واعلمي يا ابنتي أنَّ أعظم وأقوى سِلاح استَخْدَمُوهُ في حَربِهْم هذه هو (المرأةُ المسلمة) فدَعُوها إلى السّفور والتَّبرج ليفتِنوا بها شبابَ الإسلام ويَصْرفُوا قُلُوبَهُم عن الإسلام إليها لتخلُو بعدها مِن الإيمانِ وحبِّ الرَّحمن، إلى حبِّ شهواتِ الدُّنيا الفانيةِ والتعلّق بجمالها الزَّائفِ، وبذلك تخورُ العزائمُ، وتضْعُفُ الهممُ، ويَجبُنُ الشُّجعانُ، وهذا بالتأكيد ما حصل...
وإذا أردت الدليل، فانظري إلى فتيات المسلمين في الطرقاتِ والحدائق العامّة والمدارس والجامعات.
[الحجاب في الإسلام والمُؤامَرات التي تُحَاكُ ضِدهُ لِتَحريرِ المرأةِ مِن سِترها وَطهَارتها وَعفَافِها، يوسف الحاج أحمد، ص٢٢]
فإن حاولت فاسقةٌ مستهترةٌ ساقطةٌ أن تَتجلبَب بجلبابِ الحياءِ وتُواري عَن الأعينِ بارتداءِ شعار العَفاف ورمزِ الصيّانةِ وتَستر عن الناس آفاتها وفجورها بمظهر الحصانِ الرَّزان فما ذنب الحجاب إذًا؟
[الحجاب في الإسلام والمُؤامَرات التي تُحَاكُ ضِدهُ لِتَحريرِ المرأةِ مِن سِترها وَطهَارتها وَعفَافِها، يوسف الحاج أحمد، ص١٢٦]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قصة أمنا عائشة في حجة الوداع (9)
أُمُّنا عائشة نموذج الثبات إلى الممات
كان من منهج الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - أنهم إذا كانوا على فعل خير من الطاعات المستحبة في عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثمَّ مات وهم يفعلونه، أنهم لا يغيرونه حتى يلقوا الله عزَّ وجلَّ.
وسبب ذلك أنهم كانوا يلتزمون تحقيق حديث: ((وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ)). ويخافون كذلك أن يكونوا ممن غيَّر وبدَّل بعده صلى الله عليه وسلم، على الرغم من أنها طاعة مستحبة. ومن أشهر من ثبت عنه ذلك عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما الذي كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، فلمَّا كبر وضعف قال: لأَنْ أَكُونَ قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ، لَكِنِّي فَارَقْتُهُ عَلَى أَمْرٍ أَكْرَهُ أَنْ أُخَالِفَهُ إِلَى غَيْرِهِ.
هذه المنهجية تجعلنا نفهم قول أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: فَلأَنْ أَكُونَ اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا اسْتَأْذَنَتْ سَوْدَةُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مَفْرُوحٍ بِهِ.
فقد استمرت على ترك الأخذ بالرخصة في الدفع من مزدلفة قبل الفجر، لأنها لم تفعل ذلك في عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلم، لذلك قال الْقَاسِمُ بنُ محمد بن أبي بكر: وَكَانَتْ عَائِشَة لاَ تُفِيضُ إِلَّا مَعَ الإِمَامِ. وأصرح من ذلك ما قاله أبو الزبير في روايته لحديث جابر رضي الله عنه قال: فَكَانَتْ عَائِشَة إِذَا حَجَّتْ صَنَعَتْ كَمَا صَنَعَتْ مَعَ نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
ويُستفاد من ذلك أختي الحاجَّة، أن المرأة إذا فعلت الخير تحرص على المداومة عليه ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً.
متى طهرت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا؟:
وفي صبيحة يوم النَّحر، وبعد أن وقف النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من أُمَّهات المؤمنين بالمشعر الحرام، انطلق إلى منى لرمي جمرة العقبة الكبرى. ولما بلغوا رحالهم في منى وبعد أن رموا الجمرة، طَهُرت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا من حيضها، فتَطَهَّرت استعدادًا للذهاب إلى مكة لطواف الإفاضة.
تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: فَخَرَجْنَا فِي حَجَّتِهِ حَتَّى قَدِمْنَا مِنًى، فَطَهَرْتُ، ثُمَّ خَرَجْتُ مِنْ مِنًى فَأَفَضْتُ بِالْبَيْتِ. فطهرُها من الحيض كان بمنى، واغتسالها كذلك كان بمنى، كما قالت رضي الله عنها: فَخَرَجْتُ فِي حَجَّتِي حَتَّى نَزَلْنَا مِنًى، فَتَطَهَّرْتُ ثُمَّ طُفْنَا بِالْبَيْتِ.
وهذا يعني أن مُدَّة حيضة أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا كانت سبعة أيام، بدأت يوم السبت، ضحى، وطهرت يوم السبت ضحى، لأن يوم النحر كان يوم السبت.
رعاية المرأة لزوجها في الحجِّ:
يوم النحر هو يوم الحجِّ الأكبر، وهو يوم العيد، وفيه أكثر أعمال الحجِّ.
وبعد أن رمى نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم جمرة العقبة وحلق شعره، استعدَّ للذهاب إلى مكة ليطوف طواف الإفاضة، فخلع ملابس الإحرام، ولبس ثيابه، وتطيَّب للطواف.
ونالت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا شرف رعاية نبيِّنا صلى الله عليه وسلم في الحجِّ في مواطنَ كثيرةٍ، وكان ممَّا فعلته أن طيَّبته بيدها قبل أن يذهب لطواف الإفاضة، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدَيَّ هَاتَيْنِ حِينَ أَحْرَمَ، وَلِحِلِّهِ حِينَ أَحَلَّ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ، وَبَسَطَتْ يَدَيْهَا.
وقد صرَّحت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا بأن هذا كان بعد رميه لجمرة العقبة وقبل طوافه للإفاضة، فقالت: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِحُرْمِهِ حِينَ أَحْرَمَ، وَلِحِلِّهِ بَعْدَمَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ.
وهذه العناية بهندام النبيِّ صلى الله عليه وسلم وعطره كانت بمنى، كما كانت بذي الحليفة، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: طَيَّبْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِي لِحُرْمِهِ، وَطَيَّبْتُهُ بِمِنًى قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ.
ولم تقتصر أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا على هذين الوقتين، بل كانت كلَّما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يزور البيت أيام منى، طيبته بيدها رضي الله عنها، قالت: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِإِحْرَامِهِ، قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَلِحِلِّهِ حِينَ أَحَلَّ، وَحِينَ يُرِيدُ أَنْ يَزُورَ الْبَيْتَ.
وكان من حرصها على العناية بعطر النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنها رضي الله عنها تتخيَّر له أطيبَ الطِّيب، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِأَطْيَبِ الطِّيبِ عِنْدَ حُرْمِهِ وَحِلِّهِ.
قصة أمنا عائشة في حجة الوداع (8)
بكاء أُمِّنا عائشة قبل يوم عرفة
ولمَّا كان يوم التروية أهلَّ الناس بالحجِّ، وانطلقوا إلى منى، وانتظرت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا طوال فترة حيضها لعلَّها أن تطهر قبل يوم عرفة، ولكنها لم تطهر، فبكت مرَّة ثانية، فدخل عليها النبيُّ صلى الله عليه وسلم وهي تبكي، فشكت إليه وضعَها.
قال جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: ثُمَّ أَهْلَلْنَا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عَائِشَة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَوَجَدَهَا تَبْكِي، فَقَالَ: «مَا شَأْنُكِ؟» قَالَتْ: شَأْنِي أَنِّي قَدْ حِضْتُ، وَقَدْ حَلَّ النَّاسُ، وَلَمْ أَحْلِلْ، وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَالنَّاسُ يَذْهَبُونَ إِلَى الْحَجِّ الْآنَ، فَقَالَ: «إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَاغْتَسِلِي، ثُمَّ أَهِلِّي بِالْحَجِّ» فَفَعَلَتْ وَوَقَفَتِ الْمَوَاقِفَ، حَتَّى إِذَا طَهَرَتْ طَافَتْ بِالْكَعْبَةِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.
فهذا البكاء الثاني غير البكاء الأول، فالبكاء الأول كان بسبب نزول الحيض عليها قبل أداء العمرة، والبكاء الثاني كان بسبب دخول الحجِّ ولم تطهر.
وفي هذا تنبيه للأزواج ولأولياء المرأة بأن يراعوا نفسية المرأة إذا حاضت في الحجِّ أو في غيره، وأن يسعوا في حل الإشكال الذي يواجهها بسبب الحيض.
كيف تتصرَّف من لم تطهر قبل عرفة؟:
استمر انتظار أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا حتى ليلة عرفة، ولم تستعجل فتترك عمرتها من أول النهار من يوم التروية، بل انتظرت حتى ضاق الوقت، قَالَتْ أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: فَلَمَّا دَخَلَتْ لَيْلَةُ عَرَفَةَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي كُنْتُ أَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ، فَكَيْفَ أَصْنَعُ بِحَجَّتِي؟ قَالَ: ((انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي، وَأَمْسِكِي عَنْ الْعُمْرَةِ، وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ)). فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تغتسل للإحرام، وتُهلَّ بالحجِّ، وتدع العمرة. أي تترك أفعال العمرة من طواف وسعي، وتهلَّ بالحجِّ.
والجميل في سيرة أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا أنها بمجرَّد ما تسمع الأمر من نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم تسارع إلى تطبيقه من غير جِدال، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: فَلَمْ أَزَلْ حَائِضًا حَتَّى كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَلَمْ أُهْلِلْ إِلاَّ بِعُمْرَةٍ، فَأَمَرَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَنْقُضَ رَأْسِي وَأَمْتَشِطَ وَأُهِلَّ بِحَجٍّ، وَأَتْرُكَ الْعُمْرَةَ، فَفَعَلْتُ ذَلِكَ.
وهذه سيرة أُمَّهات المؤمنين جميعًا، وسيرة الصحابة والصحابيات، أنهم يستجيبون لأمر الله ولأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يتفلَّتون من أداء المناسك ويبحثون عن الرُّخَص، بل كانت أعينهم على النبيِّ صلى الله عليه وسلم ينظرون ماذا يفعل فيفعلون مثله.
وفي هذا تنبيهٌ لك أختي الحاجَّة أن يكون شعارُك في الحجِّ قولَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((خذوا عني مناسككم))، لعلكِ لا تحجِّين بعد حجَّتكِ هذه، فتكون هذه الحجَّة هي حجَّتكِ الوحيدة، وهي الحجَّة المبرورة.
افْعَلِي كَمَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ:
(افْعَلِي كَمَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي) هذا توجيه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا لمَّا حاضت في الحجِّ. فمُنعت الحائض من الطواف بالبيت حال إحرامها، ولم تُمنع من شهود بقية المشاعر، بل أُمرت أن تفعل كما يفعل الحاجُّ، ((وَأَعْمَالُ الْحَجِّ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى ذِكْرٍ وَتَلْبِيَةٍ وَدُعَاءٍ، وَلَمْ تُمْنَعِ الْحَائِضُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ)) (فتح الباري 1/407). والذكر يشمل قراءة القرآن، وهي من أعمال الحاج.
فلم تمنع المرأة المحرمة الحائض من قراءة القرآن ولا من التلبية ولا من التهليل ولا من الدعاء ولا من غيره إلا الطواف بالبيت.
فلا تَحرمي أختي الحاجَّة نفسك من قراءة القرآن بحجَّة أنك حائض، لا في الحجِّ، ولا في رمضان، ولا في غيره، بل أكثري من قراءة القرآن والذِّكر، واغتنمي الأوقات والأيام الفاضلة، وامتثلي لأمر ربِّك بترك الصلاة والصيام والطواف بالبيت في حال الحيض.
تصرف حكيم من أُمِّنا ميمونة رضي الله عنها:
في يوم عرفة وبعد أن صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر، اتجه إلى الصخرات وجعلها بينه وبين القبلة، ووقف على ناقته يدعو طويلًا، وهذا الوقوف الطويل جعل الناس يشكُّون هل كان النبي صلى الله عليه وسلم صائمًا أو لا؟ فما كان من أُمِّنا ميمونة رضي الله عنها إلَّا أن ((أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِحِلابٍ وَهُوَ وَاقِفٌ فِي الْمَوْقِفِ، فَشَرِبَ مِنْهُ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ)). وتقصد بالحلاب اللبن المحلوب، أو الإناء الذي يوضع فيه اللبن.
قصة أمنا عائشة في حجة الوداع (7)
تجمُّل المرأة لزوجها في الحجِّ
رعاية المرأة لمشاعر زوجها:
وبعد أن طاف النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالبيت وبالصفا والمروة، أمر مَن لم يَسُقِ الهديَ أن يحلَّ من إحرامه ويجعلها عمرة.
والسبب في ذلك أنهم على عادة العرب في الجاهلية لا يجمعون العمرة مع الحجِّ في نُسك الحجِّ. فأراد النبيُّ صلى الله عليه وسلم إبطال أمر الجاهلية، وإرساء حكم الإسلام.
تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلا نُرَى إِلاَّ أَنَّهُ الْحَجُّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ تَطَوَّفْنَا بِالْبَيْتِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يَحِلَّ، فَحَلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ، وَنِسَاؤُهُ لَمْ يَسُقْنَ الْهَدْيَ فَأَحْلَلْنَ.
ولم يمتثل الصحابة في بادئ الأمر لأمر النبيِّ صلى الله عليه وسلم لهم بجعلها عمرة، بل قالوا: نَنْطَلِقُ إِلَى مِنًى وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ! فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ((لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ، وَلَوْلاَ أَنَّ مَعِي الهَدْيَ لأَحْلَلْتُ)). وهذه المقولة من النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه فيها بيان سبب امتناعه عن أن يحلَّ من إحرامه.
وهذا يدلُّنا على أهمية القدوة العمليَّة في توجيه الناس، فإن التوجيه الصادرَ من النبيِّ صلى الله عليه وسلم مختلفٌ عن واقع فِعله، فهو يأمرهم أن يحلوا من إحرامهم وهو لم يحلَّ! لذلك تردَّدوا في هذا الفعل، فبيَّن لهم سبب امتناعه وهو سوق الهدي.
وهذا يذكرنا بما وقع بعد صلح الحديبية لمَّا أمرهم أن يحلوا من إحرامهم ويحلقوا رؤوسهم، فلم يفعلوا حتى بدأ هو بالفعل لمَّا أشارت عليه أمُّ المؤمنين أمُّ سلمة رضي الله عنها.
فدخل النبيُّ صلى الله عليه وسلم على أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا وَهُوَ غَضْبَانُ، فقالت: مَنْ أَغْضَبَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ. قَالَ: ((أَوَمَا شَعَرْتِ أَنِّي أَمَرْتُ النَّاسَ بِأَمْرٍ فَإِذَا هُمْ يَتَرَدَّدُونَ! وَلَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ مَعِي حَتَّى أَشْتَرِيَهُ ثُمَّ أَحِلُّ كَمَا حَلُّوا)). وإنما غضب النبيَّ صلى الله عليه وسلم ((لِانْتِهَاكِ حُرْمَةِ الشَّرْعِ، وَتَرَدُّدِهِمْ فِي قَبُولِ حُكْمِهِ)). (شرح مسلم للنووي 8/155)
ومِن حُبِّ أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا لنبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم دعت على من أَغضبه لما رأته غضبانَ، ولم يعترضِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على فعلها، لأنها وافقت الشرع في هذا الفعل، فمن أغضب نبيَّنا أو أساء إليه دعونا عليه، وإنما نفعل ذلك كما فعلت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا انتصارًا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
وأنت أختي الكريمة انتبهي إلى مشاعر زوجك وكوني مواسية له، ولا تكوني عونًا عليه، فقد يدخل عليك زوجُك وهو مهمومٌ لأمر وقع له خارج البيت، فلا تُلقي باللائمة عليه ابتداءً حتى تعلمي سبب ما فيه، ثم تعالجينه بالحكمة، وخاصة إذا استجاب الزوج لتفاعل زوجته فشاركها ما يمرُّ به من متاعب وآلام خارج البيت، إن كان في عمله الدعويِّ أو في شأن من شؤون الدنيا.
أسماء بنت أبي بكر تتحلَّل من إحرامها بعمرة:
استجاب الصحابة لأمر النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالتحلُّل من الإحرام، وجعلها عمرة لمن لم يكن قد ساق الهدي، وكان من جملة من تحلَّل من الصحابيات ممَّن لم يسقن الهدي، أسماء بنت أبي بكر الصديق زوجة الزبير بن العوام، تقول أسماء رضي الله عنها: خَرَجْنَا مُحْرِمِينَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَقُمْ عَلَى إِحْرَامِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحْلِلْ "، فَلَمْ يَكُنْ مَعِي هَدْيٌ فَحَلَلْتُ، وَكَانَ مَعَ الزُّبَيْرِ هَدْيٌ فَلَمْ يَحْلِلْ، قَالَتْ فَلَبِسْتُ ثِيَابِي ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَلَسْتُ إِلَى الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: قُومِي عَنِّي. فَقُلْتُ: أَتَخْشَى أَنْ أَثِبَ عَلَيْكَ؟!.
فالذي وقع من أسماء رضي الله عنها أنها تحلَّلت وتطيبت ولبست ثيابها الجميلة وجلست بجانب زوجها، لكنه لم يتحلَّل لأنه ساق الهدي، فخاف الزبير على نفسه من أن يرتكب محظورًا من محظورات الإحرام، فقال لها: قومي عني.
وفي هذا تنبيه للمرأة الحاجَّة إلى أنها لا تفعل أي فعل حال الإحرام يؤثِّر على الزوج ويغريه ويفتنه، مثل طريقة مسك اليدين، أو الالتصاق بجسده، أو أي حركة يمكن أن تثيره حال الإحرام. أما بعد التحلل فلها أن تتزيَّن لزوجها ولها أن تُغريه.
فاطمة بنت رسول الله تتزيَّن لاستقبال زوجها:
فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها كانت مع نبيِّنا في حجَّة الوداع، وهي من أهل بيته الذين لم يسوقوا الهدي، فلمَّا أمرهم النبيُّ صلى الله عليه وس
قصة أمنا عائشة في حجة الوداع (6)
هذا أمر كتبه الله على بنات آدم
مواساة النبي صلى الله عليه وسلم لأُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا لما حاضت:
إن معاملة النبيِّ صلى الله عليه وسلم لأزواجه أُمَّهات المؤمنين هي أرقى معاملة بين الزوج وزوجه، وكل من يريد أن يتعلَّم فنَّ التعامل بين الزوجين فعليه أن يدرس حياة نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم مع زوجاته، فهذا هو المثل الأعلى للزوجين.
ومن صور التعامل الجميلة بين النبيِّ صلى الله عليه وسلم وزوجه عائشة، ما وقع لها في هذه القصة، فإن بكاء عائشة لما حاضت إنما وقع منها لما أصابها من ضيق وحُزن على فوات العمرة، وهذا السبب قد لا يدركه الرجال بسرعة، وقد لا يهتمُّ له الرجل، لأنه يرى أن الحيض أمر طبيعي يحصل لكلِّ امرأة، وهو كذلك، ولكن قد تكون المرأة في حالة نفسية تتأثَّر بنزول الحيض، كالتي تنتظر الحمل بعد زواجها، ويتأخَّر عليها، فتبكي عند نزول الحيض. أو لأي سبب آخر.
فجاء فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع عائشة توجيهًا للأزواج في فنِّ التعامل مع المرأة في مثل هذه الحالة.
ولم يكتف النبيُّ صلى الله عليه وسلم بسؤالها عن سبب بكائها بل هوَّن عليها الأمر بأن بين لها أنها ليست الوحيدة التي تُبتلى بهذا الحيض، بل كلُّ بنات آدم، فقال: ((إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَم)). أي: ((قضى به عليهنَّ وألزمهنَّ إيَّاه، فهنَّ مُتعبداتٌ بالصبر عليه)) (فتح الباري لابن رجب 2/13). وإنما ((أَنْتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْكِ مَا كَتَبَ عَلَيْهِنَّ)).
فهدَّأ النبيُّ صلى الله عليه وسلم من روعها بأمرين:
الأول: أن الحيض أمر كتبه الله على النساء عمومًا.
والآخر: أنها مثلهنَّ يعتريها ما يعتريهنَّ، ((وهذا تسلية وتأنيس لها، وتخفيف لهمِّها)). (التوضيح لشرح الجامع الصحيح 5/14)
كيف تتصرَّف المرأة المحرمة بالحجِّ إذا حاضت:
بعد أن هدَّأ النبيُّ صلى الله عليه وسلم من روع أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا، انتقل إلى بُعدٍ آخر في التهدئة النفسية لها، فبيَّن لها أن نزول الحيض على المرأة المحرمة لا يضرُّها، ولا يؤثِّر في إحرامها، فقال: ((فَلا يَضِيرُكِ، إِنَّمَا أَنْتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ، كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْكِ مَا كَتَبَ عَلَيْهِنَّ، فَكُونِي فِي حَجَّتِكِ، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَكِيهَا)). ثم أرشدها النبيُّ صلى الله عليه وسلم لما تفعله في حالتها هذه، فقال: (( فَاقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَغْتَسِلِي)).
فدلَّ توجيه النبيِّ صلى الله عليه وسلم لأُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا على ((أن الحيض والنفاس لا ينافي عمل الحجِّ كلِّه، إلا ما يتعلَّق بدخول المسجد من الطواف والركوع بعده)). (إكمال المعلم بفوائد مسلم 4/229﴾ قالت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: حِضْتُ فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقْضِيَ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إِلاَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ.
فيا أخواتي الكريمات! إنما مُنعت المرأة المحرمة بالحجِّ أو العمرة إذا حاضت من الطواف بالبيت، ولم تُمنع من الذِّكر والدعاء وقراءة القرآن، فلا تُضيِّقي عليك واسعًا.
بثُّ الأمل في نفسية المرأة:
ومن فنون التعامل مع الزوجة في مثل هذه المواقف المحرجة والمؤلمة للمرأة، بثُّ الأمل في روحها، ويؤخذ هذا من فعل النبيِّ صلى الله عليه وسلم مع أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا لمَّا حاضت، إذا قال لها: ((فَكُونِي فِي حَجَّتِكِ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَكِيهَا)). أي: يرزقك العمرة فتؤدينها، أو يرزقك أجر العمرة ولو لم تؤدَّيها، لأن الأعمال بالنيات، وأنك إنما امتنعت لعذر شرعيٍّ. وقد حصل أن اعتمرت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا بعد الحجِّ.
وهذا أسلوب عظيم يعلمنا فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم كيفية التعامل مع الزوجة عند تغيُّر نفسيَّتها، وخاصة في السفر، إذ يجتمع فيه مشقَّة السفر ومشقَّة الحَدَث الذي وقع على المرأة.
الوصول إلى مكة والطواف بالبيت:
وصلت قافلة الحجِّ إلى مكَّة صباح الأحد الرابع من ذي الحجَّة، وطاف النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه بالبيت الحرام وبين الصفا والمروة. قال جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَبَّيْنَا بِالحَجِّ، وَقَدِمْنَا مَكَّةَ لِأَرْبَعٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، فَأَمَرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَأَنْ نَجْعَلَهَا عُمْرَةً وَنَحِلَّ، إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ.
تقول أُمّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مُوَافِينَ لِهِلالِ ذِي الْحِجَّةِ، لا نَرَى إِلاَّ الْحَجَّ، فَلَمَّا كَانَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (( مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهْلِلْ، وَأَمَّا أَنَا فَأُهِلُّ بِالْحَجِّ فَإِنَّ مَعِي الْهَدْيَ، فَإِنِّي لَوْلا أَنِّي أَهْدَيْتُ لأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ))، فَأَهَلَّ بَعْضُهُمْ بِعُمْرَةٍ، وَأَهَلَّ بَعْضُهُمْ بِحَجٍّ، وَكُنْتُ أَنَا مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ.
ومن جميل قول العلماء في هذه المسألة تعليقًا على حديث ابن عباس في تحريم كفَّار العرب العمرة في أشهر الحجِّ، قولُ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: ((هَذَا مِنْ تَحَكُّمَاتِهِمُ الْبَاطِلَةِ الْمَأْخُوذَةِ عَنْ غَيْرِ أَصْلٍ)). (فتح الباري 3/426)
فلا يلزم أن يكون لكلِّ فعل خاطئ من أعمال الحجِّ اليوم أصل يرجع إليه، بل قد يبتكر الناسُ أفعالًا هي أبعد ما تكون عن هدي النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومن هنا تنشأ البدع والانحراف عن السنن.
بل قد تكون المسائل المبتكرة لها مقصدٌ خفيٌّ يصبُّ في مصالح من ابتدعها، وهذا من عجيب ما ذكره أحد العلماء في هذا الموضوع حيث قال: ((إن الناس كانوا لا يعرفون العُمرة في أشهر الحجِّ، بل إن العرب في الجاهلية يرونها من أفجر الفجور، ويقولون: لا يمكن أن تأتي إلى مكة بعمرة وحجٍّ، بل لا بد أن تأتي بعمرة في سفر وحجٍّ في سفر، وهم ينظرون إلى ذلك من ناحية اقتصادية حتى يكثر الزوَّار والحجَّاج، وتكون الأسواق أكثر اشتغالًا)). (شرح حديث جابر بن عبدالله في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم 93)
وفي هذا تنبيه للنساء في الحجِّ أن يحرصنَ على هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ويحذرنَ كلَّ الحذر مما تسرَّب إلى صفة الحجِّ من أفعال الجاهلية القديمة، أو من فعل الناس اليوم مما هو مخالفٌ للسنة النبوية في الحجِّ، وخاصة ما يصدر من إدارة بعض حملات الحجِّ، والتي قد تكون لها مصالح مادية في تغيير مسيرة الحجِّ عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا تُهلُّ بالعمرة:
ومما اتَّخذه النبيُّ صلى الله عليه وسلم من خطواتٍ في تغيير أمر الجاهلية في مسألة العمرة في موسم الحج، أنه صلى الله عليه وسلم أمر أُمَّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا بالإهلال بالعمرة. تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ((مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ)). قَالَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِحَجٍّ وَأَهَلَّ بِهِ نَاسٌ مَعَهُ، وَأَهَلَّ نَاسٌ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ، وَأَهَلَّ نَاسٌ بِعُمْرَةٍ، وَكُنْتُ فِيمَنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ.
وكما أخبر عنها جابر بن عبدالله راوي حجَّة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَقْبَلْنَا مُهِلِّينَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِحَجٍّ مُفْرَدٍ، وَأَقْبَلَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا مُهلَّة بِعُمْرَةٍ.
ولا يُتصور أن أُمَّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا أخذت قرار الإهلال بالعمرة من غير مشورة من النبي صلى الله عليه وسلم. بل المؤكد أنه صلى الله عليه وسلم علَّم أمهاتِ المؤمنين أحكامَ النُّسك وأنواعه، وأمرهنَّ بالإهلال بالعمرة.
ثم انطلقت القافلة إلى مكَّةَ بعدما أَهَلَّ الناس بالنُّسك، رافعين أصواتَهم بالتلبية، معظِّمين لحرماتِ الله ولشعائرِ الله يرجون رحمة الله.
انطلقت القافلة يوم الأحد، واستمرت في المسير إلى يوم الأحد الرابع من ذي الحجة، كما جاء في حديث جابر رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَبَّيْنَا بِالحَجِّ، وَقَدِمْنَا مَكَّةَ لِأَرْبَعٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ. فاستغرق الطريق سبعة أيام، لأنهم باتوا ليلة الأحد خارج مكَّة، ودخلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم صبيحة الأحد الرابع من ذي الحجة.
نكمل غدًا إن شاء الله.
وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد
ودلَّ فعلُ أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا على جواز وضع المرأة لهذا النوع من الطيب أو الزينة، واستدامة ذلك بعد الإحرام، أي يبقى على جسدها أو وجهها بعد الإحرام ولا تلزم بإزالته؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَراهنَّ ولم ينكرْ عليهنَّ، بل سكت عنهنَّ، وسكوته دليل الجواز.
وفي هذا تنبيهٌ للمرأة في الحجِّ بألا تنكر على من تتزين للإحرام بزينة لا يراها الرجال، مادامت هذه الزينة وهذا الطيب مما لا رائحة له يشمُّه الرجال.
أسماء بنت عميس تلد في الميقات:
وفي أثناء وقوف قافلة الحج في ميقات ذي الحليفة ولدت أسماء بنت عميس رضي الله عنها بمحمد بن أبي بكر، فطلبت من زوجها أبي بكر الصديق رضي الله عنه أن يستفتي لها النبي صلى الله عليه وسلم ، قال جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ، فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، كَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: ((اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِي)). أي اجْعلي موضعَ خروج الدَّم خرقة أو قطعة قماش تَمنع الدَّم.
فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تغتسل للإحرام، ولو كانت نفساء، وكذلك الحائص إذا وصلت الميقات تغتسل للإحرام وتحرم، غير أنها لا تطوف بالبيت ولا تصلي، وتنسك المناسك كلَّها.
نكمل غدًا إن شاء الله.
وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد
اِحْذري خرَّابات البيوت!
في الأسبوع الماضي، كتبتْ "بيترونيلا وايت" مقالةً هزَّتْ فيه أرجاء أوروبا!
فالكاتبة البريطانيّة التي سخّرتْ حياتها لنشر سموم أفكار النَّسوية، قد استفاقتْ أخيراً، ولاتَ حين مندم، لم يعُدْ بإمكانها إصلاح ما أفسدته من حياتها، ولكنّها أرادتْ أن لا تشرب الأخريات من الكأس التي شربتْ هي منه، وهذا تصرّف محترم، لأن الاعتراف بالخطأ خيرٌ من الاستمرار عليه حين يتبيّن أنه خطأ!
أهم الجمل التي لفتتْ نظري في مقالة بيترونيلا وايت :
- أنا عازبة وبلا أطفال ووحيدة لقد خذلتني الحركة النسوية وخذلت جيلي كله!
- ألتقي مع صديقاتي، جميعنا في منتصف الخمسينات من عمرنا، عاملات ومتعلمات تعليمًا مرموقًا، ولكن هناك فراغ في حياتنا فكلنا عازبات وليس لدينا أطفال!
- أشعر بشكل متزايد كما تشعر صديقاتي المقربات أن الحركة النسوية قد خذلت جيلنا، وأنّ الفلسفة النسوية قد أصبحت ضارة!
- الحركة النسوية علمتنا أن الأنثى التقليدية هي صورة نمطية اخترعها الرجال لإبقائنا تحت سيطرتهم وبناءً على ذلك كنت معاديةً للرجال إلى حد إبعادهم والآن ها أنا أدفع ثمن ذلك!
- فات الوقت بالنسبة لي ولصديقاتي ولكن لا ينبغي لنا أن نسمح للحركة النسائية بأن تدمر حياة الأجيال القادمة أيضاً!
اِحذري خرّابات البيوت:
سيقُلنَ لكِ لا فرقَ بينكِ وبين الرّجلِ، زاحميه وتفوّقي عليه، وسصورنَ لكِ الحياة معركةً معه، وسيُحوّلنه في عينيكِ من حبيب مفترض إلى عدو حقيقي!
وأنتِ في فطرتكِ تعرفين أنكِ لا تُشبهينه ولا يُشبهكِ، وأنكِ ولدتِ لتكوني معه ويكون معكِ، ولتكملي به ما ينقُصكِ، ويكملُ بكِ ما ينقصه!
وأنكِ يجب أن تمسكي يده بدل أن تُلاكميه، فإنكِ قد خُلقتِ منه، فإنكِ بعضه وهو كلُّكِ، وأن لا سعادة للمرأة إلا في كنف رجل يُحبُّها ويخافُ الله فيها!
سيقُلنَ لكِ تمرّدي، هذا المجتمع يحاولُ السيطرة عليكِ، وستخوضين معركةً تستنزفُ عمركِ كلّه، ثم ستكتشفين بعد ضياع العمر أنكِ كنتِ تُحاربين عدواً موهوماً اخترعوه لكِ تماماً كما صارع دون كيشوت طواحين الهواء!
جهد مبذول في غير مكانه كلّفكِ أن تخسري العائلة والسَّكينة شابةً، وأن تمضي آخر عمركِ وحيدة في بيتٍ مع حيوان أليف!
قتلوا فطرتكِ في أن تُقدّمي الرّعاية والحُبّ، فعوضتها في قطة وكلب!
سيقُلنَ لكِ: جسدكِ ملككِ، امنحيه من شئتِ، وامنعيه من شئتِ!
ثم ستكتشفين بعد ضياع العمر أنكِ كنتِ في هذه الحياة عابرة سرير!
وأنَّ الإنسان حين يتقدّمُ به العمر يشعرُ بالصقيع وحده، صقيع ترتجفُ منه الروح مهما حاول إنكاره!
وأنّ الأخريات السّويات لديهنَّ عائلات، وأزواج، وأحفاد، وأنتِ لا أحد في حياتكِ لتحبيه ويُحبُّكِ!
وستكون أغلى أمنياتك التي ستتحسرين عليها دفء حبيب وأمان عائلة!
سيقُلنَ لكِ: لقد أهانوا المرأة وظلموها!
نعم أهانَ الغربُ المرأة وظلمها!
أهانها في جسدها إذ جعله سلعة، حتى مع دعاية زيت السيارات يجب أن تكون هناك امرأة شبه عارية!
وظلمها حين حمّلها ما لم تُخلقَ لتحمله، فزجّها في سوق العمل، فصارت حياتها كلها سباقاً، وتحوّلت من بانية أجيال سويّة إلى آلة انتاج!
ولكن أنتِ من الذي ظلمكِ؟!
فإن كان ثمة رجالٌ ظلموا النساء عندنا، فلأنهم لم يفهموا الرجولة، كما لم تفهمي أنتِ الأنوثة، وكان واجبكِ أن تتزوجي، وتنجبي وتُصححي المفاهيم!
انظري إلى الأُسر السّوية في مجتمعاتنا وهي والحمدُ لله كثيرة!
الأمُ توضعُ على الرأس كأنها ملكة الزّمان، لأنّ تحت قدميها الجنّة!
والزّوجة تُكرمُ وتُصان وتُدلل، لأن خير الرّجال خيرهم لنسائهم!
والبنتُ يُخشى عليها من نسمة الهواء، ويُقال للصبيّ لا لشيء يريده، أما البنت فكأنها أميرة البيت، لأنهن المؤنسات الغاليات!
والعمة والخالة والقريبة هي رحم موصولة معلقة بالعرش!
أنتِ من دينٍ كانت تُحرّك فيه الجيوش لأجل عرض امرأة واحدة، فكيف أقنعوكِ أنكِ لستِ غالية!
أدهم شرقاوي
وتعظمين في نفسكِ الوقوع فيها وارتكابها؛ فإن الذي أمركِ بالطاعة ووعدكِ بالثوابِ عليها، هو الذي نهاكِ عن المعصية ورتب العقاب عليها، قال تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: 30 - 33].
ومن تعظيمكِ لأيام الحج وأشهر الحج والأشهر الحرم الامتثال لقول الله تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [البقرة: 197]، وهذا يعني أنكِ تضبطين تصرفاتكِ وأقوالكِ ومناقشاتكِ بما يرضي الله عز وجل. فخروجكِ للحج على غير الصفة التي أجازها الله لكِ يعد انتهاكًا لحرمة هذه الأيام المباركة، وانتهاكًا لحرمات هذا النسك العظيم؛ كالسفر بدون محرم، ولبس الملابس التي تفصل البدن، والتعطر، ونحو ذلك.
لا نريد أفعال أهل الجاهلية في الحج:
كان العرب في الجاهلية لهم معتقد معين في مناسك الحج، فقد كانوا يحرّمون العمرة في أشهر الحج، ويرونه من أفجر الفجور. قال ابن عباس رضي الله عنه: إِنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنْ قُرَيْشٍ وَمَنْ دَانَ دِينَهُمْ، كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ العُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الفُجُورِ فِي الأَرْضِ، فَكَانُوا يُحَرِّمُونَ الْعُمْرَةَ حَتَّى يَنْسَلِخَ ذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَيَجْعَلُونَ المُحَرَّمَ صَفَرًا، وَيَقُولُونَ: إِذَا بَرَا الدَّبَرْ، وَعَفَا الأَثَرْ، وَانْسَلَخَ صَفَرْ، حَلَّتِ العُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرْ.
والصحابة قبل حجة الوداع ما كانوا يعرفون تفاصيل الحج المشروعة في الإسلام، فكانوا على سجيتهم في طريقة حجهم في الجاهلية، فَلَمْ ((يَكُنْ تَمَتُّعٌ وَلَا قِرَانٌ فِي شَيْءٍ مِنْ حَجِّ الْجَاهِلِيَّةِ، وَإِنَّمَا كَانُوا عَلَى الْإِفْرَادِ، وَكَانُوا يَرَوْنَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ)) ، لذلك قالت أُمّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلا نُرَى إِلاَّ أَنَّهُ الْحَجُّ. وفي رواية أخرى قالت: لا نَنْوِي إِلا الْحَجَّ.
وصلت قافلة الحج إلى ذي الحليفة - ميقات أهل المدينة - قبيل صلاة العصر، وتوقفت ليستعد الناس للإحرام.
نكمل غدًا إن شاء الله.
وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد
قِصَّة أمِّ المؤمنين عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا في حجَّة الوداع (1)
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فالحج بالنسبة للمرأة همُّ كبير، لكثرة العوارض التي تعتريها وتؤثر على أدائها للنسك، أو لاختيارها لزمن أدائه؛ فمن قضية المحرم وتوفره في وقتها المناسب، إلى قضية الطهر ومناسبة وقته لأيام النسك، إلى الحمل بعد الزواج وثقله، إلى الأطفال الصغار الذين يصعب عليها تركهم لأداء النسك، إلى غير ذلك من العوارض.
ثم إذا حجت، قد تتأثر نفسيتها بمؤثرات مختلفة، تترك بصماتها على حجها؛ فمن خشية نزول الدورة الشهرية قبل وقتها، إلى مفاجأتها بنزولها قبل وقتها، إلى التعب والإرهاق من أداء المناسك، إلى الضعف العام في جسدها، إلى أن تنتهي أيام الحج، فتفرح بأدائها للنسك، وشوقها لإعادته مرة ثانية، وكأنها لم تمر بتعب قط.
إن أجمل قصة مرت بها امرأة في الحج، هي قصة أُمّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا في حجة الوداع؛ جمالها في شخصيات وتفاصيل القصة، وفي زمن القصة، وفي أرقى تعامل بين زوجين في الحياة؛ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مع أحب الناس إليه، وفي الحلول التي طرحها النبي الرؤوف الرحيم للصعوبات التي مرت بها زوجه الصِّدِيقة بنت الصِّديق.
وتوج هذا الجمال في هذه القصة حوادث أخرى وقعت لأمهات المؤمنين، ولصحابيات تشرفن برؤية وجه نبينا الكريم، وصحبنه في حجة الوداع.
وفي هذه القصة عبر ودروس تجمل حياة كل امرأة تأخذ بها في حياتها، وتستنير بها في طريقها.
وفي هذه القصة تسلية لكل امرأة تمر ببعض ما مرت به أُمّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا، أو مرت به بعض أمهات المؤمنين.
وهي قصة تحتاجها كل امرأة مُقبلة على الحج، لتتأسى بالنساء الصالحات، والقدوات الجليلات، اللاتي تربين على يد أفضل المربين نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، وعشن في أفضل زمان يُتقدى بأهله في هذه الأمة.
جمع القصة ومنهج كتابتها:
من جميل قصة أُمّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا أن لها روايات كثيرة متناثرة، وهذا يسهل معرفة تفاصيل القصة، ولكن لابد من جمع كل هذه الروايات حتى أستطيع فهم جوانب القصة.
وهذه طريقة علماء الحديث، فإنهم يجمعون الروايات كلها لتكتمل عندهم صورة المسألة قبل استنباط الحكم. ومن أمثلة ذلك ما رواه البخاري في صحيحه في (كتاب الحج / باب إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت)، قال: حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّ أَهْلَ المَدِينَةِ سَأَلُوا ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ امْرَأَةٍ طَافَتْ ثُمَّ حَاضَتْ، قَالَ لَهُمْ: تَنْفِرُ، قَالُوا: لاَ نَأْخُذُ بِقَوْلِكَ وَنَدَعُ قَوْلَ زَيْدٍ قَالَ: إِذَا قَدِمْتُمُ المَدِينَةَ فَسَلُوا، فَقَدِمُوا المَدِينَةَ، فَسَأَلُوا، فَكَانَ فِيمَنْ سَأَلُوا أُمُّ سُلَيْمٍ، فَذَكَرَتْ حَدِيثَ صَفِيَّةَ. رَوَاهُ خَالِدٌ، وَقَتَادَةُ، عَنْ عِكْرِمَةَ.
علق ابن حجر على هذه الرواية بقوله: ((وَلَقَدِ اخْتَصَرَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ عِكْرِمَةَ جِدًّا، وَلَوْلَا تَخْرِيجُ هَذِهِ الطُّرُقِ لَمَا ظَهَرَ الْمُرَادُ مِنْهُ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ وَتَفَضَّلَ)). (فتح الباري 3/588.)
يقول ابن حجر هذه العبارة بعد أن جمع روايات الحديث التي تبين تفاصيل كثيرة للقصة الواقعة بين ابن عباس وزيد ابن ثابت رضي الله عنهما في موضوع طواف الوداع للحائض.
وعلى هذا المنهاج سرت في كتابة القصة.
وقد قسمت كتابة القصة إلى قسمين:
الأول: ذكرت فيه حجة عائشة رضي الله عنها على شكل قصة، وأشير لكل فقرة في الهامش إلى مصدرها من الأحاديث بذكر رقم الحديث.
الثاني: ذكرت فيه الأحاديث الواردة في القصة مخرجة بطريقة مفصلة بحسب الرواة، وبحسب من رواها من علماء الحديث في كتبهم. ورقمتها ليسهل الإحالة عليها في ثنايا القصة.
وفي هذه السلسلة اليومية سأنشر القسم الأول فقط، وأما القسم الثاني فسأنشره مع طباعة الكتاب، والذي أرجو أن يكون قريبا.
وقد كنت فرغت من كتابة هذه القصة في السادس من ربيع الآخر عام 1441ه
والله أسأل أن يتقبلها مني، وأن يجعلها في ميزان حسناتي، وأن ينفع بها كل من قرأها. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
نكمل غدًا إن شاء الله.
وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد
🔎 🌍
نشاهد فيمن حولنا مَن
تأثَّروا بالرُّوحانية وممارسات
الطاقة، فتغيرت حياتهم
وطرق تعاملهم مع من
حولهم…
فما سبب تأثرهم، وكيف
يكون التعامل معهم؟
وهل هم على درجة واحدة؟
وما فقه نصيحتهم، وإنكار
ما يقعون فيه من المنكر؟
عن هذا وأكثر… نلتقي بكم
في بث قناة البيضاء -تليجرام
مع الدكتورة:
🎙 | هيفاء بنت ناصر الرشيدالأستاذ المشارك في
العقيدة والمذاهب
المعاصرة.
🗓 | الثلاثاء
13 / 11 / 1445 هـ
🔜 | 8:00 م بإذن الله
🤍 | بث قناة البيضاء:
/channel/albaydha
لا تتسرّع في الطلاق، ولا تجعل حياتك مسرحاً للآخرين، ولا تبني على الطين، ولا تزرع في فوق الصخور، ولا تنام مخاصماً لمن في البيت، ولا تستيقظ وأنت متذكراً للخصام، واجتهد في تضييق الفجاوات وتقليل الشرّ، وتكثير الخيرات.
هنا ستبدأ حياتك من جديد.
محمد سعد الأزهري
@usraaman
إذا اعترفت المرأة قولاً وعملاً بقوامة زوجها، فإنه سيتحوّل إلى شخص آخر لين ولطيف، لأن الزوج الذي تُشعره زوجته بقوامته وبأنها لن تخرج عن رأيه في النهاية لن يتحوّل قلبه تجاهها ولن يراها ثقيلة عليه أو يكون هو ثقيلاً عليها، فلقد وجد حقوقه كما يُحب فأعطاها خيراً مما تُحب.
أما الزوج الذي يشعر باختطاف قوامته أو محاولة سلبها منه أو التقليل من عقله وفرض الأمر الواقع عليه بالضغط المتتالي فإنه يقاوم ذلك بالتمسّك الزائد بآرائه حتى ولو ظهر عدم صوابها!
ويتحوّل البيت إلى حلبة من الصراع لا تنتهي بفوز أحدهما وإنما بخسارتهما جميعاً.
أمّا الزوج الذي لا يقاوم ذلك، واستسلم للأمر الواقع فلقد تحوّلت علاقته بزوجته إلى شكل اجتماعي أمام الناس، لكنها خاوية من معاني وقيم البيت السوى، لأن الميزان اختل ومالت الكفّة في غير الاتجاه الصحيح.
والزوج الذي يتعسَّف في استخدام قوامته، ويحولها كسيف مسلَّط على رقبة زوجته قهراً منه لها، فإنه سيحوّل بيته إلى مقبرة للمشاعر ومن ثمَّ يصبح بيتاً لا روح فيه، وتصبح الهموم والأحزان هي الطائر الوحيد الذي يحوم حول البيت، وبالتالي تتحوّل الأسرة إلى شيء ثقيل على نفوس الزوجة والأولاد وفي هذا خطر عظيم.
محمد سعد الأزهري
@usraaman
تطل علينا بين الفينة والأخرى بعض الشبهات القديمة في فكرتها ومنشأها الحديثة في ثوبها وأشخاصها...
فكان لزاماً على أهل الإسلام وطلبة العلم والعلماء التبصر بهذه الفتن، والوعي بما تنطوي عليه من سم زعاف، وضحالة وإفلاس فكري يروج له بعض أبناء جلدتنا ممكن يتكلمون بألسنتنا!.
فما أن مر الزمان حتى لم تسلم منهم سنة نبينا صلى الله عليه وسلم؛ فيلمزون ويطعنون ويشككون...
إلا أن الله عز وجل يأبى لدينه إلا النصرة والعلو والظهور...
رجاء هذا الوعي وهذه البصيرة وأن يستعملنا الله بطاعته لنصرة دينه ونبيه صلى الله عليه وسلم ندعوكم لسلسة من الندوات بعنوان #تكوين_أم_تشكيك
وندوة هذا الأسبوع مع :
ا. محمد سعد الأزهري
د.أحمد بدير
د. هشام رميح
و #إضاءات_حول_السنة_النبوية
على قناة
/channel/elfathantiatheism
إنّ الناظر إلى حال نساء زمانِنَا يتفطَّر قلبُه ألمًا وحسرةً، وتَدمع عينهُ حزنًا وقهرًا، فلقد أصبحَ حِجَابُهنَّ زينةً، وسِترهنَّ تفسُّحٌ وعُريٌّ وإغراء -إلا من رحم ربي- متتبِّعات في ذلك خريطة الطريقِ التي رسمها أعداؤنا مِن الشَّرق والغربِ.
فهل عَرفنَا في الإسلام عباءةً مطرّزة ضيّقةً ترسمُ جسدًا؟ وهل سمعنا بطرحةٍ مُزركشةٍ؟ أم هل رأينا في تاريخ الإسلام غطاء وجهٍ شفّافٍ؟! أم رأينا بُرقعَ وجهٍ تظهر منه عينان مكحلتان جميلتَان فاتِنتان.
[الحجاب في الإسلام والمُؤامَرات التي تُحَاكُ ضِدهُ لِتَحريرِ المرأةِ مِن سِترها وَطهَارتها وَعفَافِها، يوسف الحاج أحمد، ص٢٢]
وكان المسك في زمانهم من أطيب الطيب، لذلك كانت تحرص عليه، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَيَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ بِطِيبٍ فِيهِ مِسْكٌ.
هذه الرعاية من أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا لم تكن لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان عندها وفي يومها، بل كانت هذه الرعاية حرصًا من عائشة على خدمة النبيِّ صلى الله عليه وسلم في كلِّ وقت وحين، هذا الحرص نابع من شدَّة محبَّتها له صلى الله عليه وسلم، ولا غرابة بعد ذلك عندما نعلم أن أُمَّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا هي أحبُّ زوجاته إليه صلى الله عليه وسلم.
وممَّا يدل على أن هذه الرعاية غير مرتبطة بيومها، أن تعطيرها للنبيِّ صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة كان ليلة الأحد، وتعطيرها للنبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر كان نهار السبت، فلو كان يوم عائشة يوم السبت ليلة الأحد بذي الحليفة، فلا يمكن أن يأتيها الدور إلا بعد تسعة أيام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان وقتها عنده تسع زوجات، فسيكون يومها بناء على ذلك يوم الإثنين ليلة الثلاثاء ثالث أيام العيد. وأصرح من ذلك الرواية التي تدل على أنها تطيبه كلما أراد أن يزور البيت، وهذا لا يمكن أن يكون كله في يومها.
وفي هذا تنبيه لكِ أختي الحاجَّة بأن ترعي زوجك كما كانت تفعل أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم، في الحجِّ وفي غير الحجِّ، فتعتني بهندامه وطيبه وكلِّ ما يتعلق به، بحسب وسعك وطاقتك، ولا تتعذري بالسفر وتعب الحجِّ، فأُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا لم تتعذَّر بذلك.
نكمل غدًا إن شاء الله.
وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد
وهذا التصرف وقع منها ومن أُختها أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ كما روت هي بنفسها: أَنَّ نَاسًا اخْتَلَفُوا عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صَوْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ صَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِصَائِمٍ، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ فَشَرِبَهُ. ولعلها حادثة واحدة وقعت بحضرتهما جميعًا.
وفي هذا التصرُّف دليل على فطنتهما في استكشاف ((الحكم الشرعي بهذه الوسيلة اللطيفة اللائقة بالحال؛ لأن ذلك كان في يوم حرٍّ بعد الظهيرة)).
وسبب اختلاف الناس في صوم النبي صلى الله عليه وسلم أو إفطاره في يوم عرفة، ما سبق عندهم من علم تعلموه من النبي صلى الله عليه وسلم في فضل صيام يوم عرفة، وأنه يُكفِّر سنتين، فشكُّوا أهذا للحاج أيضًا، أم لا؟ وسبب هذا الشكِّ أنهم لم يروا النبي صلى الله عليه وسلم يأكل أو يشرب من بعد صلاة الظهر وإلى منتصف العصر، فقطعت أُمُّنا ميمونة الشكَّ، وتوصَّلت للحكم بطريقة لطيفة، فأرسلت إليه القدح فيه اللبن، فلما شربه علم الناس أنه لم يكن صائمًا.
وهكذا أُختي الحاجَّة، تستطيعين أن تستجلبي الحكم الشرعي وتقطعي الجدل الدائر في الحجِّ أو غيره بطريقة جميلة توصل الحكم الشرعي لمن حولك، وتبعث الطمأنينة في قلوبهم، ولا تُثير حفيظتهم. ولا تعدم المرأة الصادقة من طريقة توصل بها الحقَّ للناس. فقد تكون سؤالاً يُوجَّه للعالم، أو كتابًا يُوزَّع، أو غير ذلك من الوسائل.
المبيت بمزدلفة واستئذان سودة بالدفع ليلاً:
انقضى يوم عرفة، وغربت الشمس، فدفع النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أُمَّهات المؤمنين إلى المزدلفة، ولما وصل إلى المزدلفة صلى المغرب والعشاء، غير أن أُمَّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا لم تُصلّ معهم لأنها لم تطهر بعد.
وفي ثلث الليل الأخير، وبعد أن غاب القمر، دفع النبي صلى الله عليه وسلم بالضعفة من أهل بيته إلى منًى، منهم أُمُّ سَلمة، وأُمُّ حبيبة، من أُمَّهات المؤمنين رضي الله عنهنَّ، فطلبت أُمُّ المؤمنين سودةُ أن تدفع معهم، فأذن لها رضي الله عنها، قَالَتْ أُمّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: نَزَلْنَا الْمُزْدَلِفَةَ فَاسْتَأْذَنَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَوْدَةُ أَنْ تَدْفَعَ قَبْلَهُ وَقَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ، وَكَانَتِ امْرَأَةً بَطِيئَةً، فَأَذِنَ لَهَا، فَدَفَعَتْ قَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ، وَأَقَمْنَا حَتَّى أَصْبَحْنَا نَحْنُ ثُمَّ دَفَعْنَا بِدَفْعِهِ، فَلأَنْ أَكُونَ اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا اسْتَأْذَنَتْ سَوْدَةُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مَفْرُوحٍ بِهِ.
وتقديم الضعفة بالسير إلى منى في الثلث الأخير من الليل هدفه وصلوهم (قَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ)، فالمراد التخفيف عليهم من الزحام فيَصِلون قبل الناس إلى منًى ثم يُصَلُّون الفجر، وبعدها يتوجهون إلى جمرة العقبة الكبرى لرميها. كما قَالَتْ أُمّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا اسْتَأْذَنَتْهُ سَوْدَةُ، فَأُصَلِّي الصُّبْحَ بِمِنًى، فَأَرْمِي الْجَمْرَةَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ النَّاسُ. فَقِيلَ لِعَائِشَة: فَكَانَتْ سَوْدَةُ اسْتَأْذَنَتْهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، إِنَّهَا كَانَتِ امْرَأَةً ثَقِيلَةً ثَبِطَةً، فَاسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَذِنَ لَهَا. فَصَلَّتِ الْفَجْرَ بِمِنًى، وَرَمَتْ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ النَّاسُ.
وهذا الهدف يتحقَّق وينتفع الضعفة به إذا التزم الحجاج السير على هدي النبي صلى الله عليه وسلم بالمبيت في المزدلفة، واقتصار الخروج منها ليلاً على الضعفة، أما ما يفعله الحجاج اليوم من عدم الالتزام بالمبيت في مزدلفة، والاقتصار على الصلاة فيها، وجمع الحصى ثم الدفع منها مباشرة، فهذا إخلال بتطبيق الهدي النبوي في الحجِّ، والذي أكد عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ)). فيزدحم الناس في الخروج، وفي الوصول إلى منى، وفي رمي الجمرة، هذا الازدحام يجعلنا نفكر قبل أن ندفع بالضعفة هل سيكون الدفع بهم ليلاً أشق من مبيتهم؟ وهل فعلاً سيتحقَّق التخفيف عليهم بهذا الدفع؟
ومن واقع التجربة على مدى ست وثلاثين حجَّة متتالية، وجدنا أن ما يفعله الناس اليوم من مخالفة السنة بالمبيت أضر بالضعفة، وأصبح الخروج بهم من مزدلفة ليلًا أشق عليهم من المبيت، بسبب هذا الزحام من قبل الحجاج.
وتقديم الضعفة قبل حطمة الناس وازدحامهم رخصة باقية يُراد منها التخفيف، وليست واجبة على كل امرأة أن تخرج أو كل ضعيف.
نكمل غدًا إن شاء الله.
وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد
لم أن يجعلوها عمرة استجابت لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان زوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه قد خرج إلى اليمن بطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما رجع من اليمن أدرك النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو في مكَّة بعد أن تحلَّل الناس من عمرتهم، وقبل يهلوا بالحجِّ.
فلمَّا علمت زوجه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها بمقدمه من السفر، تزينت له وعطرت خباءها لاستقباله، فجاء علي بن أبي طالب إلى خبائها ((فَوَجَدَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مِمَّنْ حَلَّ وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا وَاكْتَحَلَتْ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا)). يقول علي بن أبي طالب: ((وَجَدْتُ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَدْ لَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا، وَقَدْ نَضَحَتْ الْبَيْتَ بِنَضُوحٍ)). والزوجة في مثل هذه الحالة التي تهيَّأت فيها لاستقبال زوجها تتوقَّع منه شيئًا غير الذي رأته سيدةُ نساء أهل الجنة رضي الله عنها، فقد رأت في وجهه الاستنكار لفعلها، فبادرته فَقَالَتْ: مَا لَكَ؟! فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَحَلُّوا.
وسبب استنكار علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ما كان قد رسخ في نفوس العرب أن العمرة لا تكون في أشهر الحجِّ، وأن الحاجَّ يأتي بنسك واحد لا يتحلَّل منه إلا في يوم النحر، وهذا الذي عالجه النبيُّ صلى الله عليه وسلم وبيَّن بطلانه في حجَّته هذه، ووجد تأخُّرًا من الصحابة في الامتثال لتطبيقه.
فلما أنكر علي رضي الله عنه على فاطمة رضي الله عنها قالت له: إِنَّ أَبِي أَمَرَنِي بِهَذَا، لكنه لم يقتنع بذلك، فذهب يستفسر من النبيِّ صلى الله عليه وسلم بنفسه، يقول عليٌّ رضي الله عنه: فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُحَرِّشًا عَلَى فَاطِمَةَ لِلَّذِي صَنَعَتْ، مُسْتَفْتِيًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا ذَكَرَتْ عَنْهُ، فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّي أَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَ:" صَدَقَتْ صَدَقَتْ صَدَقَتْ، أَنَا أَمَرْتُهَا بِهِ)).
وهذا فيه أدب استقبال المرأة لزوجها، وخاصَّة إذا كان قادمًا من سفر، وفيه التزيُّن للزوج في السفر، ولو كان في سفر الحجِّ، وفي هذه الآداب صلاحٌ للزوجين وسعادة في الدارين.
حوار أُمِّنا حفصة رضي الله عنها مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم:
وكما أمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس أن يحلوا من إحرامهم ويجعلوها عمرة، كذلك أمر نساءه أن يحللن من إحرامهنَّ، كما قالت أُمُّنا حفصة رضي الله عنها: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يَحْلِلْنَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ. ولكن مع أمره صلى الله عليه وسلم لنسائه أن يحللن من إحرامهنَّ، لم يحلَّ هو إحرامه، فتساءلت أُمُّنا حفصة رضي الله عنها، فقالت له: مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا بِعُمْرَةٍ وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ مَا يَمْنَعُكَ؟ فَقَالَ: ((لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْتُ هَدْيِي، فَلَسْتُ أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ هَدْيِي)). والتَّلْبِيدُ: ((هُوَ أَنْ يُجْعَلَ فِيهِ شَيْءٌ لِيَلْتَصِقَ بِهِ)). (فتح الباري 3/430)
وهذا السؤال صدر من أُمِّنا حفصة رضي الله عنها؛ لأنها تعلَّمت من النبيِّ صلى الله عليه وسلم ألَّا يأمرهم بأمر ويخالفهم في فعله إلا أن تكون له خصوصية فيه، فأرادت أن تستوضح عن سرِّ مخالفته لما أمر به نساءه، وأمر به الصحابة.
وفي هذا تربية للرجل في أنه لا يأمر زوجته بأمر ويخالفه إلا بحجَّة شرعية، كما أن فيه تنبيهًا للمرأة أن تستفسر من زوجها أو وليها ما تراه من أفعاله التي تخالف أقواله، فلعلَّ عنده حجَّة شرعية في ذلك وهي لا تعلم.
وظاهر من الحدث أن أُمَّنا حفصة رضي الله عنها لم تكن سمعت النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو يُبيِّن ويشرح للناس سببَ امتناعه عن التحلُّل من إحرامه، وهو أنه قد ساق الهدي، ولم تسمع منه تمنِّيه أنه لو لم يسق الهدي لجعلها عمرة.
ولا غرابة في ذلك، فإن النبيَّ صلى الله عليه وسلم إنما كان يوجِّه أقواله في مجامع الرجال، وليس كلُّ زوجات النبيِّ صلى الله عليه وسلم كان عندها الحرص على التقاط العلم مثل ما عند أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا، والتي تفوَّقت على بقية زوجاته في العلم، ولم ينافسها في ذلك إلَّا أُمُّ المؤمنين أُمُّ سلمة رضي الله عنها.
نكمل غدًا إن شاء الله.
وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد
وتقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: فَقَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلَمْ يَحِلَّ، وَكَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ، فَطَافَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ نِسَائِهِ وَأَصْحَابِهِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يَحِلَّ، فَحَلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ، وَنِسَاؤُهُ لَمْ يَسُقْنَ الْهَدْيَ فَأَحْلَلْنَ، فدلت رواية أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا على أن جميع نساء النبيِّ صلى الله عليه وسلم قد طفن بالبيت، وأنه لم يحض منهنَّ قبل عرفة إلا هي رَضِي اللَّه عَنْهَا، لم تطف بالبيت بسبب حيضها. قَالَتْ أُمُّنا عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَحِضْتُ فَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ.
وهذا يعني أن المرأة المحرمة بالحجِّ أو العمرة، إذا قدمت مكة تُبادر بالطواف بالبيت، قبل أن يعتريها شيءٌ.
متى تسعى الحائض بين الصفا والمروة؟:
يعتقد البعض أن الحائض تستطيع أن تسعى بين الصفا والمروة، لأن الصفا والمروة خارج الحرم، وهذا صحيح لو أنها طافت بالبيت وهي طاهر ثمَّ حاضت، أما إذا جاءت مكة وهي حائض فتنتظر حتى تطهر ولا تسعى بين الصفا والمروة. كما وقع لأُمّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا في حجَّتها، فهي قد حاضت قبل دخول مكة، تقول رضي الله عنها: فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ، وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وإنما لم تطف بالبيت امتثالًا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال لها: ((فَاقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَغْتَسِلِي)). ((وَالْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِي نَهْيِ الْحَائِضِ عَنِ الطَّوَافِ حَتَّى يَنْقَطِعَ دَمُهَا وَتَغْتَسِلَ)). (فتح الباري 3/505)
نكمل غدًا إن شاء الله.
وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد
ولا يُتصور أن أُمَّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا أخذت قرار الإهلال بالعمرة من غير مشورة من النبي صلى الله عليه وسلم. بل المؤكد أنه صلى الله عليه وسلم علَّم أمهاتِ المؤمنين أحكامَ النُّسك وأنواعه، وأمرهنَّ بالإهلال بالعمرة.
ثم انطلقت القافلة إلى مكَّةَ بعدما أَهَلَّ الناس بالنُّسك، رافعين أصواتَهم بالتلبية، معظِّمين لحرماتِ الله ولشعائرِ الله يرجون رحمة الله.
انطلقت القافلة يوم الأحد، واستمرت في المسير إلى يوم الأحد الرابع من ذي الحجة، كما جاء في حديث جابر رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَبَّيْنَا بِالحَجِّ، وَقَدِمْنَا مَكَّةَ لِأَرْبَعٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ. فاستغرق الطريق سبعة أيام، لأنهم باتوا ليلة الأحد خارج مكَّة، ودخلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم صبيحة الأحد الرابع من ذي الحجة.
نكمل غدًا إن شاء الله.
وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد
قصة عائشة في حجة الوداع (4)
إهلال عائشة بالعمرة في حجَّة الوداع
أُولى خطوات تغيير أمر الجاهلية في الحجِّ:
قد لا نتصور حجم الصعوبات التي كان يمرُّ بها النبي صلى الله عليه وسلم في تغيير بعض أفعال الجاهلية التي تربَّى عليها الناس، واستقرَّت في نفوسهم، وذلك لأننا نشأنا في الإسلام واستقرَّت تعاليم النبيِّ صلى الله عليه وسلم في نفوس المسلمين، وإن قصرنا في تطبيقها، لكننا نعلم أنها الحقُّ.
والإسلام جاء لهدم الجاهلية من نفوس الناس، وتربية النفوس على عبودية الله وحده لا شريك له، ولو تتبعنا ما ورد في القرآن الكريم من آياتٍ وأحكام نزلت لإبطال أمر الجاهلية لوجدنا الشيء الكثير.
ولم يكن تغيير مسائل الجاهلية وتصوراتها بمستوى واحد، فبعضها أصعب من بعض. وبتتبُّع سيرة النبيِّ صلى الله عليه وسلم نجد أن مسائل وعقائد الجاهلية الكبيرة التي استقرَّت في نفوس الناس واعتبروها دينًا، واعتبروا انتهاكها ومخالفتها من كبائر الأمور- نجد أن الله وَكَلَ أمرَ تغييرها إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم في حياته الخاصَّة أولًا، ثم يتبعه الناس؛ مثل إلغاء التبنِّي، وتزوُّج مُطلَّقة المُتَبنَّى، وهو أشدُّ من التبنِّي، قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا﴾ [الأحزاب: 37]
ومن هذه المسائل؛ أداء العمرة مع نسك الحجِّ في سفرة واحدة في أشهر الحجِّ، والتي كان يعدها أهل الجاهلية - من كفَّار العرب المعظِّمين للبيت الحرام - يعدونها من أفجر الفجور. قال ابن عباس رضي الله عنه: إِنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنْ قُرَيْشٍ وَمَنْ دَانَ دِينَهُمْ، كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ العُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الفُجُورِ فِي الأَرْضِ، فَكَانُوا يُحَرِّمُونَ الْعُمْرَةَ حَتَّى يَنْسَلِخَ ذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَيَجْعَلُونَ المُحَرَّمَ صَفَرًا، وَيَقُولُونَ: إِذَا بَرَا الدَّبَرْ، وَعَفَا الأَثَرْ، وَانْسَلَخَ صَفَرْ، حَلَّتِ العُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرْ.
وتظهر هذه الصعوبة في تغيير هذا التصوُّر - عند من أسلم من العرب وعاش مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم وتربَّى على يديه - في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، حيث قَالَ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ العُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الفُجُورِ فِي الأَرْضِ، وَيَجْعَلُونَ المُحَرَّمَ صَفَرًا، وَيَقُولُونَ: إِذَا بَرَا الدَّبَرْ، وَعَفَا الأَثَرْ، وَانْسَلَخَ صَفَرْ، حَلَّتِ العُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرْ، قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مُهِلِّينَ بِالحَجِّ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ الحِلِّ؟ قَالَ: ((حِلٌّ كُلُّهُ)). ((فَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: (كَانُوا يَرَوْنَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فِي الْأَرْضِ)، وَتَرْتِيبُهُ بِالْفَاءِ عَلَى ذَلِكَ قَوْلَهُ: (فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً)، ظَاهِرٌ كُلَّ الظُّهُورِ فِي أَنَّ السَّبَبَ الْحَامِلَ لَهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَمْرِهِمْ أَنْ يَجْعَلُوا حَجَّهُمْ عُمْرَةً، هُوَ أَنْ يُزِيلَ مِنْ نُفُوسِهِمْ – بِذَلِكَ - اعْتِقَادَهُمْ أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فِي الْأَرْضِ)). (أضواء البيان 4/356)
فهذا التعاظم عند الصحابة الذين تربَّوا قبل ذلك على مخالفة أمر الجاهلية في قضايا مختلفة، تُبيِّن لنا صعوبةَ تغيير المألوف عند الناس الذي يعتبرونه دينًا، وعاشوا عليه مدَّة من الزمن، لذلك تدرَّج النبيُّ صلى الله عليه وسلم في طرح الموضوع عليهم.
فكانت البداية بتخيير الصحابة في أنواع النُّسك وهم في ميقات ذي الحليفة، ((وكانوا أوّلاً لا يعرفون إلا الحجَّ، فبيَّن لهم النبي صلى الله عليه وسلم وجوهَ الإحرام، وجوَّز لهم الاعتمار في أشهر الحجِّ)) (إرشاد الساري 3/129)، وترك لهم صلى الله عليه وسلم اتخاذ القرار؛ كلٌّ بحسب إرادته.
وقد استجاب لطلب النبيِّ صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة.
قصة أمنا عائشة في حجة الوداع (3)
رِعايةُ عائشةَ للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في الحجِّ
السفر لم يمنع عائشة من رعاية النبي صلى الله عليه وسلم :
وفي الميقات صلَّت أُمُّنا عَائِشَةُ رَضِي اللَّه عَنْهَا صلاة العصر قصرًا، والمغرب، والعشاء قصرًا، وفجر اليوم التالي، وبعد صلاة الظهر تحرَّكت قافلة الحجِّ إلى مكة.
وفي فترة بقاء أُمِّنا عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا في الميقات كانت تقوم على رعاية النبيِّ صلى الله عليه وسلم من كلِّ وجه، حتى أنها كانت تُطَيِّبه ليطوف على نسائه قبل إحرامه، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَطَافَ فِى نِسَائِهِ ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا.
وهذا الطيب لم يعلم به الصحابة لولا تحديث أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا به، لأنه شأن داخلي في البيت، فعله النبيُّ صلى الله عليه وسلم قبل معاشرته لزوجاته بالليل، وهذا من حسن عشرته صلى الله عليه وسلم لزوجاته. وإذا كان هذا فعل النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو رجل، فتطيُّب المرأة لمثل هذا من باب أولى، ولذلك ذكر العلماء ((أَنَّ السُّنَّةَ اتِّخَاذُ الطِّيبِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ عِنْدَ الْجِمَاعِ)). (فتح الباري 1/381)
وهذه المعاشرة بين الزوجين قبل الإحرام لا تُخِّل بمشاعر الحجِّ، ولا تمنع منه، بل هي جزء من تفريغ النفس عن احتياجها الفطري قبل الدخول في النُّسك، حتى لا تنشغل النفس به في النُّسك، أو تضعف فتقع في المحظور.
ولا يُعاب على المرأة في الحجِّ تزيُّنُها لزوجها ليلة الإحرام وتطيُّبُها ليعاشرها، فإن لها أسوةً بأمهات المؤمنين رضي الله عنهنَّ.
وفي صباح اليوم التالي طيَّبت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا النبيَّ صلى الله عليه وسلم بيدها ليُحرمَ بالحجِّ؛ قالت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، عِنْدَ إِحْرَامِهِ حِينَ أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ.
وكانت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا تختارُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم أفضلَ ما تجد من الطِّيب، كما قالت رضي الله عنها: كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَطْيَبِ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، ثُمَّ يُحْرِمُ.
وكانت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا تفتخر بأنها طيَّبتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بيدها فتقول: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدَيَّ هَاتَيْنِ حِينَ أَحْرَمَ.
وكلُّ هذا يدلُّ على شِدَّة عناية أُمِّنا عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في حال سفره، وعنايتها بمظهره ورائحته.
وفي هذا تنبيهٌ لكِ أختي الحاجَّة، أن تعتني بزوجكِ إن كان معكِ في الحجِّ بمثل ما اعتنت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم ، ولا يمنعكِ السفرُ للحجِّ من ذلك.
التطيُّب للإحرام:
وفي الميقات كانت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا تتطيَّب للإحرام فتضع الطِّيب على جبهتها، ويبقى أثر هذا الطِّيب بعد الإحرام، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: كُنَّا نَخْرُجُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَكَّةَ، فَنُضَمِّدُ جِبَاهَنَا بِالسُّكِّ الْمُطَيَّبِ عِنْدَ الإِحْرَامِ، فَإِذَا عَرِقَتْ إِحْدَانَا سَالَ عَلَى وَجْهِهَا، فَيَرَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلا يَنْهَاهَا.
وإنما كانت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا تضع الطِّيب عند إحرامها، لأنه ((يُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ مَا يُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ؛ مِنْ الْغُسْلِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، وَالتَّطَيُّبِ، وَالتَّنَظُّفِ)). (المغنى 3/303)
ولم يكن هذا فعل أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا فقط، بل كان هذا فعل جميع زوجات النبيِّ صلى الله عليه وسلم كما أخبرتنا بذلك أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا، حيث ذكرت: ((أَنَّهُنَّ كُنَّ يَخْرُجْنَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، عَلَيْهِنَّ الضِّمَادُ، قَدِ اضْطَمَدْنَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمْنَ، ثُمَّ يَغْتَسِلْنَ وَهُوَ عَلَيْهِنَّ، يَعْرَقْنَ وَيَغْتَسِلْنَ لَا يَنْهَاهُنَّ عَنْهُ)).
وهذا الطِّيب الذي تتحدَّث عنه أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا هو عبارة عن مجموعة مواد تُطحن أو تُدقُّ وتُخلط بنوع من الزيوت، ثم تُحوَّل كالعجينة، ثم تُجفَّف، أو تُستخدم وهي عجينة، والغالب أنَّ أُمَّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا كانت تستخدمها وهي عجينة، ولذلك كانت تضعها على جبهتها كما يوضع الضماد على الرأس.
وهذا الطيب يشبه اليوم ما تضعه المرأة على وجهها من مواد عصرية، فهو طيب تتجمل به، ولكنه لا رائحة له يَشمُّها الرجال منها.
فيديو خطير جدا👇
طفل استمر يلعب اون لاين يومين بلا توقف وتعرض لنوبة تشنج خطيره ومفاجأه بسبب التركيز والسهر على اللعبه حطوا بالكم راقبوا عيالكم الوضع مخيف👇
https://x.com/farhanko888/status/1794081875046150343?t=w1QQ_O5EI2VaYIccyxXu0w&s=19
قصة عائشة في حجة الوداع (2)
تعظيم شعائر الله
بدأت رحلة الحج بتعظيم الشعائر ومخالفة أهل الجاهلية:
في السنة العاشرة من الهجرة أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤذن في الناس بالخروج لحجة الوداع، ليتهيأ الناس للخروج مع النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحجة العظيمة؛ حجة الوداع. قال تعالى: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: 27 - 29].
ولا شك أن هذه فرصة عظيمة لأداء مناسك الحج مع النبي صلى الله عليه وسلم ، والنهل من هديه وسنته في هذه الرحلة العظيمة، لذلك حرص الصحابة والصحابيات رضوان الله عليهم أجمعين على شهود حجة الوداع مع النبي صلى الله عليه وسلم . قال جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ فِي الْعَاشِرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَاجٌّ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ، كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ.
ومن نماذج حرص الصحابيات على حضور حجة الوداع ما وقع من ضباعة بنت الزبير بن عبدالمطلب رضي الله عنها ابنة عم النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنها كانت وقت الحج مريضة وتخشى أنها لا تستطيع أداء المناسك، فتوجهت إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تجده، فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بمجيئها إلى بيته ولم تجده توجه إلى بيتها، فلما دخل عليها قال لها: ((لَعَلَّكِ أَرَدْتِ الْحَجَّ؟)) قَالَتْ: وَاللَّهِ لا أَجِدُنِي إِلا وَجِعَةً. إِنِّي امْرَأَةٌ ثَقِيلَةٌ، وَإِنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ ، وأَنَا امْرَأَةٌ سَقِيمَةٌ، وَأَنَا أَخَافُ الْحَبْسَ ،فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: ((أَهِلِّي بِالْحَجِّ، وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ تَحْبِسُنِي)) ، فعلمها النبي صلى الله عليه وسلم كيف تتصرف في هذه الحالة من المرض، والخوف من عدم القدرة على إتمام النسك، مع الرغبة في الحج. وكان من رحمة الله بها أنها أدركت الحج كاملًا.
فإن كنتِ يا أختي الحاجَّة تشتكين من المرض، وتخافين أن تُحبسي فلا تستطيعي إتمام الحج، فلك في قصة ضباعة بنت الزبير أسوة ومخرج.
ولما حان الموعد الذي حدده النبي صلى الله عليه وسلم للحج، تحركت قافلة الحج العظيمة بعد صلاة الظهر، بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم ((لِخَمْس لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ)) ، كما أخبرتنا أُمّنا عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أي في يوم السبت الرابع أو الخامس والعشرين من ذي القعدة. وإنما جزمت أُمّنا عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا بعدد الليالي الباقية من شهر ذي القعدة ((لأنها حدثت بذلك بعد أن انقضى الشهر)).
((وخروجه صلى الله عليه وسلم آخر الشهر بخلاف أفعال الجاهلية في استقبالهم أوائل الشهور في الأعمال وتوجيههم ذلك وتجنبهم غيره من أجل نقصان العمر، فبعث الله نبيه ينسخ ذَلِكَ كله، ولم يراع نقص شهر ولا ابتداءه، ولا محاق القمر ولا كماله، فخرج في أسفاره على حسب ما يتهيأ له، ولم يلتفت إلى أباطيلهم ولا ظنونهم الكاذبة، وردَّ أمره إلى الله تعالى، ولم يشرك معه غيره في فعله، فأيده ونصره)).
هذه المخالفة لأمر الجاهلية سنراها في كل تفاصيل أعمال الحج، فهي أمر مقصود في هذا النسك العظيم.
وتحركت قافلة حجة الوداع وهي مصحوبة بمشاعر التعظيم لهذا النسك العظيم، ولأيامه، وأحواله المرتبطة بالحجاج، تقول أُمّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَلَيَالِي الْحَجِّ وَحُرُمِ الْحَجِّ. ((أَيْ أَزْمِنَتُهُ وَأَمْكِنَتُهُ وَحَالَاتُهُ)).
وهكذا أختي الحاجَّة ينبغي أن يكون خروجكِ للحج فيه تعظيم لهذا النسك العظيم، وكل ما يحيط به من الأمور المتعلقة به، كأشهر الحج؛ شوال، وذي القعدة، وذي الحجة. وهي متداخلة مع الأشهر الحرم التي حرمها الله عز وجل يوم خلق السموات والأرض، وأمرنا بتعظيمها واحترامها، فقال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة: 36].
ومن تعظيمكِ لهذا النسك تعظيم حرمات الله في نفسكِ، فتجتنبين معاصي الله،
#إرهاب #أكاديميا #أمومة #أنثى #تناقض #حرية #رجولة #زواج_مبكر #صناعة_لعب #قوامة
خبر يتصدر وسائل إعلام أمريكية ثم عالمية
لاعب كرة قدم أمريكي / معروف بتدينه الكاثوليكي وحرصه على البيت والزوجية والأبوية لابنيه / كل هذا وهو لا يتجاوز 28 سنة / في حفل تخريج جامعي سابق = أوصى الطلاب الجامعيين بالزواج المبكر والأبوة
قدم خطابا في حفل تخريج جامعي منذ أيام / أشاد فيه بدور الأنثى كزوجة وأم / وغصّ بما يشبه البكاء عند شكره لزوجته / وكانت العبارة الأبرز عندما قال إن من أهم أدوار الأنثى أن تكون = صانعة بيت Home-Maker
كما نقد حقّ الإجهاض والتلقيح الاصطناعي والجندر والشذوذ والتحول الجنسي والقتل الرحيم وغيرها من مفاهيم / وألمح بما يعدّ نقدا لمغنية أمريكية على علاقة غير شرعية بلاعب آخر.
وكما هو متوقّع = ثارت ثائرة كثيرين ضدّه / وعدّه كثيرون عنصريا ومعاديا للنسوية وللمثليين والمتحولين جنسيا / بل بلغ الأمر حد إعلان اتحاد كرة القدم أنهم لا علاقة لهم بتصريحه / كما عبّرت قيادة المدينة عن تحفظها على ما قاله وأنه لا يسكن فيها وإنما يسكن قريبا منها :)
وهذا رابط خبر ما أثاره خطابه للطالبات الجامعيات
.
حب الزوج للزوجة بيكون في الغالب احساسه بالامتزاج بينهما في الحاضر والمستقبل ووحدة المصير.
فهو يرى الحب بشكل استراتيجي، بخلاف الزوجة تراه بشكل مشاعري وعاطفي وتعبيري وتلامسي.
وللأسف معظم الأزواج كلما طال بهم الزواج كلما ضعُفَت لديهم المشاعر المُعلنة وزادت لديهم جزئية الامتزاج، يعني يشعر أنه وزوجته كائنين في واحد، هو يبني وهي تمهّد نفسيته للبناء، هو يجري وهي تحضّر له ملابس الجري، هو يحارب الحياة وهي تلمّع له السّيف، فهو يرى الامتزاج من هذه الناحية، وهي ترى أن هذه الرؤيه ينقصها القُبلة والثناء والمدح.
فإذا لم تستشعر استراتيجيته ولم يفهم مشاعريتّها، ابتعدا رغم القُرب، وزادت الفجوة رغم أن الحفرة صُنعت داخلياً، وفرّقت الأيام بينهما رغم أن هذه الأيام كانا يعملان من أجل اجتماعهما في المستقبل سوياً!
فانتبها يرحمكم الله.
محمد سعد الأزهري
🟪 سوء الفهم "مش سوء الظن" دا شيء عادي في حياتك الأسرية، فلما يحصل متقفش عنده ولكن وضّحه دون ملامة وعتاب لإنه ممكن يكون شيء متكرر في حياتك.
🟪 التَّشاحن دا شيء عادي في حياتك الأسرية، موقف في التاني في التالت وهتلاقي الدنيا فجأة بقت صعبة، والأمر هيعدي بفضل الله، فبلاش ترجعله تاني بالليل أو تاني يوم، واشتغل بنظام اللي فات مات.
🟪 في كل الأحوال انت تقدر تجرح اللي قدامك، لكن الجروح الزوجية بتبقى صعبة جداً، فالكلمة اللي هتقدر تغيظ بيها الطرف التاني امسك لسانك عنها حتى ولو هتتعب نفسياً، لإن تعبك النفسي سيزول سريعاً لإنه مؤقت، أما الكسر فسيحتاج لوقت طويل حتى يلئتم وقد لا يلتئم!
🟪 الإهانة مفيش أسهل منها، لكن الأخلاق مفيش أحسن منها، فعوّد نفسك تكون أحسن حاجة، لإن المعدن الأصيل بيفضل بخيره لنهاية العمر.
محمد سعد الأزهري
@usraaman
الحياة لن تعطينا كل ما نريد
ولكننا نتعامل معها بالمحايلة
فمرة تصيب ومرات تخيب
وهذا مصداق قوله تعالي "لقد خلقنا الإنسان فى كبد"
ولذلك أغلب أحلامنا لا تتم
وبناء عليه فنحن نتعامل مع الأمور بميزان الإجمال لا بميزان التفاصيل
فسايس أمورك
ولا تكن متطرفاً فى الأقوال ولا الأفعال
وكذلك لا تكن متطرفاً فى الأحلام ولا منتظراً للمعجزات ولا يائساً من الأحوال.
وتذكّر مرة أخرى بأن الحياة لن تعطينا كل ما نريد!
والله أعلم
محمد سعد الأزهري
@usraaman
كم نحن مساكين حين نكون "مُتَرَهِّلين" ضعفاء في علاقتنا مع الله ومع ذلك نظن أنه "ماشي الحال" لأننا نتجنب الكبائر ونحب الله والظاهر من إنعام الله علينا أنه راضٍ عنا!
أقول هذا لأني عشت في ليلة من ليالي رمضان الماضي تجربة تُحفر في الذاكرة:
منَّ الله علي بأن صليت قيام الليل خلف أخٍ رقيق القلب مع القرآن رقة عجيبة، ركعتين قرأ فيهما من سورة آل عمران. وكان فيهما يبكي بكاء متصلاً، بالكاد يستجمع نفسه ليقرأ الآيات بصوتٍ رقيق خاشع.
علماً بأن هذا الأخ "مزيح" خفيف الظل محبب الشخصية.
ومع أني أحب القرآن منذ طفولتي حباً عظيماً، وتتملكني رهبة لا يعبر عنها وأن أقرأ أو حتى أتذكر بعض آياته، وأبكي لها في بعض خلواتي، إلا أنني أحسست -وأنا أسمع تلاوة الأخ- أحسست بشيء من الحرمان!
أكتب هذا الكلام مع أن الأصل في الإنسان أن يستر نقائصه، لكني أكتبه درساً بليغاً لإخواني وأخواتي، وأسأل الرحمن الرحيم منزل الكتاب أن يجعل هذا المقال سبباً لينظر لي سبحانه ولقلبي نظر رحمة فيلقي في قلبي رقةً كالتي منحها لهذا الأخ وزيادة.
الدرس البليغ: إياكم يا أحبة أن تظنوا أنه "ماشي الحال" ما دام الله ينعم علينا ويستر عيوبنا ويوفقنا للصلاة وسائر الفروض -ولو بروح ميتة !- ويجنبنا الكبائر -مع أننا قد نفعل ما هو عند الله كبائر ولكن مجتمعاتنا تعوَّدَتْ عليها وتبلَّد إحساسنا تجاهها!
لا والله! مش ماشي الحال!
مش ماشي الحال لما نكون يعيش أحدنا 30، 40، 50، 60 سنة أو أكثر، ولم يَنعم بقراءة كهذه للقرآن يوماً، ولم يعش هذه المعاني التي تهز قلب هذا الأخ وتُجري دموعه كلما تلا آيات ربه، أو في أحسن الأحوال قلما يعيشها.
مش ماشي الحال لما نكون محجوبين عن هذه المقامات الرفيعة في العلاقة مع الله ومع ذلك لا نحس بالحجب والحرمان لأننا -بسذاجة شديدة- نكتفي بأننا أحسن من غيرنا!
مش ماشي الحال لما نكون لا ندرك وجود هذا النعيم الدنيوي العظيم فضلاً عن أن نطلبه!
مش ماشي الحال لما نكون نحرم أنفسنا من رتبة متقدمة من الحياة الطيبة التي وعد الله بها عباده، والتي نرى إخوة لنا في غزة يعيشونها على الرغم من شدة مصابهم، لكن مع ذلك يستحضرون أنهم في كنف الله فيهون عليهم كل مصاب فيما نحسبهم.
قد ندخل الجنة في النهاية، إذا عفا الله عنا بلطفه وكرمه..لكن تذكروا قول نبينا ﷺ: (إنَّ في الجَنَّةِ مِئَةَ دَرَجَةٍ، أعَدَّها اللَّهُ لِلْمُجاهِدِينَ في سَبيلِ اللَّهِ، ما بيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كما بيْنَ السَّماءِ والأرْضِ)...هذه درجات للمجاهدين في سبيله! فضلاً عمن دونهم، ومع ذلك فهي متفاوتة هذا التفاوت الهائل جداً جداً !
لماذا؟ لأن التفاوت في أعمال القلوب هو كذلك أيضاً ! تفاوت هائل جداً جداً !..جداً!
لذلك يا شباب، أوصي نفسي وإياكم: لا تضيعوا هذه اللذات والمقامات العلا لأجل شهوة محرمة أو انغماس مفرط ولو حتى في الحلال، ولا لأجل كسل وبلادة، ولا خوفاً من أحد ولا رغبة فيما عنده. فوالله إن الحرمان بشع! ووالله إن هذا الرزق الذي يرزق الله به عباده في الدنيا من رقة القلب لهو خير من الدنيا وما فيها، فما بالكم بما عنده يوم القيامة؟!
﴿ لَٰكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۗ وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ لِّلْأَبْرَارِ﴾ [ آل عمران: 198].
ختاماً: من استفاد من هذه الكلمات، فليدعُ لكاتبها بظهر الغيب أن يرزقه ما رزق صاحبه من رقة القلب وزيادة، علماً بأني أرسلت له ألا يطلع على ما سأكتبه اليوم لئلا يدخل قلبه ما يفسد عليه نعيمه.
اللهم إنا نعوذ بك من علمٍ لا ينفع، ومن نفس لا تشبع، ومن قلبٍ لا يخشع، ومن عينٍ لا تدمع. عامِلْنا يا رحمن السماوات والأرض ورحيمهما بما أنت أهله من التفضل والكرم والإنعام.
والحمد لله رب العالمين.