"كراهية الداعية لـ(التحقيق التاريخي) لازمة جارفة لأتباع أي عقيدة، وبخاصة في المذهبيات، لأن (التحقق التاريخي) يهدم بعض مسلماتهم أو ينصر خصومهم"
(مذكرات قارئ، محمد حامد الأحمري، دار الخلود، بيروت-لبنان، الطبعة الأولى 2014، ص 154-155.)
لهم كلُّ حلوة ولغيرهم كل مُرَّة
حين سئل ابن شمس عن التركيب، ممن يطلق هذا اللفظ على إثبات الصفات، قال على عَجل: الله ليس مركبًا لأنَّ المركب من أجزاء منفصلة، ولكنه لما أراد الرد على غيره حين نفى التحيّز والجسمية، وهو يقول: لا يقصد بهذا التفويض ولا التأويل، قال ابن شمس: هذه ألفاظ لا يطلقها السَّلف وهذا خطأ لأنها في عرف الأشعرية تطلق على نفي العلو! كأنَّ نفي التركيب عند الإمامية يطلق على غير نفي حقيقة الألفاظ الواردة في الصفات، وقد نفاه في حديثه مع واحد منهم!
فلا ميزان ولا منهج، بل إنَّ بعض من اعتذر عنه في موضوع التركيب، قال: هناك معنى لغوي وآخر كلامي للتركيب: كأنَّه يصح وفق هذا نفي كل ما له معنى في اللغة، فالجسم له معنى لغوي وآخر كلامي، والحيِّز له معنى لغوي وآخر كلامي، أيفهم من هذا جواز نفيها متى قال القائل أطلقها بمعناها اللغوي، ومع ذلك لم يرتضِ نفيها ابن شمس، بحجة أنَّ النفي لم يطلقه السلف.
وذكر أحدهم كلامًا للدارمي (٢٨٠هـ) للاعتذار عن ابن شمس حين نفى التركيب، على أنَّ الدارمي يجعل هذه الألفاظ بابًا واحدًا، فقال في نقضه: "ذكر الجسم والفم واللسان خرافات وفضول مرفوعة عنا لم نكلَّفه في ديننا، ولا يشك أحد أنَّ الكلام يخرج من المتكلم، وأمّا قولك: إنه جزء منه، فهذا أيضًا من تلك الفضول، وما رأينا أحدًا يصفه بالأجزاء والأعضاء جلَّ عن هذا الوصف تعالى".
فمن فهم من هذا نفي الأجزاء والتركيب، فليفهم منه نفي الجسم والفم واللسان، وإلا فلا هذا ولا ذاك، لا بالتخليط الذي يعمد إليه من شاء أن يعتذر عن نفسه، فيتكلَّف كل صعب وذلول للإيهام بجواز القول: إنَّ الله ليس مركبًا، ثم يتعنّت في غيره متى قال: إنَّ الله ليس متحيزًا ولا جسمًا، لكنه دوران في فلَك شخصه، فما قاله يلتمس له المعاذير، ويتكلَّف له الوجوه، ولغيره الإدانة.
قوله: (نحن نقول) يضحي من باب حكاية قول (أهل السنة)، أما غيره (يرددون كلام المبتدعة) في باب واحد ذي معايير واحدة، هو غير ملزم بالتقيّد بألفاظ (السلف) فيه لكنَّ أهل المعمورة ملزمون بهذا! لهم الخطأ وله الصواب، له كل حلوة ولغيره كل مرة!
بلغ الادعاء ولبس ثوب الزور إلى الحد الذي يسجل فيه المدَّعي على نفسه جوابًا على قول خصمه: لا نحتاج إلى مفسرين أنت موجود عالم بالقرآن! فيرد: إن شاء الله، نعم!
في حين تقرأ لمحمد بن إدريس الشافعي (٢٠٤هـ)، الذي قيل في لغته: إنها حجة، وإنه مجتهد مطلق، في سياق حديثه عن لغة القرآن، والسنة اللازمة لتفسيره، كما في (الرسالة):
"لسان العرب أوسع الألسنة مذهبًا وأكثرها ألفاظًا، ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان غيرُ نبي، ولكنه لا يذهب منه شيء على عامتها حتى لا يكون موجودًا فيها من يعرفه، والعلمُ به عند العرب كالعلم بالسُنة عند أهل الفقه لا نعلم رجلًا جمع السنن فلم يذهب منها عليه شيء"!
فئة تتحدث عن الأثر والآثار، والتمسك بما كان من (السلف)، وتعيب على غيرها الكلام، والفلسفة دون تحقيق، وتتصدّر للمناظرات، حتى يقحم قائلهم نفسه فيما لا يحسنه، ويقول:
"سؤال هل الله سبحانه وتعالى مركّب؟ نحن نقول: هو غير مركّب، المركّب هو الشيء الذي كانت جزئياته متفرقة، ثم تركّبت بعد ذلك، الله سبحانه وتعالى لا ينسب إليه هذا الكلام، لأن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء"!
(نحن) من تقصد؟ هل هم السلف؟ أين هذا من الآثار؟ وأين هذا من كلام السلف؟ بل لاحظ أنه نسب نفي التركيب إلى الآية، وهذا الكلام أي ذكر له في أثر عن صحابي أو تابعي؟ لكنه بسهولة يمكن أن تعثر عليه في (أساس التقديس) للرازي (606هـ) بأنَّ الله: "واحد منزّه عن التركيب ".
في حين لو أخذنا أحمد بن حنبل (241هـ) كما في كتاب (المحنة) لابن أخيه حنبل بن إسحق، فقد ذكر ما كانوا يقولونه له، فقال:
"إذا تُكلِّم بشيء من الكلام مما ليس في كتاب الله ولا سنة رسول الله ولا عندي خبر، قلتُ: ما أدري ما هذا! ما أعرف هذا"، فلا يثبت ولا ينفي الألفاظ من غير الكتاب والسنة، قال: "ولقد جعل برغوث [محمد بن عيسى ٢٤٠هـ] يقول لي: الجسم كذا وكذا، وكلامًا هو الكفر بالله العظيم، فجعلت أقول: ما أدري ما هذا، إلا أني أعلم أنه أحد صمد…" فما نفى ولا أثبت الألفاظ الكلامية، إنما أثبت الألفاظ الواردة عنده في الكتاب والسنة.
ولذا كان من أكثر ما رددته كتب ابن تيمية، وابن القيم، ومن تابعهما بعدهما أنَّ طريقة القرآن نفي مجمل، وإثبات مفصّل، وقالوا هذه طريقة القرآن (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) أما طريقة المتكلمين، فرأوا أنها انهمكت بالنفي المفصل والإثبات المجمل، مثل القول: لا هو جسم، ولا عرض، وليس مركبًا، ولا هو جوهر إلخ.
وهذا له لوازمه، فنفي التركيب وأنه لا ينسب إلى الله هل ينسحب على القرآن؟ وقد سلّم القائل أنّ الله ليس مركبًا ولا ينسب له هذا، مع أنَّ تعريف الكلام الذي يثبته له أنه حرف وصوت، لكنّه ليس أي حرف كان، بل هو حرف مركَّب بطريق مخصوص حتى يفيد معنى، ولذا جاء في ألفية ابن مالك: "كلامنا لفظ مفيد"، وفي الآجرومية: "الكلام هو اللفظ المركّب المفيد بالوضع"، وقال الأزهري (370) كما في (تهذيب اللغة): "الكتاب اسم لما كتب مجموعًا"، وبهذا فهو يقبل التفريق والتجريء.
فلما تنفي التركيب تغفل عن كون هذا هو الأصل الذي اعتمده من قال بأنَّ القرآن اللفظي مخلوق، لأنه مركب، والإله لا ينسب إليه التركيب، ولذا راعت المعتزلة هذا الأصل فقالوا: القرآن مخلوق، وراعته كذلك الأشعرية فأثبتوا الكلام غير المخلوق بمعنى أنه نفسي قديم، وليس حرفًا ولا صوتًا، وأن الأمر والنهي فيه معنى واحد، حتى لا يقعوا في مسألة (التركيب) هذه!
أما أحمد فلن تجد عنه نفي التركيب هذا، وبعدها يتحدث الواحد من هؤلاء عن التوقف عند الأثر، والتمسك بهدي السلف، الذين قالوا لهم اتركوا الجدل، ولا تجعلوا دينكم عرضة للخصومات، ولم يجعلوا الألفاظ الكلامية عمدتهم في النفي والإثبات.
المرثيات حمل زائد، تعيق الرؤية بدموعها، تخاطب جموعًا أنهكتها هويات غير واضحة المعالم، ترددها تلقينًا لا معرفة، ورثت نتائج غير مفهومة لديها، لم تنظر في الماضي بعين لا ترمش حين تحدّق في شعاع الشمس، لتعلم به أين تقف اليوم، إنْ كان من رثاء حينها فإنما يكون بنزع كل معيق عن رؤية الواقع كما هو، سواء في الماضي والحاضر.
Читать полностью…عندما يعاد ضبطك على إعدادات المصنع.
يرجع الخليفي إلى إعدادات المصنع بعد كل منشور، ليسجل ما يقارب الساعة، مكررًا محتوى صوتياته السابقة، بنفس الخاتمة، في بيان اضطراري مشيرًا في كل صوتية إلى أنها آخر ما سيشارك به.
قال في صوتية أخيرة له "قول الهروي في الجبر، النووي مثله، بل النووي أسوأ، وقول الأشاعرة في القدر مبني على نفي الصفات أصلا... مع تبرئة من برأه أيضا في هذا السياق، أنا ما أثبت الجبر وأقول فلان سني، ما قلتها" [١]
الخليفي شخصية متنقّلة بشكل فج، لا يثبت على مذهب في مسألة إلا ونقضه عند الحاجة إلى غيره من الأقوال، مثلا هنا:
يقول إن "الهروي يقول بنفس قول النووي في الجبر"، ثم يقول: "مع تبرئة من برأه"، أي من الجبر.
ولو عدنا إلى ابن تيمية وابن القيم، سنجد أن كلًّا منهما يصرح بأن "الهروي من غلاة الجهمية في الجبر" [٢]
فمن برأه من هذا؟ إنه التلاعب بالأدلة، وفي ٥٠ دقيقة كاملة، لا يقدم الخليفي حجة، ولا يناقش مسألة، حتى يكسر الملل بالميل نحو من مناكفات شخصية.
ثم يقول الخليفي "إن جبر النووي أسوأ" [٣] وابن تيمية عندما تكلم عن جبر الأشعرية مقارنًا له بجبر الهروي لم يعزز أهواء الخليفي، بل قال:
"ومع هذا فهو في مسألة إرادة الكائنات وخلق الأفعال: أبلغ من الأشعرية، لا يثبت سببًا ولا حكمة" [٤]
فابن تيمية يجعل قول الهروي أبلغ بدعيّة من قول الأشعرية، وأوغل في نفي حكمة الله، حتى إن ابن القيم قال:
"هو توحيد القدرية الجبرية أتباع جهم بن صفوان في الجبر، فإنه [الهروي] كان غاليا في الجبر [...] وطَردُ هذا المذهب مفسد للدنيا وللدين، بل لسائر أديان الرسل" [٥]
والخليفي لم يبرهن لقرَّائه كيف يقول هو بمعزل عن المقابلة لخصومه أن الهروي إمام من أئمة السنة، مع أنه جبريٌّ جبرَ جهم بن صفوان، كما أثبت ابن القيم وابن تيمية، وكما هي نصوصه الواضحة في المنازل!
مع أن الكتاب الذي تعرض له بالنقد، لم يذكر مسألة شخصية واحدة، لكن تشعر أن في نفس الخليفي حاجة ملحة لصرف البحث عن النقاش العلمي الموضوعي إلى نقاش مسائل ذاتية.
على أن السؤال المتجه له: أنت تقر بمطابقة رأي النووي لرأي الهروي، في قول تجعله علةً في إسقاط سنَّية الشخص عند كلامك عن جبر النووي، فما المبرر العلمي الذي يمثِّل حجةً لتعذر الهروي فيما لا تعذر فيه غيره بهذا القول؟ يتحذلق الخليفي طويلًا، ولا يقدم جوابا علميًا. بل يعوّض انكساره في الهروي إلى رفّ: يلزمكم نفس القول في غيره، فهو يقدم أجوبة تصلح فقط عند الجدال، ويتهرب بهذا من حل المسألة العلمية.
ومن النماذج الذي تكشف مستوى شخصية الخليفي العلمية ما يلي:
- يقول إن الجبر علة في "إسقاط السنية" [٦] فأطلق حكمًا عينيًا بإسقاط سنيّة كل من يقول بالجبر!
- ثم يقول إن الهروي قال بالجبر، فيصرح بمخالفته له قائلا "الهروي ولو خالفناه في مسائل القدر" [٧]
- ثم يقول "الهروي يقول بنفس قول النووي في الجبر" [٨] فهو يثبت عليه الجبر!
- ثم يقول "قال شيخ الإسلام الأنصاري الهروي" [٩] فهو شيخ الإسلام عنده أي الوصف الذي يجاوز مجرد إثبات السُّنيَّة، ثم يقول "أبو إسماعيل الهروي متفق على ثقته" [١٠]
4- واليوم يتنكَّر لأقواله السابقة، فيقول "أنا ما أثبت الجبر وأقول فلان سني ما قلتها" [١١] عند كلامه عن الهروي.
تضاد هذا أم تناقض؟ متفق على ثقته، إمام السنة، ولكنه قائل بالجبر، يخالفه في القدر، يجعل قوله مسقطًا للسنية، ومع ذلك يبقى شيخ الإسلام! متناقضًا كلما تكلم.
---------------------------------------------------
[١] /channel/doros_alkulify/6410
[٢] قول ابن تيمية: الاحتجاج بالقدر لابن تيمية، ص٦٥ / مدارج السالكين لابن القيم، ج٣، ص٤٥٨- ٤٥٩.
[٣] /channel/doros_alkulify/6410
[٤] مجموع الفتاوى لابن تيمية، ج١٤، ص٣٥٤.
[٥] مدارج السالكين، لابن القيم، ج٣، ص٤٥٨.
[٦] من مقال للخليفي على مدونته بعنوان: قول الأشاعرة في القدر مخالف للمعلوم من الدين بالضرورة.
[٧] في مقال للخليفي بعنوان: تعقيب على مقطع يوسف الغفيص في أبي إسماعيل الأنصاري
[٨] /channel/doros_alkulify/6410
[٩] /channel/alkulife/10768
[١٠] من مقال له بعنوان: الدفاع عن كتاب السنة للإمام ابن الإمام عبد الله بن أحمد.
[١١] /channel/doros_alkulify/6410
مراجعة كتاب [باسم السلف] في نقد طرح عبد الله الخليفي، تأليف يوسف سمرين.
طالع على مدونتي:
https://bassembech.com/book/مراجعة-كتاب-باسم-السلف-في-نقد-الخليفي-ل/
تارة إجماع السلف، وأخرى الأشعرية معنا!
نازع الخليفي في إجماع السلف على عدم قبول الرواية عمن يحكمون بكفره، وفي سبيل إثبات الخلاف في هذا: قال هذا الجاربردي [746] قال: "رواية المجسمة تقبل وإن كفرناهم"، فالآن صار يعتد بخلاف الأشعرية الذين يراهم جهمية فيما يسمونهم كفارًا من الرواة ويتهمونهم بالتجسيم! وعنده الجهمية كفار باتفاق السلف، فعلى هذا فإنَّ الكفار عنده يعتد بهم في حكاية الإجماع والخلاف.
وكان الجاربردي قد كتب (السراج الوهاج في شرح المنهاج) شرح فيه المنهاج للبيضاوي، وهو مختصر من كتاب الحاصل للأرموي، وهو مختصر من محصول الرازي، والعبارة للبيضاوي ليست للشارح لكنه لا يفرق بين متن وشرح، قال البيضاوي: "كونه من أهل القبلة، فتقبل رواية الكافر الموافق كالمجسمة" رغم أهمية تنبيه الشارح، إذ قال الجاربردي: "اعلم أنه قال الأصوليون شرطه الإسلام، وإنما عدل المصنّف إلى هذه العبارة، لأنَّ المجسمة كفار عند الأشعرية"، فالمصنّف عدل عما يشترطه الأصوليون.
رغم أن البيضاوي اشترط العدالة وقال في حدّها: "ملكة في النفس تمنعها من اقتراف الكبائر والرذائل المباحة"، وكفر الاعتقاد هل يراه الخليفي من الرذائل المباحة، أو لا يدخل في الكبائر، لكن لا علينا فلو رجعنا إلى البرهان للجويني فإنه يقول: "فصل في صفة الرواة: العقل والإسلام، والعدالة معتبرة وأصحاب أبي حنيفة وإن قبلوا شهادة الفاسق لم يجسروا أن يبوحوا بقبول رواية الفاسق فإن قال به قائل فقوله مسبوق بإجماع من مضى على مخالفته".
لكنّ الخليفي جسر على ذكر الخلاف في الكافر لا الفاسق، فينازع في الإجماع الأول على عدم قبول رواية الكافر، رغم أنه لا يستعمل هذه الطريقة في غير هذا الباب، ففي مقال له بعنوان: [هل نقل ابن تيمية خلاف السلف في دخول الجهمية الثنتين وسبعين فرقة؟] نقل كلامًا لابن تيمية وفيه: "قال آخرون من أصحاب أحمد وغيرهم: بل الجهمية داخلون في الاثنتين والسبعين فرقة وجعلوا أصول البدع خمسة" فعلّق قائلًا: "تأمل قوله (وقال آخرون من أصحاب أحمد وغيرهم) ولم يقل من السلف"، وهكذا فأصحاب أحمد هؤلاء ليسوا من السلف عنده ولا يعتد بهم في خرق الإجماع بنظره، لكنَّ بعض متأخري من يراهم جهمية يجعلهم جزءًا في الإجماع وخرقه.
ويشرح الخليفي قراءته لابن تيمية بنظره فيقول: "يرى أن هذا القول بدعة وخلاف اتفاق السلف، وينسبه لجماعة من أصحاب أحمد بمعنى المتمذهبين بمذهبه في الفروع، وعليه كلمة (من أصحاب أحمد) لا تساوي (السلف) عند ابن تيمية"، ويكمل: "حين يقول ابن تيمية (أصحاب أحمد) فهو لا يريد السلف ولا الاستدراك على إجماع السلف، فقد نسب لـ(أصحاب أحمد) يعني جماعة منهم أقوالاً هو يقطع بمخالفتها لاتفاق السلف" فاتفاق السلف بنظره لا يخرقه أصحاب أحمد.
كل هذا ليصل إلى النتيجة بأنَّ تكفير الجهمية متفق عليه بين السلف، وفي الرواية يقول: "الرِّواية لا تختلف عن أحمد في عدم جواز الصلاة ومناكحة والرواية عن اللفظية والجهمية الصرحاء والمعتزلة، وهذا عليه عامة أهل السُّنة لهذا لم يُخرَّج لأحد من اللفظية والجهمية الصرحاء في الكتب الستة"، [من مقال له بعنوان: الرد على عبد الله الغليفي] فعامة أهل السنة على هذا القول بنظره، ولكنه يجعل المسألة خلافية بحجة أنَّ بعض متأخري الأشعرية قالوا يجوز الرواية عن المجسمة وهم كفار عندهم، وفي صوتيته نفسها يقول: "الرواية في القرون الأولى لها شروطها فيها تشديد" فقد كانوا يشددون فيها جدًا دون اشتراط الإسلام، ألم ينقل الخليفي ذلك عن واحد من القرن الثامن؟
الخليفي يوسع الخلاف متى شاء، ويقلله متى شاء بالهوى
قال بأنه برأ هشام بن عمار من التجهم بأي حجة؟ بحجة أنه وجد أثرًا رواه ابن عساكر-وهو لا يصح سندًا-لكن سنمضي جدلًا معه حتى النهاية، ماذا في الأثر؟ جاء فيه بأنَّ هشام بن عمار قال بأنه ليس لفظيًا، فهل كان كلام أحمد فيه لمسألة اللفظ فقط؟
الواقع أن الخليفي يتلاعب، فقد كان ذلك في أكثر من مسألة، ومنها أنَّ أحمد ورده كتاب وفيه سؤال عن هشام بن عمار، وفيه: "سلْ لنا أَبَا عبد الله عن الصّلاة أنّه قال فِي خطْبته على المنبر: الحمد للَّه الَّذِي تجلّى لخلقه بخلقه".
قال المروذي: "فسألت أَبَا عبد الله فقال: قاتَلَه اللَّه، أو دمّر اللَّه عليه، هذا جَهْميّ، اللَّه تعالى تجلّى للجبل، يقول هُوَ: اللَّه تجلّى لخلْقه بخَلْقه. إن صلّوا خلْفه فلُيُعِيدوا الصّلاة"! لاحظ هذا جهمي في هذه المسألة تحديدًا [تجلى لخلقه بخلقه].
فأين تبرأ هشام من هذا الكلام؟ نكمل، قال أبو طالب: "سمعت أبا عبد اللَّه سئل عن حديث هشام بن عمار أنه قرئ عليه حديث: "تجيء الرحم يوم القيامة، فتتعلق بالرحمن" فقال: أخاف أن تكون قد كفرت، قال: هذا شامي ما له ولهذا؟" ويرويها المروذي قال: "رفع المحدث رأسه وقال: أخاف أن تكون كفرت، فقال أبو عبد اللَّه: هذا جهمي."
فأين تبرأ من هذا لو أننا جدلًا ثبّتنا أنه تبرأ من مسألة اللفظ؟ فهب أنه خرج من مسألة اللفظ، فما بالك تلغي كل ما وصفه به أحمد وأسبابه بحجة أنه تبرأ من اللفظ؟ وعلى طريقته البائسة في التشنيع: أحباب جهم فرحوا بهذا الدفاع! وعلى طريقته وهو الذي قال مرة في مقال له بعنوان (نقد ترجمة أبي حنيفة في تهذيب الكمال للمزي): "إذا قلنا عن هذا الرجل (إمام فقيه) فإننا نتهم الذين تكلموا فيه بالظلم وهذا إسقاط لعدالتهم فإن الظلم الشديد لرجل صالح مسقط للعدالة" فابن حنبل، يتهمه بالتجهم في أكثر من مسألة، وأنت تقول لا لم يصح أنه جهمي لأنه نفى مسألة تتعلق باللفظية، رغم أنَّ أحمد يجهمه في قضية التجلي، وفي مسألة رد حديث تعلق الرحم بالرحمن! وأي ظلم أعظم في اتهام سني بالجهمية؟
وهذا يظهر أنَّ من فرحوا برد الخليفي، يظنون أنَّ شيخهم متى رد، فقد كفاهم مؤونة البحث، وأن الحجج تقام بوضع أي كلام ولو كان لا يساوي حبره تحت اسم الرد! ويبقى موقف الخليفي هزيلًا وهو يدافع عمن جهمه أحمد في مسائل وليس في مسألة واحدة كما يوهم أتباعه، فهذا كمن يجهمه إمام لموقفه من الاستواء، والعلو، فيقول: كيف تظلمه فقد نفى أنه لفظي.
ستالين، والخليفي... ومعلومات تاريخية جديدة!
عندما يقول أحدهم بأن تروتسكي يرى أن ستالين اندفع إلى الجانب القومي [الذي دعاه إلى القول باشتراكية البلد الواحد، أي التركيز على الاتحاد السوفييتي بدل الحديث عن ثورة عالمية]"
فهو لا يقصد بكل تأكيد أنه يتبنى الفكر القومي، إنما مال إلى الجانب القومي وذلك في سياق "رفض عالمية الثورة" التي يؤمن بها تروتسكي، فستالين يرى التركيز على مصالح الدولة لا نشر الأفكار الماركسية
فالميل القومي هنا في مقابل أفكار تروتسكي وليس على إطلاقه، على أنه من البلاهة الاعتقاد بأن القومية هي الفاشية... فضلا عن مجرد استخدام مصطلح القومي في سياق يتحدث عن العالمية الاقتصار على "البلد الواحد"
طبعا هذه المعلومة التافهة خافية عن تابع الخليفي الذي تعد جنسيته أقصى ما يؤهله للحديث في الموضوع، رغم جهله بتاريخ بلاده وخلطه بين المصطلحات والمذاهب السياسية، فلم يكتفي القوم بالعبث في تراث أهل الإسلام حتى عبثوا بتراث أهل الكـ. فر
ولا يبعد عنه إن قرأ اسم "مجلس الأمن القومي الأمريكي" لظن أن أمريكا دولة فاشية لمجرد استعمال مصطلح: "القومي" في وصف المجلس! فهذا المصطلح يأتي بمعنى القطرية في سياق معين..
كما أن ربطهم القومية بالفاشية في كل أحوالها مثير للسخرية...كمن يعتقد بأن كل [شيعي في القرن الأول كان رافضيا، أو كل خارجي كان أزرقيا]
وتجاهلوا أن سمرين قال بأن ستالين [اندفع] إلى الجانب القومي، لا أنه أصبح قوميا... وميله ذاك جاء قياسا إلى أفكار تروتسكي الذي يرى [عالمية الثورة]
على أن ستالين الذي يعاد كتابة تاريخه اليوم في محفل العبث هذا كان قد نفذ حملة إعدامات في سنة 1942 بتهم من بينها مناصرة الفاشية!
وعلى ذكر قومية ستالين، فقد تحدث الرجل عن القومية في كتاب مستقل!
وفي معرض نقده لمبدأ «الاستقلال الذاتي الثقافي القومي» كتب ستالين:
"هذا المبدأ يتجه ويدفع نحو القومية ويؤدي إلى تفرقة الناس بموجب الفرق القومية وتنظيم الأمم على أساس صيانة وتنمية الخصائص القومية... [الأمر الذي لا يلائم الاشتراكية الديموقراطية بأي وجه من الوجوه]" (١)
فالقومية وتنمية خصائصها لا يمكن أن يتم التوفيق بينها وبين القيم الاشتراكية عنده! بل يعبر عن نفوره من القومية بقوله: "ليس من قبل المصادفات تورط «البوند» في القومية وانغماسهم فيها".(٢) ويقول في موضع آخر: "لا وجود للوسط، إن المبادئ تنتصر ولا يوفق بينها وهكذا هي حال مبدأ توحيد العمال توحيدا "أمميا" بوصفه مادة لا غنى عنها في حل القضية القومية" (٣)
البحث التاريخي لم يكن يوما بحسب الجنسية...
(١) جوزيف ستالين، الماركسية والقضية القومية، ترجمة: رابطة الكتاب التقدميين، دار النهضة الحديثة، بيروت، ص١١٥
(٢) نفس المرجع السابق.
(٣) نفس المرجع السابق، ص١١٩
من كتاب ابن عساكر (٥٧١ه)، ينقل السند كاملا، وفيه مجهول عين (أبو علي الحسن بن محمد بن الحسن الخذاباني) وهو ما يتجاوزه الخليفي.
Читать полностью…المليشيا تتحذلق!
العقل الفوضوي، البعيد عن العلمية والذي لم يخض غمار البحث المعرفي مرة واحدة، لا يتوقع منه إلا إنتاج الفوضى على الصعيد النظري، ومليشيا إلكترونية في السلوك العملي، فهذا حجمه الطبيعي وسقف آماله، مثل نصرته الإجماع على كفر الجهمية وتركه كلام المتأخرين في المسألة، كمن حمل كلام أحمد فيمن قال القرآن مخلوق، على الكفر الأصغر، ثم لما يأتي إلى أصل ذلك القديم في عدم قبول الرواية عن كافر عند من يسميهم (السلف) يتركهم وينزل إلى أشعرية متأخرين من القرن الثامن ونحوه ممن يصنفهم جهمية، وهكذا يصبح (الجهمية) محل اعتبار عنده في الإجماع، وهكذا يكون التحقيق.
هو السلوك نفسه الذي جعله يتحدث عن تاريخ الاتحاد السوفيتي وقال بأن ستالين صار فاشيًا لأنه قرأ نيتشه، ووجدها ثقيلة عليه أن يقول هو يتحدث في غير الدين بغير علم، كحاله في الدين، ودفع بأحد العوام ليرد، فقال العامي: ستالين كان متحالفًا مع الفاشيين، ومصدره ويكبيديا الروسية هكذا! وهو يقصد حلف ألمانيا والاتحاد السوفيتي في دخول بولندا في الحرب العالمية الثانية فما دخل العلاقات مع ألمانيا النازية التي شملت دولًا عديدة بوصف ستالين بالفاشية؟
والأطرف أنه يظن بأن الفاشية هي القومية! على أنها التيار اليميني الأكثر تطرفًا وليس مجرد قومية، ألمانيا النازية مثلًا كانت ترى التفوق البيولوجي للألمان، وهذا بعيد تمامًا عن ستالين أصلًا، وذكر عددًا من جرائم ستالين، فما علاقة هذا بصفة أيدلوجية تنحصر بالفاشية، والأطرف أنَّ ذلك العامي كأنه يلتقط قوّة الحجج من شيخه! فقال: إنه روسي، كأنه يفترض بالسامع أن يخاله نائبًا لجوكوف، فستالين جورجي إذن!
كيفما كان نحن نتحدث عن ظاهرة فوضوية يهمها الانتصار لنفسها، والتشبع بما لم تعط، والحديث في قضايا هي عامية فيها وليت شعري أي مسألة لهم ارتقوا فيها عن مستوى العامية، وبدل أن يتعلموا، يحسبون أنَّهم بالتشغيب يجادلون ويناظرون.
متناقضًا كلما تكلم (١)
ثم خرج الخليفي بصوتية بعنوان (جولة إضافية في كشف التحامل) قال فيها (فيقولون لك يدافع عن الجهمية، هذه اسمها مصادرة عن المطلوب يا جماعة العقليات، فالبحث أنني أبريه من الأمر) هذا وهو يثبت أن الهروي بلسان ابن القيم كان من الجهمية الغلاة في الجبر، بأشد مما هو عليه الأشعري.
ويكرر الخليفي قائلا في غيره: لا تقل أني أدافع عن الجهمية ما دمت أقول ببراءة الشخص من مقالتهم. ويتجاوز أن هنالك كتابا للهروي (٤٨١ه)، مطبوع، بعنوان: منازل السائرين، قال فيه:
"وهو أن لا تشهد في التوحيد دليلا ولا في التوكل سببا ولا للنجاة وسيلة" [١] وقد علق عليه ابن القيم بقوله "والقول بإسقاط الأسباب هو توحيد القدرية الجبرية، أتباع جهم بن صفوان في الجبر، فإنه –الهروي- كان غاليا فيه" [٢]
وفي معرض كلامه عن موقف ابن تيمية من الهروي في مقال له بعنوان (لا يترك حق لباطل) يقول الخليفي:
"فصرح بموافقته للجهمية مع أنه يكفرهم! ، بل صنفه في غلاة الجبرية هو والأشعري ... ولم أجد أحداً في زمن السلف بل قبل هذا العصر ينص على أن المخالفة المنتشرة بين الناس إذا كانت تنسب إلى رجل جليل أنها لا ترد ، فهذا تأصيل غريب عجيب وهو من ترك الحق للباطل، ومن تعظيم الأشخاص على حساب الدين بل ومن الخيانة للمسلمين ، وهذا تأصيل محدث ما قال به أحد من السلف بل كون المخالفة تنسب إلى رجل جليل فإن ذلك أدعى لردها، لأن نسبتها إلى معظَّم أدعى لانتشارها بين الناس ولا فرق في هذا بين خطأ في العقيدة أو الفقه أو التفسير أو الحديث فالأمر كله دين وينبغي أن يرد على المخطيء خطأه في هذه الأبواب كلها حفاظاً على الدين ونصحا للمسلمين" [٣]
ثم يقول الخليفي"وقد احتال الحزبيون قديما حيلة خبيثة فصاروا ينسبون كل من يرد عليهم إلى خدمة العلمانيين والليبراليين" [٤] وهو ما إن تبدأ معه المحاققة، حتى ينسب من نقده في الهروي إلى الأشعرية ومذهب أهل الرأي، والطريف أنه يسمي هذا حيلة خبيثة.
والخليفي يرى أن المخالفة إذا كانت تنسب إلى رجل جليل فإن ذلك أدعى لردها، لأن نسبتها إلى معظَّم أدعى لانتشارها بين الناس، وما إن يحال إلى فحص المنهج، يقول "أنا أبريه من مقالتهم" ويجعل البراءة متعلقةً بالحلول فحسب، على أن الخليفي لو شرب حبر الأرض ما كتب حرفًا في براءته من الغلو في التجهم، وهو قول ابن القيم وابن تيمية فيه، ولكن يتخلّف حكمه عنه بالتجهم ما إن يبدأ التناغم العاطفي، فهو شيخ الإسلام وإمام المسلمين، ولكنه من غلاة الجهمية في القدر.
والهروي على قوله باسقاط الأسباب، كان يقول في باب الصفاء "الدرجة الثالثة صفاء اتصال يدرج حظ العبودية في حق الربوبية ويغرق نهايات الخبر في بدايات العيان ويطوى خسة التكاليف" [٥]
فمرحلة من مراحل الصفاء لديه أن تسقط عن المصطفى "خسة" التكاليف، وهو نفس المسار الذي لف في دائرته ابن عربي الطائي، مخاطبا الولي الصاحي، قائلا "لا يزال الولي لا يقسط عنه خطاب الشرع بالأعمال، إلا أن تغلب عليه حالة تصيره كالمجنون أو المغمى عليه" [٦] وهو الذي يقول في مقام مخاطبة العوام "الزلل الذي يقع فيه من لا معرفة له ممن ذمه الشرع من القائلين بإسقاط الأعمال" [٧]
والخليفي يقول قد تأول ابن القيم كلامه، وقد كتبوا قديما في تأول كلام ابن عربي أيضا، وفعل ذلك الهيثمي وغيره، ولكن المحاققة تسقط تسمية الرجال، والبحث يكون بتمحيص قول القائل بعينه.
والخليفي ما إن يعارضه مخالفوه في التكفير بفهم ابن تيمية لكلام السلف، حتى يقول "من الغلط جعل كلام السلف لا يفهم إلا من طريق ابن تيمية"، فهو يفرق بين المتماثلين، فإن كلام الهروي بين أيدينا، وكتابه مطبوع، وكتبه بالعربية.
ويقول الخليفي أن الهروي مختلف فيه، في قوله بالحلول، ويجعل هذا مُخرجًا له عن المساءلة العلمية، وينسى أنه هو القائل في أبي حنيفة ملزمًا غيره "لماذا تترحمون عليه وقد اختلف في موته جهميا"، ويجعل الخليفي هذا الدين متصرفا له، ولا يقول حكما، ولا يطلق قاعدة إلا نقضها على بساطة أدواته في البحث.
--------------------------------------
المراجع:
[١] منازل السائرين، الهروي، ص١٣٧.
[٢] مدارج السالكين، ابن القيم، تحقيق المعتصم بالله البغدادي، ج٣، ص٤٥٨- ٤٥٩
[٣] مقال الخليفي: لا يترك حق لباطل: https://alkulify.com/%D9%84%D8%A7-%D9%8A%D8%AA%D8%B1%D9%83-%D8%AD%D9%82-%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B7%D9%84/
[٤] نفس الرابط السابق.
[٥] منازل السائرين، الهروي، ص١٠٣.
[٦] الإنباه على طريق الله لابن عربي ويليه شرح الصلوات الأكبرية، بدر الحبشي، ٢٠١٩، ص٥٢.
[٧] نقله عنه شارح القصيدة النقشبندية، ص٢٥٣.
في التدريس، ألف باء مقالة الهروي (١)
يحاول الخليفي تقديم الهروي على أنه منزه عن القول بما نسبه له ابن تيمية، قائلا بأنه ألف (ذم الكلام). والخليفي لا يبحث المنازل مستقلا وإنما يستتر خلف ابن القيم تارة، ويجعل عماده في القرائن أن الهروي ألف ذم الكلام، ولا يدري أن مجمل رؤوس التصوف الفلسفي، ليسوا راضين عن علم الكلام، والهروي يصنّف توحيده بأنه "توحيد الصوفية" [١]
والهروي (٤٨١ه) يرى أن "توحيد العامة الذي يصح بالشواهد والشواهد هي الرسالة والصنائع، يجب بالسمع" [٢] وهو نفس النسق الذي كان يسلكه من قبله ابن سينا (٣٧٠ه) "الشرائع واردة لخطاب الجمهور بما يفهمون، مقربا ما لا يفهمون إلى أفهامهم" [٣]، فالعامة هم الجمهور، والرسالة هي الشرائع، وتوحيدهم هو مفهوم الشرع.
والهروي الذي سطّر عنوان (ذم الكلام) وأكفر فيه أهل التأويل، كان متسقا مع نفس النسق الصوفي الذي يعد انقلابا على السطوة الكلامية لقرون، وليس (ذم الكلام) ببعيد عن تلك الكُليمات التي ترددت فيما بعد على لسان ابن عربي الطائي (٥٥٨ه) وهو يخاطب أحد العوام عن أهل الكلام، قائلا:
"وأين استواء بِشر على العراق الذي هو عبد، من استواء الخالق" [٤] ويقول "ولكن إطلاق الاستقرار أولى لكون العرش جاء في الحديث بمعنى السرير" [٥]
ويقول في المتكلم "فإن غايته أن انتقل من التشبيه بمحدث ما إلى التشبيه بمحدث آخر فوقه في المرتبة" [٦] ويحكم على الأشعرية بالهلاك: "عليك يا أخي بالتسليم لكل ما جاءك من آيات الصفات وأخبارها فإن أكثر المؤولين هالكون" [٧]
ويحكم على الأشعرية بجرح إيمانهم "اعلم أن الخير كله في الإيمان بما أنزل الله والشر كله في التأويل فمن أول فقد جرح إيمانه" [٨] ويقول "لا بد أن يُسأل كل مؤول عما أوله يوم القيامة ويقول له: كيف أضيف إلى نفسي شيئا فتنزهني عنه، فإن حقيقته تعالى مباينة لجميع صفات خلقه وحقائقهم"[٩]
فهل يقال لا يستقيم حمل معاني الحلول والاتحاد، في كلام ابن عربي، بدليل إكفاره المتأولين، أشاعرة ومعتزلة، والطعن في إيمانهم، وأنه على تمام المباينة لأهل النفي؟
عند البحث في جذور عبد الله الخليفي، نجد معطيات عدة، ووثائق وكتابات، وتاريخ شفوي متشعب، يعبر كل ذلك عن أيديولوجيا حديثة النشأة، تنكشف معالمها بتسليط الضوء على جانب من الصراعات التي نشأت في أفغانستان خلال وبعد الغزو السوفييتي، وهي تطرح افتراضًا حول الأصول الفكرية لعبد الله الخليفي.
الأمر الذي أفسح المجال أمام هذه الدراسة لتقديم عمل استقصائي، يهدف إلى كشف السلف الحقيقي، والذي مثَّل الرحم الذي نتجت عنه شخصية عبد الله الخليفي. وقد تشعبت تلك المعطيات بشكل واسع، لكنها تدور على نحو أساسي حول عدة نقاط....
المقال كاملا عل مدونتي، الرابط:
https://bassembech.com/عبد-الله-الخليفي-استمرار-لأيديولوجيا/
ألم يقل عبد الله الخليفي: إنَّ صوتياته التي سجلها غرضها الشهادة على التاريخ؟
لقد قدم الخليفي تصوراته عن تواريخ، ولم يشارك مستمعيه ولا قراءه تاريخَه وجذور أفكاره، ما يجعل وظيفة الكتابة الاستقصائية تسلط الضوء على أهم المحطات التاريخية التي ساهمت في تكوين شخصية عبد الله الخليفي وأفكاره.
في المقال القادم...
جديد على المدونة. [ محمد شمس وإعادة إنتاج التهريج ] وفيه [ علاء المهدوي وإعادة إنتاج العقائد اليهودية ]
الرابط
https://bassembech.com/محمد-شمس-وإعادة-إنتاج-التهريج/
يتسوّر بحوثًا أكبر منه!
عرفه الناس مهووسًا يقوده ترند الوقت، يصدر مقاطعه فيما يجلب ضجة، لا فيما يحدث فائدة، وأنى لمن فقد شيئًا أن يعطيه، ولا يكاد يعرف شيئًا سوى توزيع ألقاب من مخترعاته: "مدجنة، مميعة" ونحو ذلك فيما فيه هدم لباب (الأسماء والأحكام) وتحويله إلى محاكاة لمصطلحات مقاطع أفلام الكرتون، كأنه لا ألفاظ شرعية في هذا الباب أصلًا، وكان من قبل قد نشر أن المدجنة ينقدون الهروي، ويتهمونه بالحلول الخاص، وأنَّ شمس الدين يقصد نفسه دافع عنه، وبهذا فهو يتهم ابن تيمية بالتدجين، أخذًا من عموم لفظه وهو الذي لا يحسن فك رموز (منازل السائرين) للهروي، الذي وقع بالجبر، وكان غاليًا فيه، فضلًا عن وصفه لتوحيد الرسل بتوحيد العامة، لا الخاصة، حتى يكون توحيد الخاصة لا يتم إلا مع إسقاط الأسباب الظاهرة، ثم خاصة الخاصة بإسقاط الحدث وإثبات القدم! فهذا ما الذي دافع فيه عنه، وهو لا يفقه ما فيه؟ وكان يعرضه على متابعيه، ويسمي لهم الكتاب، ويحيلهم إليه، ويفخم من شأن صاحبه، فإن كان التدجين تحسين البدع وأهلها، فكيف حالك مع الحلول الخاص؟
واليوم حين ورط نفسه مع أحد عوام الشيعة صار يتترس خلف مناظرته بأن من ينقده فإنما يقف مع خصمه، ونسي أنَّ من نقدهم ابن تيمية مثلًا كانوا أشهر من رد على أئمة خصومهم، وكانوا يردون على المتبحرين في مذاهبهم، أليس الباقلاني قد رد على الباطنية، والغزالي رد كذلك في (فضائح الباطنية)، وأصحاب التعاليم من الإسماعيلية، وحتى الرازي قد عمد إلى ابن سينا فشرح الإشارات، وملأ سطور بنقده، حتى سماه الطوسي بالجرح لا الشرح، وكما قال ابن القيم:
واقصد إلى الأقران لا أطرافها****فالعز تحت مقاتل الأقران
لكن ما شأنه والعز، والفخار، إذ هو عامي رد على عامي، وليس قرينًا لمن فوقه، ومع كل هذه الردود، أترى ابن تيمية قال أخشى أن يقال فيّ إني إن صرحت بقولي في وجه من رد على طوائف مخالفة فإنّي كذلك أكون قد وقفت مع خصومهم؟
بل قال عن مناظرات لا يترضيها فيمن تصدّر فيها: لا للدين نصروا ولا للعدو كسروا، بل لقد صحح ابن تيمية أصل السمنية وهم ملاحدة ناظروا جهمًا، أتراه أعان على الإسلام وأهله أيها الألمعي؟ فكيف بمن لم يجذبه إلى هذا إلا حصد المشاهدات، والآن صار يتحدث عن كل من ينقد أداءه على أنه مدجن، معادٍ للسلف، كأنه ممثل لأحد منهم، وهو في مناظرته لم يستطع تمثيل (فانز) قناته، حتى إنَّ منظم الحوار بينهما من أتباعه لم يملك نفسه عن التدخل مرارًا، ولو كان قد رأى الكفاية قد تحققت في ابن شمس، لكان فيه مقنع، وما رأى من نفسه اندفاعًا ليقطع ويتدخل، حتى أضحى طرفًا في (المهاترة) التي تسمى مناظرة فيما لم يكن يشبه شيئًا من المناظرات، بل هي حديث عامي لعامي! وقديمًا كان المحدّث لا يحدّث بالحديث وشيخه حي، لأنه يرى فيه كفاية، وعلو إسناد!
ومن أمثلة الهراء الذي كان يبثه ابن شمس، أنه لما قيل له أنتم تقولون: "كان في عماء فوقه هواء، وتحته هواء" قال على عجل: الهواء هو اللا شيء، على أنَّ لهذا الحديث صيغة كما في الترمذي وحسّنها: "ما فوقه هواء، وما تحته هواء"، وعلى طريقة ابن شمس، فإنَّ كلمة هواء تعني لا شيء، فهو لما نفى ذلك فقال "ما" فوقه وما تحته، فهو نفى النفي وهو إثبات، فيضحي فوقه شيء! دون أن يرجع لبعض من شرحه وأعاد الضمير في ذلك على العماء أي السحاب، لا الله، لكنَّ هذا دأب من لم يحصل، ولم يشم من المعرفة إلا ادعاءها، فهوّن عليك، وابحث عن مادّة تسترزق منها غير التشبع بما لم تعط، إنَّ المنى رأس أموال المفاليس.
إنما الشأن في المقدمات...
قد ننهمك بنقاشات جزئية، لنتائج، لأخطاء، التي تشبه دوائر الماء حين يلقى فيها حجر، إنما الشأن يكمن في المقدِّمات، فهي التي سببت ما يليها، أنشأت أساس التهويش في العقول، فغاب عنها رؤية الوقائع كما هي، وأفقدت الكثير من الناس التحليل السليم، والأهم من ذلك أعاقتهم عن فهم كيف يتحرك العالَم، ولذا فإن الاهتمام بالجزئيات لمجرد إزاحتها من الطريق، وأما المقدّمات فهي المشحونة بكل ما أنتجته.
كل يوم يجدد دينًا!
بقي الخليفي على المماحكة في قضية هشام بن عمار، وهو الذي سجَّل كل مرة اعتذارًا على أصل مختلف، ففي السَّابق كان يجادل في الإجماع على عدم الرواية عن كافر، [واحتج لذلك برأي من يحكم فيه بأنه جهمي ولم يصب حتى في نقله!] ثم أقر أنهم في القرون الأولى كانوا يشددون في الرواية، ثم قال لا يوجد في الرِّواية عن هؤلاء الذين ينصر كفرهم شيء يخالف [الإجماع] لأنهم كفروا أو ضلوا بعدما كبروا، وهكذا صار يراعي أصل الاتفاق على أنهم لو حكموا بكفر الراوي ما رووا عنه حال كفره عندهم!
ورجع الكلام إلى هشام بن عمار (٢٤٥هـ) فهو يقول بأنَّ المسائل التي وقع فيها متأخرة، بعدما كبر، على أن هشامًا معمِّر فقد ولد سنة [١٥٣هـ] فيكون عمره عند محنة المأمون ٦٥ سنة! ويزعم أنه لم يروِ عنه أحد حين وقع فيما أنكر عليه أحمد، وهذا ابتكار لاعتذار عن نفسه، ويظهر أنه لا يبحث نصرة للحق، بل يعتذر عن نفسه فحسب، فلا أصل متين يحتكم إليه، وإنما يهوّش في البحث، فلو قرأ ترجمته كاملة واستحضر ما فيها ما تفوه بهذا.
فقد رماه أحمد بالتجهم لمسائل، ومنها تسميته لحديث تعلق الرحم بالرحمن كفرًا، وهي التي أغضى الخليفي عنها، ثم صار يوجه كلام هشام (تجلى لخلقه بخلقه) على طريقة الذهبي، وهو الذي يرفض توجيه الذهبي لكلام الكرابيسي لكلام أحمد فيه، فظهر أنَّ الرجل يتخير من الأقوال بما يلائم هواه وغرضه، وكان كل تعويله على رواية لم تصح وعلى طريقته (كذب) فادعى أنها من كتاب الرد على اللفظية ليعقوب الهروي، على أنَّ الذهبي ما قال هذا ولا هو أبان دليلًا واحدًا على ذلك، وكنت قد قلت هب أنه خرج من مسألة اللفظ فأين باقي المسائل؟ ومنها كلامه في حديث الرحم الذي قال يخشى على قارئه الكفر! فقال أحمد فيه: (جهمي) فلم يأتِ بجواب سوى ادعاء أنَّ هذا متأخر من هشام.
على أنَّ أحمد روى في المسند عن علي بن المديني [٢٣٤هـ] وعلق ابنه عبد الله: "ولم يحدّث أبي عنه بعد المحنة بشيء" وقد بدأ امتحان خلق القرآن بأمر المأمون سنة [٢١٨هـ] فعلم أنَّ أحمد لم يروِ عنه إلا قبل هذا في المسند، وفي المسند لم يرو أحمد عن هشام بن عمار رغم أنه جمعه قبل المحنة! فإن كان من ترجيح فهذا يرجِّح أنَّ كلامه فيه قديم وموقفه منه أثر عليه في المسند.
ومع ذلك كان ابن معين (٢٣٣هـ) يوثق هشامًا ويروى عنه، وممن روى عنه ابن ماجه (٢٠٩-٢٧٣هـ) روى عنه في سننه، على أنَّ ابن ماجه حين امتحن المأمون بخلق القرآن ٢١٨ هـ كان عمره ٩ سنوات، وهو من قزوين، ثم ارتحل إلى بغداد والشام وسمع هشام بن عمار، فأي ترجيح يكون في تاريخ سماعه من هشام؟ أنه روى عنه بعد المحنة، فعلى هذا كان لأحمد موقف من هشام قبل المحنة، وهناك من روى عن هشام بعد المحنة.
بل في ترجمة هشام، (لما توفي ابن ذكوان سنة اثنتين وأربعين، اجتمع الناس على إمامة هشام بن عمار في القراءة والنقل، وتوفي بعده بثلاث سنين) فها هم يجتمعون على هشام آخر حياته وهو الذي مات سنة (٢٤٥هـ) فظهر أنَّ الخليفي يدّعي ولا يتوقف عن الدعاوى! انتصارًا منه لنفسه يخترع قواعد وتواريخ وأحداثًا من رأسه، في ذاتية منفصلة عن الوقائع والأدلة يجدد كل حين لنفسه دينًا كما جاء عن ابن جبير في ذر المرجئ.
نصح حكيم مرة: "لا تحتفل وأنت ذاهب إلى حرب، بل إن رجعت منها"، لكنَّ الخليفي استقبل كتاب (باسم السَّلَف) بإعلان انتصاراته مبكرًا، وبعد كل الذي عمله ليرد الكتاب، فإنه لم يستطع تجاوز أول ٢٥ صفحة منه، حيث جاء في (باسم السلف) ذكر الرواية عن كافر (ص٧)، وهشام بن عمار (ص١٦)، والهروي (ص٢٥).
Читать полностью…تارة أحمد وتارة غيره!
ليست المسألة عند الخليفي في الغلو أو التفريط فذا قد يكون لأصحابه فيه ضابط، فيناقَشون بأصولهم، أما ما يصرّح به فهو فوضى، لا تخفي إلا تحكمه وما يعنُّ له، وهو الذي يقيم الدنيا على كلمة لأحمد ما أن جاءته عنه كلمات في هشام بن عمار حتى جهد في دفعها، والتماس كل طريق لردّها.
فردد بأنَّ هشام بن عمار تراجع، لأنه وجد أنه قد روُي عن هشام نفيه عن نفسه اللفظية، ولا يخبو شغبه في المسألة لرواية لا تصح، رغم أنها أضيق من عموم ما جاء عن هشام لو سُلِّم بها جدلًا، وهو الذي متى ما وجد كلمة لأحمد طار بها وقال:
"أرعبني ذلك الغرور فواحد يقول: نحن مطالبون بفقه السلف لا بفهم أحمد ابن حنبل"، ويتبع: "ومن نظر في كلام السلف وكيف كانوا يتكلمون عن أحمد مع سعة علمهم وينظر إلى هؤلاء كيف يتكلمون يبصر نارًا من تحت الرماد".
"ويا ليت شعري إن لم تكن المسألة سنة وبدعة فلماذا يذكرها الخلال في السنة! ولماذا يغضب أحمد حتى يطلق في ابن مهدي كلمة لا يطلقها في ظرف عادي"، [من مقاله: لماذا احتمل السلف هؤلاء؟] فلعل الغضب إنما يكون للبدعة، أما قول جهمي مرارًا لمسائل فإنها عنده تمرُُ كأنها لا تعني شيئًا لأنها خالفت حميته لرأيه، ثم يتحدث بعدها عن الحِيَل!
بعد التعرض للخليفي حول رواية براءة هشام ابن عمار، لوجود مجهول في سندها الأصلي لدى ابن عساكر، تحول إلى الاستعانة ببعض ما كتبه أتباعه، حفظا لكرامة من لا يدقق من وراءه إلا لغويا، فقال: الذهبي صرح أن لأبي الفضل كتابا في الرد على اللفظية. مدللًا بمثل هذا التحليل، على أن الذهبي لم يأخذ الرواية من طريق ابن عساكر، بل من كتاب أبي الفضل.
١- كون أبي الفضل ألف كتابا في الرد على اللفظية، والذهبي قرأه، لا يعني أن الرواية موجودة في كتاب أبي الفضل، والكتاب مفقود وليس بين أيدينا، ولم يقل الذهبي أنه أخذ الرواية منه، ولم يشر لذلك لا من قريب ولا من بعيد، والكتاب لم تقرأه أصلا لتجزم بمثل هذا، وكون أحمد ألف كتابا في (الرد على الجهمية) لا يعني أن كل روايات أحمد في الرد عليهم هي من هذا الكتاب! كما تُصوّره طريقة الخليفي.
٢- كونك تتبجح بعلم الحديث، فمن أحالك على غائب ما أنصفك، فمن الذي وثق أبا علي الوراق؟ حتى جعلت روايته في مقام الرد لقول أحمد في عمار؟
٣- نقل الخليفي عن غيره أن أبا علي الوراق ليس مجهول عين، فهب أن له ذكرًا في محل بتصحيف، كيف صيّره ذلك موثوقا وليس هنالك رجل قال: هو ثقة أو أثنى عليه، والخليفي تعنت في رد رواية محمد بن عبد الله بن إدريس في ما نقله عن وكيع بأقل من هذا، ومحمد بن عبد الله أثنى عليه أحمد، وهشام بن عمار جهمه أحمد، فجعل الخليفي يرد على أحمد برواية في سندها من لم يوثقه رجل، مع تعنته في رواية من أثنى عليه أحمد.
فمثل هذا يكون وضع الخليفي في الحديث، فكيف يدّعي على غيره كلامًا، وحالُه يكذّبه؟
هشام ابن عمار، ومسرحية عبد الله الخليفي.
بعد أن ألزم سمرين الخليفي بأنه يصحح أحاديث من طريق هشام بن عمار، ويعتبره من الثقات الكبار، مع تكفير أحمد له لقوله باللفظ، خرج الخليفي برواية في كتاب العلو للذهبي (٧٤٨ه) يدعي أن فيها إثبات براءة هشام بن عمار من قول اللفظية.
والرواية من حيث الأصل، أول كتاب جاءت فيه، هو تاريخ دمشق، لابن عساكر (٥٧١ه)، والذهبي (٧٤٨ه) نقلها من ابن عساكر (٥٧١ه) مع حذف نصف السند، فما سند هذه الرواية كاملًا؟
1- السند الذي ينقله الذهبي (٧٤٨ه) : قال أبو الفضل يعقوب بن إسحق بن محمود الحافظ حدثنا عبد الله بن محمد بن منصور البزاز، سمعت هشام بن عمار ويبلغه أن أناسا ينسبونه إلى اللفظية، فغضب وقال: القرآن كلام الله وليس بمخلوق [١]
2- السند الأصلي لابن عساكر (٥٧١ه) : أخبرنا أبو محمد الحسن بن أبي بكر بن أبي الرضا الفامي حفيد العميري أنا أبو عاصم الفضيل بن يحيى الفضيلي أنا أبو علي الحسن بن محمد بن الحسن الخذاباني الوراق نا أبو الفضل يعقوب بن إسحاق بن محمود الفقيه الحافظ نا عبد الله بن محمد بن منصور البزاز قال سمعت هشام بن عمار وبلغه أن اناسا ينسبونه إلى اللفظية فغضب [٢] إلى آخر الرواية.
الذهبي كما نرى، يبدأ السند من أبي الفضل، ويحذف من قبله: أبا علي الحسن بن محمد الخذاباني الوراق. والخليفي ينقل النزاع إلى الجزء الذي كشفه الذهبي من السند: أبي الفضل، وعبد الله البزاز.
لكن (أبو علي الحسن بن محمد الخذاباني الوراق) الذي تدّعي الرواية أنه نقل عن (أبي الفضل) هو مجهول العين، لا مجهول الحال فحسب، لا وجود لاسمه، ولا ذكر له، في غير هذا الموضع في كل كتب التراث أجمع، فليس له ذكر في غير تاريخ دمشق لابن عساكر.
حتى أن الذهبي في كتاب العلو، لما أراد براءة هشام، حذف الخذاباني من السند، إلى من قبله من جهة ابن عساكر لأنه مجهول عين. وهذا لا يرتضيه الخليفي عندما ينقل الذهبي بنفس الأسلوب في براءة أبي حنيفة وإمامته، ولكنه هوى الانتقاء، واختار الخليفي أن يجعل العلو للذهبي مصدرًا، لتكون المسرحية (باسم الذهبي) مع أن الذهبي هنا ليس بمصدر، بل هو مرجع ثانوي، بخلاف (تاريخ دمشق) فهو المصدر لهذه الرواية.
مع أن الأمانة العلمية، التي يتبجح الخليفي بها، تلزمه أن ينقل كل السند ما دام الموضع موضع حجاج، لا أن يركن لقشة الايهام بأن موضوع السند منحصر في الذهبي، فليس الذهبي (٧٤٨ه) هنا غير ناقل من تاريخ دمشق لابن عساكر (٥٧١ه)، والذهبي حذف من السند رجلا هو (أبو علي الحسن بن محمد بن الحسن الخذاباني) وهو مجهول عين وحال.
والطريف أن أتباع الخليفي على كثرتهم، ليس فيهم من يدقق خلفه، إلا لغويًا، وهذه حالة الولاء الأعمى، ولو أخّرت هذا المنشور إلى شهر، لن يبرز من بين مريديه واحد يستدرك بأن الرواية وماء البحر سواء لأن في سندها مجهول عين.
--------------------------------
[١] العلو للذهبي (٧٤٨ه)، ص١٨١ (بالأحمر)
[٢] تاريخ دمشق لابن عساكر (٥٧١ه)، ج٣٢، ص٣٧٠ (بالأزرق)
من كتاب العلو للذهبي (٧٤٨ه) ينقل السند مع حذف أبي علي الحسن بن محمد بن الحسن الخذاباني، وهو ما ينشره الخليفي.
Читать полностью…في الموازنات…
تابع الخليفي حذو القذة بالقذة المدخلي في مفاصل طرحه، وكان مما خاصمه المدخلي قديمًا ما عرف بالموازنات، وهو اصطلاح على اشتراط ذكر الحسنات والفضائل بجانب النقص والجرح في تقييم الناس، فرفض المدخلي هذا وصنّف فيه بخصوصه وذكر أنه ليس من شرط الإنصاف ذكر فضيلة واحدة للمنقود، وتبعه على هذا الخليفي.
فكان يرى أنه غير ملزم بذكر حسنة واحدة لمن ينقده، وفي مقال له على مدونته بعنوان: (الرد على الدكتور الرضواني في نسبته منهج الموازنات لأئمة النقد)، رد عليه ذكر أنَّ من طريقة نقاد الحديث أنهم "يذكرون للراوي ما له وما عليه وفضائله ومساوئه" فهاجمه الخليفي قائلًا: "هذا كلام من لم يقرأ شيئًا من كتب الجرح والتعديل"، وقال بأنَّ النقاد لا يلتزمون ذلك، بل متى ذكروا في المرء جرحًا "لا يلتزمون ذكر حسناته ولا يرون ذلك واجبًا عليهم إن لم يفعلوه فهم ظلمة"[١].
فهو يقرر بأنه ليس من الظلم ترك ذكر حسنات المرء بل يكفي ذكر ما أخذ عليه، ولكنَّ هذا الكلام حين يُحاكم هو إليه، يتحول بين ليلة وضحاها إلى نقيض ما قرره فيقول متظلِّمًا من كتاب (باسم السلف): "كم المقالات المستشهد به كبير جدًا، وسبحان الله مع كل هذه المقالات المستشهد بها لا يريد أن يعترف لك بفضيلة واحدة، أين الإنصاف؟"
فصار من شرط الإنصاف ذكر فضائل! فهذه طريقة على وزن (لهم كل مرَّة ولنا كل حلوة)، وهذا يظهر أنه لا منهج ولا اتساق، وأنَّ المسألة ليس فيها التزام بكلمة، بل سلوك كل طريق لإنقاذ نفسه، دون أن يعبأ بالحقيقة ولا تحرير المسائل، فيختار لخصومه قانونًا وهو إما فوق القانون أو له قانون خاص لاستثناء نفسه.
—————-
[١] https://alkulify.blogspot.com/2013/09/blog-post_802.html
في التدريس، ألف باء مقالة الهروي (٢)
وابن عربي ما إن يبدأ التمهيد لتوحيد الخاصة، حتى يقول "الرسل أعلم الناس بالله لكنهم تنزلوا في الخطاب على قدر أفهام الناس لا على ما هو عليه في نفسه، فإنه محال" [١٠]
وهو المعنى الذي كان يدور الهروي في فلكه جاعلا "توحيد العامة يصح بالشواهد التي هي الرسالة" [١١] وهي ما أتى على لسان الرسل بالسمع، وما إن يبدأ الحديث عن توحيد الخاصة، يعرفه بأنه "الصعود عن التعلق بالشواهد" [١٢] تلك الشواهد التي وسمها عند الحديث عن توحيد العامة قبل سطر بالرسالة.
وما إن يبلغ الهروي توحيد خاصة الخاصة، وهو الثالث، يقول "وأما التوحيد الثالث فهو توحيد اختصه الحق لنفسه واستحقه بقدره وألاح منه لائحا إلى أسرار طائفة من صفوته وأخرسهم عن نعته وأعجزهم عن بثه، والذي يشار به عليه على ألسن المشيرين أنه: إسقاط الحدث وإثبات القدم" [١٣]
وهي العبارة التي ستتكرر مع ابن الفارض الحلولي(٥٧٦ه) في قوله أن التوحيد "إسقاط الحدث وإثبات القدم" [١٤] وعند تناول ابن تيمية للهروي، ضبطه في مساره المتسق، مع ما اجتمع له من كلام غيره من شيوخ الفناء والحلول، فعلق على قوله:
"وقوله: والذي يشار إليه على ألسن المشيرين أنه إسقاط الحدث، وإثبات القدم. فيقال: مرادهم بهذا نفي المحدث، أي: ليس هنا إلا القديم، وهذا على وجهين. فإن أريد به نفي المحدث بالكلية، وأن العبد هو القديم، فهذا شر من قول النصارى، إلا أنه قريب إلى قول اليعقوبية من النصارى ... وأبو إسماعيل يشير إلى ما يختص به بعض الناس ولهذا قال: ألاح منه لائحا إلى أسرار طائفة من صفوته" [١٥]
وعند قول الهروي: "توحيده إياه توحيده" [١٦] مريدا أن العبد من أهل الصفوة متوحّد مع الإله، قال ابن تيمية: "والنصارى مع كثرتهم يقولون: إن المسيح هو الله. وفي المنتسبين إلى القبلة خلق كثير يقولون ذلك في كثير من المشايخ وأهل البيت، حتى إن كثيرا من أكابر شيوخ المعرفة والتصوف يجعلون هذا نهاية التحقيق والتوحيد، وهو أن يكون الموحِّدُ هو الموحَّدُ" [١٧]
------------------------------------
[١] منازل السائرين، الهروي، ص١٣٩.
[٢] منازل السائرين، الهروي، ص١٣٦.
[٣] رسالة أضحوية في أمر المعاد، أبو علي ابن سينا، ضبطها وحققها سليمان دنيا، الطبعة الأولى ١٣٦٧ه–١٩٤٩م، ص٥٠.
[٤] اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر، نقل من الفتوحات المكية لابن عربي: أبو المواهب الشعراني، ج١، ص١٥٠.
[٥] اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر، نقل من الفتوحات المكية لابن عربي: أبو المواهب الشعراني، ج١، ص١٥٠.
[٦] اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر، نقل من الفتوحات المكية لابن عربي: أبو المواهب الشعراني، ج١، ص١٥٠.
[٧] اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر، نقل من الفتوحات المكية لابن عربي: أبو المواهب الشعراني، ج١، ص١٤٤.
[٨] اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر، نقل من الفتوحات المكية لابن عربي: أبو المواهب الشعراني، ج١، ص١٥٥.
[٩] اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر، نقل من الفتوحات المكية لابن عربي: أبو المواهب الشعراني، ج١، ص١٤٢.
[١٠] اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر، نقل من الفتوحات المكية لابن عربي: أبو المواهب الشعراني، ج١، ص١٤٤.
[١١] منازل السائرين للهروي، ص١٣٦
[١٢] منازل السائرين للهروي، ص١٣٧.
[١٣] منازل السائرين للهروي، ص١٣٧.
[١٤] كشف الوجوه الغر لمعاني نظم الدر - شرح تائية ابن الفارض، أحمد فريد المزيدي، ٢٠٠٥، ص٣٥.
[١٥] منهاج السنة، ج5، 383.
[١٦] منازل السائرين للهروي، ص١٣٧.
[١٧] الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية، ج٣، ص٣٢٥.
المليشيا إلكترونية، هي طموح كل من لا عقل له، بأن يبقي على أنفار يحسنون الفوتوشوب لا المعرفة، غاية ما هم فيه أن يتقمصوا دور تطبيق إلكتروني لم يدخل في تفاصيله الذكاء الصناعي! فهم مطمح لمن يسعى للتعويض عن هامشيته في مختلف المجالات، وعلى رأسها الجانب المعرفي، حتى إذا انقطع الإنترنت أو الكهرباء تبخرت دولته، ووجد نفسه في ذكرى التصدّر بجهل.
Читать полностью…