟ ولماذا يجد حزنًا متطاولاً يصاحبه حيث حل؟ وذلك مع ما يتعاطاه من ألوان اللذات من المطعوم والمشروب والمنكوح، ومع ما يشاهده من الصور حيث يذهب هنا وهناك، فهو يُمتِّع ناظره، يطلب متعة لنفسه وقلبه، ولكنه لا يجدها؟!
إنما يحصل ذلك -أيها الأحبة- بلزوم الإيمان بشرائعه وشموله؛ فإذا نقص ذلك نقصت طمأنينة العبد وراحته وسعادته، ولو كان يغرق في اللذات الجسمانية والشهوات، ولو كان معافىً في بدنه، بخلاف من كان متحققًا بالإيمان؛ فلو كان فقيرًا لا يجد إلا بلغة من الطعام والشراب، ولو كان عليلاً؛ فإنه يجد في قلبه من الراحة والنعيم، كما كان شيخ الإسلام حيث وصفه الحافظ ابن القيم، مع كان فيه من المعاناة والشدة، كان يقول: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة. يعني لذة الطاعة.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه ثم توبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله،وإحسانه،وأشكره على توفيقه وامتنانه،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه،وسلَّم تسليماً كثيرًا، أما بعد:
أما بعد -فيا أيها الناس-: لا سبيل لسعادة الأمة ولا لقيادتها بدون الأخذ بالدين كله؛ فإن هذا هو السبيل إلى استقامة أمورها، وصلاح أحوالها، بحيث تبقى مجتمعة قوية متماسكة، أما أن يأخذ بعض الدين طائفة، ويأخذ بعض الدين طائفة، ثم بعد ذلك يتنازع الناس أمرهم بينهم؛ (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)[سورة المؤمنون:53]؛ فهذا سبب للبلاء كبير، وهو موجود في طوائف الأمة منذ القدم، وهو أن يُؤخذ بعض الدين، وهؤلاء يأخذون بعض الدين؛ فيحصل بسبب ذلك التفرق والاختلاف، فلا بد أن يُؤخذ الدين بكامله، كما جاء عن الله -تبارك وتعالى، وكما سن رسول الله -ﷺ-.
وليس لك أن تأخذ من الدين ما سهل عليك، ثم ما اشتهت نفسك من المحرمات وقعت فيه ثم قلت إن الله غفور رحيم، فأنت تسمع الله يناديك (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدۡخُلُواْ فِي ٱلسِّلۡمِ كَآفَّة).
معاشر المسلمين: للأسف إن كثيرا منا يأخذ الدين على طريق التشهي؛ فيفعل من الدين ما يروق له، ثم يخالف كثيرا من تعاليمه؛ فهذه صفة من صفات اليهود الذين أنكر الله عليهم، أنهم يأخذون بعض الدين ويتركون بعضه، والبعض يقوم ببعض طقوس وشعار ديانات ومذاهب باطلة، لأنها راقت له، وربما طبق أعيادهم، وابتعد عن دين الله وشرائعه، فلا يكون منهجا لمسلم، ولهذا قال الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم-، والأمر للأمة من بعد (فَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ)، وليس كما اشتهيت ورغبت.
وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله؛ كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: 56].
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد.
وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحمي حوزة الدين يا رب العالمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق ولي أمرنا وولي عهده لرضاك، وأعنهما على طاعتك يا ذا الجلال والإكرام.
اللّهم آت نفوسنا تقواها، زكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها.
اللّهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر.
اللّهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
ربنا إن ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، واصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، واصلح لنا أخرتنا التي إليها معادنا ، وأجعل الحياة زيادة لنا في كل خير. وأجعل الموت راحةٍ لنا من كل شر.
اللهم أغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها أولها واخرها ، سرها وعلانيتها ،
اللهم لا تدعنا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته ، ولا دينا إلا قضيته، ولا دينا إلا قضيته، ولا أسيرا إلا فككت اسره يا ذا الجلال والإكرام ،
اللهم عليك بامريكا ودولة اليهود اسرائيل اللهم دمرهم تدميرا.
اللهم اجعل الدائرة عليهم.
اللهم أرنا فيهم يوماً عجيبا ومن تحالف معهم على الإسلام والمسلمين يا ذا الجلال والإكرام.
وآخر دعوانا آن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينًا محمدٍ وعلى وصحبه أجمعين.
*نشر العلم صدقة جارية فأعد نشرها*
*ولاتبخل على نفسك بهذا الأجر العظيم*
========================
ــــــــ🕋 زاد.الـخـطــيــب.tt 🕋ـــــــــ
منــبرالحكـمــةوالمــوعـظــةالحســنـة.tt
رابط القناة تليجرام👈 t.me/ZADI2
للإشتراك بشبكة زاد الخطيب الدعوي
ارسل.اسمك.للرقم.730155153.tt
وعندما أسرع الشيبُ إلى رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قِيل له يا رسولِ الله : قد أسرع إليك الشيب ، فقَالَ: شيبتني هود واخواتها، شيبتني هود واخواتها ».
قال الشُراح : لأن في سورة هود هذه الآية فَاستَقِم كَما أُمِرتَ وَمَن تابَ مَعَكَ ، وتشير هذه الآية إلى أنه يجبُ على المسلم ، ويجبُ على المؤمن ، أن يستقيم كما أراد الله ، يستقيم كما أراد الله ، لا كما أراد هواه ، لا كما أرادت رغبته
فَاستَقِم كَما أُمِرتَ ، كما في كتاب الله ، وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ،
هذا هو المطلوب من المسلم أن يستقيم كما أمر الله،
وكما جاء عن رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لا على حسب الرغبات ، ولا على حسب الهوى ، لأن إتباع الهوى يهوي بصاحب إلى كل رذيلة ، يهوي بصاحبه إلى كل قبيح ،
كما قال الله -عز وجل- *﴿ أَفَرَأَيتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمعِهِ وَقَلبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَن يَهديهِ مِن بَعدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرونَ ﴾ [٤٥:٣٢] - الجاثية*
وقالَ: -عليه الصلاة والسلام-« وثَلاثٌ مُهْلِكَاتٌ : ومنها وأتباع الهوى أو و هوًى مُتَّبَعٌ ..»
فاتباع الهوى معاشر المسلمِين: سبيلٌ إلى كل غواية ، وإلى كل رذيلة ، إلا أن يضبط بكتاب الله وسنة رسوله ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فالمطلوب منا إذا جاء أمرٌ من الكتاب أو من السنة ، أن نسلم ذلك ، وأن نعمل به كما قال الله -سبحانه وتعالى:- *﴿ وَما كانَ لِمُؤمِنٍ وَلا مُؤمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسولُهُ أَمرًا أَن يَكونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم ... ﴾ [٣٣:٣٦] - الأحزاب*
وكما قال الله -عز وجل-: *﴿ يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا ادخُلوا فِي السِّلمِ كافَّةً وَلا تَتَّبِعوا خُطُواتِ الشَّيطانِ إِنَّهُ لَكُم عَدُوٌّ مُبينٌ ﴾ [٢:٢٠٨] - البقرة*
وتشير هذه الآية أيضاً : أعني قول الله فَاستَقِم كَما أُمِرتَ وَمَن تابَ مَعَكَ وَلا تَطغَوا، تشيرُ إلى الحذر من معوقات الإستقامة ، فقد ذكر الله *-عزَّ وجلَّ-* في هذه الآية معوقين للإستقامة ،
أولاً الطغيان :- وهو مُجاوزة الحدُ الشرعي فإن الطغيان يُوصل صاحبه إلى ما لا يحمد عقباه ، كما قال سبحانه : *﴿ فَأَمَّا مَن طَغَى (٣٧) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (٣٨) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (٣٩) ﴾ ٧٩ - النازعات*
وهكذا المعوض الثاني:- *﴿ وَلا تَركَنوا إِلَى الَّذينَ ظَلَموا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ ﴾ [١١:١١٣] - هود* أي: لا تميلوا إلى الظلمة، لا تحبوا الظلمة فَتَمَسَّكُمُ النّارُ ، وهذا يدعونا إلى المُفاصلة لأعداء الله من اليهود والنصارى وأتباعهم، كما قال الله سبحانه: *﴿ وَلا تُطِعِ الكافِرينَ وَالمُنافِقينَ وَدَع أَذاهُم وَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكيلًا ﴾ [٣٣:٤٨] - الأحزاب"
واعلم أيها المسلم : أن مما يعينك على الإستقامة ، أن مما يعينك على الإستقامة على دين الله، ويثبت على دين الله أمران:-
حفظُ القلب ، وحفظُ اللسان ،
أما حفظُ القلب: فكما قال النبيُّ -عليه الصلاة والسلام- « ألَا وإنَّ في الجسَدِ مُضْغةً إذا صلَحَت صلَحَ الجسَدُ كلُّه، وإذا فَسَدَت فَسَدَ الجسَدُ كلُّه، ألَا وهي القلْبُ. . »
فإذا صلح القلب، صلحت الجوارح تصلحُ العين ، تصلحُ الأذن تصلحُ اللسان ، تصلحُ جميع الجوارح ، إذا صلح القلب فهو بمثابة الملك، والجوارح بمثابة الجنود ...
وحفظُ اللسان : كما في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، « لا يَستقيمُ إيمانُ عبْدٍ حتى يَستقيمَ قلْبُه، ولا يَستقيمُ قلْبُه حتى يَستقيمَ لِسانُه. .» فإذا وفق الله الإنسان لحفظ لسانه عن المحرمات، كان ذلك سبثمن في ثباته على دين الله، وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أقول ما سمعتم وأستغفر العظيم لي ولكم من كل ذنب.
*الخطبة الثانية*
الْحَـمْدُ للهِ، وَأَشْهَدُ أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُاللهُ وَرَسُولُهُ،
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَصَحْبِهِ أجمين ،
أما بعدُ :
جاء في السنن من حديث ثوبان -رضي الله عنه- قال: قال رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ ـ « استَقِيموا ولنْ تُحصوا واعلَموا أنَّ خيرَ أعمالِكم الصَّلاةُ ولن يُحافِظَ على الوُضوءِ إلَّا مُؤمِنٌ .» صححه العلامة الألباني رحمه الله.
ذكر بعض الشُراح: أن من معاني قول النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، استَقِيموا ولنْ تُحصوا ، أي لم تحصو ثواب الإستقامة ، فإن ثوابها عظيم وثوابها جزيل وكبير.
ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: "لزوم الإستقامة من الكرامة ، لزوم الاستقامة من الكرامة."
🎤
*خطبة جمعة بعنوان :*
*الإســتــقامـة وثـمــارهـا*
*للشيخ/ عبدالعزيز المحويتي*
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌
*الخطبـة.الاولـى.cc*
إن الْحَـمْدُ للهِ، نَحْمَدُهُ ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ،وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ،
وَأَشْهَدُ أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
*﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:١٠٢].*
*﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إن اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء:١].*
*﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب:٧٠-٧١]*
*أَمَّا بَعْدُ:*
فإِنَّ أصدق الْكَلام كَلامُ اللهِ عز وجلٌ ، وَخَيْر الْهَدْى, هَدْى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وعلى آله وصحبة وسلم، وَشَرّ الْأُمُور مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
*أَيها المؤمنون عباد الله:*
إن الناظر بعين البصيرة إلى أوساط الأمة الإسلامية، يرى عجباً عظيماً، يرى غفلةً عظيمة، عن تطبيق دين الله، -سبحانه وتعالى- يرى إبتعادا واعراضا كبيراً ، عن إتباع سنة محمدٌ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ -
يرى ترك للصلاة، ووقوعا في الشرك، واعراضا عن السنة، وعقوقٌ للوالدين، وقطعا للأرحام، ووقوعاً في الأخلاق السافلة، وقوعا في المحرمات والمنكرات، وقوعا في الفواحش والمخالفات ، التي نهى عنها ربُ الأرض والسماوات، فمع هذا الواقع المرير ،
ينبغي علينا معاشر المسلمين: أن نلمح لمحةً يسيرة إلى تلك الوصيةٍ المحمدية ، التي جعلها رسولِ الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ ـ لذلك الصحابي الجليل وهي للأمة بعده ،
عن أبي عمرو وكيل أبي عمره سفيان بن عبدالله الثقفي -رضي الله عنه- قال: « قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، قُلْ لي في الإسْلامِ قَوْلًا لا أسْأَلُ عنْه أحَدًا بَعْدَكَ، قالَ: قُلْ: آمَنْتُ باللَّهِ، ثم اسْتَقِمْ. » رواه الإمام مسلم.
ما أحوجنا عباد الله : إلى الإستقامة الصحيحة، إلى الإستقامة الصادقة على دين الله ، وعلى شرع الله ، وعلى سُنة محمدٌ بن عبدالله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَصَحْبِهِ أجمعين ـ إن الإستقامة معناها: كما سُئل أبو بكر الصديق -رَضيَ اللهُ عنه وأرضاه- قال: " الإستقامة لا تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيئًا ،لا تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيئًا ،. "
وقال الإمام عمرَ بنَ الخطابِ: -رَضيَ اللهُ عنه وأرضاه- فاروق الأمة، " الإستقامة: أن تستقيم على الأمر والنّهي، ولا تَرُوغُ رَوَغَانَ الثّعالب. "
وقال أميرِ المُؤمِنينَ عُثْمانَ بنِ عَفَّانَ: ذو النورين -رَضيَ اللهُ عنه وأرضاه- "الإستقامة إخلاص العمل لله عزَّ وجلَّ. "
وقالَ الصحاب الجليل : أميرِ المُؤمِنينَ أبو الحسنين عليَّ بنَ أبي طالبٍ -رَضيَ اللهُ عنه- " الإستقامة أداءُ الفرائض "
هكذا معاشر المسلمين: هذا هو معنى الإستقامة أن توحد الله -سبحانه وتعالى-
أن تبتعد عن الشرك ، أن تؤدي الفرائض التي فرضها الله -سبحانه وتعالى-، أن تُخلص العمل لله -عزَّ وجلَّ- ، وأن تتبع سنة رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ ،
الاستقامة: تعني أن تستقيم في ظاهرك وباطنك ، أن تستقيم في ظاهرك وباطنك، لا كما يفعل بعض الناس ، يستقيم في الظاهر ، وفي الخفايا يعملُ الرزايا ، ويعملُ المنكرات ويعملُ المخالفات ، المخالفة لشرع الله ، لسنة رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ ، من كان هذا حاله ، فهو على خطر عظيم .
فقد جاء عن النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ ، أنه قال: « لأَعلَمَنَّ أقوامًا من أُمَّتِي ، يأتُونَ يومَ القيامةِ بِحسناتٍ أمثالِ جِبالِ تِهامَةَ بيضاءَ ، فيَجعلُها اللهُ هباءً مَنثُورًا ، فقَالَ الصحابة : من هؤلاء يا رسولَ اللَّهِ؟ جلِّهم لَنا، حدثنا عنهم، أخبرنا عن حالهم هؤلاء ، يأتُونَ بِحسناتٍ كأمثالِ جِبالِ تِهامَةَ بيضاءَ ، فقَالَ عليه الصلاةُ والسلام: هم قومُ من جِلْدَتِكم ويتكلمون بالسنتكم ولكِنَّهمْ ..أنتبه.. لهذا الاستدراك ولكِنَّهمْ قومٌ إذا خَلَوْا بِمحارِمِ اللهِ انْتهكُوها .»
عباد الله: البخل ينفّر الناس منه، ويترفع العقلاء عنه، وتمجّه النفوس السوية، وتأبه الأخلاق العلية، ويكفي منه أنه خلة كلّ يتبرأ منها، ويغضب المرء إن وُصِفَ بها، لاشتمالها على سوء ظن، وتوقع شر، وقلة خير، وأنانية مقيتة، ولكن ثمت صفات وخلال إن لابسها المرء وتخلق بها، فهو البخيل، فليعرضها المرء على نفسه، ويراجع بها خُلُقه وسلوكه.
فمن بخل بماله على نفسه ومنعها من مداواة وعلاج وحق واجب فهو البخيل، قال ابن قدامة: "أشدُّ درجاتِ البخل: أن يبخل الإنسانُ على نفسِهِ مع الحَاجة، فكم من بخيل يمسك المالَ، ويمرض فلا يتداوى، ويشتهى الشهوةَ فيمنعه منها البخلُ"(مختصر منهاج القاصدين).
ومن تخلف عن أداء واجب النفقة بالمعروف على زوجه وولده وأهل بيته، أو تحايل على زكاة ماله وصدقته المفروضة، أو تكاسل في بذل خيره لذوي رحمه والأقربين منه فهو البخيل، قال -تعالى-: (هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)[محمد:38]، وفي الحديث قال -عليه الصلاة والسلام-: "ما من ذي رحِمٍ يأتِي ذا رحِمَه فيسألُه فضلاً أعطاه اللهُ إياه فيبخلُ عليه إلا أخرج اللهُ له يومَ القيامةِ من جهنمَ حيةً يُقالُ لها شجاعٌ فيطوقُ به"(رواه المنذري بسند حسن).
ومن بخل بتحيَّة السَّلام على من يلقاه ابتداء أو ردًّا، فهو البخيل، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "إن أعجز الناس من عجز عن الدعاء، وأبخل النَّاسِ مَن بخلَ بالسَّلَام"(رواه الطبراني)، واستعمال صيغة أفعل تدلُّ على شدة بخل من يبخل بما لا يكلِّفُه من ماله شيئاً.
ومن أنواع البخل: أن يبخل المسلم بالصَّلاة على الحبيب -صلى الله عليه وسلم- عند ذِكْره، فعن عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "البَخِيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ، فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ"(رواه الترمذي)؛ فمن لم يصلِ على النَّبي -صلى الله عليه وسلم- إذا ذُكِرَ عندَه؛ فقد منعَ نفسَهُ أن يُكتال لها يوم القيامة بالمكيال الأوفى، فهل تجد أحدًا أبخل من هذا.
ومن أنواع البخل: أن لا يُعطِي الإنسانُ من مال الله الذي أكرمه به إلَّا عن طريق النَّذر، وهو أن يلزم نفسَه بما لا يجب عليه خوفاً أو طمعاً، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يأتي ابنَ آدمَ النذرُ بشيء لم يكن قُدِّرَ له، ولكن يُلقِيه النذرُ إلى القَدَرِ قَدْ قُدِّرَ له، فيستخرج اللهُ به منَ البَخِيْل، فيؤتى عليه ما لم يكن يؤتى عليه من قبل"(رواه البخاري).
والواقع أنَّ النَّذر لا يغيِّر شيئاً من قدر الله -تعالى-؛ لأنَّ ما قدَّره اللهُ كائن، ولكنَّ البخيل من النَّاس هو من يجعل قيامَه ببعض الأعمال الصالحة من صدقة أو صوم مرهونة بدفع مخوفٍ منه، أو تحقيق مطموعٍ فيه.
ومن أنواع البخل أن يرى المسلم منكراً فلا ينهى عنه، أو معروفًا فلا يأمر به، بدعوى الحرية الشخصية أو عدم التدخل في شؤون الآخرين، باخلاً بفضل الله ومنّته عليه، وهدايته للطريق الحق، والعمل الصالح، وفي الحديث: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"(رواه مسلم).
فاللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه ثم توبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله،وإحسانه،وأشكره على توفيقه وامتنانه،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه،وسلَّم تسليماً كثيرًا، أما بعد:
عباد الله: من أسوأ أصناف البخلاء أولئك الذين لا يقفُ بخلُهم عندَ أنفسهم، بل يَتَعَدّون ذلك ليصبحوا دُعاةً للبخل وشداة له، فيأمرون النَّاس بالبخل بقيلهم أو حالهم، ويبخلون بمالهم وجاههم وسلامهم وأمرهم بالمعروف، فهُم كمن أبغض الجود حتى لا يحبّون أن يُجَاد، وهي النِّهاية في الحِرص والبخل، ولا يكتفون بذلك بل ربما تظاهروا بالحاجة والفقر أو ادعاء العقل والاتزان، ويُخْفُون نِعَمَ الله التي أنعَمَ بها عليهم؛ ولذا جاء تخصيصهم بالذم والوعيد، قال -تعالى-: (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)[الحديد:24].
فاللهم اجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر.
ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺯﺩﻧﺎ ﻭﻻ ﺗﻨﻘﺼﻨﺎ، ﻭﺃﻛﺮﻣﻨﺎ ﻭﻻ ﺗﻬﻨﺎ، ﻭﺃﻋﻄﻨﺎ ﻭﻻ ﺗﺤﺮﻣﻨﺎ، ﻭﺁﺛﺮﻧﺎ ﻭﻻ ﺗﺆﺛﺮ ﻋﻠﻴﻨﺎ، ﻭﺍﺭﺽ ﻋﻨﺎ ﻭﺃﺭﺿﻨﺎ،
ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺍﺟﻌﻞ ﺯﺍﺩﻧﺎ ﺍﻟﺘﻘﻮﻯ، ﻭﺯﺩﻧﺎ ﺇﻳﻤﺎﻧﺎً ﻭﻳﻘﻴﻨﺎً ﻭﻓِﻘﻬﺎً ﻭﺗﺴﻠﻴﻤﺎً،
اللهم احقن دمائنا واحفظ بلادنا وألف بين قلوبنا ... ومن أرادنا أو أراد بلادنا بسوء أو مكروه فرد كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه ..
اللهم إنا نعوذ بك من همزات الشياطين وَنعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ ..
اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا وتولى أمرنا وردنا إلى دينك رداً جميلاً ...
ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺍﺟﻌﻠﻨﺎ ﻣﻤﻦ ﻃﺎﺑﺖ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ﻭﺣﺴﻨﺖ ﺳﺮﻳﺮﺗﻬﻢ ﻭﺻﻠﺤﺖ ﻋﻼﻧﻴﺘﻬﻢ ..
ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺟﻨﺒﻨﺎ ﻭﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺍﻟﻔﺘﻦ ﻣﺎ ﻇﻬﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﻣﺎ ﺑﻄﻦ ﻭﺍﺣﻘﻦ ﺩﻣﺎﺀ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺃﺭﺽ ﻭﻣﻜﺎﻥ ﻭﺍﺟﻌﻠﻨﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺍﺷﺪﻳﻦ.. برحمتك يا أرحم الراحمين..
ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺇﻧﺎ ﻧﺴﺄﻟﻚ ﻣﻮﺟﺒﺎﺕ ﺭﺣﻤﺘﻚ، ﻭﻋﺰﺍﺋﻢ ﻣﻐﻔﺮﺗﻚ، ﻭﺍﻟﺴﻼﻣﺔ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺇﺛﻢ، ﻭﺍﻟﻐﻨﻴﻤﺔ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺑﺮ، ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺇﻧﺎ ﻧﺴﺄﻟﻚ ﺍﻟﻔﻮﺯ ﺑﺎﻟﺠﻨﺔ ﻭﺍﻟﻨﺠﺎﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺭ ،
ﺍﻟﻠﻬﻢ ﻻ ﺗﺪﻉ ﻟﻨﺎ ﺫﻧﺒﺎً ﺇﻻ ﻏﻔﺮﺗﻪ، ﻭﻻ ﻫﻤﺎً ﺇﻻ ﻓﺮﺟﺘﻪ، ﻭﻻ ﺩﻳﻨﺎً ﺇﻻ ﻗﻀﻴﺘﻪ، ﻭﻻ ﻣﺮﻳﻀﺎً ﺇﻻ ﺷﻔﻴﺘﻪ، ﻭﻻ ﺣﺎﺟﺔً ﺇﻻ ﻗﻀﻴﺘﻬﺎ ﻭﻳﺴّﺮﺗﻬﺎ ﻳﺎ ﺭﺏّ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ،
ﺭﺑﻨﺎ ﺁﺗﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺣﺴﻨﺔ ﻭﻓﻲ ﺍﻵﺧﺮﺓ ﺣﺴﻨﺔ ﻭﻗﻨﺎ ﻋﺬﺍﺏ ﺍﻟﻨﺎﺭ...
عبــاد الله:
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون...
فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون...
والحمد لله رب العالمين ...
ووصف النبي -صلى الله عليه وسلم- ربه بقوله: “حِجَابُهُ النُّورُ، لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ” (مسلم)..
والله -سبحانه- هو المألوه المعبود المحبوب، والعباد مولعون بالتضرع إليه في جميع الأحوال،
فإذا وقع العبد في بلاء عظيم فإنه ينسى كل شيء إلا الله، فيتوجه إليه..
والله -سبحانه- هو المألوه الذي تألهه القلوب محبةً وإجلالاً، وتعظيمًا ورغبةً ورهبةً؛
ولهذا قال ابن عباس -رحمه الله-: “الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين“..
فالله -عزَّ وجلَّ- هو المعبود المستحق لإفراده بالعبادة؛ لما اتصف به من صفات الكمال والجلال والجمال..
والله -عزَّ وجلَّ- هو المحسن إلى عباده في جميع الأحوال، والمحسن محبوب مرجوع إليه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 21-22]،
فسبحان من تفزع إليه الخلائق عند النوائب، المنعم عليهم بصنوف النعم، وصدق -سبحانه- إذ يقول: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) [النحل: 53]..
وقد قامت كلمة التوحيد في الإسلام على معنى الألوهية،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “(لا إله إلا أنت).
فيه إثبات انفراده بالإلهية، والألوهية تتضمن كمال علمه وقدرته، ورحمته وحكمته، ففيها إثبات إحسانه إلى العباد،
فإن الإله هو المألوه، والمألوه هو الذي يستحق أن يُعبَد، وكونه يستحق أن يُعبَد هو بما اتصف به من الصفات التي تستلزم أن يكون هو المحبوب غاية الحب، المخضوع له غاية الخضوع، والعبادة تتضمن غاية الحب بغاية الذل”..
عباد الله :
إن اسم (الله) جامع لمعاني الألوهية كلها، وهي جميع أوصاف الكمال، مثل: (الحميد المجيد)،
فإن (الحميد) الاسم الذي دل على جميع المحامد والكمالات لله،
و(المجيد) الذي دلَّ على أوصاف العظمة والجلال،
ومثل: (الحي القيوم)، فإن (الحي) من له الحياة الكاملة العظيمة الجامعة لجميع معاني الذات،
و(القيوم) الذي قام بنفسه، واستغنى عن جميع خلقه، وقام بجميع الموجودات، فهو الاسم الذي تدخل فيه صفات الأفعال كلها..
عباد الله :
لقد أثنى الله -تبارك وتعالى- على ذاته العلية، فوصف نفسه بأنه الله والإله، وقد ذُكر اسم (الله) في القرآن في ألفين وسبعمائة وأربعة وعشرين موضعًا، وهو اللفظ الذي تضاف إليه كل الأسماء الحسنى، ولا يُضاف هو إلى غيره،
ولذلك قال -تعالى-: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأعراف: 180]،
وقال -سبحانه- يمجد ذاته العلية: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [الحشر:22- 24]..
وقد وصف نبينا محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- ربه بهذا الاسم، وهو أعرف الخلق به، فوصفه بلفظ الجلالة (الله، والإله) في عدد كبير من أحاديثه،
ومن ذلك ما صح عن أبي موسى الأشعري قال: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِأَرْبَعٍ: “إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنَامُ، وَلاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ” (مسلم)..
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يناجي ربه مثبتًا له اسم الإله، والرب، والله،،،
عن شَدَّاد بْن أَوْسٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ” (البخاري).
وعلّم النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه الالتجاء إلى الله، والاحتماء به عند الشدائد، والإلحاح عليه بأسمائه الحسنى،
فعن عَبْد اللَّهِ بن مَسْعُودٍ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: “مَا أَصَابَ مُسْلِمًا قَطُّ هَمٌ أَوْ حُزْنٌ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي،
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد.
وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحمي حوزة الدين يا رب العالمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق ولي أمرنا وولي عهده لرضاك، وأعنهما على طاعتك يا ذا الجلال والإكرام.
اللّهم آت نفوسنا تقواها، زكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها.
اللّهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر.
اللّهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
ربنا إن ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
لعمرك ما الرزيةُ فقدُ مالٍ *** ولا فرسٌ يموت ولا بعيـرُ
ولكنّ الرزيةَ فقدُ حرٍّ *** يموت لموته خلـقٌ كثيرُ
وآخر قد افتقد ابناً كان يراه يترعرع بين يديه، كلما كبر رأى أحلامه فيه تكبر، وبينما هو يراه كالشجرة اليانعة، في كل يوم تزداد أغصانها زهواً، وعذوقها ثمراً، وبينما يرى ابناً باراً به، يقوم بخدمته، ويتكئ عليه عند الملمات والضعف.
فجأة! فإذا بالموت يخترمه، وإذا به قد تصدع قلبه، وعاد فراغاً بعد أن كان مغتبطاً به فرحاً، وقد عظم عليه المصاب، وكاد أن يفقد صوابه، لكنه أيقن بموعود الله وصدّق بوعده، فإذا به صابراً محتسباً، لما علم من أجر الصبر على فقد الأحبة، قال صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ولد العبد قال الله -تعالى- لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله -تعالى-: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد"، وكان رجل يأتي النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- ومعه ابن له، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أتحبه؟" فقال: يا رسول الله أحبك الله كما أحبُّه، ففقده النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: ما فعل ابن فلان؟ قالوا: يا رسول الله مات، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أما تحب ألا تأتي باباً من أبواب الجنة إلا وجدته ينتظرك؟" فقال رجل: يا رسول الله له خاصة أم لكلنا؟ قال: "بل لكلِّكم"، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من مسلم يموت له ثلاثة لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم".
ومن الناس من يفقد أخاً، كان عوناً له على ملمات الحوادث، وصولاً لرحمه، باذلاً نفسه في سبيل تحقيق راحته، قد رضعا من ثدي واحد، وعاشا إلفين متآلفين، كلٌ منهما يعد أخاه ليوم حاجته، يستأنس به في الوحشة، ويخلفه في الغربة، وإذ بالموت يخطفه، وإذ به خاوي اليدين منه، وقد صار وحيداً بعد اجتماع، ضعيفاً بعد قوة ومنعة، مستهدفاً بعد تخوف، وكم يزداد استيحاشه إذا كان ذا طاعة لربه، وسلوك حسن واستقامة على دين، لما استشهد زيد بن الخطاب -رضي الله عنه- شقيق عمر بن الخطاب الأكبر (وهو من عبّاد الصحابة الأتقياء البررة) لما استشهد يوم اليمامة حزن عليه عمر كثيراً، وكان كثيراً ما يتذكره ويقول: "ما هبت ريح الصبا إلا وأنا أجد ريح زيد".
ومن الناس من يفقد صديقاً، كان مؤنساً له في الوحشة، ومعيناً على الطاعة، يقوّيه إذا ضعف، ويرشده إلى سبل الخير، ويسهّل له طرقه، قد اجتمعا على الطاعة وحسن القصد.
وفجأة! إذ بالأجل يباغت صاحبه، في زمن قلّ فيه الأصدقاء الناصحون، والأحبةُ المخلصون المعينون على طاعة الله، وإذا به قد فقد مَن في فقده أبلغ التأثير.
فكم هو شديد على النفس أن تفقد ذا تقى، يهتدي به الضلال، ويستأنس به المستوحشون، ويسترشد به الحيارى.
إلى الله أشكو لا إلى النـاس *** أرى الأرض تُطوى والأخلاء
وهكذا تتنوع الابتلاءات في هذا الباب، وكلٌّ يفقد شخصاً يحبه ويودّه ويألفه، ولكن المصيبة العظمى! أن كثيراً منا مفرطٌ في حقوق أحبته في حياتهم، فإذا رحلوا عن الدنيا بكى وتألم، وتمنى أن لو كان كذا وكذا.
فما دمنا في زمن الإمهال فلماذا لا نحسن لأحبتنا ونعمل معهم في هذه الحياة، الذي طالما تمنينا فعله حين يُغَيَّبون عن أعيننا تحت الثرى؟!
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه ثم توبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
-------------------------------------------------
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فإن من نعم الله على المؤمن: أن يعلم أنه في دار اختبار، فيورثه ذلك يقيناً لا ينقطع، ومن ابتُلي بفقد الأحبة فليعلم أن أعظم ما يعالج الإنسان فيه نفسه ويسلي قلبه، اليقين بأن ما قدره الله كائن لا محالة، وأنه لا يردّ شيء من قضاء الله وقدره، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا) [الحديد: 22]، فإذا علم هذا الأصل العظيم أورثه ذلك الصبر على الأقدار المؤلمة، ووجد بالصبر علاجه وراحته، قال تعالى: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ) [البقرة: 155 - 156].
فلعظم منـزلة الصبر جعل الله -تعالى- لعبده هذا الأجر العظيم، من ثنائه عليه، ورحمته له، وجعْلِه مهتدياً، وقال تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر: 10]، وقد أرشدنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- لهذا الخلق الحسن الذي لا يأتي إلا بخير، وقد حث عليه بقوله وفعله وسيرته، مر رسول الله -صلى
أنس -رضي الله عنه-: "لما دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينةَ أضاء منها كل شيء، ولما مات صلى الله عليه وسلم أظلم منها كل شيء، وما نفضنا أيدينا من قبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- (وإنّا لفي دفنه) حتى أنكرنا قلوبنا".
اصبر لكل مصيبة وتجلّـدِ *** واعلم بأن المرءَ غيرُ مخلّـدِ
وإذا ذكرت محمداً ومصابه *** فاجعل مصابك بالنبيِّ محمّدِ
وإذا احتسب العبد الأجر، ورزق الصبر، فقد هانت عليه مصيبته، وإذا تذكر معافاة الله له في جوانب كثيرة من حياته، حمد الله أن لم تكن بلواه أعظم، جاء عن عروة بن الزبيـر-وكان عابداً تقياً- أنه قد وقعت في رجله الآكلة- وهو في سفر، فدُعي له الطبيب فقطع رجله من نصف الساق، فما سُمع له حسٌّ من صبره، ثم جاءه الخبر بوفاة ابنه محمد، وطأته بغلة في إسطبل فلم يسمع منه في ذلك كلمة، فلما رجع قافلاً، قال: "لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا"، اللهم كان لي بنون سبعة فأخذت واحداً وأبقيت لي ستة، وكان لي أطراف أربعة، فأخذت واحداً وأبقيت لي ثلاثة، ولئن ابتليت لقد عافيت، ولئن أخذت لقد أبقيت.
ومن فقد حبيباً فليتذكر قوله صلى الله عليه وسلم: "قال الله -تعالى-: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه (حبيبه) من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة".
ومن علم أن الأرواح إنما هي أمانة في يد العبد، وأنها لا بد أن ترد إلى خالقها، وعلم أنه ليس بمخلَّد هانت عليه مصيبته: (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ) [آل عمران: 185].
وقد يبكي العبد من أجل فقد حبيب ارتحل عن هذه الدنيا، ولكن أما سأل نفسه كيف كان حاله معه في حياته؟
أكان يبرّ أمّاً وأباً، ويصل أختاً وأخاً، ويرحم زوجاً، ويشفق على ابن، ويود صديقاً، أم أن العبد لا يتذكر هذه الصلات إلا في حال الموت والمفارقة؟!
هل قمنا بواجب النصح لأحبتنا في حياتهم، حتى إذا ماتوا وبكيناهم نبكي على فراقهم، ولا نبكي لأننا لا ندري على أي حال سيكونون في قبورهم، وقد كانوا في هذه الدنيا مسرفين.
هذا واعلموا أن الأحبة أحوج ما يكونون في قبورهم إلى أعمال الخير التي تُرفع بها الدرجات، وتُمحى بها السيئات من صدقة ودعاء وإحسان، فلا تبخلوا بما تستطيعون.
ألا واعلموا أن من كان باكياً فليبكِ على نفسه، وما رحيل هؤلاء الأحبة إلا إنذار لنا بأننا قريب عن هذه الدنيا راحلون، ولها مفارقون، فهل أحسنا العمل؟ قال تعالى: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) [الزمر: 30 - 31]، وقال صلى الله عليه وسلم: "جاءني جبريل فقال: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزيٌّ به".
تبكي على الدنيا وما من معشر *** جمعـتهم الــدنيا فلـم يتفرقوا
فهل قدمنا بين أيدينا من الأعمال الصالحة ما يكون سبباً في نجاتنا؟ هل سينفعنا في قبورنا، دمعة تُذرف، أو قلب يئنّ وينـزف؟
لا -والله- كلُّ هذا يزول ويتلاشى ويُنسى، ولا يبقَ في القبور إلا العمل، فهل أخذنا معنا من الأعمال الصالحة ما تُنوَّر به القبور وتوسع، وتكون خير أنيس، أم إننا لا زلنا نخوض في الغفلة، رجاء أن يحسن لنا من بعدنا، وقد لا يحسن، وقد يحسن ولا يقبل.
ومن هانت عليه نفسه وضيعها، كانت على غيره أهون.
اللهم اغفر لنا وارحمنا، وعافنا واعف عنا، وتوفنا وأنت راضٍ عنا.
وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله؛ كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: 56].
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد.
وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحمي حوزة الدين يا رب العالمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتبع رضاك يا رب العالمين.
فقد الأحبة - الشيخ سالم العجمي
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أنْ لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فإن من يعش في هذه الدنيا يرى من عجائب الزمان صوراً، ومن حوادث الأيام عبراً، وكلما طال به الأمد، فإذا به يطوي المرحلة تلو المرحلة، حتى يصل إلى الغاية التي عندها منتهى أجله، وانقطاع أمله.
وإنه بين ذلك ليمر بمحطات الاختبار والامتحان، فمرة ينجو ويسلّم، ومرة يصاب في مقتل، وكلما كان إيمان العبد بالله أقوى، كلما كان بلاؤه أشد، قال صلى الله عليه وسلم: "يبتلى المرء على حسب دينه، فإن وُجد في دينه رقّة خُفّف عنه، وإن وُجد في دينه صلابة زيد في بلائه".
وما هذا الابتلاء إلا من أجل تطهير العبد من الذنوب، ولا يزال الابتلاء به حتى يأتي يوم القيامة وقد كُفّرت سيئاته، قال صلى الله عليه وسلم: "ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة".
والفائز الحق عند هيجان عواصف الابتلاء من قوي بالله يقينه، واطمأن قلبه لأقدار الله، وعلم أن كل شيء بقدر: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [القصص: 68].
وعلى تنوع الابتلاءات التي تمر بالعبد، فإنه مأمور بالصبر على كل حال؛ لأن في الصبر تسلية للمصاب، وتهدئة للنفوس، وبعثاً للطمأنينة في قلب العبد.
وإن من أعظم ما يبتلى به المرء: فقد الأحبة من قريب أو صاحب.
وما الدهـرُ إلا هكذا فاصطبر لـه *** رزيـةُ مالٍ أو فراقُ حبــيبِ
فبينما يعيش المرء في كنف والده، يغذوه بالحنان، ويمده بالعطف، ويعلّمه كيف يعيش في هذه الدنيا على خير حال، فإذا بالموت يخطفه، وإذا به قد أقام تحت الجنادل وحيداً، قد خلّف كل شيء وراءه، ولم يأخذ معه إلا عمله، وإذ بذلك الابن الذي كان لا يعرف الهمّ حمل همّ أسرة فقدت عائلها، فراح يكابد عناء المعيشة، وإذا بفراغ يخيم على قلبه كلما علم أنه فقد باباً من أبواب البر وطريقاً إلى الأجر، قال صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأَضع ذلك الباب أو احفظه"، فقد كان يطمع أن يلج الجنة من خلال ذلك الباب بِراً وإحساناً، فإذا به يفقده، وكم هي حسرة إنْ لم يكن قد أحسن معاشرة أبيه في حياته؟!
وآخرون افتقدوا نبع الحنان الذي لا ينضب، من والدةٍ كانت ترعى الصغير حتى كبر، وتأمل أن يكون لها متكئاً عند النوائب، تعلمه الوصل بإخوانه، والرحمة بأخواته، تسهر لينام، وتتعب ليرتاح، لا تسأم ولا تمل.
وفجأة فإذا بها تودّع الدنيا، مخلّفة قلوباً منكسرة، وأكباداً متصدّعة، لا يُعلم على أي حال يكونون.
فإذا بالولد يحتاج إلى مستند، وإذا بالبنت يُخاف عليها الضيعة إن لم تجد أباً أو أخاً قوياً ناصحاً، وإذا بالأبناء قد افتقدوا سُلّماً إلى الجنة وجسراً موصلاً إليها، جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك؟ فقال: "هل لك من أم؟" قال: نعم، قال: "فالزمها فإن الجنة تحت رجليها".
وحقٌّ على من علم أن برّها كنـز موصل إلى الجنة: أن يحزن على خسران ما يرجوه من البر والخير والعمل الصالح، وأن يكون هذا دافعاً لحسن صحبتها في الدنيا.
وأمك كم بـاتت بثقلـك تشتكي *** تواصل ممـا شقها البؤس
وفي الوضع كم عانت وحيـن *** منيباً يشـق الجلد واللحم
وكـم سهـرت وجـداً عليك *** وأكبادها لهفاً بجمر الأسى
وكم غسـلت عنك الأذى *** حنوّاً وإشـفاقاً وأكثـرت الضمّـا
وآخر قد افتقد زوجةً كانت عنواناً في الأدب، ورأساً في العفة والسلوك الحسن، ومُقدَّمة في الصلاح، تحوطه بنصحها وخدمتها، ولا تقصّر في مطالبه، وتعينه على صلة رحمه، تتودد إليه طاعة لله، لا تفشي سرّه، ولا تظهر أمره.
فبينما هي كذلك إذ باغتها الأجل، فإذا به وحيداً من أنيس، وحوله أطفالٌ يُخشى عليهم الضياع بين يدي نساء لا يعرفن احتساب الأجر، ولا جرّبن حلاوة الصبر.
لعمرك ما الرزيةُ فقدُ مالٍ *** ولا فرسٌ يموت ولا بعيـرُ
ولكنّ الرزيةَ فقدُ حرٍّ *** يموت لموته خلـقٌ كثيرُ
وآخر قد افتقد ابناً كان يراه يترعرع بين يديه، كلما كبر رأى أحلامه فيه تكبر، وبينما هو يراه كالشجرة اليانعة، في كل يوم تزداد أغصانها زهواً، وعذوقها ثمراً، وبينما يرى ابناً باراً به، يقوم بخدمته، ويتكئ عليه عند الملمات والضعف.
فجأة! فإذا بالموت يخترمه، وإذا به قد تصدع قلبه، وعاد فراغاً بعد أن كان مغتبطاً به فرحاً، وقد عظم عليه المصاب، وكاد أن يفقد صوابه، لكنه أيقن بموعود الله وصدّق بوعده، فإذا به صابراً محتسباً، لما علم من أجر الصبر على فقد الأحبة، قال صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ولد العبد قال الله -تعالى- لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم،
#خطب_صوتية
خطبة جمعة اليوم/1/جمادى الأولى 1444هـ ↶
👤ـ للشيخ/عبدالله رفيق السوطي.
من أروع وأفضل خطب الشيخ
🎙️ـ العنوان : (كأس العالم في ميزان الشرع)
🎧ـ المدة 27:20
🕌- مسجد الخير/المكلا
ــــــــــــــــــــــــــــ
*نشر العلم صدقة جارية فأعد نشرها*
*ولاتبخل على نفسك بهذا الأجر العظيم*
========================
ــــــــ🕋 زاد.الـخـطــيــب.tt 🕋ـــــــــ
منــبرالحكـمــةوالمــوعـظــةالحســنـة.tt
رابط القناة تليجرام👈 t.me/ZADI2
للإشتراك بشبكة زاد الخطيب الدعوي
ارسل.اسمك.للرقم.730155153.tt