هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ
Читать полностью…
هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ
Читать полностью…
أحدهم يكتب جيدًا، جيدًا جدًا في الحقيقة، وبشكل أجمل مما كنت أستطيع تحمله، مع كل مقال أقرؤه له كنت أشعر بوهج ذكائه الوجداني، وانطلاقة وسلاسة عباراته، وقوة كلماته في التعبير عن ألف معنى جديد متداخل بألف طريقة مختلفة، كان يبدو لي كطاه محترف ينشئ لك وصفات طعام خيالية من لحم وبعض التوابل، أكلتَ مثلهم مئات المرات ولم تأكل مثل طعامه من قبل.
كانت تصيبني القراءة له بمزيج من المشاعر، منها جمال الشعور بوجود صديق عزيز لم ألتق به من قبل، ومنها إعادة اكتشاف المألوف بطريقة غاية في الغرابة، ومنها حكة في أعماق وجداني لما أقرأ له، نوع عميق من الغيرة لا يعترف بنفسه لي أبدًا، هذا لأنني وفي أعماق وجداني أحب أن أظن أني كاتب، وهي صفة محايدة لا تعني أني أجيد الكتابة، ولا بالضرورة حبها، ولا الخبرة بمسالكها، ولا أن لدي من المعارف أو الأفكار أو حتى المشاعر ما يجعلني أكتب عنه، فقط مجرد اسم فاعل، ويعني الاسم أني مجرد فاعل، أقوم بالكتابة، كوظيفة لروحي، كنت أعتبر ذلك فعلًا لا إراديًا، وكأنه الغرض الحقيقي لاستيقاظي في كل صباح، والكينونة العميقة التي أكنها لنفسي حين أسائل نفسي عن سبب وجودي في هذا العالم.
لذلك كنت أغار، هذا مستوى بعيد جدًا عن تناولي، إنه يقوم بسهولة بما أتمنى لو قمت به بعد كبير عناء، تنساب سطوره بنفس سهولة تدفق خواطري، بينما تتحول خواطري إلى سطور بعد صعود لجبل شاهق والتردي، لم أعترف لنفسي بشعور الغيرة قط، ولكني اعترفت بشعور خفي من عدم الارتياح.
لا أدعي أني صرت أكثر نضجًا الآن، ولكني على الأقل فطنت إلى أمر لم أكن أفهمه تمامًا في صغري، وحين أذكر صغري الآن فأنا أقصد منذ عدة شهور مضت، ربما هذه هي السرعة التي يشيخ بها الإنسان وتزداد حكمته مع معاناته.
في الماضي كنت أحب أن أكون الأفضل في كل ما أقوم به، أفضل طالب، أفضل طبيب، أفضل كاتب، أفضل زوج، وأفضل أب. قادني ذلك إلى الكثير من الحزن حين علمت أني لن أكون الأفضل أبدًا في أي شيء، هناك المليارات في الماضي ممن أغلقوا عليك باب المنافسة، وهناك الملايين في الحاضر ممن يبتعدون بمستواهم عنك في كل لحظة، وحتى الأفضل بينهم ينتظر أن يحطم أرقامه شاب صاعد من أحد أجيال المستقبل المتحمس ممن يتوقون إلى تحطيم أسطورته هو بالذات!
الآن صرت أفكر أن يكفي الإنسان أن يكون واحدًا من الجياد. أنه يكفيني أن أكون واحدًا من المجموع، وجزءًا من الكل، وأحد الأصدقاء في قائمة أحدهم، وإن ضمت غيري العشرات والمئات وكلهم أفضل وأتم.
أن تكون مجرد مقبول في هذا العالم البليونيّ المزدحم الصاخب لهو أمر لا يقدر بثمن، يعني أنك نجوت من مقصلة الإقصاء والتي طالتك أيضًا عن وجه حق في ألف شيء آخر. يعني أنك كنت أحد الأجنة التي كتب لها الوجود في العالم من بين الملايين الذين لم يولدوا بعد، ولن يوجدوا أبدًا. يعني أنك دخلت إلى موسم مجاعة الشتاء في البراري فكنت أحد الذين رأوا الصيف اللاحق.
أليست الحياة مثالًا طويلا على مختلف أنواع المجاعات؟ أليس مجرد العبور من ذلك المضيق شيئًا يستحق الفخر، أن يصير أمرًا ما مقدورًا عليه بغير حمولة أعباء جشع الوصول للمراتب العليا والمنازل الشاقة، أن تدخل معترك المنافسة فتصير واحدًا من الناجحين، أن تنجو فقط من السقوط!
وأخرج ابن ماجه من حديث أبي حميد الساعدي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "أَجْمِلُوا فِي طَلَبِ الدُّنْيَا فَإِنَّ كُلّاً مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ"!
بدون الله أنت لاهثٌ خلف الأشياء، خلف الكثير من الحاجات، والكثير من المطامع، ثم ما أن تحصّلها حتى تصير جميعًا نوعًا من حطامٍ يابس، جزءًا من ماضٍ خرب، ضربًا من حزنٍ أليم. حزن من يعاين أنه لا شيء يشبعه، ولا شيء يكفيه، ولا حتى هناك شيء يدوم.
سوف تحصل اللذات ثم تراقب فناءها بين يديك.. سوف يموت من حولك أحباؤك، سوف يهاجر أصدقاء عمرك إلى بلاد أفضل، سوف يتوارى جمال وجهك خلف التجاعيد، سوف يبرد مذاق وجبتك الشهية على شفتيك، سوف يذبل وقع كلمات الحب على مسامعك، سوف ينتهي الشبق في لحظة بعينها، ثم تعاين بعد أن تأخذ كل ما تريد أنك لا زلت جائعًا، فقط لم تعد تعلم شيئًا عن كنه وجبتك المشتهاة، ولا تعلم الجهة التي تبيعها.
بدون الله أنت إنسان متشائم متخوّف حريص، تخاف على أموالك التي تتبدد، تخاف على صحتك التي تتناقص، تخاف من حوادث الطريق المفاجئة والأوبئة المتوحشة وضربات قلبك التي تحاول همسًا تخبرك بأن قدراتها على المثابرة محدودة.
تخاف من فرص الحب أن تتجاوزك من بين الملايين في الزحام، تخاف من أمواج الحزن مالحة المذاق من أن تكون أقوى من قدرات سباحتك المتواضعة، تخاف من برد الوحشة أن يدركك حين يخترق جلدك بعد أن تتفاجأ بأنه لم يكن سميكًا كما كنت تحسب.
بدون الله أنت غير موجود. أنت وهم من صنيعة الكيمياء، أنت بقايا مهملة من كرات غاز منفجرة في زمان سحيق، أنت ركام من فرص الحيوانات المقتنصة من قبلك لتبقى على الحياة، أنت احتمال غير مرجَّح للوجود، أنت حدث عشوائي كان من الممكن ألا يحدث، بدون الله أنت عدم، منه بدأت، فيه تحيا، ثم إليه تصير.
بدون الله أنت في عالم الأنانية المطلقة، أنت نتاج السعي إلى الذات، أنت خالٍ من الحب، من التضحية، من الطيبة، من الحنان، أنت مدفوع بجيناتك لادّعاء الجمال حتى تحصل على مبتغاك، بدون الله أنت في حقيقتك شر مستطير، أنت خبث يتصنع، أنت قلب أسود يرسم على وجهه ابتسامة أمام الناس.. بدون الله لا ينبغي لك أن تسامح نفسك.
بدون الله أنت وحيد، أنت محاصر بالألم، أنت ممنوع من الصراخ، من الكلام، من الشكوى، أنت في عالم من الصمم، لا يسمعك أحد ولا يبالي، أنت هباءة في كون قد أهملك، نقطة في بحر لا يبحث عنك، ذرة غبار سابحة في الهواء لن يفتقدها أحد، ولن يحنّ عليها مخلوق.
بدون الله أنت سوف تكون لا شيء ثم لن تكون بعدها شيئًا.
ما هو رابع أكبر فيلم من حيث جني الأرباح في تاريخ السينما؟
الإجابة قد تدهشك! فلو عدّلنا قيمة العملة ومعامل التضخم الاقتصادي عبر الأزمنة، فسوف يكون فيلم الكرتون (سنووايت والأقزام السبعة) أول فيلم طويل من إنتاج ديزني في ١٩٣٧ الذي جنى ما يعادل قيمته اليوم المليار دولار!
برغم أن سنووايت قد فتنت العالم أجمع، إلا أن نسخة ديزني منها لم تكن النسخة الوحيدة من القصة، بل لم تكن حتى الأولى، ونجد في النسخة الروسية أن الأقزام السبعة لم يكونوا أقزامًا بل كانوا فرسان أشداء، وفي الحقيقة قد وقعوا جميعًا في حبها!
لم يؤلف (والت ديزني) سنووايت، بل كانت في الحقيقة هي النسخة الألمانية من القصة، تلك التي كتبها الأخوان (جاكوب غريم) و(فيلهلم غريم) في كتابهما ذائع الصيت: (حواديت الأطفال والبيوت)، والمشهور باسم (حكايات الأخوين غريم) في ١٨١٢.
بدورهما لم يؤلف الأخوان غريم قصة سنووايت! لقد أكدا مرارًا أنهما لم يؤلفا أيًا من القصص في الكتاب، كل ما قاما به هو تجميع لحكايات الجدات إنقاذًا منهما للتراث الألماني الذي خافا عليه في تلك الفترة التي شهدت توسع الإمبراطورية الفرنسية على يد نابليون.
غير أنه لم يكن تراثًا ألمانيًا أيضًا! في الحقيقة فقبل الأخوين غريم بمائة سنة، نشر (شارل بيرو) الفرنسي ذات القصص في كتابه (حواديت سالف الزمان)، ومن قبلهما حكى الشاعر الإيطالي (جيامباتيستا باسيل) المتوفى في ١٦٣٢ حكايات شبيهة، ومن قبلهم جميعًا (جيانفرانشيسكو سترابارولا) المتوفى في ١٥٥٨.
وهكذا، لا يمكنك أن تعرف فعلًا أصل الحكايات ومنبع المنشأ! ذات القصص رويت في كل مكان في العالم آلاف المرات وعُدّل عليها بألف طريقة ممكنة!
خذ عندك (سندريلا)، تلك القصة الشهيرة الأخرى من قصص (ديزني)، تتبع الإنجليزي (ماريان روالف كوكس) المختص في الفولكلور الشعبي كل النسخ المختلفة من هذه القصة في كل الثقافات الشعبية من كل أنحاء العالم، ليكتب في ١٨٩٣ كتابًا عنوانه: (سندريلا: ثلاثمائة وأربعة وخمسون تنويعًا)!
روى الإنسان ٣٥٤ نسخة مختلفة من قصة سندريلا، تتضمن جميعها ذات العناصر: (فتاة، سحر، حذاء، أمير، حب).
ذات ما فعله (جيمي طهراني) في ٢٠١٣ ولكن بشكل أعقد قليلًا، حين نشر دراسة بعنوان: (شجرة التطور لذات الرداء الأحمر).
تتبع طهراني كل النسخ المختلفة حول العالم لقصة ذات الرداء الأحمر الشهيرة، تضمنت كل هذه النسخ طفلة تتوه من أهلها ليختبئ حيوان مفترس لها ويحاول خداعها بأنه فرد من العائلة، في أوروبا كان هذا الحيوان ذئبًا، في الصين كان نمرًا، في أفريقيا كان غولًا. في بعض الأحيان كانت تموت الطفلة، في بعض الأحيان كانت تهرب، في أحيان أخرى كان ينقذها حطاب أو صياد.
تتبع طهراني فروع شجرة هذه القصة المتحورة باحثًا عن أصلها، لم يجده أبدًا! لكنه وجدها تعود إلى ألف عام إلى الوراء على الأقل!
وهكذا..! أصل تنويعات قصة (الجميلة والوحش) يعود إلى ٤٠٠٠ عام! أصل تفريعات حكاية (جاك وشجرة الفاصوليا) يعود إلى أكثر من ٥٠٠٠ عام! بينما رُويت قصة (الحداد والشيطان) التي هي أصل كل تنويعات قصص (بيع النفس للشيطان) منذ أكثر من ٦٠٠٠ عام! إنها تقريبًا مكتوبة منذ اختراع الكتابة وقبل اكتشاف الحديد!
كل هذه القصص، وعلى مر عصور البشر المختلفة التي رويت فيها، كانت تتبع ذات الحبكة: (البطل يظهر: الشرير يظهر: خطة الشرير تتضح: تأتي المساعدة السحرية: يبدأ الصراع: يحصل البطل على الجائزة: النهاية)!
ربما هذا هو ما أراد أن يكشفه عالم الميثولوجيا الأمريكي (جوزيف كامبل) حين كتب في ١٩٤٩ كتابه: (البطل ذو الألف وجه)، ليوضح لنا أن البشر على اختلاف عصورهم لم يبتكروا إلا طريقة سردية واحدة تقريبًا لكتابة القصة الخيالية! تتضمن المغادرة والدعوة إلى المغامرة، ثم البدء في التحدي في عالم له قواعده الخاصة، ثم العودة!
لماذا نقوم برواية ذات القصص؟ وبنفس الطريقة والحبكة؟! وعلى مر تاريخ البشر نأخذ القصة ونلوكها عدة آلاف من المرات بعد الإضافات والحذف والتعديل لتصبح شيئًا جديدًا لكنه في الحقيقة ليس جديدًا، نحن نأخذ من بعضنا البعض ونبدع بتغيير فقط ما غششناه! أو كما يقول الفيلسوف البريطاني (سيريل جود): "الإبداع هو معرفة كيف تخفي مصادرك جيدًا"!
كيف نفسر ذلك التشابه بين الطريقة التي نفكر بها، وكيف نفسر ذلك الترابط والتناظر بين وعينا ووعي أجدادنا الذين عاشوا قبل آلاف السنين؟! تخيل أن تستمتع بذات الحبكة عن الجميلة والوحش التي استمتع بها من عاش وقت بناء الهرم الأكبر!
فلك (بطليموس) عفا عليه الزمن مثله مثل طب (جالينوس)، بينما الدراما الهلّينية، وأشعار (هوميروس)، وكتابات (شيشرون) الأخلاقية، ومسرحيات (يوربيدوس)، وملحمة (المانيوشو) اليابانية و(المهابهاراتا) الهندية، أثبت الزمن أنهم لا يزالون يصلحون لتجلي الوعي البشري في جمال وانسجام عبر الأزمنة والحضارات.
لو لقيت جارك في شبرا بيولع شمعدانات في الخريف وحاطط صف كهارب فوق بيته وداهن جسمه زيوت عطرية وقال لك أنه بيعمل كدة عشان عيد الديوالي الهندي. هتقوله يعني أنت هندي؟ حد من عيلتك هندوسي؟ ليك خال سيخي؟ هيقولك ولا أي حاجة خالص هو بس عجبته الفكرة، فأول انطباع هتاخده عنه أنه في أقل أحواله طفل ساذج، باعتبار أن يا عم احنا مالنا هو أنا هقلد الهنود ليه؟ والفرق الوحيد بين الفكرة دي وبين احتفالات الكريسماس أن مش الهنود هم اللي مسيطرين على الأسواق العالمية وأفلام هوليود وشبكات البث المفتوح، يعني الفكرة اللي أنت مستغربها جدا تتعمل في الديوالي بتعملها مع شجرة الكريسماس المزينة بزينة عيد الميلاد ولابس جنبها زعبوط سانتا، مش عشان أنت اتربيت على كدة ولا ثقافة طاغية في مجتمعك ولا جزء من دينك أو هويتك أو كينونتك بأي حال، ولكن فقط عشان أنت بتقلد تقليد طفولي ساذج لناس أنت مصر أنهم أحسن منك ويستحقوا يسترعوا كل هذا الاهتمام. فالخناقة بتاعت كل سنة عن تهنئة المسيحيين بأعيادهم الدينية واضح أنها هتستمر ليوم الدين، وهي خناقة متفهمة برغم كل شيء، أما فكرة احتفالك أنت نفسك بالكريسماس ومش حتى عند مجرد راس السنة وبالطريقة الغربية كمان مش حتى بطريقة مسيحيي الشرق بدليل أنك بتحتفل بيه في ٢٥ ديسمبر مش في ٧ يناير، فهو لا يدل إلا على أنك -سامحني- طفل والله، بدون أي تزويق، وأتمنى أن ربنا يكرمك وتقوم من قدام الأفلام الأمريكي دي شوية.
Читать полностью…
الحيوانات كانت أحد مغيرات اللعبة الكبرى في قصة الحضارة الإنسانية. فمنذ عدة آلاف من السنين أدرك الإنسان أهمية هذه الكائنات العجماء في توفير غذائه وملبسه ونقله وحربه.
استأنس الإنسام القديم لأول مرة الأغنام والماعز والخنازير في أوروبا وآسيا، والألباكاس واللاما في أمريكا الجنوبية، والديك الرومي والكلاب في أمريكا الشمالية. وفي الهيمالايا استأنس ثور الياك، وفي جنوب شرق آسيا بقرة جاوة، بينما تم استئناس الجمل ذي السنامين في آسيا الوسطى.
ولكن الاختراع الأعظم وجائزة نوبل في استئناس الحيوان وتدجينه ذهبت باقتدار إلى سكان جنوب روسيا في العام ٤٠٠٠ ق.م. الذين نجحوا في تدجين الخيل وتطويعه.
لم يكن الخيل كبقية الحيوانات. فمرونته وقوته وخفة حركته في النقل والحرب وحراثة الأرض جعلته المعامل الأمثل في معادلة الحاجة الإنسانية.
على عكس الإنسان والطيور فالخيول لم تنتشر في جميع أجزاء العالم في البداية، ولمدة آلاف السنين حُرِمت الأمريكتان وأوقيانوسيا وأستراليا من الخيل. واستبدلت جزئيا باللاما في جبال الإنديز. وأما في الصين والشرق الأوسط ومصر فقد توفرت بشكل جيد، وبعدها بمئات السنين فقط ظهرت أول الحضارات في العالم في ذات المناطق الثلاث! ولا عجب إذ الخيل معقود في نواصيها الخير والنَّيْلُ إلى يوم القيامة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
لم يتحول الإنسان من حياته البدائية في الصيد وجمع الثمار إلى المدن الحضرية بسبب الخيل فقط، ولكن أيضا مكنته طبيعة الأرض، فبدون التربة المناسبة لم يكن ليقدر على الزراعة التي جعلته يقوم بأول أساس من أسس بناء المدن: يستقر!
بعد أن استقر بنى أول مدنه، وبسبب التنافس على الموارد احتاج إلى تسوير وتحصين هذه المدن، صاحب ذلك بعض التغيرات الاجتماعية أهمها ظهور (الجيش).
وعلى الفور تكونت أول المدن الحضرية في الأراضي الخصبة حول الدلتا في مصر في مدينتي (هيراكونيوليس) و(نقادة) في ٣٣٠٠ ق.م. لتنشب بينهما الحروب والمنافسة، قبل أن يوحدهما (نعرمر) الذي نعرفه باسم (مينا) في ٣١٠٠ ق.م. ويبني مدينة (ممفيس) ويبدأ الحضارة المصرية الفرعونية.
الأراضي الخصبة أيضًا حول النهر الأصفر أسست نشوء أول مملكة في الصين: مملكة (تشانغ)، الدولة الصينية الأولى، ومن بعدهم مملكة (زو)، ثم (تشين)، ثم (الهان)، ثم عصر الممالك الثلاث، ثم مملكة (واي)، ثم (سوي).
غير أن كل ذلك ليس بشيء مقابل دور تلك الأراضي الخصبة في الشرق الأوسط في بلاد ما بين النهرين حيث تكونت فيها أول إمبراطورية في التاريخ في ٢٣٠٠ ق.م على يد (سرجون) الذي وحّد بلاد (سومر). ومن وقتها وقع الإنسان ساكن قارات العالم القديم في غرام الإمبراطوريات التوسعية، فاستبدل بالإمبراطورية السومرية هناك إمبراطورية عاصمتها (أور)، ثم إمبراطورية حمورابي في بابل، ثم إمبراطورية الآشوريين الأشداء أول من استخدم الحديد والخيالة في الحروب، ثم الإمبراطورية البابلية على يد (نبوخذ نصر الثاني)، والتي انتهت على يد الأخمينية الفارسية بقيادة (قورش العظيم) مؤسس مملكة الفرس الشهيرة، وابنه (قمبيز الثاني) الذي احتل مصر.
قيام حضارة الفرس ومحاولتهم لاحتلال اليونان ساهم في بلورة حضارة الإغريق الذين كانوا يتميزون بعدة مدن قوية غير مترابطة مثل (أثينا) و(اسبرطة) فقام فيليب الثاني القادم من مقدونيا بتوحيدها في إمبراطورية واحدة توسعت على يد ابنه (الإسكندر الأكبر) لتكون أكبر إمبراطورية في التاريخ.
من ذيول الإغريق قام الروم، فتأسست روما الأولى كمستوطنة صغيرة جنوب وادي التبر في ٧٥٣ ق.م. على يد (روميلوس) الذي فر من حصار طروادة، ومن ذيول حضارة الروم، وبمعونة حضارة المسلمين العرب بعد ذلك، انبثقت معظم علوم وقدرات حضارات أوروبا الحديثة.
الظروف الطبيعية التي ميز الله بها قارات العالم القديم، وبالأخص منطقة الشرق الأوسط من آسيا وأفريقيا جعلته يقوم بدور ماكينة صناعة الحضارات ونشرها حول العالم، ومن هناك تطورت من بعضها البعض وأثرت في بعضها البعض.
كان أول اختبار لهذه الفرضية في غزو الأمريكتين!
ماذا سيحدث إذن حين يلتقي جنود من حضارة حديثة متطورة من عدة حضارات قبلها مثل حضارة الأسبان في القرن السادس عشر الميلادي الذين كانوا يقاتلون بالأعيرة النارية والمدافع، بحضارة بدائية في أول نشأتها كحضارة الأزتك في المكسيك والإنكا في بيرو حيث ما زال استخدام الحديد في الأسلحة غير معروف لديهم، ويقاتلون بسيوف مصنوعة من حجر الصوان؟!
يمكنك أن تدرك النتيجة حين تعلم أن قوام الجيش الأسباني الذي وطأ بقدمه (فيرا كروز) في المكسيك بقيادة (هيرنان كورتيز) في ١٥١٩ كان عبارة عن ٥٠٠ جندي أسباني، و١٤ مدفع صغير، و١٦ حصانًا فقط! وأما قوام الجيش الذي غزا شعب الإنكا في بيرو بقيادة (فرانسيسكو بيزارو) كان عبارة عن ١٦٨ جنديًا فقط مع ٦٧ حصان وأربعة مدافع صغيرة!
تم التقاط الصورة في زومايا ، وهي بلدة صغيرة تقع في شمال إسبانيا ، تشتهر بصخور ال Flysch التي تراها في الصورة. تعرف ال Flysch على أنها أطول طبقات متصلة على الأرض وهي عامل جذب شهير للسياح وكذلك الجيولوجيين ، لأن تاريخها يعود إلى منتصف العصر الطباشيري ، منذ 100 مليون سنة!!
Читать полностью…
الإسلام كتطعيمٍ إجباريّ (٦) – رب المفاجآت!
(يتحرك الرب بطريقة غامضة) هو عنوان ترنيمة مسيحية كُتِبت في عام 1773 على يد الشاعر الإنجليزي (ويليام كوبر)، وعلى مدار القرنين السابقين تسللت من مجرد بيت في قصيدة إلى طريقة تفكير أمة بأكملها.
واليهود يرون الكثير من القصص في كتابهم المقدس والتي يمكن تفسيرها على أساس هذه الفكرة: يخبرك الإله بأن تفعل شيئًا، تبدو لك فعلة غريبة لا تحقق لك هدفك، ثم في النهاية تأتي الخاتمة السعيدة، يتحقق هدفك من خلال هذا الفعل الغريب وليس من خلال ما كنت تظنه أن يتحقق من خلاله! ويكفيك ذلك الإطلاق العام جدًا في رسالة بولس إلى أهل روما: "وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعاً لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ".
ما المشكلة في ذلك؟ لا مشكلة في ذات الأمر على الإطلاق، يدعونا النبي –صلى الله عليه وسلم– ألا نسارع بتكذيب أو بتصديق أخبار أهل الكتاب مما لا يتعارض مع ديننا، وفي القرآن فهناك بعض القصص مما يتبع نفس المبدأ مثل قصة موسى مع الخضر، وقصة يوسف عليه السلام.
المشكلة أن تكون هذه هي كل فكرتك عن الله وعن طريقة عمله أو حكمته!
المصائب تحدث لا لأن الله يبتليك ليجزيك الجنة، ولكن لأن فيها خيرًا (دنيويًا) من ورائها ستفهمه بعد قليل وعليك أن تنتظر المفاجأة، لذلك كان (ديزموند توتو) كبير أساقفة جنوب أفريقيا والحائز على نوبل للسلام يطلق على الله لقب: (رب المفاجآت!) انتظار المفاجأة، هنا في هذه الدنيا، والآن في هذه الحياة!
ونجد في كتابات اليهود عن (سفر الرؤيا) تمجيدًا للمسيح (المنتقم) الذي ينتظرون أن يأتي كي يحقق العدالة في الأرض، فالعالم الذي يكون فيه العادل تعيسًا هو عالم بلا معنى عندهم.
وتبنى القديس أوغسطين ذات الفكرة في المسيحية، الجنة على الأرض، أرض المعاد، هنا والآن بدلًا من أسطورة مملكة الإله.
لذلك؛ وفي استفتاء أمريكي كان هناك سؤال: "لو أُتِيحَ لك أن تسأل الله سؤالًا واحدًا تعلم أنه سيجيبك عنه، فماذا سيكون السؤال؟" كان السؤال الذي حصل على أعلى نسبة في التصويت هو: (لماذا هناك ألم ومعاناة في هذا العالم؟).
سوف يكون لديك الكثير جدًا من الأسئلة حين تجد أن الله الذي يعمل بطريق غامضة من أجل سعادتك لم يسعدك في النهاية، وانتظارك انتهى إلى لا شيء.
الإسلام أعطاك تطعيمك العقدي الإجباري حين أخبرك أن ليست هكذا تصير الأمور دائمًا.
نعم، الله قد ينعم عليك من حيث لا تدري، وقد يأتيك الخير من حيث ظننت أنه شر، طرق عمل القدر قد تكون غامضة بالفعل في كثير من الأحيان.
ولكن في الكثير أيضًا من الأحيان سوف يكون عليك أن ترى من البلاء في الدنيا ما لا يعوضه إلا الجنة!
سوف يحكي لك القرآن عن قصة أصحاب الأخدود ونهايتهم بالاحتراق بنار الدنيا جميعًا، أو يخبرك باستجابة دعاء المؤمنين: "فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۖ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا...".
هل شكلت لك كلمة (قُتِلوا) مفاجأة حزينة؟ هل كنت تنتظر مفاجأة أسعد من (رب المفاجآت)؟
أتى الإسلام ليخبرك أن الأمر ليس كذلك، فالدنيا دار لم نخلق لأجلها، والمصائب سوف تظل تحدث، وجزاؤك عند الله حين تجتمع به، ومن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط.
وأما بخصوص (الرب يتحرك بطرق غامضة) فهي لن تسليك إلى الأبد، بل سوف يتعاظم يأسك حين تكذب الحياة ترانيمك، على سبيل المثال، دعني أخبرك بحقيقة أن (ويليام كوبر) قد حاول الانتحار مباشرة بعد كتابة هذه القصيدة!
يقول أبو البقاء الرندي: "لكل شيء إذا ما تم نقصان". وتقول برينيه براون: "عدم الكمال ليس مجرد قصور وإنما تذكير بأننا في هذا جميعًا معًا" . وفي صحيح أبي داوود عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن حقًا على اللهِ عزَّ وجلَّ أن لا يَرْتَفِعَ شيءٌ مِن الدنيا إلا وضعَه"، وصدق سبحانه من شبه الدنيا بمثل هذا الزرع: "كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا".
Читать полностью…
يُحكى أن ملحدًا قرويًّا قال لجاره المسيحي المتدين: لنزرع معًا، وأنت ادعُ الله بأن يبارك لك في زرعك، وأنا سأسبّه، ونرى من يكون محصوله أكثر. فلما حل شهر أكتوبر، وجد الملحد محصولًا وافرًا، فأخذ يهزأ بزميله ويقول له: أرأيت أيها الأحمق؟ ماذا لديك لتقوله عن الله الآن؟ فرد عليه: إن الله لا يُصفّي حساباته في أكتوبر.
Читать полностью…
الطفلة التي أتتنا مُشوّهة الوجه حين مضغها كلب مسعور، سوف يغير هذا اليوم من كل شيء بخصوصها، لم تعد فتاة جميلة الوجه، سوف تتذكر جيدًا يوم أن رأت وجهي الشاحب في قسم الطوارئ، فقد كان هذا هو أسوأ يوم في حياتها.
نرى الكثير من (أسوأ يوم في الحياة) في استقبال المستشفيات العامة، فقط تكون هذه هي أسوأ أيام الآخرين!
الرجل الذي تُوفّيت ابنته بين يديه قد مر بأسوأ يوم في حياته. والشاب الذي اضطررنا إلى أن نشرح لأهله أن سقطته من فوق النخلة قد أفقدته قدرته على السير للأبد قد مر بأسوأ يوم في حياته. والطفل الذي نجا وحده بعد حادثة سيارة أفقدته أمه وأباه وإخوته جميعًا، وظل يبكي طوال الليل لا بسبب ساقه المكسورة، ولكن بسبب روحه النازفة، قد مر حتمًا بأسوأ أيام حياته، وبالنسبة لهذا الطفل بالذات فلربما كان هذا هو أسوأ أيام حياتنا نحن أيضًا.
بالمناسبة، ما هو (المتر)؟ كيف اتفق البشر على وحدة معيارية يرجعون إليها لقياس الأطوال؟
المتر عبارة عن قطعة من البلاتينيوم المحفوظة في درجة حرارة صفر، في خزائن المكتب العالمي للأوزان والمقاييس. وبنفس الطريقة، فالكيلو جرام عبارة عن أسطوانة من البلاتينيوم والإيريديوم تم صنعها في 1899، وتم حفظها في (سيفر) بالقرب من باريس في فرنسا.
حين يصاب المريض بالألم، فهو ليس شيئًا ماديًا يمكننا وضعه على الميزان، فكيف يقيس الطبيب مقدار ما يشعر به من الألم؟ نقول له: على مقياس من واحد لعشرة، حيث عشرة هو أسوأ ألم مررت به في حياتك، فما هو مقدار ألمك الآن؟!
كيف يمكننا أن نقيس الحزن، المعاناة، الأسى، الشقاء، الابتلاء أو المصيبة؟ ما هو رقم عشرة الخاص بك الذي تقيس بمعياريته بقية أحزانك؟
لما رأيتُ الطفلة التي مضغها الكلب سألت نفسي، ماذا حين تكبر الفتاة ويبدأ عقلها السارح في رحلته الجامحة في أسئلة الوجود، هل لنا أن نتوقع أن يكون أول سؤال لها، لماذا سمح الله بأن يحدث لي هذا؟
والآن لنفترض أن الله لم يسمح بأن يحدث لها هذا؟ ولنفترض أن رقم عشرة الخاص بتلك الفتاة، تلك المصيبة التي مرت بها رقمها الحقيقي الموضوعي في عالم الشرور والمصائب: 45. الآن الله تدخل ومنع تلك المصيبة من الحدوث، صار أسوأ أيام حياتها هو ذلك اليوم الذي رسبت فيه في الدراسة والذي رقمه الحقيقي بالنسبة لعالم الشرور هو 13 مثلًا. لنا أن نتوقع الآن أن الفتاة صارت إذن في نعيم حقيقي، من 45 إلى 13، الله قد منّ عليها بـ (شر) أقل بلا شك. ولكن هذا افتراض خاطئ. فاليوم الذي رسبت فيه في الدراسة صار رقم عشرتها الجديد. وحين يسألها أحدهم ما مقدار الألم الذي تشعرين به فستجيب صادقة: أشد أنواع الألم، ولسوف تسأل غالبًا: لماذا سمح الله بأن يحدث لي هذا؟!
ما الذي سوف يرضي الطفلة؟ ما الذي سوف يرضي أيًا منا؟ حتى لو كان أقصى ما نصاب به هو مقدار من الشر قوته (1)، فسيبقى هذا هو رقم عشرة الخاص بنا. وسوف نظل نسأل، لماذا سمح الله بأن يحدث لنا هذا؟
يؤمن النصارى أن الله هو أباهم الذي في السماء، ولكن الأديب الأيرلندي (س. إس. لويس) لاحظ ساخرًا أن الناس لا يريدون حقًا أبًا في السماء، ولكن يريدون (جدّو) في السماء! ذلك الذي يكون رده على كل طلب من البشر: (حسنًا، طالما أن هذا يسعدكم)، وكل همه هو أن يحظى الجميع في النهاية بيوم طيب!
في الحقيقة، وسواء أحببنا ذلك أم لا، فالله ليس كذلك، ويذكرنا الله في قرآنه: "أَمْ لِلْإِنسَانِ مَا تَمَنَّىٰ، فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَىٰ"!
هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ
Читать полностью…
هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ
Читать полностью…
“When I am with you, there is nowhere else I’d rather be. And I am a person who always wants to be somewhere else”.
–David Levithan
ذكر هنري سيمل في مؤتمر علوم الحفريات سنة 1760 في (نيس) أن رسوم إنسان (نياندرتال) الذي عاش في الكهوف منذ 70 ألف سنة بيّنت أنه كان يعيش نفس الحالة النفسية التي يعيشها الإنسان الحديث. وفي باريس سنة 1966 تم إقامة معرض لفن حضارة المايا الأمريكية، حيث انبهر الزوار من جمال المنحوتات المعروضة، وعلى حد تساؤل أحدهم: "كيف انبثق هذا الفن في القرن الرابع من غابات (بيتن) و(شياباس)"؟!
ويقرّ (بابلو بيكاسّو) الفنان الأسباني الشهير أنه أدرك دلالة فن الرسم ومغزاه من الأقنعة الأفريقية القديمة المنحوتة من الخشب، كما ذكر معظم الفانين المعاصرين مصادر إلهامهم والتي كانت في معظمها من الثقافات القديمة في أستراليا وأفريقيا وأمريكا. وفي معرض (البدائية في القرن العشرين) الذي أُقيم في متحف الفن الحديث بنيويورك سنة 1958، تم عرض الأعمال الفنية الأوروبية الحديثة جنبًا إلى جنب مع أعمال فنانين مجهولين من دول أقل تقدمًا. بينما وُجِدَت رسوم الإنسان القديم والتي يعود الكثير منها إلى 30 ألف سنة في (ألتاميرا) بإسبانيا، و(لاسكو) بفرنسا، و(ماشكا) ببولندا!
إننا متصلون بأجدادنا عبر الأزمان، وبإخواننا في البشرية عبر القارات والحضارات المختلفة، لا يمكن فهم ذلك في نطاق الوعي/ الدماغي المتطور ببطء، حيث كان من المفترض أن نتجاوز فلسفات أرسطو أو قصائد امرؤ القيس!
في المقابل نجد لدينا نوعًا من (الجنسية الإنسانية) التي تربط الجميع بمشكاة واحدة، مشكاة يمثل فيها الوعي البشري أكبر الألغاز وأجمل النفحات الإلهية، فتذكر لنا السنة أن الله قد خلق آدم على صورته، ويذكر لنا القرآن أن الله: "سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ".
أو على حد قول (جوزيف كامبل) في كتابه السابق ذكره عن البطل ذي الألف وجه: "الطريق إلى ما هو إنساني يوجد في أن نتعرف من جديد على الشرارة الإلهية في جميع تحولات الوجه الإنساني الذي لا يستنفد"!
الرومانسية بين فراشات دود ورق القطن جميلة حقًا..! حيث تفرز الأنثى (فيرمونًا) يصل إلى قرون استشعار الذكر فيتوجه إليها مباشرةً وما أن يبلغها حتى يفرز هو (فيرمونًا) آخر يشوّش على فيرموناتها ويمنع توافد المزيد من الذكور الطامعين. سمّى علماء البيولوجيا فيرمون الذكر هذا بفيرمون الرومانسية لأنه من الواضح أن ذكر الفراشة يريد من أنثاه أن تكون له هو فقط..!
الفيرمونات هي رسائل كيميائية بين أفراد النوع الواحد، يمكن النظر إليها على أنها روائح بلا رائحة..! يتم استقبالها في الحيوانات بجهاز جاكوبسون، وهو جهاز متصل مباشرةً بالمخ، وثبت في 1991 وجود جهاز شبيه اسمه VNO لدى البشر بالقرب من الحاجز الأنفي، وهناك عدة دراسات بدأت منذ السبعينات أثبتت وجود الفيرمونات البشرية، يبدو بالفعل أننا نتواصل كيميائيًا مع بعضنا البعض بدون أن نشعر عن طريق هذه الفيرمونات، وهو بالمناسبة افتراض علمي مُقترح لتفسير الحب من أول نظرة، وفي هذه الحالة فالتوصيف الأدق له هو الحب من أول (شمّة)..!
أجرى عالم البيولوجيا السويسري (كلاوس فدكيند) تجربة غريبة، حيث وضع (تيشرتات) 44 رجلًا في صناديق مغلقة منفصلة، ثم جعل 49 امرأة تستنشق رائحة (أو بمعنى أصح: فيرمونات) سبعة صناديق منها..! كان (فدكند) قد قام قبل التجربة بقياس التشابه والاختلاف الجيني بين الرجال والنساء موضع الاختبار، عن طريق أنتيجينات كرات الدم البيضاء(HLA)، وجعل في الصناديق السبعة المخصصة لكل امرأة ثلاثة من قمصان الرجال المشابهين لها جينيًا وثلاثة من قمصان الرجال المختلفين معها جينيًا وقميص نظيف للمقارنة. كانت النتائج كما توقعها فدكيند، حيث فضّلت النساء بشكل واضح فيرمونات الرجال المختلفين معها جينيًا.
وهذا يجرنا إلى دراسة أخرى قامت بها (كارول أوبر) في الولايات المتحدة، حيث قامت بفحص (HLA) المتزوجين في مجتمع الهاترايت المغلق والذين لا يتزوجون إلا من بعضهم البعض، فوجدت أن الزيجات (التي كانت تتم عن حب) كانت بين أفراد متباينين جينيًا أيضًا بين أفراد القبيلة.
من الواضح أننا كبشر قد خلقنا الله عز وجل ننجذب بطبعنا إلى الزواج من صاحب/ صاحبة المحتوى الجيني المغاير لنا..! هذا يضمن للنسل أن يكون دائمًا جديدًا في صفاته الوراثية، مختلفًا عن كل من أبويه، ومغايرًا لكل ما هو حوله..! لقد خلقنا الله عز وجل بطريقة تضمن لكل كائن بشري أن يبدأ حياته متفردًا..!
الحلقات والدوائر الصغيرة الموجودة على إبهامك، والتضاريس الدقيقة على قزحية عينك، ونبرة الصوت الناتجة عن اهتزاز أوتارك الحلْقية، والطريقة المميزة التي تختارها في السير في الشارع المزدحم، كل هذه بصمات خاصة بك لا تتكرر إلى يوم الدين..! كل هذه دلائل وعلامات تدل على أنك مختلف عن كل ما هو حولك. لقد أراد الله لك أن تكون كذلك..!
تذكّر ذلك دائمًا..! تذكّره حين تكون في الحياة غريبًا مستوحشًا من وحدتك لتعزّي نفسك بأنك لست في الحقيقة وحيدًا، ولكنك مميز..! تذكّره حين ترى الناس من حولك يتغيرون فتفتخر أنت بذاتيّة مبادئك..! تذكّره حين تحس بعِظَم موقفك بين يدي الله حين تقف متفردًا أمام الإله الفرد ليس بينك وبينه ترجمان، ليكلمك أنت، ويحاسبك أنت، على أفعالك أنت.. أنت فقط..!
امتياز مناطق أفريقيا وآسيا وخاصة منطقة الشرق الأوسط، بقدرتها على صنع الحضارات وسبقهم بقية بقاع العالم لم يكن من فراغ، حيث تخبرنا الأنثروبولوجيا أن الإنسان العاقل Homo Sapiens الذي يبلغ عمره حسب آخر التقديرات الآن ٣١٥ ألف سنة، قد وصل أوروبا لأول مرة من ٤٥ ألف سنة فقط، ووصل أستراليا لأول مرة من ٥٠ ألف سنة، ومن هناك انطلق من أقصى الجنوب شمالًا مستغلًا كروية الأرض ليصل إلى أمريكا الشمالية من ٣٦ ألف سنة، ثم أمريكا الوسطى من ١٣ ألف سنة، ثم أمريكا الجنوبية من ١١ ألف سنة فقط.
قارن ذلك بالكشف في يناير ٢٠١٨ عن عظام إنسان عاقل Homo Sapiens في كهف مصليا في فلسطين (آسيا) يبلغ عمره ١٩٤ ألف سنة، وفي ٢٠١٧ تم الكشف عن عظام إنسان بين صخور المغرب (أفريقيا) يبلغ عمره ٣٠٠ ألف سنة!
لم يبرع الإنسان فقط في تلك المناطق أكثر مما برع في غيرها، لقد عاش فيها أيضا أكثر مما عاش في غيرها بمئات الآلاف من السنين، وبأضعاف أضعاف عدد الأجيال والبشر!
نؤمن نحن كمسلمين أن عدد الأنبياء والرسل بعشرات الآلاف، نعرف نحن منهم في القرآن ٢٥ نبيًا فقط. وإن من أمة إلا خلا فيها نذير، فقط نحن لا نعلمهم.
وبرغم ذلك تكثر سخرية الملحدين من الأديان الإبراهيمية جميعًا بإعطائها تلك المكانة المقدسة لمنطقة الشرق الأوسط، مكة بالنسبة للمسلمين، والقدس بالنسبة لليهود والنصارى. يسخرون من فكرة ترديد قصص الأنبياء الذين كانوا في هذه المنطقة تحديدًا دونًا عن بقية المناطق البعيدة من العالم. يسخرون من تركيز ذكر الأنبياء في هذه المناطق تحديدًا أكثر من غيرها.
بينما تخبرنا وقائع التاريخ أنهم لو تدبروا لوجدوا أنفسهم، كالعادة، هم أولى بأن يُسخَر منهم.
في حديث أنس -رضي الله عنه- مرفوعاً: ((مررت ليلة أسري بي بأقوام تقرض شفاههم بمقاريض من نار، قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: خطباء أمتك الذين يقولون مالا يفعلون))
Читать полностью…
صورة حقيقية تماما، الرطوبة مع انعكاس الضوء صنع ألوان قوس قزح على شباك هذا العنكبوت
Читать полностью…
الصينيون القدماء وبالأخص الذين عاشوا زمن حكم سلالة (شانج) كانوا يعاملون المرأة بكرم أخلاق لا ينكره أحد.. حيث كانوا يقتلون البنات الشابات كقرابين للآلهة بشكل نظيف وصحي قبل دفنهنّ، وهذه (چنتلة) بالفعل لو قارنت ذلك بما كان يحدث للشباب الذكور الذين كانوا يُقتلون كقرابين بعد أن يُعذّبوا بشكل جيد أولًا..!
لم يكن حال أوروبا أفضل فيما يخص القرابين البشرية، حيث ذكر المؤرخ اليوناني (سترابو) أن (الكلت) كانوا يعذّبون الأضحيات البشرية لأنهم كانوا يظنون أن تشنجات موتهم ستحوي تسريبات من تعاليم الآلهة..! وأما في أفريقيا فقد ذكر (جوستاف فلوبير) أن القرطاجيين كانوا يلقون بالأطفال في النيران إرضاءً للإله مولوخ حتى يتفضل عليهم بإنزال المطر.. بينما في أمريكا الجنوبية نجد حضارة الأزتك التي تعتبر من آخر الحضارات عملًا بالقرابين البشرية، فنحن نتحدث عن 500 عام فقط من الآن كان الأزتيّون قبلها يشقّون بطون بعضهم البعض ليستخرجوا القلوب النابضة حتى يبقى إله الشمس راضيًا عنهم على الدوام..!
لم أكن أظن أن هذا الحماس الديني للتضحية سوف يستمر بنفس الإخلاص لو كان أبناء الأغنياء هم الذين يتم التضحية بهم بدلًا من أفراد الشعب البؤساء.. غير أن (هربرت جورج ويلز) كان يخبرنا في كتاب (موجز تاريخ العالم) أنه في العصر الحجري الحديث كانت القبائل تختار أجمل وأرقى البشر للتضحية بهم من ذوي العائلات الرفيعة، هذا كان يُكسب قربانهم نوعًا من الأناقة.. وأما العصر الحجري الوسيط فكان الإنسان منهم يعمد فيه إلى إيذاء نفسه بنفسه كجدع الأنف أو قطع الأصبع استمطارًا لنعم الآلهة..!
كانوا متخلّفين عقليًا..! لا شك في ذلك، يعيشون في ظلمات الوثنيّة ووساوس الشياطين التي أوعزت إلى الناس أن الإله يحب أن يرى الدماء حتى يرضى وتستمر علينا نعماؤه، بينما الله عز وجل فعلًا لا يريد منا إلا أن نعمل في الأرض صالحًا بعد أن نؤمن به إلهًا واحدًا..
ولكنك برغم كل ذلك لا تستطيع أن تغفل تلك اللمحة السائدة وسط كل هذه الشعوب من تعظيم (حق النعم)..! كانوا يرون أن نعمة المطر أو بقاء ضوء الشمس أو رخاء ماء النيل، تحتاج من البشر إلى التضحية في سبيلها حتى يستحقوها، وأنه لو حدث وانقطعت عنهم في أحد الأيام لكان هذا معناه أن قرابينهم لم تكن كافية لإرضاء الآلهة..
كانوا يرون أنها سوف تكون صفاقة كبيرة منهم لو انتظروا تجدد هذه النعم في ارتخاء وعجرفة من ينتظر خادمه عائدًا بحاجته من السوق.. كانوا يرون أن موقع الإنسان من الإله لا يعطيه الحق في أن يلهو في حياته مستمتعًا بكل هذه المنافع التي وجدها في الدنيا بدون أن يفعل أي شيء يقوم مقام شكرها.. كانوا يرون أن الإله لو منع عنهم أو عن بعضهم جزءًا من نعمه فلن يكون من حقهم شكايته في أي محكمة أو التسخّط على أفعاله لدى أي قاضٍ.. كانوا يرون أن الإله (يتفضل) عليهم بالنعم، دائمًا هو يتفضل، ولو شاء وقطع أفضاله في أي وقت فهو ليس بظالم لهم، بل هم فقط لم يُضحّوا كفاية..!
كانوا أغبياء دمويين همج، ولكنهم كانوا أعقل قليلًا من بعض المتحضرين اليوم الذين لم يُقدّروا الله حق قدره، وينظرون إلى أفضاله وكأنها حقوقهم، فإن وجدوها قالوا هذا لي، وإن افتقدوها قالوا قد ظلمنا ذلك الذي في السماء..!
قريت بوست حلو أوي، واتخايلت أن اللي كاتبه واحد صاحبي، صورة البروفايل من بعيد شبيهة بصورة بروفايله، دة غير أنها طريقة كتابته في المجمل، يعني ييجي منه برضو أنه يكتب البوست دة، لكن البوست دة بالذات كان عبقري جدا، فكرتي اتغيرت عن صاحبي تماما، وأثناء قراءتي للبوست بدأت ملامح شكله ووجهه تتشكل في خيالي ببطء بشكل جديد يلائم عبقرية فكر كاتب البوست، بدأت أفكر أنه أكيد بيقرا أكتر بكتير مما أنا أعرف، وانبسطت أوي وأنا حاسس بالفخر أني مصاحبه كونه يشاركني نفس ذوقي في الأفكار وطريقة التعبير عنها، وبدأت أراجع الماضي معاه فحسيت أن فيه حاجات ممكن كان قالها قبل كدة محتاجة تتفهم في سياق تاني، سياق أن اللي قال الكلام كان فاهم بيتكلم عن إيه! أنت عارف مثلا لما حد يقولك معلومة عن رواية، بتاخد كلامه على أنه قرا الرواية وبيقول رأيه، لكن لما تعرف أنه أصلا شغال ناقد أدبي، بترجع تاني تقول لحظة كدة هو كان قال إيه هنا، وهكذا. طبيعي تختلف رؤيتك لكلام شخص حسب تغير رؤيتك ليه، المثير أن دة حصل بأثر رجعي. وفضلت على كدة فترة، رسايل صاحبي وبوستاته بتتشاف بطريقة تانية مني، واكتشفت بعدها أن اللي كان كاتب البوست واحد تاني، كاتب أصلا محترف ليه كتب ومقالات بعدد شعر الراس في السوق. ولكن الغريب أن الصورة المرسومة في دماغي عن صاحبي مافرقعتش فجأة، هي آه كان أساسها غلط بس هي اتعضدت بشواهد كتير اكتشفتها بسبب الحاجة الغلط، ولكن لاكتشاف عقلي الذاتي ليها أصبحت صورة شخصية نابعة من جوايا حتى لو كانت تحت تأثير فكرة خاطئة تماما جت من البيئة الخارجية. تعامل معاها عقلي على أنها ابن غير شرعي لأب مخطئ لكن الابن اللي اتولد دة نوديه فين؟! وبالفعل واجهت صعوبة في التخلص من الفكرة. كانت حقيقية جدا وجاءت لتبقى.
نفس دة حصل لي بالظبط مع شخص تاني ولكن بالعكس، ممرضة أعرفها اتلخبطت في اسمها مرة بممرضة تانية خالص ليها تاريخ مش كويس في معاملة الناس، على الفور كرهت الممرضة دي وفسرت كل كلامها وحركاتها بأنها تقصد تسخر من دة وتهين دة و.. و.. ، بعد شهور اكتشفت ان دي واحدة تانية خالص، ومع ذلك ماقدرتش أشيل انطباعي السلبي عنها بسهولة، خدت وقت طويل لغاية ما صفيت من ناحيتها، كان انطباع خاطئ تمامًا ولكنه انطباعي أنا، مش من السهل تغيير فكرة تشكلت من عندي أنا.
محدش مسئول عن الصورة الذهنية اللي أنت راسمها عنه غيرك، والتصرف معاه بناء على أحكامك الذاتية عليه هيكون دايمًا مبني على أساس مشكوك فيه. والسبيل الوحيد للتأكد أنك مش هتظلم حد هو أنك تتعامل فقط بناء على الحقائق، وتفكر مرتين قبل ما تتكلم، وتعامله في كل موقف كإنسان جديد ليه حق أنه يخطئ بعد تاريخ حافل بالمكارم أو يصيب بعد الغلطة الألف، وفي النهاية تلتمس لأخيك من الأعذار سبعين.
من يظلموننا ومن يحسنون إلينا ندعو الله لهم/ عليهم بذات الدعوة على حد سواء: (ربنا يعاملك باللي تستاهله). لأننا نفترض دومًا أن عدل الله كافٍ تمامًا لكل إنسان، بغض النظر عن رؤيتنا له، لو أخذ ما يستحقه فقد تمت مكافأة المحسن ومعاقبة المسيء بشكل تلقائي. ولكن حين ندعو الله لأنفسنا فإننا سوف ندعو بألف دعوة قبل أن نجرؤ على أن نسأل الله معاملتنا بـ (اللي نستاهله).
Читать полностью…
لماذا تضع أمك طبقة من الزيت أعلى (برطمان) الزيتون؟ وحين تغسل (طاسة) القلي بالماء، فما سر تكوّن كريّات الدهون عليها؟
الأمر شبيه إلى حد كبير بطبقة الدموع التي تغلف أعيننا! حيث تحتوي على طبقة زيتية كـ (برطمان) الزيتون لتمنع التبخر السريع للدموع مما يمنع جفاف العين. وطبقة مخاطية تلتصق بسطح القرنية الكاره للماء وإلا سوف تتكسر الدموع عليها مثل كريات الدهون السابقة. وأما الطبقة الثالثة فهي تملأ التعرجات الدقيقة الموجودة على القرنية فتجعلها سلسة تسمح بانكسار الضوء بكفاءة.
كان القدماء يقولون: "العين عليها حارس"، والحقيقة أن العين عليها عدة حراس. فالجفون تنغلق تلقائيًا لحماية العين من الضوء الشديد Dazzle Reflex أو من أي شيء يتحرك تجاهها Menace Reflex. وكرة العين تنقلب للأعلى بزاوية 15 درجة لحمايتها من كل الأشياء الوقحة التي قد تحط عليها فيما يعرف بـظاهرة (بل). ونسبة حمض الأسكوربيك في السائل العيني تبلغ 20 ضعف نسبته في الدم ليخلصها من جسيمات الـ Free Radicals الضارة. ويقوم غشاء (بروك) بعمل حاجز بوليسي حازم بين الشبكية وبين الدم الذي يجري فيه الكثير من الأشياء الخطيرة. وتمتص الطبقة المشيمية Choroid الصدمات بطبيعتها الإسفنجية لتحمي الشبكية، بينما يتولى غذاؤها الدموي الغني التعامل مع الحرارة الزائدة الناتجة عن التعرض للضوء. وأما سطح القرنية فنجده يشعر بالألم أكثر بألف ضعف من شعور الجلد به، لينبهك بأدنى خدش قد يصيبه.
عضلةMuller تعتبر (شماعة) يتم تعليق الجفن عليها كي لا تشعر بإرهاق حمله طوال الوقت. وصبغات استقبال الضوء Chromophore تستقبل الضوء بشكل عمودي، مما يعتبر أفضل وضع ممكن لالتقاط الفوتون. وأما حين نرمش بجفوننا فالنظر لا يتعرقل إلا عُشر الثانية فقط. وهي مدة أقل من المدة التي تظل فيها الصورة السابقة منطبعة على الشبكية (After Image) فتصبح الصورة متصلة، وكأننا لم نغلق أعيننا.
العين تتصرف مع الصورة كجهاز مركزي متكامل، فخلايا الـ Starburst Amacrine تستطيع تحديد حركة الأشياء، والـ Horizontal Cells تقوم بتحسين (الكونتراست)، وخلايا Ganglion X متخصصة في التفاصيل، وGanglion W منظمة الرؤية الليلية، و Ganglion Y مسئولة عن تحديد التغير السريع في الصورة. بينما يقوم الـ LGB بضبط كمية المعلومات المناسب إيصالها للقشرة المخية، وإهمال ما لا داعي له!
على بعد 15 درجة من مركز إبصارك توجد نقطة عمياء، يمكن اعتبارها بمثابة ظل للعصب البصري، لا يمكنك أن تشعر بهذه النقطة في الأحوال العادية، وذلك لأنك ترى مجالي إبصار متداخلين لكل عين، ولأن المخ يملأ الفراغ الموجود بذكاء، كما أن العين لا تبقى في حالة ثابتة أبدًا بل تتحرك بحركات يسيرة جدًا بما يعرف بـ Troxler Effect.
في أحد أفلامه الوثائقية، كان داعية الإلحاد العجوز (ريتشارد دوكنز) يستضيف د. (راندولف نيس) للحديث عن (الأخطاء الموجودة في التصميم الإلهي المزعوم). فكان رأي راندولف أن العين ليست مثالية على الإطلاق، لوجود بقعة عمياء في مجال الإبصار، مما اعتبره بمثابة (فشل)!
في القرآن نجد لدينا ما يفسر ذلك، وهو قول الله عز وجل: "وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِ ظَهِيرًا"، أي معينًا للشيطان على ربه، وكأنه سيضره!
وفي القرآن أيضًا نجد توصيفًا رائعًا لحال هؤلاء الذين لا يتريثون قليلًا قبل أن يتركوا دينهم لأجل (أفكار منتصف الليل): "ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا" أي يُدعون للكفر بعد الإسلام فيرحبون بذلك ولا ينتظرون إلا قليلًا!
بالمناسبة هناك تفسير آخر لآية: وكان الكافر على ربه ظهيرًا. أي هيّنًا!
