ربي لقد بذلت مابوسعي لئلّا انطفئ، خذ بيدي إلى نجمٍ بعيد، واغمرني بضوءٍٍ لا يخفت وهجه ولا ينكمش، يعزّ عليّ هذا التعب والركض الطويل في مدارٍ أجهله، خذ بيدي من التيه، من عبء الوجود الحزين، من بين أنياب القلق، إلى رحابة حنانك وأمانك، واملأني بالسّلام الذي أتوق إليه.
Читать полностью…في مثل هذا الليل
أنت وحيدةٌ
و أنا أحاول أن أعود مبكراً للبيت
فالحرب انتهت
و أنا وعدتكِ
أن أعيد لك الأغاني كلها
و نعيد ترتيب الحياة بكوب شاي
قولي وداعاً للدموع
تمسّكي مثلي بآخر فرصة للحب
ضميني كآخر ما تبقى منك
فالحرب انتهت
و أنا وعدتكِ
أن نغني
أن أعود مبكراً للبيت
تسبقني خُطاي
إلى ماريل...!
"أعود مجدداً للكتابة إليك يا رفيقة قلبي، وكأنني أملك خيار أخر غير الكتابة إليك يا لعنتي، أكتب لك يا جميلتي وأنا لا أعرف إذا كنت ستصل هذه الرسائل أم سيكون حظها عاثر مثلي تماماً، أكتب إليك وأعرف جيداً أن رسائلي هذه ستتحول غالباً إلى ورق بالي يحتضن شطيرة ساعي البريد في نهاية اليوم، على أي حال، سأكتب إليك.
منذ كنت صغيراً يا ماريل كان لي حلم، أعتقد أنه بإمكاني تسميته طموح أو مجرد أُمنية، حلمي ذاك كان أن أصبح طائر، أمتلك جناحان كبيران، أجوب السماء، أحلق عالياً، لكن هذا الحلم تبدد طبعاً، بل نسيته تماماً مع مرور الأعوام، تسرب من مخيلتي نهائياً، تحول في النهاية إلى قصة قديمة مضحكة عن طفولتي، لكن في العام السابق تحققت تلك المعجزة، لا تضحكي هذه حقيقة، كنت أراقب ظهور تلك النتف الصغيرة أعلى ظهري، شيئاً فشيئاً تيقنت منها، إنها أجنحة، كانت صغيرة لا تستطيع حتى حمل نملة، أخبرت أصدقائي عنها، أقسمت لهم بك، هذه أجنحة، أنا أستطيع الطيران، لكن البشر يا ماريل لا يصدقون ما لا يستطيعون رؤيته بسهولة، وحدي من كان يرى أثر الفراشة فيَّ، وحدي من كان يرى أثر تلك الأجنحة أعلى ظهري، تحولت لبطل خارق، أنقذت حياة الآلاف بفضل تلك الأجنحة، فعلت أشياء لم أكن حتى أعلم إنني أستطيع فعلها، كنت أنا الرجل الوطاط، لماذا الرجل الوطواط؟، بالرغم من إنه لا يطير وأنا أستطيع؟، لا أعلم، أو أعلم ولكن هذه قصة أخرى سأتطرق لها في رسالة أخرى، بدأت أعيش تلك المعجزة بكل تفاصيلها، أنا أطير، أمتلك أجنحة، أحلق عالياً، من يهزمني؟، بفضل تلك الأجنحة أستطعت حماية كل أحبائي، خضت كل حروب أصدقائي، ولم أهزم، لأول مرة لم أهزم، مررت بأشد أعوامي حُزناً، لم أهزم، بفضل تلك الأجنحة يا ماريل لم أهزم وأنا أبعد أميال عن منزلي واصدقائي، كنت كُل ليلة أطير إلى أعلى، بعيداً في السماء، لأرى الضفة الأخرى من الحرب، بفضل تلك الأجنحة لم أبكي، لم أهرب، كلما إقترب مني الخوف أجد تلك الأجنحة تلفني بلطف وتحنو علي فيهرب الخوف بعيداً، فجأة إختفت تلك الأجنحة، كأنها لم تكن يوماً ما هنا، عادت لطبيعتها كونها قصة هاربة من الخيال، إختفت وأنا أطير، فسقطت يا ماريل، لم أعد بطلاً خارقاً، لم أعد أستطيع إنقاذ أحد، كيف أفعل ذلك وأنا لا أملك أجنحة، لكني تعلمت الدرس يا ماريل، كان يجب أن أقتلع تلك الأجنحة منذ البداية، حتى لا أنسى طريقة السير على الأقدام، أنا بشر، أنا لا أطير، أنا أهزم، أنا بشر، البشر لا تنمو لهم أجنحة يا ماريل، أنا مجرد طفل صغير أمن بوجود المعجزات، صدق أن الأجنحة تبقى للأبد"
-قاسم عُبيد
لا أحب البدايات وبالذات بداية العام..أراها معقدة بعض الشيء...وأكثر شيء مخيف بها روح التفاؤل تلك التي تعتريك عندها...تحس أنك قادر علي فعل المستحيل...بل الَمستحيل يصبح شيء عادي... ستفعل جميع الأشياء التي عليك فعلها من يوم ولادتك...كيف لا وهي سنة جديدة!
ماذا يعني مائة شيت...!؟
أنها سنة جديدة بحق الجحيم...بالتأكيد ستدرس بجهد في هذة البداية الجديدة!
أعلم أنني غبي متشائم ولكن أخبرني ي سيد....م الفرق؟
قبل دقيقة كنت في نهاية السنة الماضية... تلعن حظك الغبي وتسب للحياة... ثم فجأة... ٣...٢....١...أصبحت شخص أخر لديه أهداف وأفكار أخرى... ببساطة أصبحت شخص ناجح غير زعيم قبيلة الفاشلين ذاك!
ولكن الحقيقة... والحقيقة المرة صديقي!
هي أنك م زلت فاشل...!
لأن ببساطة التغير لا يتم بتلك الطريقة!
لا تنجرف خلف سحابة الأمل الزائف تلك...فهي محض سحابة صيف...ستختفي عند أول أسبوع!
أنا كقاسم أؤمن جدآ بالتغير...كل شيء فوق هذا الكوكب قابل للتغير...بل فكرة الحياة قائمة علي التغير!
ولكني أعلم أن للتغير ضريبة...ألا وهي الصبر والألتزام!
أعلم أحبطتك...وعبثت بأحلامك الوردية تلك التي رأيت فيها نفسك تتسلم جائزة شخص العام والأوسكار ونوبل للسلام تقديراً للعام الجديد الذي ستعمل فيه المستحيل!
لكن كل هذا سراب ي صاح...!
أولاً لأن ليس هنالك علاقة بين هذة الجوائز ي غبي!
وثانياً لأنك فاشل!
وثالثاً لأنك فاشل... "معليش بس بموت في الشتيمة ي فاشل"
لو أردت حقاً أن تتغير إليك الحل!
"لا تتغير"
أنت لديك كل خصائص الشخص الناجح!
ولكن لديك فقط أهداف غير محققة وأخطاء تقف في طريق أخراج الشخص الناجح الذي بداخلك!
قم بأعداد قائمة بأهدافك التي تود تحقيقها وقائمة أخرى بأفعال تود التخلص منها!
لا توعدني أنا...بل أوعد نفسك بأنك ستصبر وتلتزم... أجعل نفسك قدوة ونافس بنفسك...لأنك أنت بطل قصتك في النهاية!
وأخيراً:
تباً لك... وتباً لبداية العام...ولصبية الحي الذين أيقظوني بصوت ألعابهم النارية...أنه محض تاريخ تغير فقط...عودوا إلى بيوتكم أرجوكم"
#قاسم_عبيد
نص عشوائي!
مجدداً أعود لكتابة نوعي المفضل من النصوص، تلك النصوص التي أسير بين سطورها بلا خريطة ولا حتى وجهة، أكتبها لأنني أحتاج للكتابة، أصنع منها وسادة كبيرة لأسقط عليها، هذه حقيقة، أحياناً أكتب فقط لإنني بحاجة لذلك، لا أملك فكرة ولا رسالة تجعلني أكتب، فقط أشعر بإنني بحاجة للهرب إلى هذه النافذة الصغيرة لأصرخ، أسف.. أقصد أكتب.
ثواني؟
أجد أن الثانية هي أكثر الأشياء حكمة على هذا الكوكب، تشبه تلك العجوز التي نسى سكان القرية إنها تعيش بينهم، لكن رغم ذلك هي تعرف كل شيء، تعرف الحقيقة الكاملة عن الموت، الحياة، الزمان، ما هي تلك الحقيقة؟، ببساطة أن برغم كل شيء، الحياة لا تنتظر أحد، تسير في طريق مستقيم، إلى خط النهاية.
الأمل؟
طالما هنالك سماء..ستمطر حتماً.. ستمطر في مكان ما.
الحب؟
هنالك شبه إجماع بين البشر أن تظل هذه الأسطورة حية، يذبحون من أجلها كل يوم أضحية جديدة حتى تظل حية، يلفقون قصص واهية خيالية حتى لا تموت هذه الأسطورة، يشنون هجوم على كُل ملحد بها، بل وجعلوها معيار ثابت للسعادة، وأنا فعلاً لست بتلك الشجاعة لأعلن إلحادي بالحب، لذلك سأقول لك الحب حقيقة أكيدة، ليعيش الحب، مجدوا الحب، عاش الحب.
الموت؟
نهاية جميلة لقصص حزينة.
الحياة؟
الصيف السابق، ذهبت مع صديقتي الشقراء كاثرين لنقضي الإجازة رفقة عائلة أبيها أنتوني، نعم سمعتوني جيداً، عائلة أبيها وليست عائلتها، فكاثرين إبنة انتوني من زواجه الأول الفاشل، لكن علاقته بكاثرين ظلت قوية، ودائماً تسافر إلى فلاديفلا، يمتلك أبيها منزل يطل على الشاطئ مباشرة، زوجتة جيسكا نصف مكسيكية كانت بارعة جداً في طهي الطعام، وإبنهم جون كان لطيف جداً وعلى غير العادة كان هاديء جداً، لماذا نحن هنا؟ تذكرت الحياة؟، الأمواج كانت رائعة بحق، أخذت قطعة قماش كبيرة وإفترشتها على الأرض، وأخذت أطالع تلك الأمواج القادمة من نهاية الأرض المسطحة، واحدة تلو الأخرى، واحدة كبيرة، أخرى أكبر، ثالثة أصغر، لماذا نحن هنا مجدداً؟ الحياة؟، الحياة يا صديقي كذبة، تماماً مثل هذه القصة التي أخبرتك بها.
السعي؟
كل ما أعرفه عن السعي إنه بالتأكيد لا يعني حتمية الوصول.
الوطن؟
فخ، المضحك..إنه بإمكاننا الهرب منه لكننا لسبب لا أعلمه لا نفعل.
الذكريات؟.
بالتأكيد هنالك طرق للتعذيب أكثر إنسانية من هذه.
الكتابة؟.
طريقة مؤدبة للصراخ.
النهاية؟.
أجل النهاية.
قاسم عُبيد
الحمد لله إن الإنسان مأجور على أحزان قلبه ووحدته وتحمّله للأذى وصبره ع الابتلاءات.
Читать полностью…قصيدتين!
في الموسم القادم سأكتب قصيدتين..
الأولى خالية من كُل المعاني، لا قافية، لا نثر ولا شعر، لا إستعارات مكنية ولا واضحة، سأستخدم فيها بحر جديد وأسميه بحر الفراغ، ستكون أجمل قصيدة، قصيدة ستجعل كل شعراء العالم يجتمعون ليناقشو نظمها، قصيدة لا طويلة ولا قصيرة، لا جديدة ولا قديمة، قصيدة غفل عنها المتنبي، ولم يسمعوها عند تميم، سأسميها "أنا"، أكاد أجزم من الأن إنها ستفوز بكُل جوائز الشعر، ستتهافت قنوات الأخبار حتى ألقيها عبرهم على العالم، سيُخلد التاريخ أن أفضل قصيدة شعرية، قصيدة تفوقت حتى على مُعلقات الجاهلية، هي في الحقيقة قصيدة لم تُكتب، صفحة فارغة، عنوان كبير "أنا"، ثم فراغ.
القصيدة الثانية، سأسميها "أنتِ"...
سأحمل مقص كبير، أفتح صدري، أخرج قلبي، ليرويها بدمه، قصيدة طويلة وحزينة، أعدد فيها كُل خيباتي، لن تتحملني قافية واحدة لذلك ستكون بأكثر، قصيدة عن فراشة، عن الموت، عن الحياة الوردية، عن الهعد، لكن هذه المرة سأكون أنا جمهور قلبي الوحيد، لن أكتب هذه القصيدة هذه المرة، أنتظر منتصف الليل وعواء الذئاب عندما تنام الوحوش، أصعد فوق التلة، أخرج نفس المقص، أخرج قلبي، ليلقيها علي بدمه، مرة بعد مرة، ليلة بعد ليلة، هكذا حتى يتوقف الليل عن المجيء، أو ينتهي دم قلبي، أو أتحول أنا إلى وحش وأنام مثل البقية.
-قاسم عُبيد
حكايات كانت حاصلة في الخرطوم "5"
روح النُدامى..!
النيل كانت يتمشى بسرعته المعهودة على ضفاف الخرطوم، لا أستطيع نسيان تلك الليلة، فعادة أنا لا أنسى الليالي الماطرة، المطر مشهور عندي بقدرته على حفظ الذكريات التي تصاحبه، لكن بطل ذكريات تلك الليلة الماطرة والذي جعلها ليلى لن أنساها ما عشت صوت، أرغمني صديقي عُمير على مرافقته إلى حفل ليلي يُقام داخل مركب على ضفاف النيل، إلتقينا بعد المغرب قليلاً وكانت المفاجئة الأولى إننا لا نملك سيارة تقلنا عند العودة، وتلك مصيبة كبيرة لشخصين مكان سكنهم في الضفة الأخرى خلف الشمس، أي أبعد مكان تقريباً من مكان الحفل، لكن لحسن حظي أن صديقي أصر على الذهاب مهما كانت العواقب وخيمة، قطعنا تذاكرنا التي أذكر جيداً أن ثمنها تسبب لنا بأزمة مالية حادة قُرابة الإسبوعين لجيوب كلانا، لكني عمير كان يُصر أن جاليلو بطريقة أو بأخرى سيرد لنا أموالنا، كنت قد إستمعت إلى عدد من أغاني جاليلو التي أرسلها لي صديقي نفسه حتى أؤمن معه بأن جاليلو هو أسطورة الفن السوداني القادمة بقوة، لا أنكر طبعاً جمال صوت الرجل وتفرده الواضح بالغناء لكن ليس بهذا الثمن المرتفع، بعد لحظات نزل علينا المطر، بدأ الناس ينسحبون من المركب واحد تلو الأخر ويقومون بإسترداد المبالغ بعد إرجاع التذاكر، وجدت أن تلك فرصة ذهبية لأنقذ نفسي من الإفلاس، ملت على صديقي وأخبرته أن الحفل لن يُقام كما ترى ومن الحكمة أن نذهب الأن حتى لا نضطر للسير من برج الإتصالات الخرطوم إلى أمدرمان، لن صديقي أصر على الإنتظار وأخبرني إنه يؤمن تماماً أن الحفل سيُقام، مُجبراً لا بطل وجدتني أنتظر حتى منتصف الليل والحفل لم يبدأ، إنتقلنا إلى عُلية المركب التي كانت مسقوفة، كانت حولنا طاولات على أسر سودانية نعم لكن كل أفرادها يتحدثون الإنجليزيّة، كانت المربية المسكينة تطارد الصبية حتى لا يثيرون الشغب في المكان، تنهرهم بالإنجليزية ويتذمرون بالإنجليزية، لولا وجود صديقي عمير وحديثنا الساخن حول السياسة و سودان ما بعد الثورة لقلت إننا بطريقة ما إنفصلنا عن الواقع وأن هذه السفينة سافرت بالزمن إلى بلاد أخرى غير هذه البلاد، فجأة سمعنا صوت مكبرات الصوت قادم من الأسفل يمهد لبداية الحفل، إنتبهت أن الساعة تجاوزت منتصف الليل بقليل، كانت لي أمنية واحدة، أن يستمر الحفل حتى ساعات الصباح الأولى، هكذا سينتهي كابوس العودة إلى المنزل، لكن صديقي كان لا يفكر إلا في الحفل ولا يشغل باله إلا الوجبة الدسمة التي على وشك إلتهامها بعد قليل، عدنا إلى طاولتنا، كان المطر قد توقف قبل دقائق مخلفاً موجة برد لطيفة، والمركب كان يتحرك حركة طفيفة، كل هذه المعطيات جعلت من مهمة النعاس سهلة، بدأت أستسلم لسلطان النوم، حماسي الضعيف للحفل بدأ يتناقص، كنت أفكر في مخدتي العزيزة التي بلا شك تشعر مثلي تماماً بالوحدة، بدأ الحفل، أقصد السحر، الأغنية الأولى كانت النُدامى، التي تحولت بعد تلك الليلة الأغنية المفضلة عندي، لجاليلو طبقة صوت خاصة به، مكان سحري، لتصل إليه تحتاج إلى خامة صوت وحبال صوتية سحرية كتلك التي حباها الله لمحمد عبد الجليل، كلما يتغنى يختفي شيء ما من أمامي، لم أعد أرى صديقي بالقُرب مني ولا المركب ولا الناس ولا الفرقة الموسيقية، أنا وجاليو يُغني، هرب مني النعاس، ولم أعد أفكر في طريق العودة، كل ما كان يخطر ببالي، فكرة واحدة، وكنت أقاتل حتى أطردها، فكرة أن هذه الحفلة ستنتهي، وسأعود مجدداً إلى الأرض والحياة العادية الخالية من صوت جاليلو، بعد ذلك الحفل لا أبالغ إذا قلت إنني إستمعت إلى أغنية الندامى مئات المرات لكن ولا مرة كانت بلذة تلك الليلة، ولكن مثل كُل القصص الجميلة التي تنتهي في النهاية إنتهت الحفلة، وفعلاً لم نجد أنا وصديقي ما يعيدنا إلى أمدرمان إلا دراجة صديقي مهند النارية، كانت رحلة شاقة لثلاث أشخاص فوق دراجة ضيقة، لكني لم أتذمر ولن أفعل، تلك الأمسية خلفت على ملاحي إبتسامة لذيذة، وأدركت وأنا في طريقي إلى منزلي إنني قلب دقائق عشت ليلة أسطورية لن أنساها ما عشت، ليلة كان بطلها صوت جاليو، وإنني لن أندم وأنا أتذكر روح الندامى، بعد تلك الأمسية لم أفوت حفل لجاليو إلا لظروف خارقة خارجة عن إرادتي، أكتب هذه الأسطر بعد أن تحولت تلك الذكريات بفعل الحرب إلى أماني شبه مستحيل تكررها بنفس الطريقة، فصديقي عمير سافر قبل الحرب بشهور، وجاليو سافر بعد الحرب، أما أماكن الحفلات نفسها فتكفلت الحرب بتحويلها إلى خرابات خالية، لكن هنالك أشياء لا تسطيع ألسنة نيران الحرب الوصول إليها، ذكرياتنا الجميلة في تلك الأماكن ومع أولئك الأشخاص، وأملنا القوي بالعودة، لكن حتى يتحول ذلك الأمل إلى حقيقية لنغني معاً:
"أدر الكأس على العشاق صفواً ومدامة...
يا حبيب القلب والروح ويا روح الندامى.."
-قاسم عُبيد
18/11/2023
" بعد 217 يوم من بداية الحرب"
حكايات كانت حاصلة في الخرطوم "3"
القدس لنا...!
قهوة القُدس بالسوق العربي، كان ينبغي عليها أن تكون مكان عادي، مجموعة كراسي بلاستيكية وقطع من الزلابية ومشروب ساخن، لا شيء مميز بخصوصه، مكان عشوائي أخر، ربما تزوره مرة أو مرتين طوال حياتك دون أن يترك أثر داخلك، لكن كان لأصدقائي الظاهرين بالصورة رأي أخر، فتحول المقهى بفعلهم إلى محطة راحة، نجلس فيها بعد يوم طويل بالجامعة، أو نقطة إلتقاء بعد تمرين خماسيات، أو فقط نلتقي هنالك لأننا نريد أن نلتقي، هذه الجلسة بالذات هي من نزعت من مقهى القدس عاديته، بل رفعته درجات حتى أصبح من الأماكن المفضلة لي بكل العاصمة، فأنا لا أذكر مرة سحبت فيها كُرسي وأخذت موقعي وسط هذه الجلسة إلا وضحكت من قلبي، وأخذت أتأمل تلك اللحظات رفقة أصدقائي في القدس، وكأنني أريد حفرها بذاكرتي، حتى لا تتلاشى و تأخذها رياح الأيام، هذه الصورة مثلاً، ألتقطها أنا، حتى نقوم بإرسالها إلى صديقنا مصعب، الذي كان قد سافر خارج البلاد، فجلسة شاي القدس كانت مفضلته، لكنه إعترف لي لاحقاً وقبل الحرب بإيام قليلة فقط، أن ما يفضلة حقاً هو إجتماعه ب"كمنات" بغض النظر عن المكان أو الزمان، لا تخلو إجتماعاتنا تلك طبعاً من المناكفة و التدويرة المقصودة لأحدنا، ولا أسرار داخل تلك المجالس، وإن كنت تخفي أمر ما، كل ما يحتاجة الأمر هو كوب شاي لبن ساخن و قطع زلابية، ونظرات خبيثة، عندها ستصرخ لوحدك: حسناً حسناً...سأخبركم بكل شيء، لكن هذا سر، لحسن الحظ الجميع، أن ما يحدث في القُدس يبقى في القُدس.
ختاماً، لأول مرة أتذوق مرارة بيت الشعر هذا لدرويش وكأنني أطالعه لأول مرة:
وإن أعادوا لك المقاهي..من يعيد الرفاق؟.
-قاسم عُبيد
"14/11/2023"
حكايات "كانت" حاصلة في الخرطوم "1".
إذا طُلب مني بطريقة ما تصوير فلم وثائقي عن حياتي بالخرطوم، الخرطوم التي أعرفها أنا، لكانت موسيقى أصوات المدينة هي إختياري الأول كموسيقى تصويرية لذلك الفلم، لأسباب كثيرة ربما إذا حالفني الحظ سأكتب عنها لاحقاً، لكن هذه الأسطر هي فقط مقدمة أردت فقط من خلالها تبرير إختياري لهذا العنوان للكتابة عن الخرطوم، الحبيبة العاصمة، التي كنت طوال الأشهر السابقة أتهرب من الكتابة عنها، خوفاً من التباكي على الأطلال، إمعاناً في الحق، لم أستطع الكتابة عنها، لكن بسبب قلمي الخائن و أفكاري المتمردة عليّ، وجدتني أكتب هذه السلسلة، فالخرطوم بالنسبة لي أنا ليست مجرد مدينة كنت أعيش فيها، شردتني منها الحرب، الخرطوم عبارة عن مجموعة من الصور الصغيرة، تراصصت تلك الصور في ذاكرتي، لتُكون أخرى كبيرة، لكل صورة حكاية، حكاية "كانت" حاصلة في الخرطوم، أول صورة وأول حكاية.
لن أتطرق كثيراً لبطل هذه الحكاية، صديقي المسلمي، غريب أليس كذلك؟، كتابة قصة ليست عن بطل قصتها، ولا عني أنا أيضاً، الحكاية وما فيها تتحدث عن فاصل زمكاني، يحدث فجأة ويختفي بنفس السُرعة والدهشة، يبدأ بإتصال هاتفي من أحدنا للأخر وسط يوم عشوائي، يسأل : إين أنت؟ وفي العادة نكمل حديث وكأننا لا ننتظر إجابة : سنلتقي اليوم في الشُهداء تحديداً "جبنة ماريا"، أعيد ترتيب يومي، حتى يتسنى لي الذهاب، وفعلاً نلتقي، لا أذكر طبعاً تفاصيل الكذبات البيضاء التي نبرر بها تأخر كلانا عن الموعد، نادراً ما نصل كلانا في الموعد، لكن دائماً ما نصل، تارة يجدني حانق على تأخيره غير المبرر، ومرات أخرى أتلقى نصيبي من الشتائم، مع أنني تأخرت ساعتين فقط، لكن سريعاً ما ننسى كل ذلك، لنمارس عادتنا المشتركة المفضلة، نتحدث معاً، يطلب كلانا قهوته، قهوة ماريا قليلة الكلام كثيرة السكر، وبعدها نخوض عراك صغير عن الموسيقى، أي الأغاني سنستمع إليها أولاً؟ ومن هاتف من؟، طوال فترة غيابنا عن بعضنا البعض، يُخزن كلانا عدد لا بأس به من القصص، والأغاني، حتى نتشاركها معاً عندما يحين موعد اللقاء القادم، أعرفه على عوالم الباشكاتب محمد الأمين الساحرة، فيأخذني هو بدوره بجولة بين القصائد التي راقت له، بعدها يضع كل منا المشاكل التي أثقلت كاهلة من اللقاء السابق على كتف الأخر، دائماً ما يسرقنا الوقت، فتتذمر ماريا دون حديث مباشر من طول جلستنا، فنضطر لطلب كوبان من الشاي الأحمر، حتى نخفف من حدة نظراتها علينا، الشاي الذي في الغالب نضيف إليه فول مدمس، إلى أن تعلن ماريا نهاية الجلسة، وكانت لها طريقة مميزة في فعل ذلك، تقوم برص الكراسي فوق بعضها، هذا يعني إنتهاء فاصل الزمكان، الذي من خلاله لم نشعر بمرور الوقت، ولا المكان من حولنا، في الغالب لم تختفي المشاكل التي كانت تؤرقني قبل اللقاء، لكني وبعد كُل لقاء طويل جمعني بصديقي المسلمي في ذلك المكان، أشعر وكأن الحياة فجأة أصبحت أسهل، لكن الحقيقة التي كنت لا أعرفها حتى إفترقت طرقنا مجدداً وأختفى فاصل الزمكان وأختفت ماريا، هي أن الحياة تصبح أسهل بعد ذلك اللقاء، لأن فكرة وجود المسلمي، صديقي الذي أستطيع معه صُنع نكات من مشاكلي، فتصبح ضئيلة، ونضحك معاً على الحياة، ونذكر كلانا الأخر، إننا حتماً سنصير يوماً ما نريد، كل منا سيصبح بطل قصته الخاص، وأن كُل ما يحدث الأن هو مجرد أحداث تمهد للمشهد الختامي، ينتهي اللقاء، ويذهب كل منا في طريقة، حتى يتكرر اللقاء مرة أخرى، بعد عدة أسابيع، أو غداً، لا أحد يدري، لكن ما نعلمه كلانا، أنه إذا إحتاج أحدنا إلى فاصل زمكاني، كل ما عليه فعله هو إتصال هاتفي، أين أنت؟ ...نلتقي في الشهداء، جبنة ماريا.
-قاسم عُبيد
12/11/2023
الجزيرة-الجنيد
إخترت هذه الصورة بالذات ربما لأنها تستطيع الحديث نيابة عني وعندها لا حاجة لكتابة هذا المنشور طويل، في هذه الصورة أظهر وأنا كنت أحمل هموماً كبيرة، ظننت حينها أن تلك الهموم بشكل أو بأخر ستؤثر على مستقبلي القريب بشكل سلبي، أكتب هذه السطور ومضت ست أشهر من تاريخ إلتقاط تلك الصورة، تحولت همومي تلك إلى أضحوكة الأن، الهموم نفسها لم تتغير، لكن أنا من تغير، نظرتي للأشياء تغيرت، قائمة أولوياتي تغيرت، تمكنت بفضل ذلك التغير من التعامل مع تلك الهموم بصورة أكثر عقلانية، وربما أصبحت جاهزاً لحل تلك المعضلات الأن، لكن المضحك في الأمر، إنني إذا قمت بإلتقاط نفس الصورة لي الأن ربما ستظهر ملامح بؤس أكبر هذه المرة، الأمر أشبه بدراسة مادة الرياضيات، في البداية تتلعثم لتنطق برقم فقط، بعدها تصبح عمليات الجمع والطرح كسلاح أخترع فقط لتعذيبك، لكن سرعان ما تتحول عمليات الجمع والطرح إلى نكتة عندما تدخل عوالم جداول الضرب، هكذا في كُل مرة، تكتشف أن المرحلة السابقة كانت ألطف بكثير وأسهل عن رفيقتها الحالية، لكن هي الحياة هكذا يا صديقي، عجلتها تدور، وأنت أيضاً تدور معها، تتنقل بين مراحلها وتفتح مستويات جديدة، كل مستوى هو عبارة عن مرحلة جديدة، بقوانين جديدة، وهموم جديدة، وصورة أخرى تلتقطها وتضحك عليها وتتحسر على سهولة المرحلة السابقة، أو ربما لتكتب منشور مثل هذا على مكان ما.
-قاسم عُبيد
١٠/١١/ ٢٠٢٣
(ولاية الجزيرة-الجنيد البيارة)
"سُرادق الحياة"
أعيش داخل عالم من صُنعها، عالم فيه أنا البطل، بل جميع الأبطال، أجنحتي أضحت كبيرة، حتى السماء بكبرها لا تسعهم، أقتات على عينيها، شعرها يضع برفق الماء حدود ليلاي، ضحكاتها كمالموسيقى تُراقصني، جعلت الحُزن عمى، فلا يراني، أصم، فلا يُدركني، تطوقني كعالم، تصنع لي من نجوم المجرة طريقاً، تخيط لي كُل يوم من ثوب السعادة رداء يقيني رمضاء الحياة، كُل يوم أرفف، بجناحي الكبيرين، وأصلي سُرادق الحياة.
-قاسم عُبيد
في قرية بعيدة عن الأنظار، بعيدة لتلك الدرجة التي جعلته يظن إنها حتى لا تتواجد على الخريطة، الكهرباء تعني لهولاء السكان فقط وابور العمدة التي تضخ المياه من قاع الأرض إلى زرعهم وأجسادهم، إندس هو هناك حتى لا يُرى، يهرب من شيء ما، تلك النظرات التي تتابعه وكأنه مجرم، في الحقيقة لا أحد ينظر له، لكن خُيل له ذلك، أهل القرية يعلمون فقط ما يكفي، هو حفيد صاحب هذا المنزل الذي توفى قبل عقود وهو من سكان الخرطوم وجاء هارباً من الحرب، حتى جيرانه حاولوا مساعدته بإحضار وجبات وخضروات كونه ضيف و وحيد لكن دون جدوى، رفض إي محاولة لمساعدته، يخرج أحياناً ليبتاع بضعة أشياء حتى لا يموت جوعاً، وأكد عباس صاحب البقالة إنه كان شخص كتوم ومرتبك، ويرتعش كمن عضته عقرب، وكان يغطي راسه بشال كبير حتى لا يُكشف، هو فشل في تلك المهمة، لأنه الوحيد الذي يرتدي بنطال في هذه القرية، ناهيك عن طريقة حديثة..حتى وصفه سكان القرية بالشاب الغريب وفجأة خرج صمته..بل كما وصفه حاج التوم "الشافع جاري نص الحلة ويكورك زي المجنون"..بالشافع يقصد الشاب الغريب، كان يركض ويصيح عالياً:
أنا أي ثائر..لكن ما عملت الحرب دي..
ما صنعت دوشكا..
ما صنعت طيارة..
ما عملت حرب..
ما عملت مليشيا..
أنا ثائر..لكن ما قتلت زول..
ومن يومها لم يراه أحد مجدداً..لكن ظلت كلماته عالقة في جدران القرية، آذان الناس، حتى وابور العمده لم تستطيع إسكات صدى صوت كلمات الشاب الغريب وسط القرية.
#حكاوي_الحرب
لدى حكى حرب أخرى..ولكن هذه حُكى قصها يطول وأنا الليلة مشغول.
مدهش مقدرتها على إحتواء كل هذه الفوضى، هدنة، ممرات آمنة، سلام، إنتصار، بر آمن، ركن هادئ ، حبيبتي كل هذا في آن، تجعل من الخوف إسطورة، والتوتر مجرد شعور لحظي، وتغلق كل مسارات التفكير المتشائم نحو عقلي، ومن خلال عينيها أرى المستقبل المشرق الآمن، لا أعلم متى تنتهي الحرب، لكن صوت ضحكات حبيبتي أعلى من ضجيج البنادق والمدافع على الأقل بقلبي ولي أنا.
26/4/2023
إنّها الأيام التي لا أشكو فيها ثقل قلبي لأحد، ولا أستطيع أن أقاوم فيها أكثر مما كُنت أفعل دائمًا، لكنّك ياربّي ترى كل شيء، تراني حينما أُجاهد وقد ضاقت دنياي بي، ولا أرجو سوى أن تنتهي كل فترات حياتي الصعبة وأعود على مايرام.
Читать полностью…نص عن الشمس🌞
من أنت؟
-متى؟
قبل؟
-باحث عن الشمس..
والآن؟
-هي عندما تضحك!
من ؟
-شمسي.
جميلة؟
-بل مقياس للجمال.
أيمكنك وصفها؟
-ذلك سهل..أعطيني أكثر من ثمان وعشرين حرف فقط.
عيناها؟
-تصف الليل.
ضحكتها؟
-جنتي.
أتحبها؟
-وأشرب وأكل.
لماذا؟
-وهل يسأل العطشان عندما يشرب الماء؟
لماذا الشمس؟
-لأن مصيرها الظهور.
وبعد ظهورها؟
-أنستي كل دهور الكسوف.
وإن غابت؟
-أعود للبحث عنها هي مجدداً.
إلى متى؟
-حتى ينتهي الكسوف.
ومتى؟
-حين نعيش أنا والشمس تحت ظل واحد.
قاسم عُبيد
عوالم!
شد العجوز خُوان بمبر ست الشاي بإنزعاج شديد، أنتولينا بائعة القهوة تعرف خوان جيداً، كيف لا وهو أقدم زبون عندها، سكبت له فوراً جبنة خالي دواء في فنجان، إقتربت منه بحذر، رائحة البخور وصلت قبل رائحة القهوة، كانت تُمني نفسها أن يفلح مثل المرات السابقة في تهدئة العجوز الغاضب، لكنها أدركت أن محاولتها فشلت لذلك وضعت القهوة وإنسحبت في صمت لتأخذ مكانها خلف كشك قهوتها لتتظاهر إنها تهبهب في الفحم هرباً من سخط خوان المُحتمل، أنتولينا أشهر ست شاي في مدريد، خلف ساحة كارستوليا، تحت شجرة السنط الكبيرة، أشهر حتى من البيرنابيو ملعب ريال مدريد، أنتولينا تعرف جيداً سبب غضب خوان، فخوان إسباني عتيق، أقدم حتى من المملكة نفسها والملك، وُجد خُوان أولاً بعدها حدثت إسبانيا، لذلك هو لن يهتم بإرتفاع قيمة الدولار مقابل اليورو، وزحمة موقف جاكسون لا تعني له شيئاً، وبالتأكيد هو لن يهتم بسوق العقارات المجنون بمدريد بالذات بحي المطار وكافوري، وأعتقد إنه مر وقت كثير من أخر مرة سب فيها خوان موظف حكومي فاسد، كما إن مشكلة السيول الخريفية أصبحت بالنسبة له فرصة ليُعيد تعلم السباحة، بإختصار شديد، طالما سعر علبة البرنجي و عدد صحيفة ماركا في متناول يديه فهو لن يهتم، لكن هذا العجوز خُوان مميز، بل يمكنك وصفه بالمشهور هنا بمدريد، خوان برشلوني، وُلد بإقليم كتلونيا، لكن ظروف الحياة الصعبة، جعلت أسرته تشد الرحال إلى العاصمة، حيث عاش كُل حياته، لكن طبعاً من وُلد كتلونياً فسيظل كتلونياً حتى الممات، حياته بمدريد عرين ريال مدريد لم تمنعه من أن يكون برشلوني على السكين، شعار خوان المُقدس " الله، البرنجي، برشلونة"، بالأمس كان فريقه برشلونة في زيارة ثقيلة لملعب السنتياغو ليُقابل غريمه الأزلي ريال مدريد، مُدلل الملك كما يُحب خوان تسميته، لكن برشلونة هُزم، هذه بمثابة كارثة وقعت على رأس برشلوني يعيش وسط هذا الكم الهائل من مشجعي الريال، بالذات أن صديق حياته العجوز كارلوس يُشجع ريال مدريد، بعد المبارة إستطاع خوان التهرب من مكالمات كارلوس بطريقة ما، لكن اليُوم يعلم خوان أنه لا مفر من لسان ذلك العجوز، لم يكمل خوان فنجان قهوته حتى ظهر كارلوس على ظهر ركشة وهو يُشهر إبتسامة خفيفة على شفتاه، يُلف حول عُنقه وشاح كُتب عليه "ريال مدريد..سيد البلد"، حاسب كارلوس الجوكي (الجوكي: هو سائق متخصص في قيادة الركشة ويتقاضى فقط المعقول)
بسرعه وإلتفت على صديقه عابس الملامح وقال له:
-ظووووط..ما قلنا ليك ما بتقدر يا معتز..ما بتقدر..
(إستخدم كارلوس لكنة الدناقلة وهي قبيلة تسكن أواسط شمال إسبانيا)
حاول خوان تمالك غضبه وتظاهر بالبرود وقال:
-إنتو أصلاً فريق حكام ساي..ياخ من زمن فرانكو ياها حركاتكم..هلا تحكيم وزفت...!
لكن كارلوس لم يسمع أصلاً ما قاله خوان وواصل حديثه:
-خليك من ده كلو...البل ده رأيك فيهو شنو؟.
(البل ده رأيك فيهو شنو؟ هي جملة شهيرة قالها أحد قساوسة الكنسية الذي أُشتهر مؤخراً في إسبانيا على مواقع التواصل الإجتماعي بسبب مقاطعه المضحكة)
حاول خوان تغير الموضوع، هرب مُسرعاً للسياسة:
-نحن أصلاً دايرين ننفصل ودوريكم ده إلا تلعبو فيهو براكم تاني..!
هُنا صاح كارلوس وهو يرقص وسط ضحكات رواد قهوة أنتولينا:
-واي واي ما دايرين..واي واي ما دايرين.
-قاسم عُبيد
حكايات كانت حاصلة في الخرطوم "4"
"النيمة..كُل الحكاوي"
ست سنوات، عشنا معظمها تحت ظلال نيمة كلية الصيدلة جامعة النيلين، ضحكنا، رقصنا، هتفنا، بكينا، بين تلك النيمة وبين طلاب الكلية قصص لا نهاية لها، وأنا أيضاً أملك نسختي الخاصة من القصص، بيني وبين النيمة، ما زلت أذكر أول يوم دخلت فيه إلى مباني الكُلية، أول ما شد إنتباهي طبعاً شجرة النيم التي تتوسط ساحة الكُلية الخالية إلا من مجموعة من المقاعد الفارغة، أخذت مكاني وبدأت أحدق في فروعها المترامية التي تصل إلى كل ماكن تقريباً، وأخذت أتخيل أول يوم زرعت فيه، علمت لاحقاً أن من زرعها أحد حكام الأنجليز في ساحة منزله، الذي تحول لاحقاً إلى مبنى للكلية، بمعنى أخر، هذه النيمة شهدت كل تاريخ السودان الحديث، إستقلاله، كل ثوراته ضد الظلم، حروبه، إنتصاراته، هزائمه، وكانت أيضاً شاهدة على كل فصول قصتي بالجامعة، رأتني وأنا مجرد برلوم غر حديث عهد بالجامعة، لا حد لطموحه، شاهدتني وأنا أكبر وأتغير، تتساقط منها هي الأوراق مع تغير فصول العام، وأتنازل أنا عن أفكاري بتغير فصول الحياة، أول غياب طويل كان بيننا هو ثورة ديسمبر، عدت لها بعد عام تقريباً، أظنها أدركت حينها بحكمة كبار السن إن ثورتنا إنتصرنا، وبلا شك حركت رياح الحرية فروعها، بعدها بعام فقط، غبت عنها مجدداً ، أكثر من عام بقليل، عدت إليها وأنا أرتدي كمامة حتى لا تنتقل إليها عدوى كورونا.
أخيراً فرقتنا الحرب، وهذه المرة لا أجد داخلي أي أمل ولو بسيط بالعودة، وكأن قصتي مع النيمة إنتهت بلا فصل أخير، قصة ناقصة أخرى من قصصي، لم أعد أرى نفسي وأنا جالس تحت النيمة للمرة الأخير وأنا طالب يوم تخرجي، لم أعد أراني أجلس في نفس المكان للمرة الاخيرة وأنا أعيد أول لقاء بيننا، وما بين أول لقاء وأخر لقاء كانت حياة كاملة، لا أراني أنا أجتر كل تلك الذكريات للمرة الأخيرة، حفل إستقبال الطلاب الجدد، خميس ونيس، تدشين الرابطة، بازار خيري لفارماكون، يوم الصيدلي العالمي، بازارات الدفع، الحقائب الرمضانية، نقاش ساخن بين الطُلاب، دردشات طويلة مع الأصدقاء، إنتظار طويل لجلسات الإمتحانات، وتلهف وترقب لنتيجة طال إنتظارها، هذه أول مرة لا أعرف إذا كنت سأعود للنيمة مجدداً، وإذا عدت هل ستكون كما هي أم الحرب أخذتها مننا هي الأخرى، لكن ما أعرفه جيداً، إنني لن أنسى النيمة ما عشت.
-قاسم عُبيد
15/11/2023
حكايات كانت حاصلة في الخرطوم "2".
سقط جسر أخر...
أنا تقريباً من القلة القليلة التي تعشق الباشكاتب لتلك الدرجة ولم يحالفها الحظ ولا لمرة واحدة أن تكون بين حشد جماهير إحدى حفلاته رغم كثافتها في السنين الأخيرة، أكتب سطور هذا المقال تعزية لي وللجميع، فالموسيقار كان بشهادة الجميع أسطورة حية، علم من أعلام الفن السوداني ولن أبالغ إذا قلت الفن الشرقي عموماً، قبل سنوات كنت قد بدأت لتوي أتحسس الموسيقى السودانية على خجل بداعي الإكتشاف لا لغير، فأول عهدي بالموسيقى كان غربي خالص، حتى بداية فترة الجامعة كان كل ما يربط بيني وبين الفن السوداني هو فقط محمود عبد العزيز، لكن بحكم إحتكاكي بعدد من الأصدقاء، بدأت موسيقى ود الأمين تسلل إليّ ببطء لكن بثبات بدأت أرى معالم تلك اللوحات وهي تتشكل أمامي، فأخذت أبحر في سماء ألحانه، وكنت كُل يوم أندم على تأخر إستماعي إليه، في كل مرة أستمع إلى أغنية جديدة، أدرك أنني كنت عطشاناً والنهر يسير تحت قدميَّ.
رغم قوميته التي لا شك فيها، وإتساع رقعة إنتشار معجبيه في كل السودان بشقيه الشمالي والجنوبي، لكن بين الباشكاتب والخرطوم حنين أزلي، الخرطوم التي أبت إلا أن يموت فنانها المفضل بعيداً عنها، لا هو يراها جريحة ونازحة ولا هي تراه طريح الفراش، كيف لا؟ وكانت بينهم الأثنين معاهدة سرية، أتفقو فيها معاً ألا يموت الفن، ستفتح هي زراعيها كلما دندن لها بعوده، وسيهديها هو أجمل قصائد الموسيقى.
بوفاة محمد الأمين فقدت الخرطوم أحد أبرز معالمها، لا أستطيع تخيل أزقة وشوارع العاصمة تخلو من بوسترات حفلاته، مكانة ود الامين في قلوب سكان العاصمة المكلومة كبيرة جداً، حتى كاريه لا ينكرونها، الباشكاتب كان بمثابة جسر من جسور العاصمة، يربط بين ماضيها وحاضرها ومستقبلها، جسر يذكر الجميع أن الفن السوداني له باع طويل في الأصالة والرقي، اليوم كُتب الفصل الأخير في أجمل قصة فنية، سقط الجسر.
موسيقى الباشكات خالدة، تبقى ما بقى الفن، فهي وُلدت لتُخَلد، تتناقلها الأجيال، نظرة عشوائية إلى قائمة معجبينه تؤكد لك كلامي، وستظل ذكراه تتردد ما بين جدران المنازل، المقاهي، أزقة السوق العربي، مُسجلات المواصلات العامة الخربة، سماعات المراهقين، مسامع الأجداد والجدات السيئة، وتطوف بعيداً وبعيداً، تصل حتى بلدان لا تفهم العربية، لكنها بلا شك ستفهم موسيقى الموسيقار، فالموسيقى لغة، والباشكاتب من أفضل متحدثينها.
أخيراً..رحم الله الباشكاتب..وعزانا فيه خير عزاء...!
-قاسم عُبيد
13/11/2023
شتلة الصبار...
خرجت أنا وعائلتي الصغيرة بعد إسبوع تقريباً من بداية الحرب، أستغلينا أجواء الحرب المتوترة لنزور منزل جداي بإحدى ضواحى مدينة رفاعة، قرية الجنيد تحديداً، كان من المفترض أن تكون مدة الزيارة تلك إسبوع فقط، أي إجازة عيد الفطر، وبعدها نشد رحال العودة للخرطوم، خلال الأيام الأولى لتلك الإجازة أخذت أختي الصغيرة شتلة صبار من منزل جدتي، ووضعتها في كيس صغير مليء بتربة نهرية، خطة أختي كانت بسيطة ومنطقية، عندما نعود للمنزل، أي بعد إسبوع، ستقوم بزارعة شتلة الصبار في أصيص أكبر وتربة أكبر، ذلك الإسبوع أصبح أثنين، بعدها شهر، الذي بدوره تحول إلى أشهر، نصف عام، شتلة الصبار الصغيرة أصبحت أكبر من الكيس الصغير، عندها قررت أختي زراعة شتلة الصبار تلك في منزل جدتي وتنهي قصة الإنتظار الطويلة تلك، رغم علمي التام ببديهية ما سأكتبه في الأسطر القادمة، لكنني سأكتبه على كُل حال، جميعنا بشكل أو بأخر نشبه شتلة الصبار تلك، نعم نحن لسنا في الأصيص الذي نريده ولا البيئة التي من المفترض أن نتجذر و ننمو فيها، لكن كُل يوم يمر عليك، تتعرف على شخص جديد، معلومة جديدة، مكان جديد، طريقة جديدة، حتى أصبح الكيس الصغير ذلك لا يلائمك، وأصبحت تحتاج إلى تربة أكبر، لأنك يا صديقي شئت أم أبيت، فأنت مثل شتلة الصبار، تنمو، عندما ساعدت أختي في إخراج شتلة الصبار من الكيس الصغير سألتها، وماذا الأن؟، قالت لي : هكذا ستنمو أسرع، وعندما يأتي حين عودتنا إلى المنزل، سأقوم بنقلها إلى كيس أكبر من القديم.
الخلاصة يا صديقي، أنا لا أقول لك إقتلع آمال العودة إلى المنزل، أنا فقط أخبرك وأخبرني معاً، أن الحياة لم تتوقف ولم تُرفع الأقلام بعد، وأنت أين ما كنت فهو أنت، أخرج نفسك من ذلك الكيس الصغير الذي وضعت فيه نفسك، وأزرع نفسك في حوض أكبر، حتماً سنعود، لكن ما المانع أن نعود في أكياس أكبر؟
-قاسم عُبيد
11/11/2023
الجزيرة-الجنيد
الجميع يعيش حياة جديدة، مرحلة جديدة من الركض، لكن هذه المرة بلا خريطة ولا حتى وجهة، الركض من فكرة أن تكون هذه هي النهاية.
Читать полностью…لدينا اليوم قصة!
القرية إستيقظت اليوم على عراك بالقُرب من التُرعة، ما بين رجال العمدة و المطاريد، الترعة التى قُطع مائها منذ سنين حتى يدفع أهل القرية رسوم المياه للعمدة، لأن العمده و وابوره أصبحا المصدر الوحيد للماء هنا، حتى إنه منع تجميع مياه الأمطار، ومن يُمسك به متلبساً بتلك التهمة يُطلق عليه العمدة المطاريد في الليل ويختفي فلا يسمع له أهر القرية بعدها خبر، العمدة لديه عدد كبير من الرجال لكنهم من أبناء القرية نفسها لذلك لا يستطيع توكيلهم بمهمة قتل أبناء قريتهم وخطفهم، لذلك جمع مع صديقه الغريب من القرية حاج مكي جيش خاص به ، من الذين يسكنون الخلاء البعيد هرباً من الحكومة لذلك سماهم أهل القرية المطاريد.
طيلة الأعوام السابقة، أشتكى أهل القربة للعمده من المطاريد، لأن المطاريد كانوا يعتبرون السرقة هواية، والقتل خصلة من خصال الرجولة، وأي شيء يُنتزع بالسلاح فهو حلال بين، العمدة كان كل مرة يقول لهم: بفضل رجال حاج مكي عم الأمان القرية..حتى الضباع ما عادت تهاجم على خرافكم..ولا تصفوهم بالمطاريد فهولاء منا وفينا..مثلهم مثل رجال العمده..من يصفهم بالمطاريد مجدداً سيسجن ويعذب.
مشت الأيام..وغابت شمس وشرقت أخرى..حتى أتى اليوم، الذي أصبح فيه عدد رجال حاج مكي والمطاريد أكثر حتى من رجال العمدة، أتى اليوم الذي طمع فيه حاج مكي بعمودية البلد.
العمدة ذهب مسرعاً قبل بداية الإشتباك مع المطاريد إلى جامع القرية، صاح في الناس، المطاريد حيخربوا البلد يا نااااس هوي، المطاريد عاوزين يقتلونا..يا ناس الحلة أطلعوا على الترعة بعكاكيزكم..يا نحن يا هم..ماف خيار تاني.
لم يخرج أحد ليقاتل للعمده ورجاله، ليس لأن أهل القرية جبناء أو لأنهم يكرهون العمده، لكن فقط لأن نصف سكان القرية إنضم لجيش حاج علي والنصف الأخر تفرق ما بين قُتل بواسطة المطاريد أو شال بقجو ومشى حتة تانية.
وكالعادة..حكى الحرب تطول..و لكن أنا الليلة مشغول.
نلتقي..
"كنا نتسلل مع وقت غروب الشمس عن طريق مدني الشرقي للخرطوم، سائق الدفار يحفظ الطريق مثلما يحفظ عدد الشيبات التي تظهر جلية على ذقنه، كانت الأنباء تتحدث عن أغلاف شبه كُلي للطريق الغربي لذلك إختار السائق هذا الطريق، معي حوالي مئة من الشباب، مئة حلم مقتول، مئة أسرة، مئة مشروع، الآن نحن في طريقنا لمعسكر تجنيد بسوبا، لكزني الشاب الثلاثيني الذي كان بجواري..هل وصلنا؟..سألته هل حقاً تتطلع للوصول؟..قال لي في الحقيقة لا..لكن التنفس هنا أصبح صعباً..أشعر وكأني أموت ببطء.. أخيراً وصلنا للمعسكر..بعد يومين من السفر بالطرق الترابية، المعسكر كان لا يختلف كثيراً عن الطريق.. الجميع يركض في كل مكان..وقفنا في صفين..أتى ضابط وقال لنا..لا وقت للتدريب..من يستطيع حمل السلاح فليصعد على تلك العربة..ومن لا يستطيع لينتظر هنا..ربما.. ربما نعود وندربه"
#لاللحرب
"من قال أن الكُتاب يستطيعون كتابة كُل شيء؟, كاذب، هنالك لحظات حتى الكُتاب يتحولون أمامها إلى أطفال، تتلعثم أحرفهم، وحدها الدموع من تتحدث نيابة عنهم"
Читать полностью…