شكى شيخي أذى بعض العامة له بمصلاه فهاجت قريحتي عزاءً لما وجد فتهلّلّ ودعى لي إذ قلت:
إذا قيل أن الناس ترجو مودةً
بذلنا لهم كل الوداد بلا قدرِ
حفظنا لهم حق الجوار وذمة
بميراثِ آباءٍ كِرامٍ مدى الدهرِ
وإن قلبوا ظهرَ المِجنّ لودّنا
فأخلاقنا تعلو بنا وبهم تُزري
-نايف الهذلي
شوطُنا فوقَ احتمالِ الاحتمالْ
فوقَ صبرِ الصَّبرِ، لكن لا انخذالْ
نغتلي، نبكي على مَنْ سَقَطوا
إنَّما نمضي لإتمام المَجَالْ
دمُنا يَهمي على أوتارِنا
ونُغَنّي للأماني بانفعالْ
مُرَّةٌ أحزانُنا، لكنها
يا عذابَ الصَّبْرِ أحزانُ الرِّجالْ
نبلعُ الأحجارَ، ندمى إنَّما
نعزفُ الأشواقَ، نشدو للجَمالْ
ندفنُ الأحبابَ، نأسى إنَّما
نتحدَّى نحتذي، وجهَ المُحَالْ
مُذْ بدأنا الشَّوطَ جَوْهَرنا الحَصى
بالدَّمِ الغالي وفَردَسنا الرّمالْ
وإلى أينَ؟ عَرفْنا المُبتدا
والمسافاتُ، كما ندري طوالْ
وكنيسانَ انطلقنا في الذُّرا
نسفحُ الطيبَ يميناً وشمَالْ
نبتني لليمنِ المنشودِ مِنْ
سُهدِنا جسراً وندعوهُ: تعالْ
وانزرعْنَا تحتَ أمطارِ الفَنَا
شجراً مِلءَ المَدى أعيْا الزَّوالْ
شجراً يَحضُنُ أعماقَ الثَّرى
ويُعيرُ الرِّيحَ أطرافَ الظِّلالْ
واتَّقدنا في حشا الأرضِ هوىً
وتحوَّلنا حقولاً وتِلالْ
مِشمِشا، بُناً، وروداً وندىً
وربيعاً ومَصِيفاً وغِلالْ
نحنُ هذي الأرضُ،فيها نلتظي
وهيَ فينا عنفوانٌ واقتتالْ
من روابي لحمِنا هذي الرُّبا
من رُبا أعظُمِنا هذي الجبالْ
ليسَ ذا بدءَ التَّلاقي بالرَّدى
قد عشقناهُ وأضنانا وِصالْ
وانتقى مِنْ دَمِنَا عمَّتَهُ
واتَّخذنا وجهَهُ النَّاريْ نِعالْ
نَعرفُ الموتَ الذي يَعرفُنا
مَسَّنا قَتْلاَ.. ودُسناهُ قِتالْ
وتَقَحَّمْنا الدَّواهي صُورَاً
أَكَلَتْ مِنّا، أَكَلناها نِضالْ
موتُ بعضِ الشَّعبِ يُحيي كلّهُ
إنَّ بعضَ النَّقصِ روحُ الاكتمالْ
هاهُنا بعضُ النُّجومِ انطفأتْ
كي تزيدَ الأنجمُ الأُخْرى اشتعالْ
تفقدُ الأشجارُ منْ أغصانِها
ثمَّ تزدادُ اخضراراً واخضلالْ
إَّنما يا موتُ هل تدري متى
ترتخي فوقَ سريرٍ من مَلالْ؟
في حنايانا سُؤالٌ، ما لَهُ
من مُجيبٍ وهو يَغلي في اتِّصالْ
ولماذا ينطفي أحبابُنا
قبلَ أن يستنفذَ الزَّيتَ الذُّبالْ؟
ثُمَّ ننسى الحُزنَ بالحُزنِ، ومَنْ
يا ضياعَ الرَّدّ – يُنسينا السؤالْ؟
-البردوني
كَيفَ الرَجاءُ مِنَ الخُطوبِ تَخَلُّصاً
مِن بَعدِ ما أَنشَبنَ فِيَّ مَخالِبا
أَوحَدنَني وَوَجَدنَ حُزناً واحِداً
مُتَناهِياً فَجَعَلنَهُ لي صاحِبا
وَنَصَبنَني غَرَضَ الرُماةِ تُصيبُني
مِحَنٌ أَحَدُّ مِنَ السُيوفِ مَضارِبا
أَظمَتنِيَ الدُنيا فَلَمّا جِئتُها
مُستَسقِياً مَطَرَت عَلَيَّ مَصائِبا
وَحُبِيتُ مِن خوصِ الرِكابِ بِأَسوَدٍ
مِن دارِشٍ فَغَدَوتُ أَمشي راكِبا
إني لاسألُ قادةً أُذُناً
يتخارسون بحجَّةِ الصَّمَمِ
فيمَ الحياة تُرى إذا عَرِيَتْ
من أخذ ثَأرِ عن دمٍ بِدَمِ؟
الجواهري.
وَبَيني وَبَينَ النائِباتِ وَقائِعٌ
يُهَوِّنُها المَوتُ الَّذي أَتَوَقَّعُ
فَكُلُّ زَمانٍ لَيسَ لي فيهِ صاحِبٌ
وَكُلُّ حَبيبٍ ما لَهُ فِيَّ مَوضِعُ
القاضي الفاضل.
وَلربَّما تبكي لأنَّكَ عاجزٌ
فَاربأ بضعفكَ أن يُشاهدهُ الوَرى
واذهب إلى الرَّحمنِ أخبرهُ بمَا
بكَ قد ألمَّ وكلَّ ماَ لكَ قد جَرى
واخرج إليهم ضاحكًا مُتبسِّمًا
وكأنَّ مثلكَ في السَّعادةِ لَم يُرَا
فالنَّاسُ بينَ تَقلُّبٍ وتَغيُّرٍ
واللهُ رَبُّكَ لم وَلن يتغيَّرًا!
كم ليلةٍ قد بت أرقب صبحها
وأنجمها في الجو ما تتزحزح
ويمناي فوق القلب تبرد حره
ويسراي تحت الخد والعين تسفح
ابن داود الظاهري.
"فنظرت إلي نظرة لن أنساها؛ نظرة كأنها تدمع، نظرة تقول بها: ألست إنسانة؟ فلم أملك أن قلت لها: تعالي تعالي.
وجاءت أحلى من الأمل المعترض سنحت به الفرصة"
الرافعي.
"فَكِل إلى اللهِ ما أعياكَ مَطلَبُهُ
فسوفَ يأتي بما لا تَأمَلُ القدرُ"
الوتـــر يا أحبة
وَهَمٌّ سَقَيتُ القَلبَ مِنهُ وَحاجَةٌ
رَكِبتُ إِلَيها غارِبَ اللَيلِ عارِيا
وَعارِيَةُ الأَيّامِ عِندي سَيِّئَةٌ
أَسَأتُ لَها قَبلَ الأَوانِ التَقاضِيا
أَرى الدَهرَ غَصّاباً لِما لَيسَ حَقَّهُ
فَلا عَجَبٌ أَن يَستَرِدَّ العَوارِيا
وَما شِبتُ مِن طولِ السِنينَ وَإِنَّما
غُبارُ حُروبِ الدَهرِ غَطّى سَوادِيا
وَما اِنحَطَّ أولى الشَعرِ حَتّى نَعَيتُهُ
فَبَيَّضَ هَمُّ القَلبِ باقي عِذارِيا
أَرى المَوتَ داءً لا يُبَلُّ عَليلُهُ
وَما اِعتَلَّ مَن لاقى مِنَ الدَهرِ شافِيا
"فَكِل إلى اللهِ ما أعياكَ مَطلَبُهُ
فسوفَ يأتي بما لا تَأمَلُ القدرُ"
الوتـــر يا أحبة
ما جالَ بَعدَكِ لَحظي في سَنا القَمَرِ
إِلّا ذَكَرتُكِ ، ذِكرَ العَينِ بِالأَثَرِ
-ابن زيدون