خطة اعتمدت قديمًا بالسكوت عمن يرومون أن يخمل ذِكره، متى كان من قوم نافروهم، هذه ولّى زمانها، فلم تعد المسألة بهذه الصورة، فليس الشأن في أن يغفلوا عن كاتب، بل إن كان هو من سيفعل!
Читать полностью…طيب بما أنك مصري فالقدس الشرقية سقطت في ١٩٦٧ بسبب حرب مع من؟ نعم ذهبت سيناء في الحرب الخاسرة نفسها، ثم كانت غزة جزءًا من حرب الاستنزاف ما بين ١٩٦٧-١٩٧٠، وكان الفلسطينيون في الأردن يشاركون في ١٩٦٨ في (الكرامة) ثم دخلت مصر حرب ١٩٧٣ فأثمرت اتفاقية كامب ديفيد ١٩٧٨، وتم إرجاع سيناء منقوصة عما كانت عليه قبل ١٩٦٧ من حيث تقييد التحرك في سيناء، فالفلسطينيون شاركوا في ١٩٧٣ لكن الرئيس المصري الراحل أنور السادات كان يرفض إقامة دولة فلسطينية ويقترح أن تكون المناطق الفلسطينية تحت الحكم الأردني كما في مذكرات الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، فهمت الآن ماذا تعني المسألة بالنسبة لك بما أنك مصري (علماني).
Читать полностью…ألمانيا تاريخ ضارب في استغلال الإسلام
انتبه الألمان قديمًا لما يوجد في الإسلام من قوَّة، ولذا أعجب بهذا الجانب الفيلسوف الألماني نيتشه[١]، وعندما يُذكر الاستشراق فإنَّ المستشرقين الألمان هم أول ما يتبادر إلى الذهن مثل: جوزيف شاخت، ولم تكن السياسة بعيدة عن تلك الدراسات، ففي ١٩١٤ وضع ماكس فون أوبنهايم مذكرة بعنوان: (حول تثوير الأراضي الإسلامية الخاضعة لأعدائنا) [٢]، وفي الحرب الثانية تفنن العلماء الألمان بتوظيف الإسلام، فقدم هانز لنديمان في ١٩٤١ دراسة بعنوان (الإسلام ينطلق ويدافع ويهاجم) وهو عالم سياسة شرح فيه أنَّ الإسلام يمكن أن يخدم ألمانيا ضد الحلفاء [٣]، وكتب توماس ريكارت (الإسلام على الأبواب) شرح فيه أنَّ الإسلام يرى في البلشفية عدوه الرئيس [٤]، بما يطرح إمكان استغلاله في الحملة الألمانية على موسكو.
وكان ما قدِّم من دراسات ألمانية في الحرب العالَمية الأولى، محل استثمار في الحرب العالمية الثانية، وقد أعجبت القيادة الألمانية بما يمكن استثماره في الإسلام حينها، وفي ١٩٤٣ تم الإعلان صراحة عن قبول المسلمين في صفوف الحزب الحاكم في ألمانيا[٥]، وكان الانفتاح على توظيف عدد من الرموز الدينية من توجهات مختلفة، للدعاية السياسية الألمانية، وكان من بينهم تقي الدين الهلالي، تلميذ رشيد رضا، الذي درس في ألمانيا المدة ما بين الحربين، وترجم القرآن إلى الإنجليزية، [قدم رسالته للدكتوراه في ألمانيا] وكان من أبرز المحرضين الإذاعيين لدعاية برلين في الحرب الثانية[٦]، وقد تم تأسيس وحدات مقاتلة (إسلامية) في صفوف الألمان مثل فرقة سميت (الخنجر) التي ارتكبت جرائم حرب.
كان اشتراك الهلالي في القناة مع العراقي يونس بحري الذي شغل منصب (مفتي أندونيسيا)، بإشراف الحزب الحاكم الألماني، وكان افتتاح البث: (هنا برلين، حي العرب) كتب بحري عن تلك الإذاعة: "كان لزامًا على الدعاية الألمانية أن تجد رجلًا عربيًا يستطيع الاضطلاع بمهمة الرد على الإذاعات المهاجمة باللغة العربية من لندن، وباريس، وغيرها"[٧]، ولم تكن الإذاعة البريطانية BBC تبث شيئًا من القرآن، لكنهم في برلين فعلوها لجذب المستمعين العرب، فصارت BBC تحاكيهم [٨].
لاحقًا اعتنى مشهور حسن سلمان بتحقيق أعمال تقي الدين الهلالي الذي يوصف بأنه من مؤسسي السلفية في المغرب، وطبع له شرحه على كتاب التوحيد لمحمد بن عبد الوهاب، (سبيل الرشاد) في أربع مجلدات، (رسائل الهلالي) في أربع مجلدات، (اختصاره وشرحه المختصر على صحيح البخاري)، كتابه (الدعوة إلى الله)، (مرقاة المفاتيح) و (مدَنية المسلمين في المغرب).
————————————
[١]انظر: عدو المسيح، فريدريك نيتشه، ترجمة: جورج ميخائيل ديب، دار الحوار، الطبعة الثانية، ص١٧٩.
[٢]انظر: في سبيل الله والفوهرر، ديڤيد معتدل، ترجمة: محمد صلاح علي، مدارات، الطبعة الأولى: ٢٠٢١م، ص٥٤.
[٣]انظر: المصدر السابق، ص٦٤.
[٤]انظر: المصدر السابق، ص٦٧.
[٥]انظر: المصدر السابق، ص١١٦.
[٦]انظر: المصدر السابق، ص١٤٣.
[٧] هنا برلين، يونس بحري، دار النشر للجامعيين، ج١، ص١٠.
[٨] انظر: هنا برلين، يونس بحري، ص١٨-٢١.
"كانت الأفكار السلفية التي تتنامى في شبه الجزيرة العربية تعد مفيدة لنا، في موسكو فضلًا عن ذلك كانوا يفكرون في النشاط في آسيا الوسطى، حيث كان الرهان أوائل عشرينيات القرن الماضي على الدعاة السلفيين عمومًا، كانوا يوصفون بالوهابيين وقد استخدموا في الاتحاد السوفييتي ضد الصوفيين المحليين، في البداية كان المسؤولون السوفييت ضد الصوفيين لأنهم يتمتعون بنفوذ هائل في هذه المنطقة، كان الصوفيون في آسيا الوسطى يعدون خطرًا يهدد النفوذ البلشفي المتزايد، وخطرًا على الإيدلوجية الجديدة التي جاء بها الحزب الشيوعي، أما السلفيون الذين كانوا يُرسلون إلى هناك فعلى العكس، ناضلوا ضد رجال الدين المحليين من الصوفية، ضد المزارات، ومعتقدات الصوفيين التقليدية، أي كل ما كان ضد الصوفيين كان مفيدًا لموسكو، لاحقًا كل شيء تغيّر عندما صار الصوفيين ركيزتنا، بينما صار يُنظر إلى الحركة الوهابية كحركة معادية"
(المدير العلمي لمعهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية، فيتالي ناؤومكين)
في 2014 نفذت روسيا عددًا من العمليات العسكرية في أوكرانيا، وكانت نتيجتها السَّيطرة على شيه جزيرة القرم، ولم يخبُ الإعداد للخطوات التالية ففي 2016 رعت روسيا مؤتمرًا في الشيشان كان اسمه مؤتمر (أهل السنة والجماعة) واعتبر المؤتمر أهل السنة هم (الأشعرية والماتريدية) حصرًا دون غيرهم، وهم الذين يشكلون أغلبية في الجمهوريات السوفيتية السابقة.
كان عقد المؤتمر في الشيشان تحديدًا دون غيرها سعيًا من موسكو لاستثمار الشيشان (الإسلامية) في الدفاع عن حدود روسيا الاتحادية، بمنع أوكرانيا من الانضمام إلى حلف الناتو، واستثمار الحماسة الدينية في الشيشان لأهداف سياسية.
وشاهد الجميع بعدها صور المقاتلين الشيشانيين بلحاهم يجولون ويصولون بالعتاد الروسي في جبهات أوكرانيا، كان هؤلاء هم (أهل السنة) الذين ستقاتل بهم موسكو في أوكرانيا، وفي المقابل ألقت الحرب الأوكرانية في 2022 بنتائجها على باقي أوروبا، وكانت ألمانيا هي المستنفر الأكبر، فرفعت الإنفاق العسكري بشكل قياسي، فخصصت الحكومة مبلغ (73.41) مليار دولار من أجل الإنفاق على مجال الدفاع خلال العام 2024.
الدعم العسكري الألماني لأوكرانيا بلغ 28 مليار يورو سنة 2024، وأعلن وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس عن حزمة دعم عسكري بقيمة 500 مليون يورو لأوكرانيا، وتعد خطة لتطوير الجيش الألماني حتى سنة 2030، وإعادة النظر في التجنيد الإجباري، وليس سرًا أنَّ الدعاية الألمانية طيلة القرن العشرين وفي الحربين العالميتين اعتمدت على أنَّ ألمانيا هي الوحيدة التي تستطيع الوقوف في وجه روسيا.
وفي غمرة الإعداد الألماني المقابل لروسيا يضحي من المشروع السؤال عن (مؤتمر أهل السنة) الذي قد تعده ألمانيا المرتبط بمشروعها في تطوير الجيش لمواجهة الروس وما أعدوه طيلة العقد الماضي، والذي قد يكون على النقيض من مقررات مؤتمر (أهل السنة) الذي عقد في 2016.
الذين يظنون أنَّ الحالة ساكنة وستبقى مخطئون، بعد الهزَّات الكبرى التي تلفح الناس، تتهافت أفكار وتخرج أخرى، بما يمس الهوية، لا بتغيير جزئي يطرأ على الناس، بعد هزيمة ١٩٤٨ كانت الساحة العربية مع موعد مع ظهور الأفكار القومية العربية الاشتراكية، ثم مع ١٩٦٧ انطفأت تلك الجاذبية، وبرزت الهوية الفلسطينية والتيارات الإسلامية، إنَّ الهزات الكبرى تعدُّ دومًا لهوية قادمة…
Читать полностью…ما يقرب من قرن والقضية الفلسطينية حديثٌ للعرب والمسلمين، إلى درجة تحوَّلها في أذهان كثير منهم إلى حالة هي أشبه بالتحسر، وزيادة جاذبية البعيد كما قيل:
يقولون ليلى في العراق مريضة***فيا ليتني كنتُ الطبيب المداويا
فالناس قد تحوِّل البعيد عنها إلى مساحات للرومانسية لا المسؤولية والعقل والبحث في التأثير، وفي حين كان انبعاث المشكلة في فلسطين، بسبب ضعف العرب وهزيمتهم في ١٩٤٨، ثم ١٩٦٧ تحول الأمر وفق عقل غرائبي، إلى كون فلسطين هي التي ستنشل مختلف العاجزين في العالم! فهو لو كان ضعيفًا في بلده لم يعد عليه من مسؤوليات سوى إطلاق عدة منشورات، أو إذاعة تحليلات خيالية دون أن ينسى وصية الثائر، الذي يواجه قوى العالَم، بالاشتراك في القناة وتفعيل جرس المتابعة!
سمعت أحدهم يقول: "لو وقعتم سيقع العرب جميعًا"! ويحول الكلام في الموضوع لا لتأثير ولا لتحليل، بل بما يشبه من يتحدث في التوحيد ليقول للناس بأنَّه ليس بمشرك! ليدفع التهمة عن نفسه لا لرفع غامض، بل تصل المسألة في كثير من الأحيان إلى منافسة محلية لتسجيل المواقف على جاره في بلده لا شيء من ذلك يصل خارج الحدود، فهذا أفتى بوجوب تحرك حاملات الطائرات، وآخر وجوب تحرك الجيوش، وآخر وجوب تحرك المجرات! وهو في قرارة نفسه يعلم أنَّ المسألة لا تعدو حصد إعجاب، وترديد أدعية في التعليقات، ولم يتغير عليه شيء خلال برنامجه اليومي.
ورغم عمق التجربة الفلسطينية وكثرة الكتب فيها، ومذكرات من ساهموا فيها وسعوا لنقل التجربة والتعلم من كل الأخطاء إلا أنَّ الغلبة كانت للشعارات الأشبه باليسار الصبياني: "لا تعتد المشهد"! مع أنَّ الاعتياد ينشأ من عود الشيء مرارًا، فأي شيء لم يعُد؟ بل الضحايا أنفسهم قد اعتادوه، والكون ليس تابعًا لكونك ألفت شيئًا أم لم تألف!
بل قد يمر على المرء ذلك الذي يتترس بعدة منشورات ليجعل منها حصانة من النقد، فأي عدوى أصابته من بعض الأنظمة التي جعلت من اسم فلسطين تخوينًا لكل متنفس بالخفاء مسائلًا عن سياستهم، فما تنشره صديقي ليس حصانة لك، بل كثير مما يُنشر كان فيه مساهمة في التضليل لا التعريف، بما يجعل الناشر موضع مساءلة لا موضع القاضي!
يأبى بعض الناس إلا جعل كل حدث فرصة لتفريغ ما سمعه هنا وهناك، وكان آخرها ما تلقفوه من فتات مثقفي يسار باريس، من جماعة الصدمة من معسكرات الحرب العالمية، فأعلنوا لعن الحداثة، فصار لازمًا كل حين الحديث عن كون معضلتنا تكمن في الدولة الحداثية!
هل هؤلاء القوم يدركون ما يقولون؟ هل سيقومون بالتظاهر الفوكوي ضد أشكال السلطة، وهو الذي كان يمضي بعدها مدة نقاهته في أرياف تونس ويحمله ويحميه الجواز الفرنسي؟ أم سيواجهون بزفرات دافيلا الدول الكبرى بالحنين لأرستقراطية القرون الماضية، أم يلعنون كوائل حلاق الآيفون ثم يلتقطون صورهم بكاميراته الثلاثية؟ ويتابع الناس آخر بودكاست لهم على جهاز (أبل) الذي يذمه.
هذا الترف البرجوازي المتقرز من الحداثة يحميه أنه يعيش في دولة نووية، تنفق على التصنيع وتستثمر في كل ما يجعلها حديثة، أجهزة استخباراتها تلتقط ما يعرض أمن ذلك المثقف المتأفف لخدش، يمكنه أن يجلس متذمرًا بعدها كل صباح في الدولة الحداثية، أما المنهوبون فيعلمون أنه دون دولة حديثة، تصارع حداثة غيرها يجعلهم نهبًا وسلبًا بما يمنعهم من متابعة آخر إصدار للمتقززين من الحداثة.
عائلة سياسية
كان يعيش في بلده، مهيض الجناح، بلا مخالب ولا أنياب ولا ريش، الوعي السياسي بدعة هكذا تحدَّث الأجداد، تمر السنوات فيدرك الاتحاد السوفيتي وتصله أخباره، فيحتفل بالعرس الديموقراطي الذي أفرز ستالين، ويمضي ثلاثين سنة وهو يشتم تروتسكي، وأنَّ ستالين فوقه يدوس عملاء البرجوازية، بعدها تحول ابنه إلى القومية العربية!
حينها احتفل بالعرس الديموقراطي، وهتف لعبد الناصر، ووجد نفسه في كلماته، ولم يتقدم وعي الابن ذرة فهو حريص على البعد عن البدع وأهلها، هو يمارس السياسة البعيدة، فهذا أول معيار للسياسة المسموح بها في بلده، ولم يفهم من فكرة السياسة سوى الانتقال من تصفيق إلى آخر، والحديث عن رجولة عبد الناصر، وعنفه، وطوله، ويا لعرض كتفيه! كأنه يعوِّض نقص هرمون معين فيه، حتى جاءت هزيمة ١٩٦٧ وبقي على التصفيق ولعن العملاء من بقايا العدوان الثلاثي، واحتفل مرة أخرى ببقاء عبد الناصر في منصبه، تحت ضغط الجماهير، لكنَّ ابنه بحث عن أعداء عبد الناصر وصار منهم!
وفي بحثه عن الاحتفال بعرس جديد فالسياسة بمفهوم العائلة لا تتعلق برأي، ولا دراسة، بل أن يمتنع عن التصفيق لقوم ويقول: لا أتفق في كل ما يقولونه، مقابل القول: نعم، ضربة معلِّم! لقوم آخرين، وانتظار الاحتفال فهو المقطع المفضَّل، ثم وصف قوم بالثوار وآخرين بالعملاء، وجاء العرس في ١٩٧٩ فهتف للثورة في إيران وسب العملاء أنصار الشاه لعنهم الله!
ويمشي وقد تقوس ظهره في شوارع قريته الترابية، كأنها بلدة منهوبة، قد تعرِّضت للتجريف المتعمَّد، معدومة الخدمات، وهو يغض بصره عن كل دورية شرطة تمر بجواره، داعيًا ألا يكون المقصود بمجيئها! ليجد مرشحه المفضل هذه المرة في حكمتيار، فيتغزل بعمامته وقسمات وجهه الرجولية وينظم فيه قصيدة، فقد تعلَّم العروض عند شيخه، هناك حدث كبير في بلاد ما وراء النهرين، وهي بعيدة وتنطبق عليها المواصفات، والعائلة كما هو معلوم تمارس السياسة عن بعد، كل ما هو بعيد جميل جيد، يصفق للتضحيات هناك فقط، على أنَّه في قريته مواطن صالح يخشى خياله إن مرَّ دون استئذان.
لكنَّ ابنًا له لم يعجبه الحال هناك، وهو مغرم بمشاهدة التلفاز وقد اشتروه حديثًا، فيتابع ويبكي على المآسي، ويطير فرحًا بخطاب لصدَّام، وقد أدمن حديثًا التصفيق له، لا حاجة للإطالة بذكر الفروع الجينية، فهذا ما توارثته هذه العائلة السياسية، منذ كانت ترتع في اليسار، اليوم هي منقسمة التوجهات، وتختلف في وقت التصفيق وصاحبه، لكنَّ سياستها لا تشبه السياسات!
أن تسرق لقمة ثم ترمي بالصحن
هناك قسمٌ هو سليل جيل (المطويات)، إلا أنه قد ظنَّ أنه قد تقدَّم بشيء بعد سماع صوتيات ومرئيات، بلا بحوث ولا كتابة، بطريقة المهربين، وبضاعته بمجملها مسروقة، يريدون أن يكونوا علامة فارقة بين المصانع! فيدور الواحد منهم حول بعض المسائل التي قررها ابن تيمية ثم ينسبونها إلى ما يزعمونه من اتباع الأثر.
فتجده يذكر الفرق بين الحكم المطلق والحكم على الأعيان في نسخ تام عن ابن تيمية ثم يحيل إلى أحمد، بل لك أن تتصور مسائل مثل (تسلسل الحوادث) يلوك طرفًا منها متحذلقًا بها، ولا يجد لها أي مصدر فيما يحيل إليه، بل قول الواحد منهم عن الكلام بأنَّه حادث الفرد، قديم النوع نسخ عن ابن تيمية، ثم يقتات على جزء من الكلام عن إمكان الأزلية، وأزلية الإمكان وهو لا يفقه شيئًا من ذلك، ولا يجدون لفظ هذا في منطوق أثر فيقول بذلك ثم يلعنون الكلام وأهله!
بلا عقليات ولا نقليات، وسط في الاقتيات على بعض مقررات ابن تيمية ثم التنكر للباقي والإيهام بأنَّ هذا مقرر عند ابن بطة وفلان وفلان، وأنهم امتداد لقرون سابقة على ابن تيمية، والباقي يكمن في رمي كل مخالف بمقالات لا يفقهون معناها ولا يعرفون تاريخها ثم يتظلمون بأنَّ المخالف لهم إنما يستهدفهم لعقيدتهم، على أنَّ أغلب العقلاء إنما ينفرون من طبع البلادة والغباء.
الشيعة الأثرية
تيار ينتشر بين صفوف العديد من الشباب ممن يعجبون بياسر الحبيب [أصله من الكويت]، يرون أنَّ مشكلة الشيعة تكمن في عدم الرجوع إلى السلف الأول الذين كانوا صريحين، لا يميِّعون الخلاف مع البكرية (كما يحبون تسمية الطائفة السنية) وينشطون في تلغرام ومنصة إكس، باسم طلبة العلم وفلان الأثري منها قناة (وثائق ومقالات طالب علم).
لهم عقائدهم التي يرونها حاكمة على التيارات الشيعية (الحركية) إذ يرون أنَّ هؤلاء الحركيين استغلوا الشعائر الحسينية والمنبر الحسيني للقضايا السياسية، وأنهم حرَّفوا الشعائر في تجاوز مثل ذكر أمريكا أو تمجيد أحد الشخصيات الثورية في مجلس العزاء الذي يجب أن يقتصر على مصاب آل البيت.
ويرون أنَّ إيران دولة خانت المذهب، بمنعها التطبير مثلًا، فضلًا عن تحالفاتها السياسية مع (نواصب) وإغفالها اعتماد الجوامع العقدية، فضلًا عن تمييع الخلاف مع الصوفية إذ كان الخميني معجبًا بابن عربي الحاتمي، ويتتبعون في قنواتهم استدلال بعض شيوخ الشيعة لأبيات من ابن الفارض أو غيره، مما يرونه بدعة رد عليها سلف الشيعة.
المنطق ذا مرَّ عليَّ قبلهم لكن أين؟ 🤔
ابن تيمية نقد كثيرًا
هذه الجملة التي يرددها العديد ممن يسعون للحفاظ على نظرية (ليس في الإمكان أفضل مما كان) في مجال العلوم والمعرفة، يعيرون ابن تيمية بأفضل ما فيه، فيقولون لقد أكثر من النقد في الفقه، في العقائد، في اللغة، في التصوف، حسن وهذا هو المطلوب!
إنَّ تاريخ العلوم هو في الواقع تاريخ النقد فيها، وكل نقد حمل تأسيسًا لمعرفة جديدة، أما الاكتفاء بما قيل وترديده كما هو فليس فيه احتفاظ بالأخطاء السابقة فحسب، بل إعطاؤها فرصة لتتضخم ككرة الثلج عبر الأيام والسنوات.
إنَّ وجود من يرفض العملية التعليمية بمجملها لأنه اقتطع بعض الكلام من سياقه من نقد النظام التعليمي المتخلف، لا يعني أن نقد نظام تعليمي غير صحي وغير صحيح، بل هو المطلوب تمامًا، والذي يكون مرفوضًا هو وجود تلك العينة الكسولة التي اتكأت على النقد لتتهرب من ضريبة التعليم.
والمنطق نفسه حين يتم رفض النقد السياسي بحجة وجود مغرضين! وأعداء الوطن، فيتم منع الهمس السياسي لهذه الحجة، أولئك الذين يسعون لمنع مبدأ النقد، والإزراء على ابن تيمية لأنه احترفه وأكثر من الكتابة فيه يريدون أن يُبقوا على التصفيق الحار لكل خرافة أشاعوها باسم العلم.
"عن ابن طاووس قال: جاء رجل إلى أبي مَرَّة من الخوارج فقال: أنت أخي يا أبا عبد الرحمن فقال أبي: أمن بين عباد الله؟! المسلمون كلهم أخوة"
(التاريخ الكبير، ابن أبي خيثمة، السفر الثالث، ج١، ص٣٠٩)
"بينا [أبو جعفر] المنصور يخطب اذ قام رجل فقال:
﴿يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون﴾!
فأخذ لما قضى المنصور صلاته ودخل القصر ودعا به، فقال:
طالت صلاتك وكثر صومك، فضجرت من الحياة وقلت: أعترض هذا الرجل فأعظه فإن قتلني دخلتُ الجنة، وهيهاتَ أن تدخلها بي، خلوا سبيله"
(جمل من أنساب الأشراف، البلاذري، دار الفكر، بيروت-لبنان، ج٤، ص٢٥٥.)
والعائبين علينا ديننا وهم *** شرُّ العباد إذا خابَرتهم دينا
والقائلين سبيلُ الله بغيتنا *** لبعدَ ما نكبوا عمَّا يقولونا
نصر بن يسار
التعليم السيء هو الذي لا يعلِّم الأساسيات، لكنَّ الأسوأ على الإطلاق هو الذي يمنع من التنبه لفقدانها!
Читать полностью…السِّياسة مسؤولية، ليست شعارات لا تلقي بالًا للتبعات، ليست حديث مقهى ينتهي بعبارة (لعلَّه خير) بل هي مسؤولية تمثيل جموع قد تودي بها كلمة، وقد ترفعها كلمة، ليست مماحكة شخصية بين اثنين، فالسِّياسيون يمثلون في أعناقهم أجيالًا قد تدفع ثمن كلماتهم، أما المماحكون، فلا ينظرون أبعد من أنوفهم، يتوزع موقفهم بين الحماسة والهجاء ثم الرثاء، تعلو فيهم الأنَفَة الشخصية، فلا يكون غريبًا عليهم متى حرصوا على الخلاص الشخصي، كما بحثوا من قبلُ عن المجد الفردي!
Читать полностью…كتابان من أهم الكتب التي أرخت للتعامل مع المسلمين واستغلالهم في الحرب العالمية، بين الروس والألمان.
Читать полностью…القرن العشرين الذي صاغ أفكار المنطقة العربية في مجمله أدبي، كان العصر الذهبي للأدب والأدباء، الكواكبي جعل الفكر السياسي يصاغ بالأدب، طه حسين جعل التعامل مع الحداثة بالأدب، سيد قطب جعل العلاقة بالتراث والسياسة بالأدب، العقاد جعل التراجم أدبية، سواء للشخصيات أو الأفكار، محمود شاكر واجه المستشرقين بالأدب، تنفس الناس أدبًا حتى لم يعد للمعايير الصارمة موقعًا، يمكنك أن تجمِّل كل مأساة بعبارة أدبية: (رحلة الدم الذي هزم السيف)، يمكنك بجملة واحدة أن ترمي بها ولا تدرك أبعادها أن تقول: (لا يفتي قاعد لمجاهد) رغم أنها صيغة أدبية تؤسس لحكم العسكر، وعزل الحكام المدنيين، بمن فيهم متخصصو السياسة، عبارة أدبية يمكنها أن تحل مكان كل كتب الفكر السياسي، ولذا فإنَّ التفكير العلمي الصارم هو وحده الذي يمكنه أن يجعل للأدب موضعه، وللعلم موضعًا، أغلب الشعارات التي تطلق هي مجرد اقتيات على مرحلة طفرة الأدب في القرن العشرين، حين تنتصر القوافي على الأرقام، ويوفر البحث في الكلمات، عناء البحث الجاد الطويل في المشاريع.
Читать полностью…وطنيون جدًا!
رهيب على وسائل التواصل، يسعى ليتحول إلى موزع لبطاقات الانتماء والخيانة، لكن جرب الاقتراب منه مرَّة، أخبره عن تاريخ مديد وحاضر كذلك، وأنه جزء من المشكلة لا الحل، سمِّ دولته بالخطأ مرة واحدة، أخبره عن معارض كان في أوروبا في الستينات وحدثه عن صفقة مع (الموساد) لترحيل ذلك (الشخص) خارج الكوكب، وأنَّ نقاشًا كبيرًا حدث خارج حدوده عن فائدة ما قام به أولاد العم بفعلتهم تلك.
وأنَّ نظامه لم يعترف بدولة بفلسطين إلا بعد إرسال شاحنتين من قوَّة تابعة لمنظمة التحرير اعتقل أهلها قبل وصولهم، وتحت الإكراه أقر بذلك فقط، أخبره عما وقعته حكومته من اتفاقيات، وكان آخرها والحرب مشتدة إقامة مصنع في أرضه لطائرة SpyX بدون طيار تابعة لشركة إسرائيلية، وعن تعاون عسكري بقيمة 500 مليون دولار خلال أشهر فقط، لن يحق لك الحديث حينها، من أنت لتتكلم؟ هو فقط يخوِّنك وهو فحسب من يشهد لك بالانتماء، وعيونه المثبتة على الشاشة تمنعه من مشاهدة التلة القريبة في بلده وما يحدث فيها من منشآت.
حينها سيستدعي ذكر كل المعلَّبات التي أرسلت لخيام النازحين منذ ١٩٤٨، وأنَّ مقدارًا كبيرًا من الشاش واليود وصل كتعبير عن حسن نيِّة في ١٩٦٧، وعن عدد وافر من أدوات الرسم، وعدد محصي بالأسماء للطلبة الذين نالوا منحة كريمة ليتعلموا، ستشكره، وتقدِّر تلك المواقف الإنسانية النبيلة، ثم تسمعه يقول: أي خائن أنت لم أشهد صورتك في صفحة الوفيات!
منذ عقود طويلة وهو من المعلوم بالضرورة أنَّ العالم لا يعبأ إلا بموازين القوى، وأنَّ الجمعية التأسيسية بعد الثورة الفرنسية ١٧٨٩ أصدرت إعلان حقوق الإنسان الذي لم يسر على الجزائر، وملأت الانتقادات الدنيا لذلك الإعلان بأنه امتياز برجوازي طبقي استعماري.
وأنَّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تبنته الأمم المتحدة في ١٩٤٨، صدر في نفس عام النكبة الفلسطينية، ومنذ عقود صدرت الانتقادات المتعددة والمزيفة للمواثيق التي لا تسري على المهزومين إنما يتبجح بها المنتصرون.
قل لي بربك ماذا كنت تفعل حتى تنتظر كارثة لتحل وتحدثنا بعدها عن اكتشافك للتو عن خلل في المنظومات العالمية، والمواثيق الحقوقية؟ ولا تبالغ في شخصك الذي لا يستحق أن يشاك فيه أحد ليبصره حقيقة مقررة منذ القرن السادس عشر!
هناك صنف لا يتابع الأخبار ولا السياسة منذ عشر سنين وجعل موقفه حينها تحت عنوان التحذير من الانهماك بـ (الماجريات)، ثم انفجر في إذاعة تحليلاته الأشبه بالخيالات جاعلًا منها معقد إيمان وكفر.
Читать полностью…حينما دخل التحديث إلى المنطقة العربية، دخل في موضوعات محددة، مثل الطب والهندسة، وبقيت أهم الجوانب التي تحدد الهوية، وطرق التفكير، والتاريخ، والتفكير السياسي، بعيدة عن المساس، خارج السياق، ولم يكن مطلوبًا أن تتحول هذه المناطق إلى منجزات أوروبية، فهي مهمة أبناء الحضارة نفسها ليحدِثوا تجديدهم فيها، ولن ينجز هذه المهمة عنهم أحد.
لذا خرج المهندس الذي يتعامل في الهندسة باحتراف، لكن ما أن يصل إلى الهوية، والتاريخ والتفكير السياسي حتى يفكِّر كرجل لم يخرج عن تصورات (الرعية) عند سقوط حكم آل عثمان، ففي الشخص الواحد اجتمع الفصام الذي يمنعه أن يكون قديمًا، وكذلك يمنعه أن يكون حديثًا.
إنَّ تلك الجوانب التي أهملت هي التي تشكِّل قلب التصورات، والانتماء، والولاء، هي التي تحتاج إلى طرق علمي جاد، للتخلُّص من رواسب أعاقت الناس عن النهوض، ونسف سرديات تعاقب على رسمها قرون من السلطة لا البحث عن الحقائق، ثم فلسفتها حيث تصاغ التصورات بطريقة مختلفة عن كل ما أدى إلى الكوارث والأغلاط التي يرتقي العديد منها إلى جرائم بحق أجيال، لذا لا بد من طرق هذا المجال علميًا، يتبعثر فيه كسل ومحافظة المؤسسات الرسمية التي سعت لتحاكي كليات الطب والهندسة بالألقاب والسنوات الجامعية، دون مضمون جديد يزيد على ما كان يدرَّس من قبل في العهد التركي، وستبقى الفلسفة لهذا ثأرًا مؤجلًا لا يعرف خطورته أولئك الذين ينهمكون في معاركهم الضيقة الصغيرة.
العالَم الحديث يشتعل بنقاش السِّياسيين الأحياء، ما بين أخذ وردٍّ وتحليل، وفي عالم آخر يبدأ النقاش بعد موتهم! كجزء من عمليات التحلل.
Читать полностью…من نَقَدَ فليقدِّم البديل!
لا يعدم رافضو النقد حججًا خطابية للتنفير عن التعرُّض لأغلاطهم، والكلمة التي تعاد كل حين: ما البديل؟ على أنَّ إيجاد بديل هو أمر زائد على النقد، فلا يلزم حين يُنقد العرَّافون في زعمهم علاج أمراض مستعصية بتمائم وطلاسم أن يقدَّم العلاج لتلك الأمراض، وحتمًا لا يمكن الوصول إلى علاجٍ من قوم يعتقدون صحة هذه الطريق.
هؤلاء الذين يقولون هذه الكلمة هم في الواقع لا يلتزمونها، إنما يستحسنون لوكها عند الجدال لإسكات كل صوتٍ لا يعجبهم، وإلا فهم يقدمون اعتراضاتهم دونما بدائل، يتعايشون مع هذا ولا يجدون أنفسهم ملزمين بتقديم شيء، فيعترضون على النظام العالمي، سياسات الدول، الأوضاع الاقتصادية، وغير ذلك، دون أي بديل في جعبتهم وغالبًا ما يكون اعتراضهم زفرات مصدور لا ترقى للنقد، لكنَّ الجدل يدفع إلى عبارات متهافتة لا يلتزمها أحد.
حسُّهم المرهف إنما يضغط عليهم في وجه الكلمات النَّقدية، لا يؤذيهم أغلاط قد تسبب كوارث على أرض الواقع، فالقانون الحيُّ المعاش أنَّ من لم تقنعه الحجج روَّضته الأيام، حينها يكون التخطيء ليس بالظروف المعطَّرة ولا الكلمات المنمَّقة، بل بظروف ملفوفة بالأكفان، ورائحة الأجداث تملأ حُجَّته، حينها لا يفترق لديه مخطئ مجتهد أو لم يفعل!
هذه الكلمة تعبِّر عن تضخُّم مريع لغطرسة التقدير لأنفسهم وقناعاتهم، فيمُنُّ على الدنيا بقناعاته، التي لا يعرضها للنقاش حتى يقدَّم له بديل حاضر، إن كان فقيرًا فيلقدّم له ما يجعله ينافس قائمة الأثرياء، إن قُدِّم له نقد سياسي فلتتقدَّم لنقاشه إحدى دول الرَّفاه الاجتماعي وتعرض نفسها عليه لعله يقتنع!
ملاحظات على محورية التاريخ.
١-التاريخ هو السبيل الذي أوصلنا إلى اليوم، من ينقطع عنه، لا يفسر كيف يقف اليوم في موقعه، التاريخ هو ما يحوي الهويات الدينية، والقومية، هو المحتفظ بالصِّراع، والوفاق.
٢-من يظن أنَّ الخلافات بين الطوائف الإسلامية يمكن أن تحسمها المناظرات واهم، فكل الفرق لها تاريخ، وتاريخها هو مرافعة عنها، مناظرة ومجادلة، وحتى لو تم تعديل الحجج الكلامية، والاستعانة بحجج محدثة فلن يغير هذا من التاريخ شيئًا.
٣-فرجع الأمر إلى أنَّ التاريخ هو المحك، إذ إنَّ كل فئة تدَّعي لنفسها تاريخًا رسميًا ضاربًا في القدم وخصومها محدثون [مبتدعة]، والمسألة تكمن في البرهنة على ادعاءاتها التاريخية، أو تفنيدها، ولذا فإنَّ العمل الحقيقي الذي يمكن أن يخدم الأجيال المقبلة يكمن في تحقيق المقالات تاريخيًا.
٤-لا يكمن البحث التاريخي في تسطيح البحث بالرجوع إلى كتب المقالات، فهي بنفسها تحتاج إلى تحقق وتدقيق، بل يشمل كل ما اصطلح عليه بالعلوم الإسلامية، مثل تاريخ علم الحديث، القراءات، الفقه وأصوله، التدوين، ومعايير التصحيح والتضعيف، فهذه هي الخلفية التي يُكتب على أساسها التاريخ، فلا بد من دراستها والتنبه لنشأتها ومعاييرها وسيرها في التاريخ فهي جزء مما يجب فحصه.
٥-وكما قيل: (العلم حجاب) فلا شيء في البحث التاريخي يعتبر مسَلَّمة سلفًا، بل كل ما اعتبر علمًا نشأ في مرحلة ما، فهو قابل للبحث ودراسة تاريخه، وفحص ادعاءات أهله، هل تسعفها الوقائع والأدلة أو لا؟ وما النماذج التي اندثرت لصالح تلك التي بقيت ولماذا؟
٦-هذه الطريقة وعرة، لذا تجنَّبها مؤرخو الطوائف حتى الآن، وسعوا للكتابة وفق سردية وقالب محدد سلفًا، على أنَّه الذي ينبغي أن يفحص في إطار الدراسة التاريخية، وليست القضية في مخاطبة رأي عام لفئة أو طائفة، بل أن تنشد الحقيقة فقط لا غير.
(ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيدٍ يبطشون بها)
هذه الحجة القرآنية في بيان عبث مخاطبة الأصنام لتحقيق مطلب، فهي لا تفعل أيَّ شيء، لكنَّ أصنامًا بشرية تحب أن تخاطَب رغم تحقق هذا الوصف فيها، بل ترى أنفسها بعين قوية أهلًا لأن تخاطَب، بل تعيب من لم يشنِّف أسماعها بما ترغب فيه، في شؤون ليس لهم فيها رجلٌ ولا يدٌ، وقد روي في رسالة لعمر بن الخطاب: "لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له".
أولئك الذين يرون في الحالة تجميلًا لموقفهم، تزكية لأنفسهم، غنمٌ بلا غرم، موضوع تعبير وإنشاء، تحشيد المتابعين ليعرض على مسامعهم قدرته الفنية بقصيدة أشجان، وخطابًا متصنّعًا قد يثمر ضغطة إعجاب، وهم الذين لا تنقصهم معلومة، وقد ضجّت بها القنوات الإعلامية في واقع الطفرة الإلكترونية، لكنهم يريدون المزيد والمزيد من الكلام، كالنار لا تشبع، ليتحول كل شيء إلى (ظاهرة صوتية).
انتهازيون حتى النخاع سمعوا المناشدات مرات، لكنها ما أن تلفح جانبهم حتى يقولوا: (اللهم حوالينا ولا علينا)، (واللهم اجبر عجزنا) فما دام العجز قد ضرب أضرابه، فلم الثرثرة بلا داعٍ؟ فهوّنوا على أنفسكم ولا تفتحوا بابًا قد أغلق دونكم، وابقوا على ما أنتم فيه، لا ينافسكم فيه منافس، بلا تصنّع مشاركة فيما أنتم عنه معزولون، ورحم الله من قال: (خُلقَ الحزمُ أبكما).