alkhotaba22 | Unsorted

Telegram-канал alkhotaba22 - مـنبر الخُـطـباء والـدُعـــاة📚

-

📡ألـشـبـكـة ألـدعــويــة ألـرائــدة، ألـمـتخـصـصـة بـالـخـطــب ألـمـنــبــريــه، والـمـحــاضــرات ألـمـؤثــره، والـبــعـض من ألــفتــاوى ألـديـنـيـــه، إذا أرت أي خطبه ألرجاء ألتواصل👈t.me/zakaryaa26 لحضه✋ من فضلك قبـل أن تغـادر ألقـناة 👈(إستغفـر ﷲ)🌷

Subscribe to a channel

مـنبر الخُـطـباء والـدُعـــاة📚

فعدل الرجل عن يمينه، واستجاب لتذكير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، طاعة لله ورسوله، واستجابة لداعي الحق.

ألا فاتقوا الله -رحمكم الله-؛ فمن أراد الثواب الجزيل الذكر الجميل وراحة القلب فليحلم على الجاهل، وليعفو عن المعتدي وليقبل الصلح (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) [الشورى:4].

عباد الله : صلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله؛ كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: 56]
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد
وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحمي حوزة الدين يا رب العالمين
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتبع رضاك يا رب العالمين
اللهم اشف مرضانا، وعاف مبتلانا، وارحم موتانا يا رب العالمين
اللهم وفِّق ولي أمرنا وولي عهده لرضاك، وأعنهما على طاعتك يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم احفظ جنودنا، واحم حدودنا وثغورنا ، يا رب العالمين، واحفظ رجال أمننا يا رب العالمين
اللهم اشف مرضاهم، وارحم موتاهم، وتقبلهم في الشهداء يا ربَّ العالمينَ
اللهم بارك لمن حَضَرَ معنا صلاتنا هذه في علمه وعمره وعمله، وبارك له في بدنه وصحته وعافيته، وبارك له في أهله وولده، وبارك له في ماله ورزقه، واجعله يا ربنا مباركًا موفقًا مسددًا أينما حَلَّ أو ارتحل
اللّهم آت نفوسنا تقواها، زكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها
اللّهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر
اللّهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسل

Читать полностью…

مـنبر الخُـطـباء والـدُعـــاة📚

الإصلاح بين الناس - الشيخ صالح بن حميد

الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ... آل عمران:102،
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ... النساء:1،
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ... الأحزاب:70-71.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.

أيها المسلمون: أصلحوا ذات بينكم؛ فالإصلاح عنوان الإيمان في الإخوان: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الحجرات:10].
الإصلاح مصدر الطمأنينة والهدوء ومبعث الاستقرار والأمن، وينبوع الألفة والمحبة.

أيها الإخوة، لقد أقضت مضاجع القضاة القضايا، وامتلأت كثيراً من السجون بالبلايا، ناهيك بما في مراكز الشرطة وأسرة المشافي من المآسي. بل إن مشكلات الأمة الكبرى في الصومال وأفغانستان، ومواقع من ديار المسلمين أخرى تحتاج كل الحاجة إلى الصالحين المصلحين.
ألا ينبري خيرون بمساعي حميدة هنا وهناك؛ ليطفئوا نار الفتن وينزعوا فتيل اللهب؟!

إن التنازع مفسد للبيوت والأسر، مهلك للشعوب والأمم، سافك للدماء، مبدد للثروات (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال:46]

بالخصومات والمشاحنات تنتهك حرمات الدين، ويعم الشر القريب والبعيد. ومن أجل ذلك سمى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فساد ذات البين بالحالقة، فهي لا تحلق الشعر ولكنها تحلق الدين.

إن الأمة تحتاج إلى إصلاح يدخل الرضا على المتخاصمين، ويعيد الوئام إلى المتنازعين. إصلاح تسكن به النفوس، وتأتلف به القلوب. إصلاح يقوم به عصبة خيرون شرفت أقدارهم، وكرمت أخلاقهم، وطابت منابتهم، وإنهم بمثل هذه المساعي الخيرة يبرهنون على نبل الطباع وكرم السجايا.

فئات من ذوي الشهامة من الرجال والمقامات العلية من القوم، رجال مصلحون ذو خبرة وعقل وإيمان وصبر، يخبرون الناس في أحوالهم ومعاملاتهم، حذاق في معالجة أدوائهم، أهل إحاطة بنفوس المتخاصمين وخواطر المتباغضين والسعي بما يرضي الطرفين.

أيها الإحبة: إن سبيل الإصلاح عزيمة راشدة، ونية خيرة، وإرادة مصلحة. وبريد الإصلاح، حكمة المنهج، وجميل الصبر، وطيب الثناء، سبيل وبريد يقوم به لبيب تقي يسره أن يسود الوئام بين الناس: (وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً) [النساء:129].

أيها الإخوة: وللإصلاح فقه ومسالك دلت عليها نصوص الشرع وسار عليها المصلحون المخلصون.
إن من فقه الإصلاح النية، وابتغاء مرضاة الله، وتجنب الأهواء الشخصية والمنافع الدنيوية. إذا تحقق الإخلاص حل التوفيق وجرى التوافق وأنزل الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد.

أما من قصد بإصلاحه الترؤس والرياء وارتفاع الذكر والاستعلاء فبعيد أن ينال ثواب الآخرة، وحري ألا يحالف التوفيق مسعاه (وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) [النساء:114].

ومن فقه الإصلاح سلوك مسلك السر والنجوى. فلئن كان كثير من النجوى مذموماً فإن ما كان من صدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس فهو محمود مستثنى: (لاَّ خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) [النساء:114].

أيها الإخوة: وهذا فقه في الإصلاح دقيق، فلعل فشل كثير من مساعي الصلح ولجانه بسبب فشو الأحاديث، وتسرب الأخبار، وتشويشات الفهوم مما يفسد الأمور المبرمة والاتفاقيات الخيرة.

إن من الخير في باب الإصلاح أن يسلك به مسلك النجوى والمسارة؛ فمن عرف الناس وخبر أحوالهم لاسيما فيما يجري بينهم من منازعات وخصومات وما يستتبع ذلك من حبٍ للغلبة وانتصار للنفس أدرك دقة هذا المسلك وعمق هذا الفقه.

Читать полностью…

مـنبر الخُـطـباء والـدُعـــاة📚

أبواب مفاتيح الرزق - الشيخ خالد الباتلي

الخطبة الأولى:
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

عباد الله: إن مما يشغل بالَ كثيرٍ من الناس قضيةَ المستوى المادي والدخلِ الشهري، وكلٌّ يتمنى أن يزيد رزقُه ويكثر دخلُه، ولا سيما إذا تغيرت الأحوال، وزادت الأعباء، فيحسب ويقدر، ويبحث عن أبواب وفرص لزيادة الدخل، وتعويض النقص.

ولا مانع أن يبحث المرء عما يزيد دخلَه ما دام مباحا، لكننا -في خضم الحياة المادية- نغفلُ عن أبواب مشرعة من أبواب الرزق، ومفاتيحَ تجلبُه وتزيدُه، جاء بها الإسلام، فدعونا نعرض بعضها، ونتعرف عليها، ثم نعمل بها تقربا إلى الله وطاعة.

المفتاح الأول: الاستغفار والتوبة، قال تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً) [نوح: 10-12].

قال الشعبي -رحمه الله-: "خرج عمر يستسقي فلم يزد على الاستغفار حتى رجع، فأمطروا، فقالوا: ما رأيناك استسقيت؟! فقال: لقد طلبت المطر بمجاديح السماء التي يستنزل بها المطر" ثم قرأ الآية السابقة.

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب”(رواه أبو داود).

فإذا ضاقت الأرزاق فارجعوا إلى الرزاق، تائبين مستغفرين.

وفي أخبار الناس قصص عجيبة في بركة الاستغفار وأثره في الدنيا قبل الآخرة.

المفتاح الثاني: الإنفاق في وجوه الخير، قال الله تعالى: (وَمَا أَنفَقْتُمْ مّن شيء فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ) [سبأ: 39]، وقال تعالى: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 261].

وقال -صلى الله عليه وسلم-: “هل تُنصرون وترزقون إلاّ بضعفائكم”

عبد الله: أنفق ينفق عليك، فَمَا أَمْسَكَ مَـمْسِكٌ إِلَّا لِسُوءِ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ، وَضَعْفِ يَقِينِهِ بِـخَالِقِهِ. (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 268].

ابحث عن الأرملة والمسكين، والفقير واليتيم، فرج كربة، ويسر على معسر، وما أكثر أبواب الخير ووجوه البر.

المفتاح الثالث: صلة الأرحام، قال: “من سره أن يبسط الله له في رزقه وينسأ له في أثره؛ فليصل رحمه”(متفق عليه). وقال -صلى الله عليه وسلم-: “إن أعجل الطاعة ثوابا: صلة الرحم، حتى إن أهل البيت ليكونوا فجرة، فتنمو أموالهم، ويكثر عددهم، إذا تواصلوا”(رواه ابن حبان).

صلة الرحم توسع الأرزاق، وتطيل الأعمار.

المفتاح الرابع: تقوى الله تعالى، قال الله -تعالى-: (مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ)، وقال سبحانه: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ).

ومن وصايا لقمان لابنه: "يا بني اتخذ تقوى الله تجارة يأتك الربح من غير بضاعة".

المفتاح الخامس: التوكل على الله

Читать полностью…

مـنبر الخُـطـباء والـدُعـــاة📚

وحَرَمَ منه الكافرين؛ (وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنْ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ)[الأعراف: 50].

والله -سبحانه- هو الغني, لا يحتاج إلى أحد؛ بل العِباد هم المحتاجون إليه, قال -سبحانه-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)[الذاريات: 56-58]؛ فلا يريد من أحدٍ رِزقاً ولا إطعاماً, وجميعُ الخلق فقراء إليه، في كل حوائجهم ومطالبهم؛ ولذا قال: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ)؛ أي: كثير الرِّزق، (ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)؛ فمِنْ قُوَّتِه -تعالى- أنه أوْصَلَ رِزْقَه إلى جميع العالَم, وهو غنِيٌّ عنهم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)[فاطر: 15].

ولو أنَّ العباد جميعاً سألوا اللهَ -تعالى- فأعطاهم؛ لم يُنْقِصْ ذلك من مُلْكِه شيئاً؛ كما في الحديث القدسي: "يَا عِبَادِي! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي, فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ؛ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ"(رواه مسلم).

وكثرة الرزق في الدنيا لا تدل على محبة الله -تعالى-, ولكنَّ الكفارَ لجهلهم ظنوا ذلك؛ (وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)[سبأ: 35, 36], يظن كثير من الكفار والمترفين بأن كثرة الأموال والأولاد دليل على مَحبَّة الله لهم! فردَّ الله عليهم: (وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى)[سبأ: 37], وقال -سبحانه-: (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لاَ يَشْعُرُونَ)[المؤمنون: 55, 56]؛ يُخطِئُ الذين يظنون أنه ما وَسَّعَ عليهم إلاَّ لفضلهم وعلوِّ مكانتهم, ويُخطِئُ الذين يَعْظُمُ في نفوسهم الأثرياءُ المستكبرون المختالون في الأرض, وقد أخذ اللهُ قارونَ أخْذَ عزيزٍ مقتدر, فخَسَفَ به وبداره الأرض, (فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلاَ أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ)[القصص: 81, 82].

والدنيا كلُّها لا تَزِنُ شيئاً عند الله -سبحانه-؛ كما قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ؛ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ"(صحيح, رواه الترمذي), فليس كَثْرَةُ العطاء في الدنيا دليلاً على كرامة العبد عند الله؛ كما أنَّ قِلَّته ليس دليلاً على هَوانِه عنده؛ قال -تعالى-: (فَأَمَّا الإنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلاَّ)[الفجر: 15-17]؛ فالغِنَى والفقر والسَّعة والضِّيق, ابتلاءٌ من الله وامتحان؛ لِيَعْلَمَ الشَّاكِرَ من الكافر, والصَّابِرَ من الجازِع.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

-------------------------------------------------

الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ؛ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أيها المسلمون: لله -تعالى- الحِكمةُ البالغة في جَعْلِ مَنْ يشاء غنيًّا, وجَعْلِ مَنْ يشاء فقيراً؛ فهو المُتصرِّف في أرزاق عباده, فيبسط لأُناس, ويُقَتِّر على آخَرِين, وله في ذلك حِكَمٌ بالغة, قال الله -تعالى-: (وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ)[النحل: 71]؛ وقال -سبحانه-: (إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا)[الإسراء: 30]؛ فالله -تعالى- هو الرزَّاق، القابض الباسط، المُتصَرِّف في

Читать полностью…

مـنبر الخُـطـباء والـدُعـــاة📚

-------------------------------------------------
[1] فتختلف: أي تزول عن الهيئة المستوية التي كانت عليها من شدة التئامها عليه وشدة الضغطة.
[2] حسن: رواه الترمذي (1071)، وحسنه الألباني.
[3] بالغداة والعشي: أي في الصباح، والمساء.
[4] مقعدك: أي مكانك.
[5] متفق عليه: رواه البخاري (1379)، ومسلم (2866).
[6] صحيح: رواه البخاري (1369).
[7] انظر: «تفسير ابن كثير» (7/146).
[8] انظر: «صحيح البخاري» (2/97).
[9] صحيح: رواه مسلم (2867).
[10] انظر: «أصول الإيمان»، صـ (213).
[11] أيس: أي يأس.
[12] أوروا: أي أوقدوا.
[13] خلصت: أي وصلت.
[14] فذروني: أي فرقوا أعضائي، وألقوها، أو فرقوا رمادي بعد حرقي.
[15] راح: أي شديد الريح.
[16] صحيح: رواه البخاري (3479).
[17] أبيت: أي أمتنع من تعيين ذلك بالأيام والسنين والشهور؛ لأنه لم يكن عنده علم بذلك.
[18] عجب ذنبه: هو عظم لطيف في أصل الصُّلب.
[19] يركَّب الخلق: أي يجعله الله تعالى سببا ظاهرا لإنشاء الخلق مرة أخرى، والله تعالى أعلم بحكمة ذلك.
[20] متفق عليه: رواه البخاري (4814)، ومسلم (2955).
[21] متفق عليه: رواه البخاري (3414)، ومسلم (2373).
[22] غُرلا: أي غير مختونين.
[23] متفق عليه: رواه البخاري (6527)، ومسلم (2859).
[24] انظر: «تفسير الطبري» (18/254).
[25] متفق عليه: رواه البخاري (4760)، ومسلم (2806)

Читать полностью…

مـنبر الخُـطـباء والـدُعـــاة📚

وقَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ لنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46) وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ ﴾ [غافر: 46، 47].

قال العلماءُ:«هَذِهِ الْآيَةُ أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي اسْتِدْلَالِ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى عَذَابِ الْبَرْزَخِ فِي الْقُبُورِ»[7].

وقَالَ تَعَالَى: ﴿ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾ [التوبة: 101].

استدلَّ الإمامُ البُخَارِيُّرحمه الله في صحيحِهِ بهذه الآيةِ، والتي قبلَها على عذابِ القبرِ[8].

ورَوَى مُسْلِمٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا، فَلَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا، لَدَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ».

ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: «تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ».

قَالُوا: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ.

فَقَالَ: «تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ».

قَالُوا: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ[9].

ويجب الإيمانُ ببعثِ الموتى يومَ القيامةِ، وذلك بإحيائِهم، وإخراجِهم من قبورِهم للحساب، والجزاء.

فإنَّ اللهَ تعالى يجمعُ أجسادَ المقبورينَ التي تحلَّلت ويعيدُها بقدرتِه كما كانتْ، ثم يعيدُ الأرواحَ إليها، ويسوقُهم إلى محشرهِم؛ لفصلِ القضاءِ[10].

قالَ اللهُ تَعالى مقرِّرًا للبعثِ بأنَّ القادرَ على الابتداءِ قادرٌ على الإعادةِ منْ بابٍ أوْلى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الروم: 27].

وقَالَ تَعَالَى: ﴿ مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِي ﴾ [لقمان: 28].

وقَالَ تَعَالَى: ﴿ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [التغابن: 7].

وعندمَا قَالَ المعترِضُ على البعثِ: ﴿ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ﴾ [يس: 78].

قَالَ تَعَالَى: ﴿ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ﴾ [يس: 79].

ورَوَى البُخَارِيُّ عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «إِنَّ رَجُلًا حَضَرَهُ المَوْتُ، لَمَّا أَيِسَ[11] مِنَ الحَيَاةِ أَوْصَى أَهْلَهُ: إِذَا مُتُّ فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا كَثِيرًا، ثُمَّ أَوْرُوا[12] نَارًا، حَتَّى إِذَا أَكَلَتْ لَحْمِي، وَخَلَصَتْ[13] إِلَى عَظْمِي، فَخُذُوهَا فَاطْحَنُوهَا فَذَرُّونِي[14] فِي اليَمِّ فِي يَوْمٍ حَارٍّ، أَوْ رَاحٍ[15]، فَجَمَعَهُ اللهُ فَقَالَ: لِمَ فَعَلْتَ؟ قَالَ: خَشْيَتَكَ، فَغَفَرَ لَهُ»[16].

ورَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ».

قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا.

قَالَ: أَبَيْتُ[17].

قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً.

قَالَ: أَبَيْتُ.

قَالَ: أَرْبَعُونَ شَهْرًا.

قَالَ: أَبَيْتُ.

قَالَ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «وَيَبْلَى كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الإِنْسَانِ، إِلَّا عَجْبَ ذَنَبِهِ[18]، فِيهِ يُرَكَّبُ الخَلْقُ[19]»[20].

ورَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ أَنْبِيَاءِ اللهِ، فَإِنَّهُ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ، فَيَصْعَقُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ، إِلَّا مَنْ شَاءَ اللهُ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ بُعِثَ، فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِالعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَحُوسِبَ بِصَعْقَتِهِ يَوْمَ الطُّورِ، أَمْ بُعِثَ قَبْلِي»[21].

أقولُ قولي هذا، وأَستغفرُ اللهَ لي، ولكُم.

-------------------------------------------------

الخطبة الثانية:
الحمدُ لله وكفى، وصلاةً وَسَلامًا على عبدِه الذي اصطفى، وآلهِ المستكملين الشُّرفا، أما بعد:

فممَّا يجبُ الإيمانُ به في اليوم الآخر الإيمانُ بالحشْرِ، وهو الجمعُ بعد الموتِ؛ للحسابِ والجَزاءِ.

وقد دلَّتِ الآياتُ والأحاديثُ على حشرِ العبادِ بعد بعثِهم إلى أرضِ المحشرِ حُفاةً عُراةً غير مختونين.

Читать полностью…

مـنبر الخُـطـباء والـدُعـــاة📚

الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله،وإحسانه،وأشكره على توفيقه وامتنانه،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه،وسلَّم تسليماً كثيرًا، أما بعد:

فيا عباد الله: لا شك أن الانشغال بالدنيا عن الآخرة هو من أكبر أسباب ضعف الاستعداد وجمود العمل لما بعد الموت، ومن جعل الآخرة همّه حسُن عمله

يقول الحسن البصري -رحمه الله-: "ما أكثر عبد ذكر الموت إلا رأى ذلك في عمله، ولا طال أمل عبد قط إلا ساء العمل"

ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لابن عمر: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك". أخرجه البخاري.

فقِصَر الأمل ومعرفة حقيقة الدنيا وزوالها طريق إلى الاهتمام بالآخرة، وما أضر على العبد من التسويف في التوبة والنظر إلى المعمرين من الناس ظنًّا أن سيكون منهم، يقول ابن الجوزي -رحمه الله-: "يجب على من لا يدري متى يبغته الموت أن يكون مستعدًا، ولا يغتر بالشباب والصحة، فإن أقل من يموت الأشياخ -يعني كبار السن- وأكثر من يموت الشبان، ولهذا يندر من يكبر ويعمر، ولذا قال الشاعر:

يعمر واحد فيغِرُ قومًا *** ويُنسى من يموت من الشباب

اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا.

وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله؛ كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: 56].
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحمي حوزة الدين يا رب العالمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق ولي أمرنا وولي عهده لرضاك، وأعنهما على طاعتك يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم احفظ جنودنا، واحم حدودنا، يا رب العالمين، احفظ جنودنا يا رب العالمين، احفظ جنودنا المرابطين على حدودنا وثغورنا، اللهم اشف مرضاهم، وارحم موتاهم، وتقبلهم في الشهداء يا ربَّ العالمينَ.
اللهم اشف مرضانا، وعاف مبتلانا، وارحم موتانا يا رب العالمين
اللّهم آت نفوسنا تقواها، زكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها.
اللّهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر.
اللّهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
ربنا إن ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

Читать полностью…

مـنبر الخُـطـباء والـدُعـــاة📚

القبر الواعظ الصامت - الشيخ ماجد آل فريان

الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)
(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا)
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيماً)
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

معاشر المسلمين: بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسير في نفر من أصحابه في حائط لبني النجار، إذ حَادَتْ بِهِ بغلته التي يركبُها فَكَادَتْ تُلْقِيهِ، وَإِذَا أَقْبُرٌ سِتَّةٌ أَوْ خَمْسَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ، فَقَالَ -عليه الصلاة والسلام-: "مَنْ يَعْرِفُ أَصْحَابَ هَذِهِ الأَقْبُرِ؟!"، فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا، قَالَ: "فَمَتَى مَاتَ هَؤُلاء؟!"، قَالَ: مَاتُوا فِي الإِشْرَاكِ، فَقَالَ -عليه الصلاة والسلام-: "إِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا، فَلَوْلا أَنْ لا تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ"، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: "تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ"، قَالُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ، فَقَالَ: "تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ"، قَالُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ... الحديث رواه الإمام مسلم.

إنه الواعظ الصامت -يا عباد الله-، إنه القبر الذي لا يتكلمُ ولكنَّ صوتَه في أعماق الناس أعلى من صوت الواعظ الجهوري الصوت، إنه القبر الذي لا يملك العبارات المنمقة ولا يحرك يديه ولا وجهه ليجذب جمهور المستمعين والمشاهدين لخطبته؛ لأن الجاذبية تركزت فيه هو، وهو يجذب القلوب قبل الأجساد.

فهو واعظ بليغ الموعظة مع صمته، ولا يزال يقول لكل إنسان زاره أو مرّ به: تعالَ وهلم إليّ، فكلُّ الطرق تؤدي إليّ، فأنا الحفرة التي توضع فيها الأجداث، بعد أن يبقى أهلها ومالها، أنا المكان الذي يصطدم به من يفر منه، ويلتصق به من يهرب منه: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الجمعة: 8].

إنَّه ما من شيء تهرب منه -يا عبد الله- إلا تركته وراءك ظهريًا إلا الموتَ؛ فما يهرب أحد منه إلا وجده أمامه بين يديه.

سوف يحتضنك الموت الذي تفر منه، فهو ينتظرك أبدًا دون تململ، وأنت مع هربك منه تتقدم إليه دون تراجع.

معاشر المسلمين: ولأن القبرَ واعظٌ بليغُ الموعظة، وناصحٌ واضح النصيحة، حث الرسول -صلى الله عليه وسلم- في أكثر من موضع على زيارة القبور، وزار قبر أمِّه فبكى وأبكى من حوله، وقال: "استأذنت ربي في أن أستغفر لها، فلم يأذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت". رواه مسلم، وللترمذي: "تذكر الآخرة"، وزاد ابن ماجه من حديث ابن مسعود: "وتزهد في الدنيا".

إن زيارة القبور -يا عباد الله- تذكّر مَنْ طبعه النسيان بالنهاية الحتمية، وهي الموت، وهذا من شأنه أن يجعل المرء متذكرًا للآخرة، عاملاً لما بعد الموت.

ألا إنَّ التراب الصامت في المقابر ما هو إلا واعظ بليغ الموعظة، وزيارة ذلك الواعظِ ومجالستُه وكثرة التردد عليه من أكبر أسباب تقوية القلب، وإزالة الغشاوة، فأنت عندما تذهب إلى المسجد يوم الجمعة تستمع إلى واعظ واحد، فالمصلون كثيرون والواعظ واحد، ولكن الصورة على العكس في المقبرة، فكل قبر واعظ، والمقبرة مليئة بالوعاظ، وأنت تستمع إليهم في آن واحد، وتعتبر من حالهم، وهذه حالة فريدة لا تكون إلا في ذلك المكان.

وزيارة القبور تذكر بالموت الذي هو هادم اللذات ومفرق الجماعات، مَنْ أكثرَ ذكرَه تعلق بالآخرة وزادت خشيته، فبادر بالأعمال قبل لحاق الموت بك، يقول رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم-: "أكثروا ذكر هادم اللذات، الموت"، رواه الترمذي والنسائي وصححه ابن حبان، وزاد الطبراني: "فما ذكره عبد قط وهو في ضيق إلا وسعه الله عليه، ولا ذكره وهو في سعة إلا ضيقه عليه".

يقول ابن مسعود -رضي الله عنه- لما سئل: أي الناس أكيس؟! قال: "أكثرهم للموت ذكرًا، وأحسنهم لما بعده استعدادًا، أولئك الأكياس".

Читать полностью…

مـنبر الخُـطـباء والـدُعـــاة📚

ثم قال يوسف عليه السلام: ﴿ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا ﴾ [يوسف: 101]، لمَّا عدَّد يوسف النِّعَمَ التي أنعم الله بها عليه من نعمة الملك وتأويل الرؤى، طلب من ربه أن يتم عليه أعظم نعمة، وهي أن يتوفَّاه على دين الإسلام، وإن من صفات المؤمن عدم اغتراره بنفسه وبإيمانه وتقواه، وظنه أنه سيموت على الإسلام يقينًا، فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فعلى العبد أن يسأل ربه الثبات على الحق، والموت على الإسلام، وقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((تكون بين يدي الساعة فتنٌ، كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنًا، ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا، ويصبح كافرًا، يبيع أقوام دينهم بعَرَضٍ من الدنيا))؛ [رواه الترمذي]، فكم سمعنا من كان مسلمًا فتنصَّر وكفر، ومن ألحد وأنكر الرب جل وعلا، ومن كان مستقيمًا صالحًا، فترك طريق الحق والطاعة، واتبع طريق الشيطان والغواية! ولقد كان من أكثر دعاء النبي عليه الصلاة والسلام الدعاء بالثبات على الدين؛ سألت أم سلمة رضي الله عنها: ((يا أم المؤمنين، ما كان أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان عندك؟ قالت: كان رسول الله يكثر أن يقول: يا مقلب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك، قالت: فقلت: يا نبي الله، آمنا بك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: نعم، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله يقلبها كيف شاء))؛ [رواه الترمذي].

أيها المسلمون: إن من أعظم النعم التي يمتنُّ الله بها على المسلم نعمة الإسلام، فوجب عليه أن يحافظ عليها، وأن يتمسك بها، وأن يبتعد عن كل ما يكون سببًا في إبعاده عنها؛ من شهوات مهلكة، وشبهات مضللة، فوالله لا يعرف قَدْرَ الإسلام وقيمته إلا من حرمه.

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

-------------------------------------------------


الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين؛ نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:

ففي نهاية هذه الدعوات دعا يوسف عليه السلام ربه؛ فقال: ﴿ وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف: 101]، سبحان الله! مَلَكَ يوسف خزائن مصر، وأصبح ذا مكانة عالية غِنًى ومنصبٌ وجاهٌ، وسليمان عليه السلام كذلك ملك الدنيا وما فيها، وسخر الله له ما لم يسخر لغيره، ومع ذلك كله اتفقت كلمة النبيين بعد هذا التمكين في الأرض، فقال يوسف في نهاية القصة: ﴿ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف: 101]، وقال سليمان: ﴿ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾ [النمل: 19]، وقالها أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [الشعراء: 83]، نعم، فمرافقة الصالحين هي الأساس، وهي الحياة الحقيقية، وبها يتحصل المرء على السعادة الأبدية، مرافقة لهم في الدنيا على الطاعات والخيرات، ومرافقة لهم في الآخرة في الجنات.

أيها الكرام: إن من الأخلاق الحسنة التواضع حتى في الدعاء، فيوسف دعا ربه بهذه الدعوات هو ومن معه من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع أنهم أنبياء صالحون، ومع ذلك يطلبون من الله أن يلحقهم بالصالحين، فكأنهم ليسوا منهم، والمرء الصالح يريد مرافقة الصالحين في الآخرة، كما رافقهم في الدنيا، فمرافقتهم شرف وخير وعز في الدنيا والآخرة؛ وكما قال صلى الله عليه وسلم: ((المرء مع من أحب))؛ [رواه البخاري].

وقوله: ﴿ وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [الشعراء: 83]، كأن يوسف عندما رأى الدنيا اجتمعت له بكل ما فيها من منصب ومال وجاه، واجتماع أحبة وإخوان وعشيرة، علم أن كل ذلك مهما كان هو من الدنيا الفانية، فتمنى ما عند الله من خيرات ودرجات وجنان، فعلى المرء إن رأى الدنيا مقبلة عليه بكل صورها وأشكالها، أن يذكر نفسه بما عند الله من نعيم مقيم، وخلود أبدي، حتى لا تُفْتَن نفسه وتغتر.

وأخيرًا: ثبت يوسف عليه السلام في الضراء فصبر واحتسب، وثبت في السراء فشكر وحمِد، وهذه هي حال المؤمن؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((عجبًا لأمر المؤمن؛ إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرًا له))؛ [رواه مسلم].

فاللهم اجمعنا مع نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ويوسف عليه السلام ومع جميع الأنبياء والرسل في الفردوس الأعلى من الجنة.

عباد الله : صلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله؛ كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)

Читать полностью…

مـنبر الخُـطـباء والـدُعـــاة📚

الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله،وإحسانه،وأشكره على توفيقه وامتنانه،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه،وسلَّم تسليماً كثيرًا، أما بعد:

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: أَنَّنَا فِي زَمَنٍ ظَهَرَتْ فِيهِ أَمْرَاضٌ مُسْتَعْصِيَةٌ وَبَلايَا مُتَنَوِّعَةٌ، وَذَلِكَ لِزِيَادَةِ سُعَارِ الشَّهَوَاتِ، وَاسْتِجَابَةِ ضِعَافِ النُّفُوسِ لِدُعَاةِ الْفَوَاحِشِ وَالرَّذِيلَةِ، لِذَلِكَ لَهِجَتْ أَلْسِنَةُ أَهْلِ الدِّينِ وَالطِّبِّ وَالْفِكْرِ وَالاجْتِمَاعِ إِلَى الطُّهْرِ وَالْعِفَّةِ وَالنَّقَاءِ.

عباد الله: إِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يُوَجِّهُنَا فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ إِلى مَا يَكْفُلُ لِلْمُجْتَمَعِ طُهْرَهُ، وَيَحْفَظُ لِلأُسَرِ نَقَاءَهَا، وَيَقْطَعُ طَرِيقَ أُولِي الْفَسَادِ، وَيَمْنَعُ سَبِيلَ الإِفْسَادِ، ومن ذلكَ: غضُ البصرِ وحفظُ الفرجِ والبعدُ عن مواطنِ الفتنِ وأماكنِ الريبِ (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ)[النور:29-30].

أَلا وَلْتُعَزِّزْ ذَوَاتُ الْخُدُورِ حَيَاءَهَا بالخوفِ من اللهِ -تعالى- وبالبعدِ عن التبرجِ والسفورِ والاختلاطِ، فعن مالكِ بنِ ربيعةَ قال: سمعتُ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يقولُ وهو خارجٌ من المسجدِ فاختلطَ الرجالُ مع النساءِ في الطريقِ؛ فقال للنساءِ: "استأخِرْنَ، فإنَّه ليس لكنَّ أن تَحْقُقْنَ الطريقَ، عليكنَّ بحافاتِ الطريقِ"، فكانتِ المرأةُ تلصقُ بالجدارِ حتى إن ثوبَها ليعلقُ بالجدارِ. (رواه أبو داود). ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "ما تركتُ بعدي فتنةً أضرَّ على الرجالِ من النساءِ"(رواه البخاري).

عباد الله: إنَ الغيرةَ على المحارمِ مظهرٌ من مظاهرِ الرجولةِ، وفيها صيانةٌ للأعراضِ وحفظٌ للحرماتِ وتعظيمٌ لشعائرِ الله؛ أَلا فلْتَتَعَزَّزِ الْغَيرَةُ عِنْدَ أُولِي الْوِلايَةِ: "لا يخلونَّ رجلٌ بامرأةٍ إلا ومعها ذو محرمٍ"(متفق عليه).

أَلا وَلْيَتَذَكَّرِ الإِنْسَانُ -عباد الله- قَوْلَه -صلى الله عليه وسلم-: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ"، وَذَكَرَ مِنْهُمْ: "وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنَّي أَخَافُ اللهَ"، فَهَنِيئًا لِلثَّابِتِينَ ثَبَاتُهُمْ، وَلِلرَّاسِخِينَ رُسُوخُهُمْ.

فَيَا ذَوي الْعِفَّةِ لِنَتَّقِ اللهَ وَلْنَتَمَسَّكْ بالْمَنْهَجِ الْقُرْآنِيِّ الشرعيِّ، وَلْنُرَبِّ عَلَيْهِ أَفْلاذَ أَكْبَادِنَا، فَإِنَّ الطُّهْرَ إِذَا انْعَدَمَ ضَاعَتِ الْأُمَمُ، وَإِذَا دُنِّسَ النَّقَاءُ حَلَّ الْبَلاءُ.

وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله؛ كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: 56].
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد.
وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحمي حوزة الدين يا رب العالمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق ولي أمرنا وولي عهده لرضاك، وأعنهما على طاعتك يا ذا الجلال والإكرام.
اللّهم آت نفوسنا تقواها، زكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها.
اللّهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر.
اللّهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
ربنا إن ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

Читать полностью…

مـنبر الخُـطـباء والـدُعـــاة📚

معاذ الله ( قصة يوسف عليه السلام ) - الشيخ نواف الحارثي

الخطبة الأولى:
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَيُّ النَّاسِ أَكْرَمُ؟ قَالَ: "أَكْرَمُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاهُمْ"، قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ. قَالَ: "فَأَكْرَمُ النَّاسِ يُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ"(رواه البخاري).

أيها المؤمنون: إنَّ فِي قِصَصِ السَّابِقِينَ عِبْرَةً، وَفِي أَخْبَارِ الْمَاضِينَ عِظَةً، لِذَا حَوَى الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ طَائِفَةً مِنْ أَخْبَارِ مَنْ سَبَقَنَا مِنَ الأُمَمِ، وَقِصَصًا لِلأَنْبِيَاءِ أُولِي الْعَزَائِمِ وَالْهِمَمِ، يَقُولُ -سُبْحَانَهُ-: (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ)[هود: 120]، ويقول -تعالى-: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ)[يوسف: 3].

وَقِصَصُ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فِي حَقِيقَتِهَا مَدَارِسُ تُقَوِّمُ الْفِكْرَ وَتُوَجِّهُ السُّلُوكَ، وَقِصَّةُ يُوسُفَ مِنْ أَرْوَعِ قِصَصِ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ، فَهِيَ عِبْرَةٌ لِكُلِّ ذِي قَلْبٍ سَلِيمٍ، وَهِيَ مَدْرَسَةٌ حَوَتْ دُرُوسًا عَظِيمةً، يَقُولُ -تعالى-: (َقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آَيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ)[يوسف:7].

مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ: تَرَبَّى يوسفُ وَنَشَأَ فِي بَيْتِ الْعَزِيزِ، فَلَمَّا أَنِ اشْتَدَّ عُودُهُ وَبَلَغَ مَبْلَغَ الرِّجَالِ، دَعَا امْرَأَةَ الْعَزِيزِ هَوَى نَفْسِهَا، وَوَسْوَسَةُ شَيْطَانِهَا، أَنْ تُرَاوِدَ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ. وَالمُرَاوَدَةُ طَلَبُ الْفِعْلِ -عَلَى جِهَةِ التَّكْرَارِ وَالتَّردَادِ- وَذَلِكَ يَدُلُّ بِمَا كَانَتْ عَلِيْهِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ مِنَ انْفِعَالِ الشَّهْوَةِ وَسُعَارِ الرَّغْبَةِ، فَقَدْ طَلَبَتْ مِنْهُ أَنْ يَفْعَلَ مَعَهَا الْفَاحِشَةَ -وَالْعِيَاذُ بِاللهِ-؛ مُسْتَغِلَّةً كَوْنَ يُوسُفَ فِي بَيْتِهَا، مُتَيَقِّنَةً أَنَّهُ فِي مَوْقِفِ مَنْ يُطْلَبُ مِنْهُ فَيُجِيبُ، تَسْحَبُهُ بِذَلِكَ أَغْلالُ الْخِدْمَةِ، وَتُطَوِّقُهُ رِبْقَةُ الْجَمِيلِ.

وَلَمْ تَكْتَفِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ بِذَلِكَ –وَالْمَشْهَدُ مُسْتَمِرٌّ-، بَلِ انْدَفَعَتْ بِمَا يَثُورُ فِي نَفْسِهَا، وَيَضْطَرِمُ مِنْ رَغْبَتِهَا، إِلَى الأَبْوَابِ مُغَلِّقَةً مُوَثِّقَةً، فَصَارَ المَشْهَدُ فِي خُصُوصِيَّةٍ بَالِغَةٍ، وَعُزْلَةٍ تَامَّةٍ، وَلَمْ تَكْتَفِ الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ، بَلْ أَقْبَلَتْ عَلَى يُوسُفَ -عَلَيْهِ السَّلامُ- مُبْتَذَلَةً، مُلْتَجِئَةً إِلَى التَّصْرِيحِ بَدَلَ التَّلْمِيحِ، وَإِلَى الطَّلَبِ الْوَاضِحِ، وَالْعَرْضِ الْمَحْضِ الصَّرِيحِ (هَيْتَ لَكَ)[يوسف:23] فَمَاذَا بَعْدَ هَذَا؟

سَيِّدَةٌ ذَاتُ مَنْزِلَةٍ وَحُسْنٍ وَجَمَالٍ تَقْدَمُ بِكُلِّيَّتِهَا إِلَى شَابٍّ لَا يَمْلِكُ مِنْ حُظُوظِ الدُّنْيَا شَيْئًا وَقَدْ مَزَّقَتْ لَهُ كُلَّ الْحُجُبِ، وَذَلَّلَتْ لأَجْلِهِ الأَمْرَ، وَالظُّرُوفُ قَدْ هُيِّئَتْ، وَالمَرْأَةُ قَدْ تَهَيَّأَتْ، وَالشَّابُّ غُلامٌ فِي بَيْتِهَا، مُلْزَمٌ بِخِدْمَتِهَا، وَهُوَ فِي رَيْعَانِ الشَّبَابِ، وَذُرْوَةِ الْفُتُوَّةِ وَالْعُنْفُوَانِ، فَمَاذَا

Читать полностью…

مـنبر الخُـطـباء والـدُعـــاة📚

استراتيجية مكافحة الخرافات والأساطير (الجزء الثالث)
محمود الفقي - عضو الفريق العلمي
https://khutabaa.com/ar/article/%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%AC%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%83%D8%A7%D9%81%D8%AD%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B1%D8%A7%D9%81%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%A7%D8%B7%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%84%D8%AB
#الخطيب_2

Читать полностью…

مـنبر الخُـطـباء والـدُعـــاة📚

مواعظ الحر- الشيخ محمد السبر

الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- حق تقاته: (وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

عباد الله: الزمانُ بليله ونهاره، وشهوره وأعوامه، وصيفه وشتائه؛ آيةٌ من آيات الله -تبارك وتعالى- التي نصبها للعباد موعظةً وذكرى في تقلب الأحوال وتصرفها وغِيَرِ الأيام وتصرمها.

يذكرنا كَرُّ الغداة ومَرُّ العشي بأن الحياةَ مراحل، وأَن كُلَّ مرحلة لها قيمتُها ومكانتُها، ولكل منها تَبِعةٌ مطلوبةٌ وحسابٌ قائمٌ.

الحر دليل من دلائل ربوبية الله -سبحانه وتعالى-، فهو الذي يقلّب الأيام والشهور، ويطوي الأعوام والدهور، وهو الواحد الأحد الصمد المستحق للعبادة سبحانه وبحمده، قال تعالى: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ)[النور: 44]، فوجوده سبحانه وربوبيتُه وقدرتُه أظهرُ من كل شيء على الإطلاق.

وفي كُل شيء له آيةٌ *** تدلُ على أنه واحدُ

الحر تذكير بنعم الله وآلائه، يقول تبارك تعالى: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ)[النحل: 81].

ففي فصل الصيف وشدة الحر، نتذكر ما منَّ به ربنا على عباده وأنعم من الوسائل التي تقي الصيفَ وقيضَه، من الظلال الوارفة والأشجار اليانعة، وما يسر من وسائل التبريد والتكييف المختلفة ما تطمئن به النفوس، وتسعد به الأرواح في البيوت والمساجد والسيارة والعمل أجهزة تقلبُ الصيفَ شتاءً والشتاءَ صيفاً، وتخففُ من لأواءِ الهجير، وتطفئُ لهبَ القيظ، ومن تذكر ذلك وتأمله حمد ربه وعبده حق عبادته، ويظهر الشكر حينما يتذكر الإنسان من يسكنون بيوت الصفيح والخيام والقش.

وإن هذا يدعونا لأن نتذكر إخوانا لنا في الدين لا يملكون ما نملك من هذه الوسائل الحديثة، وإن ملكوها فلا يستطيعون دفع ما يترتب على عملها من أموال، فأعينوهم -عباد الله- واحتسبوا الأجر من الله، قال تعالى: (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا)[المزمل: 20]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اتقوا النارَ ولو بشق تمرة".

ابن آدم ملول، قد وصفه ربه بأنه ظلوم جهول، ومن جهله عدم الرضا عن حاله، فإذا جاء الصيف تضجر منه وإذا جاء الشتاء تضجر منه.

يتمنى المرءُ في الصيف الشتاء*** فإذا جاء الشتاء أنكــره
فهو لا يرضى بحال واحــــــد *** قتل الإنسان ما أكفــره

وهذا من طبع البشر ولكن المسلم يرضى بما قدر الله له من خير أو شر، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له"(رواه مسلم).

الحرّ ابتلاء من الله -تعالى- لعباده، ليظهر صدق الإيمان في القيام بالتكاليف والصبر على طاعة الله وأقداره وتحمل أعباء الدعوة فلا يجوز أن يترك المسلم ما أمره الله به من واجبات، فحين خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى غزوة تبوك في السنة التاسعة من الهجرة وكانت في حرٍ شديدٍ وسفرٍ بعيد تواصى المنافقون فيما بينهم بعدم النفير في هذا الحر فجاء الوعيد من الله: (وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ)[التوبة: 81]، وحين يخرج المصلي إلى صلاة الظهر أو العصر فيرى الشمس اللاهبة، ويحس بالحر الشديد، ولكنه يطمع في رحمة رب العالمين، ويدخر هذا المخرج عند الله في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.

الحر ليس عائقاً عن عبادة ولا صاداً عن طاعة، فالصفوة من عباد الله يرون أن في الحر غنيمة لا تفوت، فعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، حَتَّى إِنْ كَانَ أَحَدُنَا لَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ، وَمَا فِينَا صَائِمٌ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ"(رواه مسلم).

Читать полностью…

مـنبر الخُـطـباء والـدُعـــاة📚

فلا نبتئس -معاشر المسلمين-؛ فإن للقرآن رباً يحفظه، وللدين إلهاً ينصره، وهاهم أهل القرآن يحملون راية الدعوة، في كل بقاع الأرض، بعز عزيز أو ذل ذليل؛ فهل يستطيع مثل أولئك الأشرار الجبناء أن يطفئوا نور الله؟ كلا، فإن الله يأبى إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.

والمسلمون إزاء هذه التجاوزات التي تمس الإسلام، بحاجة إلى رد فعل موحد، بالالتزام بإرشادات القرآن الكريم، وأولى أولياتها الدعوة؛ (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ). والتعامل مع عدوان المعتدي وفق هدي القرآن؛ (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

ومصير محبي الباطل والتردي الأخلاقي محسوم في القرآن؛ (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).

وإنكار حرق القرآن الكريم واجبٌ لكن بالطرق المشروعة، لا بالصخب والمظاهرات وغيرها من البدع والمحدثات؛ بل بالعلم والحكمة، والبعد عن ردود الأفعال الوقتية، المخالفة لهدي الكتاب والسنة.

إن من حق هذا القرآن تعظيمه وإجلاله وتوقيره، فإنه كلام ربِّنا العظيمِ الجليلِ، فتوقيره تعظيمٌ لله العظيم، (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّم شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ)؛ قال النوويّ: "أجمع المسلِمون على وجوبِ تعظيمِ القرآنِ العزيزِ على الإطلاقِ وتنزِيهِه وصِيانتِه"، قال القاضي عياض:" من استخفَّ بالقرآن أو بالمصحَف أو بِشيءٍ، منه فهو كافِرٌ بإجماعِ المسلِمين"(التبيان في آداب حملة القرآن (ص151-152).

فعظِّموا هذا الكتاب، واحفظوه من عبثِ العابثين، وربوا النشء على تعظيم كلام الله وعدم الاستخفاف به؛ فهو رفعة وعزة؛ (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ)، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "خَيرُكُم من تعلَّمَ القرآنَ وعلَّمَهُ"(رواه البخاري).

ونعظم هذا الكتابِ العظيمِ، والفرقانِ المبينِ بالاستمساك به، تمسُّكاً صادِقاً، تُرى آثارُه في الأعمال والأقوال والأخلاق، كما أمر الله -تعالى- بذلك نبيَّه-عليه الصلاة والسلام-؛ فقال: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، والاستمساكُ به يكون باتباعِه، وإحلالِ حلالِه وتحريمِ حرامِه، والاقتداءِ به، والتحاكمِ إليه.

ونعظم كتاب اللهِ بحُسنِ تلاوته وتصديقِ أخباره وامتثال أوامِره واجتِنابِ نواهيه؛ فهلموا إلى رحاب القرآن الكريم علماً وعملاً، وتلاوة وتدبراً، وحفظاً وتجويـداً، والقيام بحقوقه كما كان المسلمون الأولون حقاً وصدقاً؛ فكانت حياتهم مرآة صادقة لهذا القرآن، فكسبوا النصر في جميع المعارك، وسدوا في وجوه أعدائهم جميع المسالك.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

-------------------------------------------------

الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، واتقوا الله -عباد الله-، وتمسكوا بكتاب ربكم فهو ذكركم ورفعة لكم، وعظموا كلام الله بإقامةِ حروفِه وحدودِه وتعظيمِ شأنِه والسَّير على منهاجِه؛ (كِتَابٌ أَنزَلنَاهُ إِلَيكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الأَلبَابِ)، واحذروا من هجر القرآن: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا).

اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك يا رحيم يا رحمن، واجعلنا ممن يقرأ القرآن فيرقى ولا تجعلنا ممن يقرأ القرآن فيشقى، واجعل القرآن شفيعاً لنا ومشفعاً.

وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله؛ كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: 56].
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد.
وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

Читать полностью…

مـنبر الخُـطـباء والـدُعـــاة📚

أما بعد: أيها المؤمنون: يقول عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: لقد عشنا برهة من دهرنا، وإن أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد -صلى الله عليه وسلم- فيتعلم حلالها وحرامها وما ينبغي أن يوقف عنده فيها كما تعلّمون أنتم القرآن، ثم قال: لقد رأيت رجالا يؤتى أحدهم القرآن فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما آمره ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه، ينثره نثر الدقل.

وقال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: لا تهذوا القرآن كهذ الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل، وقفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب.

وبهذه المناسبة العظيمة من العودة لكتاب الله تعالى قراءة وحفظا وعلما وعملا أذكِّر أحبابي بأمرين مهمين:
الأمر الأول: كثيرٌ من الإخوة صغارا وكبارا حين يقرؤون القرآن لا يُحسِنُون قراءته، ففرصة عظيمة لهم في هذا الشهر العظيم أن يتعلموا إحسان تلاوة القرآن الكريم، وذلك من خلال القراءة على بعض المعلمين، أو تكرار استماع الأشرطة النافعة وهي كثيرة متنوعة بحمد الله تعالى، فلو جعل بعضنا جزءًا من قراءته متابعة لبعض القراء عبر أشرطة القرآن الكريم من قارئ حسَن الصوت فيستمع إليه ويتابعه ويكرر ذلك، ويكتشف أغلاط نفسه، فهذا أعظم أجرا إن شاء الله، ولو بقي في الصفحة الواحدة عدة ساعات.

الأمر الثاني: هذا الشهر الكريم فرصة عظيمة للاستغناء بسماع كلام الرحمن بدل سماع كلام الشيطان، والتغني بكلام الله بدل التغني بكلام إبليس الذي ينفخه على ألسنة المطربين والمطربات، ففي صحيح الإمام البخاري عن عبد الرحمن بن غَنْم الأشعري قال: حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري، والله ما كذبَني! سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لَيَكُونَنَّ من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علَم، يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم -يعني الفقير- لحاجة فيقولوا: ارجع إلينا غدا، فيبيتهم الله ويضع العَلَمَ، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة.

إن العودة إلى القرآن الكريم علما وعملا وتعلما وتعليما فيه عز أمتنا ورفعتها، أفرادا وجماعات، وإن البعد عن القرآن الكريم فيه الذل للفرد والجماعة، فنحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله، روى مسلم في صحيحه عن عامر بن واثلة أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بعسفان، وكان عمر يستعمله على مكة، فقال: مَن استعملت على أهل الوادي؟ فقال: عبد الرحمن بن أبزي. قال: ومَن ابن أبزي؟ قال مولى من موالينا. قال فاستخلفت عليهم مولى؟ قال: إنه قارئ لكتاب الله -عز وجل-، وإنه عالم بالفرائض. قال عمر: أمَا إن نبيكم -صلى الله عليه وسلم- قد قال: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين".

وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله؛ كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: 56].
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد.
وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحمي حوزة الدين يا رب العالمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم اشف مرضانا، وعاف مبتلانا، وارحم موتانا يا رب العالمين
اللهم وفِّق ولي أمرنا وولي عهده لرضاك، وأعنهما على طاعتك يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم احفظ رجال أمننا و جنودنا، واحم حدودنا وثغورنا يا رب العالمين
اللهم اشف مرضاهم، وارحم موتاهم، وتقبلهم في الشهداء يا ربَّ العالمينَ.
اللهم بارك لمن حَضَرَ معنا صلاتنا هذه في علمه وعمره وعمله، وبارك له في بدنه وصحته وعافيته، وبارك له في أهله وولده، وبارك له في ماله ورزقه، واجعله يا ربنا مباركًا موفقًا مسددًا أينما حَلَّ أو ارتحل.
اللّهم آت نفوسنا تقواها، زكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها.
اللّهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر.

Читать полностью…

مـنبر الخُـطـباء والـدُعـــاة📚

إن من الناس من يأبى أن يسعى في الصلح فلان أو فلانةٌ، وآخر يصر على أن تكون المبادرة من خصمه. وتمشياً مع هذه المسالك السرية والتحركات المحبوكة أذن الشارع للمصلح بنوع من الكذب في العبارات والوعود.

"فليس الكذاب بالذي يصلح بين الناس فينمي خيراً، أو يقول خيرا" هذا هو حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وفي خبر آخر عنه يقول -عليه الصلاة والسلام-: "لا يصلح الكذب إلا في ثلاث؛ رجل يصلح بين اثنين، والحرب خدعة، والرجل يصلح امرأته" ويقول نعيم بن حماد: قلت لسفيان بن عيينة: أرأيت الرجل يعتذر من الشيء عسى أن يكون قد فعله ويُحرِّف فيه القول ليرضي صاحبه أعليه فيه حرج؟ قال: "لا. ألم تسمع قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ليس بكاذب من قال خيراً، أو أصلح خيراً، أو أصلح بين الناس" وقد قال الله -عز وجل-: (لاَّ خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) [النساء:114].

إنها النفوس الشحيحة التي تحمل صاحبها وغيرها على ما تكره. ولكن في مقابل هذه النفوس الشحيحة يترقى أصحاب المروءات من المصلحين الأخيار؛ ليبذلوا ويغرموا، نعم يبذلون الوقت والجهد، ويصرفون المال والجاه.
ولقد قدر الإسلام مروءتهم، وحفظ لهم معروفهم، فجعل في حساب الزكاة ما يحمل عنهم غرامتهم -بارك الله فيهم-؛ لئلا يُجْحِفَ ذلك بسادات القوم المصلحين.

أيها الإخوة في الله: وميدان الصلح واسع عريض؛ في الأفراد والجماعات والأزواج والزوجات، والكفار والمسلمين، والفئات الباغية والعادلة، في الأموال والدماء، والنزاع والخصومات.

ومن أجل ذلك فقد عظم ثوابه، وكبر أجره، فهو أفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة، فقد قال -عليه الصلاة والسلام-: "إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدِّين" ولقد باشر الصلح بنفسه -عليه الصلاة والسلام- حين تنازع أهل قباء، فندب أصحابه وقال: "اذهبوا بنا نصلح بينهم".

وخرج -عليه الصلاة والسلام- للإصلاح بين أناس من بني عوف حتى تأخر عن صلاة الجماعة.

والإمام الأوزاعي -رحمه الله- يقول: "ما خطوة أحب إلى الله -عز وجل- من خطوة في إصلاح ذات البين".
إذا كان الأمر كذلك -أيها الاخوة- فمن ذا الذي لا يقبل الصلح ولا يسعى فيه، ليسوا إلا أناس قد قست قلوبهم، وفسدت بواطنهم وخبثت نياتهم؛ حتى كأنهم لا يحبون إلا الشر، ولا يسعون إلا في الفساد، ولا يجنحون إلا إلى الظلم.

والأشد والأنكى أن ترى فئات من الناس ساءت أخلاقها، وغلظت أكبادها، لا يكتفون بالسكوت والسكون، بل في أجوائهم يستفحل الخصام، ويقسو الكلام، وما أشبه هؤلاء بأعداء الإسلام وأهل النفاق، إنهم يلهبون نار العداوة ويوقدون سعير البغضاء كلما خبت نار الفتن أوقدوها. ولا غرو بعد ذلك أن تضيع الحقوق، وتهدر الحرمات، ويرق الدين، وتنزع البركات.

ألا فاتقوا الله رحمكم الله، اتقوه وأصلحوا ذات بينكم.

-------------------------------------------------

الخطبة الثانية:
الحمد لله، لا تحصى نعمة ولا تحد، أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، وأشهد أن سيدنا ونبينا رسول الله محمد، اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آل محمد والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله أيها الناس، فتقوى الله خير زاد.

أيها الإخوة: الكريم لا يحقد ولا يحسد ولا يبغي ولا يفجر، إن بلغه عن أخيه ما يكرهه التمس عذراً، فقد علم أن الاعتذار يذهب الهموم، ويجلي الأحزان، ويرفع الأحقاد، ويزيل الصدود.
إن حقاً على -إخوة الإيمان- أن يسود بينهم أدب المحبة، أدب ينفي الغش والدغل مع استسلام لله بما يصنع، ورضاً بما يكتب.

اسمعوا -رحمكم الله- إلى هذا الحديث: روى أبو هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر الله لكل عبد مسلم لا يشرك بالله شيئا إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا" قال الحافظ ابن عبد البر -رحمه الله-: "يدل هذا الحديث على أن الذنوب إذا كانت بين العباد فسامح بعضهم بعضاً سقطت المطالبة بها من قبل الله عز وجل". الله أكبر -يا عباد الله-: (مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءامَنْتُمْ) [النساء:147].

وسمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صوت خصوم بالباب عالية أصواتهما؛ إذا أحدهم يستوضع الآخر ويسترفقه -أي يطلب منه أن يخفف عنه دينه-، وهو يقول: والله لا أفعل. فخرج عليهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: " أين المتألي على الله ألا يفعل المعروف؟" فقال: أنا يا رسول الله. فقال له: "أي ذلك أحب؟".

Читать полностью…

مـنبر الخُـطـباء والـدُعـــاة📚

التوكل عمل قلبي محض، ومعناه: صدق الاعتماد على الله عز وجل في جلب المنافع ودفع المضار، مع فعل الأسباب التي أمر الله بها، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً).

عن عمر بن الخطاب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لزرقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً(رواه أحمد)؛ فهذه الطيور تذهب أول النهار جائعة ضامرة البطون، وتعود آخره قد شبعت من الطعام.

قيل لحاتم الأصم: على ما بنيت أمرك في التوكل؟ قال: "على خصال أربع: علمت أن رزقي لا يأكله غيري فاطمأنّت نفسي، وعلمت أن عملي لا يعمله غيري فأنا مشغول به، وعلمت أن الموت يأتي بغتة فأنا أبادره، وعلمت أني لا أخلو من عين الله فأنا مستح منه".

المفتاح السادس: المتابعة بين الحج والعمرة، قال النبي: “تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحج المبرور إلا الجنة”(رواه أحمد).

المفتاح السابع: التفرغ لعبادة الله، قال الله تعالى في الحديث القدسي: “يا ابن آدم، تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى، وأسد فقرك، وإن لم تفعل ملأت يدك شغلاً، ولم أسد فقرك”(رواه الترمذي).

نصيبك من الدنيا مضمون سيأتيك، ولن تموت حتى تستكمله، لكن الشأن في منزلتك في الآخرة، أعد لها العدة هنا، وتأهب للسفر قبل الرحيل.

المفتاح السابع: الاستقامة على الدين؛ بفعل أوامره واجتناب نواهيه، قال تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى)

وفي الحديث عنه: “إن الرجل ليُحرم الرزق بالذنب يُصيبه”(رواه أحمد).

ومن ذلك: شكر النعم، قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)؛ فمن شكر الله على رزقه كافأه بالمزيد.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه ثم توبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

-------------------------------------------------

الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله،وإحسانه،وأشكره على توفيقه وامتنانه،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه،وسلَّم تسليماً كثيرًا، أما بعد:

عباد الله: المفتاح الثامن: الدعاء؛ فهو الملاذ في الشدة، فإن ضاق عليك رزقُك وعظم عليك همك وغمك وكثر عليك دَينك فالجأ إلى الله، واقرع الباب الذي لا يخيب قارعه، واسأل الله جل جلاله فهو الكريم الجواد، وما وقف أحدٌ ببابه فنحّاه، ولا رجاه عبدٌ فخيّبه في دعائه ورجاه.

جاء أعرابي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: علمني كلاما أقوله، قال: “قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له والله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله رب العالمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم”، قال: هؤلاء لربي، فما لي؟، قال: “قل: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني”.

ودعا لأنس بن مالك، فقال: “اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته”، قال أنس: فو الله إن مالي لكثير وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو المائة اليوم. متفق عليه

أحسن الظن بربك، وتفاءل بالخير، وإياك والقلق والتشاؤم

قُلْ للَّذِي مَلأَ التَّشَاؤُمُ قَلْبَهُ *** وَمَضَى يُضيِّقُ حَوْلَنَا الآفَاقَا
سِرُّ السَّعَادَةِ حُسْنُ ظَنِّكَ بِالَّذِي *** خَلَقَ الْـحَيَاةَ وَقَسَّمَ الأَرْزَاقَا

وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله؛ كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: 56].
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحمي حوزة الدين يا رب العالمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم اشف مرضانا، وعاف مبتلانا، وارحم موتانا يا رب العالمين

Читать полностью…

مـنبر الخُـطـباء والـدُعـــاة📚

خلقه بما يشاء؛ فيُغني مَنْ يشاء، ويُفقِر مَنْ يشاء، بما له في ذلك من الحكمة؛ فقد تجد أكْيَسَ الناس وأجوَدَهم عقلاً وفهماً مُضَيَّقاً عليه في الرزق، وبِضِدِّه ترى أجهلَ الناس وأقلَّهم تدبيراً مُوَسَّعاً عليه في الرِّزق, فالمُضيَّق عليه لا يدري أسبابَ التَّضييق، والمُوَسَّع عليه لا يدري أسبابَ تيسير رِزقه؛ ولهذا قال -سبحانه-: (إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا).

وبعض الناس لو أعطاهم الله -تعالى- فوق حاجتهم من الرزق؛ لحملهم ذلك على البغي والطغيان؛ أشراً وبطراً, قال -تعالى-: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ)[الشورى: 27]؛ فهذا من لُطْفِ الله بعباده، أنه لا يُوَسِّع عليهم الدنيا سَعَةً، تَضُرُّ بهم؛ (وَلَكِنْ يُنزلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ), بحسب ما اقتضاه لُطفه وحِكمته؛ لأنه (بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ).

وقال -تعالى-: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ)[الحجر: 21]؛ فجميع الأرزاق لا يملكها أحد إلاَّ الله، فخزائنها بيده, يُعطي مَنْ يشاء، ويمنع مَنْ يشاء، بحسب حكمته ورحمته الواسعة, (وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ)؛ فلا يزيد على ما قدَّره الله, ولا ينقص منه.

عباد الله: التقوى والطاعة سببٌ عظيم لحصولِ الرزق, والبركةِ فيه, قال الله -تعالى-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ)[الأعراف: 96], وقال -سبحانه-: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ)[الطلاق: 2, 3]؛ فالله -تعالى- يسوق الزرق للمُتَّقي, من جهةٍ لا تخطر بباله.

وبِضِدِّ ذلك المعاصي؛ فإنها تُنْقِصُ الرِّزقَ والبركة؛ لأن ما عند الله -تعالى- لا يُنال إلاَّ بطاعته, قال الله -تعالى-: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[الروم: 41]؛ قيل: الفساد في البَّر: القحط, وقلة النبات, وذهاب البركة, والفساد في البحر: انقطاعُ صيدِه بذنوب بني آدم, وقيل: هو كساد الأسعار, وقلة المعاش, فتبيَّن أنَّ المعاصي تُفسد الأخلاقَ والأعمالَ والأرزاق؛ كما أنَّ الطاعات تَصْلُح بها الأخلاقُ، والأعمالُ، والأرزاقُ، وأحوالُ الدنيا والآخرة.

عباد الله : صلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله؛ كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: 56]
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد
وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحمي حوزة الدين يا رب العالمين
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتبع رضاك يا رب العالمين
اللهم اشف مرضانا، وعاف مبتلانا، وارحم موتانا يا رب العالمين
اللهم وفِّق ولي أمرنا وولي عهده لرضاك، وأعنهما على طاعتك يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم احفظ جنودنا، واحم حدودنا وثغورنا ، يا رب العالمين، واحفظ رجال أمننا يا رب العالمين
اللهم اشف مرضاهم، وارحم موتاهم، وتقبلهم في الشهداء يا ربَّ العالمينَ
اللهم بارك لمن حَضَرَ معنا صلاتنا هذه في علمه وعمره وعمله، وبارك له في بدنه وصحته وعافيته، وبارك له في أهله وولده، وبارك له في ماله ورزقه، واجعله يا ربنا مباركًا موفقًا مسددًا أينما حَلَّ أو ارتحل
اللّهم آت نفوسنا تقواها، زكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها
اللّهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر
اللّهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات
ربنا إن ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

Читать полностью…

مـنبر الخُـطـباء والـدُعـــاة📚

هموم الرزق - الشيخ محمود الدوسري

الْخُطبَةُ الْأُولَى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)[آل عمران: 102].
(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا)[النساء: 1].
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيماً)[الأحزاب: 70 و71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أمَّا بَعدُ: فَأُوصِيكُم -أَيُّهَا النَّاسُ- وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الأنفال: 29].

وبعد: مِنْ أكثرِ الهُموم التي تُشغِلُ الناسَ وتُرهِقُهم؛ هَمُّ تحصيلِ الرِّزق, مع أنَّ اللهَ -تعالى- قَسَمَ رِزْقَه بين الخلائق, وضَمِنَ لهم ذلك, حتى الأجِنَّة في بطون أُمَّهاتهم, فالواجب على العباد أنْ يتوكَّلوا على الله -تعالى-, ويأخذوا بالأسباب؛ كما فَعَلَت الطيور, قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ؛ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ, تَغْدُو خِمَاصًا, وَتَرُوحُ بِطَانًا"(صحيح, رواه ابن ماجه).

واللهُ -تعالى- هو الرزَّاق لِخَلْقِه, المُتكفِّلُ بأقواتهم, والقائِمُ على كل نَفْسٍ بما يُقيمها من قُوتها, وسِعَ الخلقَ كلَّهم رِزقُه ورحمتُه, فلم يختصَّ بذلك مؤمناً دون كافر, ولا وليًّا دون عدوٍّ, يَسُوقُ الرِّزق إلى الضعيف الذي لا حَول له؛ كما يسوقه إلى الجَلْد القوي, يقول -تعالى- مُخبِراً عن لُطفِه بخلقه في رِزقِه إيَّاهم عن آخِرِهم، لا ينسى أحداً منهم: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)[هود: 6]؛ فالله -تعالى- مُتكفِّل بأرزاق المخلوقات، من سائرِ دوابِّ الأرض صغيرِها وكبيرِها، بَحْرِيِّها، وبَرِّيِّها؛ (يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا)؛ يعلم أين مُنتهى سَيرِها في الأرض؟! وأين تأوي إليه من وكْرِها، وهو مُستودَعُها؟!.

ورِزقُه -تبارك وتعالى- لا يختص ببقعة؛ بل رِزقه -تعالى- عامٌّ لِخَلْقِه حيث كانوا, وأين كانوا، فيبعث إلى كلِّ مَخلوقٍ من الرزق ما يُصلحه، حتى الذَّر في قرار الأرض، والطير في الهواء, والحيتان في الماء؛ فَلْتَطْمَئِنَّ القلوبُ إلى كفاية مَنْ تَكفَّل بأرزاقها، وأحاط عِلماً بِذَواتِها، وصِفاتِها.

ورِزْقُ اللهِ لعباده نوعان: الأوَّل: رِزْقٌ عامٌّ؛ يشمل البرَّ والفاجر, والمؤمنَ والكافر, وهو رِزقُ الأبدان, وهذا من عظيم لطفه بعباده؛ كما قال -سبحانه-: (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ)[الشورى: 19], وقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا أَحَدٌ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ، يَدَّعُونَ لَهُ الْوَلَدَ، ثُمَّ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ"(رواه البخاري ومسلم)؛ فالله -تعالى- واسِعُ الحِلم, حتى مع الكافر الذي ينسب له الولد, فهو يُعافيه ويرزقه.

والثاني: رِزْقٌ خاص؛ وهو رِزْقُ القلوب وتغذيتها بالعلم والإيمان, والرِّزق الحلال الذي يُعِينُ على صلاح الدِّين, وهذا خاصٌّ بالمؤمنين على مختلف مراتبهم, بحسب ما تقتضيه حكمته ورحمته, وأعظمُ رِزقٍ يَرزُق اللهُ به عِبادَه المؤمنين هو الجنة, التي خَلَقَ فيها ما لا عين رأت, ولا أُذن سمعت, ولا خَطَر على قلب بشر؛ بل كلُّ رِزقٍ يَعِدُ الله به عبادَه الصالحين فغالباً ما يُراد به الجنة؛ كقولِه -تعالى-: (فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)[الحج: 50], وقولِه -تعالى-: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا)[الطلاق: 11].

ومَنْ طالَعَ صفة الجنة؛ عَلِمَ سعةَ رِزقِ أهلها, وكثرتَه وطِيبَه وتنوُّعَه؛ (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[الزخرف: 71], فهو أحسن الرزق وأكملُه وأفضلُه وأكرمُه, لا ينقطع ولا يزول؛ (إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ)[ص: 54], وهو رزق واسع عظيم, خَصَّ اللهُ به المؤمنين,

Читать полностью…

مـنبر الخُـطـباء والـدُعـــاة📚

قَالَ تَعَالى: ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ [إبراهيم: 48].

وقَالَ تَعَالى: ﴿ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 47].

ورَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنه قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا[22]».

قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ جَمِيعًا يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ؟!

قَالَ صلى الله عليه وسلم: «يَا عَائِشَةُ الْأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ»[23].

وَهذا الحشرُ عامٌّ لجميعِ الخلائقِ، وهناكَ حشرٌ آخرُ إما إلى الجنةِ، وإمَّا إلى النارِ، فنسأل الله من فضله.

فيُحشرُ المؤمنونَ إلى الجنةِ وفدًا، والوفدُ همُ القائمونَ الرُّكبَانُ.

قَالَ تَعَالَى: ﴿ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا ﴾ [مريم: 85].

قَالَ عَليٌّ رضي الله عنه فِي قَولِهِ تَعَالى: ﴿ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا ﴾، قال:«أَمَا وَاللهِ مَا يُحْشَرُ الْوَفْدُ عَلَى أَرْجُلِهِمْ، وَلَا يُسَاقُونَ سَوْقًا، وَلَكِنَّهُمْ يُؤْتَوْنَ بِنُوقٍ لَمْ يَرَ الخَلَائِقُ مِثْلَهَا، عَلَيْهَا رِحَالُ الذَّهَبِ، وَأَزِمَّتُهَا الزَّبَرْجَدُ، فَيَرْكَبُونَ عَلَيْهَا حَتَّى يَضْرِبُوا أَبْوَابَ الجَنَّةِ»[24].

وأما الكفارُ فإنهم يُحشرونَ إلى النارِ على وجوهِهم عُميًا، وبُكمًا، وصُمًا.

قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا ﴾ [الإسراء: 97].

وقَالَ تَعَالَى: ﴿ الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 34].

ورَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ يُحْشَرُ الكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ؟

قَالَ: «أَلَيْسَ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى الرِّجْلَيْنِ فِي الدُّنْيَا قَادِرًا عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ؟!».

قَالَ قَتَادَةُ: «بَلَى وَعِزَّةِ رَبِّنَا»[25].

عباد الله : صلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله؛ كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: 56]
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد
وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحمي حوزة الدين يا رب العالمين
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتبع رضاك يا رب العالمين
اللهم اشف مرضانا، وعاف مبتلانا، وارحم موتانا يا رب العالمين
اللهم وفِّق ولي أمرنا وولي عهده لرضاك، وأعنهما على طاعتك يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم احفظ جنودنا، واحم حدودنا وثغورنا ، يا رب العالمين، واحفظ رجال أمننا يا رب العالمين
اللهم اشف مرضاهم، وارحم موتاهم، وتقبلهم في الشهداء يا ربَّ العالمينَ
اللهم بارك لمن حَضَرَ معنا صلاتنا هذه في علمه وعمره وعمله، وبارك له في بدنه وصحته وعافيته، وبارك له في أهله وولده، وبارك له في ماله ورزقه، واجعله يا ربنا مباركًا موفقًا مسددًا أينما حَلَّ أو ارتحل
اللّهم آت نفوسنا تقواها، زكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها
اللّهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر
اللّهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات
ربنا إن ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

Читать полностью…

مـنبر الخُـطـباء والـدُعـــاة📚

القبر والبعث والحشر يوم القيامة - الشيخ خالد الجهني

الخطبة الأولى:
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

فحَدِيثُنَا معَ حضراتِكم في هذه الدقائقِ المعدوداتِ عن «القبر، والبعث، والحشر يوم القيامة».

واللهَ أسألُ أن يجعلنا مِمَّنْ يستمعونَ القولَ، فَيتبعونَ أَحسنَهُ، أُولئك الذينَ هداهمُ اللهُ، وأولئك هم أُولو الألبابِ.

اعلموا أيها الإخوة المُؤمنونَ أنه ممَّا يجبُ علينا الإيمان به: الإيمانُ بسؤالِ الملكينِ في القبر، وهما المنكرُ والنكيرُ، يسألانِ العبدَ ثلاثةَ أسئلةٍ:
1- مَنْ ربُّكَ؟
2- مَا دينُكَ؟
3- منِ الرسولُ الَّذِي أُرسلَ إليكَ؟

روى التِّرمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا قُبِرَ المَيِّتُ أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ، يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا: المُنْكَرُ، وَلِلْآخَرِ: النَّكِيرُ، فَيَقُولَانِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ مَا كَانَ يَقُولُ: هُوَ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولَانِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ هَذَا، ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا فِي سَبْعِينَ، ثُمَّ يُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ، نَمْ، فَيَقُولُ: أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي، فَأُخْبِرُهُمْ، فَيَقُولَانِ: نَمْ كَنَوْمَةِ العَرُوسِ الَّذِي لَا يُوقِظُهُ إِلَّا أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ، حَتَّى يَبْعَثَهُ اللهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مُنَافِقًا قَالَ: سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ، فَقُلْتُ مِثْلَهُ، لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ ذَلِكَ، فَيُقَالُ لِلأَرْضِ: التَئِمِي عَلَيْهِ، فَتَلْتَئِمُ عَلَيْهِ، فَتَخْتَلِفُ[1] فِيهَا أَضْلَاعُهُ، فَلَا يَزَالُ فِيهَا مُعَذَّبًا حَتَّى يَبْعَثَهُ اللهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ»[2].

ويجبُ علينا الإِيمانُ بِنعيمِ القَبرِ وعذابِهِ، النعيمِ لأهلِ الطاعةِ، والعذابِ لمن كان مستحقًّا له من أهلِ المعصيةِ، والفجورِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [إبراهيم: 27].

ورَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالعَشِيِّ[3]، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَيُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ[4] حَتَّى يَبْعَثَكَ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ»[5].

ورَوَى البُخَارِيُّ عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنهم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أُقْعِدَ المُؤْمِنُ فِي قَبْرِهِ أُتِيَ، ثُمَّ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾ [إبراهيم: 27]»[6].

Читать полностью…

مـنبر الخُـطـباء والـدُعـــاة📚

وقال عمر بن عبد العزيز: "الدنيا سريعة الفناء، قريبة الانقضاء، تعد بالبقاء، ثم تخلف في الوفاء، وتنظر إليها فتراها ساكنة مستقرة وهي سائرةٌ سيرًا عنيفًا، ومرتحلةٌ ارتحالاً سريعًا".

أيها الإخوة في الله: لا بد أن نتذكر ذلك اليوم الذي تتوقف فيه الابتسامات والقهقهات، وتلك الحفرة التي يتوقف فيها الجدال والصرخات، ويتوقف فيها العناد والكبرياء، والإخلاص والرياء، ويتحول الوجه الفاتن، واليد الظالمة، واللسان الكذوب، والعين الخائنة، والقلب القاسي، إلى جماجمَ وأعظمٍ نخرة، ولا يبقى إلا العمل الذي قدمه صاحب القبر.

هناك تزول أسئلة الدنيا: من أنت وماذا تملك، وإلى من تنتسب؟! ولا يبقى إلا سؤال واحدٌ مهم: ما عملك الصالح؟! ما عملك الذي يحيل قبرك إلى روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار؟! يقول رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم-: "يتبع الميت ثلاثة، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله". رواه مسلم.

معاشر المسلمين: إننا نريد تذكر الآخرة لكي نعمل لها، إن التذكر مطلوب شرعًا ليكون موصلاً إلى العمل الذي هو من أسباب النجاة من النار، ولا ينفع البكاء والندم بتذكر الموت والآخرة إذا لم يقترنا بالعمل، لا بد من العمل، لا بد من العمل للآخرة، لقد أكثرنا من العمل لدار الغرور فلا بد أن نعمل للآخرة:

يـا بـاني الدار الـمعد لها *** ماذا عملت لدارك الأخرى
ومـمهد الفرش الـوثيرة لا *** تغفل فراش الرقدة الكبرى
أتراك تحصي من رأيت من الـ *** أحياء ثـم رأيتهم موتى
فلـتلحقن بعـرصة الـموتى *** ولتنزلن مـحلة الـهلكى

وإذا رأيت القبر -يا عبد الله-، فتذكر أن له منظرًا فظيعًا، وظلمة شديدة، وضمة وضغطة.

أما المنظر الفظيع والهول العظيم، فقد قال -عليه الصلاة والسلام-: "ما رأيت منظرًا قط إلا القبر أفظع منه". رواه أحمد والترمذي وابن ماجه عن عثمان وحسنه الألباني.

وأما الظلمة الشديدة، فقد قال -عليه الصلاة والسلام- بعد أن صلى على قبر المرأة التي كانت تَقُمّ المسجد: "إن هذه القبور مليئة ظلمة على أهلها، وإن الله -عز وجل- منورها لهم بصلاتي عليهم". متفق عليه.

وأما الضمة والضغطة، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "للقبر ضغطة لو نجا منها أحد لنجا منها سعد بن معاذ". رواه أحمد وصححه الألباني، وعند النسائي عَنْ ابْنِ عُمَرَ أن رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ في سعد: هَذَا الَّذِي تَحَرَّكَ لَهُ الْعَرْشُ، وَفُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَشَهِدَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ، لَقَدْ ضُمَّ ضَمَّةً ثُمَّ فُرِّجَ عَنْهُ".

قال بعض العلماء: ضَغْطَة الْقَبْر: اِلْتِقَاء جَانِبَيْهِ عَلَى جَسَد الْمَيِّت، ولا يَنْجُو مِنْها صَالِح وَلا طَالِح غَيْر أَنَّ الْفَرْق فِيهَا: دَوَامُ الضَّغْط لِلْكَافِرِ، وَحُصُوله لِلْمُؤْمِنِ فِي أَوَّل نُزُوله إِلَى قَبْره ثُمَّ يَعُود إِلَى الانْفِسَاح لَهُ.

إخوتي في الله: ليتصور الواحد منا الفرق بين ليلتين، الليلة الأولى يجلس فيها بين أهله وأبنائه يلاعبهم ويداعبهم، والليلة التي تليها يدفن فيها في قبره وحيدًا منفردًا، لا يدري ما يكون حاله فيه، أمن المنعمين أم من المعذبين؟!

فارقت موضع مرقدي يومًا *** ففارقنـي السـكـون
الـقبـر أول لـيلـةٍ بالله *** قل لـي مـا يكـون

أول ليلة في القبر، بكى منها العلماء، وشكا منها الحكماء، لا أنيسَ فيها ولا جليس، ولا مناصبَ ولا أموال، ولا زوجةَ ولا أطفال، بل إن أقرب الناس إليك الذي كان يقبلك ويعانقك ويهرع بك إلى الطبيب لأدنى علة، هو من يسعى ويجدُّ مسرعًا في دفنك وإهالة التراب عليك.

متى نراجع حساباتنا مع الله -يا عباد الله-؟! (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [المؤمنون: 99، 100].

كلا!! الآن تراجع حساباتك؟! الآن تتوب من ذنوبك؟! ألم تكن مدبرًا عن الصلاة والمساجد؟! معرضًا عن القرآن منتهكًا لحدود الرحمن؟! آلآن تتوب؟! أين أنت قبل ذلك؟!

والله لو عاش الفتى في عمره *** ألفًا مـن الأعوام مالكَ أمرِه
متنعـمًا فيها بكـل لذيذة *** متلذذًا فيها بسكنى قصـره
لا يعتريه الهم طولَ حـياته *** كلا ولا تَرِدُ الهموم بصدره
ما كان ذلك كلُه في أن يفي *** فيهـا بأولِ ليلـةٍ في قبره

اللهم ارزقنا عملاً صالحًا نفوز به، اللهم ارزقنا عملاً نرحم به فيزحزحنا ربنا عن النار ويدخلنا الجنة.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه ثم توبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

-------------------------------------------------

Читать полностью…

مـنبر الخُـطـباء والـدُعـــاة📚

وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد
وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحمي حوزة الدين يا رب العالمين
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتبع رضاك يا رب العالمين
اللهم اشف مرضانا، وعاف مبتلانا، وارحم موتانا يا رب العالمين
اللهم وفِّق ولي أمرنا وولي عهده لرضاك، وأعنهما على طاعتك يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم احفظ جنودنا، واحم حدودنا وثغورنا ، يا رب العالمين، واحفظ رجال أمننا يا رب العالمين
اللهم اشف مرضاهم، وارحم موتاهم، وتقبلهم في الشهداء يا ربَّ العالمينَ
اللهم بارك لمن حَضَرَ معنا صلاتنا هذه في علمه وعمره وعمله، وبارك له في بدنه وصحته وعافيته، وبارك له في أهله وولده، وبارك له في ماله ورزقه، واجعله يا ربنا مباركًا موفقًا مسددًا أينما حَلَّ أو ارتحل
اللّهم آت نفوسنا تقواها، زكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها
اللّهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر
اللّهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات
ربنا إن ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار

عِبَادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ... فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

Читать полностью…

مـنبر الخُـطـباء والـدُعـــاة📚

دعوات يوسف عليه السلام - الشيخ سامي حافظ

الخطبة الأولى:
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أيها المؤمنون: بعد قصة طويلة مليئة بالأحداث والوقائع والمصيبات، امتدت لسنوات، تنقل فيها يوسف عليه السلام من محنة إلى محنة، ومن مصيبة إلى أخرى، ومن همٍّ إلى غمٍّ، بعدها أتم الله ليوسف عليه السلام كثيرًا من النعم، أولها تبرئة من اتهام، ثم لحقها منصب وجاه، ورفعة ومال، ومكانة وارتفاع، وكانت نهايتها عفوًا عن الزلات، واجتماعًا بالأبوين والأهل والأقرباء، بعد ذلك كله، وفي نهاية القصة، سأل يوسف عليه السلام ربه مقرًّا بنعمته عليه بأن جعله وزيرًا على الخزائن، وتعليمه تأويل الرؤى، مثنيًا عليه بأنه فاطر السماوات والأرض، وختمها بدعوات طيبات أن يتوفاه الله مسلمًا ويلحقه بالصالحين من الأنبياء والمرسلين؛ فقال تعالى عنه: ﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف: 101].

أيها الكرام: لنا مع هذه الدعوات المباركات التي دعا بها يوسف عليه السلام ربه في نهاية القصة عِبرٌ ووقفاتٌ:

أولى تلك الوقفات، فقد بدأ يوسف دعاءه بقوله: ﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ ﴾ [يوسف: 101]، فإن من يتتبع دعاء الأنبياء، يَرَ أن كثيرًا من أدعيتهم في القرآن بدأت بقولهم: "رب، ربنا"، ولعل السبب في ذلك؛ لأن معنى الرب المربي، فهو يربي عباده الصالحين، وفي ذلك بيان ضعف العبد أمام خالقه وسيده ومولاه.

أيها المؤمن: لا تجعل نشوة الفرح بالانتصار، أو المنصب، أو المال، تنسيك شكر نعمة ربك عز وجل عليك، فالمتواضع كلما زاد رفعة ومكانة، ازداد تواضعًا لربه وللخلق، وكلما زادت نِعَمُ الله عليه وتوالت، ازداد شكرًا لربه واعترافًا بها، ﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ﴾ [يوسف: 101]، فعلى العبد أن يتذكر ويستشعر نِعَمَ الله عليه دائمًا وأبدًا؛ صغيرة وكبيرة، فنِعَمُهُ لا تُعَدُّ ولا تُحصى، وخاصة بعض النعم التي تعوَّد عليها بسبب كثرتها ودوامها، كنعمة الإسلام، والمال، والصحة، والعافية، والأمن، والأولاد وغيرها كثير، وأن يشكر ربه ويحمده عليها، فبالشكر تدوم النعم، وبالكفر تزول وتنتهي، وعلى المؤمن أن يعلم قدر الدنيا وحقيقتها، فيجعلها في يديه، ويسخرها في طاعة ربه، ولا يدخلها إلى قلبه، فإن دخلت قلبه، أفسدته، وأغرته، وأسقطته في وحْلِها.

أيها المؤمنون: ثم قال يوسف عليه السلام: ﴿ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [يوسف: 101]، على المرء أن يبدأ دعاءه بالثناء على ربه بأسمائه وصفاته، وأن يدعوه بها، فربنا يحب منا أن نثني عليه ونذكره بأسمائه وصفاته، فندعو بأسمائه، ومنها الكبير المنان، الرزاق الرحيم، الرحمن اللطيف، العزيز الجبار، ندعو بكل اسم بما يوافقه من دعاء.

ثم قال يوسف عليه السلام: ﴿ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾ [يوسف: 101]، فمهما بلغ العبد من منصب وجاه ومال، فهو محتاج إلى ربه الولي الناصر له في الدنيا والآخرة جل وعلا، فلا توفيق ولا فلاح ولا نجاح، إلا بتوفيق الله وإرادته.

Читать полностью…

مـنبر الخُـطـباء والـدُعـــاة📚

كَانَ مِنْ هَذَا الشَّابِّ، وَبِمَ أَجَابَ؟

(قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)[يوسف:23]، لقد نَطَقَ بِمَا لَمْ تَكُنْ تَتَوَقَّعُهُ، وَأَجَابَ بِمَا لَمْ يَكُنْ فِي حُسْبَانِهَا، فَقَولُهُ (مَعَاذَ اللهِ) يَحْمِلُ مَعْنَى رَفْضِهِ الْقَاطِعِ لِدَعْوَةِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ، كَمَا يَحْمِلُ مَعْنَى الْتِجَائِهِ إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَطَلَبِ الْمَعُونَةِ مِنْهُ لِيَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ، فَالْفَاحِشَةُ ظُلْمٌ، كَمَا أَنَّ الْخِيَانَةَ ظُلْمٌ.

وَكَأَنَّ يُوسُفَ بِرَدِّهِ هَذَا ذَكَّرَ الْمَرْأَةَ أَوَّلاً بِاللهِ، ثَمَّ نَبَّهَهَا إِلَى قُبْحِ الْخِيَانَةِ، ثُمَّ بَيَّنَ لَهَا عَاقِبَةَ الظُّلْمِ وَشُؤْمَهَ، فَهُوَ مَعَ رَفْضِهِ الْقَاطِعِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ بَعْدَ ذَلِكَ: (وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ)[يوسف:32].

مَعَ ذَلِكَ الرَّفْضِ كَانَ لَهَا مُذَكِّرًا وَمُنَبِّهًا، لَكِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي أَخَذَتْهَا دَهْشَةُ الرَّفْضِ، أَفَاقَتْ عَلَى حَالِ سَيِّدَةٍ مُبْتَذَلَةٍ، وَعَزِيزَةٍ مُتَذَلِّلَةٍ: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ)[يوسف:24]؛ ففرَّ هارباً وإلى البابِ مسارعاً (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ)[يوسف:25-28].

فَيَا لَهُ مِنْ مَشْهَدٍ عَظِيمٍ –إِخْوَةَ الإِيمَانِ– جَمَعَ فِيهِ الْقُرْآنُ مَعَ دِقَّةِ الْوَصْفِ رَوْعَةَ الأَدَبِ. وَمَا أَعْظَمَ هَذَا الشَّابَّ الَّذِي كَانَ مَعَ قُوَّةِ الإِغْرَاءِ، وَتَوَفُّرِ الدَّوَاعِي، رَاسِخًا بِإِيمَانِهِ، شَامِخًا بِطَهَارَتِهِ!

لَقَدْ كَانَ يُوسُفُ -عَلَيْهِ السَّلامُ- بِإِيمَانِهِ هُوَ الْعَزِيزَ فِي قَصْرِ الْعَزِيزِ، قَدْ كَانَ فِي ذَلِكَ الْقَصْرِ غُلامًا، لَكِنَّهُ كَانَ فِي الطُّهْرِ إِمَامًا، وَلَئِنْ غُلِّقَتْ عَلَيْهِ الأَبْوَابُ؛ فَإِنَّ بَابَ قَلْبِهِ مَفْتُوحٌ لِهُدَى رَبِّهِ، فَمَا ضَرَّهَ مَا أُغْلِقَ بَعْدَ إِكْرَامِهِ بِمَا فُتِحَ.

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ الْفِتْنَةَ لَمْ تَقِفْ عِنْدَ ذَلِكَ الْمَشْهَدِ، وَالْمُؤَامَرَةَ لَمْ تَنْقَطِعْ، فَهُنَاكَ مَشْهَدُ النِّسْوَةِ اللاتِي جَمَعَتْهُنَّ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ * قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ)[يوسف:31-32].

هُنَا أَدْرَكَ يُوسُفُ -عَلَيْهِ السَّلامُ- أَنَّ الْفِتْنَةَ أَتَتْهُ بِجَحَافِلِهَا، وَنَسَجَتْ حَوْلَهُ حَبَائِلَهَا، فَخَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ تَمِيلَ إِلَى مُسْتَنْقَعِهَا، وَخَشِيَ عَلَى طَهَارَتِهِ أَنْ تُدَنَّسَ بِدَنَسِهَا، فَهُوَ شَابٌّ يَشْعُرُ بِمَا يَشْعُرُ بِهِ الشَّبَابُ، وَهُوَ رَجُلٌ تَمِيلُ نَفْسُهُ إِلى مَا تَمِيلُ إِلَيْهِ نُفُوسُ الرِّجَالِ، فَمَا كَانَ مِنْهُ إِلاَّ أَنِ الْتَجَأَ إِلَى رَبِّهِ -سُبْحَانَهُ-، وَمَنِ الْعَاصِمُ مِنَ الْمَزَالِقِ سِوَاهُ؟: (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ)[يوسف: 33].

أَلا فَاتَّقُوا اللهَ مَعْشَرَ الشَّبَابِ، اتَّقُوا اللهَ فِي شَبَابِكُمْ، وَاجْعَلُوا أَعْظَمَ عَلاقَةٍ عَلاقَتَكُمْ بِاللهِ، فَلِكُلِّ شَيْءٍ عِوَضٌ، وَلَيْسَ للهِ إِنْ فَارَقْتُمْ مِنْ عِوَضٍ، وَلْنَلْجَأْ إِلَى اللهِ فَهُوَ المُعِيذُ الْمُعِينُ (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ)[يوسف:24].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه ثم توبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

-------------------------------------------------

Читать полностью…

مـنبر الخُـطـباء والـدُعـــاة📚

فإذا أيسوا طال بكاؤهم بالدعاء ليقضِ الله عليهم (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ) [الزخرف: 77]، لا إله إلا الله كيف يُصبر على نار أهون أهلها فيها عذابًا يرى أنه أشد الناس عذابًا .

أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد –رضي الله عنه- قال –صلى الله عليه وسلم-: "أدنى أهلِ النار عذابًا ينتعل بنعلين من نار يغلي دماغه من حرارة نعليه"، وفي رواية: "ما يرى أن أحدًا أشد منه عذابًا، وإنه لأهونهم عذابًا".

إذا تأملنا هذا فلنتأمل حالنا في هذه الدنيا، هل أقلقنا الخوف من النار؟! أم هل سعى كل منا في فكاك رقبته من النار طالما أنه في دار المهلة؟! إنَّ العبد الغافل في هذه الدار لا يفيق إلا مع سكرات الموت، حين لا ينفع ذلك".

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [فاطر: 5]،
فإنما هي أيام قلائل، ويكون الغيب شهادة، والموعود حاضرًا مشهودًا تتقشع الدنيا ببهارجها ويعاين الناس مصيرهم في يوم لا تُقبل فيه المعاذير، ولا تُقال فيه العثرات؛ إلا من رحمه ربه.

واعلموا -رحمكم الله- أن السعيد مَن وُعِظَ ليستيقظ قبل الفوات، وأن الشقي من غرق في بحر الشهوات معللاً نفسه بالتسويفات.

وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله؛ كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: 56].
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد.
وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحمي حوزة الدين يا رب العالمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم اشف مرضانا، وعاف مبتلانا، وارحم موتانا يا رب العالمين
اللهم وفِّق ولي أمرنا وولي عهده لرضاك، وأعنهما على طاعتك يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم احفظ جنودنا، واحم حدودنا وثغورنا ، يا رب العالمين، واحفظ رجال أمننا يا رب العالمين
اللهم اشف مرضاهم، وارحم موتاهم، وتقبلهم في الشهداء يا ربَّ العالمينَ.
اللهم بارك لمن حَضَرَ معنا صلاتنا هذه في علمه وعمره وعمله، وبارك له في بدنه وصحته وعافيته، وبارك له في أهله وولده، وبارك له في ماله ورزقه، واجعله يا ربنا مباركًا موفقًا مسددًا أينما حَلَّ أو ارتحل.
اللّهم آت نفوسنا تقواها، زكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها.
اللّهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر.
اللّهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
ربنا إن ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

Читать полностью…

مـنبر الخُـطـباء والـدُعـــاة📚

🎬 (حكاية الطفل الذي أبكي الملاين)
عندما علم😭💔👇
/channel/xtrateel/5542
/channel/xtrateel/5542


للاشتراك في اللستة تفاعل نار🔥
دعـــــم طـــريــق الـــخـيــر🌪⬆️

Читать полностью…

مـنبر الخُـطـباء والـدُعـــاة📚

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحمي حوزة الدين يا رب العالمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم اشف مرضانا، وعاف مبتلانا، وارحم موتانا يا رب العالمين
اللهم وفِّق ولي أمرنا وولي عهده لرضاك، وأعنهما على طاعتك يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم احفظ رجال أمننا و جنودنا، واحم حدودنا وثغورنا يا رب العالمين
اللهم اشف مرضاهم، وارحم موتاهم، وتقبلهم في الشهداء يا ربَّ العالمينَ.
اللهم بارك لمن حَضَرَ معنا صلاتنا هذه في علمه وعمره وعمله، وبارك له في بدنه وصحته وعافيته، وبارك له في أهله وولده، وبارك له في ماله ورزقه، واجعله يا ربنا مباركًا موفقًا مسددًا أينما حَلَّ أو ارتحل.
اللّهم آت نفوسنا تقواها، زكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها.
اللّهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر.
اللّهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
ربنا إن ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

Читать полностью…

مـنبر الخُـطـباء والـدُعـــاة📚

عظمة القرآن وتعظيمه - الشيخ محمد السبر

الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك، رب المشرق والمغرب فاتخذه وكيلا، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله نزل الله عليه القرآن الكريم تنزيلا، فرتل القرآن الكريم ترتيلا، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين عملوا بالقرآن الكريم ورتلوه بكرة وأصيلا، وعلى التابعين لهم في حمل هذا القرآن الكريم وسلم تسليماً.

أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).

عباد الله: القرآن الكريم هو مصدر عِزَّة هذه الأُمَّة، مَن تمسَّك به نجا وهُدِي إلى الصراط المستقيم، ومَن لم يؤمن به وأعرض عنه ضلَّ في الدنيا والآخرة؛ (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا * وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)، (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا).

القرآن كلام رب البرية ذكرٌ لمن تذكر به، وموعظةٌ لمن اتعظ به؛ (وَهَٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ)، (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ)، ومن عَظمته وجَلاله، وقوة تأثيره، أنّه لو خوطِب به صُمٌّ الجبال لتصدَّعت من خَشية الله؛ (لَو أَنزَلنَا هَذَا القُرآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيتَهُ خَاشِعًا مٌّتَصَدِّعًا مِّن خَشيَةِ اللَّهِ).

وقد شَهِد الأعداء بعظمته، وسمو معانيه، وتأثيره في النفوس، فقد أتَى الوليد بنُ المغيرةِ إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: يا محمّد، اقرَأ عليّ القرآنَ، فقرَأ: (إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُربَى وَيَنهَى عَنِ الفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ يَعِظُكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرُونَ)، ولم يكد -عليه الصلاة والسلام- يفرغ من تلاوتها حتّى قال الخَصمُ الألَدّ: والله، إنَّ لَه لحلاوةً، وإنّ عَليه لطَلاوَة، وإنّ أسفَلَه لمورِقٌ، وإنَّ أعلاَه لمثمِر، وما يقول هذا بشر!. (رواه البيهقي في الدلائل والشعب (1/156) عن عكرمة مرسلا، ووصله بعضهم).

وقد حكى الله -سبحانه- ما تواصى به المشركون فيما بينهم؛ (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ)، وذلك خوفاً من تأثير القرآن في القلوب، بعد عجزهم عن معارضته، وعن الإتيان بسورة من مثله، فذهبوا إلى تلك الأساليب السخيفة، لصرف الناس عن سماع القرآن الكريم، ولكن هيهات هيهات فإن الله وهو الحفيظ قد وعد بحفظه، ولن يُخلِف الله وعده: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)؛ فالقرآن محفوظٌ من الزيادة والنقصان، والتحريف والتبديل وقد تحقّق مِن وَعْدِ الله بذلك ما تقرّ به عيون الموحِّدِين من حِفْظ القرآن في الصدور، وحفظه في السطور.

وما أكثر الحاقدين على القرآن الكريم فمنذ أن ظهر على وجه الأرض، وأعداؤه يتربصون به الدوائر، ومعركتهم ضده دائرة في كل زمان ومكان؛ فمن محاولات اللغو فيه، والتنفير من سماعه، إلى التشويه والتحريف، ومن الكيد الخفي، إلى العدوان الجلي، ومن العدوان الظاهر، إلى التدنيس الجائر كما في عصرنا الحاضر؛ فقد نشرت وسائل الإعلام في الأيام الماضية أن بعض أعداء القرآن في الغرب حرقوا نسخاً من القرآن العظيم في ساحاتهم، وقد تكررت هذه الجريمة أكثر من مرة في دول غربية شتى، ‏وهكذا بين الحين والآخر، يخرج داعر موتور، أو دعي مأجور؛ ينفس عن حقده، ويبين عن عجزه؛ تارة بمقالة ساقطة، وتارة برسوم هابطة، وأخرى بمحتوى رخيص! ‏وهكذا كما صنع أسلافهم؛ (كَذَٰلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ).

استفزاز هزيل للإسلام والمسلمين بين حين وآخر من فاقدي القِيم، باسم ما سموه "الحرية"، وهي كذبة كبرى يرددونها فصدقوها، وصدقها المفتونون من المسلمين، وليست من الحرية في شيء، إنما هي حرية الفساد والالحاد والشذوذ الأخلاقي؛ ولكنه بإذن الله السقوط للهاوية نتيجة تبنيهم القيم المتحررة الداعية إلى الانحلال، وإفساد الفطرة وتغير خلق الله وعبادة الشيطان، فهم في ظلمات بعضها فوق بعض!

إن مثل هذا الفعل الشنيع الذي استنكره عقلاء العالم ومنصفوه كان سبباً لأن يتعرف الناس إلى الإسلام، فدخلوا في دين الله أفواجاً، لعلمهم أنه الدين الحق للإنسانية جمعاء، وأن حقه أن يوقر ويعزر، ولكن ينطبق على مثل هذه الأفعال الرعناء قول الشاعر:

وإذا أراد الـلـه نشــر فـضـيلـةٍ *** طـُويـت أتـاح لهـا لسـان حسـودِ
لولا اشتعال النار فيما جاورت *** ما كان يُعرف طيبُ عَرف العود.

Читать полностью…

مـنبر الخُـطـباء والـدُعـــاة📚

سئل الإمام الزهري رحمه الله عن العمل في رمضان فقال: إنما هو تلاوة القرآن، وإطعام الطعام. وكان الإمام الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادات غير الواجبة وأقبل على تلاوة القرآن. وقال ابن عبد الحكم: كان الإمام مالك بن أنس إذا دخل رمضان فرَّ من مجالس العلم، وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف.

ولا ينبغي لنا أن نغفل ونحن في هذه الأيام المباركات نستظل بدوحة القرآن، وننعم بقراءة كلام الرحيم الرحمن، ونقلب صفحاته ليل نهار، ونقرؤه في أوقات مديدة، وأزمنة عديدة، لا نغفل أن نتعرف على معانيه، ونتدبر معانيه، ونتفهم مقاصده ومراميه، فإن من أعظم أسباب المغفرة -كما يقول ابن القيم رحمه الله- تعالى: قراءة القرآن بالتدبر، والتفهم لمعانيه، وما أريد به، كتدبُّر الكتاب الذي يحفظه العبد ويشرحه ليتفهم مراد صاحبه منه.اهـ. يقول الحسن بن علي -رضي الله عنهما-: إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم، فكانوا يتدبرونها بالليل، ويتفقدونها في النهار.

ولا نغفل ونحن نقرأ القرآن الكريم أن نتمثل ما فيه من الهُدي والخلق والعمل بطاعة الله تعالى، فإن القرآن الكريم إنما نزل للعمل به، وليكون طريق حياتنا، ومنهج سيرنا إلى ربنا جل وعلا، فقد وصف الله كتابه العظيم بأحسن الوصاف التي تدعونا للتمسك به، فقال عنه: (هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ) [آل عمران:138]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) [يونس:57]، (قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ) [الأحقاف:30]، (إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً) [الإسراء:9].

وقد فَهِمت الأمةُ متمثلةً في سلفها الصالح ومَن جاء بعدهم من صالح عباد الله إلى يومنا هذا مكانة القرآن العظيم، فهو النور والهداية للصراط المستقيم، وتمثلوا ذلك في شؤون حياتهم كلِّها، فنصرهم الله وأعزهم ورفعهم على العالمين.

انظر إلى عائشة -رضي الله عنها- وهي تصف حال النبي -صلى الله عليه وسلم- مع القرآن الكريم تمثُّلا وعملاً، وقد جاءها سعد بن هشام بن عامر يسألها عن خُلُقِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فقال لها: يا أمَّ المؤمنين، أنبئيني عن خُلق رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-. قالت: ألستَ تقرأ القرآن؟ قلت: بلى. قالت: فإن خُلُقَ نبيِّ الله -صلى الله عليه وسلم- كان القرآن. رواه مسلم. قال الطحاوي رحمه الله: ومعنى خلقه القرآن أنه ممتثل لأوامره، مُنْتَهٍ عن نواهيه. وقال ابن الأثي -رحمه الله-: أي متمسكا بآدابه وأوامره ونواهيه، وما يشتمل عليه من المكارم و المحاسن والألطاف.

يقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن. وقال أبو عبد الرحمن السلمي: حدثني الذين كانوا يُقرؤوننا القرآن الكريم: عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب -رضي الله عنهم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يُقرؤهم العشر فلا يجاوزونها إلى عشر أخرى حتى يتعلموا ما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعا.

قالت أسماء رضي الله عنها: كان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا قرئ عليهم القرآن كما نعتهم الله: تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم. وكان أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- رجلا بكَّاءً لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن. قال عثمان -رضي الله عنه-: لو أن قلوبنا طهرت ما شبعنا من كلام ربنا، وإني لأكره أن يأتي عليَّ يومٌ لا أنظر في المصحف.

قالت عائشة -رضي الله عنها-: إني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقا لكتاب الله، ولا إيمانا بالتنزيل! لقد أنزلت سورة النور: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) [النور:31]، انقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل الله إليهم فيها، ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته وعلى كل ذي قرابته، فما منهن امرأة إلا قامت إلى مِرطها المرَحَّل فاعتجرت به؛ تصديقا وإيمانا بما أنزل الله من كتابه، فأصبحن وراء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معتجِرَاتٍ كأن على رؤوسهن الغربان.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه ثم توبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

-------------------------------------------------

الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبيَّ بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًّا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّمَ تسليما كثيرا.

Читать полностью…
Subscribe to a channel