من عادات العرب في أخلاقهم أنّهم يُتمّمونَ المعروف إذا بَدَؤوه، ويَرَوْنَ في الصّنيعة إما إتمامَها أو قَطْعَها وتَرْكَها.
يقول أبو مُحَسّد:
ولَلـتركُ للإحـسـانِ خَـيرٌ لـمحسنٍ
إذا جَـعَـلَ الإحـسـانَ غـيرَ ربيـبِ!
ويقول عليّ بن العبّاس:
لا تــصـنَـعَـنّ صـنـيـعـةً مـبــتـورةً
وإذا اصطنعتَ إلى الرّجالِ فتمِّمِ!
إِذا نَطَقَ السَفيهُ فَلا تَجِبهُ
فَخَيرٌ مِن إِجابَتِهِ السُكوتُ
فَإِن كَلَّمتَهُ فَرَّجتَ عَنهُ
وَإِن خَلَّيتَهُ كَمَداً يَموتُ
فَلَأَنهَضَنَّ إِلى المَعالي نَهضَةً
مِلءَ الزَمانِ تَفي بِطولِ قُعودي
- الشريف الرضي
هذا البيت للبيدِ العامريّ من أشرفِ ما نطقتْ به العرب؛ فهو يُغني عن كتابٍ في الحكمةِ والأدب:
ما عـاتَبَ الـحُـرَّ الكَـريمَ كَـنَـفـسِهِ
والمَـرءُ يُـصلِحُهُ الجَليسُ الصّالِحُ
وَقُلْ لِلحِمَى لا حَامِيَ اليَومَ بَعدَهُ
وَلَا قَائِمٌ مِن دُونِ مَجدٍ وَسُؤدُدِ
وَلِلبيضِ لَا كَفٌّ لِمَاضٍ مُهَنَّدٍ
وَلِلسُّمرِ لا بَاعٌ لِعالٍ مُسَدَّدِ
فَأَينَ الظُّبى مَا زَالَ مِنهَا بِكَفِّهِ
رِدَاءٌ عَظِيمٌ أَو عِمَامَةُ سَيّدِ
فَلا نَعِمَ الباغونَ يَوماً بِعَيشَةٍ
وَلا حَضَروا إِلّا بِأَلأَمِ مَشهَدِ
- السّيّد الرّضي
أَللَّهَ يَا حَامِيْ الشَّرِيْعَةَ أَتَقَرُّ وَهْيَ كَذَا مَرُوْعَهْ
بِكَ تَسْتَغِيْثُ وَقَلْبُهَا لَكَ عَنْ جَوىً يَشْكُوْ صُدُوْعَهُ
أَيْنَ الذَّريعَةُ لَا قَرَارَ عَلَى الْعِدَىْ أَيْنَ الذَّرِيعَهْ ؟
مَاتَ التَّصَبُّرُ بِانْتِظَارِكَ أَيُّهَا الْمُحْيِي الشَّرِيْعَهْ
فَانْهَضْ فَمَا أَبْقَى التَّحَمُّلُ غَيْرَ أَحْشَاءٍ جَزُوْعَهْ
قَدْ مَزَّقَتْ ثَوْبَ الْأَسَى وَشَكَتْ لِوَاصِلِهَا الْقَطِيْعَهْ
ألا كم كريمٍ عدَّه الدهرُ مُجرِما
فلمَّا قضَى صلَّى عليه وسلَّمَا
أبو القاسمِ المنفِيُّ عن دارِ أهلِه
وموسَى بنُ عمرانٍ وعيسَى بن مَريمَا
أتعرفُ دينًا لم يُسَمَّ جريمةً
إذا ضبطَ القاضي بها المرءَ أُعدِمَا
صَليبٌ وقتلٌ في الفِراش وعسكرٌ
بمصرَ وأُخدودٌ بنجرانَ أُضرِمَا
وطفلٌ وديعٌ بين أحضانِ أُمِّه
يراوغُ جَيشًا في البلادِ عَرمرَمَا
وقلَّ نبيٌّ لم تلاحِقْه شُرطةٌ
وأشباهُها في كلِّ دهرٍ تصرَّمَا
فمِن جوهرِ التوحيدِ نفيُ ألوهةِ الـ
ـمُلوكِ؛ لذا ما زالَ دينًا مُحرَّمَا
ولم يُؤمنِ الأملاكُ إلا تَقيةً
وفي المُلك شِركٌ يُتعبُ المُتكتِّمَا
وفرعونُ والنُّمرودُ لم يَتغيَّرَا
بقَرنينِ أو رَبْطاتٍ عُنْقٍ تهنْدَمَا
ونحنُ لعَمري نحنُ منذُ بدايةِ الـ
ـخَليقةِ يا أحبابَنا وهُما هُمَا
نعظِّمُ تاجَ الشَّوكِ في كلِّ مرةٍ
ولسنا نرَى تاجًا سواهُ مُعظَّمَا
ونرضَى مِرارًا أن تُرضَّ عِظامُنا
عَطاشَى ولا نرضَى دَعِيًّا مُحكَّمَا
مُسيَّرةٌ في شُرْفة البيتِ صادفَتْ
وحيدًا جريحًا يَكتسِي شطرُه دَمَا
قد انقطعتْ يُمناهُ وارتُضَّ رأسُه
فشدَّ ضِمادًا دونَه وتعمَّمَا
وأمسكَ ياليُسرَى عصًا كي يرُدَّها
فكانتْ ذُبابًا كُلما ذُبَّ حوَّما
وما أُرسلَتْ إلا لأنَّ كتيبةً
من الجُندِ خافتْ نِصفَ بيتٍ مُهدَّمَا
وقد وجَدُوه جالسًا في انتظارِهم -
أظنُّ - ومِن تأخيرِهم مُتبرِّمَا
ولو صوَّرتْ تحتَ اللِّثامِ لصَوَّرتْ
فتًى ساخرًا ردَّ العُبوسَ تبسُّمَا
تلثَّمَ كي لا يَعرفُوه لأنَّهم
إذا عرَفوه فضَّلوا الأَسْرَ رُبَّمَا
ولو أسَرُوه قايَضُوه بعُمرِه
لِذاكَ رأى خَوضَ المنيَّةِ أحزَمَا
فلم يتلثَّم كَي يَصُونَ حياتَه
ولكنْ لزُهدٍ في الحَياة تلثَّمَا
فقُل في قِناعٍ لم يُلَثْ لسَلامةٍ
ولكنْ شِعارًا في الحُروب ومَعلمَا
وقُل في جُموع أحجَمتْ خوفَ واحدٍ
وفي جالسٍ نحوَ المُشاةِ تقدَّمَا
أتى كُلَّ شيءٍ كي يَسُوء عدُوَّه
ولم يأتِ شيئًا في الحَياة ليسلَمَا
رمى بالعَصا جيشَ العَدُو وصيةً
لمَن عِنده غَيرُ العِصيِّ وما رمَى
رمَى بالعَصا لم يَبقَ في اليدِ غيرُها
ومَن في يديهِ العَسكرُ المَجْر أحجَمَا
غدا مَضرِبَ الأمثالِ منذُ رمَى بها
لكلِّ فتًى يحمِي سِواهُ وما احتمَى
جُلوسًا على الكُرسيِّ مثلَ خليفةٍ
يُبايعُه أهلُوه في الأرضِ والسَّمَا
فذلكَ عرشٌ يَرتضِيه ذَوو النُّهَى
وذاكَ إمامٌ قِبلةَ السَّعدِ يمَّمَا
هُنا يُصبحُ الإنسانُ دينًا مُجرَّدًا
ويُصبحُ دينُ الناسِ شَخصًا مُجسَّمَا
أتعرفُ؟ إنَّ الموتَ راويةُ الفتَى
يقولُ لحقٍّ أمْ لباطلٍ انتمَى
يعيشُ الفتَى مَهما تكلَّم ساكتًا
فإن ماتَ أفضَى موتُه فتكلَّما
تميم البرغوثي
أَنسِل أَوِ اِعقُم فَالتَوَحُّدُ راحَةٌ
سَيّانَ نَجلُكَ وَالخَبيثُ الناسِلُ
وَالشَرُّ أَغلَبُ عُصبَةٌ جَمَعَت
لَنا أَقذاءَ دُنيانا وَفَذٌّ غاسِلُ
أَبُو العَلَاءِ المَعَرِّي
وَالخَامِس التَّعقِيْب لا مَحصُورَا
بَل قَد أتَى مُطَوّلاً كَثِيرَا
أقَلّهُ التَّسبِيحُ لِلزّهرَاءِ
وَفضلُهُ زَادَ عَلى الإحصَاءِ
- تَقِي الدّين الحِلّيّ، الجَوهَرةُ فِي نظمِ التَّبصرةِ، |ص٣٨.
طُبِعَت عَلَى كَدرٍ وَأَنتَ تُريْدُهَا
صَفوًا مِنَ الأَقذاءِ وَالأَكدارِ
وَمُكَلِّف الأَيامِ ضِدَّ طِباعِها
مُتَطَّلِب فِي المَاءِ جَذْوَةَ نَارِ
أَبُو الحَسَنْ، التَهَامِيُّ
وَمَا الهَذيُ مَن دَأْبَي وَ لكِن إِذَا اختلَى
غَرِيبُ الهَوَى نَاجَاهُ طَيفٌ يُزاوِرُ
مبرقعة تُهدي العبادَ نصائحاً
ومنذ متى تَهدي ذوات البراقع
كأن حواشي أحرف من لهاتها
نصالُ سهام في سواد الأضالعِ
جزيتِ ولكن إن تشائي نصيحتي
فقرّي فكم راءٍ بلوتِ وسامعِ
وما خلقت عيناك للنصح إنما
لتنفث سمّاً ناقعاً في المسامعِ
يقصد زوجته، في قصيدة ( هواكِ مكين )
https://youtu.be/pmdcep_v7R4?si=3fwvqBAL5Fg6UwUZ
سَليلَةُ عِزٍّ آثَرَت كوخَ رَبِّها
ألا إنَّ كوخاً في مَعيَّتِها قَصرُ
- بَدر الدُرَيع
إِذَا هِيَ مَجَّت نُطفَةً مِن رُّضَابِهَا
عَلَى البَحرِ أَضحَىٰ البَحرُ أَحلَى مِنَ الشَّهدِ
وَيَشفِيَ ذُو الدَّاءِ العَيَاءِ رُضَابُهَا
إِذَا عَيَّ عَن إِشفَائِهِ نُطُسُ الهِندِ
وَلَوْ سُقِيَ الأَموَاتُ خَمرَةَ رِيقِهَا
لَعَادُوا كَأَن لَّم يَعرِفُوا ظُلمَةَ اللَّحدِ!
لأبي نُواس بيتٌ في وصف الدُّنيا لا أبدع منه، وهو قوله:
ومَنْ يأمَنِ الدُّنيا يكنْ مِثْلَ قابِضٍ
على المـاءِ خانَتهُ فُـرُوجُ الأصابِعِ
ونصمُتُ ليسَ يعني أن رضِينا
ولكن ليسَ يُجدي ما نقولُ
فَلا أنا مُفصِحٌ عَمّا أُعاني
ولا وَجعِي عَلى صَمتِي يَزولُ