alkouneni | Unsorted

Telegram-канал alkouneni - ⚖الميزان⚖

-

لبيان حقيقة الصعافقة

Subscribe to a channel

⚖الميزان⚖

بسم الله الرحمن الرحيم

العذر بالجهل استثناء
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فإتماما لما تقدم في المقال السابق، وتذكيرا بما تقدم في مقالات سابقة، وربما زيادة بيان لها، أردت أن أنبه أن العذر بالجهل حال استثنائية تتعلق بالحكم على الأعيان، لا من حيث الإطلاق، فلو أن البحث كان عن زيد أو عمرو من الناس: هل يحكم بكفره وردته أم يعذر بالجهل لكان للحديث عن العذر بالجهل محل، ويجب قصره حينئذ على أحكام الدنيا فقط دون أحكام الآخرة. ولكن عند إطلاق الكلام عن الأسماء والأحكام لا يصير للعذر بالجهل موقعا، إلا على سبيل التعليم فقط، كأن يقال "من فعل كذا أو قال كذا فهو كافر، إلا أن يكون حديث عهد بإسلام"، فهذا يراد به التعليم فقط، ولذلك لو اقتصر على قوله "من فعل كذا أو قال كذا فهو كافر"، وسكت؛ لكان حكما صحيحا، وهو حكم مطلق، ولا يصح الاعتراض عليه بالإستثناءات والحالات الخاصة.

فالذي أوقع المختلفين في العذر بالجهل فيما وقعوا فيه، هو خروجهم به من كونه استثناء وحالة خاصة إلى جعله معارضا للأحكام المطلقة، بل راموا جعله أصلا في تثبيت الأحكام والأسماء وإطلاقها نفيا وإثباتا.

وإن من أعظم الأسباب التي أوقعتهم في ذلك هو الغفلة عن الأسماء والأحكام الشرعية من حيث عدم تفريقهم بين الإسلام والإيمان، وبين الحكم بالردة وبين الكفر مطلقا، وهذه هي نكتة المسألة وآخيتها التي ترجع إليها، فمن ضبطها انحلت له عقدة العذر بالجهل.

ويجب التنبيه هنا أن الحكم المطلق لا يساوي الحكم العام، وهذا أمر معلوم لا يخفى إلا على الخوارج أو من شابههم، فإنه من أسباب ضلالهم أنهم يجعلون الأحكام المطلقة أحكاما عامة، فينتهون إلى تكفير الأعيان المنتسبين إلى الإسلام بالجملة، والحكم بالردة العامة على جميع الأمة الإسلامية إلا من كان معهم!.

Читать полностью…

⚖الميزان⚖

المجرمين، ولكن لتظاهرهم بالإسلام وإقامة بعض شعائره كالصلاة والحج والعمرة وغير ذلك، لا يحكم بخروجهم من الملة حكما عاما على جميعهم، وإن كانوا في حقيقة أمرهم من أكبر المجرمين المكذبين لله ولرسوله، الصادين عن سبيله، والمعادين لأوليائه وحزبه من الصحابة وأتباعهم... وعلى ذلك فقس!.

وهذا هو فصل ما بين من غلا في العذر بالجهل من المنتسبين إلى السنة، وبين من غلا في عدم العذر به، وبه يتبين لك أن خلافهم لم يكن في العذر بالجهل، وإن ظنو هم أنفسهم أنه في العذر بالجهل، أو أجاب بعض العلماء عن هذه المسألة من منطلق العذر بالجهل أو عدمه، ثم اختلفوا في ذلك، كما وقع ذلك للشيخ ابن عثيمين رحمه الله، ويقابله الشيخ ابن باز رحمه الله بحسب ما ينقله بعضهم عنه، ويفهم من بعض أجوبته، أما الشيخ عبدالمحسن العباد حفظه الله فقد كان له قولان في هذه المسألة، وافق في أحدهما الشيخ ابن عثيمين أولا، ثم وافق الشيخ ابن باز ثانيا.

ويبقى أن إقحام العذر بالجهل في هذه المسألة أحدث إشكالات في باب العذر بالجهل نفسه، وهذا من آفات الجدال في الدين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أتوا الجدل، ولذلك تجد أكثر المختلفين في هذه المسألة وفي غيرها يأنفون من الرجوع إلى الحق إذا بُين لهم، وتجد فيهم من الإعراض عن دين الله ما يخشى عليهم منه خشية عظيمة، وهذا مما يدلك أن اختلافهم كان بغيا بينهم، ولم يكن قصدا للحق، كما قال تعالى: ( وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْأَمْرِ ۖ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ).الجاثية (17). وقال سبحانه:
( وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ ).الشورى (14)

قال العلامة السعدي: لما أمر تعالى باجتماع المسلمين على دينهم، ونهاهم عن التفرق، أخبرهم
أنكم لا تغتروا بما أنزل الله عليكم من الكتاب، فإن أهل الكتاب لم يتفرقوا حتى أنزل الله عليهم الكتاب الموجب للاجتماع، ففعلوا ضد ما يأمر به كتابهم، وذلك كله بغيا وعدوانا منهم، فإنهم تباغضوا وتحاسدوا، وحصلت بينهم المشاحنة والعداوة، فوقع الاختلاف، فاحذروا أيها المسلمون أن تكونوا مثلهم.

{ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ } أي: بتأخير العذاب القاضي { إلى أجل مسمى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } ولكن حكمته وحلمه، اقتضى تأخير ذلك عنهم. { وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ } أي: الذين ورثوهم وصاروا خلفا لهم ممن ينتسب إلى العلم منهم { لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ } أي: لفي اشتباه كثير يوقع في الاختلاف، حيث اختلف سلفهم بغيا وعنادا، فإن خلفهم اختلفوا شكا وارتيابا، والجميع مشتركون في الاختلاف المذموم). انتهى من تفسيره رحمه الله.

فمتى ما صحح النظر ووجه إلى أصل الخلاف في هذه المسألة، وأثبتت الأسماء والأحكام الشرعية الصحيحة، على ما هو في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه السلف الصالح رضوان الله عليهم، وكان القصد في كل ذلك طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، والاجتماع على دينه، رفع هذا الخلاف بإذن الله، أو خفت آثاره، وربما لم تعد هناك حاجة إلى الخوض فيما نتج عنه من إشكالات، والتي هي حصاد طبيعي للجدال والمرآء في الدين.

ولذلك فإن هذا الجواب على اختصاره الشديد، نافع جدا بإذن الله في هذا الخلاف، وأسأل الله أن ييسر لي أو لغيري شرحه وبيان ما يتعلق به من أبواب وفروع، وأسأله سبحانه أن يجمع كلمة المنتسبين إلى السنة على الحق، وأن يذهب ما بينهم من الخلاف والتنازع الذي هو من أعظم أسباب الفشل والضعف وغلبة أهل البدع وعلوهم، كما أسأله سبحانه أن يجنبنا مضلات الفتن أنه ولي مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأكملان الأتمان على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

Читать полностью…

⚖الميزان⚖

الحد الأدنى والأعلى للإيمان الواجب



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله يحب التوابين، وصلى الله على عبده ورسوله، قدوة التائبين، وإمام المهتدين.

أما بعد، فإن من البيان الذي جاء في القرآن الكريم لحقيقة الإيمان، ما دل عليه القرآن من أن حقيقة الإيمان الواجب هي نفسها التقوى، وهي البر، وهي الصلاح، وهي الإحسان، وهي الإيمان والعمل والصالح. وكذلك من حدود الإيمان الواجب التي جاءت في القرآن الكريم؛ ولعله أوضح الحدود التي بها يتميز أهل الإيمان الواجب من أهل الفسق والظلم والفجور والنفاق، ما جاء في قول الحق سبحانه وتعالى: (وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ). الحجرات (11)

فهذه الآية من الآيات العظيمة المبينة لحقيقة الإيمان. واسم الظالم كاسم الفاسق، والفاجر، وهي أسماء تشمل الكفر وما دونه، بخلاف اسم المجرم مثلا، فإنه يأتي في القرآن الكريم مرادفا لاسم الكافر١، ولهذا كانت تلك الأسماء من اسم الظالم والفاسق والفاجر تقابل الإيمان الواجب.

وفي هذا المعنى يقول ابن القيم عليه رحمة الله: وقد قسم الله خلقه إلى قسمين لا ثالث لهما: تائبين وظالمين، فقال: وَمَن لَّمْ يَتُب فَأُوْلَبِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الحجرات: ١١]، وكذلك جعلهم قسمين: معذبين وتائبين، فمن لم يتب فهو معذب ولا بد، قال تعالى: ﴿لَيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنَفِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ﴾ [الأحزاب: ٧٣].

وأمر جميع المؤمنين من أولهم إلى آخرهم بالتوبة، فلا يستثنى من ذلك أحد، وعلق فلاحهم بها، قال تعالى: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: ٣١].

وعدد سبحانه من جملة نعمه على خير خلقه وأكرمهم عليه، وأطوعهم له، وأخشاهم له، أن تاب عليه وعلى خواص أتباعه، فقال: ﴿لَقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ تَزِيعُ قُلُوبُ فَرِيقِ مِنْهُمْ ) [التوبة: ۱۱۷]، ثم كرر توبته عليهم، فقال: ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَّحِيمٌ ) . وقدم توبته عليهم على توبة الثلاثة الذين خلفوا وأخبر سبحانه أن الجنة التي وعدها أهلها في التوراة والإنجيل والقرآن إنما يدخلها التائبون، فذكر عموم التائبين أولا، ثم خص النبي والمهاجرين والأنصار بها، ثم خص الثلاثة الذين خُلفوا، فعلم بذلك احتياج جميع الخلق إلى توبته عليهم، ومغفرته لهم، وعفوه عنهم.

وقد قال تعالى لسيد ولد آدم، وأحب خلقه إليه: ﴿عَفَا اللَّهُ عَنكَ ) [التوبة: ٤٣]، فهذا خبر منه سبحانه - وهو أصدق القائلين ، أو دعاء لرسوله بعفوه عنه، وهو طلب من نفسه.

وقال رحمه الله في موطن آخر: ولما كانت التوبة هي رجوع العبد إلى الله ومفارقته لصراط المغضوب عليهم والضالين، وذلك لا يحصل إلا بهداية الله إلى الصراط المستقيم، ولا تحصل هدايته إلا بإعانته وتوحيده، فقد انتظمتها سورة الفاتحة أحسن انتظام، وتضمنتها أبلغ تضمن فمن أعطى الفاتحة حقها - علماً وشهوداً وحالاً ومعرفة - علم أنه لا تصح له قراءتها على العبودية إلا بالتوبة النصوح فإن الهداية التامة إلى الصراط المستقيم، لا تكون مع الجهل بالذنوب، ولا مع الإصرار عليها . فإن الأول جهل ينافي معرفة الهدى، والثاني غي ينافي قصده وإرادته ، فلذلك لا تصح التوبة إلا بعد معرفة الذنب، والاعتراف به، وطلب التخلص من سوء عواقبه أولاً وآخراً)). انتهى

وإذا كان الأمر كذلك، فإن التحقق بالإيمان الواجب أبعد ما يكون عن أهل المعاصي الذين لا يعترفون بمعاصيهم، بل قد يسمونها طاعات وقربات، وذلك كأهل البدع على اختلاف أنواعها، فإنهم أبعد الناس عن الإيمان الواجب، بل هم أقرب إلى النفاق منهم الإيمان، وذلك بحسب بدعهم، فكلما تغلظت البدعة وأصر عليها صاحبها وعاند بها نصوص الكتاب والسنة، ابتعد بقدر ذلك عن الإيمان، واقترب من النفاق.

ومثل أهل البدع أو قريب منهم؛ أهل الكبائر الباطنة من الكبر والعجب، والشرك الخفي، وما إلى ذلك من الكبائر الخفية، فإن التوبة من هذه الذنوب عسيرة جدا، والإصرار عليها ملازم لقلب صاحبها حتى قد صارت خلقا له، مع إنكاره في نفسه لها، وتظاهره بالخلو منها، فمن لم يفتش نفسه، ويحاسبها في هذا الموطن حسابا شديدا، ويراقب قلبه فيه مراقبة ناصح مشفق على نفسه، لم يوفق للتوبة والبرآءة من هذه الكبائر، وابتعد بقدر ما عنده منها عن التحقق بالإيمان الواجب، ولذلك جاء في الحديث أنه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر.

وكما أن التوبة أول درجات الإيمان الواجب، فهي كذلك آخر المنازل فيه، فهي أول الطريق وأوسطه وآخره، وفي ذلك يقوم ابن القيم رحمه الله: اعلم أن التوبة نهاية كل عارف، وغاية كل سالك، وكما أنها بداية فهي نهاية، والحاجة إليها في النهاية أشد من الحاجة إليها في البداية، بل هي في النهاية في محل الضرورة.

Читать полностью…

⚖الميزان⚖

بسم الله الرحمن الرحيم

إن نظام النقد العالمي، وهو النظام المبني على الدولار كعملة أساس، وعلى قاعدة النقد الورقي الإلزامي؛ نظام في غاية الظلم والفساد، ومع ظلمه وفساده فإنه بات يترنح منذ مدة من الزمن، وهو يوشك على الانهيار فوق رؤوس أهله ومن معهم!.

وما هذه الفوضى المالية المنتشرة هذه الأيام، والحرب التجارية المستعرة بين أكبر اقتصادين في العالم إلا نذر كارثة عظيمة ستحل قريبا بسبب فساد هذا النظام المتمثل في كلمة واحدة وهي (الربا).

وللأسف فإن المسلمين ليسوا بمأمن عن هذه الكارثة، بل هم مشاركون - نظريا وعمليا - بقسط وافر من هذا الربا الذي أذن الله فيه بالحرب على أهله!.

ومصيبة هذا النظام الربوي الذي ابتلينا به، وتلك الحقائق عن ظلمه العظيم، وفساده المستشري، وقرب انهياره، وما سيجره هذا الانهيار من كوارث في الأموال والممتلكات وحتى في الأنفس والأرواح؛ لم تعد خافية على أحد تقريبا، اللهم إلا العلماء وطلبة العلم السلفيين فقط، فإنهم في سبات من كل ذلك..!!

فإن كانوا على علم ومعرفة بهذه الحقائق، فالمصيبة أعظم، فإننا لا نراهم يحركون ساكنا، ولا يفكرون حتى في النظر والبحث عن المعرفة الشرعية اللازمة لمواجهة هذا الخطر الداهم، ولا يتلمسون الطريق العلمي الذي يرفع هذا الظلم بتحقيق أحكام الله نظريا وعمليا، وينشر العدل الذي قام به شرع الله بين أمم الأرض جميعا، ولا يبحثون على أقل تقدير على ما ينقذ أموالهم وأموال المسلمين قبل حلول الكارثة، وكأنهم من الذين قال الله فيهم: (وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا ۖ قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ).

فهذه الحرب (حرب الربا) ألزم وأوكد على المسلمين أمام أعدائهم الرأسماليين المرابين الذين طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد، من أي حرب أخرى، وهي أول حرب يجب أن يخوضها المسلمون ليردوا عادية قتلة الأنبياء وأكلة الربا، أبناء القردة والخنازير، وليستردوا أوطانهم المسلوبة، وكرامتهم المنتهكة. وهي توفر على ولاة أمر المسلمين جهودا كثيرة، وتمنحهم قوة سياسية واقتصادية وعسكرية يستطعون بها مواجهة ما يعترضهم من الحروب الأخرى.

وإن التولي عن هذه الحرب من قبل العلماء وطلبة العلم لهو من الخيانة العظيمة لله ولرسوله، وللعلم الذي عندهم من الله، وقد قال الله تعالى: ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ )
آل عمران (187).

ولقد نشر هذا المقال (ربا الفضل في الورق النقدي ) منذ مدة من الزمن على هذه القناة، وأظن أنه لو نُشر بين الحزبيين الحركيين لربما كان له شأن آخر، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وبالرغم من هذه الصورة القاتمة التي تبعثها حال الصف السلفي اليوم، وما عليه من الضعف والتفكك، وسيطرة الأهواء النفسية، وفشو الخيانة فيه، وكثرة الخلافات والتنازع المؤدي إلى الهزيمة، وانتشار الأنانية والمزاجية وحب النفس وإثارها على الحق، وترك الأمر بالمعروف، والتعاون على البر، مع أن هذا الصف هو الصف الذي يرجى للوقوف في هذه الحرب وغيرها من حروب الإسلام؛ بالرغم من كل ذلك فأنا علي يقين أن الإسلام هو الذي سيزيل هذا النظام الربوي الظالم، وينشر العدل النقدي بين أمم الأرض، ليتحقق وعد الله كما في قوله تعالى:( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ). فصّلت (53). ولكن يبقى السؤال: من من المسلمين الذي سيقوم بهذا؟!

وأنا على يقين أيضا، أن هذا الحكم الشرعي المتعلق بربا الفضل في الورق النقدي، والمقرر في هذا المقال، سيكون من أعظم أسلحة هذه الحرب، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ )
يوسف (21)

Читать полностью…

⚖الميزان⚖

‏صورة من أبو عمر عبدالسلام الأمين

Читать полностью…

⚖الميزان⚖

فما أن يقع خلاف بين اثنين حتى يحوله كثير من السلفيين إلى خلاف منهجي، مع أنه قد يكون خلافا على دنيا، أو في أمور تنظيمية، أو حتى أخطاء صدرت من هذا الطرف أو ذاك، ولكنها أخطاء عملية وليست علمية، ومع ذلك فلا يرضى الكثير بحصر هذا الخلاف في إطاره الصحيح، بل لا يرضون حتى بجعله خلافا علميا، حتى يجعلوه خلافا منهجيا يوالى ويعادى عليه.

ثم ليتهم يحصرون هذا الخلاف الذي غالوا فيه حتى جعلوه منهجيا؛ في ساحة الخلاف والردود فقط، بل للأسف الشديد سرعان ما ينتقل هذا الخلاف من ساحة الردود، إلى ساحة التحذير والتجريح وحتى الطعن والتبديع، وما يتبع ذلك من الهجر والتقاطع والتدابر والإقصاء وما إلى ذلك مما لو تفكروا فيه بإنصاف وتجرد وصدق مع الله، لعلموا أنها ذنوب ومعاصي ألبسوها زورا وكذبا على الله ودينه - لباس البر والتقوى، والغيرة على الدين والقوة في المنهج.

وإذا وصلوا إلى هذا الدرك من الخلاف، لا يتركهم الشيطان فيه حتى ينقلهم إلى الساحة الأخيرة منه، وهي ساحة التصنيف والإلحاق والتحزب، ليصدق فيهم قول الله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ).

والقانون في هذه المرحلة: إذا لم توافقنا في التحذير من فلان فأنت ملحق به، وإذا لم تكن معنا فأنت ضدنا، وإذا لم تبين موقفك من فلان فأنت مثله أو شر منه!!. فيصير السلفيون أحزابا متناحرة، وشيعا متصارعة، لا يسلم بينهم الساكت بسكوته، ولا يُسمع المتكلم فيهم إذا تكلم بالحق. والله ورسوله والمنهج السلفي برآء من هذا العبث الذي جعل السلفيين أضحوكة على ألسن أهل البدع والأهواء.

ويبدو أن الشيخ ربيع نفسه قد تنبه لهذا الإنحراف الذي يصر البعض على جر الدعوة السلفية إليه، فصار يحذر كثيرا من الخلاف وأسبابه، ويدعو إلى التآلف والتراحم بين الدعاة إلى الله وطلبة العلم، ولكن للأسف الشديد لم يستطع أن يكف السفهاء الذين أحاطوا به عن هذا الطريق الوخيم، بل وقع ما هو أشد، حيث استطاع هؤلاء السفهاء جر الشيخ بنفسه إليه، وذلك بالتحريش بينه وبين الشيخ محمد بن هادي حفظه الله، وإيقاع الخلاف بينهما، وقد نتج عن هذا الخلاف شرور عظيمة في بلاد كثيرة من بلاد المسلمين.

وإذا عدنا إلى خطئي الشيخ ربيع في هذه الفتنة، فقد ظهر بين السلفيين ما يشبه التخريج على المذهب، فتُبنى الطعون قياسا على طعن الشيخ ربيع فيمن طعن فيهم من العلماء في هذه الفتنة، وهذا يشير إلى أن خطأ الطعن في عالم سلفي ثبتت سلفيته بيقين، بناء على مسألة اجتهادية أخطأ فيها، أو أصر على خطئه فيها، كمسائل الجرح والتعديل قد يكون أشد من خطأ المطالبة بالأدلة على الجرح، لا سيما أنه قد يفهم من بعض تقريرات الشيخ ربيع في هذه الفتنة وربما قبلها، أن المخطئ إذا أصر على خطئه بعد البيان والنصح، فإنه يُجرح ويطعن فيه، هكذا بإطلاق، دون التفريق بين الخطأ في الأصول التي لا تحتمل الخلاف، وبين الخطأ في المسائل الاجتهادية التي يقع فيها الخلاف ولابد، بل ويقع فيها الإصرار على الخطأ ممن وقع فيه.

وما من شك في أن هذا خطأ بين، وزلة عظيمة من الشيخ ربيع. وربما كان سببا فيما نراه اليوم من انتشار الخلافات بين السلفيين، وتضخمها، وخروجها عن أدب الخلاف المرعي عند السلف، وعن الرحمة التي تميز بها أهل السنة عن غيرهم من أهل البدعة والفرقة والخلاف، ومن الكلمات الجميلة للعلامة الكبير المعلمي رحمه الله، قوله: والعالم قد يقصّر في الاحتراس من هواه ويسامح نفسه فتميل إلى الباطل، فينصره وهو يتوهم أنه لم يخرج من الحق ولم يعاده. وهذا لا يكاد ينجو منه إلا المعصوم، وإنما يتفاوت العلماء، فمنهم من يكثر الاسترسال مع هواه، ويفحش حتى يقطع من لا ‏يعرف طباع الناس ومقدار تأثير الهوى بأنه متعمد، ومنهم من يقل ذلك منه ويخف. الآثار (320/2).

وهذا كلام نفيس، جمع بين التحذير من زلات العلماء، وبيان خطورتها لكونها قد تنتج من الاسترسال مع الهوى، وبين الإعتذار للعلماء بنفي العصمة عنهم وجريان الطباع البشرية عليهم كما تجري على سائر البشر، كما في القول المشهور عن معاذ رضي الله عنه وفيه: " ﻭﺃﺣﺬﺭﻛﻢ ﺯﻳﻐﺔ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ; ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻗﺪ ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﻀﻼﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎﻥ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ، ﻭﻗﺪ ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻖ ﻛﻠﻤﺔ ﺍﻟﺤﻖ " . ﻗﻠﺖ ﻟﻤﻌﺎﺫ : ﻣﺎ ﻳﺪﺭﻳﻨﻲ ﺭﺣﻤﻚ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻗﺪ ﻳﻘﻮﻝ ﻛﻠﻤﺔ ﺍﻟﻀﻼﻟﺔ ﻭﺃﻥ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻖ ﻗﺪ ﻳﻘﻮﻝ ﻛﻠﻤﺔ ﺍﻟﺤﻖ ؟ ﻗﺎﻝ ﻟﻲ: ﺍﺟﺘﻨﺐ ﻣﻦ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺍﻟﻤﺸﺒﻬﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻘﺎﻝ ﻣﺎ ﻫﺬﻩ ، ﻭﻻ ﻳﺜﻨﻴﻚ ﺫﻟﻚ ﻋﻨﻪ، ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻌﻠﻪ ﻳﺮﺍﺟﻊ، ﻭﺗﻠﻖ ﺍﻟﺤﻖ ﺇﺫﺍ ﺳﻤﻌﺘﻪ، ﻓﺈﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻖ ﻧﻮﺭﺍ.

قال الشيخ ربيع معلقا على الأثر السابق: " الحكيم " يعني: العالم الذي أوتي الحكمة، { يؤتى الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وما يذكر إلا أولوا الألباب }، فأوتي خيراً كثيراً، لكنه ليس بمعصوم من الزلل، فالحذر الحذر من زلات العلماء، وربما تكون زلة العالم خطيرة، لأنه ينظر إليه بمنظار إجلال وإكبار، فيجب أن يحذر من هذه

Читать полностью…

⚖الميزان⚖

ويل للأتباع من عثرات العالم




بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه. وقد كنت قبل مدة من الزمن أعددت مقالا كنت أراه آخر ما يجب أن يقال في فتنة الصعافقة، ثم تركته وتشاغلت عنه، وقد بدا لي اليوم أن أنشره ليكون آخر القول في هذه الفتنة إن شاء الله تعالى، وعسى أن نكون به من الداخلين والعاملين بالحديث النبوي الشريف آنف الذكر.

وبعد، فقد جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تُعرَضُ الفِتَنُ على القُلوبِ عَرْضَ الحَصِيرِ عُودًا عُودًا ، فأيُّ قلبٍ أُشْرِبَها نُكِتَتْ فيه نُكتةٌ سَوداءُ ، وأيُّ قلبٍ أنْكَرَها نُكِتَتْ فيه نُكتةٌ بيضاءُ ، حتى يصِيرَ القلبُ أبيضَ مثلَ الصَّفا ، لا تَضُرُّه فِتنةٌ ما دامَتِ السمواتُ والأرضُ ، والآخَرُ أسودَ مُربَدًّا كالكُوزِ مُجَخِّيًا ، لا يَعرِفُ مَعروفًا ، ولا يُنكِرُ مُنكَرًا ، إلا ما أُشْرِبَ من هَواه)).

وهذا الحديث دال على كثرة الفتن التي تعرض على القلوب، وأنه لا يسلم منها أحد، حكمة العليم الخبير سبحانه، ليميز الخبيث من الطيب. وكما أن من الفتنة أن يأتيك الحق ممن لا تعرف، أو ممن تكره، أو ممن تراه أقل منك، كما في قوله تعالى:
( وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ). الزخرف (31)

فكذلك من الفتن التي تعرض على القلوب أيضا، الفتنة بمكانة العالم والإمام الكبير، ومن له المنزلة العظيمة والمكانة الرفيعة، كما جاء عن عمار بن ياسر أنه قال: وَاللَّهِ إنَّهَا لَزَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ، ولَكِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى ابْتَلَاكُمْ؛ لِيَعْلَمَ إيَّاهُ تُطِيعُونَ أمْ هي. يعني بذلك عائشة رضي الله عنها لما خرجت مع طلحة والزيير رضي الله عنهم جميعا.

ولا يخفى أن من هذا الباب ما وقع من الفتنة بمكانة الشيخ ربيع ومنزلته، حتى بلغ الافتتان بها لدى البعض أن أودت بهم إلى حد الشرك بالله، وهو شرك الطاعة، وتحليل الحرام وتحريم الحلال بناء على أقوال العلماء المجردة عن الدليل، بل بناء على أخطاءهم وزلاتهم التي يعلم من يقلدهم فيها في قرارة نفسه أنهم أخطأوا وجانبهم الصواب فيها، كما في قوله تعالى:( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ). التوبة (31) . وراجع لمعرفة هذا الشرك مقال الانتصار لتوحيد الملك الديان في هذا الرابط: /channel/alkouneni/2473


وقد يظن ظان أن هذه الفتنة أصابت من قلد الشيخ ربيع وتعصب لموقفه فيها فقط، على اختلاف درجاتهم في ذلك، بين الغالي فيها الذي بلغت به حدود الشرك، والذي اقترف بسببها أنواعا من الموبقات المهلكات من الكذب على الله وعلى كتابه ودينه، ومن السعي في إضلال الخلق وصدهم عن الحق، وتزيين الباطل لهم، ومن البغي والعدوان والتطاول على ثلة من العلماء وطلبة العلم، ومن القيام على زرع الفرقة ونشر العداوة بين المسلمين ... إلى غير ذلك من الجرائم؛ وبين من هم دون ذلك ممن لا يحصي مبلغ الفتنة فيهم إلا الله عز وجل، وقد يضاف لهم من سكت في هذه الفتنة عندما لزمه الكلام فيها، وهؤلاء أدرى بأنفسهم، فمنهم الناجي حقا بسكوته، ومنهم المفتون الذي يظن أنه من الفتنة نجا بسكوته واعتزاله، وهو ساقط فيها ولا يدري، وما ذاك إلا لأن دوافع سكوته، دوافع نفسية سفلية من حفاظ على مكانة، أو خوف من أذى، أو غير ذلك من الدوافع التي لا تعصمهم من الفتنة التي ما أشبهها بالفتن التي تدع الحليم حيران ..

ولذا فإن هذه الفتنة قد أصابت فوق من ذكروا كلهم جميعا، قوما آخرين، وهم بعض من لم يوافق الشيخ ربيع في موقفه، بل ردوا عليه خطأه، ولكنهم خلطوا موقفهم هذا بشوائب من الأخطاء والإنحرافات والتصرفات النفسية السفلية التي يخشى أن تبلغ عند البعض منهم حد الصد عن سبيل الله، عياذا بالله العظيم من ذلك.

ودون هذا الحد منازل أخرى من الفتن لا يعلمها إلا من قلوب العباد بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء سبحانه، من هذه المنازل من الفتن منزلة البخل والشح على الخير، فتجد المفتون فيها عاجزا عن قولة الحق وتأييده ونصرته ولو بالإشارة إليه فقط، وهذا من الشح الذي جبلت عليه النفوس إلا من زكى نفسه وطهرها وأخلصها لله. قال تعالى: ( وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ ۚ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا )
النساء (128)

Читать полностью…

⚖الميزان⚖

قال ابن الجوزي رحمه الله :
معرفة الله بأصول ثلاثة

Читать полностью…

⚖الميزان⚖

يناصرونهم في باطلهم، ويتبعونهم مع ما يرون من آيات نفاقهم واضحة جلية، بعضها مسجلا بأصواتهم المسربة عنهم!!

والمقصود هنا التحذير من النفاق بشكل عام، لا عند الصعافقة فقط، فإن المطلع على أحوال الساحة الدعوية يدرك أن هذا الداء هو أشد ما أثر في هذه الدعوة المباركة تأثيرا عظيما، وفت في عضد أتباعها، حتى تفرقوا وتمزقوا وأبغض بعضهم بعضا وعادى بعضهم بعضا .. وهذا الحال لا يخفى على المتأمل إن كان صادقا

وإن من الكلمات النيرات التي قد تسهم في علاج هذا الداء ما قاله شيخ الإسلام عن حقيقة صلاح الإنسان، حيث يقول: وليس صلاح الإنسان في مجرد أن يعلم الحق، دون ألا يحبه ويريده ويتبعه. كما أنه ليس سعادته في أن يكون عالما بالله، مقرا بما يستحقه، دون أن يكون محبا لله، عابدا لله، مطيعا لله، بل أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه، فإذا علم الإنسان الحق وأبغضه وعاداه، كان مستحقا من غضب الله وعقابه، ما لا يستحقه من ليس كذلك، كما أن من كان قاصدا للحق طالبا له - وهو جاهل بالمطلوب وطريقه - كان فيه من الضلال، وكان مستحقا من اللعنة - التي هي البعد عن رحمة الله - ما لا يستحقه من ليس مثله، ولهذا أمرنا الله أن نقول:( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) ( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ).

والمغضوب عليهم علموا الحق فلم يحبوه ولم يتبعوه، والضالون قصدوا الحق لكن بجهل وضلال به وبطريقه، فهذا بمنزلة العالم الفاجر، وهذا بمنزلة العابد الجاهل، وهذا حال اليهود فإنه مغضوب عليهم، وهذا حال النصارى فإنهم ضالون. انتهى كلامه رحمه الله.

ولذلك فإن أكثر الفساد الواقع بين السلفيين اليوم هو من جهة فساد الإرادة لا من فساد العلم، والنفاق لا يتولد من شيء كتولده من فساد الإرادة، بل نهاية فساد الإرادة هو عبادة الهوى، كما قال تعالى: ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ )
الجاثية (23).

والله نسأل أن يهدينا وإياهم صراطه المستقيم، وأن يجنبنا مضلات الفتن، وأن يعيذنا من النفاق والشقاق وسيء الأخلاق إنه سميع مجيب وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه أجمعين.

Читать полностью…

⚖الميزان⚖

وإذا كان التحويل من قبلة بيت المقدس إلى قبلة المسجد الحرام؛ وهو انتقال من حكم شرعي منسوخ، إلى حكم شرعي ناسخ، ومع ذلك كان فيه من الفتنة ما كان، وقد وصفه الله بقوله: (وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله)، فكيف بالانتقال عن حكم كان يظن أنه حكم شرعي، فتبين بطلانه، وبعده عن أحكام الشرع، لا شك أن الفتنة في هذا تكون أشد، لا سيما وأن في ضمن ذلك الإقرار على النفس أو على المعظمين عندها بالخطأ، وهو الأمر الذي يشق على النفوس الضعيفة، ويصعب إلا على من هدى الله. قال عز وجل: ( لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ۗ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ )( وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ).

وهذه الفتنة - فتنة تحويل القبلة - من الفتن التي ظهر فيها الفرق الشاسع، والبون الهائل بين تصرف أهل الإيمان في الفتن، وتصرف أهل النفاق والريب ومرض القلوب، فإن أهل مسجد قباء جاءهم خبر تحويل القبلة وهم في الصلاة، فاستداروا وهم في صلاتهم راكعون، حتى توجهوا شطر المسجد الحرام، وهذا من أجمل وأرقى صور الخضوع والانقياد والاستسلام لأمر الله وأمر رسوله، فشتان ثم شتان بين هذا وبين من قال ما بال محمد يوجههنا مرة هاهنا ومرة هاهنا!.

٣- وقال الله تعالى في سورة التوبة، التي تسمى بالفاضحة، والمبعثرة، والمخزية، والمقشقشة، والمشردة، والمثيرة، والحافرة، والمنكلة، والمدمدمة، لكثرة ما نزل فيها من أوصاف المنافقين ونعوتهم، حتى قال الصحابة رضوان الله عليهم ظننا أن الله سيسميهم بأسمائهم فيها، فمما ذكر الله من خبرهم فيها قوله: ( وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلَا تَفْتِنِّي ۚ أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا ۗ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ )
التوبة (49).

وقد نزلت هذه الآية في الجد بن قيس حيث اعتذر عن الخروج إلى تبوك بعذر عجيب، فإنه زعم أنه إن خرج فرأى نساء بني الأصفر، لم يصبر عنهن، وكان في ذلك فتنة له، فقال الله تعالى: (أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا ۗ) فإن فتنة التخلف عن رسول الله والتولي عن قتال المشركين أعظم مما يتوهمه هو من الفتنة، ثم تلك فتنة متوهمة، والتي وقع فيها فتنة متحققة، فكيف يرتكب المفسدة المحققة لتوقي مفسدة مظنونة قد تقع وقد لا تقع!

وتأمل في أحوال بعض طلبة العلم الذين يداهنون في الحق، ويجاملون حزبهم وجماعتهم وهو يرون من خيانتهم وإفسادهم ما يرون، ومع ذلك يثنون عليهم ويزكونهم، ويتركون عامة السلفيين فرائس في أيدي هؤلاء المفسدين يعبثون بدينهم كما يشاؤون، بينما يزعم هؤلاء أن التصدي لهم سيعرضهم إلى الفتن التي لا قبل لهم بها، فإذا سألت عن هذه الفتن، وجدتها إما فقد وظيفة من إمامة أو خطابة أو وعظ، أو فقدان جاه ومكانة بسبب تحريش الصعافقة وتحريضهم عليهم، وما شاكل هذه الأعذار

أفلا ترى أن هذه الأعذار تخرج من ذات النفق المظلم من أنفاق النفاق، نفق الجد بن قيس!! وهو نفق التولي عن طاعة الله وترك القيام بحقه، واختلاق الأعذار الواهية التي لا تغني من الله شيئا، ولو أنهم توكلوا على الله حق التوكل في القيام بأمره، ونصرة دينه، لنصرهم الله وأيدهم، من حيث يشعرون أو لا يشعرون.

٤- ومن أنواع النفاق أيضا، ما جاء في قوله تعالى في سورةالتوبة :( وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ ) ( فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ )( فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ )( أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ).

وتأمل في قوله: فأعقبهم نفاقا) ففيه أشارة أنهم قبل ذلك لم يكونوا منافقين، وكذلك في قوله: (إلى يوم يلقونه) وهذا من أشد العقوبات، وهو أن يطبع على قلبه، ويختم عليه بهذا النفاق حتى يلقى الله به، ولذلك جاء في تفسير السعدي رحمه الله أنه قال: (وهذه الآيات نزلت في رجل من المنافقين يقال له ‏{‏ثعلبة‏}‏ جاء إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسأله أن يدعو اللّه له، أن يعطيه الله من فضله، وأنه إن أعطاه، ليتصدقن، ويصل الرحم، ويعين على النوائب، فدعا له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فكان له غنم، فلم تزل تتنامى، حتى خرج بها عن المدينة، فكان لا يحضر إلا بعض الصلوات الخمس، ثم أبعد، فكان لا يحضر إلا صلاة الجمعة، ثم كثرت فأبعد بها، فكان لا يحضر جمعة ولا جماعة‏.‏

Читать полностью…

⚖الميزان⚖

التحذير من خطر النفاق



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله؛ يحب الصادقين، ويتولى الصالحين، ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين، الذي جاهد في الله حق جهاده، فبلغ البلاغ المبين، وجاهد الكفار والمنافقين، وعبد ربه حتى أتاه اليقين.

أما بعد فإن الله تعالى عز وجل، ضرب للمنافقين مثلين في كتابه العزيز، الأول في قوله تعالى: ( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَّا يُبْصِرُونَ )( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ).

وأما الثاني فهو قوله عز وجل: ( أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ ۚ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ )( يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ ۖ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُم مَّشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ).

فالأول - كما ذكر شيخ الإسلام- مثل لمن آمن ثم كفر، فهو كقوله تعالى: ( ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ) فهو مثل لمن أبصر ثم عمي، وعرف ثم أنكر، ودخل في الإسلام ثم فارقه بقلبه. وأما الثاني فهو مثل لمن لا يزال في ريبه يتردد، تتلى عليه الآيات البينات فلا يخشع لها، ولا يطمئن بها، مقيم على حاله من الشك والريب والنفاق، لا يبغي عنه حولا، لا لأن هذه الآيات لا تفيد ذلك، بل لأنه هو الذي غلبت عليه شقوته فلا يريد أن يتزحزح عن ريبه ونفاقه حتى يأتيه الموت وهو على هذاالحال البئيس، ولذلك فإن ما في هذه الآيات من الحق المبين والنور الساطع يزعجه ويرعبه، كالبرق الذي يكاد يخطف بالأبصار...

وبهذا يعلم أن النفاق ليس شيئا واحدا، وهو من كان مبطنا للكفر ثم أظهر الإسلام بعد ذلك لمجرد الرغبة والرهبة من المسلمين فقط، بل قد يكون المنافق مؤمنا في أول أمره، ثم ينسلخ من الإيمان شيئا فشيئا، وينحط في دركات النفاق دركة بعد أخرى، ويتردى في شعب النفاق شعبة شعبة حتى ينسلخ من الإيمان بالكلية وهو لا يشعر، بل قد يحسب مع ذلك أنه على شيء.

١- قال الله تعالى: (هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان ) قال ابن كثير رحمه الله: استدلوا به على أن الشخص قد تتقلب به الأحوال، فيكون في حال أقرب إلى الكفر، وفي حال أقرب إلى الإيمان). اه

وقد نزلت هذه الآية في الذين انخذلوا يوم أحد مع عبدالله بن أبي بن سلول، وكانوا نحو ثلاثمة رجل، ساروا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى بلغوا منتصف الطريق بين أحد والمدينة، فقال رأس المنافقين ابن سلول: يدع رأيي ورأيه ويأخذ برأي الصبيان، فرجع، ورجع معه هؤلاء، وقالوا علام نقتل أنفسنا هاهنا، وذلك أن رأي ابن سلول كان موافقا لرأي النبي صلى الله عليه وسلم، وهو بأن يبقوا في المدينة، ويقاتلوهم فيها إذا دخلوا عليهم في الأزقة ومن فوق السطوح، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستشير أصحابه، فلما استشارهم في الخروج إليهم كان من لم يشهد بدرا من الصحابة يريد الخروج إليهم، فأشاروا عليه بذلك، فكان ما قضاه الله وقدره من وقعة أحد، وما فيها من الدروس والعبر والمصالح العظيمة، والتي منها انكشاف أمر المنافقين.

وهؤلاء الذين انخذلوا مع رأس المنافقين لم يكونوا كلهم قبل ذلك من المنافقين الخلص، - كما يقول ذلك شيخ الإسلام- ولكن كان إيمانهم ضعيفا، فلما جاءت الفتن، وامتحنوا، ظهر نفاقهم وغلب عليهم حتى غطى ما كان معهم من إيمان، ومما استدل به شيخ الإسلام على أن هؤلاء لم يكونوا قبل ذلك من المنافقين، قوله تعالى: هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان، فدل ذلك أنهم قبل ذلك لم يكونوا كذلك، بل يقول شيخ الإسلام إن هؤلاء لو ماتوا قبل ذلك لماتوا على شيء من الإيمان الذي يوجب لهم النجاة على أية حال، لكن لما جاءت الفتن، ولم يقووا على الصبر والثبات فيها، ارتدوا على أعقابهم خاسرين.

وهذا يجلي حقيقة مهمة، وهي أن النفاق يظهر عند الفتن. فكم من مستور الحال إذا جاءت الفتن غلب على قلبه النفاق، وتبين أنه على شعبة من شعبه، ربما هو نفسه كان لا يشعر بها، فإن أدركته رحمة الله وتدارك نفسه بتوبة نصوح، وجاهد نفسه على تزكيتها من هذه الشعبة من النفاق، وذلك بقبول الحق تصديقا في الخبر، وامتثالا في الأمر، وإصلاحا لما وقع بسببه من شر وفساد، وإلا ظل هذا النفاق يتعاظم في قلبه شيئا فشيئا حتى ينسلخ من الإيمان وهو لا يشعر. أو يدركه الموت وفي قلبه من النفاق ما الله به عليم.

Читать полностью…

⚖الميزان⚖

وهذا بخلاف الأقوال الأخرى، فمع بعدها عن الاعتبارات الشرعية، فهي لا تحقق أي مقصد شرعي، بل فيها اعنات وتكليف بما لا يطاق، أو بما فيه مشقة كبيرة، حيث أن من يقول إن ولي الأمر هو هذا الطرف أو ذاك، فهو في الحقيقة يطلب من المسلمين الذين هم في مناطق الطرف الآخر موالاة خصوم التشكيلات المسيطرة على جهتهم والخروج على تلك التشكيلات، أو عدم طاعتها أو الدخول في شيء من خططها على أقل تقدير، وهذا اعنات للمسلمين وحملهم على مشاق لا موجب لها شرعا، والله تعالى أعلم.

أما إذا قيل إن كل من استولى على جهة فهو ولي الأمر الشرعي فيها، فهذا ليس إلا استعجالا للشر قبل وقوعه، وتحقيقا لمخططات الكفرة الساعية إلى تقسيم البلاد والتفريق بين أهلها. ولو أن الانقسام يقف عند القسمة الثنائية فقط، لكان - مع شدته وثقله - هينا أمام ما يخشى من أن يكون هذا الانقسام بابا لمزيد من الانقسامات وبعث النعرات الطائفية الانفصالية. ونسأل الله أن لا يقع شيء من ذلك، وأن يحفظ هذا البلد المسلم وأهله، وأن يقيم فيه حكما شرعيا دستوره كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأكملان الأتمان على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.


---------------------------------------------------------------

*- مع أن الواقع يقول أن هذه البعثة لا تريد استقرار البلد واستعادتها لسيادتها، ولو بنظام ديمقراطي، بل يريدون أن تستمر في السير في مشروعهم الأول الذي رسموه لها ولغيرها من الدول العربية، وهو ما سموه بالفوضى الخلاقة، وهم يرون أن حصاد هذه الفوضى في ليبيا لم ينته بعد، ويمكن أن ينتج مزيدا من الضعف والتقهقر والذلة للمسلمين في هذا البلد، وأقل ذلك أن ينقسم هذا البلد ويتشظى إلى دويلات قزمية لا تملك من أمرها شيئا، بل يكون أمرها بيد من صنعها من دول الكفر في الغرب والشرق.

وإنك لتأسف وتحزن أشد الحزن، عندما تعلم أن هذه البعثة ساعية بجد في هذا الطريق، قد حققت ولا تزال تحقق فيه نجاحات كبيرة، وتزداد أسفا وحزنا عندما تعلم أنها لا تبذل في هذا جهدا، ولا تنفق كثير مال في تحقيق هذا النجاح، بل تعتمد على طبيعة الفساد في المجتمع فقط، كمن يريد إسقاط حجر كبير من أعلى الجبل، فإنه لا يحتاج إلا إلى تحريكه فقط، حتى يبدأ بالتدحرج، ثم الاستمتاع بمشاهدته وهو يسير نحو الهاوية، وهذا بالضبط ما تفعله البعثة الأممية، مع وقوفها في وجه من يحاول إيقاف هذا السقوط فقط.

فمتى يستيقظ المصلحون في هذا البلد، ويتداركوا هذا البلد المسلم، بعد أن يدركوا الواجب الشرعي المناط بهم أولا، هذا إن كان للمصلحين وجود فيه أصلا، وصدق من قال:

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة لهم إن جهالهم سادوا
تهدى الأمور بأهل الرشد ما صلحت ... فإن تولوا فبالأشرار تنقاد

Читать полностью…

⚖الميزان⚖

بسم الله الرحمن الرحيم


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد، فلا يخفى على المؤمن البصير أننا نعيش في ذلك الزمان الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم؛ زمان رفع العلم، وفشو الجهل وانتشاره، كما في الحديث: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من صدور العلماء، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبقي عالما، اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا"

وإن بلاد ليبيا تعاني الأمرين من هذه الحال، فهي أشد البلاد فقرا وجدبا من العلماء، مع كثرة الجهلة والسفهاء المتسلطين فيها، وهي فوق ذلك من أشد البلاد حاجة بل وضرورة إلى العلماء، وذلك بسبب ما تعاني منه الآن من الفوضى السياسية التي لا مخرج آمن منها إلا بشرع الله، وتطبيق أحكامه التي يقررها العلماء، وهذا أمر يجب أن يكون مسلمة شرعية؛ عند السلفيين على أقل تقدير، ولكن لتعلم مدى مبلغ الفتنة في هذا البلد، فإن بعض السلفيين - فضلا عن غيرهم - بدأ يتمنى قيام الديمقراطية في هذا البلد، والخروج من هذه الفوضى ولو بحكم ديمقراطي تستتب له الأمور، فأصبح المؤمن يتمنى الكفر وعلوه من شدة ما هو واقع من الفتن التي لا كاشف لها إلا الله.

وهذا ليس تبريرا لهذا التمني الباطل الذي قد يهوي به صاحبه في دركات من الضلال، عياذا بالله، بل هو تحذير منه، وبيان أن اعتماد العلماء لبعض الأنظمة الديمقراطية إذا تغلبت واستتب لها الأمر ليس من قبيل الرضى بالكفر، ولا الدعوة إليه، بل هو من قبيل دفع أعلى المفسدتين باحتمال أدانهما، ولأن غالب من يحكم بالديمقراطية في بلاد المسلمين يكون متأولا، يعتقد جواز الحكم بالديمقراطية، وذلك بسبب تلبيس علماء السوء، وتزيينهم لهذا النظام الكفري، وأشد هؤلاء تلبيسا هم حزب الإخوان ومن دار في فلكهم، فهؤلاء لا يرون جواز الحكم بالديمقراطية فقط، بل يعتقدون أن الديمقراطية من الإسلام، وهي الشورى الإسلامية عندهم، ولذا فقد كانوا أكثر الناس دعوة وترويجا لهذا النظام الكفري الذي يجعل فيه الحكم للشعب لا لله.

وإذا كان الأمر كذلك، فلا يجوز تمني قيام مثل هذا النظام الكفري في بلاد المسلمين قبل حصوله، فضلا عن الدعوة إليه، وإذا وقع فلا يجوز الرضى القلبي به. فعلى المؤمن الحذر في مثل هذه المزالق الخطيرة، ومراقبة قلبه في هذه الفتن التي تطيش فيها الأفئدة والقلوب، وتزيغ فيها الأبصار.

وبعد؛ فلعلك تقول إذا كان المخرج من هذه الفتن، هو بامتثال أوامر الشرع الحكيم، التي يقررها العلماء، فأين هم العلماء؟! ولعمر الله هذه هي مصيبة المصائب، بل هذا مكمن الداء ومبعثه في الحقيقة، فغياب العلماء هو الذي أوردنا هذه الموارد، وقطعنا في هذه المفاوز والقفار البعيدة كل البعد عن الهداية والرشاد، وفي مثل هذا حق أن يقال ما قاله الشيخ عبدالظاهر بن أبي السمح رحمه الله تعالى:

أسفي على العلماء أقفرت القرى ... منهم وكانوا زينة البلدان.

أما من في البلاد الأخرى من العلماء وطلبة العلم، فيبدو أنهم قد تخلوا عن هذا البلد، وأسلموه للغرب الكافر وبعثته الأممية بمكرها الكبار، ومشاريعها الديمقراطية (*) التي يدعمها المنافقون من بني حلدتنا، ومن في قلبه مرض منا، فلا تسمع ولا ترى في هذا البلد المسلم إلا الدعوة إلى الديمقراطية وحكم الشعب، أما دعوة الحق فأهلها خجلون منها، ليس عندهم من قوة الإيمان ما يدفعهم للجهر بها، ورفع رؤوسهم بها، كما أنهم لم يجدوا من العلماء وطلبة العلم في البلاد الأخرى نصيرا ولا ظهيرا، ولعل آخر من تكلم في الشأن الليبي، هو الشيخ عبيد الجابري رحمه الله تعالى، وقد أفتى بأن ولي الأمر في ليبيا هو مجلس النواب، أو رئيس مجلس النواب، وهو التعبير الصحيح، أما مجلس النواب بجملته لا يصح أن يكون وليا للأمر.

وبغض النظر عن التعبير الصحيح في هذا، فإن فتوى الشيخ عبيد لم تكن دقيقة من حيث الواقع، ولا مؤصلة جيدا من حيث البناء الشرعي، حيث لم يقم الشيخ فتواه إلا على كون مجلس النواب هو المنتخب ديمقراطيا فقط، ولم يلتفت إلى تحقق أي من شروط الولاية الشرعية الثلاثة، وأهمها هو تغلبه واستتباب الأمر له في عموم البلاد، وهذا ليس واقعا لهذا المجلس.

وقد نتج عن كل ذلك، هذه الفوضى العلمية الحاصلة في هذا الأمر الخطير، التي توازي الفوضى السياسية تماما، حتى بين السلفيين، وربما لا تكاد تجد مجلسا جمع سلفيين، فخرجوا منه على كلمة واحدة بخصوص من هو ولي الأمر في البلاد، بل إذا طرح هذا الموضوع في مجلس ما، رأيت الارتباك والتردد في وجوه أهله وكلامهم، وأحسنهم من يتصنع كلاما لعله في قرارة نفسه يعلم أنه مخالف للواقع، وهذا يجعلك تتساءل: هل تنعقد قلوب السلفيين فعلا على ما يقولونه، أم أنه نفاق علمي؟!.

Читать полностью…

⚖الميزان⚖

ليسد بها رمقه ويكف بها وجهه عن الناس، فهذا قرض إنتاجي، ووفق هذا المذهب، لا غبار على المقرض له أن يفرض عليه فائدة على قرضه، وأن يقتطع من ثمرة جهده وكده، ريعا ثابتا زائدا على أصل قرضه، دون أن يحكم هذا الريع أي ميزان عادل، إلا الجشع والطمع وانعدام الرحمة والأخلاق من قلوب أولئك المرابين. وفي المقابل إذا أقدم ثري من الأثرياء على الاقتراض لأجل التوسع في استهلاك الملذات والشهوات والإمعان في الترف، كان قرضه استهلاكيا لا يحتمل أن تفرض عليه الفوائد وفق هذا الرأي!! وهذا يبين أن هذا الرأي لا يستند إلى أي منطق سليم، فضلا أن يكون عليه أثرة من علم أو شبهة من دليل شرعي.

وإذا كان الربا هو الأضعاف المضاعفة من القروض؛ وليس كل القروض، بل الإنتاجية فقط، فإن ثالثة الأثافي ما سبق ذكره عن بعض المتهوكين، ممن صار يسمي الفائدة الربوية عقد تمويل، ويزعم أنه عقد مستحدث ليس له في شرع الله نظير!، وكأن المرابي يحنط أموال الربا ولا يتمولها، أو كأن هؤلاء المتهوكين - وهما صوفيان قبوريان - لم يخبرا بأولئك الذين يستحلون الخمر يسمونها بغير اسمها، فمثل هذا لو أتى الربا من بابه لكان مع شدته أهون عليه بكثير من استحلال الربا بمثل هذا الهذيان الذي لا يغني عنه من الله شيئا، بل هو استخفاف بالدين، ومن اتخاذ آيات الله هزؤا ولعبا، فليعد هؤلاء اللاعبين للموقف بين يدي الله.

وهكذا إذا كانت الفائدة الربوية التي هي عين ربا الجاهلية، وهي كذلك أساس تعامل البنوك في العالم اليوم؛ عقد تمويل وفق فهم هؤلاء الأدعياء الدراويش، فلم يعد إذن للربا وجود في الأرض، وصارت أحكام الله فيه وما أنزله بشأنه من النور والحكمة تاريخا لا يقدم ولا يؤخر، ولا ينفع الناس، ولا يغني من واقعهم البئيس شيئا.

والمتأمل في كل هذه المذاهب المستحدثة، والفهوم العجيبة، يرى أن العامل المشترك بينها يتمثل في أمرين خطيرين: الأول: هو الاعتماد المجرد على الرأي، الرأي المنفصل تماما عما جاء في شريعة الله في هذا الباب الخطير، فهي تقول محض على دين الله، واعتداد بالآراء والأفكار، وتقديم لها على السنن والآثار، فأصحاب هذه المذاهب لا يحتفون بالنصوص إلا إذا وافقت ظنونهم وتصوراتهم، ولا أريد أن أقول أهواءهم.

فالرأي والفكر هو الحاكم لا النصوص، كما أنهم لا يعتمدون في ذلك على شيء من الأصول التي يعتمد عليها الفقهاء، بل كل من عنّ له رأي أعلنه وحكم به، دون أن ينظر هل يتوافق رأيه مع النصوص والأدلة الشريعة، وهل ينسجم مع القواعد والأصول المرعية، بل لعله يرى أن الأصول والأدلة هي التي يجب أن تتوافق مع رأيه وإلا كانت محل نظر وشك في صحتها!!

وإذا كان هذا تعاملهم مع الأصول والنصوص الشرعية، فإن تعاملهم مع تلك التركة العظيمة التي خلفها لنا الأئمة والفقهاء والتي اجتمعت وتأطرت في المذاهب الفقهية؛ أنكى وأخزى، فهم لا يلتفتون إليها مجرد الالتفات، ولا يعطونها قدرا من النظر والاعتبار، ولا عجب بعد ذلك أن تسمع وترى من يزعم أن عقد الربا عقد تمويل، وأن الأئمة والفقهاء ليس عندهم به أدنى علم ومعرفة، بل ليس له في الفقه كله نظير!!

أما العامل الثاني: فهو الحرص الشديد على موافقة الحضارة الغربية المادية الربوية في كل نظمها وقوانينها وحتى أخلاقها وقيمها، فكل هذه الآراء تؤكد تلك القاعدة الخلدونية التي تقول إن الضعيف المنهزم مولع بتقليد الغالب، بل تؤكد ما هو أعلى من ذلك وأجل، وهو قول الصادق المصدوق صلوات ربي وسلامه عليه: ((لتتبعن سنن من كان قبلكم، حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى. قال: فمن)).

(وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ).يوسف (21)

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأكملان الأتمان على خاتم النبيين وسيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.


كتبه: عبدالسلام بن المهدي الأمين الكونيني.
للتواصل عبر التلغرام: @Abd_Alssalam.
واتس اب: 00218927051245 .

Читать полностью…

⚖الميزان⚖

ومثل هذا إن لم يكفر في الدنيا، فقد يقع في الكفر حقيقة لانطواء قلبه على استحلال الربا، أما الشبه التي يغلف بها هذا الاستحلال، فإنها إن راجت على الناس في الدنيا، فإنها لا تروج على الله العليم بما تخفي الصدور، ولذلك قال الله تعالى: يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم. قيل: كفار باستحلال الربا، أثيم: بأكله. وتأمل صيغة المبالغة في قوله كفار، مما يشير إلى إصراره وعناده في استحلال الربا واستمراره عليه بمثل هذه الشبه والزخارف الباطلة.

وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن أقوام في آخر الزمان، يستحلون الخمر يسمونها بغير اسمها، ولا يخفاك أن تسمية الخمر بغير اسمها هو استحلال لها بالشبه، ومع ذلك سماه النبي صلى الله عليه وسلم استحلالا، فتأمل رحمك الله هل ترى فرقا بين من يستحل الخمر بغير اسمها، وبين من يستحل الربا يسميه بغير اسمه.

وقد لا يبعد كثيرا عن هؤلاء وأولئك؛ من يستبيح الربا اتكاء على أغلاط المجتهدين، وزلات العلماء والفقهاء، لاسيما إذا كانت تلك الأغلاط قد صدرت ممن لم يصل إلى رتبة الأئمة المقتدى بهم الذين يجوز تقليدهم عندما يباح التقليد، وكانت مع ذلك من الظهور والجلاء بحيث لا تخطئها عين صادقة.

وهذا النوع الثالث الذي يمكن أن نتجوز في تسميته استحلالا، موضع مخوف جدا، والفتنة فيه شديدة، حتى إن المرء قد ينقلب فيه بين ليلة وضحاها من قائم لله وفي دينه بالحق، إلى قائل على الله بغير علم، بل إلى ما هو أشد؛ من كتمان الحق، ولبسه بالباطل، وهو من الفتن التي يمحص الله بها عباده، فلا يثبت فيها إلا الصادقون المخلصون، الذين يتبصرون مواضع خطاهم قبل أن يخطوا فيها.

ولست أقول هذا الكلام إلا نصحا للعلماء وطلبة العلم، وخوفا عليهم أن تزل قدم بعد ثبوتها، فيقعوا في أمر قد لا يقدرون مدى خطورته، وعواقبه الوخيمة، اللهم بلغت، اللهم فاشهد.

وباب الربا من أغمض أبواب الفقه وأدقها وأخفاها معنى، حتى قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: باب الربا من أشكل الأبواب على كثير من أهل العلم. وقال الشاطبي رحمه الله: إن الربا محل نظر يخفى وجهه على المجتهدين، وهو من أخفى الأمور التي لم يتضح معناها إلى اليوم). وقد سبق هؤلاء الأعلام من هو أعلى منهم وأعلم وأتقى لله، وهو الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد أثر عنه ما يدل على شدة خفاء هذا الباب، فمن ذلك قوله: ثلاث وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا عهدا نتهي إليه: الجد، والكلالة، وأبواب من أبواب الربا، وكذلك جاء عنه أنه قال: إنا والله ما ندري لعلنا نأمركم بأمور لا تصلح لكم، ولعلنا ننهاكم عن أمور تصلح لكم، وإنه كان من آخر القرآن نزولا آيات الربا، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبينه لنا، فدعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم، ويقول أيضا رضي الله عنه: لقد خفت أن نكون قد زدنا في الربا عشرة أضعافه بمخافته) وفي لفظ: تركنا تسعة أعشار الحلال مخافة الربا.

والبعض يتخذ مثل هذه الآثار حجة لانتهاك هذا الباب والخوض فيه على غير بصيرة وهدى من الله، ولقد أكثر بعض من يشار إليهم بالبنان من الاستشهاد بهذه النصوص عن عمر رضي الله عنه على التساهل في هذا الباب الخطير، كأمثال يوسف القرضاوي وغيره، وهذا الفهم المنكوس لهذه الآثار إن دل على شيء فهو يدل على الحقيقية التي أبدى القرآن الكريم فيها وأعاد، وهي أنه لا ينتفع بالآيات إلا أهل الإيمان والتقوى، أهل الخوف من الله، المعظمون لأوامره، الوقافون عند حدوده، وأولئك هم أولوا الألباب، أما أهل الأهواء، والذين في قلوبهم مرض، وكذلك الذين يسعون في آيات الله معاجزين، فإنها تكون عليهم عمى، كما قال تعالى: ( وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ۖ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ ۗ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ۖ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ۚ أُولَٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ). فصّلت (44).

ولذلك تجد من أعمى الله بصيرته يستدل بمثل هذا الآثار على نقيض ما سيقت لأجله، ويتخذ منها ذرائع لانتهاك حدود الله وتعديها، وتهوين أمر هذه الكبيرة الموبقة في قلوب الناس.

وإذا تبين غموض هذا الباب؛ مع ما تقدم مما جاء فيه من الوعيد والتهديد؛ انكشف بذلك وجه من وجوه الحكمة في هذا الوعيد الشديد على الربا، فإن غموض هذا الباب وخفاء مقاصده، قد يدفع إلى التهاون فيه واستسهاله، فناسب أن يأتي فيه مثل هذا الوعيد زجرا للناس عن الاقتراب منه، فإن النفوس قد تتجاسر على ما لا تعلم خطورته إذا لم ينصب لها ما يصدها ويحجزها عنه، والجاهل بمواطن الضرر والخطر لا يمنعه شيء من الإقدام عليها والتقحم فيها، فيكون فيها هلاكه، بخلاف العالم بها فإنه يكون شديد الاحتياط والحذر منها، بل قد ينفر عن كل ما يشبهها، ويجانب كل ما يقربه منها أو ما يشك في أنه يؤدي إليها.

Читать полностью…

⚖الميزان⚖

تمت إعادة نشر هذا المقال بسبب إضافة مهمة تجدها في الهامش، وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى

Читать полностью…

⚖الميزان⚖

واسمع ما خاطب الله به رسوله في آخر الأمر عند النهاية، وكيف كان رسول الله ﷺ في آخر حياته أشد ما كان استغفاره وأكثره، قال الله تعالى : ( لَقَد تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيعُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [التوبة : ۱۱۷] ، وهذا أنزله الله سبحانه بعد غزوة تبوك، وهي آخر الغزوات التي غزاها بنفسه . فجعل الله سبحانه التوبة عليهم شكراناً لما تقدم من تلك الأعمال، وذلك الجهاد .

وقال تعالى في آخر ما أنزل على رسوله : ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر : ١ - ٣] .

وفي الصحيح : أنَّه صلى الله عليه وسلم ما صلى صلاةً - بَعْدَ مَا نَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ السورة - إلا قال فيها : (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ) وذلك في نهاية أمره صلوات الله وسلامه عليه .

ولهذا فهم منها علماء الصحابة - كعمر بن الخطاب، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم - : أنه أجَلُ رسول الله ﷺ ، أَعْلَمَهُ الله إياه، فأمره سبحانه بالاستغفار في نهاية أحواله، وآخر أمره ، على ما كان عليه مقاماً وحالاً . وآخر ما سمع من كلامه عند قدومه على رَبِّهِ : (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي، والْحِقْنِي بالرفيق الأعلى ). انتهى

فمن يظن أنه لا يحتاج إلى التوبة، كمن يظن أنه وصل إلى يقين الصوفية فرفعت عنه التكاليف، ومن تساهل في أمر التوبة، وظن أن أمرها سهل، فقد غرر بنفسه. يقول ابن القيم رحمه الله: ما أصعب التوبة الصحيحة بالحقيقة، وما أسهلها باللسان والدعوى! وما عالج الصادق بشيء أشق عليه من التوبة الخالصة الصادقة، فلا حول ولا قوة إلا بالله). وراجع كلام هذا الإمام عن مقام التوبة في المدارج، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.


---------------------------------------------------------------
١- لا يخفى أن الترادف لا يعني التساوي من كل وجه، - كما ذكر ذلك شيخ الإسلام - فاسم الكافر واسم المجرم وإن كانا مترادفين في استعمال القرآن الكريم، إلا أن بينهما فرقا دقيقا، وهو أن اسم المجرم يتناول الكفر الظاهر، وكفر النفاق أيضا، أما اسم الكافر فقد يدخل فيه النفاق تارة، ولا يدخل فيه تارة أخرى، فالمجرم بهذا الاعتبار أعم من الكافر، إذ كل كافر مجرم، وليس كل مجرم كافرا، فقد يكون مجرما متظاهرا بالإسلام، ولذلك قال سبحانه: (أفنجعل المسلمين كالمجرمين)، ولم يقل كالكافرين، وهذا من تمام البيان والتفصيل الذي نزل به القرآن الكريم.

وهذا الموطن ليس كالمواطن التي يذكر فيها الإيمان الواجب كقوله تعالى:
( أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ). ص (28)، بل هذا أعم، ولذلك عبر باسم الإسلام لا باسم الإيمان، للدلالة على هذا العموم والإطلاق، وهو كالعموم في قوله تعالى: (وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم) فهذه البشارة أعم من البشارة لأهل الإيمان الواجب، كقوله تعالى: ( وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ).البقرة (25)، وما في حكمها من الآيات.

ولكن الإطلاق الذي دل عليه اسم الإسلام في قوله: أفنجعل المسلمين كالمجرمين، لا يدخل فيه أهل النفاق الأكبر قطعا، ولذلك قابلهم بعموم المجرمين، ولو قابلهم بالكافرين، لكان موضعا مشكلا مجملا غير مفصل ولا مبين، والله إنما أنزل القرآن تبيانا وتفصيلا لكل شيء، سبحانه وتعالى. وقد قال الله عز وجل في سورة التوبة - السورة التي فضحت المنافقين- :
( لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ۚ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ )
التوبة (66).
وقد نزلت هذه الآيات في قوم من المنافقين، (راجع تفسير الآية عند ابن كثير رحمه الله وغيره) وقد وصف الله هؤلاء المنافقين في هذه الآية بأنهم كانوا مجرمين، وهذا دال على ما ذكر آنفا من أن اسم المجرم أعم من اسم الكافر.

وفائدة ذلك أن تعلم أن أي منتسب للإسلام تصدر منه مناقضة لإسلامه توجب كفره، ولا يتسنى لنا الحكم بردته بعينه، إما لعدم القطع واليقين بصدور الردة منه، أو لعدم وجود الحاكم الشرعي الذي يحكم بردته بعينه، (وليس المراد بالحاكم الشرعي هنا: السلطان فقط، بل يدخل فيه غيره كالعالم الذي عنده الأهلية والآلية للحكم بذلك ) أو لغير ذلك من الأسباب والموانع التي تمنع من الحكم بردته عينا، فإنه لا يرفع عنه حكم الإسلام، ولا يثبت له حكم الإيمان، بل غالب هؤلاء في عداد الزنادقة المنافقين المجرمين، فالرافضة مثلا: في أعلى سلم هؤلاء

Читать полностью…

⚖الميزان⚖

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله القائل في كتابه:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ).

وصلى الله وسلم على عبده ورسوله: قال فيما صح عنه: "فإنَّه من يعِشْ منكم من بعدي فسيرَى اختلافًا كثيرًا, فعليكم بسنَّتي وسنَّةِ الخلفاءِ المهديِّينَ الرَّاشدينَ, تمسَّكوا بها, وعضُّوا عليها بالنَّواجذِ, وإيَّاكم ومحدَثاتِ الأمورِ فإنَّ كلَّ مُحدثَةٍ بدعةٌ, وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ, وكلَّ ضلالةٍ في النَّارِ". صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد، فإن الصراع في ليبيا في جوهره وكنهه: صراع بين الديمقراطية والشريعة الإسلامية، أو هكذا ينبغي أن يكون، وأن يتعامل معه كل مسلم، وهذا البعد هو البعد الأخطر في هذا الصراع، وهو المنطلق الأهم في النظرة الشرعية له، وإذا أخطأ الناظر - لا سيما العالم وطالب العلم هذا المنطلق تخبط، وضل وأضل.

وعلى مدى عقد من الزمن أو يزيد، فشلت الديمقراطية في حل هذا الصراع*، مما جعل الطريق فسيحا أمام الشريعة لتأخذ زمام المبادرة، لو كان للشريعة رجال يجاهدون في سبيلها ويناضلون عنها، ولكن للأسف الشديد إلى الآن لم يوجد في ليبيا من يحمل هم الشريعة بصدق وإخلاص، واعتزاز بكلمة الله العليا!. وها نحن اليوم نحصد نتاج هذا التقصير والتخاذل، ونسأل الله أن لا يكون القادم أسوء، وأن لا يسلط الله علينا بذنوبنا وتولينا عن نصرة دينه وشرعه من يسومنا سوء العذاب.

وإلى أن يوجد في ليبيا هؤلاء الرجال الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه، ولا يخشون أحدا إلا الله، ليس لنا إلا نؤكد على ما سبق تقريره كما في المقالين السابقين:/channel/alkouneni/2831. و: /channel/alkouneni/3071: معذرة إلى ربهم ولعلهم يرجعون، وأن نسجل حقيقة هذا الصراع للتاريخ، وليكون عبرة وعظة للأجيال القادمة، ولغيرنا من البلدان والشعوب العربية والإسلامية، وكذلك ليكون المؤمن من أهل هذه البلد اليوم على بصيرة من حقيقة هذا الصراع، فلا يدخل في أي خطة فيها نصر للديمقراطية وتأييد لها، ولأدواتها ووسائلها، ولو كان ظاهرها ونواياها حسنة، وحتى لا يدخل المؤمن المريد نجاته مع أي طرف من أطراف هذا الصراع حتى تقدم خطة بينة تعظم فيها شعائر الله، وتحكّم فيها شريعته، وليتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم:« إذا التقَى المسلمَانِ بسَيفَيهِما فالقَاتلُ والمقتُولُ في النَّارِ، فقلتُ: يا رَسُوْلَ اللهِ، هَذَا القَاتِلُ فَمَا بَالُ المقتُولِ؟ قالَ: إنهُ كانَ حَرِيصَاً علَى قَتْلِ صَاحِبِهِ »، وقد كتبت هذا التذكير والتحذير في بداية الأحداث الأخيرة في طرابلس لما رأيت من تأثر بعض السلفيين بها، ومشاركتهم في تأييد بعض الأطراف المتناحرة على بعض، ونسأل الله أن يجنبنا مضلات الفتن، إنه ولي حميد.


--‐--‐-------‐------‐--‐---------------------------------------
*: ومن أسباب الفشل الظاهر للديمقراطية أن رعاتاها من الأمم الكافرة لم ترغب إلى الآن في إقامة ديمقراطية زائفة مستبدة كالتي نشأت قديما وتنشأ الآن في بلدان كثيرة عربية وإسلامية وغيرها. وإذا قرر الغرب إنشاء مثل هذه الديمقراطيات فقد تحل عقدة الصراع في ليبيا وتضع الحرب أوزارها، ويحسم الصراع في ظاهره لصالح الديمقراطية، ولكن يبقى في جوهره وحقيقته قائما إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

Читать полностью…

⚖الميزان⚖

فهرس قناة الميزان


أولا باب الأسماء والأحكام:
١- قبس من الأنوار القرآنية: (وفيه جواب عن مسألة التكفير بجنس العمل، ومسألة العذر بالجهل): /channel/alkouneni/3028


٢- رد على كتاب العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي: /channel/alkouneni/3031


٣- أصناف الناس في العذر بالجهل: /channel/alkouneni/3042


٤- الحد الأدنى والأعلى للإيمان الواجب: /channel/alkouneni/3051


٥- تذكير الجسور بهول فتنة القبور: /channel/alkouneni/287

٦- التحذير من خطر النفاق: /channel/alkouneni/2786 .


ثانيا: باب المعاملات.

١- طليعة الميزان: /channel/alkouneni/2746

٢- المقدمة العملية لفهم باب الربا: /channel/alkouneni/3062.

٣- يا أيها الناس إنكم تأكلون الربا: /channel/alkouneni/127.

٤- حكم السحب من صراف آلي غير تابع للمصرف المصدر للبطاقة مع مسائل أخرى مهمة: /channel/alkouneni/3013


٥- تعليق على فتوى: /channel/alkouneni/3020

٦- استصدار بطاقة الدولار: /channel/alkouneni/2463

٧- بحث في بعض خصائص عقد البيع وما يترتب عليه من صحة بعض المعاملات أو فسادها: /channel/alkouneni/3008 و /channel/alkouneni/3010

٨- خدمة سلفني وأهمية التمييز بين الأسماء الشرعية وغيرها من الأسماء: /channel/alkouneni/2352 و /channel/alkouneni/2355


ثالثا: الردود على الصعافقة:

1-درة الميزان في الانتصار لتوحيد الملك الديان.
رابط المقال: /channel/alkouneni/2473

2-المختصر المفيد في فتنة الصاعقة.
رابط المقال: /channel/alkouneni/2366

3-طعم الصعافقة الكبير.
رابط المقال: /channel/alkouneni/1408

4-الشيخ ربيع ليس نبيا.
رابط المقال: /channel/alkouneni/198

5-زجر البليد عن التقليد (رد على فؤاد الزنتاني)
رابط المقال: /channel/alkouneni/2219

6-زجر البليد عن التقليد (تكملة الرد على فؤاد الزنتاني)
رابط المقال: /channel/alkouneni/2215

7-زجر البليد عن التقليد (رد على حمد بودويرة)
رابط المقال: /channel/alkouneni/2205

8- زجر البليد عن التقليد (رد على طارق درمان)
رابط المقال: /channel/alkouneni/2201

9- زجر البليد عن التقليد (من هو عبدالله البخاري؟!)
رابط المقال: /channel/alkouneni/2254

10- زجر البليد عن التقليد (مجدي حفالة والبحث عن الأدلة)
رابط المقال: /channel/alkouneni/2259

11-سلسة الإلزامات المختصرة العالية
-المقدمة: /channel/alkouneni/204
-الإلزام الأول: /channel/alkouneni/609
-الإلزام الثاني: /channel/alkouneni/610
-الإلزام الثالث: /channel/alkouneni/611
-الإلزام الرابع: /channel/alkouneni/629
-الإلزام الخامس: /channel/alkouneni/631
-الإلزام السادس: /channel/alkouneni/636
-الإلزام السابع: /channel/alkouneni/637

12-مسألة القذف وعلاقتها بفتنة الصعافقة.
رابط المقال: /channel/alkouneni/1598

13-كيف تنقذ نفسك من شبه الصعافقة.
رابط المقال: /channel/alkouneni/2241

14- بأي شيء يلقى الله حمد بودويرة.
رابط المقال: /channel/alkouneni/2550


15- طارق درمان الخنفشاري: /channel/alkouneni/2658


١٦- ويل للأتباع من عثرات العالم: /channel/alkouneni/3083


١٧- ترفقوا يا أهل السنة فإنكم من أقل الناس: /channel/alkouneni/2691

١٨- إبطال الغلو في الشيخ ربيع: /channel/alkouneni/136


١٩- كشف الأستار عن فتنة الصعافقة الأشرار: /channel/alkouneni/115


٢٠- الوقاية من شبهات الجهال وأهل الغواية: /channel/alkouneni/4


رابعا: متفرقات:

1- كارثة درنه: /channel/alkouneni/2831 و /channel/alkouneni/3071





/channel/alkouneni

Читать полностью…

⚖الميزان⚖

الزلات.

كيف نعرف أنه زل؟ خالف الكتاب والسنة، فعندنا ميزان، زل، أخطأ في حكم من الأحكام، خالف نصا من كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم في عقيدة، واجتهد وبذل جهده في ذلك، لكن وقع في خطأ عقدي أو نحوه، ما نقول هذا عالم وهذا إمام هذا العصر، لا، يجب أن نتقي زلته.

والآن واقع الناس إلا من رحم الله على خلاف هذا الميزان، إذا نصبوا شخصاً يكون هو الميزان، وأقواله هي الميزان، ولا يجوز الاعتراض عليه، ويا ويل من يعترض على هذا الإنسان، ويا ويل من يقول أخطأ، وهذه والله هي الفتن التي تضيع الأمة، وهذا هو الغلو المهلك.اهـ.

" الذريعة ج1ص235-236

وإذا كان هذا في المسائل الظاهرة كالتي أشار إليها الشيخ ربيع، فكيف بمسائل الاجتهاد، والمسائل التي لا نص فيها من كتاب وسنة، كمسائل الجرح والتعديل، ولذا فإن التقرير الذي سبقت الإشارة إليه يؤدي في النهاية إلى الإلزام بأقوال العلماء ومواقفهم الاجتهادية كما هو حاصل في هذه الفتنة تماما، وهذا يؤدي بدوره إلى تعصب كل طرف لاجتهاد العالم الذي يقلده، وتحزبه عليه، فيصير السلفيون أحزابا يعادي بعضها بعضا على مسائل اجتهادية.

وقد نقول إن غرض الشيخ ربيع بهذا الأصل كان صالحا، وهو كف المشغبين والملبسين، والمذبذبين والمدسوسين، الذي أرجفوا في صفوف السلفيين في فتن سابقة، وأثاروا بينهم مسائل جانبية كان الغرض منها صرف السلفيين عن التحذير من أهل البدع السياسية الذين كان الشيخ ربيع من أعظم من تصدى لهم، واشتغل في الردود عليهم، وكشف باطلهم وبدعهم. إلا إنه وكما هو معروف مقرر، فالغاية لا تبرر الوسيلة، فإن وافق الشيخ ربيع الحق أو قاربه في أحكام سابقة، ربما كانت مبنية على هذا الأصل مع غيره من الأصول، فإن هذا لا يعني صحة هذا الأصل بإطلاق.

ومن راجع هذا الأصل في تقريرات الشيخ ربيع، واعتبر به موقفه في هذه الفتنة، علم أن هذا الأصل كان منبع هذه الفتنة، ولعله من أعظم ما اعتمد عليه الشيخ ربيع في موقفه هذا، - والله تعالى أعلم -. ولذا فإن آخر ما يجب التنبيه عليه، والتحذير منه في فتنة الصعافقة، هو خطأ وخطر التقليد للشيخ ربيع في هذا الأصل، وقد يكون عمل الشيخ بهذا الأصل في الفتن السابقة، من باب أسباب الجرح الخفية التي يصعب على العالم الكشف عنها وتفسير الجرح بها، وبذلك يكون عمل الشيخ في الفتن السابقة صحيحا، والتنظير غير صحيح.

وإذا عُلم أن هذه الفتنة دارت على هذين الأصلين: أصل المطالبة بالأدلة على الجرح، وأصل الطعن في المصر على خطأ اجتهادي من وجهة نظر المُخطِّئ له، مع أنه قد لا يكون مخطأ في واقع الأمر، أو قد يكون معذروا فيه؛ إذا عُلم هذا فإن من خالف الشيخ ربيع في هذه الفتنة وردوا عليه خطأه، قد يكونون كلهم أو جلهم موافقين له، إما في أصل واحد من أصليها، أو في الأصلين معا، وهؤلاء يُخشى عليهم من هذه الفتنة، كما يُخشى على من وافق الشيخ ربيع فيها، لا سيما من بُين له الحق في هذه المسائل، فلم يرفع به رأسا، ولم ير لله عليه فيه حقا بقبوله وتأييده ونصرته، فمثل هذا يكون ممن أصابته الفتنة، كما أصابت من قلد الشيخ ربيع فيها وتعصب له. قال الله تعالى: ( الم )(1)( أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ )(2)( وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ )(3)( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ )(4).

فاللهم إنا نعوذ بك أن نضل أو نضل، أو نظلم أو نظلم، أو نجهل أو يجهل علينا، ونعوذ بك ربنا من مضلات الفتن، ربنا ولا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأكملان الأتمان على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

Читать полностью…

⚖الميزان⚖

قال العلامة السعدي في التفسير: { وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحّ ْ} أي: جبلت النفوس على الشح، وهو: عدم الرغبة في بذل ما على الإنسان، والحرص على الحق الذي له، فالنفوس مجبولة على ذلك طبعا، أي: فينبغي لكم أن تحرصوا على قلع هذا الخُلُق الدنيء من نفوسكم، وتستبدلوا به ضده وهو السماحة، وهو بذل الحق الذي عليك؛ والاقتناع ببعض الحق الذي لك. فمتى وفق الإنسان لهذا الخُلُق الحسن سهل حينئذ عليه الصلح بينه وبين خصمه ومعامله، وتسهلت الطريق للوصول إلى المطلوب. بخلاف من لم يجتهد في إزالة الشح من نفسه، فإنه يعسر عليه الصلح والموافقة، لأنه لا يرضيه إلا جميع ماله، ولا يرضى أن يؤدي ما عليه، فإن كان خصمه مثله اشتد الأمر. ثم قال: { وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا ْ} أي: تحسنوا في عبادة الخالق بأن يعبد العبد ربه كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإنه يراه، وتحسنوا إلى المخلوقين بجميع طرق الإحسان، من نفع بمال، أو علم، أو جاه، أو غير ذلك. { وَتَتَّقُوا ْ} الله بفعل جميع المأمورات، وترك جميع المحظورات. أو تحسنوا بفعل المأمور، وتتقوا بترك المحظور { فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ْ} قد أحاط به علما وخبرا، بظاهره وباطنه، فيحفظه لكم، ويجازيكم عليه أتم الجزاء..

فصل

هذا، وقد بينت في مقالات عديدة سابقة أن الجارح المتأهل للجرح والتعديل، لا يطالب بإقامة أدلة على جرحه، بل يطالب بتفسير الجرح فقط، فبأي شيء فسر جرحه به، كان هو الشاهد والدليل على هذا الجرح وهذا التفسير، لعدالته والثقة به وبديانته وصدقه وورعه، وكان جرحه من باب خبر الثقة.

ولو طالبنا بالأدلة على الجرح لصار الجرح والتعديل من باب الأقضية التي يختص النظر فيها بولي الأمر ونوابه فقط، وليس من باب النصيحة التي أوجبها الله على أهل العلم، وأيضا لانسد باب الجرح والتعديل وتعطلت مناهجه، وذلك لصعوبة أن يقيم العالم أدلة على كل جرح أو تعديل يصدره!

ثم لو كانت المطالبة بالأدلة على الجرح حقا، لجاز الجرح من كل أحد، ولم يقصر على العلماء، بل على الصفوة منهم ممن تأهل واختص بهذا الشأن، لأن العبرة حينئذ تكون بالأدلة لا بعدالة الجارح وديانته وصدقه وورعه.

ولذا فالموقف الصحيح أمام هذا الجرح هو: إما بقبوله إذا كان الجرح مفسرا بتفسير صحيح، أو رده إذا كان التفسير لا يصح، إما لعدم صحته في نفسه بأن يكون سبببا غير جارح، وإما لعدم وجوده في المجروح أو توبته منه، والجارح كان واهما عندما ظن وجوده فيه، والموقف الثالث أمام هذا الجرح هو التوقف فيه إذا كان غير مفسر.

ثم إذا رد عالم آخر كان من أهل هذا الشأن أيضا؛ هذا الجرح وهذا التفسير، لم يوجب هذا؛ الطعن لا في الجارح ولا فيمن رد هذا الجرح، ووجب النظر والترجيح بينهما، فأحيانا وهو الأغلب يقدم الجرح على التعديل إذا كان الجرح مفسرا، وفي أحيان أخرى يرد الجرح ولا يقبل إذا احتفت به القرائن الدالة على خطئه، مع حفظ مكانة الجارح والاعتذار له.

وهذا منهج رشيد، وجادة قاصدة، ومسلك مستقيم سار عليه أهل السنة والجماعة في باب الجرح والتعديل، صانوا به دينهم، فلم يمكنوا أهل الجهل والضلال والفساد منه، وحفظوا جماعتهم فلم يمزقوها كل ممزق، ويفرقوها شذر مذر. والأدلة والشواهد من كلامهم أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر، وقد تقدم ذكر بعضها في المقالات السابقة، فلا نطيل هنا بذكرها.

وإذا علمت هذا أيها الموفق تبين لك في فتنة الصعافقة أمران: الأول أن سعي من سعى في إقامة الأدلة لم يكن موفقا، بل أضعف الحق وأهله، ومكن لأرباب هذه الفتنة من النفخ فيها وتضخيمها. والثاني أن الشيخ ربيع حفظه الله ورعاه، وقع في هذه الفتنة في خطئين اثنين: الأول المطالبة بالأدلة على الجرح، والثاني هو الطعن في العالم الجارح بناء على خطئه في الجرح، هذا إذا سُلم بخطئه فيه جدلا.

وكنت عندما أتفكر في هذه الفتنة، أتسائل أي خطئي الشيخ ربيع أشد: خطأه بالمطالبة بالأدلة على جرح مفسر، أم خطأه بالجرح والطعن في عالم بناء على خطأ اجتهادي يسوغ فيه الخلاف، على فرض كونه خطأ. ولقد كان الترجيح بينهما صعبا، وللوهلة الأولى قد يقول قائل إن الخطأ بالمطالبة بالأدلة على الجرح أشد من الطعن في معين، فإن هذا خطأ في شخص واحد لا يتعداه، بخلاف الأول فإنه منسوب إلى المنهج، وبذلك يكون أشد.

ولكن الواقع أن الخطأ الثاني قد ينسب إلى المنهج أيضا، كما هو الحاصل من المتعصبة للشيخ ربيع، بل حتى من غيرهم كما هو الحاصل في السودان وغيرها من الفتن التي أصبحت تحصد السلفيين حصدا، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله. وأهل هذه الفتن يسيرون فيها على نسق فتنة الصعافقة حذو القذة بالقذة، وكأنهم لم يتعظوا بها.

Читать полностью…

⚖الميزان⚖

قال الإمام ابن القيم رحمه الله:

««أكثر أصحاب القبور معذبون، والفائز منهم قليل
فظواهر القبور تراب، وبواطنها حسرات وعذاب.
ظواهرُها بالتراب والحجارة المنقوشة مَبْنِيَّات، وفي باطنها الدواهي والبَلِيَّات.
تغلي بالحسرات، كما تغلي القدور بما فيها. ويحِقّ لها، وقد حيل بينها وبين شهواتها وأمانيها.

تالله لقد وعظَتْ، فما تركت لواعظٍ مقالًا،

ونادت: يا عُمَّار الدنيا لقد أعمرتم دارًا موشكة بكم زوالًا، وخرَّبتم دارًا أنتم مسرعون إليها انتقالًا.

عمَّرتم بيوتًا لغيركم منافعُها وسُكنْاها، وخرّبتم بيوتًا ليس لكم مساكنُ سواها: هذه دار الاستيفاء، ومستودعُ الأعمال، وبَيدَر الزرع هذه محلُّ العبر، رياض من رياض الجنة، أو حُفرة من حُفَر النار».

كتاب الروح (1/ 229-230)

Читать полностью…

⚖الميزان⚖

‏صورة من أبو عمر عبدالسلام الأمين

Читать полностью…

⚖الميزان⚖

ففقده النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأخبر بحاله، فبعث من يأخذ الصدقات من أهلها، فمروا على ثعلبة، فقال‏:‏ ما هذه إلا جزية، ما هذه إلا أخت الجزية، فلما لم يعطهم جاءوا فأخبروا بذلك النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال‏:‏ ‏(‏يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة‏)‏ ثلاثًا‏.‏

فلما نزلت هذه الآية فيه، وفي أمثاله، ذهب بها بعض أهله فبلغه إياها، فجاء بزكاته، فلم يقبلها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم جاء بها لأبي بكر بعد وفاة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلم يقبلها، ثم جاء بها بعد أبي بكر لعمر فلم يقبلها، فيقال‏:‏ إنه هلك في زمن عثمان‏).‏ اه فاللهم سلم سلم.

وبالجملة فإن هذا الداء كما يقول ابن القيم رحمه الله: هو الداء العضال الباطن الذي يكون الرجل ممتلئا منه وهو لا يشعر؛ فإنه أمر خفي على الناس، وكثيرا ما يخفى على من تلبس به فيزعم أنه مصلح وهو مفسد ...

وقد هتك الله سبحانه أستار المنافقين وكشف أسرارهم في القرآن، وجلى لعباده أمورهم ليكونوا منها ومن أهلها على حذر، وذكر طوائف العالم الثلاث في أول سورة البقرة: المؤمنين، والكفار، والمنافقين، فذكر في المؤمنين أربع آيات، وفي الكفار آيتين، وفي المنافقين ثلاث عشرة آية لكثرتهم وعموم الابتلاء بهم وشدة فتنتهم على الإسلام وأهله، فإن بلية الإسلام بهم شديدة جدا لأنهم منسوبون إليه وإلى نصرته وموالاته، وهم أعداؤه في الحقيقة يخرجون عداوته في كل قالب يظن الجاهل أنه علم وإصلاح، وهو غاية الجهل والإفساد.

كاد القرآن أن يكون كله في شأنهم لكثرتهم على ظهر الأرض وفي أجواف القبور، فلا خلت بقاع الأرض منهم لئلا يستوحش المؤمنون في الطرقات، وتتعطل بهم أسباب المعيشات وتتخطفهم الوحوش والسباع في الفلوات.

سمع حذيفة رضي الله عنه رجلا يقول: اللهم أهلك المنافقين، فقال: ((يا بن أخى، لو هلك المنافقون لاستوحشتم في طرقاتكم من قلة السالك)).

تالله لقد قطع خوف النفاق قلوب السابقين الأولين، ولعلمهم بدقه وجله وتفاصيله وجمله، ساءت ظنونهم بأنفسهم حتى خشوا أن يكونوا من جملة المنافقين. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لحذيفة: ((ياحذيفة، نشدتك بالله، هل سماني لك رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم؟ قال: لا. ولا أزكي بعدك أحدا)).

وقال ابن مليكة: ((أدركت ثلاثين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول: إن إيمانه كإيمان جبريل وميكائيل)). انتهى كلامه رحمه الله.

وعمر لم يكن شاكا في إيمانه، حاشاه رضي الله عنه، أو أنه يعتقد أنه يمكن أن يكون مبطنا للكفر، هذا أمر ينزه عنه من دون عمر بمراحل، فكيف به هو رضي الله عنه وأرضاه، وكذلك لم يكن من المتنطعين، حتى يسأل حذيفة هذا السؤال وهو يعلم في نفسه أنه ليس مبطنا للكفر، ولكنه لكمال علمه بحقيقة النفاق وكثرة شعبه، وخفاء طرقه ومسالكه؛ خشي أن يكون على شعبة من النفاق وهو لا يشعر

وهذا النفاق الذي كان يخافه عمر رضي الله عنه، وهو من سادات هذه الأمة، هو الذي أمنه كثير من الناس، حتى من المنشغلين بالدعوة وطلب العلم، ولذلك ظهر على أعمال كثير منهم، دع عنك الصعافقة، فإن الداء مستفحل فيهم، حتى لا يكاد يرجى لهم برء منه إلا أن يشاء الله، ومن مميزات نفاق الصعافقة أنه صار جماعيا، حيث يشاهد بعضهم من بعض الكذب الصراح، والجهل الفاضح، والعدوان المبين، فيسكت بعضهم عن بعض، ولسان حالهم يقول: ( وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ) فيسمون كذب إخوانهم وجهلهم وعدوانهم علما ودعوة وجهادا، بينما لا يتوانون عن الرد على من خالفهم، ولو باختلاق الأخطاء وتلفيق التهم ( يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ).

بل بلغوا بنفاقهم أبعد من هذا، حتى صار حالهم كحال من قال الله فيهم: (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ ). وكل من خالط الصعافقة عن قرب علم هذه الحقيقة عنهم، وأن قلوبهم مشحونة غلا وبغضا على بعضهم البعض، وإن أظهروا للناس خلاف ذلك، وهذا حال كل من اجتمع على معصية الله ورسوله، وما اجتمع عليه الصعافقة من معصية الله أمر خطير جدا لو كانوا يعقلون، يتضمن افتراء الكذب على الله ودينه، ويتضمن كتمان الحق وبغض ظهوره، مع أن ظهور الحق مما يحبه الله ويرضاه، وكذلك بغض أولياء الله من العلماء والصالحين، وغير ذلك من المهلكات، نسأل الله السلامة والعافية

وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول ((آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذَب، وإذا وعَد أخلف، وإذا اؤتمنَ خان)). وقال أيضا : ((أربع مَن كنَّ فيه، كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدَعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدَّث كذب، وإذا عاهَد غدَر، وإذا خاصم فجر) فإنا قد رأينا هذه الآية وهذه الخصال مجتمعة في بعض رؤوس الصعافقة، لا سيما ممن تولى بعض الوظائف الرسمية، ولكن المصيبة ليست في هؤلاء الرؤوس فقط، بل في الأتباع الذين

Читать полностью…

⚖الميزان⚖

وتأمل فيما حكاه الله عن هؤلاء المنافقين، وذلك في قوله: (قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ) مع أنهم على يقين من أن المشركين قد خرجوا في جيش عظيم قاصدين النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في عقر دارهم بالمدينة، يريدون الانتقام ليوم بدر، وقلوبهم ممتلئة غيظا وحنقا على المسلمين، ومع ذلك قال هؤلاء المنافقون: لو نعلم قتالا لاتبعناكم، يقولون بأفهواهم ما ليس في قلوبهم

وهكذا حال من يرد الحق بأجوبة هو أول من يعلم بطلانها وفسادها، ولكن لغلبة النفاق في تلك الحال على قلبه، يظهر بلسانه خلاف ما يبطن في قلبه، وهذه خصيصة النفاق، ولذلك رد الله على أولئك المنافقين بقوله: (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ )، وهو جواب لكل من يسلك سبيل المنافقين في رد الحق بالشبه التي يعلم هو في قرارة نفسه بطلانها.

وربما طمس الله على بصيرة هذا الذي يرد الحق بتلك الأجوبة، فتنتقل الشبهة الذي كان يظهرها للناس على خلاف ما يبطن؛ إلى نفسه، فيصبح مصدقا بها بعدما كان يروجها بلسانه فقط، فيزداد ضلالا ومرضا وريبة، وتشتد عليه الظلمة، وتزداد طرق الحق عليه انسدادا ووعورة وبعدا، ويصير مثله هو المثل الثاني من مثلي المنافقين، وهو قوله: ( أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ ۚ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ ) ... الآيات. وكما قال تعالى: ( وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ )
الأنعام (110)

٢- وقال الله تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۗ )
وهذه أيضا كانت من الفتن التي نافق فيها من نافق، فقال أقوام: ما بال محمد يوجهنا مرة هاهنا ومرة هاهنا، وقال قوم حن إلى مولده وموطن آبائه، وقال آخرون: يوشك أن يرجع إلى دين قومه، فرد الله على أقوال هؤلاء جميعا من المنافقين ومن اليهود ومن مشركي قريش كلهم ردا بليغا بقوله: ( سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ۚ قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )
البقرة (142).

وقال تعالى: ( لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ )... الآية.
يقول ابن كثير رحمه الله معلقا على هذه الآية: أي الشأن كله في امتثال أوامر الله، فحيثما وجهنا توجهنا، فالطاعة في امتثال أمره، ولو وجهنا في كل يوم مرات إلى جهات متعددة، فنحن عبيده وفي تصريفه وخدامه، حيثما وجهنا توجهنا، وهو تعالى له بعبده ورسوله محمد - صلوات الله وسلامه عليه - وأمته عناية عظيمة؛ إذ هداهم إلى قبلة إبراهيم، خليل الرحمن... اه

وقد بين الله الحكمة من جعل القبلة إلى بيت المقدس أولا، وذلك في قوله: (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ). وهذا يؤكد الحقيقة الكبرى التي نحن بصددها، وهي أن الله يبتلي عباده بما شاء من أنواع الفتن، ليميز الخبيث من الطيب، ويظهر الصادق في إيمانه، من المرتاب والمتخاذل .. فالفتن هي الكير الذي تسبك فيه النفوس، فيخرج خبثها، وينقى جوهرها، وكذلك يتميز فيها المؤمنون الصادقون من غيرهم من أهل النفاق والريب ومرض القلوب.

ومن الفتن أن يبتليك الله بظهور الحق على خلاف قول شيخك ومتبوعك، أو على خلاف ما كنت تعتقد، أو أن يبتليك الله بظهور الحق على يد من تبغض، أو من لا تعرف، أو من تراه أقل منك علما وصلاحا، وقد تكون الفتنة فيما يكون في أخذك بالحق من أنواع الأذى والضرر، كفقدك لوظيفة، أو جاه أو غير ذلك من أنواع الفتن التي إما أن يخرج المؤمن منها وهو أكثر إيمانا، وإما أن يخرج وهو على شعبة من النفاق، وإما أن يخرج متحيرا لا يعرف الحق فيها من الباطل، فيه من الضلال ما قد يستحق العقوبة عليه. وقد قال الله عز وجل: (ألم ) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ )( وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ).

ومن البلاء في الفتن أن لا تشعر بالفتنة إذا أقبلت، فتمر الفتنة بعد الفتنة وهو لا يشعر، ولا يظن أنه مقصود بها، كما قال تعالى: ( أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ )
التوبة (126)

Читать полностью…

⚖الميزان⚖

كلام مهم لطلبة العلم الشرعي...

الشيخ عبد السلام بن برجس رحمه الله تعالى
.

Читать полностью…

⚖الميزان⚖

وحاصل الأقوال التي تتردد بينهم؛ ثلاثة أقوال: الأول قول من يقول إن ولي الأمر هو مجلس النواب فقط، أو رئيس مجلس النواب بالتعبير الصحيح، ومن يقول بهذا القول يقول إن القيادة العامة للجيش لو خالفت رئيس مجلس النواب لكانت خارجة عن ولي الأمر، ولا تجوز طاعتها في ذلك، كما حصل في قضية التفويض الشعبي.

إلا أن الغريب في هذا القول، بل هو تناقض، أن أصحاب هذا القول يجيبون على من يعتقد أن ولي الأمر الشرعي هي الحكومة التي في غرب البلاد؛ يجيبون بأن هذه الحكومة ليس لها من أمرها شيء، وأن الأمر كله بيد الكتائب المسلحة في غرب البلاد، فهل مجلس النواب إلا مثلها في هذا الأمر تماما؟!، ومن ينكر هذا إنما يخادع نفسه.

والقول الثاني قول من يقول إن ولي الأمر هو مجلس النواب والقيادة العامة، (اثنان في واحد) وهذا قول يحاكي الواقع، ولا يلتفت إلى ضوابط الشرع وقواعده في باب الولاية العامة وما تصح به وما لا تصح به.

أما القول الثالث فهو قول من يقول إن ولي الأمر هو الحكومة التي في غرب البلاد، والمجلس الرئاسي التابع لها!!.

ولا يستغرب أن يوجد قول رابع، وهو القول أن ولي الأمر هو المجلس الرئاسي فقط. وهكذا كل يغني على ليلاه.

والذي أدين الله به أن منصب الولاية العظمى في ليبيا شاغر، فلا يوجد في ليبيا حاكم عام قد استتب له الأمر في عموم البلاد، ولزمت له طاعة أهله في المعروف، ولا يعني هذا الخروج على من هم في الساحة اليوم، بل هؤلاء أمراء كل في ناحيته، والواجب التعاون معهم على البر والتقوى، واعتزالهم فيما دون ذلك، كما في حديث حذيفة، ولا تجوز نصرة أحد على الآخر، ولا التحزب مع أحد على الآخر، ولا يجوز القتال مع أحد منهم إلا عندما يكون القتال نصرة لله ورسوله، وإعلاء لكلمته، كما كان من قتال الخوارج الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، أما ما زاد عن ذلك، فهو قتال فتنة وعصبية وجاهلية، وأقل أحواله أن يكون قتال شبهة يجب اعتزاله، حتى ينعقد الصلح، ويجتمع أهل الحل والعقد، وينصب إمام عام بطريقة شرعية، وحينئذ يجوز القتال مع هذا الإمام، ورد الباغي عليه وإخضاعه لطاعته.

فليبيا - في نظري - يحكمها الآن قول الله تعالى: ( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ). وهذا الصلح إذا سعي فيه بطريقة شرعية هو الذي سيقيم الولاية العامة على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

وهذا الحكم لا يتعارض مع من يعتقد ولاية طرف من الأطراف، فلا أظن أن من يعتقد ولاية هذا الطرف أو ذاك، يعتقد أن ولايته أثبت شرعا من ولاية علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومع ذلك فقد طلب علي رضي الله عنه الصلح مع معاوية، حتى خرجت عليه الخوارج بسبب ذلك، وقالوا كيف يخلع نفسه عن ولاية الأمر؟! وقالوا "إذا لم يكن أميرا للمؤمنين فهو أمير الظالمين"!، وكذلك ليست أثبت من ولاية الحسن بن علي رضي الله عنهما، وقد تنازل عنها لأجل الإصلاح بين المسلمين، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين "

وعليه فإن الواجب على المسلم من أهل ليبيا أمران:
الأول اعتزال الفرق جميعا إلا من التعاون معهم على الخير، وطاعة كل أمير في حدود سلطته.

الثاني: وجوب اجتماع أهل الحل والعقد والتشاور بينهم حتى يصلحوا بين المتخاصمين، ويقيموا ولاية شرعية على نتائج هذا الصلح، فإذا لم يقم أهل الحل والعقد بذلك، فإن الواجب عل كل مسلم (في هذا البلد، وفي غيره إذا كان له قدرة وتأثير) دعوتهم إلى ذلك وحثهم عليه بكل سبيل ممكن، فإن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وقد قال الله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ).المائدة (2).
وقال سبحانه مثنيا على عباده الصالحين:( وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ).الشورى (38).

فهذا الذي أدين الله به، وقد بينته في مقال سابق، تحت هذا الرابط: /channel/alkouneni/2831 ، ومن المهم جدا الإطلاع عليه لتكتمل الصورة بشكل جيد.

وهذا القول بالإضافة إلى كونه الأقرب إلى الاعتبارات الشرعية في باب الولاية الشرعية، فهو كذلك الأقرب إلى تحقيق مقاصد شرعية في جوانب عديدة، من تأمل في الأمر حق التأمل استبانت له تلك المقاصد بإذن الله، نذكر منها واحدا فقط، وهو تحقيق مقصد الجهاد في سبيل الله، وأوله جهاد الدعوة والبيان، وذلك بالدعوة إلى حكم الله في هذه المسألة الخطيرة، ونقض ما يضاد هذا الحكم من الدعوات، وعلى رأسها الدعوة إلى الديمقراطية وحكم الشعب.

Читать полностью…

⚖الميزان⚖

بسم الله الرحمن الرحيم

"وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين "

بعض طلبة العلم بدأ مشواره داعية إلى المنهج الحق، ثم لم تمضي الأيام والليالي حتى صار كالصخرة الصماء في مجرى الماء، لا هي انتفعت من الماء فشربت، ولا هي تركت الماء، حتى يصل إلى من ينتفع به من عباد الله. وهذا مثل ضربه السلف للعالم السوء.

فالحذر الحذر أيها الفقيه المجاور بأرض الفقهاء، ويا من منّ الله عليه بالعلم أو بالجاه والمكانة، فإن السعيد من وعظ بغيره.

ولقد أدب الله عباده المؤمنين بآداب جليلة؛ امتثالهم لها، وقيامهم بها علامة فلاحهم ونجاحهم، ورشدهم، واستقامة أمورهم، وسيرها نحو الأفضل بإذن الله، وتضييعهم لها وتهاونهم فيها علامة فشلهم وفساد أمورهم، وسيرها نحو الأسوء عياذا بالله من ذلك.

من أعظم تلك الآداب ما أمرهم به من التعاون على البر والتقوى، كما في قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ).المائدة (2).

ومن أعظمها أيضا ما أمرهم به من التشاور في أمورهم، كما في قوله تعالى: ( وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ).الشورى (38).

ومن أعظمها أيضا وأجمعها ما أمرهم به من النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم.

ومن تلك الآداب أيضا ما أمرهم به من الاجتماع في الدين وعدم التفرق فيه، كما في قوله تعالى:( شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ )
الشورى (13). وقوله عز وجل: ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ )
الأنفال (46)

فاعتبر أحوال المسلمين عموما، وأحوال الدعوة السلفية خصوصا بهذه الآداب التي هي موازين للنجاح والفشل.

أقول هذا لأن الواقع لا يسر إلا أعداء الدين للأسف الشديد، وهو واقع يفرض على الدعاة بذل جهود مضاعفة لإصلاح هذا الواقع، ويفرض عليهم أن يكونوا أكثر تيقظا وحذرا، وأكثر نشاطا ومثابرة، وأكثر تواصلا وتشاورا فيما بينهم، حتى لا يكونوا الثغرة التي يدخل منها العدو علينا

وأقوله أيضا لأنه تمت أمور لا يصلح عرضها على العامة قبل التشاور فيها، وربما إيصالها لمن يقدر على إبلاغها إلى ولاة الأمور، وهي أمور في غاية الأهمية والخطورة. ونعوذ بالله أن يؤتى المسلمون من قبلنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

Читать полностью…

⚖الميزان⚖

ولما كان إدراك بعض حِكم الربا ومعانيه - فضلا عن الإحاطة بها - عسيرا على أكثر الخلق أُقيم لهم من العقوبات والزواجر ما يمنعهم من الاقتراب منه، وإن خفيت عليهم الحكمة في ذلك؛ وهذا من رحمة الله بهم وإحسانه إليهم.

فهذا - والله أعلم - وجه من الحكمة العظيمة الباهرة التي تضمنها قانون الربا في الشريعة الإسلامية.

وهنا قد يرد تساءل؛ وهو لماذا لم يُنصب لهذه الكبيرة العظيمة والموبقة الشنيعة التي قد يتجاوز ضررها وفسادها فساد السرقة والزنا وربما القتل؛ حدا من الحدود في الدنيا، فيكون ذلك أبلغ في الزجر والمنع عن اقتراف هذه الكبيرة، كما هو الحال في حد الزنا والسرقة والقتل وغيرها من الحدود؟ ولعل وجه الحكمة في ذلك أن أفراد هذه المعاملة الاقتصادية تختلف وتتباين تباينا شديدا من حيث ما تلحقه من المفاسد والأضرار، فأين شراء صاع من تمر جيد بصاعين من تمر رديء لأجل مطعم النبي صلى الله عليه وسلم، مما يحدث في زمننا من المضاربة والمقامرة بالورق النقدي عبر إباحة التفاضل بين أنواعه، لا شك أن ما بين هذا وذاك كما بين السماء والأرض، فإذا نصب لهذه الكبيرة حد، كان واجبا أن يقام على من باع صاعا بصاعين فلتة، ومرة في العمر، كما يقام على من اعتاد الربا واتخذه مهنة وتجارة دائمة يختلط فيها الربا بلحمه ودمه، حتى يصبح عسيرا عليه الإنفكاك عن هذا الإثم.

ولذا كان من الحكمة - والله تعالى أعلم - أن لا ينصب لهذه الكبيرة حد، وأن يترك القضاء فيها للحاكم يقرر من التعزيرات الشرعية ما يناسب كل حالة بخصوصها، فقد يكتفي بمجرد التوبيخ والتغليظ في الحالات الفردية الخاصة التي يكون ضررها محدودا، وقد يلجأ إلى إنزال أشد العقوبات في الحالات العامة التي ينتشر ضررها، ويعم فسادها، ولذلك جاء عن ﺍﻟﺤﺴﻦ ﻭﺍﺑﻦ سيرﻳﻦ رحمهما الله تعالى أنهما قالا : ﻭﺍﻟﻠﻪ ﺇﻥ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻟﺼﻴﺎﺭﻓﺔ ﻷﻛﻠﺔ ﺍﻟﺮﺑﺎ، ﺇﻧﻬﻢ ﺃﺫﻧﻮﺍ ﺑﺤﺮﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ، ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺎﺱ إﻣﺎﻡ ﻋﺎﺩﻝ ﻻﺳﺘﺘﺎﺑﻬﻢ، ﻓﺈﻥ ﺗﺎﺑﻮﺍ ﻭﺇﻻ ﻭﺿﻊ ﻓﻴﻬﻢ ﺍﻟﺴﻼﺡ.

وعليه فلو قيل أن حاكما ما، أنزل أشد العقوبات بمن يضارب في سوق الأوراق النقدية عبر إباحة التفاضل بين الورق النقدي، ولو كان ذلك بعقوبة الإعدام والقتل لمن يصر على التعامل بهذا الربا بعد البيان والتحذير من ذلك. لم أر في ذلك تجاوزا وظلما والله تعالى أعلم. وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (من كان مقيما على الربا لا ينزع عنه كان حقا على إمام المسلمين أن يستتيبه، فإن نزع وإلا ضرب عنقه).

وبعد، فإن المفارقة العجيبة في كل هذا؛ أن غموض باب الربا ودقة أحكامه مع ما جاء فيه من الوعيد والترهيب الشديد دفع سلفنا الصالح رضوان الله عليهم لشدة الاحتياط والتورع في هذا الباب، وحملهم على الاجتهاد الشديد في البحث والتنقيب عن الربا في شتى أنواع المعاملات الاقتصادية، يطاردون خياله، ويستقصون آثاره، ويصدون الناس عن شبهه، ويحذرونهم من مجرد الاقتراب من حماه...

حتى إنهم كانوا يحملون غير المنصوص عليه على المنصوص عليه بمجرد الشبه والتقارب في المعنى، ولو لم تظهر لهم علة حقيقية في الأصل، وكانوا أيضا يتحرون أغراض الشارع في كل ما جاء عنه في هذا الباب من أحكام، مهما عظم أو صغر هذا الحكم، فإذا عثروا على غرض له في شيء من تلك الأحكام، التزموه وبنوا عليه حكم الشارع الحكيم في كل ما هو في معناه من الصور، وإن لم يعقلوا حكمة للشارع في هذا الغرض، فإن الشارع حكيم، والشريعة لا تفرق بين المتماثلات.

وهذا المنهج الذي انتهجه السلف مع باب الربا، وفي غيره من الأبواب، خلف لنا ثروة عظيمة متراكمة من قوانين ونظم المعاملات الإنسانية الضاربة في أصل العدالة وجذرها، التي لم تصل إليها أمة من الأمم قبلنا، ولن تصلها أمة بعدنا حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

أما نحن في هذه الأعصر المتأخرة فقد سرنا ضد منهج السلف في هذا الباب للأسف الشديد، حيث اتخذنا من غموض هذا الباب وعدم فهمنا لمعانيه ذريعة للتملص من أحكامه، والتخلص من تلك القوانين التي استنبطها السلف رعاية وصونا لهذا الباب الخطير واتقاء لما جاء فيه من الوعيد الشديد.

فجعلنا نهدم ذلك البناء العظيم من القوانين والنظم، ونقطع أغصان وفروع تلك الشجرة الباسقة غصنا بعد غصن، وفرعا بعد فرع، حتى تركناها جذعا يابسا لا حياة فيه. فما الربا عند بعضنا اليوم إلا ما كان قرضا يسترده المرابي أضعافا مضاعفة، وما عدا ذلك من القروض الربوية، فضلا عن المعاملات والبيوع الربوية فليست إلا مذاهب شاذة أكل عليها الزمان وشرب، وآراء ارتآها بعض المتعصبين المتشددين والتي لم تعد تصلح لهذا الزمان، ولهذه الحضارة!.

وإذا كان الربا عند هؤلاء هو القروض التي تسترد أضعافا مصاعفة، فإن البعض الآخر لا يرى هذا عاما في جميع القروض، حيث يقصرون الربا على القروض الاستهلاكية فقط، دون أن يضعوا لذلك ضابطا يمكن الاعتماد عليه للتمييز بين قروض الاستهلاك وقروض الإنتاج، فقد يأتي فقير معدم يطلب قرضا هو في أمس الحاجة إليه ليتكسب به في تجارة أو حرفة أو غيرهما من وجوه الكسب

Читать полностью…

⚖الميزان⚖

والعجيب أنك لا تجد أحدا يخالف في أن الحسابات المصرفية ليست إلا ديون، ومع ذلك يسمون تداولها وبيعها تقابضا حكميا، وهذا تناقض عجيب يصعب تفسيره، إلا أن يكون مسايرة للنظم الغربية التي أفرزتها حضارة عبدة المال، وقتلة الأنبياء.

وعلى أية حال، فهذه مسألة في غاية الخطورة، وسنفرد لها مقالة خاصة إن شاء الله تعالى، ويمكن الإطلاع على مقال على هذه القناة، بعنوان: "يا أيها الناس إنكم تاكلون الربا، (/channel/alkouneni/127 ) ففيه تأصيل مختصر لهذه المسألة، وهي إشارة شافية لمن أراد الحق، كافية لإقامة الحجة ورفع الجهل.

فهذه المسائل الخمس هي أصول مسائل الربا وأهمها، وأخطرها، ومن استعرض باب الربا في دواوين الفقه وجد أن مسائله لا تكاد تخرج عن هذه المسائل، وقد أشار السبكي رحمه الله في تكملة المجموع إلى بعض هذه المسائل ونوه بأهميتها، وذلك في معرض حديثه عن المسألة الأولى، وهي أن الأصل في الربويات الحظر والمنع حتى يقوم الدليل على الإباحة والجواز، حيث قال عندها: "فهذه قاعدة مهمة ينبغي الاعتناء بها، فمن أتقنها وأتقن تحقيق العلة في الربويات، وهل الجنس وصف في العلة أو شرط فيها أو محل لها، وحقق النظر في الأجناس فقد أحاط علما بجميع أصول هذا الباب" انتهى.

فأشار السبكي في هذا النقل إلى القواعد الثلاث الأولى، وهي أن الأصل في الربا الحظر، وقاعدة علل الربا، وقاعدة المتفق من المختلف في الجنس، ولم يذكر المسألة الرابعة والخامسة، وهما في الأهمية بمكان، لتحصل الإحاطة بأصول هذا الباب.

خاتمة

وختاما نقول: إن كبيرة الربا من أعظم الكبائر، وهي من السبع الموبقات، وقد جاء فيها من الوعيد الشديد، ومن الزجر والترهيب والتحذير منه والتنفير عنه ما يقشعر له بدن المؤمن، ويقطع من قلبه أدنى رغبة في مجرد الاقتراب من هذا الحوب الكبير، فمن ذلك قول الله تعالى في كتابه العزيز: ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ).البقرة (275)

وقال سبحانه: ( يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ).البقرة (276)

وقال أيضا: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ )( فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ )
البقرة (278 ، 279).

وقال سبحانه وتعالى: ( فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا )( وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ). النساء (160 ،161).


ومن ذلك ما جاء في السنة المطهرة أيضا فقد روى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه في الحديث المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اجتنبوا السبع الموبقات قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات.

وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: الربا ثلاثة وسبعون بابا. أيسرها أن ينكح الرجل أمه.

وروي عن أنس رضي الله عنه، أنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر الربا وعظم شأنه، وقال: (إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله في الخطيئة من ست وثلاثين زنية يزنيها الرجل).

فحرمة الربا أمر معلوم من دين الإسلام بالضرورة، حتى إن المسلم إذا استحل شيئا من الربا فإنه يكفر بذلك، وهذا وإن كان في الاستحلال الصريح، فإن من يستحل الربا بأدنى الشبه على خطر عظيم جدا، ومن الأمثلة الفضيعة لذلك ما انتشر عن بعض الصوفية الدراويش كأسامة الأزهري، وشيخه علي جمعة، حيث أنهما سميا الربا عقد تمويل، وزعموا أنه عقد مستحدث ليس له في الفقه الإسلامي نظير!!.

Читать полностью…
Subscribe to a channel