سيعودون إلى ما كانوا عليه من قبلُ، ببثِّ بلاهتهم الرتيبة كأنها حِكمة ودروس، ونشر كل مقدِّماتهم التي أنتجت المسخ السِّياسي، فجوهر فلسفتهم: ما لا يرغبون به لا يعترفون به فهو غير موجود، بانتهازية قررت سلفًا أنَّ الأفضل عليهم خسارة أيِّ شيء ولا الإقرار بخسارة هالة تحليلهم وسياساتهم التي نسبوها إلى الله لمجرد أنهم مطمئنون لأنفسهم! وسيبقون على ما هم عليه، ولا مطمح في تغيير شيء من قناعاتهم، أما الوقائع فلا تبالي اعترفت بها أو لم تفعل، ولن يمحى من الذاكرة شيء أرادت فئة نسيانه.
Читать полностью…المؤمنون في التنزيل هم الذين يؤمنون بالغيب، وهم في عرف أقوام: الذين يجحدون المشاهَدات.
Читать полностью…السيد عطَّار يجري عملية جراحية!
لا يعترف السيِّد عطار بتخصص الطِّب، فالعطارة مهنة أجداده، ولا يتنكر لأجداده إلا خسيس الطبع، ولا يقرأ المجلَّات العلمية بل يتلو حزب الإمام الشَّاذلي ودومًا ما ينجح بحسب ما يدَّعي، وبعد آخر جراحة أعصاب تفضَّل بها مشكورًا مات المريض! وصار يجادل بأنَّ المطلوب كان إنقاذ المريض لأنَّ حالته صعبة بغض النظر عن مؤهلاته وعن النتائج التي لا يد له فيها.
لا يعرف أحدٌ أنَّ عطَّارًا استشارَ أيَّ متخصص سواه في حياته، فهو يشخِّص بفراسة المؤمن، وقد أخبرته خالته وهو صغير عن رؤيا رأتها فيما يرى النائم حيث كان يصافح أبقراط، فعلم منذ ذلك الحين أنه سيكون من كبار الأطباء في العالَم، قيل له يومًا بأنَّ العلم لا يضمن النتائج بنسبة تامة لأنَّ الإنسان لا يعرف كل شيء، لكن بدون العلم ستكون النسبة المرتفعة في الموت لا العلاج، رفض ذلك لأنَّ الله هو الذي يحيي ويميت، وهؤلاء ملاحدة لا يعوِّلون على مدبِّر الكون، فلا تعني له الاحتمالية شيئًا، ما دام الأمر ممكنًا في رأسه، ويبقى علاج المرضى يحتمل نسبة الخمسين في المئة أن ينجح.
والعطار رجل مؤمن، كثيرًا ما يأمر زبائنه بالصَّلاة على النبي مع وصفاته السِّرية التي يشاع أنَّه استلها من كتاب يُدعى (شمس المعارف الكبرى) للبوني، ورغم أنَّه لم يعالِج مريضًا على وجه التحقيق إلا أنَّه يصر على أنَّ أكبر المتخصصين بالجراحة قد يقعون في أخطاء بشرية، لكنَّه يصرُّ على أنَّ أفعاله ليست مثلهم إنما ينتهي عمر المريض المكتوب سابقًا في اللوح المحفوظ بين يديه.
ويرفض أن يصحح له أحد أو يراجعه أحد، بل كلُّ أولئك المعترضين على طريقة تحليله للأمور، قد باعوا أرواحهم للشيطان هكذا قرأ في كتاب نسي اسمه، ويفاخر بأنه خبير بالميتافيزيقا، فما من يوم تخرج فيه دفعة من أرواح المرضى بعد إعماله يديه في جراحهم إلى عالم الآخرة، حتى يقف على رؤوس الناس يشرح لهم الحكمة العظيمة وراء ذلك، حيث يدَّعي بأنَّ ذلك خيرٌ لهم فقد كانت تنتظرهم أمراض أخرى على وجه الدنيا، ويأمل أن يتعرَّف على مرضاه في حياة أفضل.
اعترض مرة عليه أحد متعلِّمي المدينة، بأنَّه لا يعترف به طبيبًا فجمع عطَّار الناس، وأشهدهم على ما يقوله ذلك المهرطق، هكذا سمع بعض القساوسة ينطق هذا الوصف، وقال لهم: انظروا له، فضلًا عن اعتراضه على الأقدار الإلهية، فإنه يريد أن يمنع العطارة في البلد! يرفض علاج المرضى ومساعدة الناس، أي قلب منكوس يحمله هؤلاء المتمدينون!
"التفريق بين المطالب والآمال، مهم في فهم التفريق بين الدعاية والحقائق على الأرض، فقد تصوّر الدعاية قويًا بأنه ضعيف، أو ضعيفًا بأنه قوي، بناء على عدم التفريق بين الأمرين، وهذا يهوّش الرؤية الحقيقية للواقع، وقد يوقع بكوارث على صعيد الخطوات السياسية على سبيل المثال يقول ميكافيلي: "من الخطأ أن تعقد حلفًا مع حاكم شهرته أعظم من قوته"، وذلك أنَّ الوصول إلى القوة لمن يفقد إمكانياتها مجرد أمل، بخلاف تحقيقها كخطوات، فمن لم يفرق قد يعقد حلفًا مع ضعيف، أو يعلِّق مطالبه على أمل هش بأن يتحرك ذلك الحليف فوق إمكانياته، وبالتالي تكون العواقب السياسية حينها لغير صالحه".
(ملاحظات في التفكير السِّياسي، 2021)
كثير من الناس يعتقدون أنَّ عندهم آراء، يظنون بها أنَّهم يقيِّمون الأمور بطريقة صحيحة، فيتمنون أمورًا وفق تصوراتهم، ويحذرون من أخرى، فلما يذيعون آراءهم يقول العاقل في نفسه ليته سكت!
لذلك فإنَّ أعظم عبادة هي الدعاء، فيها يناجي العبد خالقه، هناك يعبر عن رجائه وخشيته المبنية على آرائه في مختلف المجالات، سياسية، اجتماعية، اقتصادية، أي عظمة أكبر من أن يختفي هؤلاء عن إذاعة كلماتهم علنًا ويسرون بها، فتضحي خاصة بينهم وبين الرَّب!
وفي زمن وسائل التواصل نستطيع تقدير أهمية الدعاء بعيدًا عن الأنظار، في السجود مثلًا، ماذا لو تحولت آلاف المنشورات التي يتبجَّح بها أصحابها وهي تحتاج إلى "محو أمية" لتصحيح منطلقاتهم، إلى حديث تعبدي خاص؟ بدل نشرها كل حين على الخلق، الرب هو خالقك يسمع دعاءك، يختلف الأمر عن العباد!
حبذا لو كانت تلك الآراء موزعة في الأدعية الخاصة، بدل اعتقاد أنها أفكارٌ نيرة ينبغي على المخلوقين سواه الإصغاء إليها، أي سكينة تنزل لو كان كل ذلك في دعاء خاص إن لم يستجب له الله قال لعلَّ ذلك خير لي، لأنك لو ناقشته فيما يقول أقام الدنيا ولم يقعدها، فليبقها في دعائه، فإنَّ الله يسمعه، والعبد يضيق حرجًا من كثرة ما يقال.
هناك من كان يقرأ قصيدة (يسقط الوطن) لأحمد مطر على الهواء مباشرة في بعض القنوات الفضائية، بحجة المعارضة السِّياسية، واعتمدت ثقافته على كتب مثل (سأخون وطني) للماغوط، هو نفسه لا غير، من تحول إلى (بارون) في (الجيش الأبيض) حينما ارتبط الموضوع بتريند بعيد!
Читать полностью…هناك قوم واجهوا كل من قال لهم لا تتحدَّثوا في السِّياسة، لعدم أهليتهم، وحب التصدُّر بالشعارات، ونعتوه بالعلماني، وما دروا أنَّ العلماني قصَّر حين قال لا تتكلموا في شأنِ السياسة، كونه لا يعبأ بالدين، وإلا فهم لا يصلحون للحديث في الدين والسياسة!
Читать полностью…ذاك ابن النبي، وذاك ثوري أرستقراطي، ذاك وجدها فرصة ليذيع مخلفات الناصرية من ذهنه، وآخر يجد الوقائع تتغير متى لم يقتنع بها، هكذا ظن المعارضة! أن تنفي ما لا يعجبك فلا يكون، إن لم تكن هذه هي الصبيانية في السِّياسة فلا تدري ما تكون! لقد تحتَّم على الضحية أن تقنع أنصارها المزيفين بأنها تحت الردم، بأنها مجردة من كل شيء، لكن لا نضوج في التعامل مع المأساة، بل الاستثمار سيد الموقف!
Читать полностью…كل ذلك بمبلغ زهيد، حيث تبدأ رسوم العلاج عبر الإنترنت "من 20 دولارًا أمريكيًا لوضع برنامج العلاج، ومن 50 دولارا أمريكيا إلى 70 دولارا أمريكيا للجلسة التي تستمر لمدة 45 دقيقة بزيادة مهلة 10 دقائق للعلاج الفردي، ومن 70 دولارا أمريكيا إلى 90 دولارًا أمريكيًا للعلاج الزوجي والجلسات الّتي يلزم فيها مرافقة أبويّة، ومن 90 دولارا أمريكيا إلى 100 دولار أمريكي لجلسات العلاج العائلي"!
لكن تبقى هناك مشكلة التسويق؛ فصفحته على الفيسبوك قد تعطلت، وقناته على التلجرام ساكنة.. لقد وجدها عبقري زمانه! إذ رأى في الإبادة دعاية له! فيرى نتيجة الحرب قدرا لا دافع له، لا يعجب المادي الذي يؤمن بالمحسوس! أما كمال، ذلك الذي يتغنى بالمفارق للمادة، يخون مبادئه عند أقرب منعطف لما يتعلق الأمر بلقمة خبزه وماله؛ فلا يترك وسيلة يسوق بها لنفسه ولاحتيالاته... وأي دعاية أجدى من الدماء!
قُصَّاص انتهازيون!
لم يفلحوا في شيء سوى استدرار الدموع، يركبون موجة ليست لهم، حين لم يكن للسياسة سوق رائج كانوا يرونها شيئًا تافهًا، حديث مجالس ومقاهٍ، لا علمًا يدرس، كان اسمها ماجريات، أمضوا أعمارهم في الثرثرة بقصصهم، حتى إذا وجدوا في الأمر نزعة شعبية، تحرَّقت شهيتهم لمزيد من المتابعين!
فسارعوا بثقلهم إليها، وتنظر إلى الواحد منهم وقد جلس مجلس كيسنجر، وتقول في ذهنك ألم يكن ذلك القاص الذي لم يجرِ على لسانه يومًا ذكر مصطلح سياسي واحد، ولا اهتم بالأمر، بل كان يشمئز متى سمع ذكر اهتمام في شأن غير شأن (بحر الدموع) الذي تدور فيه مجالسه، وهو أحوج ما يكون ليسكت فما باله صار رأسًا يسجل ما عنَّ له من خواطر، ويلقيها على الأسماع.
فقد أدوات قراءة الواقع، بل هو الذي لا واقع لديه، فحديثه يدور كدرويش يلاحق هلاوسه، لا خسائر ولا مكاسب لديه فعالمه لا أرض فيه ولا سماء، لا بشر ولا حجر، إنما يكمن هناك في سر (الأولياء)، نقل مجلس الدروشة إلى الكلام في السياسة، وأراد أن يكون القطب في كل موضوع، هؤلاء القوم يسعون اليوم لانتهاز الفرصة، لإظهار كأنهم جزء من مشروع، أو أنهم في الأساس أصحاب مشروع، وما لهم في الباع ولا الذراع، انتهازيون حين يصوبون موقفًا سياسيًا لا يلتزمون شيئًا من لوازمه، وتجد التفاخر كأنه مشية في موضع اللقاء، لكنَّه في وسائل التواصل، بل قد يكون اجتماعهم في وليمة تحت عنوان: حل مشاكل المعمورة!
يريدونها غنمًا ببعض المتابعين، دون أي غرم، ثم يأتي ويقول لك دافعنا ووقفنا، ويقصد خواطره وكهانته، تنبؤاته، ونزقه بتخوين من لم يعجب بكلامه، مصورًا ما ينشره كأنه يرجَّح موازين قوى، مع أنَّه قاعد، وما يفعله اسمه تعبير عن مشاعر: لا دفاع ولا انتصار، ولو سماه بالعجز لكان خيرًا له، فالعاجز قد يفكر يومًا ليضحي قادرًا.
بل بلغت الوقاحة أن يحرِّف ما جاء في الآيات، فينزلها على كل مخالف له بأنه مثبط، مع أنَّ المثبط كما جاء في القرآن: (فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين) وهو قاعد من البداية إلى النهاية، لا معنى لوصف التثبيط في حقه أصلًا، فهو تحصيل حاصل، ويستغل هذه الحالة ليرمي كل من يخالفه أو متى سمع همسًا لا يروق له، أو سعيًا لتصفية حسابات في مملكته الافتراضية ليصف مخالفه بكل أوصاف أطلقتها ثورات العالم على من صادمها، كأنه قادم باتحاد ينسي الناس أخبار الاتحاد السوفيتي، وهو الآمن في سربه، المعافى في جسده، يبيع اللبان بالمفرّق لكنَّه يضع لافتة بأنه مصنع دبابات!
تحدث عن نبوءات احتراق العالَم، وتعاليم العنف الثوري، والجنون الحرَكي، وإيقاع اللامبالاة المجدي، فلما سئل عن مؤهلاته، قال بأنه خريج قديم لثورة فاشلة، أعطى نفسه مختلف الأوسمة بعد أكثر من عشر سنوات على الفراغ، ووجد شيئًا من تعويض اللغة التي فلترها من معجم منشوراته لسنوات!
Читать полностью…الشعوب كالنساء!
هكذا عبَّر موسوليني في (خواطره) عن نظرته للشعب الإيطالي: "الجماهير تحب الرجال الأقوياء، الجماهير كالنساء"، وهي نظرة من ماثله من السِّياسيين، يرون الشعب تحصيل حاصل، سهل الترضية، بكلمة مديح، بهدية، ويحسبون أنَّ جزءًا من القوَّة يكمن في التعامل بالضرب بيد من حديد، والتأنق بزي الأقوياء، فكان ستالين قد ضرب المثل الأعلى في هذا، بجهاز يحكم قبضته على كل مرافق الحياة، وظن أنَّه قد نال كامل الاستقرار وهو يعقد محاكمات صورية في موسكو لمختلف القطاعات التي خالفه، تحت اسم (التطهير الثوري) لكنَّه في الحملة التي شنَّها قضى على جيل من الموهوبين، وضباط على كفاءة عسكرية عالية قادرين على الوقوف ضد ألمانيا عشية الغزو للأراضي السوفيتية، وكانت النتيجة كارثية فتتابع الجنود المستسلمين بالملايين، ومن بين من وقع في الأسر ابنه ياكوف الذي مات في معسكر اعتقال على سياج حديدي.
لكنَّ الظروف ساعدته، فزودته الولايات المتحدة عسكريًا واقتصاديًا بما سمح له بالمواجهة من باب اعتباره أقل الأضرار، وأنَّه الأقدر والأقرب في المواجهة مع ألمانيا، لكنه كان وقوفًا من جديد بتكلفة مرعبة، هي الأكبر في الحرب العالمية 20 مليون إنسان، والانتصار يعمي عن تتبع الكارثة، فلم يتحدث أحد عن إمكان تقليل الكارثة بعد أن كلله غار يوليوس قيصر، نظام تحصيل حاصل لم يصلح كل حين، ولكن كان يعوِّضه عقلية ديكتاتورية ترى ضرورة تحمّل المرء نتائج أفعاله، فقد شاع في ألمانيا عرف في الحزب الحاكم، بأنَّ على أعضائه تحمل نتائج أخطائهم، فمسدس (لوجر) الألماني بقي يحتفظ بالطلقة الأخيرة للأخطاء، على هذا النحو رحل رومل الذي أسقط فرنسا في 3 أسابيع، لمجرد أنه ارتكب غلطة في نظر الحزب، وبطريقة (لوجر) تلك سقط النظام الألماني سريعًا مع نتائج قراراته، فساعد تفعيله على انقراض الحزب من المشهد السياسي.
الجماهير كالنساء مأمونة الجانب في نظر موسوليني وفق نظرة تستحضر روح العصور الرومانية القديمة، لكنَّ صبر الإيطاليين كان قد فرغ حتى عُلق الزعيم المفدى في ميدان عام مشنوقًا، وأثبتوا له أنَّ المسألة ليست كما بدت له، لقد تعلَّمت أوروبا درسًا سجله المنظرون السياسيون عن كون السياسيين لا يُمنحون شيكًا على بياض، وكانت التوعية النشطة بأنَّ المواطن كائن سياسي، وأنَّه متى تسامح مع هدر السياسي لحقوقه سيصحو لاحقًا على كارثة لا تعبأ به، الحرب الثانية تحمل مضمونًا مختلفًا عن الأولى، فلم يكن الفاعلون فيها أبناء سلالة نبيلة أو ملكية، ولا نخبة أرستقراطية، بل كانوا من عامة الشعب، الحزب الألماني تشكل من جنود ليسوا من النخب، وكان الاتحاد السوفيتي في المقام الأساسي مبني على حزب اعتمد الشعب مصدرًا لقيادته وعناصره.
الحروب تفرز نتائجها ليس على صعيد الواقع فحسب، بل في الأفكار والمناهج، فلم يكن غريبًا أن تصدرت الشيوعية أمام الجوع الذي استشرى في روسيا آل رومانوف في الحرب العالمية الأولى، وانبعثت القومية المتطرفة في ألمانيا بعد اتفاقية فرساي والكساد الكبير في ألمانيا، أطيح بالأنظمة الملكية بعد الحرب العالمية الأولى، وتشكل نظام دولي بعد الثانية، وانبعثت القومية العربية الاشتراكية بعد حرب ١٩٤٨، ثم التيارات الإسلامية بعد هزيمة ١٩٦٧، فالحروب تسقط مناهج وأفكارًا كما تطيح بالمباني والبشر.
Читать полностью…الخشبية
بايع المختار بن أبي عبيد الثقفي (67هـ) عبد الله بن الزبير في مكة، وتلطف له حتى يجعله واليًا على الكوفة معقل الشِّيعة في زمنه، وفيها ادعى بأنَّ أخا الحسين بن عليّ وهو محمد بن الحنفية ممن كان يقيم عند ابن الزبير قد وكَّل إليه بأن يأخذ بثأر الحسين! فرفع شعار (يا لثارات الحسين) وخاض حملة شرسة تتبع فيها قتلة الحسين بن عليّ، وهو ما صنع شعبيته بين شيعة العراق، فتحلَّقوا حوله، وأخذتهم الحماسة والحمية، حتى خرج كثير منهم معه بالعصي والخشب، فأُطلق على أتباعه (الخشبية)، وخاض المختار بهؤلاء حربه فتتبع قتلة الحسين من جهة، وقاتل بهم ضد مصعب بن الزبير من جهة أخرى، فاستنزف قواته وقوات ابن الزبير حتى هزم، هذا القتال بين الجبهتين أضعهفما، وفتح ثغرة ليتحرك عبد الملك بن مروان، الذي سيطر على العراق لا الكوفة فحسب، وأسقط حكم ابن الزبير، وسجَّل التاريخ انتقاد محمد بن الحنفية لذلك الاندفاع الخشبي، فقال: "لو كانت أم أحدهم التي ولدته لأغرى بها حتى تُقتَل"! وتمتم العديدُ من الكوفيين الذين شاهدوا ما حلَّ بهم من خروج العصي ذاك، فقال الشعبي (106هـ): "نظرت في هذه الأهواء وكلّمتُ أهلها، فلم أر قومًا أقل عقولًا من الخشبية"، وقال عمرو بن مرة (116هـ): "نظرت في أمر هؤلاء الخشبية فإذا هم شرُّ قوم".
مطالبون بالفعل لا النصر
هذه الجملة شائعة جدًا، وهي تعبِّر عن أزمة متوارثة، وتتبع تصورًا قديمًا يعود إلى الكلام الأشعري بانعدام التأثير من الأسباب، وقد خرجت في الأساس من رحم نقاشات بين المعتزلة والأشعرية، حين أكد الأشعرية على أنَّ الله هو المؤثر الوحيد في العالَم.
رغم أنَّ هذه الجملة توحي بالتناقض، كأنَّ العبد له سلطان على فعله لا نتيجته، ولا علاقة هنا بين الفعل والمفعول، رغم أنَّ الفعل المتعدي ما فُعل إلا للنتيجة، لكنها تنفي العلاقة بين السبب والنتيجة، والمقالة الأشعرية نفسها تنفي علاقة التأثير بين إرادة العبد وفعله كما هو معلوم ونتيجة ذلك وقعوا في الجبر.
وكان الأصوليون حتى ممن تابعوا الأشعرية قد التفتوا إلى أنَّ الأحكام الشرعية فيها ما حرص على النتيجة، مثل إطعام الجائع، وقالوا هنا الخطاب الشرعي متعلق بالإطعام بقطع النظر عن فاعله، وهو ما عرف بالواجب الكفائي، وفي هذا الباب يلمح الشاطبي أنَّ الفروض الكفائية لا يخاطب فيها الجميع ثم يراد بها بعضهم كما في تجوُّز عبارة بعض الأصوليين، بل يخاطب فيها من فيه الكفاءة ليحقق المقصد منها، مثل إنقاذ غريق، لا يخاطب فيه من لا يحسن السِّباحة، إنما ينحصر الخطاب للقادرين على الإنقاذ فالغرض تحصيل النتيجة، وإن تجنَّب هذه العبارة من تجنَّبها من الأشعرية وقالوا الغرض تحقق الفعل وتجنبوا الحديث عن المفعول.
وقد لمح الغزالي أنَّ سياسة البلدان كطب الأبدان، والطب كما هو معلوم يحتكم إلى التجربة، ومدار رحاه النتيجة بحفظ صحة الجسد، وكل وسيلة لا تحقق هذا بل تنقلب إلى نقيضه تخرج عن مسار الطب، وبهذا يظهر أنَّ المقالة القائلة بعدم تحقيق النتيجة وانحصار الأمر بالفعل غير صحيحة وهي تصوُّر لا سببي، وجبري في خاتمته، والواقع أنَّ كلَّ المعاملات إنما وضعت لمقاصد تسعى لتحقيقها، أما فصلها عن نتائجها فيحولها إلى تعبد محض.
"إنَّ سقف المطالب تحدده الأرضية التي تقف عليها، فليست المطالب استجداء، فالعالم السياسي لا مجال فيه لطلب القرض الحسن، بل إنَّ موازين القوى، والمصالح هي اللغة المفهومة، ومتى كانت الأرضية حقيقية وثابتة فإنَّ المطلب يكون أقرب إلى إمكان التحقق، وبذا تفترق المطالب عن الآمال الكبرى، فالآمال الكبرى مبنية على نظرية، أو موقف، أو معتقد، في حين أنَّ المطالب السياسية أو الخطوات السياسية محكومة بالأرضية التي تقف عليها في الواقع، وهذا يظهر المرونة في التفريق، فكلما اختلفت الموازين والمصالح، قد تتحول الآمال إلى مطالب، أو خطوات، والعكس صحيح."
(ملاحظات في التفكير السِّياسي، 2021)
"خليق بأمة تريد أن تحيا حياة جديدة أن تعرف تاريخ سلفها في دوري الرفعة والانحطاط، لتعلمَ أسباب السؤدد والرفعة، وعلل السقوط والانحطاط، لأنَّ الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، ولن تجد لسنة الله تبديلًا، وإنَّ أمة تجهل تاريخ الأمم عامَّة، وتاريخ نفسها خاصة لجديرة أن تخبط خبطَ عشواء في الليلة الظلماء"
(علماء الشَّام كما عرفتهم، محمد سعيد الباني، دار القادري، ص٧٤.)
كان لهايدغر مصطلح باليد، شيء تقبض عليه كمطرقتك، أو أغراضك، هو باليد، هكذا السياسة تتحرك فيما هو باليد، أما نداء أحرار العالم فلا يرتبط بالسياسة بقدر ارتباطه بمعنى: لله يا محسنين!
Читать полностью…اللا عقلانية، تسمي كل ما لا يتفق معها (لا دينية)!
قبل أن يعرَّب مصطلح العلمانية، كان البخاري قد روى في صحيحه عن عمر بن الخطاب أنه سأل جمعًا من الصحابة عن آية فقال: فيمَ ترون هذه الآية نزلت؟ قالوا: "الله أعلم"، فغضب عمر فقال: "قولوا نعلم أو لا نعلم"!
هذا في سؤال في موضوع ديني، لم يرضَ فيه هذا القول فهو يسأل البشر أنفسهم فإما أن يعلموا أو يجهلوا، ويخيل إليك أنَّ هذا الجواب لو ألقي على معاصر من (يسار ما بعد الحداثي المتأسلم) لقال على عجل: هذه علمانية هذا كفر!
وحين يُسأل بعض الناس عن تحليلاتهم وترجيح احتمال على آخر إما أن يعلم أو لا وفق طرق العلم، ولا يوجد مجتمع بشري لم يتمسك بالأسباب فلا قيام له دونها، وأي تحليل لا ينطلق من الوقائع، ويحيل إلى الله رأسًا يبتكر بناء على مشاعره التي يحسبها الواسطة الإلهية التي يعبِّر بها عن حالة موضوعية منفصلة عنه، حتى تتحول المسألة إلى التعلق بالممكن، وبمطلق القدرة الإلهية، على وزن ما قيل:
فسلِّم فالقديم بذا قدير***وإن جاء الحديث به ضعيفًا!
على أنَّ القدرة الإلهية تتعلق بها كل الممكنات، ما تحب وما تكره، ويأتي من يجعل مشاعره حكمًا وهو الذي تلقى ما يفصلها عن الوقائع ليندفع نحو اتهام كل من لم يشاركه فرحته الذاتية، رغم أنَّ الأنبياء أنفسهم كانت مشاعرهم ترتبط بالوقائع، (حتى إذا استيئس الرسل) هذا ومعهم وعد إلهي بعينه، وفي صحيح البخاري كذلك "أَوَلَيْسَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى، فَأَخْبَرْتُكَ أَنَّا نَأْتِيهِ الْعَامَ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا" فلم يقبل تنزيل وعد مخصوص على سنة بعينها، فكيف ولا وعد مخصوص لأقوام معيَّنين بعد الوحي؟
هؤلاء القوم يحوِّلون الحديث السياسي إلى حضرة صوفية تعتمد على ذكر الاسم المفرد، على ماذا تعتمدون؟ الله، ما الذي دفعكم إلى هذه الخطوة؟ الله، وهذا الزار ينقلب من نصرهم الله، إلى رحمهم الله دون أن يرف للقائل جفن، دون أي رؤية كأنهم لا يبصرون في الوجود شيئًا غير الله، رغم ما في خطورة هذه النظرة دينيًا التي امتدت في بعض الأحيان إلى ما سمي بوحدة الوجود! بل يعتقد بعضهم أنَّ جزءًا من إيمانهم الانفصال عن الاعتقاد بتأثير الأسباب، ولا غرابة والواحد منهم يعتقد ألا تأثير لشيء في شيء، إلى باقي مقالات الدروشة، وقد انقلبت هذه اللا عقلانية لتدافع عن نفسه وترمي خصومها بمحاربة الدين، ومخاصمته.
وفضيحة هؤلاء العملية أنهم لن يقبلوا أن يعملوا شهرًا واحدًا وفق هذه الطريقة، لن يعملوا شهرًا بناء على الاكتفاء بمقالة إنَّ الله سيرزقكم، لن يتعبوا دقيقة وهم لا يستفصلون عن الدفع وكيفيته، وبأي عملة، وكم قسطًا يكون، لن يعملوا قبل أن يحيطوا بالمسألة من كل الجوانب، لكنَّ الشأن العام البعيد عنهم، سهل جدًا أن يتكلم فيه الواحد ولا يعرف سوى الإحالة إلى الله! ومن خالفه فإنما يشاقق الله!
كان بإمكانه أن يصور مؤهلاته الجامعية وينشرها فينهي «الترند» قبل أن يبدأ، إلا أنه آثر أن يسجل مقطعا مع غلاميه مدته ما يقارب الـ ٣٠ دقيقة ليرفعه أحد الخليّن ومن ثم قناة على التلغرام من المعجبين المراهقين الذين ينعتوه بالـ savant؛ فلا أدري هل قصدوا بذلك أنه موهوب أم أنه يعاني من متلازمة الموهوب Savant syndrome، وهي أن يمتلك الأشخاص الذين يعانون من إعاقات ذهنية متقدمة، بما في ذلك اضطراب التوحد، قدرة استثنائية في مجال معين.. فإن عنوا بذلك الثاني فلا أجد نفسي إلا مضطرا لموافقتهم! إذ هو موهوب في حشو الكلام وإطالته، أما في باقي المجالات فهو...
كان المقطع خاليا من أي رد حقيقي؛ فقد قال أن بعض الكورسات ليست مجانية بل مدفوعة (وأنا لم أزعم أن كل الدورات كانت مجانية)، وقال أنها مفيدة (مع أني لم أثبت أو أنكر فائدة لها)، وادعى أنها صعبة عسيرة لا يقدر كل أحد على إنجازها (أما سهولتها أو صعوبتها فأمر لم أذكره، وهو في ذاته أمر نسبي، أما ما قلته فهو أن أي أحد بإمكانه التقديم لها بغض النظر عن مؤهلاته، وبالتالي فإجتيازها لا يعتبر مؤهلا للعمل بها)؛ فلا أدري على من كان يرد وقد كانت مقطفات من المنشور تلقى على مسمعيه؟!
ومن المضحك أنه وصف أحد الكورسات في مرض الفصام Schizophrenia بأنه "يصلح لأن يكون Training شامل وكامل"، فيا سلام! ولماذا يتعب علماء النفس والأعصاب وأطباء النفس أنفسهم بالتدريب في المستشفيات والمراكز! قد حلها المرزوقي بكورس عن طريق الانترنت! 🌹
غير أنه لم يكتف بالرد على ما لم يُذكَر، بل كما هي عادته لم يتاونى في الإغراق في مدح نفسه، فها هو النابغة قد ادعى أنه ختم دورة من ستة شهور في ستة أيام وصرح بأنه حصل على ما يقارب الألف شهادة في مدة لا تتجاوز السنتين! وليت شعري أليس هذا في ذاته قدحا بتلك الدورات؟ أم أن البلادة قد أعمته فذم نفسه حيث أراد مدحها، حاله كحال معجبيه أصحاب قناة التلغرام!
إلا أن مديح النفس لا يعرف حدا عنده، فلم يكتف بأن يكون فيلسوفا فقيها وعالما سياسيا وخبيرا عسكريا ورياضيا وموسيقارا ومعالجا نفسيا وخبيرا بالجنس، كلا! لا بد من أن يكون كذلك شهيدا! فقد قدم التضحية الكبرى في سبيل غزة، ألا وهي حسابه على الفيسبوك! ستتذكر الأجيال اللاحقة ذلك القربان، ستلقى فيه الأشعار، وستبنى له النصب، سيتسامر الخلان فيما بينهم مستحضرين ذلك الفداء! ستضرب ببذله الأمثال فيقال: «ضحى كما ضحى مرزوقي!».. فهل سيرضي ذلك نرجسيته، أشك!
ثم ذكر أحد غلاميه أني «علماني» وأني قد صرحت بذلك؛ ولا أذكر أني وصفت نفسي بذلك مرة! أم أنه أخذ علم النفس عن أستاذه فعرف ما يجول في خاطري؟ على العموم، قد طار المرزوقي بذلك فرحا؛ فوجد ذريعة لتكفير منتقده إذ كان يرمي العلمانيين من قبل بالكفر: ألم يذكر في أحد منشوراته أن «تقسيم الكفر والإيمان .. " الإسلامي والعلماني " = تقسيم كلّيّ يقينيّ قطعيّ»؟
ذلك العلامة الذي لاحظ والده منذ طفولته أنه يتمتع "بذكاء عالٍ مقارنة بأقرانه أو حتى البالغين"، وأنه "يقوم بأشياء تنم عن الذكاء" [كما وصف نفسه في لينكد إن]، ذلك الذي لم يترك علما إلا وخاض به، ولا فنا إلا تبحر فيه.. لن يسامحني على ما ذكرته في منشوري!! فيا لها من بجاحة! بعد هذا كله صرتُ المطالَب برجاء السماح!
"قال مؤلفه رحمه الله تعالى: ذاكرتُ يومًا بغزوة، صاحب الجيش أبا المظفر نصر بن ناصر بن الحبوب بن أبي حفصة للمأمون مديحًا فيه من قصيدة له:
تشاغلَ الناسُ بالدنيا وزِبرِجها***وأنتَ بالدين عن دنياكَ مشتغلُ
فقال له المأمون: ويحك! ما زدتَ على أن جعلتني عجوزًا في محرابها معها سُبحتها، هلَّا قلتَ كما قال جرير في عمر بن عبد العزيز بن مروان رحمه الله تعالى:
فلا هو في الدنيا مُضِيعُ نصيبَه***ولا عَرَضُ الدنيا عن الدينِ شاغلُه
وهذا والله القول الفصل، والكلام الجزل"
(مرآة المروءات، عبد الملك بن محمد الثعالبي، تحقيق: محمد خير رمضان يوسف، دار ابن حزم، بيروت-لبنان، الطبعة الأولى: ١٤٢٥هـ-٢٠٠٤م، ص١٧.)
من الحرب إلى الجنس
قد استمعت لبودكاست للمدعو كمال المرزوقي يتحدث فيه عن حرب إبادة يتعرض لها شعب كامل، يتهم مخالفيه بالنفاق والإرجاف.. قد كان المشهد سرياليا: إذ كان متكئا على أريكته وبيده عصا خشبية محاكيا للقطة يراها درامية، ومع ذلك فقد خانه ذوقه في همدانه، تحسبه عند رؤيته أحد برجوازيي القرن التاسع عشر، فلا تدري هل هي تراجيديا فتبكي أم كوميديا فتضحك!
عاش حياته انتهازيا، ذهب إلى صراعات فكرية ليس هو بأهل لها: فلم يترك فرقة دينية أو فكرة فلسفية أو نظرية سياسية إلا وناقشها؛ كيف لا وهو العلامة المتبحر في كل علم وفن؟ غير أني لم أجد له بحثا محكما أو دراسة علمية موثقة!
اتخذ من أقران له صحبة ثم تركهم.. افتتح جامعة أسماها «جامعة الإمام مالك للعلوم الشرعية»، جامعة ليس لها حرم أو حتى موقع إلكتروني ولا تحظى بأي اعتراف، جامعة كانت تقدم دورات في التصميم؛ كأن الإمام مالك «غرافيك ديزاينر»!
ثم افتتح بعد ذلك موقع "لينا سايكولوجي" منتحلا فيه صفة "معالج نفسي مجاز من جامعة هارفرد وكامبريدج وعضو بالجمعيّة النّفسيّة الأمريكيّة وعضو بالمجلس الأمريكي لعلم الجنس".
إنه موسوعي حقا! فمرة هو محلل سياسي وخبير عسكري، ومرة هو فقيه وفيلسوف، ومرة معالج نفسي ومختص بالجنس! إنه رجل الحرب والسلم، العلم والفكر، النظرية والتطبيق! ألم يقل أحدهم بأن السياسة تبدأ من الأسرة؟ والأسرة تبدأ بالسرير!
عند فحص هذا الإدعاء نجد ما يلي:
1. الإجازة من جامعة هارفارد هي عبارة عن دورة/كورس أونلاين مجاني تقدمه هارفرد-إكس HarvardX بالتعاون مع إد-إكس EdX (منصة تعليم افتراضية)، يتناول موضوع أساسيات علم الأعصاب، والشهادة تمنحها HarvardX لا حرم الجامعة نفسها! إذًا، هذه «الإجازة» ليست في العلاج النفسي بل مجرد إثبات أن المرزوقي قد أكمل الكورس المجاني!
2. الإجازة من جامعة كامبريدج هي أيضا عبارة عن كورس أونلاين (يستطيع أي أحد التقديم إليه) مقدم من جامعة كامبريدج بالتعاون مع إد-إكس، يتناول الكورس موضوع علم النفس العصبي لاتخاذ القرار! إذًا هذه «الإجازة» هي بمثابة إقرار أن كمال أتم الكورس، ليست إجازة من جامعة كامبريدج في العلاج النفسي!
3. أما أنه عضو في الجمعية النفسية الأمريكية، فهذا تضليل! إذ إن الشهادة التي أرفقها كمال في موقعه تصفه بأنه منتسب دولي لا عضو؛ والعضوية مرتبة أعلى لا بد للمتقدم إليها من أن يمتلك درجة الدكتوراه في علم النفس أو في مجال ذي صلة من مؤسسة معتمدة إقليميًا (وعلى ما يبدو فليس المرزوقي مؤهلا لذلك).. أما المنتسب الدولي فيكفي المتقدم أن يكون عضوًا في جمعية علم النفس في البلد الذي يقيم فيه أو يقدم دليلاً على «المؤهلات المناسبة». وللمرء أن يشطح بخياله عما تعتبره الجمعية «مؤهلا مناسبا»! فهل تفي كورسات الأونلاين بالغرض؟
4. أما كونه عضوا في المجلس الأمريكي لعلم الجنس، فهو صحيح! إلا أن «العضوية» في هذا «المجلس» لا تشترط أن يمتلك المرء البكالوريوس فضلا عن الماستر أو الدكتوراه! فهل يفي بالغرض إقرار إتمام كورس أونلاين؟! أو دبلوما مجانية؟!
أما إن أراد المرء أن ينال «شهادة البورد» فيشترط «المجلس» أن يكون للمتقدم بحث مراجعة أقران peer-review وأن يجتاز امتحان أهلية.. ولحسن الحظ فكلا الشرطين قد سقطا بسبب جائحة كورونا! اللافت للنظر أن هذا المجلس يقدم شهادات وعضويات في العلاج بالتانترا Tantra، وهو علاج مستقى من فلسفة اليوغا الهندوسية، مبني على فكرة أن في الجسد هالات من الطاقة (الشاكرا) يؤدي اختلالها إلى نشوء الأمراض.. فيا له من مجلس علمي!
هكذا هي جل الشهادات التي يجدها المرء على موقع كمال المرزوقي، دبلومات وكورسات أونلاين يستطيع أي أحد التقديم إليها، حتى أننا نجد شهادة دبلوم في العلاج بالفن لدورة ماجستير مقدمة من جامعة أكسفورد يستطيع من لا يملك البكالوريوس التقديم إليها! هذا غير الندوات المجانية التي كان فيها المرزوقي مجرد مستمع: كندوة «بعبع التحول الجنسي: إعادة صياغة الخوف من الندم والتراجع عن التحول»!
The Boogeymen Of Gender Transition: Reframing The Fear Of Regret And Detransition.
ويبقى السؤال: تفتقر «الإجازات» التي نشرها «الأستاذ» إلى شهادة جامعية حقيقية؛ لا يجد المرء مثلا شهادة بكالوريوس في علم النفس! فما هي المؤهلات الحقيقية التي يمتلكها كمال المرزوقي حتى ينتحل صفة معالج نفسي؟ وحتى يسوق لنفسه أنه هناك "لمرافقتك ومساعدتك في التغلّب على محن الحياة"! من يعتبر "رفاهيتك" أولويته، ضامنا "لك متابعة نفسية شخصية، تتكيف مع احتياجاتك"؛ ذلك بعد أن يسمع منك أسرارك وخصوصياتك عبر الإنترنت!
مهما تصنَّعوا الادعاء بتخلُّصهم من موروث يرى الفناء عن مشاهدة الوجود، أو وصولهم إلى الاتحاد الروحاني أو الحلول في اللا شيء، فإنَّ طريقة (تنابل عبد الحميد) بقيت تحتفظ بتركة مركَّزة في عالَم السياسة، حيث الاصطلام والسُّكر، حين تضحي المعلومات من: (حدثني قلبي عن ربي) والتحليل مبني على (الكشف الغيبي)، حيث (المجربات) لا تشبه التجربة، ولا يزال الواحد منهم: (كالميت بين يدي المغسِّل) مع هلوسات القناعات، هناك حيث يُكسبون اللا شيء كلَّ معنى!
Читать полностью…هذا الكتاب لم يكن له وجود على الشبكة مصوَّرًا، لكن رفعه بعض الإخوة لا زلت عند النصيحة.
Читать полностью…سينما
حقق ملايين المشاهدات، أضحت القصة على كلِّ لسان، تفاعل الجمهور، صفقوا حينًا وبكوا أحيانًا، بل صار موضة في مناطق من هذا العالَم بالأزياء والملابس وتقمص الشَّخصيات، بنوع الطعام، ببعض الألفاظ، رغم إدراك المتابعين أنهم مجرد مشاهدين، ليسوا جزءًا من العمل الدرامي، هناك لقطات لا تمحى من ذاكرتهم، وهناك مشاهير حققوا أرباحًا بالمشاهدات العالية للمراجعات التي قاموا بها، كانت هي الأخرى تحتفظ باللقطة كتسجيل ردَّة الفعل، ثم ما الذي يعني للجمهور إن كانت النهاية تراجيدية؟ هل قلَّت أرباح أفلام كتيتانيك، قلب شجاع، آلام المسيح لنهاياتها؟ بل زادت من عامل الجذب، فهل هناك أمتع للمشاهد من رؤية جسد نحيل ينتهي بتعليقه؟ أو غرقه؟ أو تقطيعه وهو يصيح باسم الحرية؟ لقد استخدموا لكل هذه اللقطات الكثير من الصبغات، والمؤثرات، تعبوا خلف الكواليس لصنعها، لكنَّ من لا يمثِّل لا يود أن يكون عنصر مشاهدة، سواءً لقيت الاعتياد أم لا، ويتمتم بشيء غير مفهوم، فإن استطعت الاقتراب وأنى لك هذا؟ ستسمعه يقول: "قومي من تحت الردم!"
"مسألة تدريها خيرٌ من ألف ترويها"
(قالها القاضي الحسين الحنفي، رحلة أبي الطاهر السِلَفي إلى مدينة أبهر، ص٦٠.)
"لا عليك
لم يَضْع شيءٌ ..
وأصلاً لم يَكُن شيءٌ لديكْ
الذين استُشهدوا
أم قُيْدوا
أم شُرِّدوا؟
هوِّن عليك
كلهم ليس يُساوي .. شعرةً من شاربيك
بل لك العرفانُ ممن قُيدِّوا .. حيثُ استراحوا
ولك الحمدُ فمَن قد شُرِّدوا .. في الأرض ساحوا
ولك الشكر من القتلى .. على جناتِ خُلدٍ
دَخَلوها بِيَدَيكْ"
(أحمد مطر)