يبدو كمن يحتَسي في صمتِهِ قلقَهْ
هل يشتكي جُرحَهُ أم يشتكي أرقَهْ
صلبًا كمن ليس يخشى أيَّ فاجعةٍ
كأنَّ كل الذي يخشاهُ قد لحِقَهْ
وبائسًا ووحيدًا مثلَ مئذَنَـةٍ
في دارِ كُفرٍ، تُثيرُ الحُزنَ والشفقهْ
مسافرٌ تهتدي كلُّ النُجوم بهِ
وحائِرٌ ضيَّعت أحلامُهُ طُرُقَهْ.
لَها مَنظَرٌ قَيدُ النَواظِرِ لَم يَزَل
يَروحُ وَيَغدو في خُفارَتِهِ الحُبُّ
يَظَلُّ سَراةُ القَومِ مَثنىً وَمَوحَداً
نَشاوى بِعَينَيها كَأَنَّهُمُ شَربُ
- أبو تمام.
لَو أَنَّنَا . . لَم نَفْتَرِقْ
لَبَقِيتُ نَجمَاً في سَمَائِكَ سَارِيَـاً
وَتَرَكتُ عُمرِي فِي لَهِيبِكَ يَحتَرِقْ
لَوَ أَنَّنِي سَافَرتُ في قمَمِ السّحَابِ
وَعُدتُ نَهراً في رُبُوعِكَ يَنطَلِق
لَكِنَّهَا الأَحلامُ تَنثُرنَا سَرابَاً في المَدَى
وَتَظلُّ سِراً فِي الجَوانحِ يختنِق
عيناكِ نهرٌ والجفونُ ضفافٌ
وأنا المتيّمُ و الهوى أصنافُ
ابحرتُ في عينيكِ دونَ درايةٍ
كيف العبورُ وخانني المجدافُ؟
وتَغَيّرَتْ منكَ الطِّباعُ ولمْ تَعُدْ
تَحنو عليَّ وبي تُحِسُّ وتَشعُرُ
أنكَرتَ ما بيني وبينَكَ في الهَوى
أوَمِثلُ ما بيني وبينَكَ يُنكَرُ؟!
وتَرَكتَني لِلرِّيحِ يَجري زَورقي
وفقاً لِما تَهوى وكَيفَ تُدَبِّرُ
كيفَ النجاة لهُ وبَحرُكَ هائج
ويكاد من أمواجه يتكسرُ!
"صلّى عليكَ اللهُ ما اتّسع المدى
واشتاقت الأرواحُ للرّحمنِ
نفسي فِداك وكُلُّ أهلي والورى
الجِذعُ حنّ..فكيفَ بالإنسانِ؟".
وجئتُ أسألها عما يكدّرها
تردّ آلامها عني وتخفيها
ألقتْ عليّ كلامًا لستُ أفهمهُ
لكن قرأتُ بدمع العين مافيها
أنا الذي لو أرى يومًا مدامعها
أُقيمُ من أجلها الدنيا وما فيها
ما غيرُ صدريَ لو ضاق الزمان بها
وداهمتها الليالي السود
"فأين ودادك المألوف عني
وأين عتابك القاسي الرقيقُ
وأين حديثك المملوء عشقًا
وأين كلامك العذب الأنيقُ
وأين لقاؤنا يا نبض قلبي
وفي عينيك يسحرني البريق
عسى الرحمن يأذن في لقاءٍ
ويجمع بيننا يومًا طريقُ"
وَما لِلحُرِّ في بَلَدٍ مُقامٌ
إِذا قامَ الأَديبُ مَعَ العَياءِ
وَهَل جُرحٌ يُرَبُّ بِغَيرِ آسٍ
وَهَل غَرسٌ يَطولُ بِغَيرِ ماءِ
البحتري.
"أراك تنظرُ في الآفاقِ منتظِرًا
وعدَ الشُروقِ وفي عينيكَ مَغربُهُ
قُل للهُمومِ التي أبقتكَ منكسِرًا
إن طالَ ليلُ الأسى فالصُبحُ يعقبُهُ
عمّا قريب يعودُ الحقُ منتصرًا
ويكتبُ الله أمرًا كنت ترقبُهُ."
سَلَبَ النومَ خيَالٌ مَرَّ بي
فِي فؤادِي لحَبيبٍ غائبِ
فاستَثارَ الطَّيفُ قلبًا مُثقَلاً
أضرمَ الحُبَّ فأهوىٰ جَانِبي