Telegram-канал adelaljohr - جامع الاستفتاءات / شيخ عادل ال جوهر: Unsorted

جامع الاستفتاءات / شيخ عادل ال جوهر

03 Jul 2025 03:44

عرسُ الشهادة

بعدَ أنْ هبَّتْ عواصفُ السيوفِ تزمجرُ في كربلاء، وتصاعدتْ أنفاسُ الموتِ كسحائبَ داكنةٍ، برزَ من بين الصفوفِ فتىً كالبرقِ الخاطف: وَهَبُ بنُ عبدِ اللهَ الكلبيُّ، حديثُ عهدٍ بزفافٍ لم يبْدُءْ تهاديهِ. وراءَ المتاريسِ وقفتْ أمُّه الحديديَّةُ، وشريكتُه في العمرِ، تنظرانِ بعينينِ تفيضانُ فخرًا ورعبًا.
هتفَتِ الأمُّ بصوتٍ كرعدةِ الجبالِ:
"قُمْ يا بُنيَّ! انصُرِ ابنَ فاطمةَ الزهراءِ، ريحانةَ رسولِ اللهِ!"
فأجابَها كالسهمِ المنطلقِ:
"لنْ أخذلَ الحقَّ يا أماهُ!"

اندفعَ كالسيلِ الهادرِ، يطحنُ صفوفَ الظلمِ حتى خرَّتْ جثثٌ تحتَ قدميهِ كأوراقِ الخريفِ. عادَ مُتلطِّخًا بدمِ الأعداءِ، نظرةُ الاستفهامِ في عينيهِ:
"أرضيتِ يا أماه؟"
فانتفضَتْ كاللَّبْوَةِ:
"لا! لنْ ترضى أمٌّ حتى ترى ابنَها شهيدًا بينَ يديْ سيِّدِ شبابِ الجنةِ!"
بينما انهمرتْ دموعُ الزوجةِ:
"لا تُزهقْ روحًا فداءً لحياتي!"
لكنَّ الأمَّ أمسكتْ بكتفيهِ كأنها تُنصِّبُه على عرشِ الخلودِ:
"لا تلتفتْ! اغتنمْ شفاعةَ الحسينِ غدًا بينَ يديْ ربِّ العالمينَ!"

فانقلبَ وهبٌ إلى ساحةِ الموتِ، يُحاربُ بعشرينَ فارسًا في صدرٍ واحدٍ، يصرعُ تسعةَ عشرَ فارسًا واثني عشرَ راجلًا، حتى أُسدلَ الليلُ على يديهِ الشريفتينِ!
فإذا بامرأتِه تُحطِّمُ قيودَ الخوفِ، تنتزعُ عمودًا وتعدو نحوهُ كالشمسِ:
"فداؤكَ روحي يا حبيبَ القلبِ! قاتلْ دونَ حُرمِ المصطفى!"
حاولَ ردَّها بحركةٍ يائسةٍ، فأمسكتْ بطرفِ ثوبهِ الممزقِ، وعيناهُ ترويانِ قصيدةَ الوداعِ:
"لنْ أرجعَ حتى أذوبَ معكَ في ترابِ كربلاءَ!"
فسمعَها الحسينُ عليه السلامُ، فاهتزَّتْ لهُ الأرضُ:
"جزاكمُ اللهُ مِن آلِ بيتٍ خيراً.. عودي إلى حرمِ النسوةِ رحمكِ اللهُ."

ثمَّ اندفعَ الفارسُ بلا يدينِ، يقاتلُ بجسدِه العظيمِ حتى تهادتْ أنفاسُه الأخيرةُ كعطرٍ في الهواءِ.
تقدَّمتِ الزوجةُ تمسحُ الدمَ عن وجههِ الأبيضِ، كأنها تُصلِّي آخرَ صلاتها.
فأبصرَها شمرٌ اللعينُ، فأمرَ غلامًا أنْ يُلقيها جثةً بضربةِ عمودٍ. هوتْ كطائرٍ مضرَّجٍ بالقُرمزيِّ، لتصيرَ أولَ شهيدةٍ تُرافقُ زوجَها في عرسِ الخلودِ.(١)

شيخ عادل ال جوهر.

(١)تم اقتباس الأحداث من :بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٥ - ص ١٧.