-كيف تعد رسالة دكتوراه؟
تمدح لجنة الإشراف والمناقشة سنوات قبلها، وتعيد ما يقولونه فيها.
كان لفرانسيس بيكون ملاحظة قيِّمة أثرت في التفكير العلمي بعده، وهي البحث في الأدلة المخالفة للنظرية، وإلا فمن يؤمن بشيء سيرى أنَّ الواقع يؤكده بقوَّة، لأنه يهمل كل ما لا يتفق مع آرائه، يغمض عينيه أمام ما لا يريده، ولذا فإنَّ على من يريد التفكير علميًا البحث فيما يخالفه لا التوقف عند ما يوافقه.
Читать полностью…"إنَّ معدَّل انتشار الاضطرابات العقلية بين السُّجناء عالٍ جدًا، فيبلغ على الأقل خمسة أضعاف معدّل انتشارها بين الناس... وبعد مراجعتي عددًا كبيرًا من الدراسات التي تناولت معدلات الانتشار، توصلت إلى نتيجة مفادها أنَّ نتيجة مفادها أن نسبة تتراوح بين 10 و20 في المائة في العام الواحد من إجمالي عدد السجناء بالمؤسسات العقابية على المستوى الفيدرالي أو مستوى الولايات في أمريكا تعاني من اضطراب عقلي على درجة من الخطورة تتطلب علاجًا مكثفًا، من الممكن أن تصبح هذه النسبة أعلى بكثير إذا قيس معدل الانتشار على مدار مدَّة الحبس بأكملها... ثمة أسباب عديدة لارتفاع معدل الاضطرابات العقلية داخل المؤسسات العقابية... [منها] وجود عدد كبير ومتزايد من السُّجناء الذين ليس لديهم تاريخ للإصابة بأمراض نفسية قبل إلقاء القبض عليهم، لكن ظهرت عليهم أعراض انفعالية حادَّة بعد تعرّضهم للضغوط التي تفرضها بيئة السجن القاسية التي تفوق قدرتهم على التحمُّل"
(الجنون في غياهب السجون، تيري كوبرز، ترجمة: أميرة علي عبد الصادق، ص43، 44.)
لا يوجد في قوانين الثورات نصف ثورة خير من لا شيء، كلمة خير من لا شيء بل من يقوم بنصف ثورة حفر قبره بيديه.
Читать полностью…(مولانا) يظن أنَّ العالم يسير بقوله (جائز/غير جائز) ولذا حين ينظر في الجوانب السياسية، فبما أنه يراها (حلالًا) فلم لا؟ فلتكن، أما مصطلح مثل: (خطأ استراتيجي) هذا ليس في معجمه، فهي بدعة مستحدثة، لذا لن يصلح أبدًا للسياسة.
Читать полностью…"ما فعله الله بأسباب يمكن طلبه بطلب الأسباب كما مثَّله به في الحياة والموت، فإنَّ الموت يمكن طلبه ودفعه بالأسباب التي قدَّرها الله تعالى"
(قاعدة في الرد على الغزالي في التوكل، ابن تيمية، ص١٦٠.)
"ثمة حكمة شائعة تقول: لو أنَّ البديهيات الهندسية كانت تصدم مصالح الناس لسعوا بكل تأكيد إلى دحضها"
(المختارات، لينين، ج٣، ص٤١٤.)
الأوروبيون حثوا أوكرانيا على المواجهة، لكن في الوقت نفسه قدَّموا 3 محاور رئيسية:
1-حل لمشكلة اللاجئين الأوكرانيين وقد استقبلتهم أوروبا أحسن استقبال حتى شكت بعض الأصوات من التمييز في هذا الشأن أمام تعنّت عدد من الدول الأوروبية في هذه المسألة أمام غير الأوكرانيين.
2- قدموا خطًا لوجستيًا فعّالًا، واقتطعت الدول الأوربية من ميزانيتها لدعمهم، وشمل خط الأمداد التسليح على أعلى مستوى حتى دفعت بريطانيا بالقذائف المنضبة، وألمانيا بدباباتها وطائراتها المسيرة.
3-أعطوا غطاء دبلوماسيًا هائلًا لأوكرانيا، وهو ما تمثل في المواقف السياسية، مرورًا بتسهيل عبور المتطوعين والمرتزقة في صفوفهم حتى كان في الخسائر جنسيات من مختلف الدول الأوروبية.
وشمل هذا تغييرًا داخليًا، كرفع الإنفاق العسكري في ألمانيا، والتلويح بالتجنيد الإجباري في مختلف دول أوروبا، ومع ذلك لا تكاد تجد نفسية المزايدة الهزيلة على غيرهم، بل يبحثون في المسألة، ويقرون مرات بتقدمها، وأحيانًا يقدمون تحليلًا ينذر بخطورة الموقف، تخيل لو كان الأوربيون لم يفعلوا شيئًا من هذا، وجلسوا على وسائل التواصل يغيرون بروفايلاتهم، ويصدرون فتاواهم ومرة يشجعون، ومن خالف تحليلهم يخونونه، ويحسب الواحد منهم نفسه أنه قدّم شيئًا ذا بال، تخيل أن يدخل امرئ ليتعالج في دولة أوربية فيدفع ما جمعه طيلة عمره، ثم يأتي من يزايد عليه لأنَّ امتناعه عن بعض المشروبات أصابه بالعصبية والنزق ليذكروه كل مرة أنه ضيف عندهم وليس صاحب مكان.
تخيل لو أنَّ الأوكراني قيل له في أوروبا: لا نريد لاجئين يا بني فلتبقوا في وسط بيوتكم حتى يحلها ألف حلال، وفي الوقت نفسه يحثونه على مواجهة روسيا من غرفة صالونه وأطفاله في غرف نومهم، ودون أي خط إمداد أو غطاء دبلوماسي، أو أنَّ الأوكراني كان قد جرب التعامل معه من قبل بصفته لاجئًا لا يحق له العمل في أوروبا، هذا وأوكرانيا تمتلك واحدًا من أقوى الجيوش، ومساحة هائلة وتضاريس وعرة جدًا، وكل جديد تقدم عليه روسيا يقابله جديد تدفعه الدول الأوروبية لحلفائها الأوكرانيين، متى حدث هذا وقال الأوكراني: كفوا عن الشعارات، قال له أوروبي: يا بني تبًا لك أنت عميل لروسيا!
"إنَّ أمة غير مسلحة ضد جيش حديث، هي من وجهة النظر العسكرية: كمية لاغية"
(مراسلات ماركس إنجلز، ص452.)
"لا تتبجح عند ذهابك إلى الحرب، بل عند عودتك"
(لينين المختارات، دار التقدم-موسكو ، ج٨، ص٤٦٦.)
هناك قسم يرى أنك من القرون الوسطى، لماذا؟ لأنك ترى ضرورة التأسيس بعناصرنا الذاتية، فكل اطلاع على الآخرين مفيد، كل معرفة مهمة، لكن الإفادة من التجارب الأخرى لن تكون وفق طريقة النسخ واللصق، إلا في جانب التبعية لمن تنسخ عنهم، يجب أن تكون العناصر ذاتية إذ تنتج كل حضارة حلولها وفق تحدياتها، عبر مرورها بتاريخها.
دون حل العديد من المعضلات التاريخية الخاصة بنا لن يكون لأي معرفة من تفعيل، ما الفائدة إن علمت التاريخ الألماني وأنت تجهل تاريخك؟ إننا أبناء اليوم لأنَّ أسلافنا أبناء أمس، ودون الماضي لم نكن لنوجد حيث نحن اليوم، فمن يشعر بالتقزز من تاريخنا العربي الإسلامي، فإنه يريد وعاء حضاريًا غير ما نحن فيه، حينها سيكون كل إنجاز فردي له مفيد لوظيفته الخاصة وفقًا للوعاء الثقافي الآخر الذي يختاره، لا لشعبه ولا لقومه ولا أمته.
إنَّ واحدة من أهم محاور النظر التاريخي البحث في مسألة الهوية المؤسسة، فكل فئة تعمل على تشكيل هوية لها تبعًا للحظة تاريخية معينة، فتحرير هذا وتنقيحه بطريقة علمية سيضمن هوية نتجت عن بحث تاريخي علمي، لا أنها صُنعت ارتجالًا، ولا هي مقتبسة العناصر ولذا كانت الخطيئة الأكبر في الناصرية على صعيد الهوية المؤسسة أنها استنسخت مفاهيم أوروبية دون بحث في العناصر الذاتية، فلم تعمر طويلًا.
قضية فلسطين حدثت كفرع عن الحالة العربية، ومعنى هذا أنَّ هزيمة ٤٨ أنتجت دولة، ثم هزيمة ٦٧ مددتها، الآن شيء نتج فرعًا عن حالة عربية، ماذا يريد الكائن الذي يبيع شعارات خارج فلسطين؟ هل هو نجح في تغيير نظام سياسي للأفضل وحينها يكون الداعم الأكبر؟ هل حقق دولة ذات ثقل سياسي لها مصالحها الجيوسياسية وتتحرك للدفاع عنها، أو تعبأ بالرأي العام لمواطنيها وتسعى لاحتوائهم؟
الواقع أنه بعد سنوات طويلة، ساهم في تحطيم الروابط الأيدلوجية العربية وسرَّع في القضاء على الناصرية، ثم قفز إلى هوية غير واضحة المعالم، أنشئت ارتجالًا وهي إما أن تضخ فيما يسميه خصومها بالتطرف وإما أن تسعى لحرب ذلك الذي يسمى بذلك.
في القضايا الكبرى يكون العامل الحاسم في الموازين هو ملايين الشعوب المنظمة، وحداثة الدول، قوة الاقتصاد، لا إطلاق زفرات فيسبوكية متصنعة لأفراد، يصيحون دون أن يسمعهم أحد همهم المزايدة وتسجيل النقاط على بعضهم لا غير، وإن زاد زعيقهم تكون نهايتها أن تغلق حساباتهم دون فائدة، بل بلغ الأمر حدود السخافة-ولن أسمي أسماء هذه الأثناء-لمن يحملون تخصصات عليا ويفاخرون بشهاداتهم في الغرب، حين جاءت الأحداث جعلوا كل محتواهم عربيًا حماسيًا حصرًا، دون أن يكلِّف نفسه لشرح شيء للعالَم بلغته التي إن أتقن حروفها فإنه لا يفهم منطق شعوبها.
وخرجت نغمة تتحدث عن التثبيط والإرجاف، صديقي التافه من هو منهك في الحدث لا يتابع تعليقات أحد على فيسبوك حتى يثبطه إنسان، إنما هو أنت الذي تؤثر فيه كلمة واحدة لا الوقائع ومشاهدها، يثبطونه عن أي شيء؟ عن اللا شيء، نعم يثبطونه عن زيادة عداد المشاهدات، لا أنه يعمل على شيء، لا مشروع داخلي ولا خارجي، وعلى قول أحدهم: ها نحن نتابع ونتفرج، هكذا هي؟
العقل الإسلامي الحالي هو عقل (غير سياسي) بامتياز، والمسألة ليست مرتبطة بالحداثة والاستعمار وباقي ما يلوكه بعض اليساريين ذوي النكهة الإسلامية، بل بجذور عميقة قبل ذلك.
Читать полностью…لم يحدث أن استطاع صانعو السِّلال بأيديهم منافسة آلة المصانع الحديثة، ولا نافس النسَّاخ آلة الطباعة ونجحوا، مهما كان الذي ينسخونه ومهما عظَّموه، سيبقى التاريخ منحازًا للآلة، للمصنع والمطبعة.
Читать полностью…أفغانستان!
منذ الثمانينات تم تحويل أفغانستان إلى مضرب مثل يقوله كل من لم يقرأ مذكرات سياسي واحد، وتم اختزال الأمر بطريقة ساذجة عن تحطيم الاتحاد السوفيتي، كان القرار الأمريكي والبريطاني في الحرب السوفيتية قد صدر لمنح السوفيت (فيتنام) الخاصة بهم قبل دخول القوات السوفيتية إلى أفغانستان، وتم تشكيل الوحدات المدعومة قبل ٥ شهور من دخول السوفييت.
بعض قادة الفصائل الأفغانية استقبلوا في البيت الأبيض والتقوا بالرئيس ريغان، وعانى السوفييت من حصار عالمي شمل أوروبا وأمريكا والدول الحليفة، ومع كل ذلك حين خرج السوفييت سنة ١٩٨٩ من أفغانستان أبقوا نظامًا مستقرا بقي بعدهم ٤ سنوات في كابول، وكانت أزمات الاتحاد السوفيتي هائلة بعيدًا عن أفغانستان مثل تسرب مفاعل تشرنوبل في ١٩٨٦ الذي استهلك إطفاؤه بعض مواد الاتحاد السوفيتي قاطبة!
نأتي للحرب على أفغانستان في ٢٠٠١، كانت طالبان في الحكم، ولم يتم إعلامها بأي هجمات على الولايات المتحدة، وطلبت منهم أمريكا تسليم المطلوبين العرب المقيمين عندها، رفضت ذلك، وفجرت أصنام بوذا (اليوم طالبان تضمن زيارة الموقع للسياح)، وبدأت الحرب على طالبان، ورغم التغطية الحماسية على قناة الجزيرة، إلا أنَّ النظام سقط وسمى ما حدث وقتها أبو مصعب السوري (أصحاب الأخدود) ومنعوا أي تقييم لهجمات ١١ سبتمبر على العلن وفق نظرة (لا صوت فوق صوت المعركة).
بعدها كتب (سيد إمام) وقد كان في أفغانستان سابقًا، رسالة بأنَّ من قام بذلك العمل حطم (إمارة) كانت قائمة وجر كارثة كبرى على المسلمين لم تتوقف في أفغانستان شملت التبرعات والتجمعات والتحويلات إلخ، على أي حال أفغانستان دولة ذات مساحة هائلة يقطنها ٥٠ مليون إنسان، تحدها ٧ دول بحدود غير منضبطة، كونهم أكبر عرق من البشتون (المكون القبلي لحركة طالبان).
وخاضت طالبان حرب عصابات طويلة والتي من بديهياتها عدم الدخول في صدام مباشر مع القوات النظامية، حتى لا تُحاصَر في مدينة، فلم يحدث أن انتصرت قوات عصابية محاصَرة في بقعة معينة على قوات نظامية مهاجمة، لكنها لعبت على عامل المساحة الشاسعة، وحدثت أزمات عالمية كبرى، مثل تصاعد الصدام الاقتصادي مع الصين وقد تحولت الولايات المتحدة إلى نصير متحمس لقضية الإيغور الذين يقطنون في إقليم صناعي، والصين دولة حدودية مع أفغانستان، وتصاعد الخلاف مع روسيا التي كانت تتدخل في أوكرانيا.
وجود قوات أمريكية في أفغانستان فتح احتمال أن تعاد الكرة لدعم الروس والصينيين لاستهدافها، فكانت الولايات المتحدة تريد الانسحاب، ثم وقعت طالبان اتفاقًا في الدوحة ٢٠٢٠، والذي يضمن ألا تتحول أفغانستان لقاعدة تهديد لمصالح الولايات المتحدة، وهو ما حصل، فلم تعد منطقة تأوي مطلوبين يهددون الولايات المتحدة، وقاتلت طالبان تنظيمات تصنف على أنها (إرهابية)، ثم عادت إلى حال أسوأ من ٢٠٠١.
سواء في التمثيل الدبلوماسي، أو الحالة الاقتصادية، رجعت إلى ما قبل ٢٠٠١ بكوارث أكبر، وتتعاون اليوم مع روسيا والصين في مجال مكافحة الإرهاب، وتنفي كل التقارير الدولية المتنوعة سواء الحقوقية أو الاقتصادية المتعلقة بطريقة حكمها، وتقول بأنَّ الأمور جيدة وتحت السيطرة، هذه هي الحالة في أفغانستان.
يعيش اللواء!
وتسقطُ كلُّ مؤامرة في الخفاء، فتحليله إنما من بعيد، هناك الجديد، بارتفاع الوتيرة، وصوت الجزيرة، وسط حرِّ الخيام وتحت الرُّكام، فطبخ المعارك في قِدرِ جارك، أما بدارك دار السَّلام، لا للذريعة، أو للشنيعة، يعيش اللواء.
هذا الكتاب جيد في التعامل مع الثورة بمنهج علمي، وهو يناقش النظريات التي وضعت لتفسير الثورات كظاهرة قابلة للرصد، والبحث في مناهج تفسيرها وإمكان التنبؤ بها، لأني وجدتُ من يستغرب الحديث عن قوانين في الثورات، وظنها تعني قوانين بالمفهوم الحقوقي، لا الاجتماعي والنفسي والسياسي، أنصح بمطالعته.
Читать полностью…يقول ميشيل فوكو ما أن توجد سلطة، حتى توجد معها إمكانية مقاومتها، هذا المفهوم الشاسع للممانعة، يظهر أن اختزال المسألة بطريقة عبثية لا يمكن أن تؤتي ثمارها، حين تهمل التعليم، وتسخِّف من التفكير السياسي، ولا تصنع إنسانًا جديدًا، كيف لك أن تحقق نتائج جديدة؟
Читать полностью…اليسار العبثي
هناك قوم يعوِّضون هزال شخصياتهم، امتهانهم اليومي، بجمل ثورية فجة، لا تتفق مع الوقائع ولا الأحداث، ودومًا وأبدًا فإنَّ أي (ثورة) بالمعنى الحرفي لها، لا تقاس بقدرة الحناجر على إطلاق صيحاتها، بل بوضوح الرؤية وإمكان التحقيق الواقعي، لا الإمكان الذهني المجرد، اليسار العبثي ليس حزبًا معينًا فقط، بل خط فكري، لا ينظر إلى الأحداث بحس المسؤولية، ذلك الذي يطلق شعاراته في كل زمان ومكان، ولا يهمني هنا التعرُّض لمدى مساهمته هو في تطبيق تلك الشعارات.
وتتكرر الأحداث دون قراءة واعية، ويختفي من المشهد أولئك الذين لوَّحوا بسيوف الكرتون، ويبقى الذين يتجرعون النتائج، في 1917 كان هناك تيار بعد نجاح الثورة الروسية بإسقاط آل روماوف، يقول بأنَّ عليهم الدخول في مواجهة مع ألمانيا، إذ كانت روسيا جزء من قوات الحلفاء في الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، فالجبهة مستعرة من ألمانيا في ذلك الوقت، وحين كانوا يسألون ما الذي تريدونه؟ يقولون إنهم يريدون الحرب ضد ألمانيا، حتى ولو كان ذلك بانتفاضات شعبية يخوضها الفلاحون في روسيا.
حينها اعترض لينين، وقال بأنَّ الحرب تحتاج إلى جيش منظم واقتصاد قوي، والجيش الروسي أنهكته الحرب، والجوع أخذ بالروس حتى ثاروا، وأنَّ الوقت لصالح ألمانيا، وأنه كلما مر أكثر زاد سقف الألمان في شروطهم لانسحاب روسيا من الحرب، حين يتقدمون سيفرضون أمرًا واقعًا، فكان هؤلاء اليساريون يصيحون بأنَّ إخوانهم في ألمانيا، ورفاق دربهم سيثورون، وحينها يستطيعون هزيمة ألمانيا، فيجيب لينين: بأنَّ تلك الثورة لو حدثت لن تضيره بل هي في صالحه، لكن لن يضعها كعامل سياسي بوجود أمل بثورتهم التي لم تتحقق، بحجة الجملة الثورية بأن (الشعوب تغلي) وأنَّ ثورة ستحدث في ألمانيا، ففي الحروب تدرس أسوأ الاحتمالات لا أفضلها، وبحق لم تحدث ثورة ناجحة في ألمانيا ووقع السوفييت اتفاقية بريست 1918 وخسرت فيها روسيا 34٪ من سكانها، و 54٪ من أراضيها الصناعية، و 89٪ من حقول الفحم، و 26٪ من السكك الحديدية.
هذه الحادثة لا يذكرها اليسار اليوم وهو يقول بأن 20 مليون إنسان سقطوا في الاتحاد السوفيتي في الحرب العالمية الثانية (1939-1945) ولكنه انتصر، صحيح هذا ولكن هذا جاء بعد أن أخذوا مهلة وطوروا روسيا وشملوا بهذا شعوب الاتحاد السوفيتي فكان انتصارهم على ألمانيا انتصار أكبر دولة من حيث المساحة، لم يخوضوها سنة 1917، لكن حين خاضوها في وقت مناسب كانوا قد رفعوا رايتهم في نصف برلين رغم التكلفة البشرية الهائلة.
العلم ليس تبشيرًا
كثيرون قد امتهنوا اسم (العلم) وجعلوه موضع تسوُّل، واستجداء، بنَفَسٍ تبشيري، في حين أنَّ العلم في نفسه متعزز مترفع، من يتركه يدفع تكاليف هائلة، ومن يعرض عنه لا يكون في موضع استحقاق لبذل معرفة أو معلومة له، وهي لن تأتيه صاغرة على أي حال.
فلا تعبأ بأن تتألف قلبه عليها، ومن التحق بالعلم وطلبه وخاض غمار الجهد فيه، فهو من يبحث عن مصلحته ومصلحة قومه، هو من يجهد للوصول إلى القوة، وإلا فليبقَ حاله في مرتع الجهل وما يؤدي إليه فهو أسهل الخيارات في كل حين.
وفي الوقت الذي ترفعَّت فيه دول عن معارف ونظريات، كسرها من تبنى ما أشاحوا بأنظارهم عنه، وتجد من يفخر بأنه بشريط واحد خاطب الغوغاء قد جعلهم ينفضُّون عن كل ما يمت للمعرفة بصلة، ليتحلقوا حول الخرافة وسدنتها، وهو ما ضخَّم في الجهلة من مقدار قناعاتهم، تلك التي لا يعبأ العالَم بها، وصاروا يجعلون منها موضع مفاوضة، وهي لا شيء في الواقع، وما ذلك إلا لمن جعل من اسم العلم كالتبشير بالكنيسة وأقوالها.
ما المرعب في التخليط في التحليل السياسي؟
لا ينال المناطق البعيدة شيء من تحليل غبي لشخص بعيد عنها ينفس عن أفكاره في وسائل التواصل، ولكنْ هذه التحليلات هي مؤشر خطير على مستوى الوعي، بحيث لو أنَّ حدثًا سمح لمن يحلل بتلك التحليلات (المحلّقة) أن يكون صاحب نفوذ في منطقته، وهو أمر ليس ببعيد ولا مستحيل في منطقة سريعة التغيرات، سيكون ما جال في خاطره وقاله من قبل خطيرًا.
وكثيرون هم الأشخاص الذين كان يمكن سماع تحليلاتهم الخيالية في المقاهي من قبل، وما أن حدثت الهزات السياسية في العقد الثاني من هذا القرن، حتى صار هذا الذي كانت تحليلاته موضع سخرية ويمرُّ الناس عنها سريعًا إلى الانهماك بالعمل اليومي، وحين تعاشره في صنعته تجده دمث الأخلاق، وفجأة صار مسؤولًا لفصيل في بلد حدثت فيه أزمة، وصار صاحب نفوذ بعد أن انضم إليه أبناء عمومته، وصار لكلمته صولة وجولة، حينها ستتذكر أن تلك التحليلات كانت إنذارًا بشر محدق.
والمنطقة العربية متشابكة التحديات، والضعف في مناطقها يؤدي إلى ضعف عام، والقوة بالقوة، وهي مشتركة في كثير من الأفكار، فما أن يخرج نموذج في منطقة حتى يحاكيه آخر، وما أن يسقط نموذج حتى يبدأ بالسقوط في غيرها من المناطق، ففي الخمسينات كانت الانقلابات العسكرية موضة، ثم لاحقًا صارت فكرة الانتفاضات الشعبية، وفي مرحلة كان التعويل على التجربة البرلمانية وهكذا فهي منطقة سريعة التغيرات، ومن نظر إلى القاهرة في العشرينات، لا يكاد يعرفها في الخمسينات، ومن شاهد صور الناس في الستينات، لا يكاد يتبين له أنّها المنطقة نفسها في الثمانينات، وهذا ليس عاملًا محبطًا، بل يدل على أنَّ الشعوب تسعى لأن تصل إلى بدائل، وتجد ما يعبّر عنها من أفكار وآراء، ولذا أكثرت التنقل في مراحلها.
وعليه فإنَّ زيادة الوعي السياسي وما يوصل إليه من أفكار ليس شيئًا كماليًا، بل هو جزء من الضرورات، والعقلاء يؤثرون التعليم بكثافة حتى لا يمروا بالتعلم على جلودهم، ولذا يكون ما يتعلمه المرء بطريقة غير مباشرة موفرًا عليه سيلًا من الكوارث، ولذا لا أرى التهاون في شأن تقييم التحليلات السياسية المحلقة بحجة أنَّ فلانًا يتصنّع الحمية أو الفتور، بل يجب أخذها بعين الاعتبار على أنَّها إشارات ينبغي التعاطي معها، والتعامل بجدية، وهي تكشف وعيًا زائفًا يجب التخلص منه ومن جذوره وأسبابه.
بين المراهقة والانسلاخ!
في الأحداث الكبرى، في مختلف الأمم والشعوب يجب أن يكون النقاش متجاوزًا للأبجديات، لكن ينبغي تسجيل بعض النقاط في هذا الشأن:
1-الولاء لقضايانا يفترض أن يكون بديهيًا معلومًا وليس نظريًا وليس هو محل استعراض في الأحداث، وقد كان يمكنك زرعه قبلها، فهذه أبجديات في كل عاقل.
2-من انسلخ عن هذه الأمة فليس منها، والرائد لا يكذب أهله، وهو يبحث معهم لما فيه أصلح.
3-لا يوجد في السياسة كلمة مرة واحدة وإلى الأبد، فلا خلاف حول التأصيل الكلي في الحاجة لحلول جذرية وتلك تسمى أهدافًا بعيدة، لكن حين تتعذر الحلول الجذرية يتم البحث في حلول جزئية، وليس في هذا أدنى تنكر للفكرة الأساسية، إنما هو تبع ورصد للموازين.
4-في كل حدث يمكن أن يكون في مرحلة تقدم، ويمكن أن يكون في مرحلة جزر، ومن لم يستطع التمييز بين الاثنين، ومراعاة الظرفين فإنما يعاني من مراهقة سياسية، الطبيب الذي يقوم بعمل جراحي، لا يركز في هدفه فحسب وينسى نزيفًا قد جد، بل يلتفت للمتغيرات.
5-لا مكان في القضايا العامة للشعارات الفردية، فالمسائل العامة تحتاج إلى موازين، وهي ما لا يغيره ما يطلق عليه (بيع مراجل) من عينة لو كنا لو فعلنا لو أن الجميع اتحد، وهناك مثل يصنف حالة الأماني هذه بـ(زرعنا لو، أثمرت يا ليت).
6-التقييم السياسي ليس مرة، إنما يجب إخضاع الموقف كل حين إلى إعادة تقييم ودراسة ما الذي يحققه في كل مرة، ومن لا يزال يعاني من (مراهقته) بعيدًا عن نظر عام يشمل الآخرين، يسهل عليه أن يوضح لك بأنه هو من ينصر ويقدم وحبذا لو كان هذا، لكنَّه حين نحاكمه للجانب العملي يكون كل ما يقوله مجرد تجميل لموقفه ووضعه، دعوة لنفسه لا نصرة لموقف، فلا أحد تقدَّم بجحافله وطالبه غيره بإرجاعهم، إنما الحديث عن وضع قائم في ظل ما هو موجود، لا ما هو مأمول.
السياسة ليست لتحصيل المصالح فحسب، فذا يكون في حالات القدرة عليها، وإلا فهي فنُّ تقليل الخسائر، فنُّ تطويق الموقف، بدفع المفسدة الأكبر بالأدنى، والوقت سلاح فيها، فمتى تم إهماله فهو عامل مضاد، والإدراك السياسي هو الذي يستبق الوقائع ونتائجها.
Читать полностью…نقاشات شيعية
في هذا الآونة تدور نقاشات حامية الوطيس في الوسط الشيعي، هل يجوز مقارنة أيِّ مصيبة بالحسين؟ فقسم يقول: لا يجوز هذا، لأنه جاءت رواية عن (المعصوم) تقول: (لا يوم كيومك يا أبا عبد الله) ويصرُّ هؤلاء على أنَّ أيَّ كارثة لا تصح مقارنتها مع الحسين مهما كانت.
على الجانب الآخر هناك من يتمسك بمقولة: (كُلُّ يومٍ عاشوراء، وكلَّ أرض كربلاء)، ليجيب الأولون بأنَّ هذه مقولة وليست رواية فينفونها، وبعضهم يؤولها ويقول لها معنى صحيح بأنَّ كل الأيام حزن وبكاء وفي كل البقاع عزاء على الحسين، ولكن منهم من يحملها على المقارنات ويتهمه خصومه بالخمينية والتحريف.
مشاعر مرهفة
لن تجد وضعًا عاطفيًا مثل أولئك الذين تواجههم بالنقد، فيمتعضون ويتعكرون، ويطالبونك على عجل ما البديل؟ على أنَّ البدائل تصاغ بوقت وجهد، لكنه يتعامل بنظرية (السوبر ماركت) فهو يصوّر نفسه زبونًا تتقاتل عليه شركات المنتجات الغذائية، عليها أن تتفنن له بالدعاية، وتقول له هلم إلينا، ثم يختار من البدائل المعروضة، ولهم عذرهم فهم يخاطبون جيبه، لكن النقاد يخاطبون تخلُّفه.
لا يجد في نفسه أي مسؤولية تدفعه ليساهم في صياغة البدائل وهو مع تياره الذي يعظمه كأتعس مطبل إعلامي مع أتعس سياسة مرَّت، كل شيء تمام وكما هو الحال في توزيع الرتب والنياشين على أصحاب الفخامة، أقل كلمة يقفز على عجل لا تتعرض لعلمائنا وأجلائنا، فذا منحة الله، وهذا آية الرب.
أولئك العظماء وفق تقييمه هم الذين صاغوا أعظم نظرياته في الدروشة فقالوا له: هناك شيء اسمه (مدرحية) هكذا جمعوا له بين المادة والروح، وتفرع عنها شيء اسمه (حساباتكم الدنيوية) التي يطالب ألا تكون وفقها سياسات الدول، وفي سياسته الخاصة يوهم كأنه يذهب إلى العمَل ويطالب آخر الشهر بكشف لحساباته الآخروية من حسابه البنكي، فمن المعلوم أنَّ الاقتصاد بدعة حداثية، وإنما هي أرزاق موزعة وما من أسباب، وفق نظرية (التنوير في إسقاط التدبير).
سؤال البديل هذا الذي يتبجح به هؤلاء لم يسألوه لسيد قطب وهو يقول بأنَّ الجاهلية تسعى لإحراجه فتطالبه بمشروع سياسي وأنه لن يقع في الفخ، فعليه أن يحطمها ويستلم الحكم ثم بعدها (يحلها ألف حلال) وهو ما صار بعده، فكتب رفاعي سرور وفق هذه النظرة كتابًا اسمه (التصور السياسي للحركة الإسلامية) تبحث في صفحاته فيكون مختصر ما فيه: نقول للجاهلية سلِّمونا الحكم ثم نخرج مشروعنا السياسي، وفق التصور الصوفي العظيم: من ذاق عرف!
وبعدها حين تقع الواقعة، وتحصل الفاجعة الجواب حاضر: أصحاب الأخدود يا أخي، في حين كان علماؤه ومشايخه أسرع الناس إلى الفرار إلى مختلف البلدان حتى لا يحصل فيهم أدنى مكروه، فهي الرخصة أخي في الله، هم لهم الرخصة ولغيرهم العزائم، وبعدها يقول: ناضل علماؤنا ضد المادية، نعم وهزموا!
التافهون حين يصنعون لأنفسهم قيمة
حين كانت المجازر تحدث، كان هناك من لا قيمة له ينتشي ويحتفل، وعنده مزاج حاضر لاصطناع الطرائف، لم يعكره صورة صبي ولا هول ما يحدث، بل ترك كل شيء في يده ووضع إشارة لي في منشور وكتب: كنتَ تسخر من بسام جرار وما يقوله وها هي الأحداث تثبت كلامه! كان فيه عزيمة للمرافعة عن أتفه مقالة حدثت بما يفضح مستوى قيمته، في ذاك الظرف المستمر، ماذا كنت ستقول لمثله؟ أمية سياسية تتحالف مع جعل ديني مع انتهازية تتصنع دور الفرسان في فيسبوك؟
هذه الحالة من تمجيد النفس برفع أقصى الشعارات الحماسية لمن هو في مأمن، وهو يسمع خطاب من يمجدهم ولا يحرك ساكنًا ولا قيمة له في أصغر حدث ثم يكلمك كأنه في حاملة طائرات، ويفترض حسب مطالب أمثاله المتواضعة أن يتم تغيير الخريطة الجغرافية وننقل دولًا إلى موقعه، ونأتي بدولته وشعبه إلى الحدود، وحينها فقط! لنا كلام مع أشرس مقاتلي الكيبورد.
ثم يأتي بخطاب تخويني، لكل من لا يصفق لتحليله العظيم، تحليل لا غرم فيه، لا ضريبة عليه منه، لا مشاركة في أدنى ذرة فيه، ويمن على العالمين أنه غير صورة بروفايله، هكذا يفترض أن نعرف الأبطال من الأطفال! هذه العينات الطفيلية التي تنبت على ترندات المواقع، آن لها أن تعرف قدرها.
بين الولاء والغباء
عدم التفريق بين الحالين كارثي، على مختلف الأصعدة، الولاء للأمة يعني بنظر بعض (الدراويش) أنه كلما مرَّ بك تحليل مخالف أن تتمتم مستعيذًا بالله منه وتشيح بنظرك عنه، وأن تصفق لكل من يتحدث عن (ترنُّح) الخصوم، ومهما يكن لك من رأي ابلعه خيرًا لك!
لاحقًا بعد عشر سنوات سيخرج الناقد البصير منهم ويقول: اجتهدنا وأخطأنا، المهم أن يضمن لنفسه مرتبة الاجتهاد، هي الحالة نفسها التي لا مكان فيها لخطأ بشري فإما أن يكون كلامه واضح الإصابة فتفاخر به، وإلا فالسكوت أسلم كون كلامه غامضًا هو أدرى بما فيه.
الولاء الذي يجعل الناس تحتفل بما تظنه وقت غلَبة، فإذا خيّبهم الواقع حوقلوا، وأعلنوا متابعة شأن آخر كأنَّ الولاء يختلف ما بين أتراح وأفراح، كأنَّ الولاء لا يكون إلا في الظهور لا المسؤولية في الضُّمور، قديمًا كتب محمد جابر الأنصاري في (العرب والسياسة أين الخلل؟) راصدًا أنَّ الحالة العربية في السياسة أشبه بالفورة السريعة لا المشاريع الطويلة، هي قريبة من (تريند) لا (المشروع).
تضحي القسمة (ولاء وخيانة) لا وجود (لأخطاء استراتيجية) لا وجود لإدارة بشرية بل تسمع شيئًا جبريًا عن (الإدارة الإلهية)، إنَّ نصف السياسة يتعلَّمها المرء من عدوِّه، حينما تجد أنَّ الآلة السياسية المرنة هي التي استطاعت حشد الذكاء في مشاريع، مهما اختلفت في التقييم والآراء، لكن حين يجعل الولاء مرادفًا للغباء قل لي: ما الذي سيتحشَّد لديك؟
"يخيفني كثيرًا رجلُ السِّياسية الذي لا تبدو عليه أيُّ علامةٍ من علاماتِ حُبِّ السُّلطة"
(المياه كلها بلون الغرق، إميل سيوران، ص١٦٢.)