mohadratmktobh | Unsorted

Telegram-канал mohadratmktobh - خطب ومحاضرات مكتوبة وغير مكتوبة

4038

Subscribe to a channel

خطب ومحاضرات مكتوبة وغير مكتوبة

( المسارعة لتدارك رمضان ، والتهيؤا للعشر الأواخر ....)

⤵️⤵️⤵️⤵️⤵️

📜 #الخطبة_الاولى :-

إنَّ الحمدَ لله نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا، ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، منْ يُهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لـهُ، ومنْ يضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ له وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدهُ ورسوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب: 70-71].

أما بعد:

فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ مـُحدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

أما بعدُ:

ها هي ايام شهر رمضان تمضي بنا سريعا، وها هو الشهر يكاد ينتصف، ونحن لا زلنا مقصرين في تحصيل الطاعات، ولم نعمل الا اليسير مما كنا قد عزمنا فعله في هذا الشهر المبارك ، لذلك نشعر بالألم يعتصر قلوبنا ندماً وحسرةً على تقصيرنا، وترتجف أفئدتنا خوفا من أن تمضي بقية أيامه، ونحن على هذا التقصير وهذه الغفلة، فكما ذهبت تلك الايام السابقة، ستذهب بقية أيام الشهر ، حتى ذاك من يظن أنه قد عمل الصالحات ومطمئن على ما قام به من العمل ..! عليه الا يغتر بذلك، فهو أيضا لا زال مقصرا في عمله، مقارنةً بأعمال الصالحين السابقين من سلف هذه الامة، وكيف كانوا يحيون رمضان ليلهم ونهارهم في عبادة مستمرة، فأين نحن من ذلك .....!

فوآحسرتاه على تفلت هذه الايام المباركة من أيدينا...! ولا ندري هل سنتدارك بقية الشهر أم سيكون مثل الذي مضي، وربما يكون العمل أقل، لأن الهمة إذا كانت في البداية ضعيفة، فماذا نتوقع في النهاية. ...!
.
أيها الأحبة الافاضل:

اتقوا الله تعالى واجتهدوا في الأعمال الصالحة في ما بقي من أيام شهركم ..!
فكم من الناس حتى يومنا هذا لم يستفد من شهر رمضان قد ضيع نهاره في النوم ولياليه في السهر المحرم..!
حتى متى يعيش الإنسان للذاته وشهواته، وحتى متى يسير في طريق النار ومع ركب إبليس، ألا ينزجر هذا المسكين، ألا يصبحوا من سبات الغفلة وضياع العمر.

تولى العمر في سهر**
و في لهو وفي خسر.
فيا ضيعة ما أنفقت **
في الأيام من عمري

أما يعلم المفرط في الطاعة أن شهر رمضان شهر مليء بأسباب المغفرة فمن فرّط في هذه الأسباب كان محروما غاية الحرمان .

وفي الحديث ((من أدرك رمضان فلم يغفر له فدخل النار فأبعده الله)) .

وقال سعيد عن قتادة، كان يقال : من لم يغفر له في رمضان فلن يغفر له في ما سواه،..

فأين أنت يا من تريد العتق من النار ومغفرة الذنوب ورضا الرحمن....، ينبغي لك أن تأتي بأسباب توجب لك الرحمة والمغفرة والعتق من النار وهي كما ذكرنا متيسرة في هذا الشهر من الصيام والقيام وقراءة القرآن والذكر ومساعدة الفقراء والمحتاجين وإطعامهم والصدقة والاستغفار وغير ذلك من الأعمال الصالحة .

وقد ورد في الترمذي وغيره بسند صحيح ((إن لله عتقاء من النار وذلك في كل ليلة))،

أيها الاخوة : اعلموا أن المؤمن يجتمع له في رمضان جهادان لنفسه جهاد بالنهار على الصيام، وجهاد بالليل على القيام، فمن جمع بين هذين الجهادين، ووفى بحقوقهما وصبر عليهما، وفي أجره بغير حساب د غير أهل القرآن والصيام، يعطون أجورهم بغير حساب ...كما في المسند بسند صحيح، عن عبد الله بن عمرو عن النبي قال : ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، فيقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان)) .

فيا من ضيع عمره في غير الطاعة...!
ويا من فرط في شهره بل في دهره وأضاعه في اللهو والغفلة ...
ويا من بضاعته التسويف والتفريط....! وبئست البضاعة، أيا من جعل خصمه القرآن وشهر رمضان، كيف ترجوا من خصمك الشفاعة.

ويل لمن شفعاؤه خصماؤه

( رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، وقائم حظه من قيامه والسهر، كل قيام لا ينه عن الفحشاء والمنكر لا يزيد صاحبه إلا بعدا، وكل صيام لا يصان عن قول الزور والعمل به لا يورث صاحبه إلا مقتا وردا.

أيها المسلمون : ها نحن في منتصف العشر الأوسط من رمضان وقد انقضت العشر الأوائل منه بما عملناه من طاعات فنسأل الله عز وجل أن يتقبل منا مصالح الأعمال وأن يغفر لنا التفريط والتقصير.

Читать полностью…

خطب ومحاضرات مكتوبة وغير مكتوبة

بِالنُّبُوَّةِ وَيَتَّبِعُوهُ، فَسَأَلُوهُ عَنْ أَرْبَعٍ وَصَدَّقُوهُ فِيهَا، فَلَمَّا كَانَتِ الْخَامِسَةُ قَالُوا: «إِنَّمَا بَقِيَتْ وَاحِدَةٌ وَهِيَ الَّتِي نُبَايِعُكَ إِنْ أَخْبَرْتَنَا بِهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا لَهُ مَلَكٌ يَأْتِيهِ بِالْخَبَرِ، فَأَخْبِرْنَا مَنْ صَاحِبُكَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالُوا: جِبْرِيلُ ذَاكَ الَّذِي يَنْزِلُ بِالْحَرْبِ وَالْقِتَالِ وَالْعَذَابِ عَدُوُّنَا، لَوْ قُلْتَ: مِيكَائِيلُ الَّذِي يَنْزِلُ بِالرَّحْمَةِ وَالنَّبَاتِ وَالْقَطْرِ، لَكَانَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا ​لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾ [الْبَقَرَةِ: 97-98]» رَوَاهُ أَحْمَدُ، فَهَذِهِ عَدَاوَتُهُمْ لِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ لِأَنَّهُ يَنْزِلُ بِوَحْيٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُوَافِقُ أَهْوَاءَهُمْ، (وَمِنْ عَجِيبِ ​تَهَافُتِ ​اعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُمْ يُثْبِتُونَ أَنَّهُ مَلَكٌ مُرْسَلٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَيَبْغَضُونَهُ، وَهَذَا مِنْ أَحَطِّ دَرَكَاتِ الِانْحِطَاطِ فِي الْعَقْلِ وَالْعَقِيدَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ اضْطِرَابَ الْعَقِيدَةِ مِنْ أَكْبَرِ مَظَاهِرِ انْحِطَاطِ الْأُمَّةِ؛ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ تَظَاهُرِ آرَائِهِمْ عَلَى الْخَطَأِ وَالْأَوْهَامِ). وَذَلِكَ «لِأَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يَنْزِلُ بِالْأَمْرِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يَنْزِلُ بِأَمْرِ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ﴾ [مَرْيَمَ: 64]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ﴾ [الشُّعَرَاءِ: 192-194]، وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْحَرْبِ»، وَلِهَذَا غَضِبَ اللَّهُ لِجِبْرِيلَ عَلَى مَنْ عَادَاهُ، فَقَالَ: ﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾».
نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْهِدَايَةَ لِلْحَقِّ الْمُبِينِ، وَمُجَانَبَةَ صِرَاطِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَالضَّالِّينَ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ ، فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ .
الخطبةُ الثانيةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ؛ ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الْبَقَرَةِ: 223].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: تَبَعًا لِعَدَاوَةِ الْيَهُودِ لِلَّهِ تَعَالَى وَمَلَائِكَتِهِ؛ فَإِنَّهُمْ كَذَلِكَ يُعَادُونَ جُمْلَةً مِنْ رُسُلِهِ، وَيَصِلُ عَدَاؤُهُمْ إِلَى حَدِّ قَتْلِهِمْ؛ كَمَا خَاطَبَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا ​تَقْتُلُونَ﴾ [الْبَقَرَةِ: 87]، وَتَوَعَّدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ​وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ ​وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 21-22]، وَقَدْ قَتَلُوا زَكَرِيَّا وَيَحْيَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَحَاوَلُوا قَتْلَ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَرَفَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ، وَوَضَعُوا السُّمَّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَيْبَرَ، فَتَأَلَّمَ مِنْ سُمِّهِمْ أَرْبَعَ سَنَوَاتٍ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى مُتَأَثِّرًا بِسُمِّهِمْ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «كَانَ

Читать полностью…

خطب ومحاضرات مكتوبة وغير مكتوبة

لَمْ يُفَرِّقْ بَيْن مَن يَعْبُدُ ويَدْعُوا الأشْجارَ والأَحْجارَ والشمسَ والقَمَرَ، وبَيْن مَن يَدعُو ويَعْبُدُ الْملائِكَةَ والأنبياءَ والصالِحِينَ. لِأَنَّ مَنْ دَعَا وَعَبَدَ غَيْرَ اللهِ فَقَدْ أَشْرَكَ، أَيًّا كانَ هذا المَعْبُودُ.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا بَعدُ: وَمِن الفِرَارِ إلى اللهِ الفِرارُ إِلَيْهِ عِنْدَ الاخْتِلافِ وَالفِتَنِ وَالْمِحَنِ والبَلَايَا وَتَكالُبِ الأَعْداءِ، وَهَذا الفِرارُ يَا عِبادَ اللهِ واجِبٌ عَلى الفَرْدِ والأُمَّةِ، فَإِنَّه أَوَّلُ الحُلُولِ وَبابُها، وَذلكَ بِالتَّوْبَةِ والاستِغْفارِ، وَكَثْرَةِ الدُّعاءِ وَتَصْحِيحِ الحالِ مَعَ اللهِ، والحَذَرِ مِنْ الغَفْلَةِ، والاجْتِماعِ عَلى عَقِيدَةِ التَّوحِيدِ، وَتَحْقِيقِ أُصُولِ الإيمانِ وأَرْكانِ الإِسْلامِ، ولُزُومِ السُّنَّةِ وما عَلَيْهِ سَلَفُ هذه الأُمَّةِ عِلْمًا وَعَمَلًا، وَلُزُومِ الجَماعَةِ وَالسَّمْعِ والطَّاعَةِ لِوَلِيِّ الأَمْرِ، حَتَّى لَوْ رَأَى الْمُسْلِمُ ما يَكْرَه، والبُعْدِ عَنْ الشِّرْكِ والبِدَعِ والفُرْقَةِ والاخْتِلافِ والحِزْبِيَّاتِ والتَّنْظِيماتِ التَّكْفِيرِيَّةِ التي جَرَّتْ عَلَى الأُمَّةِ الوَيْلاتِ، وشَوَّهَتْ صُورَةَ الإسْلامِ. هَكَذا يَكُونُ الفِرارُ إلى اللهِ، فَإنَّ الأُمَّةَ لَنْ تَسْتَطيعَ أَنْ تَجْتَمِعَ إلا بِذلكَ، وَلَنْ تَنْتَصِرَ عَلَى عَدُوِّها حَتَّى يَكُونَ البابُ الأَوَّلُ هُوَ الفِرارَ إلى اللهِ.
اللهمَّ عَلِّمْنا ما يَنْفَعُنا، وانْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنا، وَثَبِّتْنا عَلى دِينِكَ، وانْصُرْ بِنا دِينَكَ، وأَعْلِ بِنا كَلِمَتَكَ، وأَغِظِ بِنا أَعْداءَكَ، وتوفَّنا مسلِمِين وألحقْنَا بالصالحين، اللهُمَّ أصلحْ قلوبنَا وأعمالَنا وأحوالَنا، اللهُمَّ أصلحْ أحوالَ المسلمين، اللهُمَّ اجمعْ كلمةَ المسلمينَ على كتابِك وسُنَّةِ نبيِّك محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، اللهُمَّ اجعلْ كلمتَهم واحدةً ورايتَهم واحدةً واجعلْهم يداً واحدةً وقوَّةً واحدةً على مَن سواهم، ولا تجعلْ لأعدائهم مِنَّةً عليهم يا قويُّ يا عزيزُ، اللهم عليكَ بالكفرةِ والْمُلحِدين الذين يصدُّون عن دينِك ويقاتِلون عبادَك المؤمنين ، اللهُمَّ عليك بهم فإنهم لا يُعجِزُونك، اللهُمَّ زَلْزِل الأرضَ من تحت أقدامِهم، اللهم سلِّطْ عليهم منْ يسومُهم سوءَ العذابِ يا قويُّ يا متين، اللهُمَّ احفظْ بلادَنا من كيدِ الكائدين وعُدْوانِ المعتدين، اللهُمَّ احفظْ بلادَنا مما يكيدُ لها، وانصرها على أعدائِها في داخِلِها وخارجِها، اللهُمَّ وَفِّقْ وُلاةَ أمرِنا بتوفيقِك، وأيِّدْهم بتأييدِك، واجعلْهم من أنصارِ دينِك، وارزقْهُم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ يا ذا الجلالِ والإكرامِ، اللهُمَّ اغفرْ للمسلمين والمسلماتِ والمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهم والأمواتِ، إنك سميعٌ قريبٌ مجيبُ الدعواتِ، اللهُمَّ صلِّ وسَلِّمْ على نبيِّنا محمَّدٍ .

Читать полностью…

خطب ومحاضرات مكتوبة وغير مكتوبة

الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران:102.
لا تنسوا الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أُبي بن كعب رضي الله عنه: (أنّ من واظبَ عليها يكفى همه ويُغفر ذنبه)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ ﴾الأحزاب :43، ومن دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: "سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر".
ومن قال: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكُتِبَتْ له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي"، وعليكم أيضاً بــ ( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن وهما سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) قدر المستطاع.
والحمد لله ربّ العالمين

Читать полностью…

خطب ومحاضرات مكتوبة وغير مكتوبة

بسم الله الرحمن الرحيم

(فضل الشهداء عند ربهم)
الشهادة لها فضل عظيم عند الله سبحانه وتعالى، لأن الشهيد يُضحي بأعز ما يملك، ويبذل روحه رخيصة في سبيل الله عز وجل ؛ اعلاءً لكلمة الله تعالى ، ودفاعاً عن أرضه وعِرضه ووطنه، فقد باع نفسه وماله لله تعالى، قال الله تعالى :﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ سورة التوبة:111، لذلك كان جزاؤه عند ربه عظيماً، ومنزلته عند الله عالية، قال الله تعالى:﴿ وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ سورة الحديد:19، وقد بشّر اللهُ الشهيدَ عند موته بالرحمة والمغفرة: قال الله تعالى :(وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ سورة آل عمران: 157.
ومن الخصال العظيمة التي تبين مكانة الشهداء عند الله سبحانه وتعالى، أنهم أحياءٌ عند ربهم يرزقون، قال الله تعالى:﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾، سورة آل عمران: ،171،169 ، فهم قد ماتوا في الدنيا في الظاهر؛ فأحياهم الله تبارك وتعالى جزاءً لهم في الآخرة، وهذه من سنن الله في الكون فمن عاش ذليلاً لربه سبحانه في الدنيا عاش عزيزاً في الآخرة، ومن كان فقيراً في الدنيا أغناه الله في الآخرة، قال الله تعالى:﴿فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ ۚ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ سورة النساء:74
روى مسلم في صحيحه من حديث مسروق قال : سألنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن هذه الآية الكريمة: ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) . قال : أما أنا فقد سألنا عن ذلك فقال : ( أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش ، تسرح من الجنة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى تلك القناديل .. ). الحديث. قال ابن النحاس رحمه الله تعالى: ( جعل الله أرواح الشهداء في ألطف الأجساد وهو الطير الملون بألطف الألوان وهو الخضرة ، يأوي إلى ألطف الجمادات وهي القناديل المنورة والمفرحة في ظل عرش اللطيف الرحيم؛ لتكمل لها لذة النعيم في جوار الرب الكريم، فكيف يظن أنها محصورة، كلا والله إن هذا لهو الفوز العظيم لمثل هذا فليشمر المشمرون وعليه فليجتهد المجاهدون ).
ومنها: أنه يخفف عن الشهيد مس الموت حتى إنه لا يجد من ألمه إلا كما يجد أحدُنا من مس القرصة، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "(ما يجد الشهيد من مس القتل إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة) رواه الترمذي.
ومنها: لا يجف دم الشهيد حتى يرى الحور العين، عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال : (إِذَا الْتَقَى الصَّفَّانِ أَهْبَطَ اللَّهُ الْحُورَ الْعِينَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَإِذَا رَأَيْنَ الرَّجُلَ يَرْضَيْنَ مَقْدَمَهُ، قُلْنَ: اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ. فَإِنْ نَكَصَ احْتَجَبْنَ مِنْهُ، وَإِنْ هُوَ قُتِلَ نَزَلْنَ إِلَيْهِ، فَمَسَحَنَ عَنْ وَجْهِهِ التُّرَابَ، وَقُلْنَ: اللَّهُمَّ عَفِّرْ مَنْ عَفَّرَهُ، وَتَرِّبْ مَنْ تَرَّبَهُ) رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح
ومنها: أن الملائكة تُظلُّ الشهيدَ بأجنحتها، فقد ورد عن جَابِرَ بنَ عبدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عنْهمَا، أنه قالَ: (جِيءَ بأَبِي يَومَ أُحُدٍ قدْ مُثِّلَ به، حتَّى وُضِعَ بيْنَ يَدَيْ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وقدْ سُجِّيَ ثَوْبًا، فَذَهَبْتُ أُرِيدُ أَنْ أَكْشِفَ عنْه، فَنَهَانِي قَوْمِي، ثُمَّ ذَهَبْتُ أَكْشِفُ عنْه، فَنَهَانِي قَوْمِي، فأمَرَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَرُفِعَ، فَسَمِعَ صَوْتَ صَائِحَةٍ، فَقالَ: مَن هذِه؟ فَقالوا: ابْنَةُ عَمْرٍو - أَوْ أُخْتُ عَمْرٍو - قالَ: فَلِمَ تَبْكِي؟ أَوْ لا تَبْكِي، فَما زَالَتِ المَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بأَجْنِحَتِهَا حتَّى رُفِعَ) أخرجه

Читать полностью…

خطب ومحاضرات مكتوبة وغير مكتوبة

أَخرَجَهُ مُسلِمٌ.
ثَانِيًا : مما يُعِينُكَ عَلَى الصَّبرِ أَن تَتَذَكّرَ ثَوَابَ اللَّهِ الَّذِي أَعَدّهُ لِلصَّابِرِينَ، فَأَنتَ بِصَبرِكَ تَنَالُ مَحَبَّةَ اللَّهِ تَعَالَى : {وَاللَّهُ ‌يُحِبُّ ‌الصَّابِرِينَ}، وَتَفُوزُ بِمَعِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى لَكَ بِنَصرِهِ وَتَأيِيدِهِ : {إِنَّ اللَّهَ ‌مَعَ ‌الصَّابِرِينَ}، وَتُوَفَّى أَجرَكَ بِغَيرِ حِسَابٍ: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجرَهُم ‌بِغَيرِ ‌حِسَابٍ}، وَتَكُونُ مِن المُحسِنِينَ: {وَاصبِر فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ ‌أَجرَ ‌المُحسِنِينَ}، وَتُكَفَّرُ عَنكَ خَطَايَاكَ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَا يُصِيبُ المُسلِمَ مِن نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حَزَنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ، حَتَّى ‌الشَّوكَةَ ‌يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِن خَطَايَاهُ». أَخرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ. وَفِي التِّرمِذِيِّ أنّه ﷺ قَال: «مَا يَزَالُ البَلَاءُ بِالمُؤمِنِ وَالمُؤمِنَةِ فِي نَفسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيهِ خَطِيئَةٌ».
ثَالِثًا : مما يعينُك عَلَى الصَّبرِ أَنْ تَتَذَكَّرَ ذُنُوبَكَ وَمَعَاصِيَكَ وَتَقصِيرَكَ فِي حَقِّ اللَّهِ، وَتَعلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ إِنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ ذُنُوبِكَ، فَإِنَّهُ مَا نَزَلَ بَلَاءٌ إِلَّا بِذَنبٍ وَلَا رُفِعَ إِلَّا بِتَوبَةٍ، قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَصَابَكُم مِن مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم ‌وَيَعفُو ‌عَن كَثِيرٍ}، وَتَعلَمَ أَنَّ ذُنُوبَكَ أَكثَرُ بِكَثِيرٍ مِن هَذَا الـمُصَابِ الَّذِي نَزَلَ بِكَ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَو يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ‌ظَهرِهَا مِن دَابَّةٍ}. فَاجعَلِ البَلَاءَ سَبَبًا لِرُجُوعِكَ إِلَى اللَّهِ، وَالْتِجَائِكَ إِلَيهِ وَانطرَاحِكَ بِبَابِهِ، وَتَوبَتِكَ مِن ذُنُوبِك، وَإِعَادَةِ الحُقُوقِ إِلَى أَصحَابِهَا .
رَابِعًا : مما يُعِينُكَ عَلَى الصَّبرِ أَن تَتَذَكّرَ نِعَمَ اللَّهِ عَلَيكَ المَاضِيَةَ وَالحَاضِرَةَ، فَتُدرِكَ أَنَّهَا كَثِيرَةٌ لَا تُحصَى، وَأَنَّ البَلَاءَ الَّذِي نَزَلَ بِكَ مَهْمَا كَانَ عَظِيمًا فَإِنَّهُ لَا يُقَارِبُ النِّعَمَ الَّتِي تَغَمُرُكَ مِنَ الرَّحِيمِ اللَّطِيفِ سُبحَانَهُ: {وَإِن تَعُدُّوا نِعمَةَ اللَّهِ ‌لَا ‌تُحصُوهَا}.
خَامِسًا : مما يُعِينُكَ عَلَى الصَّبرِ أَن تَعلَمَ أَنَّهُ لَا يَنجُو مِن مَصَائِبِ الدُّنيَا أَحَدٌ أَبَدًا، وَلَو نَجَا مِنهَا أَحَدٌ لَنَجَا مِنهَا أَنبِيَاءُ اللَّهِ وَرُسُلُهُ، وَيَكفِيكَ فِي تَصَوّرِ ذَلِكَ قِرَاءَةُ سِيرَةِ أَكرَمِ الخَلقِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، فَقَد كَانَت حَيَاتُهُ مَلِيئَةً بِالهُمُومِ وَالمَصَائِبِ وَالأَحزَانِ فِي سَبِيلِ إِيصَالِ الدَّعوَةِ إِلَى النَّاسِ.
سَادِسًا : مما يُعِينُكَ عَلَى الصَّبرِ أَن تَعلَمَ أَنَّ أَشَدّ النَّاسِ بَلَاءً الأَنبِيَاءُ ثُمَّ الصَّالِحُونَ، كَمَا أَخبَرَ النَّبِيُّ ﷺ، وَأَنَّ اللَّهَ إِذَا أَرَادَ بِعَبدِهِ الخَيرَ عَجّلَ لَهُ العُقُوبَةَ فِي الدُّنيَا . كَمَا صَحّ عَن النَّبِيِّ ﷺ فِي سُنَنِ التِّرمِذِيِّ.
سَابِعًا : ما يُعِينُكَ عَلَى الصَّبرِ أَن تَعلَمَ أَنَّ الصَّبرَ مِفتَاحُ الفَرَجِ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَد كُذِّبَت رُسُلٌ مِن قَبلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا ‌وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُم نَصرُنَا}، وَقَالَ تَعَالَى: {وَتَمَّت كَلِمَتُ رَبِّكَ الحُسنَى عَلَى بَنِي إِسرَائِيلَ ‌بِمَا ‌صَبَرُوا}، وقال النبي ﷺ: «وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ».
ثَامِنًا : مما يُعِينُكَ عَلَى الصَّبرِ أَن تَعلَمَ أَنّ جَزَعَكَ وَتَسخُّطَكَ لَا يُعِيدُ مَفقُودًا، وَلَا يُزِيلُ كَربًا، وَلَا يَرفَعُ هَمًّا، وَلَا يَدفَعُ قَدَرًا، بَل يَزِيدُكَ أَلَمًا وَذَنبًا، فَمِن تَمَامِ العَقلِ أَن تَصبِرَ لِتَنقَلِبَ المُصِيبَةُ فِي حَقِّكَ نِعمَةً وَخَيرًا وَثَوَابًا.
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكرِ الحَكِيمِ، أَقُولُ قَولِي هَذَا، وَأَستَغفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائِرِ المُسلِمِينَ مِن كُلِّ ذَنبٍ فَاستَغفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الحَمدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ وَمَن وَالَاهُ، أَمَّا بَعدُ : عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ مِمَّا يُنَافِي الصَّبرَ التَّسَخُّطَ عَلَى أَقدَارِ اللَّهِ، وَالتَّضَجُّرَ مِن البَلَاءِ، وَلَطمَ الخُدُودِ، وَشَقَّ الجُيُوبِ، وَالنِّيَاحَةَ، وَهَذِهِ كُلُّهَا أَفعَالٌ كَانَ يَفعَلُهَا أَهلُ الجَاهِلِيَّةِ عِندَ المَصَائِبِ، فَنَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنهَا.

Читать полностью…

خطب ومحاضرات مكتوبة وغير مكتوبة

اللهُمَّ أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذلَّ الشركَ والمشركين، اللهُمَّ انصُرْ دينَكَ وكتابَكَ وسُنَّةَ نبيِّك وعبادَكَ المؤمنين.
اللهُمَّ احفظْ فلسطينَ وأهلَها من كلِّ سوءٍ ، اللهُمَّ نَجِّ المستضعفين من المؤمنين ، اللهُمَّ عليك باليهودِ فإنهم لا يعجِزونك ، اللهُمَّ عليك بهم ، اللهُمَّ عليك بهم .
اللهُمَّ آمنَّا في أوطانِنا وأصلحْ أئمَّتَنا وولاةَ أمورِنا، اللهُمَّ إنا نعوذُ بك من زوالِ نعمتِك وتحوُّلِ عافيتِك وفُجاءةِ نقمتِك وجَميعِ سَخطِك، اللهُمَّ اغفِرْ ذنوبَنا واستُر عيوبَنا ويسِّر أمورَنا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالَنا . سبحانَ ربِّك ربِّ العزَّةِ عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ .

Читать полностью…

خطب ومحاضرات مكتوبة وغير مكتوبة

وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا»، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: «بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا»؛ رواه أحمدُ وهو حديثٌ صحيحٌ .
‏ومن الأدعيةِ النَّبَويَّةِ ؛ دعاءُ مَنْ تَرَاكَمَتْ عليه الديونُ؛ فقد روى الترمذيُّ في سُنَنِه عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ مُكَاتَبًا جَاءَهُ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ عَجَزْتُ عَنْ كِتَابَتِي فَأَعِنِّي، قَالَ: أَلا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْنًا أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ، قَالَ: قُلْ: «اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ» رواه الترمذيُّ وهو حديثٌ حسنٌ .
‏فعلينا يا عبادَ اللهِ بالدعاءِ؛ فإنَّه بابٌ عظيمٌ من أبوابِ تفريجِ الكُرباتِ وقضاءِ الحاجاتِ؛ فَكَمْ من مريضٍ شُفِيَ بالدعاءِ، وكَمْ من مكروبٍ ومهمومٍ زالَ همُّه بالدعاءِ، وكَمْ من فقيرٍ أغناه اللهُ تعالى عندما دَعَاه، وكم من غائبٍ رجعَ إلى أهلِه بالدعاءِ، وكم من مُذْنِبٍ وعاصٍ غُفَرَ له بالدعاءِ، وكَمْ من ضَالٍّ مُنْحَرفٍ رَجَعَ إلى طريقِ الهدايةِ بالدعاءِ، وَكَمْ من مَيِّتٍ فى قبرِه يحتاجُ إلى الدعاءِ، أو رُفِعَتْ درجتُه بالدعاءِ.
ومن أسبابِ رفعِ البلاءِ قراءةُ القرآنِ الكريمِ؛ كما قال الله تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ الإسراء 82، وقالَ تعالَى: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ﴾ فصلت 44، فكتابُ اللهِ شفاءٌ لجميعِ الأدواءِ والأمراضِ؛ فقد قرأَ الصحابيُّ فاتحةَ الكتابِ على مَنْ لُدِغَ بعقربٍ؛ فشَفَاه اللهُ تعالى من السُّمِّ الناقِعِ، فعجبًا من مريضٍ لم يتركْ طبيبًا إلا وذهبَ إليه، ثم غَفَلَ عن أعظمِ دواءٍ ، وهو التداوي بالقرآنِ الكريمِ.
ومن التحصينات العظيمةِ قراءةُ سورةِ الإخلاصِ والمعوِّذَتَين ثلاثَ مرَّاتٍ في الصباحِ والمساءِ؛ فعن عَبْدِاللَّهِ بْنِ خُبَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْنَا فِي لَيْلَةِ مَطَرٍ، وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ، نَطْلُبُ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ لَنَا، فَأَدْرَكْنَاهُ، فَقَالَ: «أَصَلَّيْتُمْ؟»، فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، فَقَالَ: «قُلْ» فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: «قُلْ» ، فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: «قُلْ» ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَقُولُ؟ قَالَ: «قُلْ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَحِينَ تُصْبِحُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ»؛ رواه أبو داودَ والترمذيُّ وهو حديثٌ حسنٌ .
‏ومنها قراءةُ الآيتين من أواخرِ سورةِ البقرةِ في كلِّ ليلةٍ؛ فقد روى البخاريُّ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: «مَنْ قَرَأَ بِالْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ»، قال النوويُّ رحمه اللهُ: قِيلَ: مَعْنَاهُ: كَفَتَاهُ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، وَقِيلَ: مِنَ الشَّيْطَانِ، وَقِيلَ: مِنَ الْآفَاتِ، وَيَحْتَمِلُ مِنَ الجَمِيعِ.
‏ومن التحصيناتِ القرآنيَّةِ الوقائيَّةِ قراءةُ آيةِ الكرسيِّ عند النومِ؛ كما في قصةِ أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنه مع الشيطانِ لما وَكَلَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ بحفظ ِزكاةِ رمضانَ كما في صحيحِ البخاريِّ: «فإنه لَنْ يَزَالَ معك مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، ولَا يَقْرَبكَ شيطَانٌ حتَّى تُصْبِحَ».
ومن أسباب ِرفعِ البلاءِ المحافظَةُ على الصلاةِ؛ فعن أبي الدرداءِ وأبي ذرٍّ رضيَ الله عنهما عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ عن اللهِ عزَّ وجلَّ أنه قال: «ابنَ آدمَ، اركعْ لي أربعَ ركَعاتٍ من أولِ النهارِ أكْفِكَ آخِرَه» رواه أبو داودَ وهو حديثٌ صحيحٌ .
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبَهُ أمرٌ قال: «أرِحْنا بالصلاةِ يا بلالُ» رواه أبو داود وهو حديثٌ صحيحٌ ؛ فكانتْ قُرَّةَ عينِهِ وسعادتَهُ وبهجتَهُ. وقال حذيفةُ رضيَ اللهُ عنه: كانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا حزبَهُ أمرٌ صلَّى؛ رواه أبو داودَ وهو حديثٌ صحيحٌ . لأنَّ في الصَّلاة راحةً، وقُرَّةَ عينٍ له، وهذا مِصداقُ قولِ الله تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ﴾ البقرة 45.

Читать полностью…

خطب ومحاضرات مكتوبة وغير مكتوبة

اللَّهُمْ احْفَظْ إِخْوَانَنَا المُسْتَضْعَفِيْنَ فِي فَلَسْطِيْنَ وفِيْ كُلِّ مَكَانْ، اللَّهُمَّ كُنْ لَهُمْ مُعِينًا وَنَصِيرًا، وَمُؤَيٍّدًا وَظَهِيرًا، اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَائَهُمْ، واجْبُرْ كَـسْرَهُمْ، وَارْحَمْ ضَعْفَهُمْ، وَتَوَلَّ أَمْرَهُمْ، وَانْصُـرْهُمْ عَلى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ، اللَّهُمْ انْصُرْهُمْ ولَا تَنْصُرْ عَليْهِمْ، وأَعِنْهُمْ ولَا تُعِنْ عَلَيْهِمْ، واهْدِهِمْ ويَسِّرِ الهُدَى لَهُمْ.
اللَّهُمْ انْـصُـرْ المُرَابِطِيْنَ منهم، اللَّهُمْ ثَبِّتْ أَقْدَامَهُمْ، وارْبِطْ عَلى قُلُوبِهْمْ، وسَدِّدْ رَمْيَهُمْ، وانْصُرْهُمْ عَلَى القَوْمِ الظَّالِمينَ.

 رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِيْ الآَخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
سُبْحَانَ رَبِّنا رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلاَمٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

Читать полностью…

خطب ومحاضرات مكتوبة وغير مكتوبة

الخطبة الأولى: العنوان: (اَلْوُقُوْفُ مَعْ إِخْوَانِنَا فِيْ غَزَّةَ) 
إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ..  أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ، وَتَعَلَّمُوا دِينَهُ وَالْزَمُوهُ، وَاتْلُوا كِتَابَهُ وَتَدَبَّرُوهُ؛ فَإِنَّ الْفَوْزَ الْأَكْبَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي التَّمَسُّكِ بِالْإِسْلَامِ، وَتَحْقِيقِ الْإِيمَانِ، وَإِنَّ الْخُسْـرَانَ فِي الْإِعْرَاضِ عَنِ اللَّهِ وَعَنْ دِينِهِ؛ ﴿قُلْ إِنَّ ‌الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾.
أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ مِنْ الأُصُوْلِ العَظِيْمَةِ الَّتِي قَرَّرَهَا الإِسْلَامُ، وأَكْدَ عَلَيْهَا رَبُّنَا فِي القُرْآنِ، وحَثَّ عَلَيْهَا سَيِّدُ الأَنَامِ: الأُخُوَّةُ الإِسْلَامِيَّةُ، فَهِيَ رَابِطةٌ مَتِينةٌ، وحِصْنٌ حَصِينٌ، بِها يَتَعَارفُ المسْلِمونَ ويَتناصَرُونَ، ويَتَراحمونَ ويتَعَاونونَ، أَمَرَ اللهُ بِها بَعدَ أَمْرِه بِتَقْوَاه، فَقَالَ سُبْحَانَه: ﴿فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ﴾، وقَالَ: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾، فَهَذِهِ اَلْأُخُوَّةُ فَرَضَهَا اللهُ، ولَم يَفْرِضْها نَسَبٌ أو تَقْليدٌ، وَليْسَتْ تَكَتُّلاً مُرْتَبِطًا بِوَقْتٍ أَوْ ظَرْفٍ طَارِئٍ، بَلْ هِيَ أمر رباني لَازِمٌ، وَرِبَاطٌ بَيْنَ أَهْلِ اَلتَّوْحِيدِ دَائِمٌ، غَايَتُهمْ واحِدةٌ، وهُموُمهمْ مُشْتَركٌة، وآمَالُهم وَاحِدَةٌ؛ يَجمُعهمْ عِبَادةُ ربٍّ وَاحِدٍ بِالاسْتِسلامِ لَه، والإِخْلاصِ في عِبَادتِه، واتِّبَاعِ شَرْعِه، والاقْتِدَاءِ بِرَسُوْلِه ﷺ، ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾.
عِبَادَ اللهِ: إنَّ الْأُخُوَّةَ فِي اَلدِّينِ مِنَّةٌ يُنْعِمُ بِهَا اَللَّهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ اَلصَّالِحِينَ ؛ فَتَتَآلَفُ قُلُوبُهُمْ ، وَتَتَوَثَّقُ رَوَابِطُهُمْ ، كَحَالِ اَلْجِيل اَلْأَوَّلِ مِنْ اَلصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اَللَّهِ عَلَيْهِمْ- مِنَ المُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَار، الَّذِيْنَ سَطَّرُوا أَعْظَمَ مَعَانِي الأُخُوَّةَ فِيْ اللهِ، قَالَ تَعَالَى : ﴿ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ  إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ . وَقَدْ شَبَّهَ اَلرَّسُولُ ﷺ الْأُخُوَّةَ اَلْإِيمَانِيَّةَ بِالْجَسَدِ اَلْوَاحِدِ فَقَالَ:(مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى )، وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِﷺ: (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَوَاصِلِينَ فِيَّ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ).
عِبَادَ اللهِ: إِنَّهُ لا يُمْكِنُ أَنْ يَتَحَقَّقَ فِي الأُمَّةِ مَعْنَى الجَسَدِ الوَاحِدِ وهِيَ لا تَشْعُرُ بِأَلَمِ بَعْضِهَا، ولَا تَعْرِفُ المُوَاسَاةَ بَيْنَهَا، كمَا أَنَّهَا لَا يُمْكِنُ أَنْ تَبْلُغَ دَرَجَةَ الرِّفْعَةِ والتَّمْكِيْنِ إِذَا كَانَتْ تَشْبَعُ وجَارُهَا جَائِعْ، وتَرْوَي وقَرِيْبُها ظَمْآن، وتَلْبَسُ وشَرِيْكُهَا فِيْ الدِّيْنِ عَارٍ. إِنَّ هَذِهِ الرَّابِطَةَ الإِسْلامِيَّةَ، لَيسَت مَقَالاتٍ تُرَدَّدُ، أَو شِعَارَاتٍ تُرفَعُ، دُونَ أَن يَكُونَ لَهَا حَظٌّ مِنَ الوَاقِعِ العَمَلِيِّ، فَاتَّقَوْا اَللَّهَ - عِبَادَ اَللَّهِ - وَحَقِّقُوا هَذِهِ اَلْعِبَادَةَ اَلْعَظِيمَةَ، وَهَذِهِ اَلْقِيمَةَ اَلنَّبِيلَةَ، فَإِنَّهَا وَاجِبةٌ شَرْعًا، وَهِيَ خَيْرُ مُعِينٍ عَلَى نَوَائِبَ الدَّهْرِ وتَقَلُّبَاتِهِ، ومَصَائِبَ الزَّمَانِ وفَوَاجِعَهْ، ومَصَارِعَ السُّوءِ ونِهَايَتِهْ، كَمَا أَنَّها طَرِيقٌ لِمَحَبَّةِ اَللَّهِ تَعَالَى ورِضَاهُ عَنْ عَبْدِهِ؛ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: (وَالَّذِي نَفْـسِـي بِيَدِهِ، لاَ تَدْخُلُوا الجَنَّة حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا). 

Читать полностью…

خطب ومحاضرات مكتوبة وغير مكتوبة

لُزُوْمُ جَمَاعَةِ المُسْلِمِينَ والتذكيرُ بنعمةِ الأمنِ والاجتماعِ
الخُطبةُ الأولى
إنّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا ، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له ، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً .
أمَّا بَعْدُ : أيها الناس ، اتقُوا اللهَ تعالى فإن تقوى الله فوزٌ وفلاحٌ ، ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ .
عبادَ الله : مِنْ أعظمِ مقاصدِ الشريعة ومحاسِنِها البديعةِ الدعوةُ إلى الاجتماعِ والوِفاق ، والتحذيرُ من الاختلاف الذي يوجِبُ الشِّقَاقَ ويُسَبِّبُ الافتراقَ .
وأساسُ الاجتماعِ هو الاعتصامُ بكتابِ الله وسنة رسوله ﷺ ؛ قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ .
والمرادُ بِلُزُومِ الْجَمَاعَة لُزُومُ الْحق واتِّبَاعُه ، وإنْ كَانَ المتمسِّكُ بالحقِّ قليلاً والمخالفُ كثيراً ؛ لأنَّ الحقَّ هو ما كانت عليه الجماعةُ الأولى مِنَ النَّبيِّ ﷺ وأصحابِه ، ولا يُنْظَرُ إلى كثرةِ أهل الباطل بعدَهم .
ومِنْ أَمثلةِ لزومِ الجماعةِ التي دَعَتْ إليها الشريعة الاجتماعُ على إمامِ المسلمين وأهلِ العلم الراسخين ؛ وعدمُ الخروجِ عن أمرِهم ورأيِهم ، سِيِّما ما يتعلَّقُ بسياسةِ الناس العامّة وأَمْنِهم وخوفِهم ؛ قال تعالى : ﴿ وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَو رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُول وَإِلَى أولى الْأَمر مِنْهُم لعلمه الَّذين يستنبطونه مِنْهُم﴾ .
ومِنْ بَرَكَةِ لزوم الجماعة نُزولُ الرحمات ، والتنافسُ في الخيرات ؛ والنجاةُ مِنَ الفِتَنِ المُدْلَهِمَّات ، قال ﷺ : «الجمَاعَةُ رَحْمَةٌ ، وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ» رواه الإمامُ أحمدُ بسندٍ صحيحٍ ، وسُئِلَ النبيُّ ﷺ عن المَخْرَجِ مِنَ الفتن ؛ فقال : «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ» رواه البخاري ومسلم .
وتوحيدُ الكلمةِ ؛ لا يكونُ إلا على كلمةِ التوحيدِ ، قال تعالى : ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ يعني: فَوَحِّدُوني .
وإذا لم تجتمع الأمةُ على الكتابِ والسُنّةِ فمآلُها إلى الزوالِ والفُرقةِ ، قال ﷺ : «سَتَفْتَرِقُ أمتي على ثلاثٍ وسبعين فِرْقَة ، كُلّها في النارِ إلا واحدةٌ» ، قالوا : (مَنْ هِيَ يا رسولَ الله؟) ، قال: «هي الجماعةُ» ، وفي رواية : «هيَ ما أَنا عليه وأصحابي» رواه أهلُ السنن وهو حديثٌ صحيحٌ .
وأهلُ الجماعة ؛ هم أهلُ الحوض المورود ؛ وَمَنْ سِوَاهُم عنه مَطْرُود ، قال ﷺ : «أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الحَوْضِ ، لَيُرْفَعَنَّ إِلَيَّ رِجَالٌ مِنْكُمْ ، حَتَّى إِذَا أَهْوَيْتُ لِأُنَاوِلَهُمْ اخْتُلِجُوا دُونِي-أَي اجتُذِبُوا واقتُطِعُوا- ، فَأَقُولُ : أَيْ رَبِّ أَصْحَابِي ، يَقُولُ : لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ» رواه البخاريُّ ومسلمٌ ، قال القرطبيُّ : (فَكُلُّ مَنِ ارتدَّ عَنْ دِينِ اللهِ ، أو أحدثَ فيه ما لا يرضاه الله ؛ فهو من المطرودين عن الحوض ، وكذلك جماعةُ أهلُ الزيغِ والأهواءِ والبِدَع) .
عباد الله ، مِنْ بركةِ تحقيقِ التوحيدِ ونبذِ الشركِ وتركِ الابتداعِ ؛ الائتلافُ والاجتماعُ والأمنُ ، ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ .
فحافِظُوا على نعمةِ الأمنِ والأُلفةِ ، والمحبةِ والمودّةِ ؛ بالاجتماعِ على الكتابِ والسُنَّةِ ، واحذروا الشركَ والمعصيةَ والبِدعةَ ، والشذوذَ والاختلافَ والفُرْقةَ ؛ والانتماءَ للجماعاتِ البِدْعِيّةِ ، واحذروا أيضا التعصُّبَ للحِزْبيةِ التي توغرُ الصدورَ ، أو تُؤَلِّبُ على ولاةِ الأمور ، فــــ (إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ ؛ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ) .
أقولُ ما تسمعون ، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستــغفروه إنـــه هو الغفورُ الرحيمُ .
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً ، أَمّا بَعدُ :
أيها المسلمون ، إنَّ اللهَ تعالى أمرَ بالاجتماعِ على الحقِّ ونهى عن التفرُّقِ والاختلافِ ، قال تعالى : ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ ، وأمرَ العبادَ باتباعِ الصراطِ المستقيمِ ، ونهاهم عن

Читать полностью…

خطب ومحاضرات مكتوبة وغير مكتوبة

قالَ ابنُ القيِّمِ رَحمه اللهُ: ((والنعيمُ المسؤولُ عنه نوعان: نوعٌ أُخِذ من حِلِّه وصُرِفَ في حَقِّه، فيُسْألُ عن شكرِه، ونوعٌ أُخِذَ بغير حِلِّه، وصُرِفَ في غيرِ حقِّه فيُسألُ عن مُسْتخْرَجِه ومَصْرَفِه)) .
أيها المؤمنون : إنَّ من معالمِ التبذيرِ في حياةِ الناسِ اليومَ الإسرافَ في المراكبِ والملابسِ والمساكنِ، فتجِدُ أقواماً تحمَّلوا الديونَ العظيمةَ، وأَرْهَقُوا ذِممَهم وشَغَلوها؛ ليحصلَ أحدُهُم على السيارةِ الفلانيَّةِ، أو الثوبَ الفلانيِّ، أو المسكنِ الفاخرِ ، تكاثُرٌ وتفاخُرٌ، سَفَهٌ في العقلِ، وضلالٌ في الدِّينِ، فإنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعون.
أيها المؤمنون ، إنَّ من الإسرافِ المذمومِ ما يفعله كثيرٌ من حُدَثاءِ الأسنانِ، أو سُفَهاءِ الأحلامِ، من إضاعةِ الأوقاتِ وتبديدِها في الملاهي والملذَّاتِ والشهواتِ، فتجدُ الواحدَ من هؤلاءِ يصرفُ عُمُرَه، وخاصة نشاطَه وفكرَه ووقتَه في لهوٍ ولَعِبٍ وسهَرٍ وتسليةٍ، لا في عملِ دنيا يَنتفعُ به، ولا عملِ آخرةٍ ينجو به.
عبادَ الله؛ إنَّ من الإسرافِ والتبذيرِ الإسرافَ في استخدامِ المرافقِ الحيويةِ التي تقومُ عليها حياةُ الناسِ اليومَ، من ماءٍ وكهرباءٍ ونحوِ ذلك؛ فالماءُ الذي هو أرخصُ موجودٍ وأعزُّ مفقودٍ يُهدَرُ بالكمياتِ الكبيرةِ الهائلةِ، بلا عتابٍ ولا حسابٍ، وكأَنَّنا نعيشُ على ضفافِ أنهارٍ، لا تتوقفُ، وآبارٍ لا تنضُبُ! .
ولا شكَّ أن الواقعَ المريرَ الذي نعيشُه يخالفُ ما جاءت به شريعةُ أحكمِ الحاكمين، فإنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نهى عن الإسرافِ في الماءِ، ولو كان استعمالُه في عبادةٍ فضلاً عن غيرِها، فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ، وتعاونوا جميعاً على ترشيدِ هذا الأمرِ، فإنَّ قِلَّةَ المياه وشُحَّها أحدُ التَّحَدِّياتِ الكبرى لكثيرٍ من دولِ العالمِ اليومَ، فإنْ لم نكنْ على وعيٍ بهذا الأمرِ يوشِكُ أنْ نقعَ فيما لا تُحمدُ عقباه.
أيها الإخوة الكرامُ ، أمَّا الإسرافُ في الكهرباءِ فذاك أمرٌ قلَّ من ينجو منه، فكمْ هُمُ الذين يضعون في بيوتِهم أو متاجِرِهم أو مجالسِهم من الإضاءةِ أو التكييفِ ما يزيدُ على حاجةِ المكانِ . وكم هُمُ الذين لا يُطفَأُ لهم نورٌ في ليلٍ أو نهارٍ، فاتَّقوا اللهَ أيها المؤمنون، فإنَّ اللهَ ورسولَه ينهيانِكُم عن ذلك.
عبادَ اللهِ، إنَّ من أعظمِ التبذيرِ أنْ تستعملَ المالَ الذي تفضَّلَ اللهُ به عليك في معصيةِ اللهِ تعالى، فاللهُ جلَّ وعلا يُنعِمُ عليك ويتفضَّلُ، وأنت تخالفُه وتحادٌّه!! ، قالَ اللهُ تعالى: ﴿وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً}، قال قتادةُ رحمَه اللهُ: ((التبذيرُ هو النفقةُ في معصيةِ اللهِ، وفي غيرِ الحقِّ، وفي الفسادِ)).
أقولُ ما تسمعون ، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستــغفروه إنـــه هو الغفورُ الرحيمُ .
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً ، أَمّا بَعدُ :
فإنَّ الإسرافَ والتبذيرَ داءٌ فتَّاكٌ، يهدِّدُ الأمَمَ والمجتمعاتِ، ويبدِّدُ الأموالَ والثرواتِ، وهو سببٌ للعقوباتِ والبلِيَّاتِ، العاجلةِ والآجلةِ.
فمن ذلك يا عبادَ اللهِ أن الإسرافَ سببٌ للتَّرَفِ، الذي ذمَّه اللهُ تعالى وعابَه، وتوعَّد أهلَه في كتابِه، إذْ قالَ تعالَى: ﴿وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ * إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ} ، قال ابنُ كثيرٍ رحمه اللهُ: ((كانوا في الدارِ الدنيا منعَّمِين مُقْبلين على لذَّاتِ أنفسِهم)) ، فإيَّاكم يا عبادَ الله أن تكونوا من الـمُـتْرَفِين.
أيها المؤمنون : التبذيرُ والإسرافُ سببٌ يؤدِّي بصاحبِه إلى الكِبْرِ وطَلَبِ العُلُوِّ في الأرضِ، قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : «كُلُوا واشرَبوا وتصدَّقوا من غيرِ سَرَفٍ ولا مَخِيْلةٍ» رواه البخاري ، فالحديثُ يدلُّ على أنَّ الإسرافَ قد يستلزمُ المخِيْلةَ، وهي الكِبْرُ .
عبادَ اللهِ، إنَّ الإسرافَ والتبذيرَ يؤدِّي إلى إضاعةِ المالِ، وتبديدِ الثَّروةِ، فكَمْ من ثروةٍ عظيمةٍ وأموالٍ طائلةٍ، بدَّدَها التبذيرُ، وأهلكها الإسرافُ، وأفناها سوءُ التدبيرِ.
فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ، فإنَّ اللهَ نهاكُم عن إضاعةِ المالِ، ففي حديثِ المغيرةِ رضيَ اللهُ عنه قالَ: سمعنا رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ :«إنَّ اللهَ كَرِه لكم ثلاثاً: قِيلَ وقَالَ، وإضاعةَ المالِ، وكثْرةَ السؤالِ» رواه البخاري ومسلم .

Читать полностью…

خطب ومحاضرات مكتوبة وغير مكتوبة

‌يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ ‌تُحْشَرُونَ﴾ .
وَمِنْ آثَارِ الْإِيمَانِ بِالْحَشْرِ وَالْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ: الِاجْتِهَادُ فِي الطَّاعَاتِ، وَالْبُعْدُ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَالْحَذَرُ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ؛ فَإِنَّ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَحْشُورٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَفِرَّ مِنْهُ إِلَّا إِلَيْهِ، وَلَمْ يَلْجَأْ مِنْهُ إِلَّا إِلَيْهِ، وَلَنْ يَرْجُوَ نَجَاةً إِلَّا بِهِ سُبْحَانَهُ؛ وَذَلِكَ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، قَالَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «حُجُّوا حَجَّةً لِعِظَامِ الْأُمُورِ، صُومُوا يَوْمًا ‌شَدِيدًا ‌حَرُّهُ لِطُولِ النُّشُورِ، صَلُّوا رَكْعَتَيْنِ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ لِوَحْشَةِ الْقُبُورِ، كَلِمَةُ خَيْرٍ تَقُولُهَا، أَوْ كَلِمَةُ سُوءٍ تَسْكُتُ عَنْهَا لِوُقُوفِ يَوْمٍ عَظِيمٍ».
وَمِنْ آثَارِ الْإِيمَانِ بِالْحَشْرِ: التَّخَلُّصُ مِنَ الْمَظَالِمِ، وَإِيفَاءُ الْحُقُوقِ لِلنَّاسِ، وَالْحَذَرُ مِنَ الظُّلْمِ كُلِّهِ؛ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعُقُّ وَالِدَيْهِ وَذَلِكَ ظُلْمٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْطَعُ رَحِمَهُ وَذَلِكَ ظُلْمٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ سَيِّءَ الْعِشْرَةِ لِزَوْجِهِ وَوَلَدِهِ وَذَلِكَ ظُلْمٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ، وَذَلِكَ ظُلْمٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَظْلِمُ النَّاسَ فِي أَمْوَالِهِمْ أَوْ يَغْتَابُهُمْ أَوْ يَعْتَدِي عَلَيْهِمْ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَضِيعُ؛ فَإِنَّ مَنْ عَلِمَ أَنَّ وَرَاءَهُ حَشْرًا وَحِسَابًا، وَأُنَاسًا يُرِيدُونَ حُقُوقَهُمْ؛ أَدَّاهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَهَا مِنْ حَسَنَاتِهِ يَوْمَ حَشْرِهِ؛ ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا ‌أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ .
أيها المسلمون : صّلُوا وسَلِّمُوا -رعاكم اللهُ- على محمَّدِ بنِ عبدِ اللهِ رسولِ اللهِ ، أحسنِ الناسِ خُلُقَاً ، وأعظمِهم أدباً ، كما أمَرَكم اللهُ بذلك في كتابِه فقالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ ، وقالَ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ : «مَنْ صلَّى عليَّ واحدةً صلَّى اللهُ عليه بها عشرًا» ، اللهُمَّ صَلِّ على محمَّدٍ وعلى آلِ محمَّدٍ ، كما صَلَّيْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ ، وباركْ على محمَّدٍ وعلى آل محمَّدٍ كما باركْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ ، وارضَ اللهُمَّ عن الخلفاءِ الراشدين الأئِمَّةِ المهديينَ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ ، وارضَ اللهُمَّ عن الصحابةِ أجمعين وعن التابعينَ ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ ، وعَنَّا معهم بمنِّك وكرمِك وإحسانِك يا أكرمَ الأكرمينَ . اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ وأذلَّ الشركَ والمشركينَ ، ودمِّر أعداءَ الدينِ ، واحمِ حوزةَ الدينِ يا ربَّ العالمينَ ، اللهم آمِنَّا في أوطاننا ، وأصلحْ أَئِمَّتَنَا وولاةَ أمورِنا ، واجعلْ وُلَايَتَنا فيمنْ خافَك واتَّقاك واتَّبعَ رضاك يا ربَّ العالمينَ ، اللهُمَّ وَفِّقْ وليَّ أمرِنا لهداكَ ، واجعلْ عَمَلَه في رضاكَ ، وارزقْه البطانَةَ الناصحَةَ الصالحةَ ، ووفِّقْ جميعَ ولاةِ المسلمين لما تحبُّ وترضى .
اللهُمَّ آتِ نفوسَنا تقواها ، وزَكِّها أنت خيرُ مَنْ زكَّاها ، أنت وليُّها ومولاها ، اللهُمَّ أصلحْ ذات بينِنِا ، وألِّفْ بين قلوبِنا ، واهدِنا سُبُلَ السلامِ ، وأخرجْنا من الظلماتِ إلى النورِ ، وباركْ لنا في أسماعِنا وأبصارِنا وأزواجِنا وذرِّيّاتِنا ، واجعلْنا مبارَكين أينما كُنَّا ، اللهُمَّ أصلحْ لنا شأنَنَا كلَّه يا ذا الجلالِ والإكرامِ ، اللهُمَّ اغفرْ لنا ذنبَنَا كلَّه دِقَّه وجِلَّه أوَّله وآخرَه ، سِرَّه وعَلَنَه ، اللهُمَّ اغفرْ لنا ولوالدِينا وللمسلمينَ والمسلماتِ والمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهم والأمواتِ ، ربَّنا آتِنا في الدنيا حسنَةً وفي الآخِرَةِ حسَنَةً وقِنا عذابَ النارِ . وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على عبدِ اللهِ ورسولِه نبيَّنا محمَّدٍ وآلِه وصحبِه أجمعين .

Читать полностью…

خطب ومحاضرات مكتوبة وغير مكتوبة

خطبة بعنوان المسجد الأقصى في قلوبنا☝️

Читать полностью…

خطب ومحاضرات مكتوبة وغير مكتوبة

خطبة الجمعة
المَسْجِدُ الأَقْصَى في قُلُوبِنَا
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي شَرَّفَ هَذِهِ الأُمَّةَ بِالْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَالْمَسْجِدِ الأَقْصَى، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، قَدَّرَ الأَيَّامَ دُوَلاً بِعَدْلِهِ، وَجَعَلَ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ بِفَضْلِهِ، فَلَهُ الْحَمْدُ وَلَهُ الشُّكْرُ عَلَى نِعَمِهِ الَّتِي لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- فَإِنَّهُ مَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفَاهُ، وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلًا، قَالَ تَعَالَى: )وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ( [الطَّلَاقِ:2-3].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:  
إِنَّ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَمَسْجِدِهِ الأَقْصَى مَكَانَةً سَامِقَةً فِي دِينِنَا، وَمَنْـزِلَةً عَظِيمَةً فِي قُلُوبِنَا، فَهُوَ مَسْرَى نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْهُ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَصَلَّى فِيهِ إِمَاماً بِالأَنْبِيَاءِ، كَمَا أَنَّهُ أَوَّلُ قِبْلَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ، وَإلَيْهِ تَحِنُّ قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ، تُضَاعَفُ فِيهِ الصَّلَوَاتُ، وَيُتَقَرَّبُ فِيهِ إِلَى اللهِ بِسَائِرِ الطَّاعَاتِ، دَرَجَ فِيهِ الأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَبِهِ تَعَلَّقَتْ قُلُوبُ أَهْلِ الإِسْلَامِ، وَرَخُصَتْ مِنْ أَجْلِهِ دِمَاءُ الشُّهَدَاءِ. وَقَدْ جَاءَ فِي بَيَانِ فَضْلِهِ آيَاتٌ قُرْآنِيَّةٌ، وَأَحَادِيثُ نَبَوِيَّةٌ؛ تُبَيِّنُ مَكَانَتَهُ وَفَضْلَهُ، وَتُظْهِرُ مَنـْزِلَتَهُ وَقَدْرَهُ.
وَقَدْ جَعَلَ اللهُ – سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - للْمَسْجِدِ الأَقْصَى خَاصَّةً وَمَا حَولَهُ عَامَّةً: فَضَائِلَ عَتِيدَةً، وَخَصَائِصَ فَرِيدَةً، وَمَيَّزَهَا بِمَزَايَا عَدِيدَةٍ؛ فَهِيَ الأَرْضُ الَّتِي قَدَّسَهَا اللهُ وَطَهَّرَهَا، وَأَعْلَى شَأْنَهَا بَيْنَ الْعَالَمِينَ وَأَظْهَرَهَا؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: )يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ( [المائدة:21].
وَمِنْهُ عُرِجَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى السَّمَوَاتِ الْعُلَى فِي حَادِثَةِ الإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ الْمَشْهُورَةِ، قَالَ تَعَالَى: ) سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ( [الإسراء:1].
عِبَادَ اللهِ:
وَتِلْكَ الأَرْضُ الْمُبَارَكَةُ هِيَ مَهْدُ أَكْثَرِ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَمَهْوَى الأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ مِنَ الأَنَامِ، وَهِيَ خِيرَتُهُ مِنْ أَرْضِهِ؛ يَجْتَبِي إِلَيْهَا خِيرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ؛ عَنِ ابْنِ حَوَالَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَيَصِيرُ الْأَمْرُ إِلَى أَنْ تَكُونُوا جُنُودًا مُجَنَّدَةً؛ جُنْدٌ بِالشَّامِ، وَجُنْدٌ بِالْيَمَنِ، وَجُنْدٌ بِالْعِرَاقِ» قَالَ ابْنُ حَوَالَةَ: خِرْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَاكَ، قَالَ: «عَلَيْكَ بِالشَّامِ؛ فَإِنَّهُ خِيرَةُ اللهِ مِنْ أَرْضِهِ، يَجْتَبِي إِلَيْهِ خِيرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَعَلَيْكُمْ بِيَمَنِكُمْ، وَاسْقُوا مِنْ غُدُرِكُمْ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ تَوَكَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ]. وَقَدْ دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا بِالْبَرَكَةِ إِلَى بَرَكَتِهَا فَقَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا، وَفِي يَمَنِنَا» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا].
وَإِتْيَانُ المَسْجِدِ الأَقْصَى لِلصَّلَاةِ فِيهِ يُكَفِّرُ الذُّنُوبَ والآثَامَ، ويَحُطُّ الخَطَايَا والأَوْزَارَ العِظَامَ؛ فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَمَّا فَرَغَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مِنْ بِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، سَأَلَ اللَّهَ ثَلَاثًا: حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ، وَمُلْكًا لَا يَنْبَغِي لَأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَلَّا يَأْتِيَ هَذَا الْمَسْجِدَ أَحَدٌ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِيهِ، إِلَّا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» فَقَالَ

Читать полностью…

خطب ومحاضرات مكتوبة وغير مكتوبة

النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: يَا عَائِشَةُ، مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ، فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ ​انْقِطَاعَ ​أَبْهَرِي مِنْ ذَلِكَ السُّمِّ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُعَلَّقًا مَجْزُومًا بِهِ.
وَهُمْ فِي كُلِّ زَمَانٍ يُعَادُونَ أَتْبَاعَ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ خَلَفُهُمْ عَنْ سَلَفِهِمْ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ أَنَّ الْقُرْآنَ خَاطَبَ الْيَهُودَ الْمُعَاصِرِينَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿قُلْ فَلِمَ ​تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [الْبَقَرَةِ: 91]، مَعَ أَنَّ الَّذِينَ تَوَجَّهَ إِلَيْهِمُ الْخِطَابُ لَمْ يَقْتُلُوا نَبِيًّا، لَكِنَّ أَخْلَاقَهُمْ هِيَ أَخْلَاقُ أَجْدَادِهِمْ، وَعَدَاوَتُهُمْ لِلرُّسُلِ وَأَتْبَاعِهِمْ هِيَ ذَاتُ عَدَاوَةِ أَجْدَادِهِمْ، وَهَذَا يُفَسِّرُ قَسْوَتَهُمْ عَلَى أَتْبَاعِ الرُّسُلِ، وَاسْتِحْلَالَ قَتْلِ أَطْفَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ، فَهُمْ هُمْ، لَمْ وَلَنْ يَتَغَيَّرُوا مَا دَامُوا مُتَمَسِّكِينَ بِمَا حُرِّفَ مِنْ كُتُبِهِمْ، مُدَّعِينَ أَنَّ لَهُمْ مَزِيَّةً عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، وَصَدَقَ اللهُ العَظِيمُ إِذْ يَقُولُ ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ [المائدة: 82].
كَفَى اللَّهُ تَعَالَى الْمُسْلِمِينَ شَرَّهُمْ، وَرَدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
أيها المسلمون ، وما زالت الحملةُ الشعبيَّةُ التي دعا إليه خادِمُ الحرمين ووليُّ عهدِه لإخوتِنا في غَزَّةَ قائمةً عَبْرَ مَنَصَّةِ (سَاهِم) ، فلا تنسَوا الوقوفَ معهم بالدعاءِ وبما تجودُ به أنفسُكم .
عبادَ اللهِ : صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعَالَمِين، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّم عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ. اللَّهُمَّ ارزُقنَا الشُّكرَ عِندَ النِّعمَةِ، وَالصَّبرَ عِندَ المُصِيبَةِ، وَزِدنَا إِيمَانًا وَيَقِينًا، وَرِضًا وَتَسلِيمًا . اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ مِنَ الخَيرِ كُلِّهِ، عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِن الشَّرِّ كُلِّهِ، عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنهُ وَمَا لَمْ نَعلَمْ، وَنَسأَلُكَ الجَنَّةَ وَمَا يُقَرّبُنَا إِلَيهَا مِن قَولٍ وَعَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِن النَّارِ وَمَا يُقرّبُنَا إِلَيهَا مِن قَولٍ وَعَمَلٍ. اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلبِرِّ وَالتَّقوَى. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
اللهُمَّ نَجِّ المستضعفين من المؤمنين ، اللهُمَّ احفظْ إخوتَنا في فلسطينَ وفي السودانَ ، اللهم اجبُرْ مُصَابَهم ، واشف مرضاهم ، واحفظهم بحفظِك يا عزيزُ يا رحيمُ يا حفيظُ .
اللهم عليك باليهودِ فإنهم لا يُعْجِزونك ، اللهم عليك باليهودِ فإنهم لا يُعْجِزُونك .
عِبَادَ اللَّهِ: اذكُرُوا اللَّهَ العَظِيمَ يَذكُرْكُم، وَاشكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُم، وَلَذِكرُ اللَّهِ أَكبَرُ، وَاَللَّهُ يَعلَمُ مَا تَصنَعُونَ.

Читать полностью…

خطب ومحاضرات مكتوبة وغير مكتوبة

عداوة اليهود لله تعالى ولأوليائه
الخطبة الأولى
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْخَلَّاقِ الْعَلِيمِ؛ خَلَقَ الْبَشَرَ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِهِمْ، نَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا وَاجْتَبَانَا، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَعْطَانَا وَأَوْلَانَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ يَصْطَفِي مِنَ الرُّسُلِ مَنْ يَشَاءُ، وَيَخْتَارُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَنْ يَشَاءُ، وَيُفَضِّلُ مِنَ الْأُمَمِ مَنْ يَشَاءُ، وَيَرْفَعُ مِنَ الْأَفْرَادِ مَنْ يَشَاءُ؛ فَلَا رَادَّ لِأَمْرِهِ، وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَلَا يُسْأَلُ عَنْ فِعْلِهِ، جَلَّ فِي عُلَاهُ، وَتَقَدَّسَ فِي سَمَاهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ اصْطَفَاهُ رَبُّهُ وَاجْتَبَاهُ، وَمِنَ الْفَضْلِ وَالْخَيْرِ أَعْطَاهُ، وَأَعْلَى قَدْرَهُ، وَرَفَعَ ذِكْرَهُ، وَأَعْلَى مَكَانَهُ؛ فَهُوَ صَاحِبُ الْحَوْضِ الْمَوْرُودِ، وَاللِّوَاءِ الْمَعْقُودِ، وَالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ فَإِنَّكُمْ فِي زَمَنٍ لُبِسَ فِيهِ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ، وَبُدِّلَتْ فِيهِ الثَّوَابِتُ، وَزُوِّرَ فِيهِ التَّارِيخُ، وَعَلَا ضَجِيجُ الْأَسَافِلِ، وَخَفَتَ صَوْتُ الْأَفَاضِلِ، وَلَا يَصِحُّ إِلَّا الصَّحِيحُ؛ فَالْبَاطِلُ سَاعَةٌ، وَالْحَقُّ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ؛ ﴿بَلْ ​نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: 18].
أَيُّهَا النَّاسُ: أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْقُرْآنَ هُدًى لِلنَّاسِ، وَكَشْفًا لِلْحَقَائِقِ، وَدَحْضًا لِلْبَاطِلِ، وَإِذَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ قَوْمٍ فِي الْقُرْآنِ فَلَنْ يُجَاوِزُوا خَبَرَهُ، وَمِنَ اللَّافِتِ فِي الْقُرْآنِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَكْثَرَ الْحَدِيثَ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَعَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَصَّ قَصَصَهُمْ وَأَخْبَارَهُمْ، وَكَشَفَ دَوَاخِلَهُمْ وَأَحْوَالَهُمْ، وَلَا سِيَّمَا الْيَهُودُ، وَمِمَّا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَخْبَارِ الْيَهُودِ عَدَاوَتُهُمْ لِلَّهِ تَعَالَى، وَعَدَاوَتُهُمْ لِمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ؛ وَذَلِكَ فِي مَقَامَاتٍ عَدِيدَةٍ، وَآيَاتٍ كَثِيرَةٍ:
فَمِنْ مُعَادَاةِ الْيَهُودِ لِلَّهِ تَعَالَى وَصْفُهُمْ إِيَّاهُ سُبْحَانَهُ بِالْفَقْرِ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ​فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 181-182]،
وَمِنْ مُعَادَاةِ الْيَهُودِ لِلَّهِ تَعَالَى وَصْفُهُمْ إِيَّاهُ سُبْحَانَهُ بِالْبُخْلِ؛ ﴿وَقَالَتِ ​الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «لَيْسَ يَعْنُونَ بِذَلِكَ أَنَّ يَدَ اللَّهِ مُوثَقَةٌ، وَلَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّهُ بَخِيلٌ أَمْسَكَ مَا عِنْدَهُ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا»، وَرَدَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ فِرْيَتَهُمْ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ﴾ [الْمَائِدَةِ: 64].
وَمِنْ مُعَادَاةِ الْيَهُودِ لِلَّهِ تَعَالَى ادِّعَاءُ الْوَلَدِ لَهُ؛ ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ ​عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ﴾ [التَّوْبَةِ: 30]، مَعَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ غَنِيٌّ عَنِ الْوَلَدِ؛ ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ ​صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الْأَنْعَامِ: 101]، ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ ​صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا﴾ [الْجِنِّ: 3]، وَعُزَيْرٌ الَّذِي ادَّعَوْا بُنُوَّتَهُ لِلَّهِ تَعَالَى كَانَ رَجُلًا صَالِحًا مِنْهُمْ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي أَمَاتَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ، كَمَا ذُكِرَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
وَتَبَعًا لِعَدَاوَةِ الْيَهُودِ لِلَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُمْ عَادَوْا مَلَائِكَتَهُ الْمُقَرَّبِينَ، وَلَا سِيَّمَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ اخْتَبَرُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُمُورٍ خَمْسَةٍ، وَوَعَدُوا إِنْ هُوَ عَرَفَهَا أَنْ يَشْهَدُوا لَهُ

Читать полностью…

خطب ومحاضرات مكتوبة وغير مكتوبة

فَفِرُّوا إِلى اللهِ
الخطبة الاولى
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد: عِبادَ اللهِ: اتَّقُوا اللهَ تَعالى، وَابْذُلُوا أَسْبابَ الفَوْزِ بِرَحْمَتِه. وَاعْلَمُوا أَنَّنا فُقَراءُ إلى اللهِ، لَا نَسْتَغْنِي عَنْهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ فِي جَمِيعِ أُمُورِنَا، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾. فَنَحْنُ فُقَراءُ إِلَيْهِ بِالذَّاتِ بِكُلِّ مَعْنًى وَاعْتِبارٍ. وَلِذلِكَ أَمَرَنَا بالفِرارِ إِلَيْهِ، فَقَالَ: ﴿فَفِرُّوا إِلى اللهِ إِنِّي لكم من نذيرٌ مُبين * ولا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إلها آَخَرَ إِنِّي لَكُم مِنْه نَذيرٌ مُبين﴾.
فَفِرُّو إلى اللهِ وَاهْرُبُوا أيُّها الناسُ مِنَ النارِ، وَمِنْ عِقابِ اللهِ إلى رَحْمَتِهِ، بِالإيمانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ، واتِّباعِ أَمْرِهِ والعَمَلِ بِطاعَتِهِ.
فِرُّوا مِمَّا يَكْرَهُهُ اللهُ ظاهِرًا وباطِنًا، إلَى مَا يُحِبُّه ظاهِرًا وباطِنًا.
فِرُّوا مِنْ الجَهْلِ بِدينِهِ وَشَرِيعَتِهِ إلَى العِلْمِ بِالتَّوْحِيدِ والسُّنَّةِ وبِمَا يَقُومُ بِهِ دينُكُم ، وَمِنْ الكُفْرِ إلى الإيمانِ، وَمِن الْمَعْصِيَةِ إلى الطاعةِ، وَمِن الغَفْلَةِ إلى ذِكْرِ اللهِ، حَتَّى الْمَكْرُوبُ والْمُتَضَرِّرُ يَفِرُّ إِلى اللهِ بِدُعائِهِ والتَضَرُّعِ إِلَيْهِ والاستِغاثَةِ بِهِ، لِكَشْفِ ضَرِّهِ وكَرْبِهِ، سَواءً كانَ مَرَضًا أَو فَقْرًا أَو دَينًا أَو هَمًّا.
ولَمَّا كانَ التَّوْحِيدُ وَتَرْكُ الشِّرْكِ أَصْلَ الفِرارِ إِلى الله، قالَ تَعَالَى بَعْدَ هذِهِ الآيةِ الكَرِيمَةِ: ﴿وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾، وَذَلِكَ أَنْ يَفِرَّ العَبْدُ مِنْ اتِّخاذِ آلِهِةٍ غَيْرِ اللهِ مِنْ الأَوْثانِ والأَنْدادِ والقُبُورِ وَغَيْرِها مِمَّا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللهِ، وَيُخْلِصَ لِرَبِّهِ العِبادَةَ وَالخَوْفَ والرَّجاءَ والدُّعاءَ والإِنابَةَ.
بَخِلافِ الْمُشْرِكين فإنَّهُم يَفِرُّونَ إِلَى غَيْرِ اللهِ، يَفِرُّونَ إِلَى آلِهَتِهِم ، وإِنْ حَصَلَ لَهُم أَحْيانًا لُجُوءٌ إِلى اللهِ فَإِنَّه مُؤْقَّتٌ، لِأَنَّه مُتَعَلِّقٌ بِظَرْفٍ خاصٍّ، إِذا زالَ رَجَعَوا إِلى مَا كانُوا عليهِ مِن الشِّرْكِ، كَمَا قالَ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾، وَقَالَ تَعالَى: ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وجَعَلَ للهِ أَنْدادًا لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ﴾ . وَهَذِهِ الآلِهَةُ والْمَعْبُوداتُ مُتَنَوِّعَةٌ، قَدْ تَكونُ مِن الأحْجار وَقَدْ تَكُونُ مِن الأشْجارِ وَقَدْ تَكُونُ مِن الحَيَوَاناتِ، بَلْ وَحَتَّى مِنْ الْمَلَائِكَةِ والأَنْبِياءِ والصالِحِينَ. فَإِنَّ اللهَ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ هذِهِ الْمَعْبُوداتِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالحُكْمِ عَلَى عابِدِيها، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ يَدْعُو بُوذَا أَوْ البَقَرَ أَوْ صاحِبَ القَبْرِ مَهْما كانَتْ مَنْزِلَتُه. واقْرَأُوا القْرآنَ والسُّنَّةَ يَتَبَيَّنْ لَكُمْ ذَلِكَ، فَقَدْ قال اللهُ تَعالَى فِي شَأْنِ الأَشْجارِ والأحْجارِ وَالتَّماثِيِلِ ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَ﴾. واللَّاتُّ كانَ يَلُتُّ السَّوِيقَ لِلْحاجِّ فَمَاتَ فَعَكَفُوا عَلَى قَبْرِهِ . وَقالَ تَعالَى فِي شَأْنِ المَلَائِكَةِ والأَنْبِياءِ: ﴿وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً… ﴾. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ءَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ﴾. وَقَالَ تَعَالَى فِي شَأْنِ الصالِحِينَ: ﴿وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتِكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾. وَهَذِهِ أسْماءُ رِجالٍ صالِحِينَ صُوِّرَتْ تَماثِيلُهُمْ، وَعُكِفَ عِنْدَ قُبُورِهِم، وَمِنْ ثَمَّ عُبِدَ أَصْحابُها. فالناسُّ الذينَ بُعِثَ فِيهِمْ النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم كانُوا مُتَفَرِّقِينَ فِي عِبادَاتِهِمْ وَمَعْبُودِيهِم، وَمَعَ ذلك لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمْ .

Читать полностью…

خطب ومحاضرات مكتوبة وغير مكتوبة

البخاري ومسلم
ومنها : أن الشهداء لا يفتنون في القبور، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي أنه سأل جبريل عن هذه الآية: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ )، من الذين لم يشأ الله أن يصعقهم ؟ قال : هم شهداء الله ” ، أخرجه الحاكم ، وعن سعيد بن جبير في قوله عز وجل:﴿ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ﴾ ( الزمر: 68 ) قال: ( هم الشهداء ، ثنية الله عز وجل حول العرش متقلدين السيوف)
ومنها أن الشهيد يأتي يوم القيامة وجرحه لونه لون الدم وريحه المسك، وقال رسول الله : ( والذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل الله – والله أعلم بمن يكلم في سبيله – إلا جاء يوم القيامة واللون لون الدم ، والريح ريح المسك ) أخرجه البخاري
ومنها: أن الشهداء أول من يدخلون الجنة، قال الله تعالى:﴿ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ﴾ سورة محمد: 6،4، وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله: (عرض علي أول ثلاثة يدخلون الجنة ، وأول ثلاثة يدخلون النار ، فأما أول ثلاثة يدخلون الجنة فالشهيد وعبد مملوك أحسن عبادة ربه ، ونصح لسيده ، وعفيف متعفف ذو عيال . . .) رواه الترمذي
ومنها : أن باب الشهداء في الجنة هو أحسن الدور وأفضلها، عن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "(رأيت الليلة رجلين أتياني فصعدا بي الشجرة فأدخلاني دارًا هي أحسن وأفضل لم أرَ قط أحسن منها قالا لي: أما هذه فدار الشهداء) .أخرجه البخاري
والحق أن الشهيد في أعلى الدرجات في الجنة بل أنه في الفردوس الأعلى منها، فعن أم حارثة أنها أتت النبي فقالت: يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة – وكان قتل يوم بدر أصابه سهم غَرب – فإن كان في الجنة صبرت – وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء، قال: ( يا أم حارثة ، إنها جنان في الجنة وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى ) أخرجه البخاري
وقد قدم الله تعالى الشهيد على الصالحين في محكم التنزيل في قول الله تعالى: ﴿فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا﴾ سورة النساء:69، وهو وحده من أهل الجنة الذي يحب أن يرجع إلى الدنيا كما في حديث أنس -رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: (ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا، وأن له ما على الأرض من شيء إلا الشهيد؛ فإنه يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة) ، وفي رواية: (لما يرى من فضل الشهادة) أخرجه البخاري ومسلم.
كما أن الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته : عن أم الدرداء قالت : سمعت أبا الدرداء يقول : قال رسول الله: ” يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته ” وتقدم حديث المقدام بن معدي كرب، وفيه أن ” الشهيد يشفع في سبعين من أهله “رواه البيهقي.
فهنيئاً لكم يا أهل غزة هاشم مرقد هاشم بن عبد مناف جدّ النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومولد الإمام الشافعي المُطلِبّي رضي الله عنه، وهنيئاً لكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عنكم :( خير الرباط رباط عسقلان) ، وعسقلان المذكورة في الحديث هي غزة اليوم ، وهي من ضمن الأرض التي بارك الله حولها، قال الامام النووي رحمه الله تعالى المشهور الذي عليه الجمهور أن الامام الشافعي المُطلِبّي ولد في غزة وقيل بعسقلان وهما من الأراضي المقدسة التي بارك الله فيها فإنها على نحو مرحلتين من بيت المقدس، قال صلى الله عليه وسلم : ( وإن أفضل جهادكم الرباط وأفضل رباطكم عسقلان) رواه الهيثمي والطبراني.
فتقبل الله رباطكم وثباتكم ورحم الله شهداءكم ، اللهم داو جرحاهم وارفع الظلم والعدوان عنهم ، ولنُكثر ـ معاشر المسلمين ـ من قول: ( لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم) رَوَاه الْبُخَارِيّ .
واعلموا أن هذا الدعاء نناجي به الله تعالى في اسمه العظيم تذللاً لعظمة الله ، والحليم رجاءً لحِلم الله وربّ السموات والأرض رب العرش العظيم يقيناً بأن الأمر كله بيد الله وأكثروا عند تكالب الأعداء علينا من قول ( حسبنا الله ونعم الوكيل)، لأن الله تعالى قال: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾آل عمران:173،174

Читать полностью…

خطب ومحاضرات مكتوبة وغير مكتوبة

وَإِنَّ مِن أَكبَرِ الخَسَارَةِ وَأَعظَمِ الغَبنِ أَن يَكُونَ البَلَاءُ سَبَبًا لِانتِكَاسَةِ الإِنسَانِ عَن إِيمَانِهِ، وَسُوءِ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ، فَيَخسَرَ دِينَهُ كَمَا خَسِرَ دُنيَاهُ، وَالمُسلِمُ العَاقِلُ يَستَثمِرُ المُصِيبَةَ بِالصَّبرِ، فَيَنتَفِعُ بِهَا فِي تَكفِيرِ سَيِّئَاتِهِ، وَرِفعَةِ دَرَجَاتِهِ. يَقُولُ ربُّنا سُبحَانَه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصبِرُوا ‌وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ}.
عبادَ اللهِ : صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعَالَمِين، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّم عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ. اللَّهُمَّ ارزُقنَا الشُّكرَ عِندَ النِّعمَةِ، وَالصَّبرَ عِندَ المُصِيبَةِ، وَزِدنَا إِيمَانًا وَيَقِينًا، وَرِضًا وَتَسلِيمًا . اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ مِنَ الخَيرِ كُلِّهِ، عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِن الشَّرِّ كُلِّهِ، عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنهُ وَمَا لَمْ نَعلَمْ، وَنَسأَلُكَ الجَنَّةَ وَمَا يُقَرّبُنَا إِلَيهَا مِن قَولٍ وَعَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِن النَّارِ وَمَا يُقرّبُنَا إِلَيهَا مِن قَولٍ وَعَمَلٍ. اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلبِرِّ وَالتَّقوَى. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
اللهُمَّ نَجِّ المستضعفين من المؤمنين ، اللهُمَّ احفظْ إخوتَنا في فلسطينَ وفي السودانَ وفي ليبيا ، اللهم اجبُرْ مُصَابَهم ، واشف مرضاهم ، واحفظهم بحفظِك يا عزيزُ يا رحيمُ يا حفيظُ .
اللهم عليك باليهودِ فإنهم لا يُعْجِزونك ، اللهم عليك باليهودِ فإنهم لا يُعْجِزُونك .
عِبَادَ اللَّهِ: اذكُرُوا اللَّهَ العَظِيمَ يَذكُرْكُم، وَاشكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُم، وَلَذِكرُ اللَّهِ أَكبَرُ، وَاَللَّهُ يَعلَمُ مَا تَصنَعُونَ.

Читать полностью…

خطب ومحاضرات مكتوبة وغير مكتوبة

الصبرُ
الخطبةُ الأولى
الحَمدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ الدُّنيَا دَارَ ابتِلَاءٍ وَامتِحَانٍ، وَأَعَدَّ لِلصَّابِرِينَ فِيهَا أَعَالِيَ الجِنَانِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى إِمَامِ الصَّابِرِينَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ، أَمّا بَعدُ: فَاتّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ حَقَّ التَّقوَى، وَرَاقِبُوهُ فِي السِّرِّ وَالنّجْوَى، {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُسلِمُونَ} . أَيُّهَا المُسلِمُونَ : خَلَقَ اللهُ هذِهِ الدُّنيا لِلابتِلاءِ، وَجَعَلَ فِيهَا مِنَ الـمَصَاعِبِ والشَّدائِدِ مَا يُـحقّقُ هذه الحِكمَة، فَخَلَقَ الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ، وَأَخبَرَنَا أَنَّهُ سَيَبْتَلِينَا بِالمَصَائِبِ وَالأَحزَانِ، لِيَختَبِرَ إِيمَانَنَا وَيَبلُوَ صَبرَنَا، قَالَ تَعَالَى: {‌وَلَنَبلُوَنَّكُم حَتَّى نَعلَمَ المُجَاهِدِينَ مِنكُم وَالصَّابِرِينَ وَنَبلُوَ أَخبَارَكُم}. وهذَا الأَمرُ عامٌّ للبَشَر، لَم يُسْتثنَ مِنهُ أحدٌ حتى الأَنبِيَاءُ عَلَيهِمُ السَّلَامُ، بل كانَ بَلاؤُهُم على قَدرِ إِيمانِهِم، فأحسَنُوا في صَبرِهِم ورِضاهُم عن رَبِّهم، قَالَ تَعَالَى: {وَإِسمَاعِيلَ وَإِدرِيسَ وَذَا الكِفلِ كُلٌّ ‌مِنَ ‌الصَّابِرِينَ}، وَقَالَ إِسمَاعِيلُ عَلَيهِ السَّلَامُ: {يَاأَبَتِ افْعَلْ ‌مَا ‌تُؤمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}، وَقَالَ يَعقُوبُ عَلَيهِ السَّلَامُ: {‌فَصَبرٌ جَمِيلٌ}، وقَالَ سُبحانَه عن أيُّوبَ عَلَيهِ السَّلَامُ: {إِنَّا ‌وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}.
فحقٌّ عَلى الـمُؤمِنِ الاقتِداءُ بِالأَنبِيَاءِ عَلَيهِم السَّلَامُ، فمتَى نَزَلَت بِهِ مُصِيبَةٌ صَبرَ ورضيَ بتقديرِ الله، واحتَسَب الأجرَ عِندَهُ سُبحانَه.
قَالَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ: ((الصَّبرُ وَاجِبٌ بِإِجمَاعِ الأُمَّةِ، وَهُوَ نِصفُ الإِيمَانِ، فَإِنَّ الإِيمَانَ نِصفَانِ: نِصفٌ صَبرٌ وَنِصفٌ شُكرٌ. وَالصَّبرُ مِن الإِيمَانِ بِمَنزِلَةِ الرَّأسِ مِن الجَسَدِ، وَلَا إِيمَانَ لِمَن لَا صَبرَ لَهُ، كَمَا أَنَّهُ لَا جَسَدَ لِمَن لَا رَأسَ لَهُ)).
أَخِي الـمُسلِم: اعلَم أَنَّ الصَّبرَ فِي حَقِيقَتِهِ حُسنُ أَدَبٍ مَعَ اللَّهِ جَلّ جَلَالُهُ، فَهُوَ سُبحَانَهُ الحَكِيمُ فِي قَضَائِهِ، العَلِيمُ بِعِبَادِهِ، العَزِيزُ فِي مُلكِهِ، الرَّحِيمُ بِخَلقِهِ.
وليَكُنِ البَاعِثُ لَكَ عَلَى الصَّبرِ مَحَبَّةَ اللَّهِ وَإِرَادَةَ وَجهِهِ وَالتَّقَرُّبِ إِلَيهِ، لَا إِظهَارَ قُوَّةِ النَّفسِ، وَطَلَبَ مَدحِ الخَلقِ وَثَنَائِهِم.
وَلْيَكُن صَبرُكَ جَمِيلًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَاصْبِرْ ‌صَبرًا ‌جَمِيلًا}، وَالصَّبرُ الجَمِيلُ هُوَ الَّذِي لَا جَزعَ فِيهِ وَلَا شَكوَى لِغَيرِ اللَّهِ، فَالشَّكوَى لِغَيرِ اللَّهِ ضَعفٌ فِي العَقلِ وَذُلٌّ فِي الطَّبعِ، رَأَى بَعضُهُم رَجُلًا يَشكُو إِلَى آخَرَ فَاقَةً وَضَرُورَةً، فَقَالَ: يَا هَذَا، تَشكُو مَن يَرحَمُكَ إِلَى مَن لَا يَرحَمُكَ؟ ثُمَّ أَنشَدَهُ:
وَإِذَا عَرَتكَ بَلِيَّةٌ فَاصبِر لَهَا
صَبرَ الكَرِيمِ فَإِنَّهُ بِكَ أَعلَمُ
وَإِذَا شَكَوتَ إِلَى ابنِ آدَمَ إِنَّمَا
تَشكُو الرَّحِيمَ إِلَى الَّذِي لَا يَرحَمُ
عِبَادَ اللَّهِ : ثَمّةَ أُمُورٌ تُعِينُ عَلَى الصَّبرِ عَلَى أَقدَارِ اللَّهِ المُؤلِمَةِ، فَمِنهَا :
أَوَّلًا: دُعَاءُ اللَّهِ وَالِاستِعَانَةُ بِهِ، فَلَا قُدرَةَ لَكَ عَلَى الصَّبرِ إِلَّا بِمَعُونَةِ اللَّهِ، قَالَ تَعَالَى: {وَاصبِر ‌وَمَا ‌صَبرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ}، فَاسْأَلِ اللَّهَ أَن يُعِينَكَ عَلَى الصَّبرِ، وَاعلَمْ أَنَّ أَعظَمَ مَا يُقَالُ فِي هَذَا المَوطِنِ : «إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أْجُرنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخلِف لِي خَيرًا مِنهَا»، قَالَ تَعَالَى: ‌{وَلَنَبلُوَنَّكُم بِشَيءٍ مِنَ الخَوفِ وَالجُوعِ وَنَقصٍ مِنَ الأَموَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتهُم مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيهِم صَلَوَاتٌ مِن رَبِّهِم وَرَحمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ المُهتَدُونَ}. وَاستَمِعْ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا وَهِيَ تَحكِي قِصّتَهَا مَعَ هَذَا الدُّعَاءِ، قَالَت: سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «مَا مِن عَبدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُونَ . اللَّهُمَّ أْجُرنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخلِف لِي خَيرًا مِنهَا إِلَّا أَجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ وَأَخلَفَ لَهُ خَيرًا مِنهَا». قَالَت: فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ قُلتُ كَمَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَأَخلَفَ اللَّهُ لِي خَيرًا مِنهُ، رَسُولَ اللَّهِ ﷺ .

Читать полностью…

خطب ومحاضرات مكتوبة وغير مكتوبة

وفي صحيحِ مسلمٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَخَرَجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَسْجِدِ، فصلَّى بالناس، وَانْجَلَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ، ثُمَّ قَامَ، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لا يَخْسفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَافْزَعُوا لِلصَّلاةِ»، وَفي رواية: «فَصَلُّوا حَتَّى يُفَرِّجَ اللَّهُ عَنْكُمْ».
ومن الأسبابِ أيضًا لرفعِ البلاءِ قيامُ الليلِ؛ فعن بِلالٍ رضيَ اللهُ عنه، أَنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ قال: «عليكُمْ بِقيامِ اللَّيْلِ؛ فإِنَّـهُ دَأبُ الصَّالِحينَ قَبلكُم، وإِنَّ قِيامَ اللَّيلِ قُربَةٌ إلى اللهِ، ومَنْهاةٌ عنِ الإِثْمِ، وتكفِيرٌ للسَّيِّئاتِ، ومَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عنِ الجَسَدِ»؛ رواه الترمذيُّ وهو حديثٌ حسنٌ.
أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستغفِروه، إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتِنانه، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنِه، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانه . أَمَّا بَعْدُ:
أيها المسلمون : ومن الأسبابِ والأعمالِ اليسيرةِ لرفعِ البلاءِ التوبةُ إلى اللهِ تعالى، وكثْرةُ الاستغفارِ؛ كما قال اللهُ تعالى: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾ نوح 10- 12، وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ الأنفال 33.
وعن أبي موسى الأشعريِّ رضي اللهُ عنه قال: أمانانِ كانا على عهدِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلم رُفع أحدهما، وبقي الآخر: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾؛ رواه أحمدُ وهو أثرٌ صحيحٌ .
ومنها أيضًا كثرةُ الصَّلاةِ والسَّلَامِ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ؛ فعن أُبَيِّ بن كعبٍ رضيَ اللهُ عنه قال: قُلْتُ: يَا رسولَ اللهِ، إنِّي أُكْثِرُ الصَّلاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاتِي؟ فَقَالَ: «مَا شِئْتَ»، قُلْتُ: الرُّبُعَ، قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» قُلْتُ: فَالنِّصْفَ؟ قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ»، قُلْتُ: فالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» قُلْتُ: أجعَلُ لَكَ صَلاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: «إذًا تُكْفى هَمَّكَ، وَيُغْفَر لَكَ ذَنْبُكَ»؛ رواه الترمذيُّ وهو حديثٌ حسنٌ .
ومن الأعمالِ التي ترفعُ البلاءَ عن الأموالِ والأبدانِ؛ صنائعُ المعروفِ؛ فعَنْ أَنسٍ رضيَ اللهُ عنه قالَ: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «صنائعُ المعرُوفِ تقي مَصارِعَ السُّوءِ، والآفاتِ، والهَلَكَاتِ، وأَهْلُ المعرُوفِ في الدُّنيا هُمْ أَهلُ المعرُوفِ في الآخِرَةِ» رواه الحاكمُ وهو حديث صحيحٌ .
وصنائعُ المعروفِ هي الإحسانُ إلى عبادِ اللهِ بعملِ المعروفِ، ولها صُوَرٌ كثيرةٌ منها: القَرْضُ الحَسَنُ أو البِرُّ أو الهديةُ أو الصَدَقَةُ أو إعانةٌ على قضاءِ حاجَةٍ أو غيرُ ذلك من وجوهِ الإحسانِ المتنوِّعَةِ، قالَ اللهُ تعالى: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾ الرحمن 60، وقال تعالى: ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ الأعراف 56.
ومن الأعمالِ التي ترفعُ البلاءَ الصَّدَقَةُ ؛ فإنها تُطفئُ غَضَبَ الرَّبِ، ففي سنن الترمذيِّ من حديث معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصدقةُ تُطفِئ الخطيئة كما يُطفِئ الماءُ النارَ» حديث صحيح .
قال ابن القيِّمِ رحمه اللهُ : للصدقةِ تأثيرٌ عجيبٌ في دفعِ أنواعِ البلاءِ، ولو كانتْ من فاجِرٍ أو ظالمٍ؛ بل مِن كافرٍ، فإنَّ اللهَ تعالى يدفَعُ بها عنه أنواعًا من البلاءِ، وهذا أمرٌ معلومٌ عندَ الناسِ خاصَّتِهم وعامَّتِهم، وأهلُ الأرضِ كلُّهم مُقِرُّون به؛ لأنهم قد جرَّبوه . انتهى كلامُه .
عبادَ اللهِ : صلُّوا وسلِّموا على خيرِ خلقِ اللهِ؛ محمَّدٍ بنِ عبدِالله، اللهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمَّدٍ، وارضَ اللهم عن خُلفائِه الأربعةِ أبي بكرٍ وعُمرَ وعُثمانَ وعليٍّ، وعن آلِه الطيبين الطاهرين، وعن سائرِ صحابةِ نبيِّك أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوِك وجُودِك وكرمِك يا أرحمَ الراحمين.

Читать полностью…

خطب ومحاضرات مكتوبة وغير مكتوبة

أسبابُ رفعِ البلاءِ
الخطبة الأولى
إن الحمد لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه أجمعين . أما بعدُ: عبادَ اللهِ، اتَّقُوا اللهَ تعالى، ولا تَمُوتُنَّ إلا وأنتم مسلمون، واعلموا أنَّ تقوى اللهِ تعالى لا تَتِمُّ للعبدِ إلا بالأخذِ بمكارِمِ هذه الشَّريعةِ وفضائلِها علمًا، وامتثالِها في الحياةِ واقعاً وعَمَلاً. أيُّها المسلمون ؛ إنَّ اللهَ تعالى جعلَ هذه الدنيا دارَ ابتلاءٍ واختبارٍ، وإنَّ ما فيها من خيرٍ وشرٍّ، ويسرٍ وعسرٍ، وفَرَحٍ وحُزْنٍ، ورخاءٍ وشِدَّةٍ؛ إنما هو محضُ تمحيصٍ واختبارٍ من اللهِ تعالى لعبادِه؛ كما قالَ اللهُ تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ البقرة 155 ، ومِن فضلِ اللهِ تعالى ورحمتِه بعبادِه أنْ يُيَسِّر لهم عباداتٍ وأسبابًا ترفَعُ ذلك البلاءَ قبل وقوعِه وبعد وقوعِه.
إنَّ أعظمَ أسبابِ رفعِ البلاءِ هو الدعاءُ والتضرُّعُ إلى اللهِ تعالى؛ فإنَّ الابتلاءاتِ إذا نَزَلَتْ فلا يرفَعُها إلا الذي أَنْزَلَها؛ قالَ اللهُ تعالىَ: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ البقرة 186، وقالَ اللهُ تعالى: ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ الأنعام: 43، وقالَ تعالَى: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ الأنعام: 17، وقال تعالى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ الأعراف: 55، 56، وقالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «وإنَّ البلاءَ لَيَنْزِلُ فيتلقَّاه الدعاءُ فَيَعْتَلِجَانِ إلى يومِ القيامةِ»؛ رواه الحاكمُ وهو حديثٌ حَسَنٌ .
ومنه الدُّعَاءُ في أوقاتِ الرَّخَاءِ، فعن أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالكَرْبِ فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ»؛ رواه الترمذي والحاكم وهو حديثٌ حَسَنٌ .
ومن أعظمِ أدعيةِ الكَرْبِ دَعْوَةُ ذي النُّونِ يونُسَ عليه السلامُ وهو في بطنِ الحُوْتِ، فعَنْ سَعْدِ بنِ أبي وقَّاصٍ رضيَ اللهُ عنه قالَ: قالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: «دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا بها وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ»؛ رواه أحمدُ والترمذيُّ وهو حديثٌ صحيحٌ . وهذا الدُّعاءُ وَرَدَ في قولِ اللهِ تعالى: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ الأنبياء 87 .
‏ومن الأدعيةِ النبويَّةِ أيضًا ما وردَ في الصحيحين عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما أَنَّ النبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ».
وعن أَبِي بَكْرَةَ رضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ»؛ رواه أحمدُ وأبو داودَ وهو حديثٌ حسنٌ .
‏ومن الأدعيةِ النَّبَوِيَّةِ المهمَّةِ دعاءٌ عظيمٌ وَرَدَتْ به السُّنَّةُ ، فإذا تراكَمَتْ عليك الهمومُ والأحزانُ؛ فعليكَ برفعِ يديكَ إلى السماءِ، واطْلُبْ من ربِّك، وأَلِحَّ عليه بالدعاءِ، وتوسَّلْ إليه بأسمائه الحسنى؛ فعَنْ ابنِ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلا حَزَنٌ فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ،

Читать полностью…

خطب ومحاضرات مكتوبة وغير مكتوبة

نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَرْزُقَنَا تَحْقِيْقَ هَذِهِ الأُخُوُّةِ الإِيْمَانِيَّةِ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِمَّنْ يُوَالُوْنَ إِخْوَانِهِمْ فِي الدِّينِ، ويَنْصُـرُونَهُمْ فِي كُلِّ مَكَانٍ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِيْ وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيْهِ مِنْ اَلْآَيَاتِ وَاَلْذِّكْرِ اَلْحَكِيْمِ، أَقُوْلُ قَوْلِيْ هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اَلْلهَ اَلْعَظِيْمَ لِيْ وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُوْرُ اَلْرَّحِيْمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، والشّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لَشَأْنِهِ، وأشهدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ وسَلّم تَسْلِيمًا كثيرًا. أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ، ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ مِنْ حُقُوقِ الأُخُوَّةِ فِي الدِّيْنِ وَلَوَازِمِهَا: أَنْ يَتَرَاحَمَ المسْلِمُوْنَ فِيْمَا بَيْنَهُمْ، وأَنْ يَنْصُـرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وأَنْ يُحِبَّ بَعضُهُم بَعضًا، فيَفرَحَ كُلٌّ مِنهُم لِفَرَحِ إِخوَانِهِ، وَيَحزَنَ لِحُزْنِهِم، ويَتَأَلَّمُ لِمُصَابِهِمْ، وَيَسُوؤُهُ مَا يَسُوؤُهُم؛ تَحْقِيقًا لِأَمْرِ رَسُولُنَا ﷺ فِيْ قَوْلِهِ:(الـمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ بيْنَ أَصَابِعِهِ )، وقَوْلِهِ: (الْـمُسْلِمُ أَخُو الـمُسْلِمِ، لا يَظلِمُه، ولا يُسْلِمُهُ، ومَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، ومَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسلمٍ كُرْبةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بها كُرْبةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ الْقِيامَةِ).
وَمِنْ هَذَا الشُّعُوْرِ الإِيْمَانِيِّ العَظِيْمِ اِنْطَلَقَتْ الحَمْلَةُ الشَعْبِيَّةُ المُبَارَكَةٌ لِلْوُقُوفِ مَعَ الشَّعْبِ الفِلسْطِيْنِيِّ الشَّقِيْقِ فِيْ قِطَاعِ غَزَّةَ، وَذَلِكَ عَبْرَ مِنَصَّةِ "سَاهِمَ"، وإنَّ مِنْ حَقِّ إِخْوَانِنَا فِيْ العَقِيْدِةِ والدِّيْنِ أَنْ نَشْعُرَ بِمُصَابِهِمْ، وأَنْ نَقِفَ مَعَهُمْ فِي كُرْبَتِهِمِ، وأَنْ نَدْعُوَ لَهُمْ فِي الخَلَوَاتِ والجَلَوَاتِ، وأَنْ نُقَدِّمَ لَهُمْ مَا يِمْكِنُ مِنْ اَلْمُسَاعَدَاتِ اَلطِّبِّيَّةِ وَالْإِغَاثِيَّةِ، والوُقُوْفِ مَعَ الشَّعْبِ الفلَسْطِيْنِيْ الشَّقِيْقِ، وَالسَّعْيِ فِيْ رَفْعِ الظُّلْمِ عَنْهُمْ، وَتقْدِيْمِ المُسَاعَدَاتِ الكَثِيْرِةِ لَهُمْ، فَاحْتَسِبُوا اَلْأَجْرَ فِي إِغَاثَةِ إِخْوَانِكُمْ؛ ف ﴿مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾، ﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾، و (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ)، و(مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ)، (واللَّه فِي عَوْنِ العبْدِ مَا كانَ العبْدُ في عَوْن أَخيهِ)، (ومَا مِنْ امْرِئٍ يَنْصُـرُ مُسْلِماً في مَوْضعِ يُنْتَقَصُ فِيْه مِن عِرْضِهِ، ويُنْتَهَكُ فيهِ مِن حُرْمَتِه إلَّا نَصَـرَهُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيْه نُصْرَتَه). 
هَذَا وصَلُّوُا وسَلِّمُوُا عَلَى المبْعُوْثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِيْنَ، كَمَا قَالَ رَبُّكُمْ فِيْ كِتَابِهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ...﴾.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ ورَسُوْلِكَ مُحمَّدٍ، وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ، وارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وصَحَابَتِهِ والتَّابِعِيْنَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ. 
اللَّهُمْ أعِزَّ الإسْلَامَ والمُسْلِمِيْنَ، وأَذِلَّ الشِّـرْكَ والمُشْـرِكِيْنَ، ودَمِّرْ أَعْدَاءَ الدِّيْنِ، واجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا رَخَاءً وسَائِرَ بِلَادِ المسْلِمِيْنَ.. اللَّهُمْ مَنْ أَرَادَ بِالإِسْلِامِ والمُسْلِمِيْنَ سُوْءٍ فَأَشْغِلْهُ فِي نَفْسِهِ، وَرُدَّ كَيْدَهُ فِيْ نَحْرِهِ، واجْعَلْ دَائِرَةَ السَّوْءِ عَلَيْهِ يَا رَبَّ العَالمِيْنَ.

Читать полностью…

خطب ومحاضرات مكتوبة وغير مكتوبة

السُّبُلِ التي تصرفُ عن الحقِّ ، فقال سبحانه : ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ ، وإنما يكونُ اتباعُ صراطِ اللهِ المستقيمِ بالاعتصامِ بكتابِ اللهِ عز وجل وسنَّةِ رسولِه صلى الله عليه وسلم .
والاعتصامُ بكتابِ اللهِ عز وجل وسنَّةِ رسولِه صلى الله عليه وسلم هو سبيلُ إرضاءِ اللهِ وأساسُ اجتماعِ الكلمةِ ، ووحدةِ الصفِّ ، والوقايةِ من الشرورِ والفتنِ ، قال تعالى : ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ .
فعُلِمَ من هذا : أنَّ كلَّ ما يُؤَثِّرُ على وحدةِ الصفِّ حولَ ولاةِ أمورِ المسلمين من بَثِّ شُبَهٍ وأفكارٍ ، أو تأسيسِ جماعاتٍ ذاتَ بيعةٍ وتنظيمٍ ، أو غير ذلك ، فهو محرَّمٌ بدلالةِ الكتابِ والسنةِ
أيها المسلمون ، ونحنُ في هذه البلادِ نحمدُ اللهَ على ما أنعمَ اللهُ به علينا من نعمةِ الأمنِ والاجتماعِ ، نسألُ اللهَ أنْ يباركَ في هذا البلادِ وأن يحفظَ وليَّ أمرِنا خادمَ الحرمين الشريفين ووليَّ عهدِه ، وأنْ يزيدَنا من الخيرِ ولا ينْقصَنا .
أيها المسلمون ، صلُّوا وسلِّموا على رسولِ اللهِ ، فإنَّ اللهَ أمركم بذلك ، كما قال سبحانه : ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ ، وقال  : «مَنْ صَلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى اللهُ عليه بها عشْرا» .
اللهم صلِّ وسلِّمْ وباركْ على نبيِّك محمَّدٍ ، وارضَ اللهم عن زوجاتِه أمهاتِ المؤمنين ، وعن صحابتِه أجمعين ، اللهم عليك بمن انتقصَ أو سبَّ أو استهزأَ برسولِك  ، اللهم ارزقنا اتباعَ سنَّةِ نبيِّك محمدٍ  ، وشفاعتَه ، والورودَ على حوضِه ، اللهم احشرنا في زمرتِه وزمرةِ أصحابه  ، اللهم ارزقنا محبَّتَه وطاعتَه  .
اللهم إنا نعوذُ بك من فتنةِ النارِ وعذابِ النارِ ، وفتنةِ القبرِ ، وعذابِ القبرِ ، وشرِّ فتنةِ الغِنى ، وشرِّ فتنةِ الفقرِ ، اللهم إنا نعوذُ بك من شرِّ فتنةِ المسيحِ الدجالِ ، اللهم اغسل قلوبَنا بماءِ الثلجِ والبردِ ، ونقِّ قلوبَنا من الخطايا كما نقيتَ الثوبَ الأبيضَ من الدنسِ ، وباعدْ بيننا وبين خطايانا كما باعدت بين المشرقِ والمغربِ ، اللهم إنا نعوذُ بك من الكسلِ والمأثمِ والمغرمِ .
اللهم إنا نعوذُ بك من العَجْزِ والكسلِ ، والجبنِ والهرمِ والبخلِ ، ونعوذ بك من عذابِ القبرِ ، ومن فتنة المحيا والمماتِ .
اللهم إنا نعوذُ بك من جهدِ البلاءِ ، ودَرَكِ الشقاءِ ، وسوءِ القضاءِ ، وشماتةِ الأعداءِ ، اللهم إنا نسألك الهدى ، والتقى ، والعفافَ ، والغنى .
اللهم أصلحْ لنا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرنا ، وأصلحْ لنا دنيانا التي فيها معاشُنا ، وأصلح لنا آخرتنَا التي فيها معادُنا ، واجعلْ الحياةَ زيادةً لنا في كلِّ خيرٍ ، واجعلْ الموتَ راحةً لنا من كلِّ شَرٍّ .
اللهم أصلحْ ولاةَ أمرِنا ، اللهم أعزَّ بالإسلامِ خادمَ الحرمين ووليَّ عهدِه ، وأعزَّ الاسلامَ بهم ، اللهم وفقهم لكلِّ ما فيه خيرُ البلادِ والعبادِ .
اللهم احفظْ بلادَنا وبلادَ المسلمين ، اللهم أدمْ علينا نعمةَ الأمنِ ، اللهم افتحْ لنا في أرزاقِنا وأقواتِنا ، اللهم احفظْنا بحفظِك ، اللهم ردَّ كيدَ أعدائِنا .
اللهم من أرادنا بسوءٍ فاجعلْ كيدَه في نحرِه .
سبحان ربِّك ربِّ العزَّةِ عما يصفون ، وسلامٌ على المرسلين ، والحمدُ لله رب العالمين .

Читать полностью…

خطب ومحاضرات مكتوبة وغير مكتوبة

والإسرافُ إضاعةٌ للمالِ، وتخوُّضٌ فيه بغيرِ حقٍّ، قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : «إنَّ رجالاً يتخوَّضُون في مالِ اللهِ بغيرِ حقٍّ، فلهُمُ النَّارُ يومَ القيامةِ» رواه البخاري ، وهذا كما قالَ اللهُ تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ﴾.
عبادَ اللهِ، إنَّ الإسرافَ سببٌ من أسبابِ الضَّلالِ في الدِّينِ والدنيا، وعَدَمِ الهِدايةِ لمصالحِ الـمَعاشِ والمعادِ، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾ ، وقال سبحانه: ﴿أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ﴾، وقال سبحانه: ﴿كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ .
أيها المؤمنون ، إنَّ من عقوبةِ اللهِ تعالى للمسرفين أنْ جَعَلَهم إخواناً للشياطينِ، فقال سبحانه: ﴿وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً﴾.
فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ، وذروا ظاهرَ الإثمِ وباطنَه، واعلَموا أنَّ الإسرافَ يشمَلُ جميعَ التَّعَدِّيَّاتِ التي يتجاوزُ بها العبدُ أمرَ اللهِ وشرعَه، سواءٌ كان ذلك في الإنفاقِ أو في غيرِه، فتوبُوا عبادَ اللهِ من الإسرافِ كلِّه، فإنَّ اللهَ دعاكم إلى ذلك، فقال: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ﴾.
فاتَّقِ اللهَ يا عبدَ اللهِ، وتُبْ إلى اللهِ من التَّفريطِ والتَّقصيرِ، وأَعِدَّ للسُّؤالِ جواباً، فإنَّ اللهَ سائِلُك عن هذا المالِ: من أينَ اكتسبتَه؟ ، وفيمَ أنفقتَه؟ .
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ .
اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وباركْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمّدٍ، وعلى آلهِ الطاهرينَ وصحابتِه الميامينَ وأزواجِهِ أمّهاتِ المؤمنينَ ومنْ تبعهمْ بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ، وسلّمْ تسليمًا كثيرًا.
اللهمّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأذلَّ الشّركَ والمشركينَ، ودمرْ أعداءَ الدينِ، واجعلْ هذا البلدَ آمناً مطمئناً وسائرَ بلادِ المسلمينَ. اللهمَّ آمنَّا في أوطانِنَا، وأصلحْ أئمتَنَا وولاةَ أمورِنَا، اللهمَّ وفقْ وليَ أمرِنَا خادمَ الحرمينِ الشريفينِ لما تحبُّ وترضَى، وخذْ بناصيتِه للبرِّ والتقوَى، اللهم وفِّقه ووليَّ العهد لما فيه صلاح البلاد والعباد.
اللهمَّ مَنْ أرادَنَا وأرادَ بلادَنَا بسوءٍ فرُدَّ كيدَه في نحرِهِ، واجعلْ تدبيرَهُ دمارًا عليه، اللهم
اللهُمَّ احفظْ جميعَ إخوَانِنَا المُسلِمينَ ، اللهُمَّ فرِّجْ همَّهُم، واكْشِفْ كَرْبَهُم، وأصْلِحْ أحوَالَ عِبَادِكَ المؤمنينَ في كُلِّ مكانٍ يا ربَّ العالمين. اللهم إنا نعوذُ بك من الغلاءِ والوباءِ والربا والزنا والزلازلِ والمحنِ وسوءِ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطنَ ، اللهُمَّ إنا نعوذُ بك من زوالِ نعمتِك، وتحوُّلِ عافيتِك، وفجاءةِ نقمتِك، وجميعِ سخطِك، اللهُمَّ يا حَيُّ يا قَيُّوم؛ اجْعَلْنَا في ضَمَانِكَ وأمَانِكَ وإحْسَانِكَ يا أرحمَ الراحمين. ربَّنَا آتِنَا في الدنْيَا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقِنَا عذابَ النَّارِ ، سبحانَ ربِّك ربِّ العزة عمّا يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.

Читать полностью…

خطب ومحاضرات مكتوبة وغير مكتوبة

الإسرافُ والتَّبْذير
الخطبة الأولى
إن الحمد لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أما بعدُ: عبادَ اللهِ، اتقوا اللهَ تعالى، ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون، واعلموا أنَّ تقوى اللهِ تعالى لا تَتِمُّ للعبدِ إلا بالأخذِ بمكارِمِ هذه الشَّريعةِ وفضائلِها علمًا، وامتثالِها في الحياةِ واقعاً وعَمَلاً.
أيها المؤمنون : إنَّ من فضلِ اللهِ تعالى علينا أن شرَعَ لنا ديناً قيماً، وجعلنا بينَ الأُممِ أمَّةً وَسَطاً، وَسَطاً في الأحكامِ والشرائعِ، ووَسَطاً في الآدابِ والفضائلِ، فالحمدُ للهِ على ذلك كثيراً كثيراً، وشكرا ًله بكرةً وأصيلاً.
أيها المؤمنون : إنَّ من معالمِ تلك الوسطيةِ المباركةِ ما ذَكَره اللهُ تعالى في كتابِه عند ذكرِ صفاتِ أحبابِه، والخُلَّصِ من عبادِه، قال تبارك وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً﴾ ؛ أي: كانُوا في نفقاتِهم الواجبةِ والمستحبةِ على العدلِ والوسَطِ، لا وكْسَ ولا شطَطَ . فعِبادُ الرحمنِ هُمُ الحكماءُ العدولُ في نفقاتِهم، لا يتجاوزون ما حدَّه اللهُ وشرعَه، ولا يُقَصِّرون عما أمَرَ به وفرضَه.
أيها المؤمنونَ : إنَّ الناظِرَ في أحوالِ كثيرٍ من الناسِ اليومَ يرى ويشهدُ غيابَ هذه الخَصْلةِ عن جوانبَ عديدةٍ من حياةِ الناسِ، فكمْ همُ الذين تورَّطوا في الإسرافِ والتبذيرِ في جميعِ الشؤونِ والأمورِ، إسرافٌ في المآكلِ والمشاربِ، إسرافٌ في الملابسِ والمراكبِ، إسرافٌ في الشهواتِ والملذَّاتِ.
أيها المؤمنونَ : إنَّ اللهَ -جلَّ وعلا- قدْ نَهى عن الإسرافِ والتبذيرِ في آياتٍ كثيرةٍ، فقالَ تعالى: ﴿وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾، وقالَ جلَّ ذكرُه: ﴿وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً}، وقال سبحانه: ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً}، وقال تعالى: ﴿وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ}.
وقد نهى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن الإسرافِ في الأمرِ كُلِّه، فنهى عن الإسرافِ في المآكلِ والمشاربِ والألبسةِ، بل ونهى عن الإسرافِ في الصَّدَقاتِ، فقال صلَّى الله عليه وسلم في حديثِ عمروِ بنِ شُعيبٍ عن أبيه عن جَدِّه: «كُلوا واشربُوا وتَصدَّقوا والبسُوا منْ غيرِ سَرَفٍ ولا مَخِيلةٍ»، وقد نهى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن الإسرافِ في الوضوءِ، ففي النسائيِّ وابنِ ماجَه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم توضَّأ ثلاثاً ثلاثاً، ثم قال: «هكذا الوضوءُ، فمن زادَ عن هذا فَقَدْ أساءَ وتعدَّى وظَلَمَ»، قالَ الإمامُ البخاريُّ رحمَه اللهُ: ((كَرِه أهلُ العلمِ الإسرافَ –فيه- ؛أي: في الوضوءِ–وأنْ يجاوِزُوا فعلَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ)) .
عبادَ اللهِ؛ إنَّ اللهَ -جلَّ وعلا- أنعمَ عليكم نِعَماً عظيمةً كثيرةً، فكانَ من ذلك أنْ أغناكم بعدَ فَقْرٍ، وأطْعَمَكم بعد جُوعٍ، وهداكُم بعد ضلالةٍ، وفتحَ لكم من أبوابِ الخيرِ، وسُبُلِ الرِّزقِ، مالم يكن لكم على بالٍ، فاشكُروا اللهَ تعالى على ذلك حقَّ شُكْرِه، واعلَموا أنَّ ذلك كلَّه لا يُغنِيكم عن فضلِه ومَنِّه.
أيُها المؤمنون : إنَّ ما تُصَابُ به النفوسُ عند الغِنى وكَثْرةِ العَرَضِ ووفرةِ المالِ ؛ التجاوزُ والطغيانُ، قالَ اللهُ تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾، وصدَقَ اللهُ العظيمُ، فإنَّه لما فُتِح علينا من الدُّنيا ما فُتِحَ، وتوالَى على كثيرٍ مِنَّا النِّعَمُ ؛ اغترَّ فِئامٌ من الناسِ فطغَوْا وتجاوزُوا حدودَ اللهِ تعالى، فأسرفوا وبذَّروا وتخوَّضوا في مالِ اللهِ بغيرِ حقٍّ، فظهرَ في حياةِ الناسِ مظاهرُ الإسرافِ والتبذيرِ.
فمن هذه المظاهرِ ومن تلك المعالمِ التي تورَّط فيها كثيرٌ من الناسِ اليومَ الإسرافُ في المآكلِ والمشاربِ، فترَى من الناسِ من يجتمعُ على مائدتِه من ألوانِ الطعامِ وصُنوفِ الشرابِ ما يكفي الجماعةَ من النَّاسِ، ومع ذلك لا يأكلُ إلا القليلَ من هذا وذاك، ثم يلقي باقِيَه في الفضلاتِ والنفاياتِ. فليتَ شعري!! ، أنَسِيَ هؤلاءِ الـمُسْرِفون أم تناسَوْا أنَّ من الناسِ أُمَماً يموتون جوعاً، لا يجدون ما يسدُّون به حرارةَ جوعِهم، ولظى عَطَشِهم؟! ، أم نسِيَ هؤلاء قولَ اللهِ تعالى: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} .

Читать полностью…

خطب ومحاضرات مكتوبة وغير مكتوبة

أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾ ، ﴿وَيَوْمَ ‌نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ * ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ * انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ .
وَيُحْشَرُ أَهْلُ الْكُفْرِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ الَّذِينَ اجْتَمَعُوا عَلَى الشَّرِّ، كُلُّ وَاحِدٍ مَعَ وَلِيِّهِ؛ ﴿وَيَوْمَ ‌يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ .
وَالْحَشْرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَشْرَانِ؛ حَشْرٌ مِنَ الْقُبُورِ إِلَى الْحِسَابِ، وَحَشْرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّةِ، وَأَهْلِ النَّارِ إِلَى النَّارِ؛ ﴿يَوْمَ ‌نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا * لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾ .
وَأَهْلُ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ تَمُرُّ بِهِمْ أَحْوَالٌ فِي الْحَشْرِ تسوؤهم؛ فَفِي حَالٍ يُحْشَرُونَ بَعْدَ أَخْذِ حَوَاسِّهِمْ أَوْ بَعْضِهَا؛ فَلَا يُبْصِرُونَ وَلَا يَسْمَعُونَ وَلَا يَنْطِقُونَ، وَمَا أَشَدَّ فَقْدَ الْحَوَاسِّ فِي مَوَاضِعِ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا ‌وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا﴾ ، وَفِي آيَاتٍ أُخْرَى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ‌أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾ ، فَمَنْ عَمِيَ عَنْ هُدَى اللَّهِ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا جُوزِيَ بِالْحَشْرِ أَعْمَى؛ ﴿وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ ‌أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ ‌أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا﴾ ، يُحْشَرُونَ إِلَى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ فَمَا أَشَدَّهُ مِنْ عَذَابٍ! ﴿الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى ‌وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا﴾ ، وَقَالَ رَجُلٌ: «يَا نَبِيَّ اللَّهِ، كَيْفَ يُحْشَرُ الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: « أَلَيْسَ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى الرِّجْلَيْنِ فِي الدُّنْيَا قَادِرًا عَلَى أَنْ ‌يُمْشِيَهُ ‌عَلَى ‌وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى ‌وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ﴾ ، وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ ، فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ .
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ ﴿وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ ‌تُحْشَرُونَ﴾.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فِي الْقُرْآنِ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ تُؤَكِّدُ عَلَى حَشْرِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ لِئَلَّا يَغْفُلَ الْمُؤْمِنُ عَنْ تَذَكُّرِهِ، وَالتَّفَكُّرِ فِيهِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ لِذَلِكَ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ، وَفِي الْقُرْآنِ تَذْكِيرٌ كَثِيرٌ بِهِ، مَعَ قَرْنِ هَذَا التَّذْكِيرِ بِالْأَمْرِ بِالتَّقْوَى؛ لِأَنَّ التَّقْوَى سَبِيلُ النَّجَاةِ وَالْفَوْزِ وَالْفَلَاحِ؛ ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ ‌تُحْشَرُونَ﴾ ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ ‌تُحْشَرُونَ﴾ [الْمَائِدَةِ:96]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ

Читать полностью…

خطب ومحاضرات مكتوبة وغير مكتوبة

النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا اثْنَتَانِ فَقَدْ أُعْطِيَهُمَا، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أُعْطِيَ الثَّالِثَةَ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ والنَّسَائِيُّ وابْنُ مَاجَهْ]. وهُوَ أَحَدُ المَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَيْهَا، وَأَحَدُ الأَمَاكِنِ الَّتِي لَا يَدْخُلُ الدَّجَّالُ فِيهَا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى» [رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].
أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَلِيَّ الْعَظِيمَ، وَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ هَادِياً وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيرًا، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي خَلَقَكُمْ، وَاسْتَعِينُوا عَلَى طَاعَتِهِ بِمَا رَزَقَكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ كَمَا أَمَرَكُمْ؛ يَزِدْكُمْ مِنْ فَضْلِهِ كَمَا وَعَدَكُمْ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
إِنَّ أَرْضاً هَذَا شَأْنُهَا وَمَنْزِلَتُهَا، وَتِلْكَ فَضَائِلُهَا وَدَرَجَتُهَا: لَحَقِيقَةٌ أَنْ تُفْدَى بِالنَّفْسِ وَالنَّفِيسِ، وَأَنْ يُبْذَلَ لَهَا الْغَالِي وَالرَّخِيصُ؛ لِتُخَلَّصَ مِنْ بَرَاثِنِ الْيَهُودِ الْمُعْتَدِينَ، وَتُطَهَّرَ مِنْ دَنِسَ الصَّهَايِنَةِ الْغَاصِبِينَ، الَّذِينَ مَا بَرِحُوا يُدَنِّسُونَ الْمُقَدَّسَاتِ، وَيَنْتَهِكُونَ الْحُرُمَاتِ، وَيَبْذُلُونَ قَصَارَى جُهْدِهِمْ لِطَمْسِ مَعَالِمِ الْقُدْسِ الشَّرِيفِ، وَنَسْفِ تَارِيخِهِ الْمُنِيفِ، وَدَفْنِ الْحَقَائِقِ الْمُشْرِقَةِ، وَإِبْرَازِ مَزَاعِمِهِمُ الْمُخَرَّقَةِ، فَلَا قِيمَةَ – كَمَا يَرَوْنَ - لِكِيَانِهِمُ الْمَرُومِ، بِغَيْرِ الْهَيْكَلِ الْمَزْعُومِ، إِلَى حَدِّ أَنْ وَصَلَ الأَمْرُ بِالصَّهَايِنَةِ إِلَى أَنْ يَمْنَعُوا إِقَامَةَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي الْمَسْجِدِ الأَقْصَى فِي هَذِهِ الأَيَّامِ؛ كَمَا شُوهِدَ وَنُقِلَ فِي وَسَائِلِ الإِعْلَامِ، مَعَ إِغْلَاقِ أَبْوَابِ الأَقْصَى عَنِ المُصَلِّينَ، ومَنْعِ المُتَعَبِّدِينَ مِنَ المُسْلِمِينَ، فَكَانَ مِنْ نَتِيجَةِ هَذِهِ الإِجْرَاءَاتِ التَعَسُّفِيَّةِ مُوَاجَهَاتٌ بَيْنَ سُلُطَاتِ الِاحْتِلَالِ وَالْفِلَسْطِينِـيِّينَ أَدَّتْ إِلَى سُقُوطِ شُهَدَاءَ وجَرْحَى، وَاعْتِقَالٍ وتَعَسُّفٍ وَتَعْذِيبٍ وَتَدْمِيرِ بُنًى ، قَالَ تَعَالَى: )وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ( [البقرة:114].
إِنَّ جَبِينَ الإِنْسَانِيَّةِ وَالتَّارِيخِ - يَا عِبَادَ اللهِ- لَيَنْدَى لِمَا يَقُومُ بِهِ هَؤُلَاءِ مِنْ أَعْمَالِ تَخْرِيبٍ وَاغْتِصَابٍ لِبُيُوتِ الْمَقَادِسَةِ؛ فَأَصْبَحَ لِزَاماً عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ أَنْ يَنْصُرُوا إِخْوَانَهُمْ فِي فِلَسْطِينَ؛ لِإِنْهَاءِ مُخَطَّطَاتِ الْكَيْدِ وَالْمَكْرِ وَالْعُدْوَانِ، وَتَحْرِيرِ الْمُقَدَّسَاتِ وَرَدِّ الْحَقِّ السَّلِيبِ إِلَى أَهْلِ الإِيمَانِ.
وَإِنَّنَا لَعَلَى ثِقَةٍ وَيَقِينٍ؛ بِالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ؛ وَتَحْرِيرِ الأَقْصَى مِنْ بَرَاثِنِ المُعْتَدِينَ، وَتَطْهِيرِهِ مِنْ دَنَسِ الغَاصِبِينَ المُجْرِمِينَ.

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الأَرْبَعَةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَالأَئِمَّةِ الحُنَفَاءِ المَهْدِيِّينَ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِالْيَهُودِ الْغَاصِبِينَ، وَانْتَقِمْ مِنَ الصَّهَايِنَةِ الْمُجْرِمِينَ، وَرُدَّ الأَقْصَى الجَرِيحَ إِلَى حَوْزَةِ المُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا البَلَاءَ وَالوَبَاءَ وَالغَلَاءَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذا البَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا، سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ المُسْلِمينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

Читать полностью…

خطب ومحاضرات مكتوبة وغير مكتوبة

من يريد تحميل اي كتاب pdf بشكل مباشر

http://t.me/albaahthbot

هذا بوت تليجرام يبحث لك في ٣ مليون كتاب
وتختار أو تكتب اسم الكتاب ويحمله لك مباشرة
واغلب الكتب الشرعية المصورة تجدها فيه

Читать полностью…
Subscribe to a channel