▫️
📜 خطبة (تعظيم رمضان)
للشيخ #صالح_العصيمي
📥 رابط التحميل (pdf):
https://bit.ly/3c8tMQ2
#الخطب_المنبرية
#رمضان_وما_يتعلق_به
════ ¤❁✿❁¤ ════
🌙 خطبة بعنوان 🌙
💫 الوافد الحبيب 💫
💢للشيخ إبراهيم الدويش💢
جزى الله السامع والناشر كل خير 📼
ﮩ•┈┈••✾•◆❀◆•✾••┈┈•ﮩ
أَيُّهَا الْـمُسْلِمُونَ:
وَمِنْ تَيْسِيرِ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ وَلُطْفِهِ وَرَحْمَتِهِ أَنْ رَخَّصَ لِلْمُسَافِرِ وَلِلْمَرِيضِ الَّذِي يَتَضَرَّرُ بِالصَّوْمِ الْفِطْرَ؛ قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: 185].
وَيُبَاحُ الْفِطْرُ- يَا عِبَادَ اللهِ- لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ الفَانِي، وَالْمَرْأَةِ الْعَجُوزِ إِذَا كَانَا لَا يَسْتَطِيعَانِ الصِّيَامَ؛ فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: (الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ لَا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا، فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا) [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ]. وَيُلْحَقُ بِهِمَا الْمَرِيضُ مَرَضًا لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ، فَيُفْطِرُ وَيُطْعِمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مسكينًا نِصْفَ صَاعٍ.
وَيُبَاحُ الْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ لِلْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ، فَإِذَا خَافَتَا عَلَى نَفْسَيْهِمَا فَعَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ، وَإِذَا كَانَ الْخَوْفُ عَلَى وَلَدَيْهِمَا فَعَلَيْهِمَا الْإِطْعَامُ مَعَ الْقَضَاءِ عَلَى أَرْجَحِ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ.
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ هُنَاكَ أَمُورًا كَثِيرَةً يَنْبَغِي عَلَى الصَّائِمِ أَنْ يَجْتَنِبَهَا، وَهِيَ مَا يُعْرَفُ بِالْمُفَطِّرَاتِ وَالْمُفْسِدَاتِ ؛ لِأَنَّهُ إِذَا فَعَلَ شَيْئًا مِنْهَا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَامِدًا؛ فَقَدْ فَسَدَ صَوْمُهُ، وَزَادَ إِثْمُهُ، وَهِيَ تَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ، قِسْمٌ يُبْطِلُ الصَّوْمَ وَيُفْسِدُهُ وَيُوجِبُ الْقَضَاءَ؛ مِنْهَا الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ عَمْدًا، أَمَّا إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا، فَلَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ وَلَا يَبْطُلُ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]. وَمِمَّا يَدْخُلُ فِي مَعْنَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ الْحُقَنُ الْمُغَذِّيَةُ، فَهَذَا يُفَطِّرُ الصَّائِمَ، وَأَمَّا التَّطْعِيمُ فَلَيْسَ مِنْ مُفَطِّرَاتِ الصَّائِمِ.
وَمِنْهَا تَعَمُّدُ الْقَيْءِ، وَأَمَّا مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وَخَرَجَ مِنْهُ بِغَيْرِ إِرَادَتِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَصَوْمُهُ صَحِيحٌ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنِ اسْتَقَاءَ فَلْيَقْضِ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ]. وَمِنْهَا خُرُوجُ الْمَنِيِّ بِشَهْوَةٍ يَقَظَةً بِمُبَاشَرَةٍ أَوِ اسْتِمْنَاءٍ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: فَهُوَ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَيُبْطِلُهُ وَيُوجِبُ التَّوْبَةَ وَالْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ؛ وَهُوَ الْجِمَاعُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَقَطْ، فَيَحْرُمُ فِعْلُهُ أَثْنَاءَ الصِّيَامِ، وَلَا يَجُوزُ للْمَرأَةِ أَنْ تُمَكِّنَ زَوْجَهَا مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ، وَإِنْ مَكَّنَتْهُ بِرِضَاهَا لَزِمَهَا مَا يَلْزَمُهُ مِنَ الْإِثْمِ وَالْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ. وَكَفَّارَتُهُ عِتْقُ رَقَبَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا.
عِبَادَ اللهِ:
عَلَيْنَا أَنْ نَتَذَكَّرَ وَنَحْنُ نَصُومُ أَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ لَمْ تُشْرَعْ إِلَّا لِتَحْقِيقِ التَّقْوَى، يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183].
وَاحْرِصُوا – رَحِمَكُمُ اللهُ تَعَالَى- عَلَى الْأخْذِ بِالنَّصَائِحِ وَالتَّوْصِيَاتِ الصِّحِّيَّةِ، وَالْتِزَامِ الْإِجْرَاءَاتِ الاحْترَازِيَّةِ، كَلُبْسِ الكِمَامَاتِ، وَتَعْقِيمِ الأَيْدِي عِنْدَ الدُّخُولِ إِلَى المَسْجِدِ وَالخُرُوجِ مِنْهُ، وَعَدَمِ مُصَافَحَةِ الآخَرِينَ، وَكَذَا التَّباعدُ بَينَ المُصَلِّينَ فِي الصُّفُوفِ.
بِالنَّفْعِ الْعَمِيمِ وَالْأَجْرِ الْعَظِيمِ وَالرِّفْعَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَاحْرِصُوا عَلَى الْأخْذِ بِالنَّصَائِحِ وَالتَّوْصِيَاتِ الصِّحِّيَّةِ، وَالْتِزَامِ الْإِجْرَاءَاتِ الاحْترَازِيَّةِ، كَلُبْسِ الكِمَامَاتِ، وَتَعْقِيمِ الأَيْدِي عِنْدَ الدُّخُولِ إِلَى المَسْجِدِ وَالخُرُوجِ مِنْهُ، وَعَدَمِ مُصَافَحَةِ الآخَرِينَ، وَكَذَا التَّباعدُ بَينَ المُصَلِّينَ فِي الصُّفُوفِ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَنَا مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ. اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا البَلَاءَ وَالْوَبَاءَ وَالغَلَاءَ، اللَّهُمَّ إنّا نسْألُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ والمُسْلِمَاتِ؛ الأَحْياءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، وَاشْفِ مَرْضَانَا وَمَرْضَى المُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذا البَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا، سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ المُسْلِمينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
خطبة الجمعة
[وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا]
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
أَمَّا بَعْدُ:
فَلَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى الْقُرْآنَ هُدًى وَرَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَشِفَاءً لِمَا فِي صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ، هُوَ كَلَامُ اللهِ تَعَالَى لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، فِيهِ نَبَأُ مَا كَانَ قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَهُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ، مَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللهُ، وَهُوَ حَبْلُ اللهِ الْمَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ، هُوَ الَّذِي لَا تَزِيْغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، وَلَا يَمَلُّ الْعَبْدُ مِنْ قِرَاءتِهِ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [الزمر:23].
عِبَادَ اللهِ:
هَذَا كِتَابُ اللهِ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ، وَمَسَاجِدُنَا وَبُيُوتُنَا مَلِيئةٌ بِالْمَصَاحِفِ، فَهَلْ سَأَلْتَ نَفْسَكَ يَوْمًا- يَا عَبْدَ اللهِ- وَحَاسَبْتَهَا: كَمْ حَظُّكَ مِنْ قِرَاءةِ الْقُرْآنِ؟ فَأَنْتَ الْمُنْتَفِعُ بِكَلَامِ اللهِ حِينَ تَقْرَؤُهُ، وَمِنْ حُرِمَ قِرَاءةَ الْقُرْآنِ وَتِلَاوَتَهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ فَقَدْ فَاتَتْهُ الْأُجُورُ الْكَبِيرَةُ، وَفَرَّطَ فِي حَسَنَاتٍ كَثِيرَةٍ، فَتِلَاوَةُ الْقُرْآنِ هِي تِجَارَةُ أَهْلِ الْإيمَانِ الَّتِي لَا تَبْلَى وَلَا تَخْسَرُ، إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ [فاطر:29-30]، فَبِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ تَهْدَأُ النَّفْسُ وَيَرْتَاحُ الْبَالُ، وَتَذْهَبُ الْغُمُومُ وَالهُمُومُ، كَمْ مِنْ مُـبْتَلًى يَشْتَكِي الْهَمَّ وَالضِّيْقَ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ ذَلِكَ بُعْدَهُ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28]، فَهُوَ الْمَوْعِظَةُ وَالتَّذْكِيرُ، وَالشِّفَاءُ لِمَا فِي الصُّدُورِ، يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [يونس57]، وَلَقَدْ أَرْشَدَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنَّ الْقُرْآنَ بِهِ رَاحَةُ الْقُلُوبِ وَزَوَالُ الهُمُومِ، فَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي؛ إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجاً». قَالَ: فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلاَ نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: «بَلَى! يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].
خطبة الجمعة
الْأَسْبَابُ الْجَالِبَةُ لِحُسْنِ الْخَاتِمَةِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِيدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الَّذِي خَلْقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَنَتَوَكَّلُ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَنُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ، وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابَهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ، وَاحْذَرُوا التَّمَادِيَ فِي الْمَعَاصِي، لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلْخِذْلَانِ، يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:
تَعَالَوْا نَتَذَكَّرْ أَصْعَبَ اللَّحَظَاتِ فِي حَيَاةِ الْإِنْسَانِ وَأَحْرَجَهَا، وَأَعْسَرَ مَرَاحِلِهِ وَأَخْطَرَهَا؛ لِنَسْتَعِدَّ لِحُسْنِ الْخَاتِمَةِ بِتَوْفِيقِ الرَّحْمَنِ وَتَسْدِيدِ الْمَنَّانِ؛ إِنَّهَا اللَّحَظَاتُ الْأَخِيرَةُ مِنْ عُمُرِ الْإِنْسَانِ، وَآخِرُ صَفْحَةٍ مِنْ دَفْتَرِ حَيَاتِهِ، الَّتِي يُطْبَعُ عَلَيْهَا خَتْمُ السَّعَادَةِ الْأبَدِيَّةِ، أَوِ الشَّقَاوَةِ السَّرْمَدِيَّةِ.
إِنَّ حُسْنَ الْخَاتِمَةِ وَلِقَاءَ اللهِ سُبْحَانَهُ عَلَى مَا أكْرَمَ بِهِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَشَرَّفَ بِهِ مِنَ الْإيمَانِ؛ مَطْلَبُ كُلِّ مُؤْمِنٍ، وَأُمْنِيَّةُ كُلِّ مُسْلِمٍ، فَمَا مِنْ مُسْلِمٍ إِلَّا وَيُحِبُّ ذَلِكَ وَإِلَيْهِ تَوَّاقٌ، وَيَسْعَى لَهُ جَهْدَهُ وَإِلَيْهِ يَشْتَاقُ.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ:
إِنَّ لِحُسنِ الْخَاتِمَةِ أَسْبَابًا يُسْعِدُ اللهُ تَعَالَى بِهَا عَبْدَهُ، وَلَا بُدَّ مِنَ الْحِرْصِ عَلَيْهَا:
وَمِنْهَا: تَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ وَفِي كُلِّ الأَحْوَالِ، وَالدَّوَامُ عَلَى امْتِثَالِ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ عَلَى تَقَلُّبِ الظُّرُوفِ وَالأَهْوَالِ، قَالَ تَعَالَى: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص:83].
وَمِنْهَا: الاسْتِقَامَةُ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَهِيَ أَنْ يَلْزَمَ الْإِنْسَانُ طَاعَةَ اللهِ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ، فَمَنْ عَاشَ عَلَى شَيْءٍ مَاتَ عَلَيْهِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ [إبراهيم:27]، وَقَدْ بَشَّرَ اللهُ تَعَالَى أَهْلَ الاسْتِقَامَةِ بِتَأْيِيدِ الْمَلَائِكَةِ وَتَثْبِيتِهِمْ لَهُمْ عِنْدَ الْمَمَاتِ، وَفِي الْقَبْرِ، وَعِنْدَ الصِّرَاطِ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت: 30 – 32].
وَمِنْهَا: الالْتِجَاءُ إِلَى اللهِ تَعَالَى بِالدُّعَاءِ، وَالاطِّرَاحُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِالْحُبِّ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ؛ فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: «يا مُقلِّبَ القُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: «نَعَمْ؛ إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ إِصْبَعَينِ مِنْ أَصَابِـعِ اللهِ، يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ» [رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ].
وَمِنْهَا: أَنْ يُحْسِنَ الْعَبْدُ ظَنَّهُ بِاللهِ تَعَالَى دَائِمًا، وَخَاصَّةً فِي آخِرِ لَحَظَاتِ عُمُرِهِ، وَعِنْدَ شُعُورِهِ بِدُنُوِّ أَجَلِهِ، وَأَنْ يَرْجُوَ سَعَةَ رَحْمَتِهِ وَكَرَمِهِ فِي مَغْفِرَةِ ذُنُوبِهِ؛ فَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِثَلَاثٍ يَقُولُ: «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ بالله الظَّنَّ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]، وَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِي المَوْتِ، فَقَالَ: «كَيْفَ تَجِدُكَ؟» قَالَ:
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْوَبَاءَ وَالْبَلَاءَ، وَاصْرِفْهُ عَنَّا وَاكْفِنَاهُ بِمَا شِئْتَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنًّا، سَخَاءً رَخَاءً، دَارَ عَدْلٍ وَإِيمَانٍ، وَأَمْنٍ وَأَمَانٍ، وَسَائِرَ بِلَادِ الْـمُسْلِمِينَ، وَاشْفِ مَرْضَانَا وَمَرْضَى الْـمُسْلِمِينَ، وَارْحَمْ مَوْتَانَا وَمَوْتَى الْـمُسْلِمِينَ، ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
Читать полностью…خطبة الجمعة
اسْتِغْلالُ الأَوْقَاتِ فِي عَمَلِ الطَّاعَاتِ
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
عِبَادَ اللهِ:
مَنْ تَدَبَّرَ مُرورَ الأَيَّامِ وَالسَّنَواتِ، وَسُرْعَةَ انْقِضَائِهَا وَكَأَنَّها لَحَظاتٌ، عَلِمَ أَنَّهُ كُلَّمَا انْقَضَى مِنْهَا شَيءٌ اقْتَرَبَ العَبْدُ إِلَى أَجَلِهِ وَأَزِفَتْ سَاعَتُهُ وَنَقَصَ عُمُرُهُ، وَهُوَ بَعْدَ ذَلِكَ مَجزِيٌّ عَلَى مَا أَدَّاهُ فِيهَا مِنَ الطَّاعَاتِ، وَمُؤَاخَذٌ عَلَى اقْتِرَافِهِ لِلسَّيِّئَاتِ، قِيلَ لِمُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ رَحِمَهُ اللهُ: كَيفَ أَصْبَحْتَ؟ قَالَ: (مَا ظَنُّكَ بِرَجُلٍ يَرْتَحِلُ كُلَّ يَومٍ مَرْحَلَةً إِلى الآخِرَةِ؟). وَقَالَ الحَسَنُ رَحِمَهُ اللهُ: (إِنَّمَا أَنْتَ أَيَّامٌ مَجْمُوعَةٌ، كُلَّمَا مَضَى يَومٌ مَضَى بَعْضُكَ)، وَاللهُ تَعَالى لمَّا أَقْسَمَ بِالعصْرِ الَّذي هُوَ الدَّهْرُ بَيَّنَ أَنَّ النَّاسَ جَميعًا فِي خَسارَةٍ: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:3]، فَالسَّعِيدُ مَنِ اكْتَسَبَ تِلْكَ الأَوْقَاتَ فِي الطَّاعاتِ، وَاغْتَنمَها فِي القُرُباتِ، وَلَمْ يُفرِّطْ فِي اللَّيالِي وَالأيَّامِ فِيمَا يُرْضِي اللهَ ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ، وَالخَاسِرُ المَغبونُ مَنْ ضَيَّعَ عُمُرَهُ فِيما لَا يَنْفَعُهُ، وَفَاتَهُ مِنَ الخَيرِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتدْرَاكِهِ، حَتَّى إِذَا حَانَ أَجَلُهُ نَدِمَ عَلَى مَا فَرَّطَ حِينَ لَا يَنْفَعُ النَّدَمُ، يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89]، وَقَدْ أَمَرَنَا المَولَى سُبْحَانَهُ بِطَاعَتِهِ فِي جَميعِ الأَوْقاتِ، وَالثَّباتِ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى المَمَاتِ، فَقَالَ: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99].
أَيُّها المُسْلمُونَ:
نَعِيشُ فِي هَذِهِ الأيَّامِ ظُرُوفًا اسْتِثْنَائِيَّةً اقْتَضَتْها الأَوضَاعُ الصِّحِّيَّةُ الَّتِي اجْتاحَتِ العَالَمَ عَامَّةً، وَنَالَ بَلَدَنَا مِنْها مَا نَالَ غَيرَهُ مِنَ البِلَادِ، وَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ تَفْرِضَ السُّلُطَاتُ المَسْؤُولَةُ حَظْرًا وَمَنْعًا لِلتَّجوُّلِ فِي سَاعَاتٍ مُحَدَّدَةٍ، وَهَذَا الإِجْرَاءُ مَكَّنَنَا مِنْ وَفْرَةٍ كَبيرَةٍ فِي الوَقْتِ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَضِيعَ سُدًى، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ نَسْتقبِلَهَا وَنُشَمِّرَ لَهَا عَنْ سَاعِدِ الجِدِّ، لَعَلَّنَا نُنْجِزُ فِيهَا مَا لَمْ نَسْتَطِعْ أَنْ نُنْجِزَهُ فِي أَيَّامٍ وَشُهُورٍ مَضَتْ، فَتَـكُونُ خَيرًا عَظِيمًا عَلَينَا وَعَلَى أَبْنَائِنا، وقَدْ بَيَّنَ نَبيُّنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَمِّيَّةَ الوَقْتِ لِلْمُسْلمِ، وَحَثَّ عَلَى اسْتِغْلالِهِ وَاغْتِنَامِهِ، وَحَذَّرَ مِنَ التَّفْرِيطِ فِيهِ وَتَضْييعِهِ، فَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ :«اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَياتَكَ قَبْلَ مَوتِكَ» [رَوَاهُ الحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ]، وَأَخْبَرَ أَنَّ العِبادَ مَسْؤُولُونَ أَمَامَ اللهَ تَعالَى عَمَّا أَفْنَوا فِيهِ أَعْمَارَهُمْ وَقَضَوْا فِيهِ أَوقَاتَهُمْ، فَعَنِ ابْنِ مَسْعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَومَ القِيامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسأَلَ عَنْ خَمْسٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلاهُ؟ وَمَالِهِ مِنْ أَينَ اكْتَسَبهُ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ؟ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ؟» [رَواهُ التِّرْمذيُّ وَحَسَّنَهُ الألبانِيُّ].
عِبَادَ اللهِ:
مِنْ عَظِيمِ نِعْمَةِ اللهِ تَعالَى عَلَى العَبْدِ أَنْ يَرْزُقَهُ السَّعَةَ فِي الأَوْقاتِ، وَقِلَّةَ المَشَاغِلِ وَالمُلْهِياتِ، مَعَ صِحَّةٍ وَعَافِيَةٍ، وَإِذَا أَعْطَى اللهُ العَبْدَ هَاتَينِ النِّعْمَتَينِ فَاسْتَغَلَّهُما فِي الخَيرِ، فَهُوَ المُفْلِحُ الرَّابِحُ، وَمَنْ فَرَّطَ فِيها فَهُوَ المَغْبُونُ الخَاسِرُ، فَعَنِ ابْنِ
أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ [الزمر:3]، فَدُعَاؤُنُا وَصَلاتُنَا وَجَميعُ عِبَادَاتِنَا للهِ رَبِّ العَالمِينَ، وَبِهَذَا أَمَرَنا رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163].
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مَنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ- عِبَادَ اللهِ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ؛ فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
عِبَادَ اللهِ:
لَقَدْ سَدَّ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ أَبْوَابِ الشِّرْكِ وَالطُّرُقِ المُوصِلَةِ إِلَيهِ حِمايَةً لِجَنَابِ التَّوحِيدِ وَحِرْصًا عَلَى أُمَّتِهِ مِنْ سُلُوكِ سَبِيلِ المُشْركِينَ الهَالِكِينَ، وَمِنْ أَعْظَمِ أَسْبابِ الشِّرْكِ بِاللهِ الَّتِي جَاءَ النَّهْيُ عَنْهَا: الغُلُوُّ فِي الصَّالِحِينَ، وَهُوَ السَّبَبُ الَّذِي أَوْقَعَ الأُمَمَ السَّابِقَةَ فِي الشِّرْكِ بِاللهِ تَعَالى، بَلْ مَا وَقَعَ الشِّرْكُ بِاللهِ تَعَالَى إِلَّا بِسَبَبِ الغُلُوِّ فِي الصَّالِحِينَ وَإِعْطَائِهِمْ بَعْضَ صِفَاتِ رَبِّ العَالمِينَ، فَدَعَوهُم وَالْتَجَأُوا إِلَيْهِمْ وَسَأَلُوهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ تَعَالَى كَمَا وَقَعَ فِي قَومِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَام، وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَالغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الغُلُوُّ فِي الدِّينِ» [رَواهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَةَ وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا]، وَنَهَانَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَغْلُوَ فِيهِ فَكَيفَ بِغَيرِهِ وَمَنْ هُو دُونَهُ؟ فَقَالَ: «لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ» [رَواهُ البُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ]، بَلْ نَهَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ حَياتِهِ أَنْ يَغْلُوَ أَحَدٌ فِي قَبْرِهِ فَيُجْعَلَ عِيدًا وَمَسْجِدًا كَمَا فَعَلَ أَهْلُ الكِتَابِ بِقُبُورِ أَنْبِيَائِهِمْ، فعَنْ عَائِشَةَ رِضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مَرَضِهِ الَّذِى لَمْ يَقُمْ مِنْهُ: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ». قَالَتْ: فَلَوْلاَ ذَاكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ غَيْرَ أَنَّهُ خُشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا. [مُتَّفَقٌ عَلَيهِ]، وَهَذَا بَيَانٌ مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَظِيمِ افْتِتَانِ النَّاسِ بِقُبُورِ الصَّالِحِينَ فَسَدَّ هَذَا البَابَ حِمَايَةً لِلتَّوحِيدِ، وَصَونًا لَهُ، وَمِنْ ذَلِكَ نَهْيُهُ عَنِ الصَّلاةِ فِي المَقَابِرِ فَقَالَ: «وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبورَ مَسَاجِدَ إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]، وَنَهَى عَنِ البُنْيانِ عَلَيهَا وَرَفْعِهَا كَمَا جَاءَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
فَاحْذَرُوا عِبَادَ اللهِ طَرَائِقَ الشَّياطِينِ وَوَسَائِلَهُمْ لِصَرْفِكُمْ عَنِ التَّوحِيدِ وَأَفْضَالِهِ، وَغَمْسِكُمْ فِي مَهَاوِي الشِّرْكِ وَأَوْحَالِهِ، وَاجْتَهِدُوا فِي دُعَاءِ اللهِ تَعَالَى أَنْ يُثَبِّتَ قُلُوبَكُمْ عَلَى التَّوحِيدِ وَيُمِيتَكُمْ عَلَيهِ.
أَلَا وَلَا يَفُوتُنَا أَنْ نُذَكِّرَكُمْ -رَحِمَكُمُ اللهُ- بِالْأخْذِ بِالنَّصَائِحِ وَالتَّوْصِيَاتِ الصِّحِّيَّةِ، وَالْتِزَامِ الْإِجْرَاءَاتِ الاحْترَازِيَّةِ، كَلُبْسِ الكِمَامَاتِ، وَتَعْقِيمِ الأَيْدِي عِنْدَ الدُّخُولِ إِلَى المَسْجِدِ وَالخُرُوجِ مِنْهُ، وَعَدَمِ مُصَافَحَةِ الآخَرِينَ، وَكَذَا التَّباعدُ بَينَ
فَشُكْـــرُ الإِلَهِ يُزِيلُ النِّقَــمْ
مَعَاشِرَ المُسْلِمِينَ:
لَقَدْ وَعَدَ اللهُ بِالزِّيَادَةِ لِمَنْ شَكَرَ؛ فَالشُّكْرُ سَبَبٌ لِدَوَامِ النِّعَمِ وَنَمَائِهَا؛ قَالَ تَعَالَى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7]، وَهُوَ أَيْضًا سَبَبٌ لِرَضَى الرَّبِّ جَلَّ وَعَلَا عَنْ عَبْدِهِ ؛ قَالَ تَعَالَى: وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ [الزمر: 7].
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: (وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ شُكْرَ النِّعْمَةِ وَإِنْ قَلَّتْ سَبَبٌ لِنَيْلِ رِضَا اللهِ تَعَالَى).
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَعَدَ مَنْ أَطَاعَهُ أَجْرًا كَرِيمًا، وَأَعَدَّ لِمَنْ عَصَاهُ عَذَابًا أَلِيمًا، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إِقْرَارًا بِهِ وَاعْتِرَافًا لَهُ وَتَعْظِيمًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا.
أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ -عِبَادَ اللهِ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ؛ فَإِنَّهُ مَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَمَنْ عَصَاهُ أَذَلَّهُ وَأَخْزَاهُ، وَمَنْ أَطَاعَهُ أَكْرَمَهُ وَأَوْلَاهُ؛ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا [الفتح:17].
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ مِنْ شُكْرِ اللهِ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ أَنْ نُرَاقِبَ اللهَ فِي هَذَا الْوَطَنِ عَلَى هَذِهِ النِّعَمِ، وَأَن لَّا نَبْطَرَ أَوْ نَسْتَعْلِيَ عَلَى أَحَدٍ، وَأَنْ نَبْتَعِدَ عَنْ مَظَاهِرِ الْإِسْرَافِ وَالتَّبْذِيرِ، وَإِنَّ مِنَ الشُّكْرِ أَيْضًا: أَنْ نَعْمَلَ فِي خِدْمَةِ هَذَا الْوَطَنِ، وَأَنْ نَجْتَمِعَ حَوْلَ وُلَاةِ أُمُورِنَا، وَأَنْ نُحَافِظَ عَلَى أَمْنِهِ وَاسْتِقْرَارِهِ.
وَاحْرِصُوا -رَحِمَكُمُ اللهُ- عَلَى الْأخْذِ بِالنَّصَائِحِ وَالتَّوْصِيَاتِ الصِّحِّيَّةِ، وَالْتِزَامِ الْإِجْرَاءَاتِ الاحْترَازِيَّةِ، كَلُبْسِ الكِمَامَاتِ، وَتَعْقِيمِ الأَيْدِي عِنْدَ الدُّخُولِ إِلَى المَسْجِدِ وَالخُرُوجِ مِنْهُ، وَعَدَمِ مُصَافَحَةِ الآخَرِينَ، وَكَذَا التَّباعدُ بَينَ المُصَلِّينَ فِي الصُّفُوفِ بِحَسَبِ مَا هُوَ مَوضُوعٌ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ، وَإِحْضَارُ كُلِّ مُصَلٍّ سَجَّادَتَهُ مَعَهُ إِلَى المَسْجِدِ ثُمَّ رَدُّها مَعَهُ إِلَى البَيتِ، وَعَدَمُ الاقْتِرَابِ مِنَ الآخَرِينَ أَثْنَاءَ الدُّخُولِ وَالخُرُوجِ.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ وَصَحْبِهِ الأَبْرَارِ، وَاحْفَظِ اللَّهُمَّ بَلَدَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ شَرِّ الأَشْرَارِ وَكَيْدِ الْفُجَّارِ، وَشَرِّ طَوَارِقِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، اللَّهُمَّ ادْفَعْ عَنَّا الْغَلَاءَ وَالْوَبَاءَ وَالْبَلَاءَ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ القَانِطِينَ، اللَّهُــمَّ أَغِـثْ قُـــلُوبَنَا بِالإِيمَانِ وَالْيَقِينِ، وَبِلَادَنَا بِالأَمْطَارِ النَّافِعَةِ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ, إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ.
خطبة الجمعة
الرُّقَى الشَّرْعِيَّةُ وَالتَّحْصِينَاتُ النَّبويَّةُ
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران 102].
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ مِنْ نِعْمَةِ اللهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ وَمِنْ مَحَاسِنِ دِينِهِ أَنْ أَرْشَدَهُمْ إِلَى جُمْلَةٍ مِنَ الأَذْكَارَ وَالرُّقَى الشَّرْعِيَّةِ، وَبَيَّنَ لَهُمْ حُزْمَةً مِنَ التَّحْصِينَاتِ الدِّينِيَّةِ وَالنَّبَوِيَّةِ، الَّتِي بِهَا يَحْفَظُ اللهُ تَعَالَى عَبْدَهُ مِنْ شَرِّ الشَّيَاطِينِ وَالجَانِّ، وَمِنَ الأَوْبِئَةِ وَالأَمْرَاضِ، وَوَكَّلَ بِعِبَادِهِ مَلَائِكَةً تَحْفَظُهُمْ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [الرعد:11].
فَمِنَ الأَذْكَارِ وَالرُّقَى الشَّرْعِيَّةِ مَا جَاءَ فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى الَّذِي فِيهِ الشِّفَاءُ وَالعَافِيَةُ مِنْ أَمْرَاضِ القُلُوبِ وَالأَبْدَانِ، قَالَ تَعَالَى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا [الإسراء:82]، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِإِعْمَارِ القُلُوبِ وَالبُيُوتِ بِقِرَاءَةِ القُرْآنِ وَتِلَاوَتِهِ، كَسُورَةِ البَقَرَةِ؛ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِى تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ]، وَمِنَ الأَذْكَارِ وَالرُّقَى الشَّرْعِيَّةِ أَيْضًا سُورَةُ الفَاتِحَةِ وَالمُعَوِّذَتَانِ؛ فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ مِنَ الجَانِّ وَعَيْنِ الإِنْسَانِ حَتَّى نَزَلَتِ المُعَوِّذَتَانِ فَلَمَّا نَزَلَتَا أَخَذَ بِهِمَا وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا) [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ]، وَآيةُ الكُرْسِيِّ؛ مَنْ قَرَأَهَا لَا يَزَالُ عَلَيْهِ مِنَ اللهِ حَافِظٌ وَلَا يَقْرَبُهُ شَيْطَانٌ.
وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا: مَا جَاءَ فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَأَذْكَارِ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ، وَأَذْكَارِ النَّوْمِ، وَدُخُولِ الْخَلَاءِ وَالخُرُوجِ مِنْهُ، وَأَذْكارِ السَّفَرِ، وَنُزُولِ المَكَانِ، وَأَذْكَارِ الكَرْبِ وَالْغَمِّ وَالْحُزْنِ وَالْهَمِّ، وَذِكْرِ اللهِ تَعَالَى عِنْدَ دُخُولِ الْبَيْتِ، وَالتَّسْمِيَةِ عِنْدَ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَعِنْدَ كَشْفِ الْعَوْرَةِ، وَيَذْكُرُ الْعَبْدُ رَبَّهُ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ.
وَمِنْ هَذِهِ الأَذْكَارِ: مَا إِذَا قَالَهَا العَبْدُ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ؛ فَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ: بِسْمِ اللهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، إِلَّا لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ]، وَعَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ : أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
وَمِنْهَا: مَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ يَقُولُ: «أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ»، وَيَقُولُ: «هَكَذَا كَانَ أَبِي إِبْرَاهِيمُ يُعَوِّذُ ابْنَيْهِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ» [أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ].
https://www.youtube.com/watch?v=f48g0jd3LN0
Читать полностью…مشروع مكتبة إلكترونية، يشبه المكتبة الشاملة بتقنيات متطورة، يضم كتبا تراثية ومعاصرة، وأهم ما يميز مشروع "جامع الكتب الإسلامية":
1. عدد الكتب المتوفرة 30.000 كتاب في مختلف التخصصات.
2. يعمل على جميع أنظمة الأجهزة الإلكترونية (الويندوز، الآيفون، الآيباد، الأندرويد. الماك)
3. فيه كتب شرعية وبحوث ورسائل ومتون ومجلات علمية موافقة للمطبوع.
4. إمكان البحث والتصفح دون تحميل البرنامج، والبحث حسب العناوين أو المضامين، أو المؤلفين.
5. خيارات بحث متعددة (في كتاب واحد، أو مجموعة، أو في البرنامج ...على غرار المكتبة الشاملة)
6. عرض الكتب بصيغة PDF داخل الموقع والبرامج.
7. ربط الكتب بأسماء المؤلفين لتسهيل البحث عن مؤلفات كاتب معين.
8. تنزيل الكتب حسب الرغبة
9. ميزة المقارنة بين الكتب.
10. مزامنة البرنامج بين الأجهزة المختلفة للمستخدم.
وغيرها كثير ...
ملحوظة: عند دخول موقع المشروع تصلك رسائل تعرض عليك المساعدة التقنية لاستخدام المشروع
يمكن تحميل وتصفح البرنامج من خلال الروابط التالية:
• موقع المشروع:
https://ketabonline.com
• تحميل المشروع على برنامج الويندوز
https://ketabonline.com/ar/apps/windows/download
• شرح استخدام المشروع في برنامج الويندوز:
https://www.youtube.com/watch?v=ceQtGp7jBJU&t=25s
• تطبيق الآيفون والأندرويد
http://onelink.to/ketabonline
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ أَزْكَى الْبَرِيَّةِ أَجْمَعِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ وَالصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَارْضَ عَنَّا مَعَهُمْ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، اللَّهُمَّ ادْفَعْ عَنَّا الْغَلَاءَ وَالْوَبَاءَ وَالْبَلَاءَ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ القَانِطِينَ، اللَّهُــمَّ أَغِـثْ قُـــلُوبَنَا بِالإِيمَانِ وَالْيَقِينِ، وَبِلَادَنَا بِالأَمْطَارِ النَّافِعَةِ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
Читать полностью…🍃 ( ثلاثون فائدة عن الصوم في القرآن فما أعظم فضل ربنا ) ...!
الشيخ زيد البحري🍃
🛑 نشر العلم صدقة جارية فأعد نشرها ولا تبخل على نفسك بهذا الأجر العظيم 🛑
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ والمُسْلِمَاتِ؛ الأَحْياءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، وَاشْفِ مَرْضَانَا وَمَرْضَى المُسْلِمِينَ، إِنَّكَ قَرِيبٌ سَمِيعٌ مُجيبُ الدَّعَواتِ، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا البَلَاءَ وَالوَبَاءَ وَالغَلَاءَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نسْألُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِنَا وَدُنْيَانا وَأهْلِنا وَمَالِنا، اللَّهُمَّ وَاجْعَلْ هَذا البَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا، سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ المُسْلِمينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
Читать полностью…خطبة الجمعة
أَحْكَامُ الصِّيَامِ
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران 102].
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كَلَامُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَيُّهَا الْـمُسْلِمُونَ:
يَقُولُ تَعَالَى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183]، فَعِبَادَةُ صِيَامِ رَمَضَانَ فَرَضَهَا اللهُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَجَعَلَهَا أَحَدَ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَفُرُوضِهِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ، وَذَكَرَ مِنْهَا صَومَ رَمَضَانَ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَديثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا]، وَأَوْجَبَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ صَحِيحٍ مُقِيمٍ.
وَيَجِبُ صَوْمُ رَمَضَانَ بِأحَدِ أَمْرَيْنِ؛ إِمَّا بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَإِمَّا بِإِكْمَالِ شَهْرِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ؛ فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاثِينَ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].
فَإِذَا ثَبَتَ دُخُولُ رَمَضَانَ فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُبَيِّتُوا النِّيَّةَ بِالصِّيَامِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ قَبْلَ الفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ» [رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ حَفْصَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ]، وَيَبْدَأُ صَوْمُ أيَّامِ رَمَضَانَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي "الْفَجْرِ الصَّادِقِ" إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187].
وَمِنْ رَحْمَةِ اللهِ فِي التَّشْرِيعَاتِ أَنْ سَنَّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَسَحَّرَ؛ لِأَنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَسَحَّرُوا؛ فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَنْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ]. وَمِنَ السُّنَّةِ تَأْخِيرُ السُّحُورِ وَأَنْ يَكُونَ عَلَى التَّمْرِ، فَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «نِعْمَ سَحُورُ الْمُؤْمِنِ التَّمْرُ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ] وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ وَأَنْ يَكُونَ عَلَى رُطَبٍ أَوْ تَمْرٍ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيرٍ مَا عَجَّلُوا الفِطْرَ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَديثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ].
وَيَجِبُ عَلَى الصَّائِمِ أَنْ يَجْتَنِبَ كُلَّ مَا يَخْدِشُ صَوْمَهُ وَيَنْقُصُهُ، قَالَ : «وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ]. وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَولَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، وَالجَهْلَ، فَلَيسَ للهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرابَهُ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ]. وَلَمْ يَعْرِفِ الصِّيَامَ وَحَقِيقَتَهُ مَنْ أَضَاعَ الصَّلَوَاتِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا، كَالَّذِي يَتَعَمَّدُ النَّوْمَ عَنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ إِلَى أَنْ تُشْرِقَ الشَّمْسُ أَوْ عَنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ حَتَّى تَدْخُلَ صَلَاةُ الْعَصْرِ.
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ أهْلَ الْقُرْآنِ وَالْمُتَدَارِسِينَ لَهُ فِي الحِلَقِ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الرَّحَمَاتُ وَالْبَرَكَاتُ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُم؛ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]، فَمَا أَعْظَمَ هَذَا الْفَضْلَ! وَمَا أَجْزَلَ هَذَا الْعَطَاءَ لِأَهْلِ الْقُرْآنِ! فَاللهُ يُعْلِي شَأْنَهُمْ وَيَذْكُرُهُمْ فِي الْمَلَأِ الْأعْلَى، وَكَفَى بِذَلِكَ فَضْلًا وَفَخْرًا وَشَرَفًا، قَالَ تَعَالَى: لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ [الأنبياء:10]، أَيْ: فِيهِ شَرَفُكُمْ وَفَخْرُكُمْ وَارْتِفَاعُكُمْ، وَمِنْ رِفْعَةِ أهْلِ الْقُرْآنِ أَنْ جَعَلَهُمُ اللهُ أَهْلَهُ وَخَاصَّتَهُ، فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ؛ أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ» [رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ]، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ]، اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
عِبَادَ اللهِ:
لَقَدْ شَبَّهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَارِئَ الْقُرْآنِ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِالْأُتْرُجَّةِ؛ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَالْأُتْرُجَّةِ، طَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَرِيحُهَا طَيِّبٌ... »، وَالْقُرْآنُ يَأْتِي شفيعًا لِأَصْحَابِهِ الَّذِينَ اجْتَهَدُوا فِي قِرَاءَتِهِ؛ فَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]، فَإِذَا دَخَلَ الْعَبْدُ الْجَنَّةَ ارْتَفَعَتْ مَنْزِلَتُهُ وَدَرَجَتُهُ بِحَسَبِ حِفْظِهِ وَتِلَاوَتِهِ لِلْقُرْآنِ فِي الدُّنْيَا؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرؤُهَا» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ]، فَالْعَبْدُ لَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ حَسَنَةٌ إِلَى عَشْرِ حَسَنَاتٍ، والله يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ.
فَاجْتَهِدُوا -عِبَادَ اللهِ- فِي تِلَاوَةِ كِتَابِ اللهِ وَتَدَبُّرِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ، وَكَفَانَا تَفْرِيطًا فِي الْأُجُورِ الْكَثِيرَةِ، اجْعَلُوا لِلْقُرْآنِ وِرْدًا وَوَقْتًا وَحَظًّا، فَكَمْ شَغَلَتْنَا هَوَاتِفُنَا وَمَجَالِسُنَا وَأَصْحَابُنَا عَنْ كَلَامِ رَبِّنَا، فَالدُّنْيَا دَارُ الْعَمَلِ، وَالْآخِرَةُ دَارُ الْجَزَاءِ، فَأَحْسِنْ فِي دُنْيَاكَ، تَجِدْ خَيْرًا فِي أُخْرَاكَ.
هَذَا وَيَنْبَغِي – فِي ظُرُوفِ جَائِحَةِ كُورُونَا – أَن نَسْتَثْمِرَ التِّقْنِيَّةَ الْحَدِيثَةَ فِي الالْتِحَاقِ بِحَلَقَاتِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ إِلْكِتْرُونِيًّا، وَالاسْتِفَادَةُ مِنْ تَطْبِيقَاتِهَا وَبَرَامِجِهَا فِي حِفْظِ الْقُرْآنِ وَتَجْوِيدِهِ وَالاغْتِرَافِ مِنْ مَعِينِ عُلُومِهِ وَآدَابِهِ، وَتَشْجِيعُ أَبْنَائِنَا وَبَنَاتِنَا عَلَى الالْتِحَاقِ بِهَا وَالْعِنَايَةِ بِأَمْرِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ؛ لِيَسْتَثْمِرُوا أَوْقَاتَهُمْ وَطَاقَاتِهِمْ فِيمَا يَعُودُ عَلَيْنَا وَعَلَيْهِمْ
وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَرْجُو اللهَ، وَإِنِّي أَخَافُ ذُنوبِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا المَوْطِنِ؛ إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ مَا يَرْجُو، وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ].
نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُعِينَنا عَلَى سَكَرَاتِ الْمَوْتِ وَغَمَرَاتِهِ، وَأَنْ يُحْسِنَ مُنْقَلَبَنا إِلَيْهِ، وَأَنْ يُسْعِدَنَا بِالْفَرَحِ بِلِقَائِهِ، إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتّقِينَ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ وَمَنِ اسْتَنَّ بِسُنّتِهِ وَاهْتَدَى بِهَدْيِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَاحْذَرُوا عَذَابَهُ، وَارْجُوا رَحْمَتَهُ وَفَضْلَهُ، تُنَالُوا حُسْنَ الْخَاتِمَةِ وَسَعَادَةَ الدَّارَينِ.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ:
وَمِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ حُسْنِ الْخَاتِمَةِ:
إِقَامَةُ التَّوْحِيدِ لِلَّهِ تَعَالَى، فَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَن كان آخِرُ كَلامِه لا إلَهَ إلَّا الله: دَخَلَ الجَنَّةَ» [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ].
وَمِنْهَا: الْإكْثَارُ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ ؛ لِأَنَّ ذِكْرَهُ يُنَغِّصُ اللَّذَّاتِ، وَيُحَقِّرُ الشَّهَوَاتِ، وَيَجْعَلُ الْآخِرَةَ نُصْبَ الْعَيْنِ، وَيَرْدَعُ عَنِ المعاصي، وَيُلَيِّنُ الْقَلْبَ القاسيَ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَكْثِرُوا ذِكْرَ هاذِمِ اللَّذّاتِ»؛ يَعني: المَوْتَ. [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ].
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ:
وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يُورِثُ حُسْنَ الْخَاتِمَةِ بِفَضْلِ اللهِ وَكَرَمِهِ: تَعْجِيلُ التَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، فَالتَّوْبَةُ بِدَايَةُ الطَّرِيقِ وَوَسَطُهُ وَنِهَايَتُهُ، وَهِيَ عُنْوَانُ السَّعَادَةِ وَمَنْشُورُ الْوِلَايَةِ، مَنْ مُنِحَهَا كَانَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ الْفَائِزِينَ، قَالَ تَعَالَى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]، وقال تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [التحريم: 8].
وَاسْعَوْا- رَحِمَكُمُ اللهُ- إِلَى تَحْصِيلِ أَسْبَابِ حُسْنِ الْخَاتِمَةِ، لِتُسْعَدُوا بِتَوْفِيقِ اللهِ لَكُمْ بِذَلِكَ، وَاحْذَرُوا أَسْبَابَ سُوءِ الْخَاتِمَةِ. وَعَلَيْكُمْ بِالْأخْذِ بِالنَّصَائِحِ وَالتَّوْصِيَاتِ الصِّحِّيَّةِ، وَالْتِزَامِ الْإِجْرَاءَاتِ الاحْترَازِيَّةِ، كَلُبْسِ الكِمَامَاتِ، وَتَعْقِيمِ الأَيْدِي عِنْدَ الدُّخُولِ إِلَى المَسْجِدِ وَالخُرُوجِ مِنْهُ، وَعَدَمِ مُصَافَحَةِ الآخَرِينَ، وَكَذَا التَّباعدُ بَينَ المُصَلِّينَ فِي الصُّفُوفِ.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ وَصَحْبِهِ الأَبْرَارِ، وَاحْفَظِ اللَّهُمَّ بَلَدَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ شَرِّ الأَشْرَارِ وَكَيْدِ الْفُجَّارِ، وَشَرِّ طَوَارِقِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، اللَّهُمَّ ادْفَعْ عَنَّا الْغَلَاءَ وَالْوَبَاءَ وَالْبَلَاءَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ, إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ.
(🎥) فضل الصيام في شهر شعبان (خطبة الجمعة)
(🎙️) الشيخ سليمان الرحيلي
«حفظه الله تعالى»
(⌛) 16:12 دقيقة
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَتانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ، وَالفَرَاغُ» [رَواهُ البُخاريُّ]، وَهَا نَحْنُ أَيُّها الإِخْوةُ الكِرامُ نَعيشُ أَيَّامًا قَدْ أَمَرَ فِيهَا وَلِيُّ الأَمْرِ بِحَظْرِ الخُرُوجِ فِي سَاعَاتٍ مُحَدَّدَةٍ، فَالمُؤْمِنُ يَعْلَمُ أَنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيرٌ، فَهُوَ يَتَقلَّبُ فِي الطَّاعَاتِ أَينَما كَانَ وَفِي كُلِّ زَمانٍ، فَاسْتَغِلُّوها عِبادَ اللهِ بَينَ قِرَاءَةٍ لِقُرآنٍ، وَتَعَلُّمٍ لِمَا هُوَ مُفيدٌ، وَجُلوسٍ مَعَ الأَولادِ وَأَهْلِ البَيتِ لِمُدَارَسَةِ التَّوحيدِ وَتَعَلُّمِ أَحْكَامِ الطَّهارَةِ وَالصَّلاةِ وَغَيرِهَا مِمَّا يَحْتاجُهُ المُسْلِمُ، فَلَا تُفرِّطُوا فِي النِّعَمِ فَإِنَّكُمْ مُحاسَبُونَ وَمَسْؤُولونَ، يَقُولُ العَلَّامَةُ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: «إِضَاعَةُ الوَقْتِ أَشَدُّ مِنَ المَوتِ؛ لِأَنَّ إِضَاعَةَ الوَقْتِ تَقْطَعُكَ عَنِ اللهِ وَالدَّارِ الآخِرَةِ، وَالمَوتُ يَقْطَعُكَ عَنِ الدُّنْيا وَأَهْلِهَا، الدُّنْيا مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا لَا تُساوِي غَمَّ سَاعَةٍ، فَكَيفَ بِغَمِّ العُمُرِ، مَحْبُوبُ اليَومِ يَعْقُبُ المَكْرُوهَ غَدًا، وَمَكْرُوهُ اليَومِ يَعْقُبُ المَحَبْوُبَ غَدًا، أَعْظَمُ الرِّبْحِ فِي الدُّنْيا أَنْ تَشْغَلَ نَفْسَكَ كُلَّ وَقتٍ بِمَا هُوَ أَولَى بِهَا وَأَنْفعُ لَها فِي مَعادِهَا».
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ- عِبَادَ اللهِ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ؛ فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ حَالَ المُؤْمِنِ فِي هَذِهِ الدُّنْيا كَالغَريبِ المُسافِرِ وَعَابِرِ السَّبِيلِ الَّذِي يَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ دَارُ مَمَرٍّ، وَلَيسَت بِدارِ مُسْتَقرٍّ، عَنْ عَبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي فَقَالَ: «كُنْ فِي الدُّنْيا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ»، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيتَ فَلا تَنْتَظِرِ الصَّباحَ، وَإِذا أَصْبَحتَ فَلَا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَياتِكَ لِمَوتِكَ. [رَواهُ البُخاريُّ]. وَضَربَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَالِهِ مَعَ الدُّنْيَا بِمَثَلٍ عَظِيمٍ فَقَالَ: «مَا لِي وَمَا لِلدُّنيَا! مَا أَنَا فِي الدُّنْيا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَها» [رَواهُ التِّرمذيُّ وَقَالَ: حَسنٌ صَحيحٌ].
فَأَحْسِنُوا -عِبادَ اللهِ- فِيما بَقِيَ مِنْ أَعْمارِكُمْ، وَلَا تَحْقِرُوا مِنَ المَعْروفِ شَيئًا، فَقَدْ يَكونُ فِيهِ نَجاتُكُمْ.
أَلَا وَلَا يَفُوتُنا أَنْ نُذكِّرَكُمْ -رَحِمَكُمُ اللهُ- مَعَ زِيادَةِ عَدَدِ الحَالاتِ وَالإِصَابَاتِ بِالأَخْذِ بِأَسبابِ السَّلامَةِ وَالنَّجَاةِ، وَمِنْ أَعْظَمِهَا التَّوبَةُ وَالاسْتِغفارُ، وَالرُّجُوعُ إِلَى الرَّحِيمِ الغَفَّارِ، ثُمَّ الأَخْذُ بِالنَّصَائِحِ وَالتَّوصِياتِ الصِّحِّيَّةِ، وَالتِزامُ الإِجرَاءاتِ الاحْتِرازِيَّةِ، وَقَرَاراتِ الجِهاتِ المَسؤُولَةِ؛ وعَدمُ الخُروجِ في أَوْقَاتِ الحَظْرِ، وَضَرورةُ الحِرْصِ عَلَى أَخْذِ اللَّقَاحِ الَّذِي أَوْصَتْ بِهِ الجِهَاتُ المَعْنِيَّةُ، وَحَرَصَتِ الدَّولَةُ مَشْكُورَةً عَلَى تَأْمينِهِ للْجَميعِ، وَالتَّأَكُّدِ مِنْ سَلَامَتِهِ؛ لِيَكُونَ عَوْنًا لَنَا بِتَوفِيقِ اللهِ تَعالَى عَلَى تَقْويَةِ مَنَاعَتِنَا، وَحِفْظِ صِحَّتِنا، وَسَلامَةِ أُسَرِنَا وَوِقَايَتِهِمْ. فنَحْمِي أَنْفُسَنا، وَلَا نَكُونُ سَببًا فِي الإِضْرَارِ بِغَيرِنا فِي ذَهَابِنَا وَإِيابِنَا، وَأَدَائِنا للصَّلَاةِ فِي المَساجِدِ، فَتَبْقَى بُيُوتُ اللهِ تَعَالى - بِعَونٍ مِنْهُ وَتَوفيقٍ- مُفَتَّحَةً أَبْوابُهَا، تَسْتَقْبِلُ المُصَلِّينَ فِي أَوقَاتِ الصَّلَوَاتِ جَمِيعِهَا؛ فَإِنَّ الأَخْذَ بِأَسبابِ الوِقَايَةِ مِنَ الأَمْرَاضِ وَالشِّفَاءِ مِنْهَا؛ مَطْلوبٌ شرعًا وَمَرْغُوبٌ طَبْعًا.
المُصَلِّينَ فِي الصُّفُوفِ بِحَسَبِ مَا هُوَ مَوضُوعٌ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ، وَإِحْضَارُ كُلِّ مُصَلٍّ سَجَّادَتَهُ مَعَهُ إِلَى المَسْجِدِ ثُمَّ رَدُّها مَعَهُ إِلَى البَيتِ، وَعَدَمُ الاقْتِرَابِ مِنَ الآخَرِينَ أَثْنَاءَ الدُّخُولِ وَالخُرُوجِ.
ثُمَّ صَلُّوْا وَسَلِّمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ عَلَى الْمَبْعُوثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَالْـمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْـمُشْرِكِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْوَبَاءَ وَالْبَلَاءَ وَاصْرِفْهُ عَنَّا بِمَا شِئْتَ وَاكْفِنَاهُ بِمَا شِئْتَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنًّا، سَخَاءً رَخَاءً، دَارَ عَدْلٍ وَإِيمَانٍ، وَأَمْنٍ وَأَمَانٍ، وَسَائِرَ بِلَادِ الْـمُسْلِمِينَ، وَاشْفِ مَرْضَانَا وَمَرْضَى الْـمُسْلِمِينَ، وَارْحَمْ مَوْتَانَا وَمَوْتَى الْـمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ، وَاجْمَعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الْحَقِّ وَالدِّينِ، وَأَلِّفْ عَلَى الْخَيْرِ قُلُوبَهُمْ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وَنَجِّهِمْ مِنَ الظُّلَمَاتِ إِلَى النُّورِ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ القَانِطِينَ، اللَّهُــمَّ أَغِـثْ قُـــلُوبَنَا بِالإِيمَانِ وَالْيَقِينِ، وَبِلَادَنَا بِالأَمْطَارِ النَّافِعَةِ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
خطبة الجمعة
فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
عِبَادَ اللهِ:
اعْلَمُوا أَنَّ أَعْظَمَ مَا أَمَرَكُمُ اللهُ بِهِ التَّوحيدُ، وَهُوَ إِفْرَادُ اللهِ تَعالَى بِالعِبَادَةِ: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5]، وَأَعْظَمَ مَا نَهاكُمْ عَنْهُ الشِّرْكُ بِاللهِ تَعَالى، وَهُوَ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ، فَالشِّرْكُ بِاللهِ تَعَالى أَعْظَمُ أَنْواعِ الظُّلْمِ: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، وَمَنْ مَاتَ عَلَيهِ غَيرُ تَائِبٍ مِنْهُ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الجَنَّةَ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ خَالِدًا فِيهَا أَبَدًا: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72]، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَاتَ وَهْوَ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ نِدًّا دَخَلَ النَّارَ» [رَواهُ البُّخَارِيُّ]، وَلِمسلمٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ لَقِىَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ دَخَلَ النَّارِ»، وَهُوَ الذَّنْبُ الَّذِي مَنْ لَقِيَ اللهَ بِهِ لَا يَغْفِرُهُ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، وَهُوَ أَعْظَمُ التَّنَقُّصِ لِرَبِّ البَرِيَّةِ وَمُسَاوَاةُ غَيرِهِ بِهِ فِي الأُلُوهِيَّةِ: ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ [الأنعام:1].
أَيُّها المُسْلِمُونَ:
وَلِعِظَمِ خُطُورَةِ هَذَا الذَّنْبِ، وَقُبْحِ عَاقِبَتِهِ وَعُقُوبَتِهِ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ؛ اتَّفَقَ الأَنْبِيَاءُ عَلِيهِمُ السَّلامُ جَميعًا عَلَى النَّهْيِ عَنْهُ وَتَحْذِيرِ أَقْوَامِهِمْ مِنْهُ، قَالَ سُبْحَانَهُ: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ [النحل:36]، فَهَذَا نُوحٌ وَهُودٌ وَصَالِحٌ -عَلَيهِمُ السَّلامُ- قَالُوا جَمِيعًا لِأَقْوَامِهِمْ: يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59]، وَسَارَ عَلَى التَّوحِيدِ وَالأَمْرِ بِهِ، وَمُحَارَبَةِ الشِّرْكِ وَالنَّهْيِ عَنْهُ كُلُّ مَنِ اتَّبَعَ الرُّسُلَ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ مِنَ الصَّالحِينَ الأَتْقِياءِ وَالأَئِمَّةِ الأَولِيَاءِ قَالَ تَعَالَى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف:108]، فَمَنْ أَحَبَّهُمُ اتَّبَعَهُمْ وَاقْتَفَى أَثَرَهُمْ فَوَحَّدَ اللهَ وَأَخْلَصَ الدِّينَ لمَوْلَاهُ.
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ اللهَ تَعَالى وَحْدَهُ هُوَ المُسْتَحِقُّ لِلْعِبادَةِ فَمَنْ صَرَفَ أَيَّ نَوعٍ مِنْ أَنْواعِهَا الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ لِغَيرِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَلَوْ كَانَ نَبِيًّا مُرْسَلًا أَوْ مَلَكًا مُقَرَّبًا فَقَدْ وَقَعَ فِي الشِّرْكِ بِاللهِ، فَلَا نَتَوجَّهُ بِالدُّعَاءِ إِلَّا إِلى اللهِ وَحْدَهُ، وَلَا نَسْتَغِيثُ وَلَا نَسْتَعِينُ وَلَا نَطْلُبُ المَدَدَ وَالحَاجَاتِ وَدَفْعَ الشَّرِّ وَالكُرُبَاتِ إِلَّا مِنَ اللهِ سبحانه؛ قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [الأحقاف:5]، وَلَا نَذْبَحُ وَنَنْذُرُ إِلَّا لِلَّهِ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِغَيرِ اللهِ فَقَدْ أَشْرَكَ، فَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيرِ اللهِ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]، وَلَا نَجْعَلُ بَينَنَا وَبَينَ اللهِ وَسَائِطَ نَدْعُوهُمْ وَنَسْأَلُهُمْ وَنَطْلُبُ مِنْهُمُ الشَّفَاعَةَ كَمَا فَعَلَ كُفَّارُ قُرَيشٍ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالى كُفْرَهُمْ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ
خطبة الجمعة
شُكْرُ اللهِ عَلَى نِعَمِهِ
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أَمَّا بَعْدُ :
فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كَلَامُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَيُّهَا الْـمُسْلِمُونَ:
إِنَّ نِعَمَ اللهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ كَبِيرَةٌ، وَآلَاءَهُ عَلَيْهِمْ كَثِيرَةٌ؛ قَالَ تَعَالَى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34]، وَهِيَ نِعَمٌ ظَاهِرَةٌ وَبَاطِنَةٌ، وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً [لقمان:20]؛ وَلَقَدْ خَصَّ سُبْحَانَهُ الْبَشَرِيَّةَ بِمَزِيدِ النِّعَمِ، فَكَرَّمَهُمْ وَفَضَّلَهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ؛ فَقَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا [الإسراء:70]، وَإِنَّ مِنْ أَجَلِّ هَذِهِ النِّعَمِ: نِعْمَةَ الْهِدَايَةِ إِلَى الإِيمَانِ؛ قَالَ تَعَالَى: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [الحجرات:17].
عِبَادَ اللهِ:
لَقَدْ أَمَرَنَا اللهُ سُبْحَانَهُ بِالشُّكْرِ عَلَى هَذِهِ النِّعَمِ؛ فَقَالَ تَعَالَى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ [البقرة:152]. وَقَالَ تَعَالَى: بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ [الزمر:66] وَقَالَ سُبْحَانَهُ: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة:172].
وَلَقَدِ امْتَثَلَ نَبِيُّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هَذِهِ الْأَوَامِرَ؛ فَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُدَاوِمًا عَلَى الطَّاعَةِ شَاكِرًا لِلَّهِ عَلَى أَنْعُمِهِ؛ فَعَنِ الْمُغِيرَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَقُومُ لِيُصَلِّيَ حَتَّى تَرِمَ قَدَمَاهُ - أَوْ سَاقَاهُ - فَيُقَالُ لَهُ، فَيَقُولُ: «أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]. وَهَكَذَا كَانَ أَنْبِيَاءُ اللهِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ؛ فَوَصَفَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَوْلِهِ: إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا [الإسراء:3].
وَأَثْنَى عَلَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [النحل:120-121].
وَالشُّكْرُ- يَا عِبَادَ اللهِ- يَكُونُ بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ: بِالِاعْتِرَافِ بِالنِّعَمِ بَاطِنًا، وَ بِالتَّحَدُّثِ بِهَا ظَاهِرًا، وَ بِتَصرِيفِهَا فِي طَاعَةِ اللهِ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ –رَحِمَهُ اللهُ-: الشُّكْرُ ظُهُورُ أَثَرِ نِعْمَةِ اللهِ عَلَى لِسَانِ عَبْدِهِ: ثَنَاءً وَاعْتِرَافًا، وَعَلَى قَلْبِهِ شُهُودًا وَمَحَبَّةً، وَعَلَى جَوَارِحِهِ انْقِيَادًا وَطَاعَةً.
إِذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا
فَإِنَّ الْمَعَاصِي تُزِيلُ النِّعَمْ
وَدَاوِمْ عَلَيْهَا بِشُكْرِ الإِلَهِ
فَاحْرِصُوا – رَحِمَكُمُ اللهُ تَعَالَى – عَلَى تِلَاوَةِ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ، وَحِفْظِ هَذِهِ الأَذْكَارِ وَغَيْرِهَا مِنْ صَحِيحِ سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَرْدِادِهَا صَباحَ مَساءَ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِ كُلِّ شَيطَانٍ وَهَامَّةٍ وَآفَةٍ وَمَرَضٍ، وَاللهُ خَيرُ الحَافِظِينَ.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ؛ فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ:
مِنَ التَحْصِينَاتِ الدِّينِيَّةِ وَالنَّبَويَّةِ: مَا وَرَدَ مِنَ الآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الأَكْلِ وَالمَلْبَسِ وَالنَّظَافَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَكُونُ سَبَبًا فِي وِقَايَةِ العَبْدِ مِنِ انْتِقَالِ الأَمْرَاضِ وَانْتِشَارِهَا، مِثْلِ عَدَمِ مُخَالَطَةِ المَرْضَى بِمَرَضٍ مُعْدٍ؛ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ» [رَوَاهُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ]، وَأَنْ لَا يَتَنَفَّسَ فِي الإِنَاءِ، وَأَنْ لَا يَغْمِسَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ إِذَا اسْتَيقَظَ مِنَ اللَّيلِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا، وَإِذَا عَطَسَ فَلْيَضَعْ كَفَّيْهِ عَلَى وَجْهِهِ، وَأَمَرَ بِالْوُضُوءِ وَالِاغْتِسَالِ، وَأَرْشَدَ إِلَى تَنْظِيفِ اللِّبَاسِ وَالنِّعَالِ وَالْأَفْنِيَةِ وَالدُّورِ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ حِرْصِ الإِسْلَامِ عَلَى المُحَافَظَةِ عَلَى الإِنْسَانِ وَصِحَّتِهِ وَحِمَايَتِهِ وَتَحْصِينِهِ، وَقَدْ ظَهَرَتِ الفَائِدَةُ الجَلِيلَةُ وَالْحِكْمَةُ الْعَظِيمَةُ مِنْ هَذِهِ التَّوْجِيهَاتِ مَعَ انْتِشَارِ الأَوْبِئَةِ فِي هَذَا الزَّمَانِ، فَمَا أَعْظَمَهُ مِنْ دِينٍ امْتَازَ عَلَى جَمِيعِ الأَدْيَانِ!!.
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا -رَحِمَكُمُ اللهُ- عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا أَمَرَكُمْ رَبُّكُمْ فِي كِتَابِهِ؛ فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ وَأَنْعِمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ وَصَحْبِهِ الأَبْرَارِ، وَاحْفَظِ اللَّهُمَّ بَلَدَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ شَرِّ الأَشْرَارِ وَكَيْدِ الْفُجَّارِ، وَشَرِّ طَوَارِقِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، اللَّهُمَّ وَحِّدْ صُفُوفَنَا، وَاجْمَعْ عَلَى الْخَيْرِ كَلِمَتَنَا، وَطَهِّرْ أَلْسِنَتَنَا، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَأَصْلِحْ أَحْوَالَنَا وَأَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ ادْفَعْ عَنَّا الْغَلَاءَ وَالْوَبَاءَ وَالْبَلَاءَ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ القَانِطِينَ، اللَّهُــمَّ أَغِـثْ قُـــلُوبَنَا بِالإِيمَانِ وَالْيَقِينِ، وَبِلَادَنَا بِالأَمْطَارِ النَّافِعَةِ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ, إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ.
مقتطفات من خطبة الجمعة من المسجد الحرام من مكة المكرمة
التاريخ: 23-6-1442هـ
قال ﷺ: {اكثروا من الصلاة عليّ ليلة الجمعة ويوم الجمعة فإن صلاتكم معروضة عليّ}
🎙️فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور
*حسن بن عبدالحميد بخاري*
•┈┈•• ⭐ ✿ ⭐ ••┈┈•
( من المنع مايكون عطاءً )
ومضة من منبر الحرم لفضيلة الشيخ د. #أسامة_خياط -حفظه الله-.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
وَإِنَّ مِنَ التَّعَدِّي لِحُدُودِ اللهِ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ إِخْرَاجِ الْمَرْأَةِ وَإِلْحَاقِهَا بِبَيْتِ أَهْلِهَا، أَوْ خُرُوجِهَا مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهَا مِنَ الْبَيْتِ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا مِنْ طَلَاقِهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ أَوْ بَعْدَ الثَّانِيَةِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [الطلاق:1]. فَالْمَرْأَةُ مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا مِنَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ هِيَ زَوْجَةٌ لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى وَتَبْقَى فِي بَيْتِهَا وَتَتَجَمَّلُ لِزَوْجِهَا؛ قَالَ تَعَالَى: لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا [الطلاق:1].
وَمِنْ صُوَرِ التَّهَاوُنِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِأَمْرِ الطَّلَاقِ: أَنْ يَجْعَلَ الرَّجُلُ الطَّلَاقَ مُؤَكِّدًا لِمَا يُرِيدُ، مُرَدِّدًا قَوْلَهُ: عَلَيَّ الطَّلَاقُ، فَيَنْطِقُ بِذَلِكَ عِنْدَ كُلِّ أَمْرٍ جَلِيلًا كَانَ أَوْ حَقِيرًا، وَهَذَا بِلَا رَيْبٍ مِنَ الِاسْتِهَانَةِ بِمِيثَاقِ النِّكَاحِ الَّذِي قَالَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ: وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا [النساء:21].
وَمِنَ الْأَخْطَاءِ الَّتِي تَفَشَّتْ فِي مَوْضُوعِ الطَّلَاقِ: أَنْ يُتْـرَكَ أَمْرُ السَّعْيِ بِالْإِصْلَاحِ وَالتَّرَاضِي لِيَحُلَّ مَحَلَّهُ أَمْرُ الْخُصُومَةِ وَالتَّقَاضِي، بَلْ يَتَعَدَّى الْأَمْرُ إِلَى الْأَبْنَاءِ فَيُزَجُّ بِهِمْ فِي مُخَاصَمَةٍ لَا نَاقَةَ لَهُمْ فِيهَا وَلَا جَمَلَ. وَمِمَّا يَزِيدُ الْأَمْرَ صُعُوبَةً: أَنْ يَتَدَخَّلَ الْأَقْرِبَاءُ بَلْ رُبَّمَا الْوَاشُونَ الْمُبْغِضُونَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، فَتَتَعَقَّدَ الْأُمُورُ الَّتِي كَانَ يَسْهُلُ حَلُّهَا بِامْتِثَالِ مَا شَرَعَهُ اللهُ تَعَالَى ؛ قَالَ سُبْحَانَهُ: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا [النساء:35].
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِهَدْيِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ وَاقْتَفَى أَثَـرَهُ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا مَزِيدًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ، وَأَحْسِنُوا إِلَى أَنْفُسِكُمْ وَأَهْلِيكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ.
إِخْوَةَ الإِسْلَامِ وَالإِيمَانِ:
وَكَمَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَكُونَ مُتَّقِيًا لِلَّهِ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ، فَعَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَتَّقِيَ اللهَ كَذَلِكَ، وَأَلَّا تَطْلُبَ الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ مَا سَبَبٍ، فَـتَـكُونَ مُتَعَرِّضَةً لِوَعِيدِ اللهِ تَعَالَى؛ فَعَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ« [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ نِهَايَةَ الْحَيَاةِ؛ فَإِنَّهُ بِقَدْرِ مَا يَكُونُ مِنْ إِيلَامِهِ -إِذَا كَانَ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ- يَكُونُ مُفَرِّجًا إِذَا كَانَ فِي مَحِلِّهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي شَرَعَهُ اللهُ تَعَالَى؛ فَيَتَخَلَّصُ الزَّوْجَانِ مِنْ كَدَرٍ أَذْهَبَ صَفَاءَ حَيَاتِهِمَا، فَكَمْ مِنْ سَعَادَةٍ بَدَأَتْ بَعْدَ زَوَاجٍ انْتَهَى بِطَلَاقٍ قَامَ فِيهِ الزَّوْجَانِ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا مِنْ حَقِّ اللهِ فِيهِ! قَالَ تَعَالَى: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا [النساء:130].
فَعَلَى أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ أَلَّا يُشَوِّهُوا صُورَةَ الْمُطَلِّقِ وَالْمُطَلَّقَةِ، وَأَلَّا يَكُونُوا عَوْنًا لِلشَّيْطَانِ فِي تَأْجِيجِ الْخِلَافِ وَالْفُرْقَةِ، بَلْ يَكُونُوا مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ.