الأول:- أن يزداد وعيا وبصيرة، بطبيعة المعركة والصراع مع العدو الإسرائيلي والأمريكي، نظرا لأن الناس بحاجة إلى الوعي بالأحداث وحقيقتها، بحاجة إلى الوعي القرآني، الذي يوضح حقيقة الموقف من أعداء الأمة، من اليهود والنصارى وأوليائهم وحلفائهم، وعلى الجانب الإعلامي، أن يقدم الحقائق والمعلومات التفصيليلة للناس.
الثاني:- ينبغي على الإنسان المؤمن، الذي يدرك معنى وأهمية المسؤولية، أن يسعى ليكون عطاؤه وإسهامه وجهاده في سبيل الله تعالى، أكبر وأكثر بصورة تصاعدية، وأن لا يضعف ولا يستكين ولا يتواني، في أداء ما عليه من المسؤولية، وأن ينظر إلى كل ما يقوم به، من منطلق واجبه الجهادي، والأعمال الصالحة، التي يتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى.
لذلك ينبغي الاستمرار في التفاعل، والخروج الشعبي المليوني الأسبوعي، بوتيرة تصاعدية وإقبال كبير، في العاصمة صنعاء وبقية المحافظات، جهادا في سبيل الله، ونصرة وإسنادا لإخواننا المستضعفين في قطاع غزة، وتأكيدا على موقف الشعب اليمني المشرف.
وهو ما يؤكده الارتياح الشعبي، لهذا الإنجاز الأمني العظيم، الذي تحقق بعون الله تعالى وفضله، وتعاون ويقظة ووعي أبناء الشعب اليمني المجاهد العزيز، الذي كان ولا زال السد المنيع في وجه كل المشاريع التآمرية والتخريبية، حسب البيان.
Читать полностью…ذلك السخط الشعبي الطلابي المتصاعد، في أمريكا وأوروبا، وما يحمله من مؤشرات سقوط تلك الأنظمة، في تموضعها الاستعماري، إلى غير رجعة، فهو أيضا يعلن صحوة الضمير العالمي، الذي يستحيي من الانتصار لمحرقة مزعومة، ويغض الطرف عن محرقة ماثلة أمام عينيه، يتكرر في تفاصيلها التوحش والإجرام يوميا، على مدى أكثر من مئتي يوم.
إذن ما الذي تبقى في جعبة الكيان الإسرائيلي الغاصب، وما هي رهانات شركائه في البقاء، خاصة في ظل حتمية الهزيمة والزوال، وهل يمكن الحديث عن مستقبل لإسرائيل ما بعد الهدنة، أو مستقبل القوى الاستعمارية ما بعد الطوفان؟
"إسرائيل" فقدت شروط بقائها..
إبراهيم محمد الهمداني
الحلقة الثالثة
(الأخيرة)
٣– الشرط السياسي الإمبريالي..
من ممكنات الهيمنة إلى استحقاق السقوط.
حاولت دويلة الكيان الصهيوني، تجاوز حالة المقاطعة والعزلة الجمعية، التي فرضها عليها محيطها العربي الإسلامي، فعملت على تطبيع وجودها الطارئ، واستبدال كيانها اللقيط، بدولة ذات انتماء ديني مفترى، ومواراة دورها الوظيفي الاستعماري، خلف ملصقات المشروع الحضاري، وتغليف طبيعتها العدائية، ونزعتها الوحشية الإجرامية، ونفسيتها الخبيثة الإفسادية، بالترويج لسياستها القائمة، على الأخوة والتسامح والتعايش والسلام، بهدف إيهام محيطها العربي أولا، والإسلامي ثانيا، بحسن نواياها، ورغبتها في كسر حاجز عزلتها، وتقديم نفسها صديقا ودودا، مبادرا بتجسيد التعايش، وتحقيق السلام، علها تطوي عقودا من الحروب والكراهية والانتقام، وتخلق حولها بيئة مجتمعية تتقبلها، وتقدم على إقامة علاقات ودية معها، بما يحقق كسر عزلتها السياسية، وينهي وضع المقاطعة الشعبية، وتداعياته عليها.
غير أن نزعة الأنا الاستعمارية المتعالية، وطبيعة الدور الوظيفي الإجرامي، وخبث وانحطاط النفس اليهودية، قد انحرف بها، عن تقمص دور المثالية، ونبا بلسانها، عن لوك خطاب الفضيلة، ولم تحتمل مجرد التلفظ بها، كوسيلة مؤقتة، تبررها الغاية الكبرى، وهدف تحقيق الحضور الفاعل، والهيمنة الريادية، على الساحة السياسية الفلسطينية، ثم العربية الإقليمية، وصولا إلى صناعة السياسة العالمية، وريادة جميع الميادين والمحافل الدولية.
ويمكن تلخيص مسيرة الكيان الإسرائيلي الغاصب، في بعدها الاستعماري التصاعدي، ومسارها الوظيفي المتدرج، نحو صناعة الهيمنة، وحلم الريادة، على النحو الآتي:-
أ– على المستوى المحلي/ الداخلي.
من خلال:-
١– اختراق فصائل الجهاد والمقاومة، وبث سموم الفرقة بينها، على قاعدة "فرق تسد"، واستهداف قوة كل فصيل على حدة، وإيهام بقية الفصائل الأخرى، أنها بمنأى مما لحق بنظيرتها، ما دامت ملتزمة "الحياد" والصمت، ولكن ذلك كان مجرد خدعة استعمارية، فما إن ينتهي العدو الإسرائيلي، من القضاء على قوة فصيل فلسطيني، حتى ينتقل إلى الفصيل الآخر، وهكذا.
لكن وعي فصائل الجهاد والمقاومة الفلسطينية، بزيف وقذارة وعود وسياسة العدو الإسرائيلي، أفقده فاعلية وقدرة هذه الاستراتيجية، على خدمة مشروعه الاستعماري، واستطاعت تلك الفصائل انتهاج استراتيجية مضادة، ارتكزت على مبدأ "وحدة الساحات"، التي ظهرت بقوة، ابتداء من معركة "سيف القدس"، واستمرت وصولا إلى عملية "طوفان الأقصى"، مؤكدة واحدية الموقف والميدان، وأن اتحاد فصائل الجهاد والمقاومة الفلسطينية، في معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس، نابع من حقيقة الواجب الديني، وطبيعة الالتزام الإيماني، بتنفيذ الأمر الإلهي، والاتحاد في مواجهة أعداء الله، إيمانا بنصره، وإنجازا لوعده، ومن أوفى بوعده من الله.
٢– كما اعتمد الكيان الإسرائيلي الغاصب، على سياسة التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية، لقمع وتصفية وتجفيف، كل عوامل ومقومات نجاح المقاومة، ووأد حلم الحرية والاستقلال، في أعماق الوجدان الشعبي، والنفس الجمعية، المسكونة بمشاعر الخذلان والهزيمة المسبقة، لكن هذه الاستراتيجية أيضا، بدأت تفقد فاعليتها مؤخرا، نظرا لتصاعد الغضب الشعبي العارم، في الداخل الفلسطيني، الرافض لهذا الدور الخياني المنحط، من قبل السلطة الفلسطينية، التي أصبحت – بدورها – في زاوية ضيقة من الحرج، والاستنكار الجمعي، محليا وعربيا وإقليميا، علاوة على تنامي الأصوات، الداعية إلى إسقاطها، كونها فقدت شرعيتها بممارستها هذا الدور القذر.
وكان هذا آخر مسمار، في نعش التسلط والهيمنة الإسرائيلية، على الساحة المحلية الفلسطينية.
ب– على المستوى الإقليمي.
من خلال:-
١– الدخول في معاهدات واتفاقيات سلام، مع دول المحيط الجغرافي، مثل مصر والأردن وغيرهما، بهدف تحويل دول الطوق العربي، إلى خط دفاع أول، يضرب على الكيان الإسرائيلي المحتل، سورا منيعا شاهق الحماية، ليس – فقط – من خلال ضمان، منع وقمع أي تحرك شعبي داخلها، بل ضمان إغلاق أراضيها وبحرها وجوها، أمام أي تحرك شعبي أو رسمي، لإسناد الفعل الجهادي المقاوم، ونصرة المستضعفين الفلسطينيين، والحد من جرائم القتل والإبادة بحقهم.
غير أن التظاهرات الشعبية الحاشدة، التي انطلقت مؤخرا في تلك البلدان خاصة، قد اسقطت مشروعية تلك المعاهدات والاتفاقيات، بوصفها وصمة عار، تدين الأنظمة الحاكمة، وتوجب إسقاطها، إذا لم تسارع إلى إلغائها، نزولا عند رغبة الشعوب.
٢– السعي نحو تعميم مشروع التطبيع، مع بقية دول الإقليم العربي، باستخدام قوة ونفوذ الغرب الاستعماري عامة، والراعي الأمريكي خاصة، الذي تبني مشروع "صفقة القرن"، في نسخها الثلاث، وحشد لها ماليا وإعلاميا وسياسيا، ما لا يتصوره الخيال، أو يستوعبه العقل، لكن نتائجها كانت صادمة، ولم تتضمن مخرجاتها، سوى بضعة أنظمة عميلة، مارست
الغدة السرطانية "إسرائيل" فقدت شروط بقائها
إبراهيم محمد الهمداني
الحلقة الثانية:-
٢– الشرط الاقتصادي والرفاه المعيشي.
تعددت مستويات وأساليب الخطاب السياسي البريطاني، الموجه إلى يهود العالم، لدعوتهم وتشجيعهم على مغادرة بلدانهم، والاستيطان في فلسطين، نظرا لتعدد واختلاف مستويات المخاطبين، ثقافيا وفكريا واجتماعيا و.... إلخ، الأمر الذي اقتضى إنتاج خطابات ذات منطلقات وأساليب متنوعة، وهدف واحد، من أجل إقناع أكبر عدد ممكن من اليهود، سواء من خلال توظيف ممكنات الخطاب الديني، واستغلال البعد العاطفي والنفسي، ودغدغة مشاعر التدين، بحلم الخلاص في أرض الميعاد، أو من خلال حشد مدلولات الخطاب العنصري القومي، واستنهاض حلم "الأنا" اليهودية، بإقامة وطن قومي لليهود، يجمعهم – من شتاتهم – على رقعة جغرافية واحدة، ورغم تداخل تلك المنطلقات – الديني والقومي والسياسي – إلا إنها تلتقي على هدف واحد، وبالإضافة إلى ما سبق، كان هناك المنطلق الاقتصادي، الذي وظفته الخطابات الإمبريالية، لتحفيز اليهود على سرعة الاستجابة، والفوز بما تعدهم به، من صور الرفاه والعيش الرغيد، على أرض فلسطين، خاصة وأن بريطانيا – بالتعاون مع مختلف المنظمات اليهودية والصهيونية – قد عملت على بناء الكثير من المستوطنات، وتجهيز بنيتها التحتية والفوقية، لاستيعاب المستوطنين الوافدين باستمرار.
ربما أمكن القول إن الدافع الاقتصادي المعيشي، كان الإغراء الأقوى حضورا، في تحفيز الذات اليهودية – المتفانية في حب المال – على تحمل عبء ومشقة وتداعيات، احتلال واستيطان أرض فلسطين، خاصة وأن انتظام العنصر اليهودي الوظيفي، في كيان سياسي خاص مستقل، سيمنحه حق استقلال وحصانة الملكية المالية، بخلاف ما كان عليه وضعه، في معظم ممالك أوروبا، فهو في تموضعه الوجودي، لا يعدو كونه وأمواله وأولاده، جزءا من ممتلكات الملك الخاصة، وهو في دوره الوظيفي، ليس أكثر من أداة لامتصاص دماء الشعوب، وتحويلها إلى آلاف القطع الذهبية في خزينة الملك، وغالبا ما كان يعاقب – بسبب جرائمه – بمصادرة أمواله وأولاده، لصالح خزينة الملك، ولذلك كان مشروع إقامة دولة مستقلة لليهود، يعني تحقيق الاستقرار المالي، وارتفاع مستويات نمو ثروة المرابي اليهودي، بالإضافة إلى تمكين المؤسسات المالية اليهودية العالمية، بممارسة المزيد من السيطرة والتحكم، بالاقتصاد العالمي، علاوة على تحويل الشعوب النامية، بكل خيراتها وثرواتها المعدنية والنفطية والبشرية، إلى سيولة مالية ونقدية، تغذي أرصدة مؤسسات المال اليهودية.
لم تكن فلسطين مجرد "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، بل كانت الحاضنة المثلى، لتحقيق حلم السيطرة المالية الاقتصادية، وبالتالي تحقيق الهيمنة السياسية، وبسط النفوذ الاستعماري اليهودي/ الإسرائيلي، على منطقة الصراع والثروات إقليميا، ثم فرض السيطرة المطلقة، على الشعوب العربية والإسلامية، وسلبها كل مقومات القوة والنهوض، ولذلك سعت دويلة الكيان الإسرائيلي – بدعم غربي – إلى بناء اقتصاد قوي، وانتهاج مسار تنموي نهضوي متصاعد، من خلال تسخير كل إمكاناتها وقدراتها، لسرقة ونهب واستغلال خيرات وثروات الشعب الفلسطيني، من ناحية، والاستئثار بخيرات وثروات ومقدرات، الشعوب النامية المستضعفة، من ناحية ثانية.
ولكن يبدو أن أسطورة اقتصاد إسرائيل، لا تختلف عن أسطورة جيشها، فكلاهما مبني على وهم القوة والتهويل، في أحضان ماكينة الإعلام الإمبريالي، التي عجزت عن ترميم هشاشتهما، ومواراة انهيارهما المخزي، الذي شاهده، وشهده العالم أجمع، بداية من عملية "طوفان الأقصى"، ثم تداعيات العدوان الإسرائيلي على غزة، الذي بلغ شهره السادس، حيث بدا وكأن القوة الاقتصادية والقوة العسكرية، تخوضان سباقا محموما، في ميدان الانهيار والسقوط، وقد نتج عن سقوط الشرط الاقتصادي، من مراكز التصنيف المتقدمة عالميا، تصاعد نسبة العجز في الميزان التجاري والميزان الحكومي، وارتفاع نسبة التضخم، وزيادة الدين العام والفوائد، وارتفاع نسبة البطالة، وتسريح العمالة، وارتفاع كلفة الاستيراد، وبالتالي ارتفاع الأسعار، وغلاء المعيشة، وبغياب حلم الرفاه ورغد العيش، تضاءلت إمكانية بقاء هذا الكيان الوظيفي الاستعماري، خاصة بعد ما مُني به من خسائر اقتصادية فادحة.
أصبحت حكومة الكيان الصهيوني المحتل، قاب قوسين أو أدنى، من إعلان انهيارها الاقتصادي، وعجزها عن الاستمرار في البقاء، ناهيك عن الاستمرار في خوض الحرب، رغم ضخامة الدعم المالي المقدم لها، من قوى الاستكبار الإمبريالية (أمريكاوأخواتها)، إلا أن فاتورة خسائرها التراكمية، المتصاعدة بشكل مهول، قد قضت على حلم الرفاه المعيشي ورغد العيش، كما قضت على كل مقومات الهيمنة، واحتمالات استمرار الوجود الاستعماري، فمن نفقات الحرب المتزايدة يوميا، وتكاليف استدعاء نحو 360 ألفا، من أفراد جيش الاحتياط، إلى فاتورة عمليات استهداف المواقع العسكرية الاستراتيجية، من قبل محور الجهاد والمقاومة في لبنان، بالإضافة
الغدة السرطانية "إسرائيل" فقدت شروط بقائها..
إبراهيم محمد الهمداني
الحلقة الأولى:-
أثبتت عملية "طوفان الأقصى"، منذ السابع من أكتوبر عام 2023م، وما بعدها من العدوان الإسرائيلي على غزة، حتى يومنا هذا، وعلى مدى أكثر من "200" يوم، هشاشة هذا الكيان الإسرائيلي الغاصب، وسقوط أساطير قوته، التي لا تقهر، وتلاشي قبضة هيمنته، التي لا فكاك منها، وغير ذلك من مزاعم القوة المطلقة، التي سوقتها منابر الإعلام الإمبريالي، وأبواقها النفاقية في المنطقة، وكرستها الأنظمة الحاكمة العميلة، بهدف تعميم الروح الانهزامية، في الوجدان الجمعي العربي الإسلامي، وبالرغم من سيادة نفسية الخضوع والانكسار، والإقرار الجمعي بالعجز والضعف، على مدى عشرات السنوات، إلا أن عملية "طوفان الأقصى" وما تلاها، قد نسفت تلك التصورات والنفسيات، من أساسها جملة وتفصيلا، وانتصرت للذات العربية الإسلامية، في تموضعها الجمعي الشعبي، وصنعت معادلة صراع وجودي، لمعركة مصيرية كبرى، تقوم على وحدة القضية والمصير، انطلاقا من الواجب الديني والإنساني الثابت.
طالما عمل هذا الكيان "الإسرائيلي" اللقيط – وعمل معه الاستعمار الغربي – على تهيئة ظروف بقائه واستمراره، وشروط تمكينه من القيام بدوره الوظيفي، وهو ما كان واضحا في سلوك الراعي الاستعماري الأول البريطاني، منذ وعد بلفور، واستراتيجيات تنفيذه وتحقيقه، ثم تلاه الراعي الاستعماري الثاني الأمريكي، الذي لم تتوقف رعايته وشراكته لهذا الكيان، على مستوى التمكين السياسي فقط، أو استخدام حق النقض "الفيتو" لصالحه، بل تجاوزه – مؤخرا – إلى إعلان الشراكة الكاملة – على كافة المستويات والأصعدة – لكل جرائمه ومجازره، وحروب الإبادة الوحشية، بحق أبناء الشعب الفلسطيني العزل، دون مراعاة لأبسط شعارات الغرب "الامريكي" المتحضر، الحامي للحقوق والحريات والديمقراطية والسلام وغيرها، التي طالما ادعى حمايتها، والعمل على تحقيقها بين أبناء المجتمع الإنساني.
سقط الكيان الوظيفي "الإسرائيلي"، بسقوط شروط بقائه واستمراره، وفقدانه البيئة الحاضنة، لتوسع فاعليته الإمبريالية، حتى وصلت إمكانية استعادة قوته ودوره، درجة "الصفر الوجودي"، بالتوازي مع طبيعة خسارته كل مقومات وجوده، التي كانت "دفعة واحدة"، بالإضافة إلى عجزه وفشله الساحق، عن استعادة أدنى جزء منها، على أرض الواقع، رغم دعم ومساندة القوى الإمبريالية الشامل، ورغم المجازر وحرب الإبادة والانتهاكات، وعمليات التدمير الممنهج الكارثية، إلا أن "غزة" بمجاهديها الأبطال، وصمود أهلها، قد أسقطت كل الرهانات الاستعمارية، وأعلنت زوال هذا الكيان الوظيفي، الذي خسر شروط تحقق بقائه، على النحو الآتي:-
١– الشرط الأمني والعسكري.
بما يمثله من مرتكز وجودي أساس، لا بد من توفره لتحقق وجود، أي جماعة أو طائفة أو قومية، ناهيك عن ضرورته القصوى، لقيام وبقاء كيان وظيفي استعماري، وهو ما لم يغب عن سلوك الكيان الإسرائيلي – منذ بدايات احتلاله الأولى – ورعاته الاستعماريين، الذين زودوه بالسلاح اللازم، ودربوا مجاميعه من "الهاجناة" وغيرها، على تنفيذ أبشع المذابح الجماعية، بحق الفلسطينيين العزل، في سياق عمليات الإبادة والتهجير، من أجل الاستيلاء على الأرض، وبناء المستوطنات، ويمكن القول إن الشرط الأمني والعسكري، قد لعب دورا محوريا كبيرا، في توسيع عملية الاستيطان، وفرض الوجود الصهيوني الإسرائيلي، على أرض فلسطين، كأمر حتمي واقعي، لا مناص من التسليم به، خاصة مع ذيوع أسطورة جيشه، الذي لا يقهر، على حساب هزائم الجيوش العربية، وانتشار سمعته الأمنية والمخابراتية القمعية الوحشية اللاأخلاقية، وإجهاض أي فعل مقاوم، والتنكيل بمجاهدي المقاومة، بمساعدة الخونة والعملاء والجواسيس، من الداخل الفلسطيني ودول الجوار.
يمكن القول إن ما بناه الكيان الإسرائيلي الوظيفي المحتل – بدعم رعاته الغربيين – في تعزيز الشرط الأمني والعسكري، على مدى عشرات السنوات المتوالية، قد أسقطته عملية "طوفان الأقصى"، مع إطلالة صباح سبتهم الأولى، وكانت بضع دقائق معدودة، كفيلة بإظهار سقوط الكيان "الإسرائيلي" الغاصب، وشل كل قوته وقدراته التسلطية، ليقف – على مرأى ومسمع من العالم – مرعوبا ذاهلا مسحوقا، مطوقا بعار الذل والهزيمة والعجز والفرار الجماعي، خاصة وأن قوة جيشه الأسطوري، وترسانته العسكرية الفتاكة المتطورة جدا، وأجهزته الاستخبارية الأقوى عالميا، المزودة بأحدث أنظمة الرصد والمراقبة، المسنودة بالأقمار الاصطناعية، وغيرها من الوسائل والإمكانات، قد عجزت تماما، عن مجرد التنبؤ بهذه العملية، أو طرح احتمال وقوعها، وبالتالي الحيلولة دون حدوثها، كما فشلت عملياتها العسكرية، رغم سقفها الإجرامي المفتوح، ودعمها الغربي الأمريكي اللامحدود، عن استعادة هيبة خُرقت، وهيمنة سُلبت، وعجرفة قيادة إجرامية، أخفقت في تحقيق أدنى جزء من أهدافها المعلنة، ورغم فارق التسليح الهائل، استطاعت فصائل الجهاد والمقاومة الفلسطينية، تكريس
الفتح الموعود
إبراهيم محمد الهمداني
يا قدسُ بشراكِ.. هذا الفجرُ صداحُ
وحيُ النبوءات عنهُ الأفقُ ينزاحُ
تبسُّمُ الضوءِ في عينيكِ عودتُهِ
للأرض روحٌ.. يزفُّ البابَ مفتاحُ
يا قدسُ هذا أذانُ الفتحِ.. يرفعُهُ
هديرُ طوفانَ.. لم يحوجه إفصاحُ
شموسُ غزةَ منها أشرقوا.. وبهم
تبددالليلُ.. أُنسا في السما لاحوا
طوفانهم طاف "بالمستوطنات".. على
أطلالها قادة الأعراب كم ناحوا
قالوا "قفا نبك".. من يادار..؟ فابتهجت
قالت لقد عمني عيدٌ وأفراحُ
إني تطهرت بالطوفان.. فاشتعلوا
لقدسكم.. وأركبوا الأهوال واجتاحوا
* * ***
ألم تقولوا بأن القدسُ أُخْتُكُمُ
لأمرها في يد (الإخوانِ إصلاحُ)
نلتم بها فوق ما ترجون.. كم خضعت
لكم قلوبٌ.. وفيكم قام سفاحُ
ألم تكن عرضكم؟!.. لِمْ كلما أُغتصبتْ
كانت منابركم بالوصفِ تنداحُ
تحشو التفاصيل بالشيطان.. يصلبُها
على الفضيحة والإغراء إلحاحُ
لكن غزةَ من طوفانها صنعت
طريقَ عزٍّ.. تداوتْ فيهِ أتراحُ
يا أخوة القدسِ.. هذا الصبحُ موعدُهم
وبعده ما لهم - واللهِ - إصباحُ
بالشجب لا تخذلوا الأقصى.. جيوشكُمُ
لأي يومٍ؟!.. ألستم قبلُ من صاحوا
* * ***
أستنكروا.. نددوا - لم يكتفوا - شجبوا
وعن مقالة "بنيامين" ما انزاحوا
"حماسُ شرٌ".. أتت كفرا ومعصية
وفوق ما قال وعاظٌ وشُرَّاحُ
إرهابها خالف الإجماع.. قد خرجت..
منها تبرأ قرآنٌ وأصحاحُ
وطوقت غزةَ الثكلى جحافلُهم
جوعا.. تظاهر جزارٌ وذباحُ
لا ماءُ.. لا زادُ.. لا شمسٌ.. ولا نَفَسٌ..
في محو غزةَ بالإجرام قد فاحوا
صاروا دروعا "لإسرائيل".. واجتهدوا..
تصهينوا فوق ما أملاهُ "مزراحُ"
من الخيانة أثروا.. مجدُ قوتِهم
عارٌ وخزيّ.. بناهُ الكأسُ والراحُ
* * ***
يا قدس لا بأس إن خانتك قمتُهم
وضمَّدت جُرحَكِ المكلومَ أجراحُ
وذاك وعدٌ إلٰهيٌ يقولُ لهم
لن يُنصر القدس كذابٌ ومداحُ
بشراكِ فتحٌ قريب الوعد..جاء به
"طوفانُ غزة".. عطرُ النصرِ فوَّاحُ
أهلُ الرباط.. رجال الله.. ماوهنوا
هم الحقيقةُ تصريحٌ وإلماحُ
وحولهم محور الإسناد كلهم
رجالُ صِدقٍ صناديدٌ وإقحاحُ
أضحىٰ الشمال رماداً.. في مساكِنِهم
أقعى الخرابُ.. وَطافت فيهِ أشباحُ
من محور النصر ذاق المعتدون ردىً
ذلُّ الهزائمِ في الأبواق نبَّاحُ
* * ***
طوفان صنعا يصلي القدس جمعتَهُ
والقدس من جمعة الطوفان تمتاحُ
شعبٌ يفوضُ.. توجيهاتُ قائدهِ
فتحٌ.. وللجيش نحو القدس مسراحُ
و"سيدُ القولِ والفعلِ".. السماءُ به
والأرضُ تقسمُ.. إن ماراكَ مزَّاحُ..
بأمرهِ مجمعُ البحرين.. أبلغهم:-
"لا.. لن تمروا".. وفينا بعدُ أرواحُ
مسيراتٌ ب"لستم وحدكم" عبرت..
وللصواريخ منها ثَمَّ أجناحُ
سماءُ "إيلاتَ" ب "القسام" ممطرةٌ
وما لها من لظى "الياسين" زحزاحُ
ونعي مقلاعها ناحت به قببٌ
جحيمُها – من لظى بركان – لفاحُ
* * ***
يا قادة "الغرب".. "إسرائيلكم" سقطتْ..
وبعدها أنتم الميدانُ والساحُ
رأس الرجاء..الذي لن يرتجى أبداً
لمفسدٍ فيه إبحارٌ وإصلاحُ
عقوبة التيه قد طالت سفائِنكم
ما عاد يعصمكم طورٌ وألواحُ
مدمراتٌ وأقوى البارجات غدت
غرقى.. تروم إنتحاراً فيهِ ترتاحُ
لا عاصمَ اليومَ.. فارَ البحرُ.. واشتعلتْ
جحيمُكم.. مسَّكم بؤسٌ وإكلاحُ
* * ***
وسيدُ البحرِ لا الأهوالُ ترهبهُ
وليس تثـنيـهِ أطماعٌ وأرباحُ
فلكُ النجاةِ.. وليُّ اللهِ.. عصمتُنا
مجاهدٌ.. قائدٌ.. لله نصَّاحُ
نورٌ على نورِ.. مشكاةُ زجاجتُها
فيها – من الكوكب الدرِّيِّ – مصباحُ
يقودُ في غمرة الطوفان معركةً
وثغرُهُ باسمٌ والوجهُ وضاحُ
يطوي المحيطاتِ تكبيرا ويبسطُها
وحمدُهُ في دجى الأعماق سبَّاحُ
ومن هدى الله ما انفكت جحافله
تأتي.. وتسبيحُه للقدس مفتاحُ
الثلاثاء ٢٣/رمضان/١٤٤٥هـ
الموافق/٢٠٢٤/٤/٢م
خوف من تداعيات ذلك، بل في تحدٍ صارخٍ لقوى الهيمنة والاستعمار، وغواصاتها وحاملات طائراتها وأساطيلها وقواعدها العسكرية، وما يتضمنه ذلك الفعل البطولي الشجاع، من إمعان في كسر وإذلال قوى الاستكبار، التي لم يجرؤ زعماء وملوك وأمراء التبعية والتطبيع، على إدانة جرائم الإبادة الشاملة، التي تنفذها ربيبتها دويلة الكيان الصهيوني الغاصب، بحق أبناء قطاع غزة المستضعفين، الذين عجزت وفود القمة العربية الطارئة، عن إعلان التضامن معهم، ودعمهم بالمال والسلاح، أو على الأقل بالمال والمواد الغذائية والمشتقات النفطية والأدوية، أو تأمين أبسط ضروريات ومقومات الحياة لهم، بينما أعلن الشعب اليمني بموقفه المتقدم، بلسان حاله وضمير قائده، ولسان الناطق الرسمي للقوات المسلحة، أن هذه العملية وما سبقها وما سيتلوها، تأتي في سياق نصرة إخواننا المجاهدين في غزة، وأن العمليات العسكرية مستمرة، إلى أن يوقف العدو الصهيوني، عدوانه وجرائمه ومجازره وحرب الإبادة الجماعية الوحشية، التي ينفذها بدعم أمريكي غربي، بحق أهالي غزة وفلسطين عموما.
http://www.almasirahnews.com/118777/
أمَّا السفينةُ.. فكانت لوعدِ سيد القول والفعل منقادةً غصبًا
أما السفينة.. فكانت لوعد سيد القول والفعل منقادة غصبا
https://althawrah.ye/archives/844298
الإرهابُ الإجرامي.. نحوَ رؤية مغايرة لمفهوم الإرهاب
https://www.almasirahnews.com/134325/
الإرهاب الإجرامي
نحو رؤية مغايرة لمفهوم الإرهاب
إبراهيم محمد الهمداني
"الإرهاب الإجرامي"؛ مصطلح جديد في عالم الهيمنة والجريمة الدولية المنظمة، أطلقه سماحة السيد القائد/ عبدالملك بدرالدين الحوثي يحفظه الله، في توصيف ما يقوم به الكيان الإسرائيلي الغاصب، بحق أبناء قطاع غزة والضفة الغربية، من حرب إبادة جماعية شاملة، لم يسبق لها مثيل في التاريخ.
في إطلالته الأسبوعية كل خميس، لاستعراض مستجدات العدوان الإسرائيلي على غزة، أطل سماحة السيد القائد/ عبدالملك بدرالدين الحوثي يحفظه الله، بتاريخ الخميس 4 يونيو 2024م، متحدثا عن مستجدات الأحداث في غزة والضفة، حيث بلغ عدد الشهداء والجرحى أكثر من مائة وخمسين ألف إنسان، على مدى ما يقرب من عشرة أشهر إلا ثلاثة أيام، مستنكرا صمت معظم الأنظمة العربية، إزاء جرائم العدو الإسرائيلي، الذي يتعامل مع الآخرين، بوصفهم "حيوانات بشرية"، ويمارسون بحقهم أبشع الجرائم، ولا يتورعون عن دهس امرأة مسنة بجنازير الدبابات، ويرسلون الكلاب البوليسية المتوحشة، لتنهش لحم امرأة مسنة أخرى، حتى الموت، وغيرها من الجرائم الأشد قبحا وبشاعة، بحق النساء والأطفال.
كل ذلك وغيره - كما يقول سماحة السيد القائد - لم يحرك في الأنظمة العربية ساكنا، التي مازالت تصنف المجاهدين في غزة والضفة، ومجاهدي حزب الله، بأنهم جماعات إرهابية، تماشيا مع أهداف ومصالح ومقولات، الكيان الإسرائيلي والإدارة الأمريكية، ومن في فلكهما، وهذا أمر مشين بحق تلك الأنظمة العميلة، التي تغض الطرف، عما يحصل لأبناء قطاع غزة، من "إرهاب إجرامي" غير مسبوق.
يقدم مصطلح "الإرهاب الإجرامي" - في شقيه؛ المعرفي والإجرائي الواقعي - توصيفا دقيقا، وتشخيصا شاملا، لطبيعة المشهد الدموي الوحشي، الذي يرسمه الكيان الإسرائيلي المجرم، بدماء وأشلاء أبناء قطاع غزة، على مدى عشرة أشهر، إلا ثلاثة أيام، إلى يومنا هذا.
فإذا كان مصطلح "الإرهاب"، يحمل معاني التخويف والفزع، ضمن أنساق التهديد والوعيد، او ما في حكمهما، من التلويح والتهديد باستخدام القوة، لإرغام الآخر على الخضوع والاستسلام، دون اللجوء إلى استخدام القوة غالبا، وبذلك تكسب القوى المهيمنة، حرب السيطرة المطلقة، دون خوض المعركة، كما هو حال أمريكا، حين تلوح بأساطيلها البحرية، لترهب معظم شعوب العالم، وترغمهم على قبول تسلطها عليهم، والإرهاب في هذا السياق، يعد مرضا نفسيا، وضطرابا سلوكيا، وفعلا منافيا لطبيعة العلاقة الثنائية بين الأنا والآخر، القائمة على الندية والاحترام المتبادل، والحرية والتعايش السلمي.
فإن مصطلح "الإجرام"، يشير إلى مستوى متقدم، من الاضطراب السلوكي، المتجسد في صورة الإقدام المتعمد، على اقتراف الإثم أو الذنب أو الجناية، في حال من الإصرار والتكبر والغطرسة، ولذلك طُبِعَ ما اقترفه من فعل، بطابع الجريمة القبيح، بما تنطوي عليه من خطورة كبيرة، على حياة المجتمع الإنساني.
وبذلك يصبح مصطلح "الإرهاب الإجرامي"، هو التوصيف الدقيق والشامل، الذي يشخص ويعرف صورة الهيمنة الإمبريالية، في تجسدها الأمريكي الإسرائيلي الشيطاني المحض، الجامع بين سلوك الإرهاب، المتمثل في قبح التهديد والتخويف، وإرهاب الناس في عين وجودهم، من جانب، وفعل الإجرام، المتمثل في بشاعة اقتراف الجريمة، وشناعة الإقدام على الجناية بحق الآخرين، بكل صلف وغطرسة واستكبار، من جانب آخر، وبذلك يمكن القول إن "الإرهاب الإجرامي"، هو استراتيجية تحقيق الهيمنة الإمبريالية الشيطانية، باستخدام ممكنات رعب القوة وفعلها، ضد المجتمع الإنساني بأكمله، مع سبق الإصرار والاستكبار والغطرسة.
وهو ما ينطبق - نصا وروحا - على صورة "الإرهاب الإجرامي" الإسرائيلي، بحق أبناء فلسطين عموما، وأهالي قطاع غزة والضفة، على وجه الخصوص، حيث تُرتكب بحقهم أبشع الجرائم والانتهاكات الفظيعة، وعمليات الإبادة الجماعية الوحشية، بالقصف والتدمير والتجويع، ومختلف أساليب القتل والتنكيل والتوحش، والتفاخر بقنص الأطفال، وسحق أجساد المسنين، والمعاقين حركيا والمعتقلين المدنيين، تحت جنازير الدبابات والمجنزرات الإسرائيلية، بكل صلف وعنجهية وفرعنة واستكبار، على مرأى ومسمع من العالم.
وبعد إشادته بصمود أهالي غزة ومجاهديها، وفاعلية عمليات محور الإسناد وأهميتها، أشار السيد القائد - يحفظه الله - في ختام كلمته، إلى طبيعة هذه المعركة المصيرية، القائمة بين محور الخير وقوى الشر والاستكبار، وأهمية الدور والمسؤولية، المترتبة على أساس المواجهة الجماعية، ووحدة الصف الإسلامي، وضرورة التحرك من منطلق الواجب الديني والإنساني، وأن يحرص الإنسان المسلم على شيئين:-
اليمن يقتلع العين الثالثة للهيمنة الأمريكية الإسرائيلية (2)
إبراهيم محمد الهمداني
لم تعد عين وصاية السفارات الأجنبية، قادرة على رؤية مسارات تسلطها وتسلطها وهيمنتها، كما عميت عين الترسانة الحربية الكبرى، عن الاستمرار في ممارسة هواية القتل والإرهاب والعربدة، وفي ظل الهزائم السياسية والعسكرية، التي لم تجد قوى الإمبريالية سبيلا لتفاديها، لجأت أنظار العداء الأمريكي الإسرائيلي، نحو العين الثالثة، وكثفت الجهود - مع شركائها - في توسيع شبكات التجسس والتخريب التابعة لها، في اليمن، وتزويدها بالمهارات والخبرات والتقنيات اللازمة، وتمكينها من ممارسة مهامهما العدائية - بحق اليمن أرضا وإنسانا - تحت غطاء صفاتهم الوظيفية، وأعمالهم في السفارة الأمريكية، أو تحت مظلة الأعمال الإغاثية والإنسانية، التابعة لمنظمات دولية وأممية، من شأنها تسهيل مهام وتحركات عملائها، وحمايتهم برداء حصانتها الدولية والأممية، ليكونوا بمنأى عن الملاحقة أو الاستجواب.
لكن الأجهزة الأمنية اليمنية، أسقطت أوهام الحصانة الاستعمارية، وكشفت الكثير من شبكات التجسس، التابعة لقوى الهيمنة والاستعمار، أو لعملائها في المنطقة، ونجحت العيون الساهرة اليمنية، في اقتلاع العين الثالثة للهيمنة الإمبريالية عامة، ممثلة في شبكات جواسيس وعملاء أجهزة المخابرات العالمية، وقد توالت الإنجازات العظيمة، في الجانب الأمني الشامل، بالتوازي مع الانتصارات السياسية، والضربات العسكرية النوعية المسددة.
أعلنت الأجهزة الأمنية – في صنعاء بتاريخ الاثنين ٤ ذي الحجة ١٤٤٥ الموافق ١٠ يونيو ٢٠٢٤م – عن إنجاز أمني نوعي استراتيجي، ربما أمكن القول إنه يوازي في أهميته وعظمته، قيمة وعظمة ثورة ال ٢١ من سبتمبر ٢٠١٤م، بوصفه إضافة استراتيجية لها، واستكمالا لمهمتها ودورها العظيم، وقد تمثل ذلك الإنجاز الأمني الكبير، في إلقاء القبض على شبكة تجسس أمريكية إسرائيلية، قامت بأدوار تجسسية وتخريبية، في مؤسسات رسمية وغير رسمية، على مدى عقود لصالح العدو – كما جاء في البيان – "من خلال عناصرها المرتبطين بشكل مباشر، بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ال CIA"، [والموساد الإسرائيلي]، حيث قامت الاستخبارات الأمريكية بتجنيد العناصر الرئيسيين في الشبكة التجسسية، "وعملت على تدريبهم استخباراتيا، وتزويدهم بتقنيات وأجهزة ومعدات خاصة، تمكنهم من تنفيذ أنشطتهم التجسسية والتخريبية، في الجمهورية اليمنية، وتسهل من نقلهم للمعلومات، إلى ضباط أجهزة المخابرات الأمريكية والإسرائيلية، بشكل سري".
وللبيان بقية. نكتفي هنا بما أوردناه، للإشارة إلى عظمة هذا الانتصار الأمني الكبير، وأهميته في استكمال اجتثاث أذرع الوصاية الاستعمارية، وكل وسائلها وأدواتها، بعد خروج سفارة الإجرام الأمريكية، من صنعاء عام ٢٠١٥م، وفضح حقيقة الدور التدميري الهدام، الذي كانت تمارسه بشكل مباشر، ثم بشكل غير مباشر، عبر شبكاتها وعملائها، وأن دورها العدائي بحق الشعوب، هو ذاته في مختلف بلدان العالم، والبلد الذي تفقده أمريكا سياسيا أو عسكريا، سرعان ما تستعيده استخباريا، بواسطة شبكات جواسيسها الواسعة.
بالإضافة إلى ذلك، تكمن أهمية وتفرد هذا الإنجاز الأمني، في شمولية دور هذه الشبكة، واتساع نطاق استهدافاتها، التي شملت جميع مجالات وشؤون الحياة، بلا استثناء، من قِبل جواسيس على مستوى عال من التدريب والتأهيل والإمكانيات، استطاعوا على مدى عقود من الزمن، التأثير على مراكز صناعة القرار، السياسي والسيادي في اليمن، واختراق مؤسسات رسمية وغير رسمية، وتنفيذ مشاريع الفساد والإفساد والتدمير الشامل، في جميع نواحي حياة المجتمع اليمني، يضاف إلى ذلك ارتباطهم المباشر، بأقوى أجهزة الاستخبارات العالمية، الأمريكية والإسرائيلية، وعملهم تحت مظلة المنظمات والشعارات الإنسانية، وهو ما لم يحد من جراءة الأجهزة الأمنية اليمنية، في القبض عليهم، وبث اعترافاتهم والتحقيقات معهم، على مختلف وسائل وقنوات الإعلام والتواصل، دون تردد أو خوف من أمريكا، وأخواتها وربيبتها إسرائيل، وهو ما لم يتجرأ على فعله، أي جهاز أمني على مستوى المنطقة والعالم.
وكعادتها سارعت الولايات المتحدة الأمريكية، إلى إعلان براءتهم، رغم اعترافاتهم المعلنة، وطالبت بالإفراج عنهم، رغم عدم مشروعية طلبها، لتدينهم – بذلك – وتشهد على عمالتهم، وخيانتهم للأمة والدين، وبمجرد أن يقول الشعب كلمته فيهم، ستسارع بالتخلي عنهم، كما هي عادتها مع كل عملائها.
إن جوانب تميز وتفرد هذا الإنجاز الأمني كثيرة، وأكبر من أن يحيط بها مقال واحد، بل هي بحاجة إلى دراسة معمقة، لأن حقيقة إسقاط #شبكة_التجسس_الأمريكية_الإسرائيلية، لا يتوقف عند معنى القدرة على كبح جماحها الإجرامي، والحد من تداعيات مشاريعها الكارثية، على حياة أبناء الشعب اليمني، وإنما هو إسقاط – أيضا – لفعل الهيمنة والتسلط، وكسر لقاعدة الوصاية الاستعمارية الأمريكية الإسرائيلية، إلى الأبد – إن شاء الله تعالى – دون رجعة،
اليمن يقتلع العين الثالثة للهيمنة الأمريكية الإسرائيلية (1)
إبراهيم محمد الهمداني
عملت الولايات المتحدة الأمريكية، على مدى قرنين من الزمان، على إرساء قواعد دورها الإمبريالي، وتغذية مقومات الهيمنة والتسلط الاستبداد، وفرض التبعية المطلقة، على جميع شعوب العالم، وإرغامهم على الخضوع لها، والاعتراف بسيادتها، كونها وريثه المشروع الاستعماري البريطاني، بلا منافس، وبذلك مضت في فرض هيمنتها، بوصفها قدرا لا مناص عنه، فبلغت حالة متقدمة من الفرعنة والاستكبار، ومارست أقبح وأحط وأصلف أشكال الوصاية الاستعمارية، بحق الشعوب، التي أصبحت رهينة قرار السفير الأمريكي، صاحب الحق المطلق في تقرير مصائرها، وصياغة سياساتها ورسم مستقبلها، دون الرجوع إليها، أو مراعاة مصالحها وخصوصياتها، وإنما وفقا لمقتضيات المصالح الأمريكية الاستعمارية، فأصبحت السفارة هي الوسيط الفعلي، بين البيت الأبيض والأنظمة الحاكمة، والسفير هو المشرف الأول، على جدية الأنظمة، في تنفيذ أوامر وتوجيهات، البيت الأبيض، أولا بأول.
كانت ثنائية الحضور الأمريكي الإسرائيلي - ضمنيا أو علنيا - أمرا لا خلاف عليه، ولا تكاد تخلو سفارة أمريكية، من تمثيل دبلوماسي إسرائيلي، يشارك في صناعة القرار، ويشترك في المصالح والوصاية، وقد يحظى بنصيب أكبر من النفوذ والهيمنة، مما يجعل شريكه الأمريكي، تابعا له وأجيراً لديه، وهو ما يؤكد صحة موقف ورؤية، الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه، في هذا السياق، بما حمله معنى كلامه، عن التلازم الوجودي والوظيفي، بين أمريكا وإسرائيل، وأنهما وجهان لعملة واحدة، وبالتالي فإن من رضي بأمريكا اليوم، سيرضى بإسرائيل غدا، وهو ما تحقق على أرض الواقع بالفعل.
كانت الهيمنة والوصاية الخارجية، على القرار السياسي الوطني، هي العين الأولى، التي اقتلعها أبناء الشعب اليمني، من وجه الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية، من خلال ثورة ٢١ سبتمبر ٢٠١٤م، التي ترجمت انتصار الشعب لحريته وسيادته واستقلاله، في أبهى مشهد ثوري شعبي حضاري، لا مثيل له إطلاقا، بشهادة العدو والصديق، ولم يكن فيما قدمته وجسدته، من طروحات فكرية وسياسية وأخلاقية، ما يدينها أو يقدح في مشروعيتها ونجاحها مطلقا، كونها نابعة من مشروع قرآني كامل، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهذا ما انعكس على سلوك القوى الاستعمارية وعملائها، الذين لم يتورعوا عن إعلان رفضهم وانزعاجهم، وعدائهم الصارخ لإرادة الشعب وثورته، وهو ما عبرت عنه تصريحات الساسة والمسئولين الصهاينة والأمريكان، الذين أكدوا أن نجاح ثورة ٢١ سبتمبر ٢٠١٤م، واستعادة الشعب لسيادته، وسقوط عملائهم في الداخل، يعد ضربة قاضية لوجودهم، وخطرا كبيرا على مصالحهم.
لم يكن أمام أولئك الحمقى الإمبرياليون، إلا الانتقال إلى مستوى عدائي متقدم، تجاه الشعب اليمني وثورته، فأعلنوا من واشنطن، عبر البوق الوظيفي السعودي، عن الحرب العدوانية الشاملة على اليمن، الذي كسر طوق الوصاية الاستعمارية الأمريكية الإسرائيلية، ولم يعد أمامهم من سبيل لإعادته إلى حظيرة القطيع، إلا تلك الحرب الكونية الوحشية، والحصار الظالم المطبق، وحرب الإبادة الإجرامية الشاملة، التي تحالفت فيها، أكثر من ١٥ دولة، في مقدمتها أمريكا وإسرائيل، تحت مسمى "التحالف العربي"، بقيادة السعودية وأخواتها، من أدوات العمالة والنفاق والتطبيع.
وأمام أبشع حرب عدوانية كونية، شهدتها البشرية عبر تاريخها، استطاع الشعب اليمني، إسقاط كل رهانات القوى الاستعمارية، وكانت معادلات الصمود والرد والردع، على مدى أكثر من تسعة أعوام، كفيلة بقلب موازين القوى، ليصبح ال ٢٦ من مارس ٢٠١٥م، هو المحطة التالية، لتأكيد هوية ال ٢١ من سبتمبر ٢٠١٤م، حيث اقتلع الشعب اليمني، العين الثانية للإمبريالية الأمريكية الإسرائيلية، ممثلة في هيمنة القوة التدميرية، والترسانة العسكرية الفتاكة، لتسقط رهانات قوى الاستكبار العالمي، مجللة بذل وعار الهزائم النكراء المتوالية، ابتداء من فعل الصمود والمواجهة، ثم الضربات الموجعة والرد والردع، وصولا إلى كسر أساطير القوة العظمى، وأوهام التفوق والاستعلاء الاستعماري، وبمقدار سقوط أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، في مستنقع الهزائم الساحقة اللامتناهية، على يد ثلة من المجاهدين في قطاع غزة، سقطت أسطورة أسياد البحار، وقوة الأساطيل البحرية الأمريكية، التي عجزت عن حماية نفسها، أمام ضربات صواريخ ومسيرات القوات المسلحة اليمنية، ناهيك عن حماية سفن ربيبتها دويلة الكيان الصهيوني، ولم تكفِ قوة أساطيل الغرب مجتمعة، لردع أو ثني الشعب اليمني، عن موقفه الإيماني والإنساني المشرف، في إسناد إخوانه المستضعفين في غزة، وبذلك سقطت أساطير القوة الأولى عالميا، وعادت الأساطيل مسطولة، من هول ما رأت، والمدمِرات مدمَرات، بفعل ما ذاقت، والبوارج في ليل البحار مسارج، ووضعت الحاملات حملها، وفرت مذعورة بإصابات قاتلة، وفضلت معظم السفن المستهدفة الغرق، على أن
التطبيع، قبل أن توقع عليه رسميا، فكان حضورها الشكلي، عبارة عن تحصيل حاصل، في ظل رفض وسخط واستنكار شعوبها.
وبذلك تسقط مشروعية التمثيل الرسمي، في أي اتفاقية أو معاهدة، ما دام مخالفا لإرادة الشعب، وتصبح تلك الاتفاقيات، فاقدة المعنى والقيمة، وغير ملزمة للشعوب.
يمكن القول إن مشروع التطبيع، قد سقط مقدما، وقد فقد قوة سلطته التشريعية، حين خسر قوة سلطته التنفيذية، ممثلة بما سمي "التحالف العربي"، بقيادة السعودية، بوصفه المكون العسكري، الضامن لتمرير مشروع التطبيع، ولم يكن قيامه بالعدوان على اليمن، إلا تنفيذا للمهام الموكلة إليه، في قمع الأصوات الرافضة للتطبيع، ولا يخرج عن ذلك، ما قامت به قوات "درع الجزيرة"، من جرائم وانتهاكات، بحق المدنيين العزل، من أبناء بعض شعوب الخليج العربي، المنددين بمواقف أنظمتهم الحاكمة، الخائنة لله تعالى وللدين ولجميع المسلمين.
وبسقوط تحالف العدوان الصهيوسعوأمريكي في اليمن، سقطت آخر أحلام التطبيع، وسقطت معها كل صفقات القرن المخزية، وكانت تسعة أعوام من الصمود الأسطوري اليمني، كفيلة بإفقاد "صفقة القرن"، كل عوامل قوتها، وقطع ممكنات استمرارها، وتحويلها إلى لعنة أبدية، على جبين القوى الاستعمارية، بعد أن سقط جناحها العسكري، (التحالف العربي)، ممرغا بالهزائم الساحقة، والانكسارات المذلة، والسقوط المهين، على أيدي أبناء الجيش اليمني الأبطال، وقيادته الثورية الربانية، والقيادة السياسية الحكيمة، ويمكن القول إن موقف اليمن البطولي، من العدوان على غزة، وإعلان تبني إسناد مجاهدي الفصائل الفلسطينية، وما تمخضت عنه العمليات البرية والبحرية، للقوات المسلحة اليمنية، كان آخر مسمار، في نعش الهيمنة الإمبريالية، ومشروعها الاستعماري.
ج– على المستوى العالمي.
من خلال:-
* التسويق الإعلامي لدويلة الكيان الإسرائيلي، بوصفها صاحبة مشروع حضاري إنساني، وتقديمها من منطلق كونها، النموذج الأرقى والأجدر، بقيادة دول وشعوب الإقليم خاصة، على امتداد "جغرافية الوطن العربي كاملة"، لتصبح بعد ذلك، من كبار رواد المشهد السياسي العالمي، وأبرز أصحاب الحضور والنفوذ، في المحافل الدولية، وأهم مشرعي مفردات السياسة العالمية، المسارعين إلى إحلال السلام، والتدخل لإنهاء الحروب والنزاعات، التي قد تندلع بين مختلف بلدان العالم، وقد ظهرت بوادر هذا الدور، في قيام رئيس الوزراء الإسرائيلي، (بنيامين نتنياهو) بالوساطة، لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية.
* تحقيق القدر الأكبر من التعاطف العالمي، مع مأساة اليهود، فيما يسمى "الهولوكست"، والزعم بتعرضهم لعمليات إبادة عرقية، ولذلك يجب إنصافهم ومراعاتهم وتعويضهم، ودعمهم والالتفاف حول قضيتهم، وتمكينهم من إقامة دولتهم الخاصة.
* تصنيف كل من يعارض – أو يرفض أو يقف ضد – المشروع الصهيوني الإمبريالي، بالعداء للسامية، ثم اتهامه بالإرهاب، وتهديد الأمن والسلم والتعايش العالمي، وبالتالي استهدافه عسكريا، من قبل أمريكا وحلفائها في مجلس الأمن الدولي، ومنظمة الأمم المتحدة.
يمكن القول إن التحولات السياسية والعسكرية والاقتصادية، التي عصفت بالمنطقة العربية والعالم، منذ بداية العدوان الصهيوسعوأمريكي على اليمن، وحتى الآن، وما تمخضت عنه من تغييرات جذرية، في موازين القوى، ومعادلات الصراع، قد أسقطت كل مشاريع الهيمنة والاستكبار، وأفقدت دويلة الكيان الإسرائيلي المحتل، مثلث قوتها وبقائها، فلا قوتها العسكرية والاستخبارية، استطاعت النجاة من طوفان الهزائم النكراء، ولا قوتها الاقتصادية والتنموية، حفظت ماء وجهها، وهي تتسول دعم ومساعدات، رعاتها الاستعماريين في أمريكا وأوروبا، معلنة انهيار اقتصادها، إلى أدنى المستويات، ولا حضورها السياسي الدولي، وشبكة علاقاتها الدبلوماسية، الممتدة من الشرق إلى الغرب، بدعم كامل من القوى الكبرى، استطاع مواراة قبح جرائمها الوحشية، وفضاعة عمليات الإبادة الجماعية، بحق المدنيين الأبرياء العزل، وبسقوطها القيمي والأخلاقي، فقدت آخر أسباب التعاطف معها، سواء كان ذلك التعاطف، بفعل الانبهار والإعجاب، أو من باب الانتصار لمظلوميتها، أو خوفا من أن الاتهام بمعاداة السامية.
وبذات القدر والكيفية والأسباب، فقدت الأنظمة الاستعمارية، الداعمة والمؤيدة والمشاركة، لإسرائيل في عدوانها وجرائمها، على أهالي قطاع غزة، شروط قوتها بقائها، وسقطت احتمالات حصولها، على فرصة أخيرة، لممارسة أقل مظاهر الوجود، في المنطقة، إلى درجة الصفر المطلق، خاصة بعد سقوطها من الداخل، بفعل المظاهرات الطالبية والشعبية، التي ملأت ساحات الجامعات والساحات العامة، في مختلف جامعات ومدن أمريكا وأوروبا، تنديدا بسياسة ومواقف حكوماتها، المنتهكة لكل المبادئ والقيم والقوانين والحقوق، التي طالما ادعت تبنيها وحمايتها، من خلال شراكتها الفعلية ودعمها المطلق، لجيش الكيان الإسرائيلي، في قتل وحصار وإبادة، شعب بأكمله، دون مراعاة لأدنى الضوابط الأخلاقية أو الإنسانية، وإلى جانب ما يعبر عنه،
إلى الخسائر الباهظة، الناتجة عن استهداف قوى محور الجهاد والمقاومة في سوريا والعراق، وكذلك نفقات نقل أكثر من 130 ألف مستوطن إسرائيلي، من الحدود الشمالية، مع حزب الله في لبنان، إلى الداخل المحتل.
كما أن عمليات الجيش اليمني، وضرباته البرية والبحرية، في مسارها التصاعدي، قد أصابت الاقتصاد الإسرائيلي في مقتل، وفرضت عليه حصارا خانقا، بعدم مرور سفنه، أو السفن المرتبطة به، أو المتوجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة، من باب المندب أو البحرين العربي والأحمر، ثم منعها من العبور من الرجاء الصالح، في القرن الأفريقي، وها هو قرار المنع اليمني، يصل في مرحلته الرابعة، إلى البحر الأبيض المتوسط، والتهديد باستهداف سفن وشركات النقل، التي تتعامل مع هذا الكيان الإجرامي، وتقوم بتزويده بالسلاح والغذاء.
وبذلك تراجعت نسبة التعاملات التجارية، مع ارتفاع الأسعار، والغلاء المعيشي العام، وزيادة الطلب على المواد الغذائية، وارتفاع كلفة المستورد منها، إلى أكثر من الضعف، وغير ذلك من مظاهر تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، التي حملت معها بوادر الهجرة العكسية للمستوطنين.
إذن.. بعدما فقد الكيان الصهيوني الإسرائيلي، شرط الوجود الاقتصادي، ترى ماذا بقي في جعبة رهاناته، من أجل البقاء، وما مدى قدرة الإنعاش الاقتصادي، الأمريكي الأوروبي، على إمداده بقوة الصمود والاستمرار، خاصة وأن اقتصادات تلك الدول الإمبريالية، نفسها تعاني من أزمات اقتصادية تراكمية حادة؟
معادلة التحرير والنصر، في سياق معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس، وبسقوط الشرط الأمني والعسكري، أصبح احتمال بقاء واستمرار كيان "إسرائيل" الوظيفي، في خانة "الصفر الوجودي"، ولم يعد في قائمة خياراته المتاحة، ما يمكنه المناورة خلالها، أو تأجيل زواله المحتوم بها، ولو إلى أجل قريب، لأن كل ما تبقى في جعبته، لا يعدو أحد أمرين أحلاهما مرٌّ؛ فما بين الدخول في هدنة، على شروط الفصائل في حركة حماس، أو الإصرار على استمرار حرب فاشلة، ليس أمام دويلة "إسرائيل"، إلا اختيار صنف الهزيمة، ونوع السقوط المفضل لديها، سواء أكان في صورة الهزيمة المعلنة، والسقوط الحتمي العاجل، عبر توقيع هدنة مذلة، على شروط حماس، أو كان في قالب الهزيمة الضمنية، والسقوط الحتمي بالتقسيط المرعب، من خلال إطالة أمد الحرب، والإمعان في ممارسة أبشع صور الإجرام والقتل والتدمير، بحق قطاع غزة أرضا وإنسانا، خاصة في ظل تنامي فعل الجهاد والمقاومة، في مختلف الأراضي الفلسطينية المحتلة.
سقوط الكيان الوظيفي بفقد شروط بقائه (1) https://worldofculture2020.com/?p=105471
القدسُ في استراتيجية “الاعتياد” من قتل القضية بهدوء إلى اغتيال الشعوب بلطف – صحيفة المسيرة
http://www.almasirahnews.com/120884/
القدس في استراتيجية "الاعتياد"
من قتل القضية بهدوء إلى اغتيال الشعوب بلطف
إبراهيم محمد الهمداني
اعتادت معظم أنظمة الحكم العربية والإسلامية – المرتهنة بالولاء للولايات المتحدة الأمريكية، وربيبتها دويلة الاحتلال الصهيوني الغاصب – التعاطي مع قضية فلسطين، من خلال أنساق تفاعلية معينة، عكست – على مدى عقود من الزمن – صورة العجز والضعف والانبطاح السياسي والعسكري، التي جمعت تفاصيلها وهشاشتها، بيانات الشجب والإدانة والتنديد، والخطابات الحماسية والشعارات الرنانة والتهديدات الفارغة، التي اعتادت ألسنة الحكام على إطلاقها، والتباهي بترديدها بطريقة دراماتيكية، مثيرة للشفقة والغثيان في الوقت نفسه، إذ لا طائل تحتها، سوى أنها تصبح مادة دسمة للاستهلاك الإعلامي، حيث يعمل الإعلام جاهدا على تزيين وتزويق عناوينها، وتصديرها كرسائل سياسية بالغة الأهمية، أطلقها قادة عظماء فاتحون، تحمل تحذيرهم الأخير – وهم في قمتهم العربية الطارئة – إلى الكيان الصهيوني الغاصب، العدو الإسرائيلي المجرم القاتل، الذي احتل المقدسات الإسلامية، والأراضي العربية الفلسطينية، ولم يكتف بذلك، بل أمعن في ارتكاب جرائم القتل والإبادة والتدمير الكامل، وممارسة أبشع المجازر الجماعية، بهدف محو الوجود الفلسطيني أرضا وإنسانا، بدعم وتأييد ومباركة أمريكية غربية، وتواطؤ مؤسسات الأمم المتحدة ومنظماتها ذات الصلة.
وكما اعتاد الحكام على لوك الخطابات الإنشائية المكررة، اعتادت قممهم (الطارئة) على إنتاج بيانات الشجب والتنديد والإدانة، وتحميل العدو الصهيوني مسئولية مجازره – وهو الذي لم يبال بتلك المواقف الهزيلة يوما – ومناشدة أمريكا والغرب الحضاري الإنساني، ومنظمة أممه المتحدة ومجلس أمنه، سرعة التدخل وإيقاف المجازر، اعتاد – كذلك – معظم المثقفين – خاصة الكتاب والشعراء منهم – على التعاطي السلبي مع القضية، بوصفها مشكلة مزمنة عصية على الحل، لينتهي بهم الأمر إلى التلويح للجماهير، بما يشبه الأمل المنهك بغموضه، وضرورة ابتكاره، سواء من خلال تمجيد ماضي الأمة، والتعزي بمواقف وبطولات الأسلاف من قاداتها، الذين صنعهم التاريخ السياسي، وقدمهم كرموز وأبطال تاريخيين، ليجد فيهم ضعف وعجز الأمة ملاذا مثاليا، حيث يلجأ إليهم، ويقوم باستنهاضهم – وهم الأموات في قبورهم – لتحرير الأحياء من عدوهم، أو من خلال صناعة مخلِّص غير مرئي، والتنبؤ والتبشير بقدومه قريبا، متنكرا في صورة عابقة بالغموض والمثالية، قد يأتي محمولا على خيوط شعاع الشمس ذات صباح، وقد يكون حاضرا في شخص الحاكم نفسه، لو أنهم أمعنوا النظر في زعيمهم البطل (الدونكشيوتي)، وذلك هو نفس مسار التعاطي الاعتيادي السلبي، الذي مضت فيه وسائل الاعلام الرسمي، حين تسارع إلى بث وتغطية كلمة الحاكم الرئيس، وإبراز وتضخيم وتنميق حضوره الهزيل، ودوره في تلك القمة الهزيلة، التي تمخضت عن بيان هزيل، وبعض أغانٍ وأناشيد تضامنية، تحمل قدرا هائلا من الإحباط واليأس، وتبث العجز والهزيمة المسبقة، في نفوس الجماهير العربية، الباحثة عن "الحلم العربي"، المُغَيبة في غياهب التساؤل، "الغضب العربي وين؟ والدم العربي وين؟ والشرف العربي وين؟ وين الملايين؟".
ولأن الحكام قد أهدروا كرامة وشرف، ودور وفاعلية الشعوب، وألجموها بعصى العار والقمع والاستبداد، اكتفت الشعوب – بدورها – بممارسة التنفيس الآني، عن غضبها وانتقامها لشرفها ودمها وعرضها، من خلال مظاهرات جماهيرية حاشدة، مفرغة من أي مضامين الوعي والقوة، أو الشعور بالقدرة على القيام بفعل حقيقي، من شأنه إيلام العدو الصهيوني الغاصب، وردعه عن التباهي بقوته وغطرسته، وممارسة التنكيل المستمر، بحق أبناء الشعب الفلسطيني العزل، الأمر الذي جعل تلك المظاهرات الشعبية، لا تعدو كونها فعلا روتينيا اعتياديا، لم يقدم جديدا، حتى في هتافاته وشعاراته، ولم تتجاوز المظهر الصوتي البحت.
أما السفينة.. فكانت لوعد سيد القول والفعل منقادة غصبا
إبراهيم محمد الهمداني
ما لم تجرؤ على فعله، أكثر من خمسين دولة عربية وإسلامية مجتمعة، فعلته دولة واحدة بمفردها، رغم ما تعانيه من ويلات عدوان عالمي، وحصار أممي مطبق، على مدى تسع سنوات، نتج عنها أبشع وأكبر مأساة إنسانية، وأسوأ كارثة في تاريخ البشرية، حسب تقارير منظمات الأمم المتحدة نفسها، المشاركة فعليا في قتل وحصار شعب بأكمله.
لكن ذلك لم يحل دون قيام ذلك الشعب العظيم، بواجباته الدينية والأخلاقية والإنسانية، تجاه دينه وقضايا أمته.
ما لم تجرؤ على التفكير فيه، الأنظمة العربية والإسلامية، في قمة الجامعة العربية الطارئة، المنعقدة في الرياض، بعد أكثر من ثلاثين يوما، على العدوان الصهيوني الغربي، على المدنيين الأبرياء في قطاع غزة، فعلته وأقدمت عليه - بكل جرأة وشجاعة - القوات المسلحة اليمنية باقتدار، وحين عجز بيان تلك القمة الهزيلة، عن صياغة مخرجاتها، بلغة حازمة نوعا ما، استطاع سيد القول والفعل، إعلان بيان قمته الجهادية المشرفة، بلغة الصواريخ الباليستية الغاضبة، ونبرة الطائرات المسيرة اليمنية الثائرة، التي بلغت عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأسمعت صرختها من به صممُ.
في زمن ساد فيه ظلام الهيمنة الاستعمارية الاستكبارية، وفي جغرافيا مترامية الأطراف، غلبت عليها أنظمة العمالة والارتهان، ظهر من أقصى جنوب الجزيرة العربية، قائد رباني، آتاه الله الحكمة وفصل الخطاب، ومكَّنه من أسباب القوة والبناء، وعصم به شعبا كريما، كان على شفا حفرة، من نيران التطبيع والخضوع، وكان قاب قوسين أو أدنى، من إعلان عبوديته المطلقة، لقوى الكفر والشر والطاغوت.
وجاء من أقصى الجزيرة رجل يسعى، قال يا شعب اليمن العزيز، اثبتوا واصبروا ورابطوا، ولكم من الله النصر والتمكين، ومن أوفى بوعده من الله؛ كان نطقه القرآن، وكان هدى الله يترقرق من بين ثناياه، منهلا عذبا، يروي ظمأ الأرواح، ويشفي غليل القلوب، وهو يهذب النفوس ويزكيها، وبمنطق الحكمة وقوة اليقين، اختصر معادلات الصراع، في الحتميات الثلاث، فاجتمعت إليه أقوام آمنوا بربهم، وزادهم هدى وزكاء، فخاضوا معه معركة المصير، ضد قوى تحالف العدوان الصهيوسعوأمريكي الإجرامي، وفقا للتوجيهات والاستراتيجيات الإلهية، التي تمخضت عن انتصارات إعجازية مذهلة.
استطاع سيد القول والفعل، قيادة شعبه إلى مراتب متقدمة من الانتصارات والقوة والبناء، وأصبح اليمن قوة إقليمية، يتمتع بكامل الحرية والسيادة والاستقلال، وما بين مرحلة الصمود الأسطوري، ومرحلة كسر فاعلية قوة العدوان، استطاع القائد الرباني، من خلال المنهج القرآني، بناء أمة عظيمة، حرص - رغم انشغاله بمواجهة العالم، على كافة المستويات - على تأهيلها وتزكيتها وتربيتها وتهذيبها، وتهيئتها لتحمل مسئولية القيادة والاستخلاف، في إطار المشروع الإلهي، ومهمة إنقاذ البشرية، من تسلط وهيمنة قوى الطاغوت والإجرام.
لم تشغله مواجهة قوى العدوان وتحالفاته، على كافة المستويات، عن تلبية نداء استغاثة أبناء غزة المستضعفين، وهم يُذبحون جماعات وفرادى، بصواريخ وقنابل الاحتلال الصهيوني الغاصب، المدعوم من أمريكا، ومعظم دول الغرب، ولما كانت تلك - هي أيضا - رغبة شعب بأكمله، عبَّر عنها بمظاهرات مليونية حاشدة، مفوضا سماحة السيد القائد، باتخاذ كل ما يراه مناسبا، من وسائل الرد المشروع، على جرائم ومجازر الإبادة الجماعية، بحق إخواننا الفلسطينيين، كما أبدت تلك الجماهير استعدادها للمشاركة الفعلية، في نصرة الشعب الفلسطيني المظلوم، والقتال جنبا إلى جنب مع إخوانهم مجاهدي المقاومة، إن أذن سيد القول والفعل بذلك.
قالها سيد القول والفعل وفعلها، وأعلن موقف الشعب اليمني - الثابت والمبدئي - إلى جانب الشعب الفلسطيني، وقضيته العادلة، فصدقته عمليات القوات المسلحة اليمنية، التي استهدفت - بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة - أهدافا استراتيجية حساسة، في عمق الأراضي المحتلة، أصابت الكيان الصهيوني المحتل، إصابات بالغة قاتلة، ثم ما لبث سيد القول والفعل، أن هدد باستهداف سفن الكيان الصهيوني في البحر الأحمر، وحذرها من المرور من باب المندب، والمياه الإقليمية اليمنية، وصدَّقت أفعالُه أقوالَه، وجاءت ترجمة ذلك الموقف العظيم، على يد القوات المسلحة اليمنية، التي سارعت بالاستجابة لأمر السيد القائد، وأعلنت استيلاءها على سفينة إسرائيلية، واقتيادها إلى السواحل اليمنية، رغما عن أنف الأساطيل الأمريكية، والبوارج الحربية الغربية، وأكثر من ذلك، فقد كسرت هذه العملية، كل قواعد الهيمنة الصهيونية الغربية، وفرضت معادلات جديدة للصراع، مع قوى الاستكبار الغربي العالمية، حيث تجنبت القوات المسلحة اليمنية، استهدافها بالقصف الصاروخي المباشر، وإصابتها وإغراقها، بل تعمدت الاستيلاء عليها واقتيادها، بما يحمله موقف الاستيلاء عليها، واقتيادها قسرا، إلى السواحل اليمنية، التي أصبحت محرمة على قوى الهيمنة الأمريكية الغربية، دون
الأبد، كما أن قوى الجهاد والمقاومة في الداخل والخارج، لم تتوان في توجيه أقسى الصفعات، على وجه ذلك المعتدي الأعمى، الذي يخط مسار نهايته بيده، فكلما أوغل الصهاينة في ارتكاب المزيد من عمليات القتل والتدمير الشامل، اتسعت رقعة وجغرافيا المعركة، وفُتحت جبهات جديدة، داخليا وإقليميا، وكلما اتسعت جغرافيا المعركة، تضاءلت خيارات خروج الكيان الصهيوني، والغرب الإمبريالي منها سالمين، وبالتالي تنعدم فرص بقائهم وبقاء مصالحهم، في كامل المنطقة العربية.
إن المدمرات والبوارج والسفن الحربية، التي عجزت عن حماية نفسها، من ضربات الصاروخية اليمنية، هي أعجز عن حماية الكيان الصهيوني الوظيفي، وبقية الكيانات الوظيفية المطبعة، التي هرولت إلى التطبيع، بدافع وهم الحماية الإمبريالية، غير مدركة أنها لا تعدو كونها في نظر الكيان الصهيوني والغرب الاستعماري، مجرد أدوات وكيانات وظيفية، تعمل بنظام الارتزاق، على تنفيذ مخططات، وحماية مصالح القوى الاستعمارية، التي سرعان ما ستتخلى عنها، وتتركها تواجه مصيرها المحتوم، عندما تشعر أنها أصبحت غير مجدية، من منظورها المادي البحت، كما فعلت في أفغانستان وغيرها.
والتساؤلات التي لابد من طرحها هنا هي؛ ما هي الخطوة الأخيرة، التي قد يلجأ إليها المستعمرون المهزومون؟ ما هي رهاناتهم للخروج من هذه المعركة؟ هل يدفع الكيان الصهيوني الغاصب - ومن خلفه الغرب الاستعماري - بأنظمة التطبيع والعمالة، إلى محرقتهم الأخيرة، في مواجهة مباشرة مع اليمن خاصة، ومحور المقاومة عامة؟ هل يتخلى الجيش المصري - مثلا - عن شرفه العسكري ورصيده الوطني، وينجر إلى المواجهة المخزية، ضد محور الجهاد والمقاومة، إرضاء للسيسي العميل، والعدو الصهيوني المحتل؟.
يجب على الشعوب أن تقول كلمتها، وأن تثور ضد أنظمتها الحاكمة العميلة، انتصارا لدينها وشرفها وكرامتها، وأن تجبر حكوماتها على المقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية، وتطرد سفراء الكيان الصهيوني، وكل من أيده وسانده وساعده، من دول الغرب الاستعماري، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية، وبهذا سيتوقف حكام العمالة والنفاق والتطبيع، عن ارتكاب أي حماقة محتملة، كما أن العدو الصهيوني والغرب الاستعماري، سيفقد الكثير من أوراقه ورهاناته، وتضيق مساحات خياراته، وسيكونون أمام خيارين أحلاهما مرَّ، ونهاية مخزية محتومة واحدة.