سلم على بيتنا يا غريب.
فناجين قهوتنا لا تزال على حالها. هل تشم
أصابعنا فوقها هل تقول لبنتك ذات
الجديلة والحاجبين الكثيفين إن لها
صاحباً غائباً،
يتمنى زيارتها, لا لشيء...
ولكن ليدخل مرآتها ويرى سره:
كيف كانت تتابع من بعده عمره
بدلاً منه سلم عليها
إذا اتسع الوقت.
— محمود درويش
كمقهى صغير على شارع الغرباء
هو الحُبُّ... يفتح أَبوابه للجميع.
كمقهى يزيد وينقُصُ وَفْق المُناخ
إذا هَطَلَ المطُر ازداد رُوَّادُهُ،
وإذا اعتدل الجوُّ قَلُّوا ومَلُّوا..
أنا ههنا – يا غريبةُ – في الركن أجلس
[ما لون عينيكِ؟ ما اُسمك؟ كيف
أناديك حين تَمُرِّين بي, وأنا جالس
في انتظاركِ
— محمود درويش
من سوء حظّيَ أَني نجوت مراراً
من الموت حبّاً
ومن حُسْن حظّي أنيَ ما زلت هشاً
لأدخل في التجربةْ
يقول المحبُّ المجرِّبُ في سرِّه :
هو الحبُّ كذبتنا الصادقةْ
فتسمعه العاشقةْ
وتقول : هو الحبّ ، يأتي ويذهبُ
كالبرق والصاعقة...
— محمود درويش
أعدّي لِيَ الأرضَ كي أستريحَ
فإني أحُّبّك حتى التَعَبْ...
صباحك فاكهةٌ للأغاني
وهذا المساءُ ذَهَبْ
ونحن لنا حين يدخل ظلٌّ إلى ظلّه في الرخامِ
وأُشْبِهُ نَفْسِيَ حين أُعلّقُ نفسي
على عُنُقٍ لا تُعَانِقُ غير الغمام
وأنتِ الهواءُ الذي يتعرّى أمامي كدمع العنَبْ
وأنت بدايةُ عائلة الموج حين تَشَبّثَ بالبرّ
حين اغتربْ
وإني أحبّك، أنتِ بدايةُ روحي، وأنت الختامُ...
— محمود درويش
الأن, أنت اثنان, أنت ثلاثة, عشرون ,
ألفٌ, كيف تعرف في زحامك من تكون؟
الآن, كنت
الآن, سوف تكون
فاعرف من تكون... لكي تكون...
— محمود درويش
رأيت على الجسر أندلُسَ الحبّ والحاسّة السادسهْ
على وردة يابسهْ
أعاد لها قلبَها
وقال: يكلفني الحُبّ ما لا أُحبّ
يكلفني حُبّها.
ونام القمرْ
على خاتم ينكسرْ
وطار الحمامُ
رأيتُ على الجسر أندلُس الحب والحاسّة السادسهْ
على دمعةٍ يائسهْ أعادتْ له قلبَهْ
وقالت: يكلفني الحبّ ما لا أُحبّ يكلفني حُبّهُ
ونام القمرْ على خاتم ينكسرْ وطار الحمامُ
وحطّ على الجسر والعاشِقْينِ الظلامُ
يطير الحمامُ يطير الحمامُ
— محمود درويش
هل تَعِبْتَ من المشي
يا وَلَديي ، هل تعبتْ
نَعَمْ ، يا أَبي
طال ليلُكَ في الدربِ ،
والقلبُ سال على أَرض لَيْلِكَ
ما زِلْتَ في خفَّة القطِّ
فاصْعَدْ إلى كتفيَّ ،
سنقطع عمَّا قليلْ
غابة البُطْم والسنديان الأخيرةَ ..
— محمود درويش
وقفتُ علي المحطة.. لا لأنتظر القطارَ
ولا عواطفيَ الخبيئةَ في جماليات شيء ما بعيدٍ،
بل لأعرف كيف جُنَّ البحرُ وانكسر المكانُ
كحجرة خزفية، ومتي ولدتُ وأين عشتُ،
وكيف هاجرتِ الطيورُ الي الجنوب او الشمال.
ألا تزال بقيتي تكفي لينتصر الخياليُّ الخفيفُ
علي فساد الواقعيِّ ألا تزال غزالتي حُبلَي؟
وقفت علي المحطة. كنت مهجوراً كغرفة حارس
الأوقات في تلك المحطة. كنتُ منهوباً يطل
علي خزائنه ويسأل نفسه: هل كان ذاك
العقلُ ذاك الكنزُ لي هل كان هذا
اللازورديُّ المبلَّلُ بالرطوبة والندي الليليِّ لي
هل كنتُ في يوم من الأيام تلميذَ الفراشة
في الهشاشة والجسارة تارة، وزميلها في
الاستعارة تارة هل كنت في يوم من الايام
لي هل تمرض الذكري معي وتُصابُ بالحُمَّي
— محمود درويش
من الياسمين يسيل دمُ الليل أَبيضَ . عطرُكِ
ضعفي وسرُّكِ , يتبعني مثل لدغة أَفعى . وشَعْرُكِ
خيمةُ ريح خريفيَّة اللون . أَمشي أَنا والكلامْ
إلى آخر الكلمات التي قالها بدويٌّ لزوجي حمام
أَجسُّكِ جَسَّ الكمان حريرَ الزمان البعيدْ
وينبت حولي وحولك عُشْبُ مكانٍ قديمٍ- جديدْ .
— محمود درويش
لدينا كثيرٌ من الوقتِ، يا قلب، فاصمُدْ
ليأتيكَ من أرض بلقيس هُـدْهُـدْ
بعثنا الرسائل، قطعنا ثلاثين بحرًا وستينَ ساحلْ
وما زالَ في العمرِ وقتٌ لنشرُد ..
— محمود درويش
أُدرِّبُ قلبي
على الحب كي يَسَعَ الورد والشوكَ ...
صوفيَّةٌ مفرداتي . وحسِّيَّةٌ رغباتي
ولستُ أنا مَنْ أنا الآن إلاَّ
إذا التقتِ الإثنتان ِ :
أَنا ، وأَنا الأنثويَّةُ
يا حُبّ ! ما أَنت ؟ كم أنتَ أنتَ
ولا أنتَ . يا حبّ ! هُبَّ علينا
عواصفَ رعديّةً كي نصير إلى ما تحبُّ
لنا من حلول السماويِّ في الجسديّ .
وذُبْ في مصبّ يفيض من الجانبين .
فأنت - وإن كنت تظهر أَو تَتَبطَّنُ -
لا شكل لك
ونحن نحبك حين نحبُّ مصادفةً
أَنت حظّ المساكين
— محمود درويش
لا تُغادر المكان
عُد إليها بحجة أنك نسيت المفاتيح
لا .. تمهل .!
النساء يكرهنَ الأقفال
والهواتف وعلب السجائر..
لا تُغادر المكان
عُد إليها وكأنكَ
نسيت قلبك على الطاولة.
— محمود درويش
لأني أحبك، خاصرتي نازفه
وأركض من وجعي
في ليالٍ يوسّعها الخوف مما أخاف
تعالى كثيرًا، وغيبي قليلاً
تعالى قليلاً، وغيبي كثيرًا
تعالى تعالى ولا تقفي، آه من خطوةٍ واقفه....
— محمود درويش
يجلسُ الليلُ حيث تكونين. ليلُك من
لَيْلَكٍ.بين حين وآخر تُفْلتُ إيماءةٌ
من أَشعَّة غمَّازتَيْك فتكسر كأسَ النبيذ
وتُشْعل ضوء النجوم . وليلُك ظِلُّكِ
قطعةُ أرضٍ خرافيَّةٍ للمساواة ما بين
أَحلامنا. ما أَنا بالمسافر أَو بالمُقيم على
لَيْلكِ الليلكيِّ , أَنا هُوَ مَنْ كان يوماً
أَنا ’ كُلَّما عَسْعَسَ الليلُ فيك حَدَسْتُ
بمَنْزلَةِ القلب ما بين مَنْزلَتَيْن : فلا
النفسُ ترضى , ولا الروحُ ترضى . وفي
جَسَدَيْنا سماءٌ تُعانق أَرضاً. وكُلُّك
ليلُكِ... لَيْلٌ يشعُّ كحبر الكواكب.لَيْلٌ
على ذمَّة الليل , يزحف في جسدي
خَدَراً على لُغَتي , كُلَّما اتَّضَحَ اُزدَدْتُ
خوفاً من الغد في قبضة اليد....
— محمود درويش
اشرب قهوتك ، واعتنق الصمت ، ولا تأخذ الناس على محمل الجد .. لا تأخذ الحياة على عاتقك ، ولا تبالغ في عاطفتك ، ولا تُرضي أحدًا رغمًا عنك.
— محمود درويش
مَرَّ القطارُ سريعاً،
كُنْتُ أنتظرُ على الرصيف قطاراً مَرَّ،
وانصرَفَ المُسافرونَ إلى
أَيَّامِهِمْ ... وأَنا ما زلتُ أَنتظرُ
كان الحنينُ إلى أشياء غامضةٍ
يَنْأَى ويَدْنُو، فلا النسيانُ يُقْصِيني،
ولا التذكُّرُ يدنيني من امرأة
إن مَسَّها قمرٌ صاحَتْ: أَنا القَمَرُ
مَرَّ القطار سريعاً
مَرَّ بي ، وأَنا ما زلتُ أَنتظرُ ..
— محمود درويش