*♻️ الموت موجع يا صاحبي*
*ولكن الأكثر وجعاً هم أولئك الذين يموتون فينا وهم أحياء!*
*ما أبشع أن يصبح قلب المرء قبراً لشخص ما زال يمشي على الأرض!*
*مررتُ البارحة بجانبك فكان ما بيننا من المسافة مقدار ذراع وما بيننا من الجفاء مقدار ما بين السماء والأرض!*
*وأنا على قناعةٍ الآن أننا لا نكره بجنون إلا أولئك الذين أحببناهم بجنون..!🌺*
*#ليطمئن_قلبك*
🌹👌🏽💫
تعلمك سورة يوسف أن التمكين ياتي في أكثر الأوقات صعوبة
في الظلمات التي لا يطلع عليها أحد إلا الله...
فيُعلمك أمورًا لم تكن تتعلمها أيام رخائك..
فيجعلك بهذه العلوم مستغن عن الناس...
بل ويجعل الله الناس في حاجة إليك...
ويأتيك من ظلمك معتذرا منك محتاجا إليك.
(وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ)(6/ يوسف)
هذا كان تفسير سيدنا يعقوب لحُلُم يوسف عندما رأى أحد عشر
كوكبا والشمس والقمر يسجدون..
وهذا ما حدث معه في سجنه.
فجاءه فتيان شاهدا أحلاما مختلفة ففسر لهما ما رأياه...
وبعد خروج أحدهما من السجن...
رأى الملكُ رؤيةً عجيبة ...
وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ إِنِّىٓ أَرَىٰ سَبۡعَ بَقَرَٰتٍ سِمَانٍ يَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَافٌ وَسَبۡعَ سُنۢبُلَـٰتٍ خُضۡرٍ وَأُخَرَ يَابِسَـٰتٍ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَأُ أَفۡتُونِى فِى رُءۡيَـٰىَ إِن كُنتُمۡ لِلرُّءۡيَا تَعۡبُرُونَ (يوسف / 43)
ولم يعلم تأويلها وكان يبحث عمن يفسر له ما رأي...
حتى علم الذي خرج من السجن بالرؤيا فقال: (أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأۡوِيلِهِۦ فَأَرۡسِلُونِ) (يوسف /45).
وذهب إلى يوسف في السجن فنبَّأهُ بتأويل ما رأى...
دُهش الملك من هذا التفسير، وأرسل يعرف من صاحب هذا التأويل.
وأن يُؤتى به إلى قصره...
فعلم أنه يوسف.. وأنه في السجن لأنه لم يطع امرأة العزيز فيماكانت تريد..
فاعترفت بفعلتها وقالت: ﴿ وَمَآ أُبَرِّئُ نَفۡسِىٓ إِنَّ ٱلنَّفۡسَ لَأَمَّارَةُۢ بِٱلسُّوٓءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّىٓ إِنَّ رَبِّى غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (يوسف / 53).
فجعله الملك من خاصته حينها.
تعلمك سورة يوسف ألا تتراجع ولا تتردد حينما تعلم قدر نفسك جيدا ..
فتطلب ما يناسبك حينما تتيقن تمامًا أنك على قدر ما سيتم تكليفك به.
أنك تستطيع تحمل الأعباء.. وأن المناصب مسؤولية وليست شارات
على الأكتاف...
أو أوسمة على الصدور.. أو دال خلف اسمك أو ميم....
بل مسؤولية ستتحملها ويتم تكليفك بها ..
حينها تعلم أن الله إذا كَلَّفَ أعان.
فحينما علم يوسف قدر علمه وفهمه ومسؤوليته
قال للملك: (قَالَ ٱجۡعَلۡنِى عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلۡأَرۡضِ إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ)(55/ يوسف)
فعاد للقصر ملكا بعد أن كان مملوكًا.
من السجن ومن قبلها من البئر إلى القصر...
وصار إخوته في حاجته بعد أن ظنوا أنهم تخلصوا منه...
تعرفوا إليه بعد أن جعلهم يعترفون بفعلتهم فقالوا: ﴿تَٱللَّهِ لَقَدۡ ءَاثَرَكَ ٱللَّهُ عَلَيۡنَا وَإِن كُنَّا لَخَـٰطِـِٔينَ) (يوسف/91).
تعلمك سورة يوسف أن الحبيب لا يفقد الأمل من لقاء محبوبه أبدا...
فقد يجمع الشتيتين بعدما يظنان كُلَّ الظن أن لا تلاقيا.
فعندما عادوا لوالدهم وقد أصبح ضريرًا من حزنه على يوسف الذي
مر على فقدانه السنين الطوال...
وقد أوصاهم يوسف أن يلقوا قميصه على والدهم كي يعود بصيرا...
فقال لهم قبل أن يتحدثوا بأي كلمة: ﴿ إِنِّى لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوۡلَآ أَن تُفَنِّدُونِ) (يوسف /94)
تعلمك سورة يوسف...
أن الله أعلم بك منك إذ فوضته أمرك، إذ سلمت نفسك إليه في لحظة يأس من تدبيرك...
فوجدته يسلك بك مسلكا ظننته مسلك المهالك.
ولكن.. كان حينها يصنعك على عينه.. ويحرسك بلطفه في أكثر الأماكن التي كنت تظن أنها مهلكة..
فكانت نهاية قصة يوسف بقوله: (إِنَّ رَبِّى لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ)
تقرأ الآية تلو الآية فتصلُ إلى أمر الله تعالى لملائكته السجود لآدم.... (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَيٰ) .. مع أن إبليس كان ينافسُ الملائكة في عبادة اللهِ حينها ...
لكن جريمته الوحيدة هي «الأنا» أنا خيرٌ مِنهُ خلقتني من نارٍ وخلقتهُ من طين.
مع أن الخيرية لا يعلمها إلا صاحبُ الصنعة.. لا يعلمها إلا الخالق.... فمن أنت حتى تأخذ دور الله في إعطاء الأحكام على خلقه؟
تعرفُ حينها أن عبادتهُ لم تكن تنافسًا مع الملائكة في العبادة لكنه يرجو بذلك الاستعلاء عَليهِم وعلى آدم أيضًا.
فكان من المطرودين...
تعلم حينها أن عدوك الأول في هذه الحياة هي نفسك.. نفسك التي نظن أنها باستعلائها قد تحكَّمت
نفسك التي تحبُّ إعطاء الأحكام المسبقة عن الناس.. تهوى الخروج
عن المألوف وكسر القواعد وكأنها هي الصحيحة في كل توجه.
ولا تعرف أن ما كُلَّ مألوف خطأ.. ولا كُل قاعدة يتبعها القوم مذلة.
سجد الملائكة أجمعون امتثالا لأمر خالقهم... فما زادهم ذلك إلا نورًا على نورهم...
وما أُخرج إبليسَ من رحمة الله إلا عجرفةٌ فارغة.. وتكبرٌ موهوم.
وكم في هذه الحياة ممن يفعلُ ذلك ظانًّا أنه كسر قيدًا.. ظانًّا أنه الضحية.. وهو مجرم بحق نفسه!
-(وَإِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ......)
تقرأ الآيات.. فتصل إلى قصةِ سيدنا موسى والخضر عليهما السلام.. فتعرفُ أن في هذهِ الدنيا أحداثًا ظاهرها شَرٌّ كبير...
وباطِنها خيرٌ أكبر.
أمَّا السفينة وأمَّا الغلام وأمَّا الجدار...
كُلٌّ منها تشبيهٌ للحظةٍ نعيشهُا لا نفهمها حينها...
فالسفينة تشبيه للحظةٍ تتعثرُ فيها ولا تعرفُ السبب...
لكنَّ تعثرَكَ .. مرضك... حاجتُك.. انتكاستُكَ.. ردَّتَ عنكَ عَينًا وأزاحت
عنك طمعًا ...
لتمضي فيما بعد وعينُ اللهِ ترعاك.
والغلام تشبيه لأحلامٍ تموتُ في حياتنا...
قد نظنُّ أنها خيرٌ لم يتحقق ولكنها شرٌّ دُفعَ عنك.
وإعانةُ الخضرِ وموسى عليهما السلام للغلامين...
رغم إعراض أهل قريتهما عن تقديم الضيافة لهما...
تشبيه لفعلِ خيرٍ ربما تندمُ على فعلهِ الأناس لم يُقدُّروك...
لكنَّ امتثالك لأمرِ الله.. هو ما سيأتي لك بالخير.
فاللهمَّ صبرًا على ما لم نُحِط بهِ خبرًا.
-(فَأَتْبَعَ سَبَبًا) (الكهف / 85)
تقرأ قصة ذي القرنين.. ذلك الملك
الصالح فتبدأ بقوله تعالى: ﴿إِنَّا مَكَّنَا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا فَأَتْبَعَ سَبَبًا}
فتعرفُ أن التمكين مِنَ الله والسعيَ عليك.. يسخِّرُ الله لك الأسباب.. وتعتمدُ عليها في سبيل الوصول.. «فأتبَعَ سَبَبًا» أي أخذ بالأسباب.. وإن كان ملكًا، ولكنهُ لم يجلس ينتظر المعجزات متكأً...
بل كان يسعى ويتحرك إلى أقاصي الأرض.. فمرة غربها ومرةً شرقها. ولكل إنسان أسبابُه.. تلكَ السيارة أو الدراجة تقضي عليها حاجياتك... ولا تضيعُ وقتك عليها باللعبِ واللهو طوالَ الوقت.
ذلك المالُ الذي تشتري به ما يلزمُك ولا تهدره.
ذلك العملُ الذي لا تضيعُ وقتهُ في أمورٍ ثانوية.. فيباركُ اللهُ لكَ به... فيرزقك اللهُ حينها التمكين والقبول في الأرض.
فتمرُّ على قصة يأجوجَ ومأجوج، ومن ثمَّ آخر صفحةٍ في سورة الكهف... فيطلعك الله على من همُّ الفائزون، ومن هم الخاسرون في هذه الدنيا، فيقول تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَلًا،الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ منعًا أَوْلَابِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَابِهِ، فَحَبِطَتْ أَعْمَلُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنَا ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا ءَايَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا أَن الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا ) (الكهف/ 103: 107).
فتسأل الله حينها التوفيق والسداد في سعيك.. فتقول: اللهمَّ أرني الحقَّ حقًّا وارزُقني اتِّباعَه وأرِني الباطِلَ باطلًا وارزُقني اجتِنابَه فتصلُ إلى آخرِ آية من سورة الكهف.. ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَى أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهُ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ، فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ) (الكهف/ 110).
لتتيقن حينها أن الأعمال ليست بالكثرة فقط.. ليست بالأعداد... فربما عمل الإنسان عملا يحب فيه ثناء الناس ومدحهم لا أكثر؛ فيكون العمل وبالا عليه.. وتسأل الله في خاتمة هذه السورة أن يرزقك الصدق في النية، والتمكين في السعي .. والصبر على الخفايا.. والطاعة في الأوامر .. وعدم الاغترار بالنعم والشكر عليها.
تسألُهُ صحبةَ الصادقين، وإن تحمدهُ في كُلِّ وقتٍ وحين.. وتسأله أن يعيد النور لقلبِك ولو كان في الكهف.
يَجدُ الإنسانُ نفسهُ تافهًا بمشكِلاتِهِ وهمومهِ وأحلامهِ وأوهامهِ أمام مشاهد القصف والدمار في كل مكان.
نفسك تعيش حياة سعيدة مطمئنَّة؟
- صلواتك الخمس في وقتها
- وحافظ على السُّنن الرَّواتب والنَّوافل
- لا تترك وردك القرآني
- أذكار الصَّباح والمساء
- جدِّد توبتك دائمًا
- لا تجاهر بالمعصية ولا تُصر على الذَّنب
- كلَّما أذنبت تُب وأتبعها بحسنة تمحها
بهذا ستعيش حياة طيِّبة مطمئنَّة.
الحياة كلها في آيه واحده والإنسان مُخيِّر بإختيار نصيبه.
بسم الله الرحمن الرحيم
{ فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى..}
صدق الله العظيم.
تتعثر أقدامنا فننهض
تزيغ قلوبنا فنتوب
نجانب الصواب فنعاود
يمسنا طائف فنتذكر
مجاهدة مستمرة لا نرضى بها بدلا، ولا نبغي عنها حولًا.
- أسامة نبيل.
***
أَمَّا مَا كَانَ مِنْهَا فِي أُحُدٍ ، فَهُوَ أَنَّهَا خَرَجَتْ مَعَ مُجُنْدِ الْمُسْلِمِينَ فِي ثُلَّةٍ مِنَ النِّسَاءِ جِهَاداً فِي سَبِيلِ اللَّهِ .
فَجَعَلَتْ تَنْقُلُ المَاءَ، وَتَرْوِي العِطَاشَ، وَتَبْرِي السَّهَامَ ، وَتُصْلِحُ القِسِي .
وَكَانَ لَهَا مَعَ ذَلِكَ غَرَضٌ آخَرُ هُوَ أَنْ تَرْقُبَ المَعْرَكَةَ بِمَشاعِرِهَا كُلِّهَا .
وَلَا غَرْوَ فَقَدْ كَانَ فِي سَاحَتِهَا ابْنُ أَخِيهَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ ﷺ.
وَأَخُوهَا حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ أَسَدُ اللَّهِ ....
وَابْنُهَا الزُّبَيْرُ بْنُ العَوَّامِ حَوَارِيُّ نَبِيِّ اللَّهِ لا .
وَفِي المَعْرَكَة - قَبْلَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَفَوْقَ ذَلِكَ كُلِّهِ -
مصِيرُ الإِسْلَامِ الَّذِي اعْتَنَقَتْهُ رَاغِبَةً .
وَهَاجَرَتْ فِي سَبِيلِهِ مُحْتَسِبَةً .
وَأَبْصَرَتْ مِنْ خِلَالِهِ طَرِيقَ الجَنَّةِ .
*
وَلَمَّا رَأَتِ الْمُسْلِمِينَ يَنْكَشِفُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ .
وَوَجَدَتِ المُشْرِكِينَ يُوشِكُونَ أَنْ يَصِلُوا إِلَى النَّبِيِّ وَيَقْضُوا عَلَيْهِ ؛ طَرَحَتْ سِقَاءَهَا أَرْضاً ...
وَهَبَّتْ كَاللُّبُوَةِ الَّتِي هُوجِمَ أَشْبَالُهَا وَانْتَزَعَتْ مِنْ يَدِ أَحَدِ المُنْهَزِمِينَ رُمْحَهُ ، وَمَضَتْ تَشُقُّ بِهِ الصُّفُوفَ ، وَتَضْرِبُ بِسِنَانِهِ الوُجُوهَ ، وَتَزْأَرُ فِي الْمُسْلِمِينَ قَائِلَةٌ : وَيْحَكُمْ ، أَنْهَزَمْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ؟!!
فَلَمَّا رَآهَا النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مُقْبِلَةً خَشِيَ عَلَيْهَا أَنْ تَرَى أَخَاهَا حَمْزَةَ وَهُوَ صَرِيعٌ ، وَقَدْ مَثَّلَ بِهِ المُشْرِكُونَ أَبْشَعَ تَمْثِيلِ فَأَشَارَ إِلَى ابْنِهَا الزُّبَيْرِ قَائِلاً :
( المَرْأَةَ يَا زُبَيْرُ ... المَرْأَةَ يَا زُبَيْرُ...) .
فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا الزُّبَيْرُ وَقَالَ :
يَا أُمَّهُ إِلَيْكِ ... إِلَيْكِ يَا أُمَّهُ .
فَقَالَتْ : تَنَحٌ لَا أُمَّ لَكَ .
فَقَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ يَأْمُرُكِ أَنْ تَرْجِعِي .
فَقَالَتْ : وَلِمَ ؟! إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ مُثْلَ بِأَخِي ، وَذَلِكَ في الله .
فَقَالَ لَهُ الرَّسُولُ : ( خَلْ سَبِيلَهَا يَا زُبَيْرُ ) ؛ فَخَلَّى سَبِيلَهَا .
***
وَلَمَّا وَضَعَتِ المَعْرَكَةُ أَوْزَارَهَا ... وَقَفَتْ صَفِيَّةٌ عَلَى أَخِيهَا حَمْزَةَ فَوَجَدْتُهُ قَدْ بُقِرَ بَطْنُهُ ، وَأُخْرِجَتْ كَبِدُهُ ، وَجُدِعَ أَنْفُهُ ، وَصُلِمَتْ أُذْنَاهُ ، وَشُوِّهَ وَجْهُهُ ،
فَاسْتَغْفَرَتْ لَهُ ، وَجَعَلَتْ تَقُولُ : إِنَّ ذَلِكَ فِي اللَّهِ .
لَقَدْ رَضِيتُ بِقَضَاءِ اللَّهِ .
وَاللَّهِ لَأَصْبِرَنَّ ، وَلَأَحْتَسِبَنَّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ .
***
كَانَ ذَلِكَ مَوْقِفَ صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ المُطَّلِبِ يَوْمَ أحد ) .
أَمَّا مَوْقِفُهَا يَوْمَ ( الخَنْدَقِ ، فَلَهُ قِصَّةٌ مُثِيرَةٌ سُدَاهَا الدَّهَاءُ وَالذَّكَاءُ وَلُحْمَتُهَا ، البَسَالَةُ وَالحَزْمُ ...
فَإِلَيْكَ خَبَرَهَا كَمَا وَعَتْهُ كُتُبُ التَّارِيخ .
***
لَقَدْ كَانَ مِنْ عَادَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِذَا عَزَمَ عَلَى غَزْوَةٍ مِنَ الغَزَوَاتِ أَنْ يَضَعَ النِّسَاءَ وَالذَّرَارِيَ فِي الحُصُونِ خَشْيَةَ أَنْ يَغْدِرَ بِالمَدِينَةِ غَادِرٌ فِي غَيْبَةِ حُمَاتِهَا .
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الخَنْدَقِ جَعَلَ نِسَاءَهُ وَعَمَّتَهَ وَطَائِفَةٌ مِنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي حِصْنٍ لِحَسَّانَ : بْنِ ثَابِتٍ وَرِثَهُ عَنْ آبَائِهِ ، وَكَانَ مِنْ أَمْنَعِ حُصُونِ المَدِينَةِ مَنَاعَةٌ وَأَبْعَدِهَا مثالاً .
وَبَيْنَمَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ يُرَابِطُونَ عَلَى حَوَافٌ الخَنْدَقِ فِي مُوَاجَهَةِ قُرَيْشٍ وَأَحْلَافِهَا ، وَقَدْ شُغِلُوا عَنِ النِّسَاءِ وَالذَّرَارِي بِمُنَازَلَةِ العَدُوِّ .
أَبْصَرَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ المُطَّلِبِ شَبَحاً يَتَحَرَّكُ فِي عَتْمَةِ الفَجْرِ ، فَأَرْهَفَتْ لَهُ السَّمْعَ ، وَأَحَدَّتْ إِلَيْهِ البَصَرَ ...
فَإِذَا هُوَ يَهُودِيٌّ أَقْبَلَ عَلَى الحِصْنِ ، وَجَعَلَ يُطِيفُ بِهِ مُتَحَسِّساً أَخْبَارَهُ مُتَجَسِّساً عَلَى مَنْ فِيهِ .
فَأَدْرَكَتْ أَنَّهُ عَيْنٌ لِبَنِي قَوْمِهِ جَاءَ لِيَعْلَمَ أَفِي الحصن رِجَالٌ يُدَافِعُونَ عَمَّنْ فِيهِ ، أَمْ إِنَّهُ لَا يَضُمُ بَيْنَ جُدْرَانِهِ غَيْرَ النِّسَاءِ وَالْأَطْفَالِ .
فَقَالَتْ فِي نَفْسِهَا : إِنَّ يَهُودَ بَنِي قُرَيْظَةَ قَدْ نَقَضُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ مِنْ عَهْدٍ وَظَاهَرُوا قُرَيْشاً وَأَحْلَافَهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ ....
وَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُدَافِعِ عَنَّا ،وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَمَنْ مَعَهُ مُرَابِطُونَ فِي نُحُورٍ العدو ....
فظن أنه قد جزع وقال : ردوه إلي .
فلما مثل بين يديه عرض عليه النصرانية فأباها .
فقال : ويحك ، فما الذي أبكاك إذن ؟!
قال : أبكاني أني قُلْتُ في نفسي : تلْقَى الآن في هذه القِدْرِ ، فَتَذْهَبُ نفسك ، وقد كنتُ أشتهي أن يكون لي بعدد ما في جَسَدِي مِن شَعْرٍ أَنفُسٌ فَتَلْقَى كلها في هذا القدر في سبيل الله .
فقال الطاغية : هل لك أن تُقبل رأسي وأخلي عنك ؟
فقال له عبد الله : وعن جميع أسارى المسلمين أيضاً ؟
قال : وعن جميع أسارى المسلمين أيضاً .
قال عبد الله : فقلت في نفسي : عدو من أعداء الله ، أُقبِّلُ رأسه فَيُخَلِّي
عني وعن أسارى المسلمين جميعاً ، لا ضير في ذلك علي .
ثم دنا منه وقبل رأسه ، فَأَمَرَ مَلِكُ الروم أن يَجْمَعوا له أسارى المسلمين ،
وأن يدفعوهم إليه ، فدفعوا له .
***
قدم عبد الله بن حُذَافَة على عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وأخبره خبره ؛ فسر به الفاروق أعظم السرور ، ولما نَظَرَ إِلَى الأَسْرَى قال : حَقٌّ عَلَى كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حُذَافَةً .. وأنا أبدأ بذلك .
ثم قام وقبل رأسه (*) .
معاني المفردات 🤍🦋
(1) النجاد : الأماكن العالية .
(2) الوهاد : الأماكن المنخفضة.
(3) حاشية الملك : أعوانه .
(4) الشملة : كساء يلف على الجسم لفاً ..
(5) الصفيقة : الغليظة النسج .
(6) الهامة : الرأس .
(7) الجوانح : الأضلاع .
(8) الحيرة : منطقة في العراق بين النجف والكوفة .
(9) فض الكتاب : فتحه.
(10) الأوداج : جمع ودج ، وهو عرق في العنق ينتفخ عند الغضب .
(11) جلدين : قويين .
(12) بغدان السير : يواصلاته بسرعة .
(13) قروا عيناً : أي أفرحوا واستبشروا .
(14) يمما وجهيهما : اتجها
(15) شطر : ناحية .
(16) سطوته : قوته وبأسه .
(17) تناهت إليه : بلغته .
(18) يتحلون به : يتصفون به .
(19) المكبل : المقيد .
(20) طرفة عين : بمقدار ما تطرف العين .
السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ
سنتحدث اليوم عن صحابي إسْمُه ✨عبدُاللّٰه بنُ حُذافَةَ السَّهِيميُّ✨
قال عنه عمر بن الخطاب
حق عَلَى كُلِّ مُسلِم أَن يُقَبِّلَ رَأْسَ عَبْدِ الله بن حُذَافَة ،وأنا أبدأ بذلك .
بَطَل قصتنا هذه رجل من الصحابة يدعى عبد الله بن حذافة السهمي .
لقد كان في وسع التاريخ أن يمر بهذا الرجل كما مر بملايين العرب من قَبْلِهِ دُونَ أَنْ يَأْبَه لهم أو يخطروا له على بال .
لكن الإسلام العظيم أتاح لعبد الله بن حذافة السهمي أن يَلْقَى سيِّدَي الدنيا في زمانه : كِسرى ملك الفرس ، وقيصر عظيم الروم ، وأن تكون له مع كل منهما قصة ما تزال تعيها ذاكِرَةُ الدَّهْرِ وَيَرويها لسان التاريخ .
***
أَمَّا قِصَّتُه مَعَ كِسْرَى ملك الفرس فكانت في السنة السادسة للهجرة حين عزم النبي ﷺ أَن يَبْعَثَ طَائِفَةً مِنْ أَصْحَابِهِ بِكُتب إلى ملوك الأعاجم يدعوهم فيها إلى الإسلام .
ولقد كان الرسول ﷺ يقدر خطورة هذه المهمة .
فهؤلاء الرسل سيذهبون إلى بلاد نائية لا عهد لهم بها من قبل .
وهم يجهلون لغات تلك البلاد ولا يعرفون شيئاً عن أمزجة ملوكها .
ثم إنهم سيدعون هؤلاء الملوك إلى تَرْكِ أديانهم ، ومُفَارَقَة عِزَّهِمْ
وسلطانهم ، والدخول في دين قوم كانوا إلى الأمس القريب من بعض أتباعهم
إِنَّهَا رِحْلَةٌ خَطِرَة ، الذَّاهِبُ فيها مفقود والعائد منها مولود .
لذا جمع الرسول عليه الصلاة والسلام أصحابه ، وقام فيهم خطيباً ، فحمد الله وأثنى عليه ، وتشهد ، ثم قال :
(أَمَّا بَعْدُ ، فإني أريدُ أَنْ أَبْعَثَ بَعْضَكُم إلى ملوك الأعاجم ، فلا تختلفوا علي كما اختلفت بنو إسرائيل على عيسى بن مريم ) .
فقال أصحاب رسول الله ﷺ : نحن يا رسول الله نُؤدِّي عَنْكَ ما تُريدُ فَابْعَثْنَا حَيْثُ شِئْتَ .
***
انتدب عليه الصلاة والسلام سنةً من الصحابة لِيَحْمِلُوا كتبه إلى ملوك العرب والعجم ، وكان أحد هؤلاء السنة عبد الله بن حذافة السهمي ، فقد اختير لحمل رسالة النبي صلوات الله عليه إلى كسرى ملك الفرس .
جهز عبد الله بن حذافة راحلته ، وودع صاحبته وَوَلَدَه ، وَمَضَى إلى غايته ترفعه النجاد (۱) وتحطه الوهاد (۲) ؛ وحيداً فريداً لَيْسَ مَعَهُ إِلَّا الله ، حَتَّى بَلَغَ ديار فارس ، فاسْتَأْذَنَ بالدخول على ملكها ، وأخطر الحاشية (3) بالرسالة التي يَحْمِلُها له.
عند ذلك أمر كسرى بإيوانه فزين ، ودعا عظماء فارس الحضور مجلسه فحضروا ، ثم أذن لعبد الله بن حذافة بالدخول عليه .
دخل عبد الله بن حُذَافَة على سيد فارس مُشْتَمِلًا شَمْلَتَه (4) الرقيقة ، مرتدياً عبَاءَتَه الصَّفِيقَة (5) ، عليه بساطة الأعراب .
لكنه كان عالي الهامة (6) ، مشدود القامةِ ، تَتَأَجَّجُ بَيْنَ جَوانِحِهِ (7) عِزَّةُ الإسلام ، وتتوقد في فؤاده كبرياء الإيمان .
فما إن رأه كسْرَى مُقبلا حتى أوما إلى أحد رجاله بأن يأخذ الكتاب من يده فقال :
لا ، إنما أمرني رسولُ اللهِ ﷺ أن أدفعه لك يداً بيد وأنا لا أخالِفُ أمراً الرسول الله .
بیده فقال كسرى لرجاله : اتركوه يدنو مني ، فدنا من كسْرَى حَتَّى نَاوَلَهُ الكِتاب
ثم دعا كسرى كاتباً عربياً من أهل الجيزة (8) ، وأمره أنْ يَفْضُ (9) الكتاب بَيْنَ يَدَيه ، وأن يقرأه عليه فإذا فيه :
( بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس ، سلام على من اتبع الهدى ... ) .
فما إن سمع كسرى من الرسالة هذا المقدار حتى اشْتَعَلَتْ نارُ الغَضَب في صدره ، فاحمر وجهه ، وانتفخت أوداجه (10) لأن الرسول عليه الصلاة والسلام بدأ بنفسه فَجَذَبَ الرسالة من يد كاتبه وجَعَلَ يُمَزِّقُها دونَ أَنْ يَعْلَمَ ما فيها وهو
يصيح : أَيَكْتُبُ لي بهذا ، وهو عبدي ؟!! ثم أَمَرَ بِعِبدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةً أَنْ يُخْرَجَ من مجلسه ، فأخرج .
***
خرَجَ عبدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ مِنْ مَجْلِس كِسْرَى ، وهو لا يَدْرِي مَا يَفْعَلُ اللَّهُ له
أَيُقْتَلُ أم يُترك حراً طليقاً ؟
لكنه ما لبث أن قال :
والله ما أبالي على أي حال أكون بعد أنْ ادَّيْتُ كِتَابَ رسول الله ﷺ ، وَرَكِبَ راحلته وانطلق .
ولما سكت عن كِسْرَى الغَضَبُ ، أمر بأن يُدْخَلَ عليه عبد الله ؛ فلم يوجد..
فالتمسوه فلم يقفوا له على أثر ...
فطلبوه في الطريق إلى جزيرة العرب فوجدوه قد سبق .
فلما قَدِمَ عَبْدُ اللهِ على النبي ﷺ أخبره بما كان من أمر كسرى وتمزيقه الكتاب ، فما زاد عليه الصلاة والسلام على أن قال : ( مرق اللهُ مُلْكَه ) .
...
أما كِسْرَى فقد كتب إلى « باذان ، نائبه على اليمن : أن ابعث إلى هذا الرجل الذي ظهر بالحجاز رجلين جلدين (11) من عِنْدِكَ ، ومرهما أن يأتياني به ... فبعث و باذان ، رجلين من خيرة رجاله إلى رسول الله ﷺ ، وَحَمَّلَهما رسالة له ، يأمره فيها بأن يتصرف معهما إلى لقاء كسرى دون إبطاء ......
السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ
سنتحدث اليوم عن صحابي إسْمُه ✨سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ الْجُمَحِيُّ✨
قال عنه المؤرخون (رجل اشترى الآخرة بالدنيا وآثر اللَّه ورسوله على سواهما)
كان سعيد ابن عامر واحد من الآلافِ المؤلفةِ الذين خرجوا إلى منطقه التنعيم في ظاهِرِ مكه بدعوةٍ من زُعماءِ قُريشٍ ليشهدوا مصرع خُبَيبٍ بنِ عَدِيَّ احد اصحاب محمدٍ بعد أنْ ظفروا بِه غَدْراً وقد مكَّنه شبابه من ان يزاحم الناس بالمناكِبِ ،حتى حاز شُيوخ قريش من امثال أبي سفيانَ بنٍ حربٍ وصفوانَ بنٍ أُمَيَّة وغيرهما مما يتصدرون الموكب وقد اتاح له ذلك ان يرى اسير قريش مكبَّلاَّ بقيودِه، وأكُفُّ النساءِ والصبيان والشباب تدفعه الى ساحه الموت لينتقموا من محمد في شخصِه وليثاروا لقتلاهم في بدر بقتله.
ولما وصلت هذه الجموع الحاشدة بأسيرها الى المكان المعد لِقتلِه وقف سعيد بن عامر بمقامه يُطلُّ على خبيب وهو يُقدَّمُ إلى خشبه الصُلبِ وسمع صوته الثابت الهادىء من خلال صياح النسوة والصبيان يقول :إنْ شِئْتُمْ أَنْ تتركوني أَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ مَصْرَعِي فَافْعَلُوا
ثم نظر إليه وهو يستقبِلُ الكعبه ويصلي ركعتين يا لحسنهما ويا لتاملهما.... ثم رأه يُقبلُ على زعماء القوم ويقول: واللَّهِ لولا ان تظنوا أني اطلت الصلاه جذعا من الموت لاستكثرت من الصلاه.. ثم شهد قومه بعينه وهم يمثلونه بخبيب حيا فيقطعون من جسده القطعة تلو القطعة وهم يقولون له: أَتُحِبُّ أَنْ يَكُونَ مُحَمّدٌ مَكَانِك وَأَنْتَ نَاجٍ؟
فيقول والدماء تنزف منه: والله ما احب ان اكون آمنا وادعا في اهلي وولدي وأن محمد يؤخز بشوكه.. فيلوح الناس بأيديهم في الفضاء ويتعالى صياحهم ان اقتلوه اقتلوه ثم أبصر سعيد بن عامر خبيبا يرفع بصره إلي السماء من فوق خشبه الصلب ويقول: اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا وَلَا تُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا ثم لفظ انفاسه الاخيره وبه ما لم يستطع احصائه من ضربات السيوف وطعنات الرماه وعادت قريش الى مكه ونسيت في زحمه الاحداث ما حدث لخبيب
لكن سعيد بن عامر لم يغب خبيبا عن خاطري لحظه كان يراه في حلمه اذا نام ويراه بخياله وهو مستيقظ ويتمثل امامه وهو يصلي ركعتين امام خشبه ويسمع رنين صوته وهو يدعو على قريش فيخشى ان تصعقه صاعقه او تخرع عليه صخره من السماء ثم ان خبيب علم سعيد ما لم يكن يعلم من قبل علمه ان الحياه الحقة عقيده وجهاد في سبيل العقيده حتى الموت وعلمه ايضا ان الايمان الراسخ يفعل الاعاجيب ويصنع المعجزات وعلمه هو ان الرجل الذي يحب اصحابه كل هذا الحب انما هو نبي مؤيد من السماء
عند ذلك شرح الله صدر سعيد الى الاسلام فقام في الملا من الناس واعلن براءته من اثام قريش واوزارها ودخل في دين الله هاجر سعيد بن عامر الى المدينه ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد معه خيبر وما بعدها من الغزوات ولما انتقل النبي الكريم الى جوار ربه وهو راض عنه الذي وظل من بعده سيفا مسلولا في ايدي خليفتيه أبي بكر وعمر عاش مثلا فذا للمؤمن الذي اشترى الاخره بالدنيا واثر مرضاة الله وثوابه على سائر رغبات النفس والشهوات الجسد
وكان خليفتا رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمعان إلي نُصحِه ويصغيان إلي قوله.
دخل على عمر بن الخطاب في اول خلافته فقال يا عمر: أُوصِيك أَنْ تَخْشَى اللَّهَ فِي النَّاسِ وَلَا تَخْشَى النَّاسَ فِي اللَّهِ وَإِلَّا يُخَالَفَ قَوْلِك فِعْلِك فَإِنَّ خَيْرَ الْقَوْلُ مَا صَدَّقَهُ الْفِعْلُ..
يا عمر: أَقِم وَجْهَك لِمَن وَلَّاك اللَّه أَمْرَهُ مِنْ بَعِيدٍ الْمُسْلِمِين وقريبهم وَاجِبٌ لَهُمْ مَا تَجِبُ لِنَفْسِك وَأَهْلِ بَيْتِك وَأَكْرَهُ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِك وَأَهْلِ بَيْتِك وخض الْغَمَرَات إلَى الْحَقِّ وَلَا تَخَفْ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ فقال عمر: ومن يستطع ذلك يا سعيد؟!
فقال: يستطيعه رجل مثلك مما ولاهم الله امر أمه محمد وليس بينه وبينه احد.
عند ذلك داع عمر ابن الخطاب سعيدا الى موازاته وقال: يا سعيد ان مولوك على اهل «حمص» فقال: يا عمر نشدتك الله الا تفتنني فغضب عمر وقال :ويحكم وضعتم هذا الامر في عنقي ثم تخليتم عني!! والله لا أدعك
ثم ولاه على حمص وقال: الا نفرض لك رزقا؟
قال: وما أفعل به يا أمير المؤمنين؟! فإن عطائي من بيت المال يزيد عن حاجتي ثم مضى الى حمص
وما هو الا قليل حتى وفد على امير المؤمنين بعضً من يثق بهم من اهل حمص فقال لهم: اكتبوا لي اسماء فُقرائِكم حتى أسُد حاجتهم فرفعوا كتابا فاذا فيه :فلان وفلان وسعيد بن عامر
فقال: ومن سعيد بن عامر؟!
فقد روى ان عبد الله بن عمرو رضي الله عنه وعن ابيه
فاقبل الناس عليه يسألونه ويستفتونه فقال: إني لأعجب لكم يا اهل مكه اتجمعون المسائل لتسألوني عنها وفيكم عطاء ابن ابي رباح
وقد وصل عطاء بن ابي رباح إلى ما وصل إليه من درجه في الدين والعلم بخصلتين اثنين :
أُولَاهُمَا : أَنَّه أَحْكَم سُلْطَانُهُ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمْ يَدَعْ لَهَا سَبِيلًا لِتَرْتَعَ فِيمَا لَا يَنْفَعُ وَثَانِيهِمَا : أَنَّه أَحْكَم سُلْطَانُهُ عَلَى وَقْتِهِ فَلَمْ يهدره فِي فُضُولِ الْكَلَامِ وَالْعَمَل
حدث محمد بن سُوقَةَ جماعه من زُوارِهِ قال:ألا أسمعكم حديثا لعله ينفعكم كما نفعني؟
قالوا: بلى
قال نصحني عطاء ابن ابي رباح ذات يوم، فقال: يا بن أخي إن الذين من قبلنا كانوا يكرهون فضول الكلام
فقلت: وما فضول الكلام عندهم؟
فقال :كانوا يعُدُّون كُل كلام فضولا ما عدا كِتاب الله عز وجل أن ن يُقرأ ويفهم
وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يُرْوَيٰ ويُدريٰ
أو أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر أو علما يُتقربُ به إلى الله عز وجل أو تتكلم بحاجتك ومعيشتك التي لابد لك منها
ثم حدق الى وجهي وقال: أتنكرون ( وَإِنَّ عَلَيۡكُمۡ لَحَـٰفِظِينَ* كِرَامًا كَـٰتِبِينَ)
وأن مع كل منكم ملكين
(إِذۡ يَتَلَقَّى ٱلۡمُتَلَقِّيَانِ عَنِ ٱلۡيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٌ* مَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)
ثم قال: أما يستحي أحدنا لو نُشرت عليه صحيفتُهُ التي أملاها صدر نهاره فوجد اكثر ما فيها ليس من امر دِينِهِ ولا امر دُنياهُ ولقد نفع الله عز وجل بعلم عطاء بن ابي رباح كثيرا من الناس منهم اهل العلم المتخصصون ومنهم أرباب الصناعات المحترفون ومنهم غير ذلك
حدث الإمام ابو حنيفه النعمان عن نفسه قال: اخطات في خمسه أبواب من المناسك بمكه فعلمنيها حجام وذلك أني أردت ان احلِق لأخرج من الإحرام فأتيت حلاقا وقلت: بكم تحلق لي رأسي
فقال: هداك الله ان النُسُك لا يُشارطُ فيه اجلس وأعط ما تيسر لك فخجلت وجلست غير أني جلست مُنحرفا عن القبله فأوما إلي بان استقبل القبله ففعلت وازددت خجلاً على خجلي ثم اعطيتُهُ رأسي من الجانب الأيسر لِيحلِقهُ فقال: أدر شقق الايمن فأدرته
وجعل يحلق رأسي وأنا ساكت أنظر إليه وأعجب منه فقال لي : ما لي أراك ساكتا؟ كبر
فجعلت اكبر حتى قمت لأذهب
فقال: اين تريد
فقلت: أريد ان أمضي إلى رَحلِي
فقال: صلي ركعتين ثم امضِ إلى حيث تشاء فصليت ركعتين وقلت في نفسي: ما ينبغي ان يقع مثل هذا من حجام إلا إذا كان ذا علم فقلت له: من أين لك ما امرتني به من المناسك؟ فقال: لله أنت لقد رأيت عطاء بن أبي رابح يفعله فأخذته عنه وجهت إليه الناس
ولقد أقبلت الدنيا على عطاء بن ابي رباح فأعرض عنها اشد الإعراض وأباها أعظم الإباء وعاش عمره كله يلبس قميصا لا يزيد ثَمنُهُ على خمسة دراهم ولقد دعاه الخلفاء الي مصاحبتهم فلم يجب دعوتهم لخشيتهعلى دينه من دنياهم لكنه مع ذلك كان يفد عليهم اذا وجد في ذلك فائده للمسلمين أو خيرا للإسلام من ذلك ما حدث به عثمان بن عطاء الخرساني قال: انطلقتُ مع أبي نُريد هشام بن عبد الملك فلما غدونا قريبا من دمشق إذا نحنُ بشيخ على حمار اسود علىه قميص صفيق وجُبه بالية وقلنسوة لازقه برأسه ورِكاباهُ من خشب فضحكت منه وقلت لأبي: من هذا
فقال: اسكت هذا سيد فُقهاء الحجاز عطاء ابن ابي رباح فلما قرب منا نزل أبي عن بغلتِه ونزل هو عن حماره فاعتنقا وتساءلا ثم عدا فركبا وانطلقا حتى وقفا على باب قصر هشام ابن عبد الملك
فما ان استقر بهما الجلوس حتى أذن لهما فلما خرج أبي قلت له: حدثني بما كان منكما فقال: لما علم هشام أن عطاء بن ابي رباح بالباب بادر فإذن له ووالله ما دخلت إلا بسببه فلما رآه هشام قال: مرحبا مرحبا ها هنا ها هنا ولا داري يقول له:ههنا ههنا حتى اجلسه معه على سريره ومس بِرُكبتِهِ رُكبتَهُ وكان في المجلس اشرف الناس وكانوا يتحدثون فسكتوا ثم أقبل عليه هشام وقال: ما حاجتك يا ابا محمد
قال: يا أمير المؤمنين اهل الحرمين اهل الله وجيران رسوله تُقسم عليهم أرزاقهم وأعطياتهم فقال: نعم يا غلام اكتب لاهل مكه والمدينه بعطاياهم وأرزاقهم لسنة ثم قال: هل من حاجه غيرها يا ابا محمد
قال : نعم يا أمير المؤمنين اهل الحجاز واهل نجد اصل العرب وقاده الإسلام ترد فيهم فضول صدقهم فقال نعم يا غلام اكتب بان تزد فيهم فضول صدقاتهم
فقال:نعم يا غلام اكتب بأن تزد فيهم فضول صدقاتهم هل من حاجه غير ذلك يا ابا محمد
قال: نعم يا أمير المؤمنين اهل الثغور يقفون في وُجُوه عدوكم ويقتُلُون من رام المسلمين بشر تجري عليهم أرزاقا تدرها عليهم فإنهم ان هلكوا ضاعت الثغور
وَكَان خِلَال عَامَيْةِ هَذَيْن يَنْمُو نُمُوّا لَا يُشْبِهُ نُمُوّ أَقْرَانِه فَهُوَ مَا كَادَ يُتِمّ سَنَتَيْه عِنْدَنَا حَتَّى غَدًا غُلَامًا قَوِيًّا مكتملا
عِنْدَ ذَلِكَ قَدِمْنَا بِهِ عَلَى أُمِّهِ وَنَحْنُ أَحْرَصُ مَا نَكُون عَلَى مُكْثِهِ عِنْدَنَا وَبَقَائِه فِينَا لَمّا كُنّا نَرَى فِي بَرَكَتِهِ فَلَمَّا لَقِيت أُمِّه طمأنتها عَلَيْهِ وَقُلْت : ليتك تتركين بُنَيّ عِنْدِي حَتّى يزاداد فُتوة وَقُوَّة فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْهِ وَبَاءُ مَكَّة
وَلَمْ أَزَلْ بِهَا اقنعها وارغبها حَتّى رَدّتْهُ مَعِي فَرَجَعْنَا بِهِ فَرِحِين مستبشرين
ثُمَّ إنَّهُ لَمْ يَمْضِ عَلِيّ مَقَدَّمٌ الْغُلَام مَعَنَا غَيْرِ أَشْهُرِ مَعْدُودَات حَتَّى وَقَعَ لَهُ أَمْرًا أَخَافَنَا واقلقنا وهزنا هَزَا
فَلَقَد خَرَجَ ذَاتَ صَبَاح مَعَ أَخِيهِ فِي غُنَيْمَات لَنَا يَرْعَيَانِهَا خَلْفَ بُيُوتِنَا فَمَا هُوَ إلَّا قَلِيلٌ حَتَّى أَقْبَلَ عَلَيْنَا أَخُوه يَعْدُو وَقَال : أَلْحَقَا بِأَخِي الْقُرَشِيّ فَقَد أَخَذَهُ رَجُلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ فَأَضْجَعَاه وَشَقّا بَطْنِه فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَزَوْجِي نغدو نَحْو الْغُلَام فَوَجَدْنَاه مُنتقِع الْوَجْه مرتجفا فَالْتَزَمَه زَوْجِي وَضَمَمْته إلَى صَدْرِي وَقُلْت لَهُ : مَالَك يَا بُنَيَّ
فَقَال : جَاءَنِي رَجُلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ فَأَضْجَعَانِي وَشَقّا بَطْنِي وَالْتَمَسَا شَيْئًا فِيهِ لَا أَدْرِي مَا هُوَ ثُمَّ خلياني وَمَضَيَا فَرَجَعْنَا بِالْغُلَام مضطرين خَائِفِين
فَلَمَّا بَلَغَنَا خِباءنا الْتَفَتَ إلَى زَوْجِي وَعَيْنَاه تَدْمَعَان ثُمَّ قَالَ : إنِّي لَا أَخْشَى أَنْ يَكُونَ هَذَا الْغُلَامُ الْمُبَارَك قَدْ أُصِيبَ بِأَمْرٍ لَا قَبْلَ لَنَا بُرْدَة
فَأَلْحِقِيهِ بِأَهْلِهِ فَإِنَّهُم أَقْدِر مِنَّا عَلَى ذَلِكَ فَاحْتَمَلْنَا الْغُلَام وَمَضَيْنَا حَتَّى بَلَغَنَا مَكَّة وَدَخَلْنَا بَيْتِ أُمِّهِ فَلَمَّا رأتنا حدقت فِي وَجْهِهِ وَلَدِهَا ثُمّ بادرتني قَائِلُه : مَا أَقْدَمَك بِمُحَمَّد يَا حَلِيمَةُ وَلَقَدْ كُنْت حَرِيصَةً عَلَيْهِ شَدِيدَة الرِّعَايَة الرَّغْبَةِ فِي مُكْثِهِ عِنْدَك فَقُلْت : لَقَد قُوَى عَوْدِه واكتملت فتوته وَقَضَيْت الّذِي عَلَيَّ نَحْوَهُ وَتَخَوّفْت عَلَيْهِ مِنْ الْأَحْدَاثِ فَأَدّيْتُهُ إلَيْك
فَقَالَت : اُصْدُقِينِي الْخَبَرُ فَمَا أَنْتَ بِاَلَّتِي تَرْغَب عَنْ الصَّبِيِّ لِهَذَا الَّذِي ذَكَرْتِهِ
ثُمَّ مَا زَالَتْ تُلِح عَلَيَّ وَلَمْ تَدَعْنِي حَتّى أَخْبَرْتهَا بِمَا وَقَعَ لَهُ فهدات ثُمَّ قَالَتْ : وَهَل تَخَوَّفْتِ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ يَا حَلِيمَةُ
فَقَالَت : نَعَم
فَقَالَت : كَلًّا وَاَللَّهِ مَا لِلشّيْطَانِ عَلَيْهِ مِنْ سَبِيلٍ وَإِنّ لِابْنَي لَشَأْنًا فَهَل أُخْبِرُك خَبَرَهُ
فَقُلْت : بَلِي
قَالَت : رَأَيْت حِينَ حَمَلَتْ بِهِ أَنَّهُ خَرَجَ مِنِّي نُورٌ أَضَاءَ لِي قُصُورَ بَصْرِيٌّ مِنْ أَرْضِ الشّامِ ثُمَّ إنِّي حِينَ وَلَدَتْهُ نَزَل وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ رَافِعًا رَأْسَهُ إِلَيَّ السَّمَاءِ ثُمَّ قَالَتْ دَعِيهِ عَنْك وَانْطَلِقِي رَاشِدَةً وجُزِيتِ عَنَّا وَعَنْهُ خَيْرًا فَمَضَيْتُ أَنَا وَزَوْجِي مَحْزُونِين أَشَدّ الْحُزْنَ عَلَى فِرَاقِهِ وَلَمْ يَكُنْ غُلامنا بِأَقَلّ مِنَّا حُزْنًا عَلَيْه واسي ولوعه عَلَى فِرَاقِهِ
وَبَعْد فَلَقَد عَاشَت حَلِيمًا السَّعْدِيَّة حَتَّى بَلَغَتْ مِنْ الْكِبْرِ عتيا
ثُمَّ رَأَتْ الطِّفْل الْيَتِيمِ الَّذِي أَرْضَعَتْه قَد غَدًا لِلْعَرَب سَيِّدًا وللانسانيه مُرْشِدًا وللبشريه نَبِيًّا
وَلَقَد وَفَدْت عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ أَمِنَتْ بِهِ وَصَدَّقَت بِالْكِتَاب
الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْهِ فَمَا إنْ رَآهَا حَتَّى اِسْتَطار بِهَا سُرُورًا وَطَفِق يَقُول : أُمِّي أُمّي ثُمّ خَلَعَ لَهَا رِدَاءَهُ وَبَسَطَه تَحْتَهَا وَأَكْرِم وفادتها أبلغ الإكرام وعيون الصحابة تنظر إليه وإليها في إجلال صلوات الله وسلامُهُ علي محمد صاحب الخُلُق الكريم ورِضوانُ الله علي السيده حليمه ظِئرِ النبي صلى الله عليه وسلم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يقول الله تعالى: {...فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}
التوكل على الله مش مجرد كلمة باللسان
ده معنى حقيقي بيعيشه قلبك
ولو عاشه؛ هتبقى مطمن إن ربنا بيدبر لك كل خير حتى لو ما كنتش شايفه.
فتوكل على الله واسعى، والله لن يُضيعك.
﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
- سُبحان الله .
- الحَمد لله .
- لا إله إلا الله .
- الله أكبر .
- لا حَول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم .
- سُبحان الله و بِحمده .
- سُبحان الله العَظيم .
- أستغفِرُ الله الْعَلِيُّ الْعَظِيم وَ أَتُوبُ إِلَيْهِ .
- لا إِلَهَ إِلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ .
- اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ .
- يا مقلِّبَ القلوبِ ثَبِّتْ قلبِي على دينِك .
«يرزق سبحانه بالأسباب، وبدون الأسباب، وباستحالة الأسباب؛ لتعلم أنَّ مفاتيح الأرزاق بيد الله لا بيد البشر وأنّه إذا أراد لك حظًّا وصلكَ ولو على أكفِّ المُستحيل» 🤍.
Читать полностью…لتسكنوا إليها
تأتي على الإنسانِ لحظةٌ في حياته يضطربُ فيها شعوره.
يشعرُ أنه فارغُ القلب وإن كان حوله أحبابه.. والداه أقاربه أصحابه.
لا يأنسُ بهم كما كان قبل ذلك.. يفقد السكينة التي عاش بها منذُ بداية عُمُره.
ويبحث عن شيءٍ يسعدهُ فلا يجدُ ذلك.. حتى يميل قلبه إلى حبيب.
يعيدُ له شغفه .. ضحكته القديمة... روحه المرحة التي فقدها ليالي وأيامًا.
فيرى روحه متجسدة في محبوبه...
فلا تعود حياته بعدها كما كانت قبل ذلك...
ولا تستقيم حياته بعدها إلا بوجوده...
ولا أتكلم والله عن علاقة خلف الشاشات...
ولا عن حب موجود في الأيام والروايات...
ولا عن شعور يستمر ربما لأشهر وأيام ويختفي بعد لحظات...
بل عن آيات من آيات الله في خلقه...
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ (الروم / 21)
الحُبُّ رِزق والأرزاقُ حاجات...
لا تقل لي حب الأهل، أم حب الأصدقاء، أم حب الأعزاء..
بل حبها هي تلك الروح التي تحتاجها لترد لك روحك.. التي تعطي لحياتك معنى.
معنى أن تتجمل من أجلها لتراك بأبهى حلة...
وتخرج وحيدا في الطرقات بحثا عنها ...
أو تمر في الطريق المؤدي إلى منزلها عسى أن تراها ...
أو ترى من يراها أو تشعر بوجودها.
معنى أن تسمع مقطوعة فتغمض عينيك وتتخيلها أمامك...
بمحياها الجميل وابتسامتها المتعثرة بالخجل والحياء...
معنى أن تُفضح أمام من حولك بتلعثمك في الحديث
حينما مرت أمامك في الطريق أو في ذاكرتك فنسيت عما تتكلم.
معنى أن تشعر بدفء وجودها في بالك في عتمتك وأسوأ أحوالك.
رسول الله عندما وصف حبه للسيدة خديجة.
قالَ: «إِنِّي رُزَقَتُ حُبَّها».
ولكن.. هل يأتي الحب بعد الزواج ؟
الحب أصلا لا يظهر إلا بعد الزواج...
بعد أن تسقط الأقنعة...
تأتي في العشرة والصبر على زلات الزوجين..
تأتي في جبرها في مرضها، وبمساندته وجبره أن كسرهُ موقف.
لا تظن أن العلاقات التي تسمع عنها اليوم تدعى «بالحب»...
ولكنها تفريغ مشاعر وحياة وردية يتخيلها الطرفان، وإن ظننا أنهما مع بعضهما في أسوأ أحوالهما....
فحتى أسوأ أحوالهما ما هي إلا محاولة استعطاف قلب الطرف الآخر خلف شاشة صغيرة...
ساعات وأيام وأشهر.. وكلمات رنانة بين الحب والاشتياق تُسمعُ كل يوم....
ثم ملل وتفرق.. أو ربما وفي أندر الحالات.. زواج ثم ؟
ثم وبعد أيام وربما أشهر...
تفرق بعد أن علم أنها ليست التي كان يتكلم معها...
وليس من كانت تتكلم معه.
سقطت الأقنعة وظهرت الوجوه على حقيقتها، واختفى ما ظننا أنه حب.
وظهرت المسؤولية مسؤولية المنزل، مسؤولية العمل، مسؤولية كل زوج وزوجة.
سقط الصرح الذي بناه الشيطان خلال سنوات «العلاقة» من خيال ووهم حول الزواج...
وبقي الندم على سوء اختيار كل طرف للآخر.
كيف أحسن الاختيار ؟
ـ يحسن الإنسان عندما ينوي بزواجه العفة وبناء أسرة تعينه على نوائب الدهر.
فالبيوت لا تُقام على الحب فقط...
بل على المودة والرحمة.
والمودة والرحمة لا تأتي بشطارة إنسان، بل بعطاء رحمن (وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ).
-يحسن الاختيار عندما يرى نفسه مسؤولا عما يفعل...
فالزواج تحمل الأعباء لا ينظر إليها الكثير ممن يقدم عليها ...
فيتراجع بعد أن علم أنه غير قادر عليها.
قَالَ رسولُ اللهِ ﷺ يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ
فليتزوج
وقال في موضع آخر: «لا ينبغي للمؤمن أن يُذل نفسه، قالوا: وكيف يذل نفسه ؟! قال: يتعرض من البلاء لما لا يطيق».
فلا يتوجه للزواج إلا بعد أن يبصر حقيقة نفسه.. فإن كان قادرا على ذلك...
فإن الله ناصره.
ثلاثة حق على الله عونهم المجاهد في سبيل الله.والمكاتب الذي يريد الأداء. والناكح الذي يريد العفاف...
يحسن الاختيار حينما يعلم أن الزواج ليس مصحة عقلية ...
وأن الزواج عقد رضى وليس نضالا إصلاحيا...
فيتقدم لمن يناسبه وتقبل بمن يناسبها.
البعض يتصور أن الزواج حل لعقده النفسية..
أو أنه رفع درجات بين الناس.
فيريد يتزوجها طبيبة معروفة بين الناس من أجل الجاه...
ثم لا يريد منها أن تعمل...
أو تتزوجه لأنه صاحب الغنى، ثم تحاول أن تصلح خلقه السيئ
فلا تستطيع.
الزواج ليس تربية بل حسنُ اختيار...
فعندما يختفي الجاه والمال.. تبقى المودة والرحمة...
ولا يجد المودة من بحث عن دنيا زائلة.
الزواج حياة.. فأحسن اختيار حياتك.
إني لأجد ريح يوسف
عندما تتعرُّض لموقف مؤلم من قريب، عندما تتوالى عليك البلايا ولا تعرف سببها، أو تشعرُ أنَّكَ مجبر على طريق معين لا سبيل لك للخروج منه...
عندها اقرأ سورة يوسف.
(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ) (يوسف /3)
يقصُّ الله تعالى عليك ما يجعلك تعلم كيف تتم صياغة الأقدار.
كيف تُجرُّ إلى العطايا بسلاسل البلايا.
تعلمُكَ سورة يوسف كيف تتعلم الكتمان.
كيف تحتفظ بالبشرى بينك وبين من يفهمك فقط...
بينك وبين من ينظر لك بعين المحبة.
(إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَتَأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ) (يوسف /4)
وتخفي عمن يبطن لك ما لا يظهر ويشعل الشيطان في قلبه نار الحسد والغرور.
(قَالَ يَبْنَى لَا تَقْصُصْ رُؤيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا أن الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) (يوسف / 5)
تعلمك سورة يوسف إن كنت أبا أو كُنتِ أمًّا كيف تحاول ما استطعت أن تخفي تفضيلك ومحبتك لابنٍ لك عن إخوته كي لا يضيق قلبهم عليه.
تعلمك سورة يوسف كيف يرميك القريب في غيابات الجبِّ في بعض الأحيان...
ويقولُ الغريب: ﴿أَكْرِمِي مَثْوَلَهُ)
تعلمك أن الله عندما يغير مسار حياتك في بعض الأحيان...
فتمرُّ بمنعطفٍ تشعرُ فيه أنك في بئرٍ لا تستطيع الخروج منه بسعيك.
لا تعرف لماذا ساقتك الأقدار لهذه الظلمات...
فتخرج منها إلى نورٍ لم تتوقعه ولم تحسب له حسابًا.
تعلمك سورة يوسف كيف تغويك الدنيا بمادياتها وتغلق عليك الأبواب....
فلا تمتحن فقط بالمنع عندما وضعك الله في امتحان البئر...
بل تمتحن بالعطاء عندما يساق إليك امتحان الإغواء...
بغشٍّ بأكل مالٍ حرام بسبُل ربحٍ غير مشروعة.
وما كان امتحان يوسف إلا إغواء الدنيا في صورة امرأة تروادهُ عن نفسه...
وتقول: (هَيْتَ لَكَ):كما قالت امرأة العزيز...
وليس السجن أن تكون خلف القضبان كما كان يوسف الصديق...
ربما السجن ضائقة مادية تفضِّلها على مالٍ حرام...
ربما السجن كلمة حق تبِتعاتُها فقدانُ علاقات.. تفضِّلها على شهادة زور..
فإن فضلت سجن رحمته على عذاب إغوائها ...
فُرْتَ بِدنياكَ وَآخِرَتِكَ.
(قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) (يوسف / 33)
فأووا إلى الكهف~~~~
كل إنسان ينطفئ في لحظة من لحظات حياته.. ويحتاج إلى نور يسكن قلبه، ويجيب عن الأسئلة الشائكة في عقله.. ويعيده إلى الطريق الصحيح.
وسورةُ الكهفِ ذلك النُّور الذي يضيءُ لنا أيامنا.. رسول الله ﷺ قال فيها: «مَن قَرَأَ سورةالكهف يوم الجمعة أضاءله من النور ما بين الجمعتين».
فما هي تلكَ الأنوار ؟
ـ الحمد..
تبدأ قراءة سورةِ الكهف بالحمد:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عوجا (الكهف/1).
تحمدُ الله أن هداكَ لقراءةِ الكتابِ الذي يعيدكَ إلى الصراطِ المستقيمِ إن تُهتَ عنه.
الحمد لله.. هي الكلمة الوحيدة التي تكتمل بها الأفراح ، وتنتهي بها عمان الأحزان.. وتسكن بها القلوب...
ـ فأووا إلى الكهف.
تقرأ قصة أصحابِ الكهف وكيف حاولوا النجاةَ بإيمانهم من بطش قومهم..
فتعرف أنَّك أن لم تستطع أن تُغيَّر...
فكهف عزلَتِكَ يحميكَ في بعض الأحيان من أذى العالم الخارجي.
إن لم تستطع أن تجعلَ أحدًا يركبُ معك في سفينة النجاة....
على الأقل احفظ نفسَك وإيمانك كي لا تغرق مع الغارقين.
(وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ، وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِرْفَقًا)
(16/الكهف)
- إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ
يعلِّمُكَ الله ألا تعطى وعدًا بما لا تستطيع أن تفى.. إلا أن تقول: [إن شاء الله].
وذلك أن أهل مكة سألوا رسول الله ﷺ عن الروح وعن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين فقال:
أخبركم غدًا... ولم يقل إن شاء الله؛ فانقطع الوحي أياما، ثم نزلت
هذه الآية:
وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَن يَشَاءَ الله وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (الكهف / 24:23).
-(يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) (الكهف / 28)
تقرأ آيات الصبر على الطاعة...
تعرف حينها أن أجمل عبادة لله.. لا من أجلِ دنيا تُصيبها..
لا من أجل زواجٍ، أو عملٍ، أو حاجةٍ تريدُ أن تقضيها...
فإن قُضيت ربما انقطعت عمَّا اجتهدتَ به من دعائك وتقرُّبِكَ لله ..
بل من أجلِ رضاه.. لأنكَ تُحبه وتريدُ، ولا تريدُ منهُ فقط ... فإن رضيَ عنكَ أعطاكَ فوقَ المزيد، وإن أردتَ مرادهُ أرادَ ما تُريد... ولا تكن كمن تَبِعَ هواه فعاشَ متخبطًا متقلبًا لا يعرفُ استقرارًا.. ولا يعبدُ الله إلا من أجلِ تحقيقِ أحلامه.
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيَ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ، وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَنَهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (الكهف / 28).
- فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ
فتقرأ بعدها تمامًا قوله تعالى: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) (الكهف / 29).
تعرف حينها أن الله أعطاك الخياراتِ في هذه الدنيا، وأنَّكَ لستَ مُسيَّرَا..
ولكنَّكَ تختار المسار الذي ستسير فيه وتسلُكه ولِكلِّ اختيارٍ حِسابه.
فإن اخترت الإيمان كان اللهُ مددك وسندك إن أطعتهُ فيما اخترت....
وإن اخترت الكُفر أنك كسرت ذل العبودية. «لا قدر الله» ظانَّا بذلك أنك كسرت ذُلَّ العبودية.
فقد أتعبت هواك وقمت بعبادة نفسك.. وانتقلت من صراطٍ مستقيم تتبعهُ فتنجو...
إلى هوى نفسٍ تهوي بكَ في ظُلُمات الدنيا.. فلا تربحُ آخرتك ... وحتمًا ستخسرُ دنياك.
(وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَفَلْيَكْفُرْ)...
-لتصل لقصة أصحاب الجنتين...
كُلُّ منهما رزقه الله.. أحدهما كان أكثر غنى من الآخر...
ولكنَّ غناهُ كان عليه وبالًا فتكبَّر وتبطَّر...
فنسفَ اللهُ مُلكَه.. وأيبس جنته.
عندما ملك سيدنا سليمان عليه السلام الأرض...
مرَّ بجيشه على وادي النمل فحذرت نملةٌ بقية النمل أن يدخلوا مساكنهم..
خوفا من أن يحطمهم جيش سليمان...
حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَتَأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَنُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَى وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) (النمل / 18: 19).
كان يُمكن له أن يمرَّ عليها ولا يعطي لها أهمية فهي النملة.. وهو الملك...
لكن عرف أن الملك لله فتواضع له.
تعلمُ حينها أنهُ وإن ملكتَ الدنيا فمن أعطاك هذا الملك قادر على سلبهِ إياك فلا تكبُّرَ بملكِ الله...
وأنه بالشكر تدوم النعم.
إلَّا إبليس....
ما حكم تهنئة الكفار بعيد الكريسماس؟
- تهنئة الكفار بعيد الكريسماس أو غيره من أعيادهم محرّم بالاتفاق، وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قُبح ما فعل، فمن هنّأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرّض لمقت الله وسخطه.
ابن عثيمين رحمه الله
فَإِنِ اسْتَطَاعَ عَدُوٌّ اللَّهِ أَنْ يَنْقُلَ إِلَى قَوْمِهِ حَقِيقَةً أَمْرِنَا سَبَى اليَهُودُ النِّسَاءَ وَاسْتَرَقُوا الذَّرَارِيَ ، وَكَانَتِ الطَّامَّةُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ .
***
عِنْدَ ذَلِكَ بَادَرَتْ إِلَى حِمَارِهَا فَلَفْتُهُ عَلَى رَأْسِهَا ، وَعَمَدَتْ إِلَى ثِيَابِهَا فَشَدَّتَهَا عَلَى وَسَطِهَا ، وَأَخَذَتْ عَمُوداً عَلَى عَاتِقِهَا ، وَنَزَلَتْ إِلَى بَابِ الحِصْنِ فَشَقَّتْهُ فِي أَنَاةٍ وَحِذْقٍ ، وَجَعَلَتْ تَرْقُبُ مِنْ خِلَالِهِ عَدُوَّ اللَّهِ فِي يَقظَةٍ وَحَذَرٍ ، حَتَّى إِذَا أَيْقَنَتْ أَنَّهُ غَدًا فِي مَوْقِفٍ يُمَكِّنُهَا مِنْهُ .
حَمَلَتْ عَلَيْهِ حَمْلَةً حَازِمَةً صَارِمَةٌ ، وَضَرَبَتْهُ بِالعَمُودِ عَلَى رَأْسِهِ فَطَرَحَتْهُ أَرْضاً .
ثُمَّ عَزَّزَتِ الضَّرْبَةَ الْأُولَى بِثَانِيَةِ وَثَالِثَةٍ حَتَّى أَجْهَزَتْ عَلَيْهِ ، وَأَحْمَدَتْ أَنْفَاسَهُ بَيْنَ جَنْبَيْهِ .
ثُمَّ بَادَرَتْ إِلَيْهِ فَاحْتَرَتْ رَأْسَهُ بِسِكِّينِ كَانَتْ مَعَهَا ، وَقَذَفَتْ بِالرَّأْسِ مِنْ أَعْلَى الحِصْنِ ...
فَطَفِقَ يَتَدَحْرَجُ عَلَى سُفُوحِهِ حَتَّى اسْتَقَرَّ بَيْنَ أَيْدِي اليَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا يَتَرَبَّصُونَ فِي أَسْفَلِهِ .
لبعض :
فَلَمَّا رَأَى اليَهُودُ رَأْسَ صَاحِبِهِمْ؛ قَالَ بَعْضُهُمْ قَدْ عَلِمْنَا إِنَّ مُحَمَّداً لَمْ يَكُنْ لِيَتْرُكَ النِّسَاءَ وَالْأَطْفَالِ مِنْ غَيْرِ حُمَاةٍ ... ثُمَّ عَادُوا أَدْرَاجَهُمْ .
***
رَضِيَ اللَّهُ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ المُطَّلِبِ .
فَقَدْ كَانَتْ مَثَلاً فَذَا لِلْمَرْأَةِ المُسْلِمَةِ ....
ربَّت وَحِيدَهَا فَأَحْكَمَتْ تَرْبِيتَهُ .
وَأُصِيبَتْ بِشَقِيقِهَا فَأَحْسَنَتِ الصَّبْرَ عَلَيْهِ ....
وَاخْتَبَرَتْهَا الشَّدَائِدُ فَوَجَدَتْ فِيهَا المَرْأَةَ الحَازِمَةَ العَاقِلَةَ البَاسِلَةَ .
ثُمَّ إِنَّ التَّارِيخَ كَتَبَ فِي أَنْصَعِ صَفَحَاتِهِ :
إِنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ عَبْدِ المُطَّلِبِ كَانَتْ أَوَّلَ امْرَأَةٍ قَتَلَتْ مُشْرِكاً في الإِسْلام .
معاني المفردات 🤍🦋
الجزلة : الأصيلة الرأي، والرزان : الرصية الرزينة .
مخوفة : موقف يخاف منه .
تقيمه : تدفعه وتدخله .
ارتجزت : قالت شعراً على بحر الرجز .
يلب : يصبح لبيباً، واللبيب الذكي العاقل .
سناه : ضياؤه .
الرعيل الأول : الفوج الأول .
ثلة : طائفة .
القسي : جمع قوس وهو آلة الحرب يرمى بها بالسهام .
لا غرو : لا عجب .
الحواري : الناصر، وحواريو الرسل الخاصة من أنصارهم .
ينكشفون : يتفرقون .
اللبؤة : أنثى الأسد .
التمثيل : تشويه جسد البيت .
إليك يا أُمه : ابتعدي يا أماه .
بقر بطنه : شُق بطنه .
لأَحْتَسِبَنَّ : لأجعلن ذلك
مجدع أنفه : قطع أنفه .
المصاب في الله ولأطلبن
صُلِمَتْ أذناه : قطعت أذناه .
الأجر عليه منه .
الشدى : الخيوط الطولية للنسيج، واللحمة : الخيوط العرضية .
إليك خَبَرَها : خُذْ خَبَرَها .
حسان بن ثابت : شاعر رسول الله الله والمدافع عن الإسلام بشعره ، توفي وله مائة وعشرون سنة قضى نصفها في الجاهلية ونصفها في
الإسلام .
حواف الخندق : أطرافه .
عين لبني قومه : جاسوس جاسوس لهم .
ظاهروا قريشاً : أعانوا قريشاً .
في نحور العدو : في وجوه العدو وقبالته .
الطامة : المصيبة الكبرى، وسميت القيامة طامة لأنها تطم كل شيء،
أي تعم ولا تترك شيئًا .
على عاتقها : عَلَى كيفها .
يتربصون : ينتظرون ويترقبون .
السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ
سنتحدث اليوم عن 🌸 صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ المُطَّلِبِ🌸
صَفِيَّةُ أَوَّلُ امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ قَتَلَتْ مُشْرِكاً دِفَاعاً عَنْ دِينِ اللَّهِ )
مَنْ هَذِهِ السَّيِّدَةُ الجَزْلَةُ الرَّزَانُ الَّتِي كَانَ يَحْسُبُ أَمَا الجَالُ أَلْفَ حِسَابٍ ؟ .
منْ هَذِهِ الصَّحَابِيَّةُ البَاسِلَةُ الَّتِي كَانَتْ أَوَّلَ امْرَأَةٍ قَتَلَتْ مُشْرِكاً فِي الإِسْلَامِ ؟ ....
مَنْ هَذِهِ المَرْأَةُ الحَازِمَةُ الَّتِي أَنْشَأَتْ لِلْمُسْلِمِينَ أَوَّلَ فَارِسٍ سَلَّ سَيْفاً فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ .
إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ المُطَّلِبِ الهَاشِمِيَّةُ القُرَشِيَّةُ عَمَّةُ رَسُولِ اللهِ ﷺ .
***
اكْتَنَفَ المَجْدُ صَفِيَّةَ بِنْتَ عَبْدِ المُطَّلِبِ مِنْ كُلِّ جانب :
فَأَبُوهَا ، عَبْدُ المُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمِ جَدُّ النَّبِيِّ ﷺ وَزَعِيمُ قُرَيْشٍ وَسَيِّدُهَا المُطَاعُ .
وَأُمَّهَا ، هَالَةٌ بِنْتُ وَهْبٍ أُخْتُ آمِنَةً بِنْتِ وَهْبٍ وَالِدَةِ الرَّسُولِ .
ابْنِ حَرْبٍ وَزَوْجُهَا الأَوَّلُ ، الحَارِثُ بْنُ حَرْبٍ أَخُو أَبِي سُفْيَانَ زَعِيمِ بَنِي أُمَيَّةَ ، وَقَدْ تُوفِّيَ عَنْهَا .
وَزَوْجُهَا الثاني ، العَوَّامُ بْنُ خُوَيْلِدٍ أَخُو خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدِ سَيِّدَةِ نِسَاءِ العَرَبِ فِي الجَاهِلِيَّةِ ، وَأُولَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ فِي الإِسْلَامِ .
وَابْنُهَا ، الزُّبَيْرُ بْنُ العَوْامِ حَوَارِي رَسُولِ اللهِ ﷺ .
أَفَبَعْدَ هَذَا الشَّرَفِ شَرَفٌ تَطْمَحُ إِلَيْهِ النُّفُوسُ غَيْرَ شَرَفِ الإِيمَانِ ؟! .
لَقَدْ تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا العَوَّامُ بْنُ خُوَيْلِدٍ وَتَرَكَ لَهَا طِفْلاً صَغِيراً هُوَ ابْنُهَا ( الزُّبَيْرُ فَنَشَّأَتَهَ عَلَى الخُشُونَةِ والبأس ...
وَرَبُّتْهُ عَلَى الفُرُوسِيَّةِ وَالحَرْبِ ....
وَجَعَلَتْ لَعِبَهُ فِي بَرْيِ السَّهَامِ وَإِصْلَاحِ القِسِيِّ . وَدَأَبَتْ عَلَى أَنْ تَقْذِفَهُ فِي كُلِّ مَخُوفَةٍ وَتُقْحِمَهُ فِي كُلِّ خَطَرٍ ...
فَإِذَا رَأَتْهُ أَحْجَمَ أَوْ تَرَدَّدَ ضَرَبَتْهُ ضَرْباً مُبَرِّحاً ، حَتَّى إِنَّهَا عُوتِبَتْ فِي ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ أَحَدٍ أَعْمَامِهِ حَيْثُ قَالَ لَهَا :
مَا هَكَذَا يُضْرَبُ الوَلَدُ ... إِنَّكِ تَضْرِبِينَهُ ضَرْبَ مُبْغِضَةٍ لَا ضَرْبَ أُمِّ ؛ فَارْتَجَزَتْ قَائِلَةً : مَنْ قَالَ قَدْ أَبْغَضْتُهُ فَقَدْ كَذَبْ
وَإِنَّمَا أَضْرِبُهُ لِكَيْ يَلِبْ وَيَهْزِمَ الجَيْشَ وَيَأْتِي بِالسَّلَبْ
***
وَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيُّهُ بِدِينِ الهُدَى وَالحَقِّ ، وَأَرْسَلَهُ نَذِيراً وَبَشِيراً لِلنَّاسِ ، وَأَمَرَهُ بِأَنْ يَبْدَأَ بِذَوِي قُرْبَاهُ جَمَعَ بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ ... نِسَاءَهُمْ وَرِجَالَهُمْ وَكِبَارَهُمْ وَصِغَارَهُمْ ، وَخَاطَبَهُمْ قَائِلاً :
( يَا فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ ، يَا صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ المُطَّلِبِ ، يَا بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ) .
ثُمَّ دَعَاهُمْ إِلَى الإِيمَانِ بِاللَّهِ ، وَحَضَّهُمْ عَلَى التَّصْدِيقِ بِرِسَالَتِهِ .
فَأَقْبَلَ عَلَى النُّورِ الإِلَهِيَّ مِنْهُمْ مَنْ أَقْبَلَ ، وَأَعْرَضَ عَنْ سَنَاهُ مَنْ أَعْرَضَ ؛ فَكَانَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ المُطَّلِبِ فِي الرَّحِيلِ الأَوَّلِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ المُصَدِّقِينَ ... عِنْدَ ذَلِكَ جَمَعَتْ صَفِيَّةُ المَجْدَ مِنْ أَطْرَافِهِ : سُوْدَدَ الحَسَبِ ، وَعِزَّ الإسلام .
***
انْضَمَّتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ المُطَّلِبِ إِلَى مَوْكِبِ النُّورِ هِيَ وَفَتَاهَا الزُّبَيْرُ بْنُ العَوَّامِ ، وَعَانَتْ مَا عَانَاهُ الْمُسْلِمُونَ السَّابِقُونَ مِنْ بَأْسِ قُرَيْشٍ وَعَنَتِهَا وَطُغْيَانِهَا .
فَلَمَّا أَذِنَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ وَالْمُؤْمِنِينَ مَعَهُ بِالهِجْرَةِ إِلَى المَدِينَةِ خَلْفَتِ السَّيِّدَةُ الهَاشِمِيَّةُ وَرَاءَهَا مَكَّةَ بِكُلِّ مَا لَهَا فِيهَا مِنْ طُيُوبِ الذِّكْرَيَاتِ ، وَضُرُوبِ المَفَاخِرِ وَالمَآثِرِ وَيَمَّمَتْ وَجْهَهَا شَطْرَ المَدِينَةِ ، مُهَاجِرَةٌ بِدِينِهَا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ .
***
وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ السَّيِّدَةَ العَظِيمَةَ كَانَتْ يَوْمَئِذٍ تَخْطُو نَحْو السِّتِّينَ مِنْ عُمُرِهَا المَدِيدِ الحَافِلِ .
فَقَدْ كَانَ لَهَا فِي مَيَادِينِ الجِهَادِ مَوَاقِفُ مَا يَزَالُ يَذْكُرُهَا التَّارِيخُ بِلِسَانٍ نَدِي بِالإِعْجَابِ رَطِيبٍ بِالثَّنَاءِ ،
وحَسْبُنَا مِنْ هَذِهِ المَوَاقِفِ مَشْهَدَانِ اثْنَانِ :
كَانَ أَوْلُهُمَا يَوْمَ أُحُدٍ ....وَثَانِيهِمَا يَوْمَ الخَنْدَقِ .
وطلب إلى الرجلين أن يقفا على خبر النبي عليه الصلاة والسلام ، وأن يستقصيا أمره ، وأن يأتياه بما يقفان عليه من معلومات .
***
خرج الرجلان يُعدان السير (١٢) حَتَّى بلغا الطائف فوجدا رجالاً تجاراً من قريش ، فَسَأَلاهم عن محمد عليه الصلاة والسلام ، فقالوا : هو في يثرب ، ثم مضَى التجار إلى مكة فرحين مستبشرين ، وجعلوا يهنئون قريشاً ويقولون :
قَرُّوا عينا (١٣) ، فإِنَّ كِسْرَى تَصَدَّى لمحمد وكفاكم شره .
أما الرجلان فيما (١٤) وجهيهما شَطْرَ (١٥) المدينة حتى إذا بلغاها لقيا النبي عليه الصلاة والسلام ، ودفعا إليه رسالة و باذان ، وقالا له :
إن ملك الملوك كسْرَى كتب إلى ملكنا ( باذان ، أن يبعث إليك من يأتيه بك ... وقد أتيناك لتنطلق معنا إليه ، فإنْ أَجَبْتَنا كَلَّمَنَا كِسْرَى بِمَا يَنْفَعُكَ وَيَكُفُ أذاه عنك ، وإن أبيت فهو مَنْ قَدْ عَلِمْتَ سطوته (١٦) وبَطْشَه وَقُدْرَته على إهلاكِكَ وإهلاك قومك .
فتبسم الرسول عليه الصلاة والسلام وقال لهما : (ارْجِعا إلى رحالكما اليوم وأتيا غداً ) .
فلما غَدَوا على النبي صلوات الله عليه في اليوم التالي ، قالا له : هَلْ أعددت نفسك للمضي معنا إلى لقاء كسرى ؟
فقال لهما النبي :
لن تلقيا كسرى بعد اليوم فلقد قتله الله ؛ حيث سلط عليه ابنه
شيرويه ، في ليلة كذا . من شهر كذا ... ) .
فَحَدَّقا في وَجْهِ النبي ، وبَدَتِ الدَّهْشَة على وجهيهما ، وقالا :
أتدري ما تقول ؟! أنكتب بذلك « لباذان ) ؟! قال : (نعم ، وقولا له : إن ديني سَيَبْلُغُ مَا وَصَلَ إليه مُلْكُ كِسْرَى ، وإِنَّكَ إِنْ أَسْلَمْتَ أَعطيتك ما تَحْتَ يديك ، وملكتك على قومك ) .
خرج الرجلان من عند الرسول صلوات الله عليه ، وقدما على « باذان ) وأخبراه الخبر ، فقال : لئن كان ما قاله محمد فهو نبي ، وإن لم يكن كذلك فسترى فيه رأياً
فلم يلبَتْ أَنْ قَدِمَ على « باذان ، كتاب « شيرويه ، وفيه يقول :
أما بعد فقد قتلتُ كِسْرَى ، ولم أقتله إلا انتقاماً لِقَوْمِنَا ، فقد اسْتَحَلَّ قَتْلَ أشرافهم وسبي نسائهم وانتهاب أموالهم ، فإذا جاءك كتابي هذا فخُذْ لي الطاعة ممن عندك .
فما إن قرأ ( باذان) ، كتاب ( شيرويه ) حتى طرحه جانباً وأَعْلَن دخوله في الإسلام ، وأَسْلَمَ مَنْ كان معه من الفرس في بلادِ اليَمَنِ .
***
هذه قصة لقاء عبد الله بن حُذَافَةَ لِكِسْرَى مَلكِ الفُرْس .
فما قصة لقائه لقيصر عظيم الروم ؟
لقد كان لقاؤه لِقَيْصَر في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وكانت له معه قصة من روائع القصص .
ففي السنة التاسعة عشرة للهجرة بعث عمر بن الخطاب جيشاً لِحَرْبِ
الروم فيه عبد الله بن حذافة السهمي وكان قيصر عظيم الروم قد تَنَاهَتْ (١٧) إليه أخبار جند المسلمين وما يتحلون (١٨) به من صدق الإيمان ورسوخ العقيدة واستر خاص النفس في سبيل الله ورسوله .
فأمر رجاله - إذا ظفروا بأسير من أسرى المسلمين - أن يبقوا عليه ، وأن يأتوه به حيا وشاء الله أن يقع عبد الله بن حذافة السهمي أسيراً في أيدي الروم ؛ فحملوه إلى مليكهم وقالوا : إن هذا من أصحاب محمد السابقين إلى
دينه قد وقع أسيراً في أيدينا ، فأتيناك به .
***
نظر ملك الروم إلى عبد الله بن حذافة طويلا ثم بادره قائلاً :
إني أعرض عليك أمراً .
قال : وما هو ؟
فقال : أعرض عليك أن تتنصر ... فإن فعلت ؛ خَلَّيْتُ سبيلك ،وأكرمت مثواك .
فقال الأسير في أنفَةٍ وحَزْم : هيهات ... إن الموت لأحب إلي ألف مرة مما تدعوني إليه .
فقال قيصر : إني لأراك رجلاً شهماً ... فإن أجبتني إلى ما أعرضه عليك
أشْرَكتُكَ في أَمْرِي وقاسمتُكَ سُلطاني .
فتبسم الأسير المكبل (١٩) بقيوده وقال :والله لو أعطيتني جميع ما تملك ، وجميع ما مَلَكَتْهُ العَرَبُ على أن أرجع عن دين محمدٍ طَرْفَةَ عَيْنٍ (٢٠) ما فعلت .
قال : إذن أقتلك .
قال : أنت وما تريد ، ثم أمر به فصلِب ، وقال لِقَنَاصَتِه - بالرومية - :
ارموه قريباً من يديه ، وهو يعرض عليه التنصر فأبى ..
ارموه قريباً من رجليه ، وهو يعرض عليه مُفَارَقَةً دينهِ فَأَبَى .
عند ذلك أَمَرَهُم أَنْ يَكُفُّوا عنه ، وطلب إليهم أن يُنزلوه عن خَشَبَةِ الصلب ، ثم دعا بقدر عظيمةٍ فَصُب فيها الزيت ورُفِعَتْ على النار حتى غَلَتْ ثم دعا بأسيرين من أسارى المسلمين ، فأمر بأحدهما أَنْ يُلْقَى فِيها فَأُلْقِيَ ، فإذا لحمه يتفتت . وإذا عظامه تبدو عارية
ثم التفت إلى عبد الله بن حذافة ودعاه إلى النصرانية ، فكان أشد إباء لها من قبل .
فلما يئس منه ؛ أمر به أن يُلْقَى في القدر التي الْقِي فيها صاحِبَاهُ فلما ذهب به دمعت عيناه ، فقال رجال قيصر لملكهم : إنه قد بكي
فقالوا : أميرنا
فقال: أميركم فقير؟!
قالوا : نعم والله إنه لتمر علي الايام الطوال ولا يُوقَدُ في بيته نار فبكى عمر حتى بللت دموع لِحيَتَه ثم عمد إلى ألف دينار فجعلها في صُرةٍ وقال: اقرؤوا عليه السلام مني وقولوا له: بعث إليك امير المؤمنين بهذا المال لتستعين به على قضاء حاجاتك.
جاء الوفد لسعيد بالسره فنظر اليها فاذا هي دنانير فجعل يبعدها عنه وهو يقول إنا لله وإنا إليه راجعون كأنما نزلت به نازله او حل بساحتِهِ خطب فهبت زوجته مذعوره وقالت: ما شانك يا سعيد أمات أمير المؤمنين؟!
قال :بل اعظم من ذلك قالت: أأصيب المسلمون في وقعه؟!
قال: بل أعظم من ذلك قالت :وما أعظم من ذلك؟!
قال :دخلت عليَّ الدنيا لتفسد آخرتي، وحلت الفِتْنَهُ في بيتي
قالت: تخلص منها وهي لا تدري من أمر الدنانير شيئاً قال: اوتعينينني على ذلك؟
قالت: نعم
فاخذ الدنانير فجعلها فقراء المسلمين
لم يمضي على ذلك طويل وقت حتى أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ديار الشام يتفقد احولها فلما نزل بحمص وكانت تدعي الكويفة وهو تصغير للكوفه وتشبيه لحمص بها لكثرة شكوي أهلها من عمالهم وولاتهم كما كان يفعل أهل الكوفة فلما نزل بها لقيه أهلها للسلام عليه فقال:كيف وجدتم أميركم ؟
فشكوه إليه وذكروا اربعاً من افعاله كل واحد منها أعظم من الآخرِ
قال عمر: فجمعتُ بينه وبينهم ودعوت الله الا يخيب ظني فيه فقد كنتُ عظيم الثقه به.
فلما اصبحوا عندي هم واميرهم قلت: ما تشكون من اميركم ؟قالوا: لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار فقلت: وما تقول في ذلك يا سعيد فسكت قليلا ثم قال: والله اني كنت اكره ان اقول ذلك أما وإنه لابُد منه فإنه ليس لأهلي خادم فأقوم في كل صباح فأعجن لهم عجينهم ثم اتريثُ قليلاً حتى يختمِر ثم اخبِزُه لهم ثم اتوضأ وأخرجُ للناس
قال عمر :فقلت لهم : وما تشكون منه ايضا؟
قالوا: انه لا يجيب احد بالليل
قلت :وما تقول في ذلك يا سعيد
قال: إني واللهِ كنت اكره ان أُعلن هذا ايضا فأنا قد جعلت النهار لهم والليل لله عز وجل
قلت :وما تشكون منه ايضا
قالوا: انه لا يخرج إلينا يوما في الشهر
قلت: وما في هذا يا سعيد قال ليس لي خادم يا أمير المؤمنين وليس عندي ثياب غيرُ التي عليَّ فأنا اغسِلُها في الشهر مرة وانتظِرُها حتى تَجِف ثم أخرج إليهم في اخرِ النهار
ثم قلت: وما تشكون منه ايضا؟ قالوا :تُصيبُه من حين الى آخر غشية فيغيب عمن في مجلسه فقلت :وما هذا يا سعيد فقال: شهدت مصرع خُبَيبٍ بن عدي وانا مشرك ورأيت قريشا تقطع جسده وهي تقول: أتحب أن يكون محمد مكانك فيقول: والله ما أحب أن أكون آمنا في أهلي وولدي وأن محمد تشوكه شوكه… واني واللهِ ما ذكرت ذلك اليوم وكيف إني تركت نُصرتَهُ إلا ظننت أن الله لايغفر لي..... واصابتني تلك الغشية
عند ذلك قال عمر: الحمد لله الذي لم يخيب ظني به
ثم بعث له بألف دينار ليستعين بها على حاجته فلما رأتها زوجته قالت له: الحمد لله الذي اغنانا عن خِدمَتِك اِشتر لنا مؤنة واستأجِر لنا خادماً
فقال لها: وهل لَكِ فيما هو خير من ذلك؟
فقالت: وما ذاك؟!
قال: ندفاعها إلى من يأتينا بها ونحن أحوج ما نكون إليها
قالت: وما ذاك؟!
قال :نقرضها اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا
قالت: نعم، وجُزِيت خيراً فما غادر مجلِسهُ الذي هو فيه حتى جعل الدنانير في صره وقال لواحدٍ من اهله: انطلق بها إلى أرمله فلان والى أيتام فلان والى مساكين الف فلان وإلى مساكين فلان وإلي مُعوِزِي آل فلان رضي الله عن سعيد بن عامر الجمحي فَقَدْ كَانَ مِنْ الَّذِينَ يُؤْثِرُون عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ
فقال: نعم يا غلام اكتب بحمل ارزاقهم اليهم هل من حاجه غيرها يا ابا محمد
فقال: نعم يا أمير المؤمنين اهل ذمتكم لا يُكلفون ما لا يُطيقون فإن ما تجبونه منهم معونه لكم على عدوكم
فقال: يا غلام اكتب لأهل بألا يُكفوا ما لا يُطيقون هل من حاجه غيرها يا ابا محمد
قال: نعم اتق الله في نفسك يا أمير المؤمنين واعلم أنك خُلقت وحدك وتموتُ وحدك وتُحشر وحدك وتحاسب وحدك ولا واللهِ ما معك ممن ترى احد
فأكب هشام ينكُثُ في الأرض وهو يبكي
فقام عطاء فقُمتُ معهُ فلما صرنا عند الباب إذا رجلا قد تبعه بكيس لا ادري ما فيه وقال له: أن أمير المؤمنين بعث لك بهذا
فقال : هيهات
(وَمَآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ أَجۡرٍ إِنۡ أَجۡرِىَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِينَ)
والله انه دخل على الخليفه وخرج من عنده ولم يشرب قطره ماء
وبعد، فَقَدْ عُمر عطاء بن أبي رباح حتى بلغ 100 عام ملأها بالعلم والعمل وأترعها بالبر والتقوى وزكاها بالزهاده بما في أيدي الناس والرغبه بما عند الله فلما أتاه اليقين وجدهُ خفِيف الحِمل من أثقال الدنيا
كثير الزاد من عمل الآخرة ومعه فوق ذلك 70 حجه وقف خلالها 70 مرة على عرفات وهو يسأل الله تعالى رضاهُ والجنه ويتعيذ به من سخطه والنار
السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ
سنتحدث اليوم عن حياه شخص من التابعين إسمه
✨عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ✨
قال عنه سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ ((ما رايت احدا يريد بالعلم وجه الله عز وجل غير هؤلاء الثلاثه عطاء وطَاوُوس ومُجاهِدً))
ها نحن أولاء في العشر الأخير من شهر ذي الحجه سنه 97 للهجره وهذا البيت العتيق يَمُوجُ بالوافِدِين على الله من كل فَجّ نِسَاءً ورِجالاً وشُيوخاً وشُباناً فيهم الأسود والابيض وَالعَجَمِيُّ وَالْعَرَبِيّ لقد قدِموا جميعاً على ملك الناس مُخْبِتين مُلبًينَ راجِين مؤمنين وهذا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ خليفة المُسلِمِين وأعظم مُلوك الأرضِ يطوف بالبيت العتيق حَاسِر الرأسِ حافِي القدمين ليس عليه إلا إِزار ورِداء شأنه في ذلِك كشأن بقية رعاياهُ من إخوانِهِ في وكان مِن خلفِهِ وَلَدَاهُ
وهما غُلامان كطلعةِ البدر بَهَاءً ورُوَاءً وما أن انتهى من طوافِهِ حتى مال على رجُلٍ منه خاصته وقال: أين صاحِبكُم ؟فقال: إنه هناك قائما يُصلي
وأشار إلى الناحيه الغربية من المسجد الحرام
فاتجه الخليفه ومن ورائِهِ ولداهُ إلى حيث أُشير إليه وهَمَّ رجال الحاشيِة بأن يتبعوا الخليفه ليفسحو له الطريق ويدفعوا عنه أذي الزحام فثناهم عن ذلك وقال: هذا مقام يتساوى فيه المُلُوكُ والسُّوقَةُ ولا يَفضُلُ فيه أحد ً أحداً إلا بالقبول والتقوى ورب أَشْعَتَ أغْبَرَ قدم علي الله فتقبلهُ بِما لم يتقبل بِهِ المُلُوك ثم مضى نحو الرَجُل فوجدهُ ما يزالُ دَاخِلاً في صلاتِهِ غارقاً فِي رُكُوعِهِ وسُجُودِهِ والناس جُلُوس وراءهُ وعن يمينِهِ وعن شمالِهِ فجلس حيث انتهى به المجلس وأجلس معه وَلَدَيْهِ
وطفق الفتيان القُرَشِيانِ يتأملان ذلك الرجل الذي قصدهُ أمير المؤمنين وجلس مع الناس ينتظِرُ فراغهُ من صلاتِهِ.
فَإِذَا هُوَ شَيْخُ حَبَشِيٌّ أَسْوَد الْبَشَرَة مُفَلْفَل الشَّعْر أَفْطَس الْأَنْفِ إذَا جَلَسَ بَدَأ الْغُرَاب الْأَسْوَد.
ولما انتهى الرجُلُ من صلاته مال بِشِقِّهِ على الجِهةِ التي فيها الخليفه فَحَيَّاهُ سليمان بن عبد الملك فرد التحيه بِمِثلِهَا وهنا أقبل عليه الخليفه وجعل يسأله عن مناسِكِ الحج منسكاً منسكاً وهو يَفِيضُ بالإجابة عن كل مسألةٍ و يُفصلُ القول فيها تفصيلاً لا يدع سبيل لِمُستزِيد ويُشنِدُ كل قول إلي الرسول صلى الله عليه وسلم ولما انتهى الخليفه من مساءلته جزاه خيرا وقال لولديه: قوما فقاما ومضى الثلاثه نحو المسعٰى وفيما هم في طريقهم الى السعي بين الصفا والمروه سمع الفتيان المُنَادِينَ يُنادون: يا معشر المسلمين لا يُفتِي الناس في هذا المقام إلا عطاء ابن ابي رباح فان لم يوجد فَعَبْدُ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ
فالتفت احد الغلامين إلي أبيه وقال:كيف يأمُرُ عامل أمير المؤمنين الناس بألا يَستفُتوا أحد غير عطاء بن ابي رباح وصاحبه
ثم جئنا نحن نستفتِي هذا الرجل الذي لم يأبه للخليفه ولم يُوفهِ حقهُ من التعظيم !!
فقال سليمان لولده: هذا الذي رأيته يا بُني ورأيت ذُلنَا بين يديه هوعطاء بن ابي رباح صاحب الفُتيا في المسجد الحرام ووارِثُ عبد الله بن عباس في هذا المنصب القدير ثم أردف يقول: يا بني تعلموا العِلم فبالعلم يَشرُفُ الوضِيعُ ويعلو الارقاءُ على مراتب الملوك
لم يكن سليمان بن عبد الملك مبالغا فيما قاله لابنه في شأن العلم فقد كان عطاء بن ابي رباح في صِغرهِ عبدا مملوكا لامرأة من أهل مكه غير أن الله عز وجل أكرم الغُلام بان وضع قدمه منذ نعومه أظافره في طريق العلم فقسم وقته اقسام الثلاثه:قِسم جعله لِسيدتِهِ يخدمها فيه احسن ما تكون ما الخدمه ويؤدي لها الحقوق وقسم جعله لربه يَفرُغُ فيه لعبادته أصفى ما تكون العباده واخلصها لله عز وجل وقسم جعله لطلب العلم حيث أقبل على من بقى حيا من صحابه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ عن ابي هُريره وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير وغيره من الصحابه الكرام رضوان الله عليهم حتى امتلأ صدره علما وفِقها ورواية عن رسول صلى الله عليه وسلم ولما رأت السيده ذلك ان غلامها قد باع نفسه لله ووقف حياته على طلب العلم تخلت عن حقها فيه وأعتقت رقبته تقربا لله عز وجل لعل الله ينفع به الاسلام والمسلمين ومنذ ذلك اليوم اتخذ عطاء ابن ابي رباح البيت الحرام مقاما له فجعله دارهُ التي يأوي إليها ومدرسته التي يتعلم فيها ومُصلاة الذي يتقرب فيه إلى الله بالتقوى والطاعه
حتى قال المؤرخون: كان المسجد فراشه عطاء بن ابي رباح نحوا من 20 عام وقد بلغ التابعي الخليل عطاء منزلة لم ينلها إلا نفر قليل من المعاصرين
السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ
سنتحدث اليوم عن شخصية أغلبنا يعرفها أو كلنا لأنها مشهورة جدا وهي
🌸حَلِيمَةُ السَّعْدِيَّةُ🌸
أُم الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم مِن الرضاعِ فهي عزيزه على كل مؤمن فمن ثدييها الطاهرينِ رَضَعَ الغلام السعِيدُ محمد ابنُ عبد الله عليه افضل الصلاه والسلام وعلى صدرِها المُفعم بالمحبه غفا وفِي حِجرها الطافِح بالحنان دَرج ومِن فصاحتِها وفصاحةِ قومها بَنِي سَعْدٍ نهل فكان من أبين الأَبيِناءِ كَلاَماً
وأفصح الفصحاء نُطقا فخبرُها عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من روائع الأخبار
قالت حليمه السعديه:خَرَجَتْ مِنْ مَنَازِلِنَا أَنَا وَزَوْجِي وَابْن لَنَا صَغِيرٌ نَلْتَمِسُ الرُّضَعَاءَ فِي مَكَّةَ وَكَانَ مَعَنَا نِسْوَةٍ مِنْ قَوْمِي بَنِي سَعْدِ لَقَدْ خَرَجْن لِمِثْلِ مَا خَرَجْتُ إلَيْهِ وَكَانَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ قَاحِلَةٍ مُجْدِبَةٍ أَيِسَتِ الزَّرْع وَأَهْلَكْت الضَّرْع فَلَمْ تُبْقِ لَنَا شَيْئًا وَكَانَ مَعَنَا دَابَّتَان عجفاوانِ مُسِنَّتَان لَا ترشحان بِقَطْرَةٍ مِنْ لَبَنٍ فَرَكِبْت أَنَا وَغُلَامِي الصَّغِير أَحَدُهُمَا إمَّا زَوْجِي فَرَكِب الْأُخْرَى وَكَانَت نَاقَتِه أَكْبَرَ سِنًّا وَأَشَدُّه هُزَّالًا
وكنا والله ما ننام لحظه في ليلنا كُله لشدة بكاء طفلنا من الجُوع إذ لم يكُن في ثديِي ما يُغنِيِه ولم يكُن في ضِرعي ناقتِنا ما يُغذيهِ ولقد أبطأنا بِالركبِ بسبب هُزال أتانِنا وضعفِهِا فضجِر رِفاقُنا مِنا وشق عليهِم السفر بِسببِنا فلما بلغنا مكه وبحثنا عن الرضعاء وقعتُ في أمر لم يكُن بالحُسبان .... ذلك أنه لم تبق امرأه إلا وعُرِض عليها الغُلام الصغِير مُحمدُ بن عبد الله فكُنا نأباهُ لأنه يتِيم وكُنا نقولُ: وما عسى أن تنفعنا أُم صبي لا أب لهُ وما عسى اغن يصنع لنا جدهُ
ثم إنه لم يمضِ علينا غير يومين اثنين حتي ظفِرت كُل امرأة معنا بواحِدٍ من الرُضعاء أما أنا فلم اظفر بأحد فلما أزمعنا الرحيل قُلتُ لزوجي: إني لأ كره أن أرجع إلى منازِلنا وألقى بني قومِنا خاويه الوِفاضِ دون أن أخذ رضِيعاً فليس فِي صُوَيحِبَاتِي امرأة الا ومعها رضيع واللهِ لأذهبن إلى ذلك اليتيم ولآخُذنهُ فقال لها زوجُها: لا بأس عليكِ خذيه فعسى أن يجعل اللهُ فيه خيرا فذهبت إلى أُمه واخذته ووالله ما حملني على أخذه إلا أني لم اجد غلاما سواه فلما رجعت به إلى رحلي وضعتُهُ في حِجرِي وألقمته ثَدْيِي فَدَرّ عَلَيْهِ مِنْ اللَّبَنِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْرِ بَعْدَ أَنْ كَانَ خَاوِيًا خَالِيًا فَشَرِب الْغُلَامُ حَتَّى رَوِيَ ثُمّ شَرِبَ أَخُوهُ حَتّى رَوَى أَيْضًا ثُمَّ نَامَا فاضجفتُ أَنَا وَزَوْجِي إلَى جانبهما لِننام بَعْدَ أَنْ كُنَّا لانحظي بالنوْمَ إلَّا غرارا بِسَبَب صَبِيّنَا الصَّغِيرِ ثُمَّ حَانَت مِنْ زَوْجِي الْتِفَاتَه إلَى ناقتِنا الْمُسِنَّة الْعَجْفَاء فَإِذَا ضرعاها حافِلانِ مُمتلِئانِ فَقَامَ إلَيْهَا دَهِشاً وَهُوَ لَا يُصَدَّقُ عَيْنَيْهِ وَحَلَب مِنْهَا وَشَرِبَ ثُمَّ حَلَبَ لِي فَشَرِبَت مَعَهُ حَتَّى امتلأنا رِيّا وَشِبَعاً وَبِتْنَا فِي خَيْرٍ لَيْلَة
فلما اصبحنا قال لِي زوجي: أتدرين يا حليمه أنك قد ظفِرتِ بطفل مبارك
فقُلتُ له: أنه لكذلِك واني لارجو منه خيرا كثيرا
ثُم خرجنا من مكه فركِبت أتاننا المُسِنه وحملتُهُ معِي عليها ؛فمضت نشيطة تتقدم دواب القوم جميعاً حتى ما يلحق بها أي من دوابهم فجعلت صواحِبي يقُلن لِي: ويحكِ يا ابنة أبي ذُوئبِ تمهلي علينا أليست هذِه أتانك المُسنة التي خرجتم عليها
فأقول لهُن: بلي ...واللهِ انها هِي
فيقُلن: واللهِ إن لها لشأناً
ثُمّ قَدِمْنَا مَنَازِلَنَا فِي بِلَادِ بَنِي سَعْدِ وَمَا أَعْلَمُ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ اللهِ أَشَدُّ قَحْطًا مِنْهَا وَلَا أَقْسَى جَذْبًا لَكِنْ غَنِمْنَا جعِلَت تَغْدُو إلَيْهَا مِع كُلِّ صَبَاحٍ فترعى فِيهَا ثُمَّ تَعُودُ مَع الْمَسَاء فتحلِبُ مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ نحلب وَنَشْرَب مِنْ لَبَنِهَا مَا طَابَ لَنَا أَنْ نَشْرَبَ وَمَا يَحْلُبُ أَحَدٌ غَيْرُنَا مِنْ غَنَمِهِ قَطْرَة
فَجَعَل بَنُو قَوْمِي يَقُولُونَ لِرُعْيَانِهِمْ : وَيْلَكُمْ اسْرَحُوا بغنمكم حَيْثُ يَسْرَحُ رَاعِي بِنْتِ أَبِي ذُؤَيْبٍ فَصَارُوا يَسْرَحُون بأغنامهم وَرَاء غَنمِنَا غَيْرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعُودُونَ بِهَا وَهِيَ جَائِعَةٌ مَا تَرَشَّح لَهُم بِقَطْرَة وَلَم نَزَل نَلْتَقِي مِنْ اللَّهِ الْبَرَكَةَ وَالْخَيْرُ حَتّى انْقَضَتْ سَنَّتَا رَضَاع الصَّبِيّ وَتَمّ فِطَامُهُ
- طب وكلام الناس؟
= ناس مين؟ أنا هقابل ربنا لوحدي.
" وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا "🤎.
يتعافىٰ المرء في الجنة..
" لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ ."
" وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا ."
”اللهمّ صلّ على محمّدٍ كلّما ذكركَ الذّاكرون، وصلّ على محمّدٍ وعلى آلِ محمّدٍ كلّما غفلَ عن ذِكرهِ الغافلون!“.
-الإمام الشافعي.