-
قناة تهتم بتفسير القران الكريم والسنة النبوية
قناة أجوبة سائلين للمتابعة
/channel/ajuldubin
دز قناتك نصعدها لك 300 عضو : @Salafiisme
Читать полностью…
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الهجرة في سبيل الله هي الانتقال من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام ، كما انتقل المسلمون من مكة قبل إسلام أهلها إلى المدينة ، لكونها صارت بلد إسلام بعد مبايعة أهلها للنبي صلى الله عليه وسلم وطلبهم هجرته إليهم ، وتكون الهجرة أيضا من بلاد شرك إلى بلاد شرك أخف شرا ، وأقل خطرا على المسلم ، كما هاجر بعض المسلمين من مكة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم إلى بلاد الحبشة .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
المصدر:
فتاوى اللجنة الدائمة 12/50
قال الطبري رحمه الله:
تأويل قوله تعالى: {ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة، ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما} يعني جل ثناؤه بقوله: {ومن يهاجر في سبيل الله}: «ومن يفارق أرض الشرك وأهلها هربا بدينه منها ومنهم إلى أرض الإسلام وأهلها المؤمنين {في سبيل الله} يعني في منهاج دين الله وطريقه الذي شرعه لخلقه"
انتهى من "تفسير الطبري" (7/ 391).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
{وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} الهجرة، ترك البلاد التي لا يقيم الإنسان فيها دينه، إلى بلاد أخرى يقيم فيها دينه. وعبر عنها بعضهم بقوله: الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام"
انتهى من "تفسير العثيمين: النساء" (2/ 123).
عن البراء رضي الله عنه قال :
" أول من قدم علينا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير وابن أم مكتوم فجعلا يقرئاننا القرآن ثم جاء عمار وبلال وسعد ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم به حتى رأيت الولائد والصبيان يقولون هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاء . . . " .
رواه البخاري ( 4560 ) .
عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ فَذَهَبَ وَهَلِي [أي ظني] إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ . . . الحديث .
رواه البخاري (3352) ومسلم (4217) .
تفسير القرطبي: مضمون الآية
قوله تعالى : ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما فيه خمس مسائل :الأولى : قوله تعالى : ومن يهاجر في سبيل الله يجد شرط وجوابه في الأرض مراغما اختلف في تأويل المراغم ؛ فقال مجاهد : المراغم المتزحزح .
وقال ابن عباس والضحاك والربيع وغيرهم : المراغم المتحول والمذهب .
وقال ابن زيد : والمراغم المهاجر ؛ وقاله أبو عبيدة .
قال النحاس : فهذه الأقوال متفقة المعاني .
فالمراغم المذهب والمتحول في حال هجرة ، وهو اسم الموضع الذي يراغم فيه ، وهو مشتق من الرغام .
ورغم أنف فلان أي لصق بالتراب .
وراغمت فلانا هجرته وعاديته ، ولم أبال إن رغم أنفه .
وقيل : إنما سمي مهاجرا ومراغما لأن الرجل كان إذا أسلم عادى قومه وهجرهم ، فسمي خروجه مراغما ، وسمي مصيره إلى النبي صلى الله عليه وسلم هجرة .
وقال السدي : المراغم المبتغى للمعيشة .
وقال ابن القاسم : سمعت مالكا يقول : المراغم الذهاب في الأرض .
وهذا كله تفسير بالمعنى ، وكله قريب بعضه من بعض ؛ فأما الخاص باللفظة فإن المراغم موضع المراغمة كما ذكرنا ، وهو أن يرغم كل واحد من المتنازعين أنف صاحبه بأن يغلبه على مراده ؛ فكأن كفار قريش أرغموا أنوف المحبوسين بمكة ، فلو هاجر منهم مهاجر لأرغم أنوف قريش لحصوله في منعة منهم ، فتلك المنعة هي موضع المراغمة .
ومنه قول النابغة :كطرد يلاذ بأركانه عزيز المراغم والمهربالثانية : قوله تعالى : وسعة أي في الرزق ؛ قاله ابن عباس والربيع والضحاك .
وقال قتادة : المعنى سعة من الضلالة إلى الهدى ومن العيلة إلى الغنى .
وقال مالك : السعة سعة البلاد .
وهذا أشبه بفصاحة العرب ؛ فإن بسعة الأرض وكثرة المعاقل تكون السعة في الرزق ، واتساع الصدر لهمومه وفكره وغير ذلك من وجوه الفرج .
ونحو هذا المعنى قول الشاعر :وكنت إذا خليل رام قطعي وجدت وراي منفسحا عريضاوقال آخر :لكان لي مضطرب واسع في الأرض ذات الطول والعرضالثالثة : قال مالك : هذه الآية دالة على أنه ليس لأحد المقام بأرض يسب فيها السلف ويعمل فيها بغير الحق .
وقال : والمراغم الذهاب في الأرض ، والسعة سعة البلاد على ما تقدم .
واستدل أيضا بعض العلماء بهذه الآية على أن للغازي إذا خرج إلى الغزو ثم مات قبل القتال له سهمه وإن لم يحضر الحرب ؛ رواه ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أهل المدينة .
وروي ذلك عن ابن المبارك أيضا .
الرابعة : ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله الآية .
قال عكرمة مولى ابن عباس : طلبت اسم هذا الرجل أربع عشرة سنة حتى وجدته .
وفي قول عكرمة هذا دليل على شرف هذا العلم قديما ، وأن الاعتناء به حسن والمعرفة به فضل ؛ ونحو منه قول ابن عباس : مكثت سنين أريد أن أسأل عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما يمنعني إلا مهابته .
والذي ذكره عكرمة هو ضمرة بن العيص أو العيص بن ضمرة بن زنباع ؛ حكاه الطبري عن سعيد بن جبير .
ويقال فيه : ضميرة أيضا .
ويقال : جندع بن ضمرة من بني ليث ، وكان من المستضعفين بمكة وكان مريضا ، فلما سمع ما أنزل الله في الهجرة قال : أخرجوني ؛ فهيئ له فراش ثم وضع عليه وخرج به فمات في الطريق بالتنعيم ، فأنزل الله فيه ومن يخرج من بيته مهاجرا الآية .
وذكر أبو عمر أنه قد قيل فيه : خالد بن حزام بن خويلد ابن أخي خديجة ، وأنه هاجر إلى أرض الحبشة فنهشته حية في الطريق فمات قبل أن يبلغ أرض الحبشة ؛ فنزلت فيه الآية ، والله أعلم .
وحكى أبو الفرج الجوزي أنه حبيب بن ضمرة .
وقيل : ضمرة بن جندب الضمري ؛ عن السدي .
وحكي عن عكرمة أنه جندب بن ضمرة الجندعي .
وحكي عن ابن جابر أنه ضمرة بن بغيض الذي من بني ليث .
وحكى المهدوي أنه ضمرة بن ضمرة بن نعيم .
وقيل : ضمرة بن خزاعة ، والله أعلم .
وروى معمر عن قتادة قال : لما نزلت إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم الآية ، قال رجل من المسلمين وهو مريض : والله ما لي من عذر ! إني لدليل في الطريق ، وإني لموسر ، فاحملوني .
فحملوه فأدركه الموت في الطريق ؛ فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : لو بلغ إلينا لتم أجره ؛ وقد مات بالتنعيم .
وجاء بنوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبروه بالقصة ، فنزلت هذه الآية ومن يخرج من بيته مهاجرا الآية .
وكان اسمه ضمرة بن جندب ، ويقال : جندب بن ضمرة على ما تقدم .
وكان الله غفورا لما كان منه من الشرك رحيما حين قبل توبته .
الخامسة : قال ابن العربي : قسم العلماء رضي الله عنهم الذهاب في الأرض قسمين : هربا وطلبا ؛ فالأول ينقسم إلى ستة أقسام : الأول : الهجرة وهي الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام ، وكانت فرضا في أيام النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذه الهجرة باقية مفروضة إلى يوم القيامة ، والتي انقطعت بالفتح هي القصد إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان ؛ فإن بقي في دار الحرب عصى ؛ ويختلف في حاله .
مراغمًا : مُهاجَرًا و مُتحوَّلاً يَنْتَقِل إليه
التفسير: ومَن يخرج من أرض الشرك إلى أرض الإسلام فرارًا بدينه، راجيًا فضل ربه، قاصدًا نصرة دينه، يجد في الأرض مكانًا ومتحولا ينعم فيه بما يكون سببًا في قوته وذلة أعدائه، مع السعة في رزقه وعيشه، ومن يخرج من بيته قاصدًا نصرة دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإعلاء كلمة الله، ثم يدركه الموت قبل بلوغه مقصده، فقد ثبت له جزاء عمله على الله، فضلا منه وإحسانًا. وكان الله غفورًا رحيمًا بعباده.
أُمِّهِ مِسْعَرُ حَرْبٍ، لَوْ يَجِدُ مَنْ يَنْصُرُهُ»(٣)، وعرف أبو بصير أن الرسول بيرده، فخرج من المدينة، أين صار؟ صار على الساحل، كلما أتى عير لقريش غار عليها، فسمع به أناس من أهل مكة من المستضعفين وغير المستضعفين فخرجوا إليه فكوّنوا جماعة، فتعبت قريش من ذلك، وأرسلت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنها ألغت هذا الشرط، إذن صار في هجرة الإنسان من بلاد الشرك أيش؟ مراغمًا لأهل البلد، يرغمهم، يعني ترغم أنوفهم، والرغام كما نعرف هو التراب، ورَغْم الأنف بالتراب معناه غاية الذل، وقوله: ﴿كَثِيرًا﴾، ﴿مُرَاغَمًا كَثِيرًا﴾، قد تشير إلى تجمع القوم؛ لأنه كان المتبادر أن يقال: مراغمًا عاصمًا، لكنه قال: ﴿كَثِيرًا﴾ ولعل ذلك -والله أعلم- إشارة إلى أيش؟ إلى أنه سيجتمع إليه من يكثر بهم، وقوله: ﴿وَسَعَةً﴾، سعة في أي شيء؟ في الرزق، في الدين، في الصدر، في كل شيء، عام، سعة في الرزق لا يقول: إني غادرت بلدي فمن أين آكل وأشرب، سعة في الدين؛ لأنه ليس له أحد يقوم بضده ويُضَيِّق عليه في دينه، سعة في الصدر تتسع صدروهم؛ لأنهم كانوا بالأول في بلاد الشرك مخنوقين مضيَّقًا عليهم، والآن هم أحرار طلقاء، ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ﴾، اللهم لك الحمد، يقال: إن رجلًا خرج من مكة مهاجرًا، وإنه مات في التنعيم أثناء سفره، فقالوا: بطلت هجرته، فأنزل الله هذه الآية: ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾(٤)، ﴿مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ﴾، انظر إلى كلمة ﴿مِنْ بَيْتِهِ﴾، البيت يحوي الإنسان، والإنسان يألفه وهو وطنه، فيخرج من هذا البيت الأليف الذي هو الوطن إلى الله ورسوله، مهاجرًا إلى الله ورسوله، يترك مأواه ومثواه من أجل الهجرة إلى الله ورسوله، الهجرة إلى الله بالإخلاص، وإلى رسوله بالاتباع، فيريد أن يهاجر إلى الله عز وجل ليقيم شرعه، وإلى رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليتبعه وينصره أيضًا، ﴿ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ﴾، يعني: ثم يموت، كلمة ﴿يُدْرِكْهُ﴾ قد تعطي أنه كالفارِّ الذي يريد أن يصل إلى مهاجره، لكن الموت لحقه فأدركه، ﴿فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾، ﴿وَقَعَ﴾ بمعنى ثبت، ثبت أجره على الله عز وجل، والأجر هو الثواب، ولم يقل: وقع أجره على الله ورسوله مع أن الهجرة كانت إلى الله ورسوله؛ لأن الهجرة إلى الرسول وسيلة، والغاية؟ هي الهجرة إلى الله عز وجل، فلهذا كان الذي يثيب على الهجرة ليس الرسول بل هو الله سبحانه وتعالى، ﴿فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾، وكلمة (الله) سبق لنا مرارًا وتكرارًا ولكن لا مانع من أن نعيد، (الله) يقال: إن أصلها (الإله)، كالناس أصلها الأناس، وكقولهم: هذا خير من هذا، أي: هذا أخير من هذا، والعرب يحذفون الهمزة أحيانًا للتخفيف، والإله فِعَال بمعنى مَفْعُول، فمن هو الْمَأْلُوه؟ الْمَأْلُوهُ الذي تألهه القلوب، تحبه وتعظمه في نفس الوقت، تحبه وتعظمه، بالمحبة يكون فعل المأمور، وبالتعظيم يكون ترك المحظور خوفًا من هذا العظيم، هذا هو هذه اللفظة العظيمة وهي (الله).
﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾، سبق الكلام على مثل هذه الجملة، وأنها تفيد ثبوت هذين الاسمين لله وما تضمناه من صفة، الغفور يتضمن المغفرة، والرحيم يتضمن الرحمة، وبالجمع بينهما يحصل المطلوب والنجاة من المرهوب؛ لأن المغفرة للذنوب التي يتخلى عنها الإنسان بمغفرة الله، والرحمة للأعمال الصالحة التي توصل إلى رحمة الله عز وجل.
* في هذه الآية الكريمة من الفوائد فوائد عظيمة:
* منها: أن من ترك شيئًا لله عوَّضه الله خيرًا منه، من أين تؤخذ؟
* طالب: ﴿يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا﴾.
* الشيخ: ﴿يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً﴾، فقد خرج من الضيق فوجد السعة.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن فضل الله عز وجل على عبده أكثر من عمل عبده له، من أين تؤخذ؟
* طالب: ﴿فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾.
* الشيخ: خطأ.
* طالب: ﴿مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً﴾.
* الشيخ: ﴿يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً﴾ ثوابان له: المراغم، والسعة.
* من فوائد الآية الكريمة: أن من أُذِلّ بطاعة الله صار العز له في النهاية، من أين يؤخذ؟
* طالب: من قوله: ﴿كَثِيرًا﴾.
* الشيخ: ﴿كَثِيرًا﴾ لو أخذنا كثيرا وحدها ما استفدنا.
* طالب: ﴿مُرَاغَمًا كَثِيرًا﴾.
* الشيخ: ﴿مُرَاغَمًا كَثِيرًا﴾، هكذا؟ هذا الذي أُذِلّ الآن يُذِلّ هو أنوف الذين أذلوه بالأمس.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الشاهد، أنها تشهد لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «وَاعْلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا»(٥)، من أين؟
تفسير البغوي
قوله تعالى : ( ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما : ( مراغما ) أي : متحولا يتحول إليه ، وقال مجاهد : متزحزحا عما يكره ، وقال أبو عبيدة : المراغم : يقال : راغمت قومي وهاجرتهم ، وهو المضطرب والمذهب .
روي أنه لما نزلت هذه الآية سمعها رجل من بني ليث شيخ كبير مريض يقال له جندع بن ضمرة ، فقال : والله ما أبيت الليلة بمكة ، أخرجوني ، فخرجوا به يحملونه على سرير حتى أتوا به التنعيم فأدركه الموت ، فصفق يمينه على شماله ثم قال : اللهم هذه لك وهذه لرسولك أبايعك على ما بايعك عليه رسولك ، فمات فبلغ خبره أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : لو وافى المدينة لكان أتم وأوفى أجرا ، وضحك المشركون وقالوا : ما أدرك هذا ما طلب ، فأنزل الله : ( ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت ) .
أي : قبل بلوغه إلى مهاجره ، ( فقد وقع ) أي : وجب ( أجره على الله ) بإيجابه على نفسه فضلا منه ، ( وكان الله غفورا رحيما ) .
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل " المراغم ". (82)
فقال بعضهم: هو التحول من أرض إلى أرض.
*ذكر من قال ذلك:
10296- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " مراغَمًا كثيرًا "، قال: المراغَم، التحوّل من الأرض إلى الأرض.
10297- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " مراغمًا كثيرًا "، يقول: متحوَّلا.
10298- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: " يجد في الأرض مراغمًا كثيرًا "، قال: متحوَّلا.
10299- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، حدثنا أبو سفيان، عن معمر، عن الحسن أو قتادة: " مراغمًا كثيرًا "، قال: متحوَّلا.
10300- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: " يجد في الأرض مراغمًا كثيرًا "، قال: مندوحةً عما يكره.
* * *
10301- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: " مراغمًا كثيرًا "، قال: مزحزحًا عما يكره.
10302- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: " مراغمًا كثيرًا "، قال: متزحزحًا عما يكره.
وقال آخرون: مبتغَى معيشةٍ.
*ذكر من قال ذلك:
10303- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " يجد في الأرض مراغمًا كثيرًا "، يقول: مبتغىً للمعيشة.
* * *
وقال آخرون: " المراغَمُ"، المهاجر.
*ذكر من قال ذلك:
10304- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " مراغمًا "، المراغَم، المهاجَر.
* * *
قال أبو جعفر: وقد بينا أوْلَى الأقوال في ذلك بالصواب فيما مضى قبل. (83)
* * *
واختلفوا أيضًا في معنى: " السعة " التي ذكرها الله في هذا الموضع، فقال: " وسعة ". فقال بعضهم: هي: السعة في الرزق.
*ذكر من قال ذلك:
10305- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: " مراغمًا كثيرًا وسعة "، قال: السعة في الرزق.
10306- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: " مراغمًا كثيرًا وسعة "، قال: السعة في الرزق.
10307- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " وسعة "، يقول: سعة في الرزق.
* * *
وقال آخرون في ذلك ما:-
10308- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " يجد في الأرض مراغمًا كثيرًا وسعة "، أي والله، من الضلالة إلى الهدى، ومن العَيْلة إلى الغِنى. (84)
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبرَ أن من هاجر في سبيله يجد في الأرض مضطرَبًا ومتَّسعًا. وقد يدخل في" السعة "، السعة في الرزق، والغنى من الفقر، ويدخل فيه السعة من ضيق الهمِّ والكرب الذي كان فيه أهل الإيمان بالله من المشركين بمكة، وغير ذلك من معاني" السعة "، التي هي بمعنى الرَّوْح والفرَج من مكروهِ ما كره الله للمؤمنين بمقامهم بين ظَهْري المشركين وفي سلطانهم. ولم يضع الله دِلالة على أنه عنى بقوله: " وسعة "، بعض معاني" السعة " التي وصفنا. فكل معاني" السعة " التي هي بمعنى الرَّوح والفرج مما كانوا فيه من ضيق العيش، وغم جِوار أهل الشرك، وضيق الصدر بتعذّر إظهار الإيمان بالله وإخلاص توحيده وفراق الأنداد والآلهة، داخلٌ في ذلك.
وقد تأول قوم من أهل العلم هذه الآية= أعني قوله: " ومن يخرُج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله "= أنها في حكم الغازي يخرج للغزو، فيدركه الموت بعد ما يخرج من منـزله فاصلا فيموت، أنّ له سَهْمه من المغنَم، وإن لم يكن شهد الوقعة، كما:-
10309- حدثني المثنى قال، حدثنا يوسف بن عديّ قال، أخبرنا ابن المبارك، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب: أن أهل المدينة يقولون: " من خرج فاصلا وجب سهمه "، وتأوّلوا قوله تبارك وتعالى: " ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله ". (85)
------------
الهوامش :
(58) انظر تفسير"الهجرة" فيما سلف ص: 100 ، تعليق: 3 ، والمراجع هناك.
(59) انظر تفسير"سبيل الله" في مراجع اللغة.
(60) ديوانه 22 ، مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 138 ، اللسان (رغم). والبيت من قصيدته التي في الديوان ، ولكنه أفرد منها فلم يعرف مكانه. و"الطود": الجبل العظيم المنيف. ولست أدري على أي شيء تقع كاف التشبيه.
(61) هكذا جاءت هذه العبارة في المطبوعة والمخطوطة ، وهي غير مستقيمة. وظني أنه سقط من الناسخ شيء من كلام أبي جعفر ، ولعله يكون هكذا:
۞ وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ۚ وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (100)
القول في تأويل قوله : وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100)
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " ومن يهاجر في سبيل الله "، ومن يُفارق أرضَ الشرك وأهلَها هربًا بدينه منها ومنهم، إلى أرض الإسلام وأهلها المؤمنين (58) =" في سبيل الله "، يعني: في منهاج دين الله وطريقه الذي شرعه لخلقه، وذلك الدين القَيِّم (59) =" يجد في الأرض مراغمًا كثيرًا "، يقول: يجد هذا المهاجر في سبيل الله=" مراغمًا كثيرًا "، وهو المضطرب في البلاد والمذْهب.
* * *
يقال منه: " راغم فلانٌ قومه مراغمًا ومُرَاغمة "، مصدرًا، ومنه قول نابغة بني جعدة:
كَطَــــوْدٍ يُـــلاذُ بِأَرْكَانِـــهِ
عَزِيـــزِ المُـــراغَمِ وَالمَهْــرَبِ (60)
وقوله: " وسعة "، فإنه يحتمل السِّعة في أمر دينهم بمكة، (61) وذلك منعُهم إياهم -كان- من إظهار دينهم وعبادة ربهم علانية. (62)
* * *
ثم أخبر جل ثناؤه عمن خرج مهاجرًا من أرض الشرك فارًّا بدينه إلى الله وإلى رسوله، إن أدركته منيَّته قبل بلوغه أرضَ الإسلام ودارَ الهجرة فقال: من كان كذلك=" فقد وقع أجرُه على الله "، وذلك ثوابُ عمله وجزاءُ هجرته وفراق وطنه وعشيرته إلى دار الإسلام وأهل دينه. (63) يقول جل ثناؤه: ومن يخرج مهاجرًا من داره إلى الله وإلى رسوله، فقد استوجب ثواب هجرته= إن لم يبلغ دارَ هجرته باخترام المنية إيّاه قبل بلوغه إياها (64) = على ربه=" وكان الله غفورًا رحيمًا "، يقول: ولم يزل الله تعالى ذكره=" غفورًا " يعني: ساترًا ذنوب عبادهِ المؤمنين بالعفو لهم عن العقوبة عليها=" رحيمًا "، بهم رفيقًا. (65)
* * *
وذكر أن هذه الآية نـزلت بسبب بعض من كان مقيمًا بمكة وهو مسلم، فخرج لما بلغه أن الله أنـزل الآيتين قبلها، وذلك قوله: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ إلى قوله: " وكان الله عفوًّا غفورًا "، فمات في طريقه قبلَ بلوغه المدينة.
ذكر الأخبار الواردة بذلك:
10282- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير في قوله: " ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله "، قال: كان رجل من خزاعة يقال له ضمرة بن العيص - أو: العيص بن ضمرة بن زنباع- قال: فلما أمروا بالهجرة كان مريضًا، فأمر أهله أن يفرُشوا له على سريره ويحملوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: ففعلوا، فأتاه الموتُ وهو بالتَّنعيِم، فنـزلت هذه الآية. (66)
10283- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير أنه قال: نـزلت هذه الآية: " ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله " في ضمرة بن العيص بن الزنباع= أو فلان بن ضمرة بن العيص بن الزنباع= حين بلغ التنعيم ماتَ، فنـزلت فيه.
10284- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم، عن العَوَّام التيمي، بنحو حديث يعقوب، عن هشيم، قال: وكان رجلا من خُزاعة. (67)
10285- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغَمًا كثيرًا وسعة "، الآية، قال: لما أنـزل الله هؤلاء الآيات، ورجل من المؤمنين يقال له: " ضمرة " بمكة، قال: " والله إنّ لي من المال ما يُبَلِّغني المدينة وأبعدَ منها، وإنِّي لأهتدي! أخرجوني"، وهو مريض حينئذ، فلما جاوز الحرَم قبضَه الله فمات، فأنـزل الله تبارك وتعالى: " ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله "، الآية.
10286- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قال: لما نـزلت: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ، قال رجل من المسلمين يومئذٍ وهو مريض: " والله ما لي من عُذْر، إني لدليلٌ بالطريق، وإنّي لموسِر، فاحملوني"، (68) فحملوه، فأدركه الموت بالطريق، فنـزل فيه (69) " ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله ".
10287- حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار قال: سمعت عكرمة يقول: لما أنـزل الله: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ الآيتين، قال رجل من بني ضَمْرة، وكان مريضًا: " أخرجوني إلى الرَّوْح "، (70) فأخرجوه، حتى إذا كان بالحَصْحاص مات، فنـزل فيه: " ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله "، الآية.
الشيخ: والأصح في هذا والأصوب هو القول الأول أنه لا مفهوم له، وأنه أراد القصر المعروف، قصر الصلاة من أربع إلى ثنتين؛ لأنه لما استقرت الصلاة أربعًا صارت الصلاة مقصورة بالنظر إلى التمام بالنسبة إلى الحاضرين المقيمين، ولهذا قال النبي ﷺ: إنها رخصة من الله فاقبلوا رخصه، ولم يقل لهم إن المراد قصر الخوف، والذي هو قصر الكيفية أو قصر الأركان، بل قال: إنها صدقة من الله فدل ذلك على أنه على ظاهره، وأن تقصر يعني العدد، فجعلت الأربع ثنتين فضلاً من الله .
الشيخ: انظر أمية بن عبدالله بن خالد رواه من أَسيد، أو أُسيد؟
الطالب: يزيد بن زياد الجعد موجود، يقول: يزيد بن زياد بن أبي الجعد الاشجعي، الكوفي صدوق من السابعة، البخاري في خلق العباد، والنسائي، وابن ماجه.
الشيخ: يراجع.
س: هذا نوع آخر من صلاة الخوف، الذي يصلي ركعة واحدة؟
الشيخ: نعم، نوعًا صحيحًا عن النبي ﷺ؟
الطالب: وللإمام ركعتان؟
الشيخ: نعم.
الطالب: أمية بن عبدالله بن خالد بن أسيد –بفتح الهمزة- ابن أبي العير –بكسر المهملة- المكي أخو خالد، ثقة من السادسة، مات سبع وثمانين. (النسائي، وابن ماجه).
.........
وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا أبو نعيم، حدثنا مالك بن مغول، عن أبي حنظلة الحذاء، قال: سألت ابن عمر عن صلاة السفر، فقال: ركعتان، فقلت: أين قوله: إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا، ونحن آمنون؟ فقال: سنة رسول الله ﷺ.
وقال ابن مردويه: حدثنا عبدالله بن محمد بن عيسى، حدثنا علي بن محمد بن سعيد: حدثنا منجاب، حدثنا شريك عن قيس بن وهب، عن أبي الوداك، قال: سألت ابن عمر عن ركعتين في السفر فقال: هي رخصة نزلت من السماء، فإن شئتم فردوها.
الشيخ: وهذا معناه يعني الترهيب، والتحذير، يعني: عليكم أن تقبلوا رخصة الله، وليس لكم أن تقفوا في ذلك، وليس لأحد أن يرد سنة الرسول ﷺ، الذي قال هذا من باب التحذير، من باب الغضب عليه .
الطالب: ما في عبدالله بن رابية.
الشيخ: في عبدالله بن بابيه.
الطالب: نعم عبدالله بن باباه بالموحدتين بينهما ألف ساكنة، ويقال بتحتانية بدل الألف، ويقال بحذف الهاء المكي ثقة من الثالثة. (مسلم، الأربعة).
س: قول الرسول ﷺ: فاقبلوا رخصة الله يدل على الوجوب؟
الشيخ: المعروف عند أهل العلم السنية هنا، بدليل أنه يجوز الإتمام، فمعنى قوله ﷺ: صدقة يعني: اعتقدوها فإذا أريد اعتقادها للوجوب، وإذا قيل الفعل فالفعل ليس بواجب إنما هو سنة، ولكن يجب اعتقاد أن الله شرع هذا.
وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا ابن عون عن ابن سيرين، عن ابن عباس، قال: صلينا مع رسول الله ﷺ بين مكة والمدينة، ونحن آمنون لا نخاف بينهما ركعتين ركعتين. وهكذا رواه النسائي عن محمد بن عبدالأعلى، عن خالد الحذاء، عن عبدالله بن عون به.
قال أبو عمر بن عبدالبر: وهكذا رواه أيوب، وهشام، ويزيد بن إبراهيم التستري عن محمد بن سيرين، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي ﷺ مثله قلت، وهكذا رواه الترمذي، والنسائي جميعًا عن قتيبة، عن هشيم، عن منصور، عن زاذان.
الشيخ: كذا عندك؟
الطالب: لا، عن منصور بن زاذان.
الشيخ: الأقرب، والله أعلم أنه ابن زاذان، النسخة اللي فيها ابن أظهر، شف عند التقريب؟
الطالب: منصور بن زاذان بزاي، وذال معجمة الواسطي أبو المغيرة الثقفي، ثقة ثبت عابد، من السادسة، مات سنة تسع وعشرين على الصحيح. (الجماعة).
الشيخ: نعم، هو هذا ابن زاذان.
عن هشيم، عن منصور بن زاذان، عن محمد بن سيرين، عن ابن عباس أن النبي ﷺ خرج من المدينة إلى مكة لا يخاف إلا رب العالمين، فصلى ركعتين، ثم قال الترمذي: صحيح، وقال البخاري: حدثنا أبو معمر، حدثنا عبدالوارث، حدثنا يحيى بن أبي إسحاق، قال: سمعت أنسًا يقول: خرجنا مع رسول الله ﷺ من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة، قلت أقمتم بمكة شيئًا؟ قال: أقمنا بها عشرًا.
وهكذا أخرجه بقية الجماعة من طرق عن يحيى بن أبي إسحاق الحضرمي به.
وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن وهب الخزاعي، قال: صليت مع النبي ﷺ الظهر والعصر بمنى -أكثر ما كان الناس، وآمنه- ركعتين.
ورواه الجماعة سوى ابن ماجه من طرق عن أبي إسحاق السبيعي عنه به، ولفظ البخاري: حدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة، أنبأنا أبو إسحاق، سمعت حارثة بن وهب، قال: صلى بنا رسول الله ﷺ آمن ما كان بمنى ركعتين.
وقال البخاري: حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، حدثنا عبيدالله، أخبرني نافع عن عبدالله بن عمر، قال: صليت مع رسول الله ﷺ ركعتين، وأبي بكر، وعمر، ومع عثمان صدرًا من إمارته، ثم أتمها. وكذا رواه مسلم من حديث يحيى بن سعيد القطان به.
وقال البخاري: حدثنا قتيبة، حدثنا عبدالواحد، عن الأعمش، حدثنا إبراهيم سمعت عبدالرحمن بن يزيد يقول: صلى بنا عثمان بن عفان بمنى أربع ركعات، فقيل في ذلك لعبدالله بن مسعود فاسترجع، ثم قال: صليت مع رسول الله ﷺ بمنى ركعتين، وصليت مع أبي بكر بمنى ركعتين، وصليت مع عمر بن الخطاب بمنى ركعتين، فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان.
الشيخ: معنى استرجع: يعني استنكر ذلك القبح، ولهذا برأ عبدالله قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ولما علم أن عثمان أكمل، كأن عثمان تأول في هذا ، فعبدالله أحب أن يكون استمر على ما كان عليه من قبله، وهو النبي ﷺ، والصديق، وعمر، ولكنه اجتهد فصلى أربعًا فكره ذلك عبدالله، واسترجع...
ورواه البخاري أيضًا من حديث الثوري عن الأعمش به، وأخرجه مسلم من طرق عنه منها عن قتيبة كما تقدم.
فهذه الأحاديث دالة صريحًا على أن القصر ليس من شرطه وجود الخوف، ولهذا قال من قال من العلماء: إن المراد من القصر هاهنا إنما هو قصر الكيفية لا الكمية، وهو قول مجاهد، والضحاك، والسدي كما سيأتي بيانه، واعتضدوا أيضًا بما رواه الإمام مالك عن صالح بن كيسان، عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في السفر، والحضر، فأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر، وقد روى هذا الحديث البخاري عن عبدالله بن يوسف التنيسي، ومسلم عن يحيى بن يحيى، وأبو داود عن القعنبي، والنسائي عن قتيبة، أربعتهم عن مالك به، قالوا:
وَمَن يُهَاجِرۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يَجِدۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُرَٰغَمٗا كَثِيرٗا وَسَعَةٗۚ وَمَن يَخۡرُجۡ مِنۢ بَيۡتِهِۦ مُهَاجِرًا إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ يُدۡرِكۡهُ ٱلۡمَوۡتُ فَقَدۡ وَقَعَ أَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا ﴿١٠٠﴾
Читать полностью…
قال الله تعالى:
﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾
النساء/100.
قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله:
"الهجرة: شرعًا: مفارقة دار الكفر إلى دار الإسلام خوف الفتنة، ووجوبها باقٍ" انتهى من "الفتح المبين بشرح الأربعين" (ص131).
وجاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (42/ 177).
"والهجرة في الاصطلاح: الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام. فإن كانت قربة لله، فهي الهجرة الشرعية" انتهى.
قال الشوكاني رحمه الله:
"وقوله: (في سبيل الله) فيه دليل: على أن الهجرة لا بد أن تكون بقصد صحيح، ونية خالصة غير مشوبة بشيء من أمور الدنيا، ومنه الحديث الصحيح:
«فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه"
انتهى من "فتح القدير للشوكاني" (1/ 583)
عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
( تَضَمَّنَ اللهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ، لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا جِهَادًا فِي سَبِيلِي، وَإِيمَانًا بِي، وَتَصْدِيقًا بِرُسُلِي؛ فَهُوَ عَلَيَّ ضَامِنٌ: أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ أَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ، نَائِلًا مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا مِنْ كَلْمٍ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللهِ إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهِ حِينَ كُلِمَ لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ، وَرِيحُهُ مِسْكٌ.
وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْلَا أَنْ يَشُقَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، مَا قَعَدْتُ خِلَافَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللهِ أَبَدًا، وَلَكِنْ لَا أَجِدُ سَعَةً فَأَحْمِلَهُمْ، وَلَا يَجِدُونَ سَعَةً، وَيَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي.
وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوَدِدْتُ أَنِّي أَغْزُو فِي سَبِيلِ اللهِ فَأُقْتَلُ، ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ، ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ).
رواه البخاري (36)، ومسلم (1876)، واللفظ لمسلم.
وروى البخاري (3906) عن عائشة قالت : . . . قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسْلِمِينَ : إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ وَهُمَا الْحَرَّتَانِ ، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ ، وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ .
قال الحافظ :
وَالْحَرَّة أَرْضٌ حِجَارَتُهَا سُودٌ , وَهَذِهِ الرُّؤْيَا غَيْر الرُّؤْيَا السَّابِقَة في حَدِيث أَبِي مُوسَى الَّتِي تَرَدَّدَ فِيهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ اِبْن التِّين :
كَأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيَ دَار الْهِجْرَة بِصِفَةٍ تَجْمَع الْمَدِينَة وَغَيْرهَا , ثُمَّ أُرِيَ الصِّفَة الْمُخْتَصَّة بِالْمَدِينَةِ فَتَعَيَّنَتْ اهـ
الثاني : الخروج من أرض البدعة ؛ قال ابن القاسم : سمعت مالكا يقول لا يحل لأحد أن يقيم بأرض يسب فيها السلف .
قال ابن العربي : وهذا صحيح ؛ فإن المنكر إذا لم تقدر أن تغيره فزل عنه ، قال الله تعالى : وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم إلى قوله الظالمين .
الثالث : الخروج من أرض غلب عليها الحرام : فإن طلب الحلال فرض على كل مسلم .
الرابع : الفرار من الأذية في البدن ؛ وذلك فضل من الله أرخص فيه ، فإذا خشي على نفسه فقد أذن الله في الخروج عنه والفرار بنفسه ليخلصها من ذلك المحذور .
وأول من فعله إبراهيم عليه السلام ؛ فإنه لما خاف من قومه قال : إني مهاجر إلى ربي العنكبوت : ، وقال : إني ذاهب إلى ربي سيهدين الصافات : .
وقال مخبرا عن موسى : فخرج منها خائفا يترقب .
الخامس : خوف المرض في البلاد الوخمة والخروج منها إلى الأرض النزهة .
وقد أذن صلى الله عليه وسلم للرعاة حين استوخموا المدينة أن يخرجوا إلى المسرح فيكونوا فيه حتى يصحوا .
وقد استثني من ذلك الخروج من الطاعون ؛ فمنع الله سبحانه منه بالحديث الصحيح عن نبيه صلى الله عليه وسلم ، وقد تقدم بيانه في " البقرة " .
بيد أن علماءنا قالوا : هو مكروه .
السادس : الفرار خوف الأذية في المال ؛ فإن حرمة مال المسلم كحرمة دمه ، والأهل مثله وأوكد .
وأما قسم الطلب فينقسم قسمين : طلب دين وطلب دنيا ؛ فأما طلب الدين فيتعدد بتعدد أنواعه إلى تسعة أقسام : الأول : سفر العبرة ؛ قال الله تعالى : أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وهو كثير .
ويقال : إن ذا القرنين إنما طاف الأرض ليرى عجائبها .
وقيل : لينفذ الحق فيها .
الثاني : سفر الحج .
والأول وإن كان ندبا فهذا فرض .
الثالث : سفر الجهاد وله أحكامه .
الرابع : سفر المعاش ؛ فقد يتعذر على الرجل معاشه مع الإقامة فيخرج في طلبه لا يزيد عليه من صيد أو احتطاب أو احتشاش ؛ فهو فرض عليه .
الخامس : سفر التجارة والكسب الزائد على القوت ، وذلك جائز بفضل الله سبحانه وتعالى ، قال الله تعالى : ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم يعني التجارة ، وهي نعمة من الله بها في سفر الحج ، فكيف إذا انفردت .
السادس : في طلب العلم وهو مشهور .
السابع : قصد البقاع ؛ قال صلى الله عليه وسلم : لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد .
الثامن : الثغور للرباط بها وتكثير سوادها للذب عنها .
التاسع : زيارة الإخوان في الله تعالى : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : زار رجل أخا له في قرية فأرصد الله له ملكا على مدرجته فقال أين تريد فقال أريد أخا لي في هذه القرية قال : هل لك من نعمة تربها عليه ؟ قال : لا غير أني أحببته في الله عز وجل .
قال : فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه .
رواه مسلم وغيره .
ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن - تفسير السعدي
هذا في بيان الحث على الهجرة والترغيب، وبيان ما فيها من المصالح، فوعد الصادق في وعده أن من هاجر في سبيله ابتغاء مرضاته، أنه يجد مراغما في الأرض وسعة، فالمراغم مشتمل على مصالح الدين، والسعة على مصالح الدنيا.
وذلك أن كثيرًا من الناس يتوهم أن في الهجرة شتاتًا بعد الألفة، وفقرًا بعد الغنى، وذلا بعد العز، وشدة بعد الرخاء.
والأمر ليس كذلك، فإن المؤمن ما دام بين أظهر المشركين فدينه في غاية النقص، لا في العبادات القاصرة عليه كالصلاة ونحوها، ولا في العبادات المتعدية كالجهاد بالقول والفعل، وتوابع ذلك، لعدم تمكنه من ذلك، وهو بصدد أن يفتن عن دينه، خصوصا إن كان مستضعفًا.
فإذا هاجر في سبيل الله تمكن من إقامة دين الله وجهاد أعداء الله ومراغمتهم، فإن المراغمة اسم جامع لكل ما يحصل به إغاظة لأعداء الله من قول وفعل، وكذلك ما يحصل له سعة في رزقه، وقد وقع كما أخبر الله تعالى.
واعتبر ذلك بالصحابة رضي الله عنهم فإنهم لما هاجروا في سبيل الله وتركوا ديارهم وأولادهم وأموالهم لله، كمل بذلك إيمانهم وحصل لهم من الإيمان التام والجهاد العظيم والنصر لدين الله، ما كانوا به أئمة لمن بعدهم، وكذلك حصل لهم مما يترتب على ذلك من الفتوحات والغنائم، ما كانوا به أغنى الناس، وهكذا كل من فعل فعلهم، حصل له ما حصل لهم إلى يوم القيامة.
ثم قال: { وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ }- أي: قاصدا ربه ورضاه، ومحبة لرسوله ونصرًا لدين الله، لا لغير ذلك من المقاصد { ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ } بقتل أو غيره، { فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ }- أي: فقد حصل له أجر المهاجر الذي أدرك مقصوده بضمان الله تعالى، وذلك لأنه نوى وجزم، وحصل منه ابتداء وشروع في العمل، فمن رحمة الله به وبأمثاله أن أعطاهم أجرهم كاملاً ولو لم يكملوا العمل، وغفر لهم ما حصل منهم من التقصير في الهجرة وغيرها.
ولهذا ختم هذه الآية بهذين الاسمين الكريمين فقال: { وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } يغفر للمؤمنين ما اقترفوه من الخطيئات، خصوصا التائبين المنيبين إلى ربهم.
{ رَحِيمًا } بجميع الخلق رحمة أوجدتهم وعافتهم ورزقتهم من المال والبنين والقوة، وغير ذلك.
رحيمًا بالمؤمنين حيث وفقهم للإيمان، وعلمهم من العلم ما يحصل به الإيقان، ويسر لهم أسباب السعادة والفلاح وما به يدركون غاية الأرباح، وسيرون من رحمته وكرمه ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فنسأل الله أن لا يحرمنا خيره بشر ما
* طالب: ﴿يَجِدْ فِي الْأَرْضِ﴾.
* الشيخ: لا.
* الطالب: ﴿يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً﴾.
* الشيخ: (سعة)، السعة تفريج بعد كرب، بعد الضيق والكرب.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن من سعى في الهجرة وأدركه الموت فإن أجره ثابت كاملا؟
* طالب: ﴿فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾.
* الشيخ: من قوله: ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾، طيب، وهل يقاس على ذلك بقية الأعمال؟ بمعنى هل من خرج إلى المسجد يريد الصلاة فمات في أثناء الطريق يُكتب له أجر الصلاة؟
* طلبة: نعم.
* الشيخ: طيب، يقال: إن الثواب لا قياس فيه، أنتم ستقولون: نعم، بناء على أيش؟ بناء على القياس، لكن يقولون: إن ثواب الأعمال ليس فيه قياس؛ لجواز أن يكون تخصيص هذا العمل بهذا الثواب لحكمة لا نعلمها، لكن قال بعض أهل العلم: إن لنا شاهدًا على العموم، وهي قصة الرجل الذي مات في أثناء الطريق، وهو رجل قتل تسعًا وتسعين نفسًا، قتلهم عمدًا، تسعًا وتسعين نفسًا، ثم جاء إلى رجل عابد، وكلمة (عابد) معناها أن العبادة خُلُقٌ له، فسأله قال له: هل لي من توبة؟ أنا قتلت تسعًا وتسعين نفسًا عمدًا، هل لي من توبة؟ استعظم العابد هذا؛ لأنه عابد يخشى الله يخاف عقابه، استعظم هذا الشيء قال: لا، ما لك توبة، قال: نكمل بك المئة، فقتله وأتم به المئة، شوف سوء الجهل، هذا العابد مسكين جاهل جهلًا مركبًا، ثم دُلَّ على عالم، فسأل، فقال له إنه قتل مئة نفس عمدًا فهل له من توبة؟ قال العالم: ومن يحول بينك وبين التوبة؟ سبحان الله شوف، العلم كله خير، من يحول بينك وبين التوبة؟ ولكن أنت في أرض ظالمٍ أهلُها، اذهب إلى القرية الفلانية ففيها الصالحون، أو كلمة نحوها، فذهب الرجل تائبًا إلى الله، في أثناء الطريق أدركه الموت، فنزلت عليه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، ملائكة العذاب تريد أن تقبض روحه باعتبار سوابقه، وملائكة الرحمة تريد أن تقبض روحه باعتبار مآله؛ الرجل تاب وخرج، تنازعت الملائكة، أيهما يقبض روحه، والله تعالى هو الذي أرسلهم عز وجل اعتبارًا لما يحصل، ثم بعث الله إليهم ملَكًا وحكم بينهم، قال: قيسوا ما بين القريتين، فإلى أيتهما كان أقرب فهو من أهلها، فقاسوا، فوجدوا أنه أقرب إلى الأرض الصالحة بشبر، وقيل إنه لما حضره الموت من شدة شوقه صار يدفع بنفسه إلى الأرض الصالحة، فتقدم هذا التقدم، فتولت روحه ملائكة الرحمة(٦)، قالوا: إذا كان هذا فيمن قبلنا فنحن أفضل الأمم، إذا شَرَعْنا في عمل صالح وأدركَنا الموت فإنه يُكتب لنا، وهذا ما نرجوه من الله عز وجل، وبناء على ذلك نقول: من شرع في طلب العلم، يريد بذلك ما يريده المخلصون في طلب العلم من حفظ الشريعة والدفاع عنها ونفع الخلق، ثم أدركه الموت فإنه يُكتب له ما نوى، يكتب له ما نوى لأنه شرع، لكن بشرط أن يكون شروعه شروعًا حقيقيًّا، يعني عنده اجتهاد وحرص، لا أن يكون المراد بذلك أن يُقَطِّع الوقت، يقول: أنا ما لي شغل بدل ما أروح الأسواق، أحضر حلقات العلم، هذا ما هو طالب علم، طالب العلم الذي يفرِّغ نفسه تمامًا لطلب العلم.
(١) متفق عليه؛ البخاري (١٢٣)، ومسلم (١٩٠٤ /١٥٠) ، من حديث أبي موسى الأشعري .
(٢) أخرجه أحمد (١٧٤٠)، من حديث أم سلمة.
(٣) أخرجه البخاري (٢٧٣٢)، من حديث المسور بن مخرمة.
(٤) أخرجه سعيد بن منصور في التفسير (٦٨٥) من حديث سعيد بن جبير.
(٥) أخرجه أحمد (٢٨٠٣)، من حديث عبد الله بن عباس.
(٦) متفق عليه؛ البخاري (٣٤٧٠)، ومسلم (٢٧٦٦ / ٤٦) من حديث أبي سعيد الخدري.
تفسير ابن عثيمين — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ)
✕
﴿۞ وَمَن یُهَاجِرۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ یَجِدۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ مُرَ ٰغَمࣰا كَثِیرࣰا وَسَعَةࣰۚ وَمَن یَخۡرُجۡ مِنۢ بَیۡتِهِۦ مُهَاجِرًا إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ یُدۡرِكۡهُ ٱلۡمَوۡتُ فَقَدۡ وَقَعَ أَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورࣰا رَّحِیمࣰا﴾ [النساء ١٠٠]
ثم قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً﴾، الإعراب: من يهاجر يجد، هذه الجملة الشرطية فأين فعل الشرط؟
* طالب: فعل الشرط ﴿يُهَاجِرْ﴾.
* الشيخ: نعم، يهاجر، وجوابه؟
* الطالب: ﴿يَجِدْ﴾.
* الشيخ: ﴿يَجِدْ﴾، تمام، وإذا كان فعل الشرط مضارعًا وجوابه مضارعًا وجب جزمهما، أما إذا كان بعد الماضي يعني إذا كان فعل الشرط ماضيًا وجوابه مضارعًا فإنه يجوز الرفع، قال ابن مالك:
وَبَعْدَ مَاضٍ رَفْعُكَ الْجَزَا حَسَـــنْ ∗∗∗ وَرَفْعُـــــهُ بَعْــــــدَ مُضَـــــــــــارِعٍوَهَـــــــــــــــــنْ
فيجوز مثلًا: مَنْ قَامَ يَفُوزُ، مَنْ قَامَ يَفُزْ، أما: مَنْ يَقُمْ يَفُزْ، صحيح، مَنْ يَقُمْ يَفُوزُ، ضعيف.
وقوله: ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ أين فعل الشرط في هذه الجملة؟
* طالب: يخرج.
* الشيخ: أين جوابه؟
* الطالب: ﴿فَقَدْ وَقَعَ﴾.
* الشيخ: ﴿فَقَدْ وَقَعَ﴾، لماذا اقترن بالفاء؟
* طالب: لأن الفعل ماضٍ.
* الشيخ: لا يا أخي.
* الطالب: ﴿فَقَدْ وَقَعَ﴾ لأنه مسبوق بـ(قد)، فالجواب مسبوق بـ(قد).
* الشيخ: وهل لديك بيت في الضوابط؟
* الطالب: أي نعم.
* الشيخ: ما هو؟
* الطالب:
اسْمِيَّـــــــــــــــــــةٌطَلَبِيَّـــــــــــــــــــةٌ وَبِجَامِــــــــــــــــدٍ ∗∗∗ وَبِمَا وَقَــــــدْ وَبِلَــــــــــــنْوَبِالتَّنْفِيـــــــــــــسِ
* الشيخ: أحسنت بارك الله فيك، إذا وقع جواب الشرط أحد هذه الأشياء وجب اقترانه بالفاء، وضابطه أنه كلما كان الجواب لا يصلح أن يلي أداة الشرط وجب اقترانه بالفاء، قال ابن مالك:
وَاقْرِنْ بِفَا حَتْمًا جَوَابًا لَوْ جُعِــــلْ ∗∗∗ شَرْطًا لِـ(إِنْ) أَوْ غَيْرِهَا لَمْيَنْجَعِـــــــلْ
هذا الضابط، كلما كان جواب الشرط لا يصح أن يلي الأداة وجب اقترانه بالفاء، والضوابط التي في البيت أيضًا تسهل عليك هذا.
طيب، ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾، (كان) هذه هل تفيد الحدوث؟
* طالب: (...) ولكنها هنا تفيد حدوث هذه الصفة لله (...).
* الشيخ: المقصود تحقيق ثبوتها لله، يقول الله عز وجل: ﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً﴾، سبق لنا معنى الهجرة وهي أن الهجرة لغة بمعنى التَّرْك، وشرعًا: ترك البلاد التي لا يقيم الإنسان فيها دينه إلى بلاد أخرى يقيم فيها دينه، وعبّر عنه بعضهم بقوله: الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام.
وقوله: ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾؛ ﴿فِي﴾ للظرفية، وسبيل الله تعالى طريقه، وكون الهجرة في سبيل الله تتضمن شيئين: الإخلاص والتزام الشريعة؛ لأن من نوى غير الله لم يكن في سبيل الله، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام حين سئل عن الرجل يقاتل شجاعة وحمية ويُرى مكانه، قال: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»(١)، والثاني: أن تكون في شريعته، ضمن الشريعة لا مخالفة للشريعة، إذن ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ يعني: إخلاصًا واتباعًا.
﴿يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً﴾، ﴿يَجِدْ فِي الْأَرْضِ﴾؛ ﴿الْأَرْضِ﴾ هنا المراد بها الجنس، يعني أرض الله عمومًا، ﴿مُرَاغَمًا﴾ أي: مهاجَرًا يرغم به أعداءه، وبناء على هذا تكون ﴿مُرَاغَمًا﴾ صفة لموصوف محذوف، أي: مهاجرًا مراغَمًا، يعني: يراغم به أعداءه؛ لأن الإنسان إذا خرج من بلاد الكفر التي ضُيِّق عليه فيها إلى بلاد أخرى فإنه يراغم الأعداء، كما تعلمون أن الصحابة لمّا هاجروا إلى الحبشة ماذا صنعت قريش؟ أرسلت في إثرهم من يتكلم فيهم عند من؟ عند النجاشي(٢)؛ لأن هذا يراغمهم، ويعرفون أنهم إذا خرجوا ربما يكونون أمة، وهذا هو الذي وقع، وعلمتم قصة أبي بصير رضي الله عنه حينما هاجر من مكة إلى النبي ﷺ بعد صلح الحديبية من لحقه؟ لحقه اثنان من المشركين يطلبون من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يرده، فلما وصلَا إلى النبي ﷺ وأبو بصير قال: يلا امش معهم، الشرط، فمشى معهم راجعًا إلى مكة، في أثناء الطريق بعد أن أمنوا منه قال لأحدهما، وأخذ سيفه: هذا سيف ما شاء الله فيه، يمدح السيف، قال صاحب السيف، افتخر، قال: وكم ضربت به من هام، قال: أعطني إياه أشوفه؟ أعطاه إياه فسلّه فضرب هامه به، الصاحب الثاني هرب إلى المدينة، فلما وصل إلى المدينة وإذا أبو بصير في إثره، قال أبو بصير: يا رسول الله، إن الله قد أوفى بعهدك أو بذمتك، سلّمتني لهم لكني نجوت، قال: «وَيْلُ
"وقوله: "وسعة" ، فإنه يحتمل السَّعةَ في الرِّزق ، ويحتمل السعة في أمر دينهم ، من ضيعتهم في أرض أهل الشرك بمكة ، وذلك منعهم...."
فقوله: "وذلك منعهم" ، تفسير"الضيق" ، كما هو ظاهر من تأويل أبي جعفر. وانظر ما سيأتي في تأويل معنى"السعة" ص: 122.
(62) في المطبوعة. أسقط قوله: "كان" الموضوعة هنا بين الخطين ، لظن الناشر أنها خطأ وزيادة. وهو كلام عربي محكم ، يضعون"كان" هذا الموضع للدلالة على الماضي ، فكأنه قال: "وهو ما كان من منعهم إياهم" ، ولكن الناشر أخطأ معرفة معناه ، فحذف"كان" ، فأساء.
(63) انظر تفسير"الأجر" فيما سلف ص: 98 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك.
(64) "اخترمته المنية": أخذته من بين أصحابه وقطعته منهم. من"الخرم" وهو الشق والفصم ، يقال: "ما خرمت منه شيئا" أي: ما نقصت وما قطعت.
(65) انظر تفسير"كان" ، و"غفور" ، و"رحيم" في مواضعها من فهارس اللغة في الأجزاء السالفة.
(66) الأثر: 10282 - أخرجه البيهقي في السنن 9: 14 ، 15 ، وهذه القصة قصة رجل واحد اختلف في اسمه واسم أبيه على أكثر من عشرة أوجه ، هكذا قال الحافظ ابن حجر في الإصابة. وقد ساق أبو جعفر هنا من 10282 -10295 أكثر وجوه هذا الاختلاف في اسمه واسم أبيه. فتركت لذلك الإشارة إلى هذا الاختلاف في مواضعه من الآثار التالية.
و"التنعيم" موضع في الحل ، بين مر وسرف ، بينه وبين مكة فرسخان. ومن التنعيم يحرم من أراد العمرة من أهل مكة.
(67) الأثر: 10284 -"العوام التيمي" ، لم أجد له ذكرًا في كتب التراجم ، وأخشى أن يكون الصواب"العوام ، عن التيمي" ، يعني: "العوام بن حوشب الشيباني" ، وهو يروي عن"إبراهيم التيمي". و"هشيم" يروي عن"العوام بن حوشب".
(68) قوله: "لدليل بالطريق" ، أي عارف به ، يقال: "دللت بهذا الطريق دلالة" ، أي: عرفته ، فهو"دليل بين الدلالة".
(69) في المطبوعة: "فنزلت فيه" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(70) قوله: "أخرجوني إلى الروح" (بفتح الراء وسكون الواو): أي: إلى السعة والراحة وبرد النسيم. هذا تفسيره ، وسيأتي في رقم: 10290"لعلي أن أخرج فيصببني روح" ، أي: برد النسيم ، وكان يجد الحر في مكة حتى غمه ، كما سيأتي في الأثر: 10294.
وأما "الحصحاص" ، فهو موضع بالحجاز ، وقال ياقوت"جبل مشرف على ذي طوى" ، يعني: بناحية مكة. ويقال فيه: "ذو الحصحاص" ، قال شاعر حجازي:
ألا لَيْـتَ شِـعْرِي هَــلْ تَغَـيَّرَ بَعْدَنَا
ظِبَـاءٌ بِــذِي الَحصْحَاصِ نُجْلٌ عُيُونُهَا
وَلِـي كَبِـدٌ مَقْرُوحَـةٌ قَـدْ بَـدَا بِهَـا
صُـدُوعُ الهَـوَى، لَـوْ كَانَ قَيْنٌ يَقِينُهَا!
(71) الأثر: 10288 -"ثعلبة بن المنذر بن حرب الطائي". و"علباء بن أحمر اليشكري" ، مضيا برقم: 7190.
(72) يقال: "دنفت الشمس للمغيب" (على وزن: فرح) و"أدنفت" ، إذا دنت للمغيب واصفرت ، وكذلك يقال المريض: "دنف المريض وأدنف" ، أي ثقل ودنا للموت. و"الدنف" (بفتحتين) المرض اللازم المخامر.
(73) "العقبة" (بفتحات): طريق في الجبل وعر= أو: هو الجبل الطويل يعرض للطريق فيأخذ فيه.
(74) الأثر: 10289 - هذا الأثر ساقط من المخطوطة.
(75) في المطبوعة: "لما سمع بهذه" ، غير ما في المخطوطة ، لقوله بعد: "يعني: بقوله.." ولا بأس بهذا التغيير ، وإن كان ما في المخطوطة صوابا أيضًا.
(76) انظر التعليق السالف قريبًا: ص: 115 ، تعليق: 3.
(77) في المطبوعة: "وضيئًا" ، وليس له معنى يقبل في هذا الموضع. وفي المخطوطة: "وصيا" بالياء ، وهو تصحيف ما أثبته.
و"رجل وصب" ، دام عليه المرض ولزمه وثبت عليه. و"الوصب" (بفتحتين) المرض الموجع الدائم.
(78) في المطبوعة: "فخرجوا به مريضًا" ، وكأنه تصرف من النساخ أو الناشر الأول. وفي الدر المنثور 2: 208: "فخرجوا به" ليس فيه"مريضًا". وأثبت ما في المخطوطة: "فخرج به" بالبناء للمجهول.
(79) في المطبوعة: "وكان بمكة" بالواو ، وأثبت ما في المخطوطة.
(80) في المطبوعة: "ممن كان بمكة" ، وأثبت ما في المخطوطة ، فهو صواب محض.
(81) الأثر: 10295 -"الحارث بن أبي أسامة" منسوب إلى جده ، وهو: "الحارث بن محمد بن أبي أسامة التميمي" ، ولد في شوال سنة 186 ، ومات يوم عرفة ضحوة النهار سنة 282 ، عن ست وتسعين سنة. وهو ثقة مترجم في تاريخ بغداد 8 : 218 ، 219. يروي عنه أبو جعفر الطبري في التفسير ، وفي التاريخ 11 : 57 ، 58.
و"عبد العزيز بن أبان الأموي" من ولد"سعيد بن العاص". مترجم في التهذيب ، وقال ابن معين: "كذاب خبيث يضع الأحاديث".
و"قيس" ، هو"قيس بن الربيع" ، مضى برقم: 159 ، 4842 ، وغيرها.
* * *
هذا ، وقد رأيت كيف اختلفوا في اسم الرجل الذي خرج مهاجرًا إلى الله ورسوله ، وقد تركت التنبيه على ذلك ، كما أسلفت ، فإن تحقيق شيء من اسمه واسم أبيه يكاد يكون مستحيلا.
10288- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن المنذر بن ثعلبة، عن علباء بن أحمر اليشكري قوله: " ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله "، قال: نـزلت في رجل من خزاعة. (71)
10289- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو عامر قال، حدثنا قرة، عن الضحاك في قول الله جل وعز: " ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله "، قال: لما سمع رجل من أهل مكة أن بني كنانة قد ضربتْ وجوهَهم وأدبارَهم الملائكةُ، قال لأهله: " أخرجوني"، وقد أدنفَ للموت. (72) قال: فاحتمل حتى انتهى إلى عَقَبة قد سماها، (73) فتوفَّي، فأنـزل الله: " ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله "، الآية. (74)
10290- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: لما سمع هذه (75) = يعني: بقوله: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ إلى قوله: " وكان الله عفوًّا غفورًا " = ضمرةُ بن جندب الضمري، قال لأهله، وكان وجعًا: " أرحلوا راحلتي، فإن الأخشبين قد غَمَّاني!" = يعني: جَبَلىْ مكة=" لعلي أن أخرج فيصيبني رَوْح "! (76) فقعد على راحلته، ثم توجه نحو المدينة، فمات بالطريق، فأنـزل الله: " ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ". وأما حين توجه إلى المدينة فإنه قال: " اللهم إني مهاجر إليك وإلى رسولك ".
10291- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة قال: لما نـزلت هذه الآية= يعني قوله: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ، قال جندب بن ضمرة الجُنْدَعي." اللهم أبلغتَ في المعذرة والحجّة، ولا معذرة لي ولا حُجَّة "! قال: ثم خرج وهو شيخ كبير، فمات ببعض الطريق، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مات قبل أن يهاجر، فلا ندري أعلى ولايةٍ أم لا! فنـزلت: " ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ".
10292- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول: لما أنـزل الله في الذين قتلوا مع مشركي قريش ببدر: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ الآية، سمع بما أنـزل الله فيهم رجل من بني لَيْثٍ كان على دين النبي صلى الله عليه وسلم مقيمًا بمكة، وكان ممن عَذَر الله، كان شيخًا كبيرًا وَصِبًا، (77) فقال لأهله: " ما أنا ببائت الليلة بمكة!"، فخُرِج به، (78) حتى إذا بلغ التَّنعيم من طريق المدينة أدركه الموت، فنـزل فيه " ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله " الآية.
10293- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغَمًا كثيرًا وسعة "، قال: وهاجر رجل من بني كنانة يريد النبي صلى الله عليه وسلم فمات في الطريق، فسخِر به قومه واستهزؤوا به وقالوا: لا هو بلغ الذي يريد، ولا هو أقام في أهله يقومون عليه ويدفن! قال: فنـزل القرآن: " ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ".
10294- حدثنا أحمد بن منصور الرماديّ قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا شريك، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: نـزلت هذه الآية: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ، فكان بمكة رجل يقال له " ضمرة "، (79) من بني بكر، وكان مريضًا، فقال لأهله: " أخرجوني من مكة، فإني أجد الحرّ". فقالوا: أين نخرجك؟ فأشار بيده نحو المدينة، فنـزلت هذه الآية: " ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله " إلى آخر الآية.
10295- حدثني الحارث بن أبي أسامة قال، حدثنا عبد العزيز بن أبان قال، حدثنا قيس، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير قال: لما نـزلت هذه الآية: لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ، قال: رَخَّص فيها قوم من المسلمين ممن بمكة من أهل الضرر، (80) حتى نـزلت فضيلة المجاهدين على القاعدين، فقالوا: قد بين الله فضيلةَ المجاهدين على القاعدين، ورخَّص لأهل الضرر! حتى نـزلت: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ إلى قوله: وَسَاءَتْ مَصِيرًا ، قالوا: هذه موجبة! حتى نـزلت: إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلا ، فقال ضَمْرة بن العِيص الزُّرَقي، أحد بني ليثٍ، وكان مُصَاب البصر: " إنيّ لذو حيلة، لي مال، ولي رقيق، فاحملوني". فخرج وهو مريض، فأدركه الموت عند التنعيم، فدفن عند مسجد التنعيم، فنـزلت فيه هذه الآية: " ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت " الآية. (81)
التفسير الميسر
ومَن يخرج من أرض الشرك إلى أرض الإسلام فرارًا بدينه، راجيًا فضل ربه، قاصدًا نصرة دينه، يجد في الأرض مكانًا ومتحولا ينعم فيه بما يكون سببًا في قوته وذلة أعدائه، مع السعة في رزقه وعيشه، ومن يخرج من بيته قاصدًا نصرة دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإعلاء كلمة الله، ثم يدركه الموت قبل بلوغه مقصده، فقد ثبت له جزاء عمله على الله، فضلا منه وإحسانًا. وكان الله غفورًا رحيمًا بعباده.
فإذا كان أصل الصلاة في السفر هي الثنتين، فكيف يكون المراد بالقصر هاهنا قصر الكمية؛ لأن ما هو الأصل لا يقال فيه: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ، وأصرح من ذلك دلالة على هذا ما رواه الإمام أحمد: حدثنا وكيع، وسفيان، وعبدالرحمن عن زبيد اليامي، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن عمر ، قال: صلاة السفر ركعتان، وصلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر، على لسان محمد ﷺ، وهكذا رواه النسائي، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه من طرق عن زبيد اليامي به، وهذا إسناد على شرط مسلم.
وقد حكم مسلم في مقدمة كتابه بسماع ابن أبي ليلى عن عمر، وقد جاء مصرحًا به في هذا الحديث، وفي غيره، وهو الصواب إن شاء الله، وإن كان يحيى بن معين، وأبو حاتم، والنسائي قد قالوا: إنه لم يسمع منه، وعلى هذا أيضا فقد وقع في بعض طرق أبي يعلى الموصلي من طريق الثوري عن زبيد، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن الثقة، عن عمر، فذكره، وعند ابن ماجه من طريق يزيد بن أبي زياد بن أبي الجعد عن زبيد، عن عبدالرحمن، عن كعب بن عجرة، عن عمر، فالله أعلم.
وقد روى مسلم في صحيحه، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه من حديث أبي عوانة الوضاح بن عبدالله اليشكري، زاد مسلم، والنسائي، وأيوب بن عائد، كلاهما عن بكير بن الأخنس، عن مجاهد، عن عبدالله بن عباس، قال: فرض الله الصلاة على لسان نبيكم محمد ﷺ في الحضر أربعًا، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة، فكما يصلى في الحضر قبلها، وبعدها فكذلك يصلى في السفر. ورواه ابن ماجه من حديث أسامة بن زيد عن طاوس نفسه، فهذا ثابت عن ابن عباس رضي الله عنهما، ولا ينافي ما تقدم عن عائشة رضي الله عنها؛ لأنها أخبرت أن أصل الصلاة ركعتان، ولكن زيد في صلاة الحضر، فلما استقر ذلك، صح أن يقال: إن فرض صلاة الحضر أربع، كما قاله ابن عباس -والله أعلم-، لكن اتفق حديث ابن عباس وعائشة على أن صلاة السفر ركعتان، وأنها تامة غير مقصورة، كما هو مصرح به في حديث عمر عنه. وإذا كان كذلك فيكون المراد بقوله تعالى: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ قصر الكيفية كما في صلاة الخوف، ولهذا قال: إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا الآية، ولهذا قال بعدها: وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ [النساء:102] الآية، فبين المقصود من القصر هاهنا، وذكر صفته، وكيفيته، ولهذا لما عقد البخاري كتاب صلاة الخوف صدره بقوله تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إلى قوله: إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا [النساء:102]، وهكذا قال جويبر عن الضحاك في قوله: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ قال: ذاك عند القتال يصلي الرجل الراكب تكبيرتين حيث كان وجهه.
وقال أسباط عن السدي في قوله: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ الآية، إن الصلاة إذا صليت ركعتين في السفر فهي تمام، التقصير لا يحل إلا أن يخاف من الذين كفروا أن يفتنوه عن الصلاة فالتقصير ركعة.
وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ يوم كان النبي ﷺ وأصحابه بعسفان، والمشركون بضجنان، فتواقفوا، فصلى النبي ﷺ بأصحابه صلاة الظهر أربع ركعات بركوعهم، وسجودهم، وقيامهم، معا جميعًا، فهم بهم المشركون أن يغيروا على أمتعتهم، وأثقالهم، روى ذلك ابن أبي حاتم، ورواه ابن جرير، عن مجاهد، والسدي، وعن جابر، وابن عمر، واختار ذلك أيضًا فإنه قال بعد ما حكاه من الأقوال في ذلك: وهو الصواب.
وقال ابن جرير: حدثني محمد بن عبدالله بن عبدالحكم، حدثنا ابن أبي فديك، حدثنا ابن أبي ذئب، عن ابن شهاب، عن أمية بن عبدالله بن خالد بن أسيد أنه قال لعبدالله بن عمر: إنا نجد في كتاب الله قصر صلاة الخوف، ولا نجد قصر صلاة المسافر، فقال عبدالله: إنا وجدنا نبينا ﷺ يعمل عملًا عملنا به.
فقد سمى صلاة الخوف مقصورة، وحمل الآية عليها لا على قصر صلاة المسافر، وأقره ابن عمر على ذلك، واحتج على قصر الصلاة في السفر بفعل الشارع لا بنص القرآن، وأصرح من هذا ما رواه ابن جرير أيضا: حدثنا أحمد بن الوليد القرشي، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن سماك الحنفي قال: سألت ابن عمر عن صلاة السفر، فقال: ركعتان تمام غير قصر، إنما القصر في صلاة المخافة، فقلت: وما صلاة المخافة؟ فقال: يصلي الإمام بطائفة ركعة، ثم يجيء هؤلاء مكان هؤلاء، ويجيء هؤلاء مكان هؤلاء، فيصلي بهم ركعة، فيكون للإمام ركعتان، ولكل طائفة ركعة ركعة.
وقد قال أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا، وكيع، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: جاء رجل فقال: يا رسول الله، إني رجل تاجر أختلف إلى البحرين، فأمره أن يصلي ركعتين، وهذا مرسل.
ومن قائل: يكفي مطلق السفر سواء كان مباحًا أو محظورًا حتى لو خرج لقطع الطريق، وإخافة السبيل ترخص لوجود مطلق السفر، وهذا قول أبي حنيفة، والثوري، وداود، لعموم الآية، وخالفهم الجمهور.
وأما قوله تعالى: إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فقد يكون هذا خرج مخرج الغالب حال نزول هذه الآية، فإن في مبدأ الإسلام بعد الهجرة كان غالب أسفارهم مخوفة، بل ما كانوا ينهضون إلا إلى غزو عام، أو في سرية خاصة، وسائر الأحياء حرب للإسلام، وأهله، والمنطوق إذا خرج مخرج الغالب أو على حادثة فلا مفهوم له، كقوله تعالى: وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا [النور:33]، وكقوله تعالى: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ [النساء:23].
س: أحسن الله إليك، الذي يخرج ابتغاء طلب العلم، ويموت، فهل تنطبق عليه هذه الآية؟
الشيخ: يرجى له الخير كالمجاهد.
وقال الإمام أحمد: حدثنا ابن إدريس، حدثنا ابن جريج عن ابن أبي عمار، عن عبدالله بن بابيه، عن يعلى بن أمية، قال: سألت عمر بن الخطاب قلت له: قوله: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا، وقد أمن الله الناس؟ فقال لي عمر : عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله ﷺ عن ذلك، فقال: صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته. وهكذا رواه مسلم، وأهل السنن من حديث ابن جريج عن عبدالرحمن بن عبدالله بن أبي عمار به. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال علي بن المديني: هذا حديث حسن صحيح من حديث عمر، ولا يحفظ إلا من هذا الوجه، ورجاله معروفون.
الشيخ: والمعنى أن الله تصدق على عباده بالقصر مطلقًا أمنوا أو خافوا، فقوله: خِفْتُمْ خرج مخرج الغالب؛ لأنهم كانوا في غالب إقامتهم في المدينة كانوا على خوف إذا خرجوا في الأسفار العامة، والغزو العام، وفي السرايا أيضًا، فلهذا جاءت الآية هكذا إِنْ خِفْتُمْ ومنطوق الذي يخرج مخرج الغالب أو عن حادثة معينة ليس له مقصود إذا جاءت السنة بما يدل على خلاف ذلك، ومن هذا ما ذكره المؤلف: وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ [النور:33] فإن كثيرا من الكفار والمنافقين يكرهون فتياتهم على البغاء حتى يحصلوا من ورائهن الكسب المادي، كان يكرهها أن تذهب فتزني فتأتي له بمال في مقابل زناها، وكان هذا معروفًا في الجاهلية، ونسخ الله ذلك بالإسلام، ونهى عنه فهو محرم، وليس له أن يفعل ذلك ولو رضيت، فهو حرام عليه أن يأمرها بالفاحشة أو يرضى بالفاحشة، ولكن لما كان الأغلب على السادة إكراه الفتيات جاءت الآية هكذا: وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ [النور:33]، والبغاء محرم مطلقًا، وليس لهم أن يرضوا بذلك، ولا أن يأمروا به، ولا أن يقروهن عليه، وهكذا قوله جل وعلا: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [النساء:23] فاللاتي في الحجور خرج مخرج الغالب؛ لأن الغالب أن البنت تكون عند زوج أمها، وفي حجر زوج أمها، تتبع أمها، فجاءت الآية على الغالب، وإلا فبنت الزوجة محرمة، وإن كانت عند أبيها لم تكن عند أمها، فالمراعاة، والدخول، والوطء، ولهذا قال بعدها: فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [النساء:23]، ولم يقل: فإن لم يكونوا في حجوركم فلا جناح عليكم، بل أعرض عن ذلك، فعلم بذلك أن بنت المرأة تحرم إذا كان الزوج دخل بأمها، وإن كانت عند أبيها لم تكن عند أمها، ولهذا ثبت في الحديث الصحيح قوله ﷺ لأم حبيبة: لا تعرضن علي بناتكن، ولا أخواتكن فلو تزوج إنسان امرأة، ولها بنت ليست معها بل عند أبيها أو عند جدها أو عند غيرهما لم تتبعها، فإنها محرمة عليه وإن لم تكن في حجره، إذا كان قد دخل بأمها فليس له نكاحها مطلقًا، سواء كانت في حجره أم لم تكن في حجره، هذا الذي عليه أهل العلم، وفيه ....... لا يعول عليه كما ذكره المؤلف في محله كما يأتي.
المقصود أن قوله جل وعلا: إِنْ خِفْتُمْ ليس له معنى، فالمسافر الآمن يقصر، ولهذا حج النبي ﷺ حجة الوداع، وكان في غاية من الأمن قد انتهى أمر المشركين، وفتح الله عليه مكة، وأمن الناس، وكان يصلي ركعتين في سفره حتى رجع إلى المدينة عليه الصلاة والسلام، وهو في غاية الأمن فدل ذلك على أن قوله: إِنْ خِفْتُمْ ليس له مفهوم، وأن المسافر يقصر مطلقًا خاف أو أمن؛ لأنها صدقة من الله تصدق بها على عباده .